في منهج الدعوة إلى الله تعالى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"في منهج الدعوة إلى الله تعالى"


إعداد: د.عبداللطيف تلوان


المقدمة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد:

فلعل من نافلة القول ومكرورالكلام أن يقال:إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من أوثق عرى الإسلام ومن آكد متطلباته ومن أشرف وسائله ومنطلقاته.

فلا حرج من إعادة مثل هذا الكلام تأكيدا وتذكيرا لتعيها أذن واعية.

ومن ثم كان القصد وراء هذا البحث المتواضع تذكرة الإخوان بما جاء عن شريعة الإسلام، من دعوة إلى إبلاغ هذا الدين بأجمل صورة وأحسن بيان وأكمل اقتداء.

واعتمدت خطة البحث على تقسيمه إلى ثلاثة فصول تتقدمهم مقدمة وتعقبهم خاتمة.

تضمن الفصل الأول الحديث عن منزلة الدعوة وأهميتها ودورها في تعزيز البعد الرسالي.

أما الفصل الثاني فقد انزوى إلى بيان ضروب الدعوة وقواعدها .

أما الأخير فقد رام ذكر نماذج بشرية للتأسي وأخرى للتنفيذ.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الفصل الأول: منزلة الدعوة وأهميتها ودورها في تعزيز البعد الرسالي.

المبحث الأول: منزلة الدعوة في الإسلام

لقد وردت آيات عديدة وأحاديث وافرة في بيان فضل الدعوة وعظيم منزلتها عند الله تعالى وفي ما يلي أمثلة لذلك.

1. من القران الكريم:

اعتبر القران الكريم أن أفضل الأقوال وأحسنها هو قول صرف وقيل في سبيل الدعوة إلى الله والإرشاد إليه قال تعالى:"ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"(سورة فصلت الاية33)

وقد جاء الأمر بتبليغ الدعوة في أكثر من موضع، فقال تعالى: "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعضة الحسنةوجادلهم بالتي هي أحسن" (سورة النحل الآية 125).

وهي مطلب من مطالب عباد الرحمن الذين: "يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما"(سورة الفرقان الآيتان 74-76)

ولقد أمرنا الله تعالى بأن نكون من الأمة التي تدعو إلى الخير والصلاح؛ فقال عز من قائل: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر"(سورة ال عمران الآية 104).

وجعل الله عز وجل من صفات الناجين من الخسران الأبدي التواصي بالحق والتواصي بالصبر فقال تعالى: "والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ".(سورة العصر:1-2-3-4)

2. من السنة النبوية:

أماالأحاديث الدالة على الدعوة فإنها قد بلغت من الوفرة حد التواتر المعنوي، و سأكتفي هنا لأجل الإيجاز بذكر بعض الأحاديث القولية في هذا الباب:

أولها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "والله لأن يهدي بهداك واحد خير لك من حمر النعم".( متفق عليه)

الثاني: عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".(أخرجه الإمام مسلم)

الثالث: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خيركم من تعلم القرآن وعلمه".( أخرجه الإمام مسلم ).

المبحث الثاني: أهميتها التربوية في حياة المسلم

إن الدعوة إلى الله تعالى لما تكون جزءا من حياة المسلم اليومية في بيته وفي عمله وطريقه ومع زملائه وفي جميع أحواله فإنها تؤثر فيه تأثيرا تربويا بليغا تجعله يرتقي في مدارج الإيمان ومسالكه إلى ماشاء الله من ذلك بحسب النية والجهد والمثابرة .

وحري بنا أن نعلم أن جبلة الإنسان السوية طبعت على حب الخير للآخرين فإذا لبى الإنسان هذا الداعي الجبلي الشرعي أحس في نفسه سعادة عارمة ونشوة إيمانية صادقة . فإذا كان كل ما جاء به الإسلام خير وفضل كبير فإن الدلالة عليه وإرشاد الناس إليه يزيل من النفس ما علق بها من صفات دنيئة سفلية كالأنانية والفردانية والحسد والبخل...

المبحث الثالث:دورها في تعزيز البعد الرسالي.

إن الدعوة إلى الله سبحانه تعالى في ممارستها وحمل همها لتجعل المتصف بها مسلما رساليا يقتدي بالأنبياء والرسل والصالحين في مجال التبليغ ونشر الخير والمعروف ونبذ الشر والمنكر.

فالدعوة إلى الله تعالى هي من أكبر المنبهات و العلامات على رسالية صاحبها .فهي الحد الفاصل بين المسلم الرسالي وغير الرسالي.

ويتأكد تعزيز الدعوة إلى الله للبعد الرسالي في سلوك المسلم عندما تهيمن على الفكر والشعور، وتنشد غاية تستعد لها الذات على كافة المستويات تعلما للشرع ومقاصده السامية وتدربا على كيفية القيام بالدعوة بأخلاقية سمحة وعلمية فعالة.

الفصل الثاني:ضروب الدعوة وقواعدها.

المبحث الأول: ضروب الدعوة

الدعوة الى الله تعالى يمكن أن نفرعها إلى عدة ضروب لاعتبارات مختلفة.

فباعتبار المتابعة وعدمها تنقسم إلى قسمين:دعوة متابعة ودعوة عابرة.

1.دعوة متابعة:

وهي ملازمة المدعو وصحبته وحمل همه إلى أن يبلغ الفطام .وهذه هي المطلوبة في حد ذاتها.


2.دعوة عابرة:

وهي التي لا تليها متابعة بل تكون عرضية فقط.وهي لا تخلو من فائدة إذ تؤول نتائجها الى الأولى .


أما باعتبارمراتب الدين فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:دعوة إلى الإسلام أو إلى الإيمان أو إلى الإحسان:

1.دعوة إلى الإسلام:

تكون هذه الدعوة في صفوف الخارجين عن الإسلام أو الداخلين فيه، ولكنهم لا يلتزمون بشعائره من صلاة وصيام وزكاة وحج لبيت الله الحرام... ويشترط فيه شرط خاص وهو أن يكون الداعي مسلما ملتزما بتعاليمه.


2.دعوة إلى الإيمان:

وهي الدعوة التي يرقي بها الداعي المؤمن غيره إلى درجة الإيمان،

والتي هي مرتبة أعلى من الإسلام.ويشترط في الداعي أن يكون مؤمنا بعد أن كان مسلما.


3.دعوة إلى الإحسان:

وهي محاولة الارتقاء بالمدعو إلى درجة المراقبة؛ التي هي أعلى مراتب الدين الحنيف.ويشترط في الداعي أن يكون محسنا بعد أن كان مؤمنا مسلما.


أما باعتبارالكيفية فإنها كذلك ثلاثة أضرب :قولية وفعلية وسلوكية:

1.الدعوة القولية: هي التي تكون بالقول ويدخل فيها ما كان مكتوبا ومسموعا ومرئيا.

2.الدعوة الفعلية:وهي التي يجتهد فيها الداعي باقتراح أعمال و أفعال تواكب العصر كإنشاء جمعيات، ومواقع دعوية، أو مسارعة إلى أعمال الخير والبروالاحسان.

3.الدعوة السلوكية: وهي لا تحتاج إلى قول أو فعل بقدر ما تحتاج إلى التحلي والتخلي.

أما باعتبار أطراف الدعوة فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:داع ومدعو ووسيلة.وسيأتي تفصيل ذلك في المبحث الموالي.

المبحث الثاني: قواعد في الدعوة إلى الله

قد تبين مما سبق أن الدعوة باعتبار أطرافها تنقسم إلى ثلاثة أطراف:

الطرف الاول:الداعي

الطرف الثاني:المدعو

الطرف الثالث:الوسيلة

والحديث عن قواعد الدعوة إلى الله تعالى سيجري مجرى الأطراف سالفة الذكر:

1.قواعد الطرف الاول:الداعي

  • النية الحسنة.
  • ضرورة البدء بالنفس.
  • القدوة الحسنة .
  • عدم الدعوة إلى بدعة.
  • مخاطبة الناس بما يحبون.
  • مراعاة الأولويات.


2.قواعد الطرف الثاني:المدعو

  • مراعاة المرحلة العمرية للمدعو.
  • مراعاة المستوى التعليمي والثقافي له.
  • تكوين علاقة شخصية حقيقية مع المدعو.
  • اجتذاب المدعو بالجديد.
  • مخاطبته بلغته.
  • التبسم في وجهه وحب الخير له.
  • الصبر على أذاه وجفائه.


3.قواعد الطرف الثالث:الوسيلة

  • مخاطبة القلوب فادع الأرواح والقلوب لا الأجسام والأبدان.
  • التلطف وهي قاعدة ذهبية في جذب الناس والتأثير فيهم.
  • البحث عن العوائق...
  • البحث عن الحلول...
  • اعتماد أساليب الحوار في التواصل.

الفصل الثالث: نماذج بشرية وتطبيقية.

المبحث الأول:نماذج بشرية

خير أسوة لنا في هذا رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إذ مكث يدعو قومه إلى الله تعالى 23 سنة، من غير أن يقنط أو يزجر رغم ما اكتنفت دعوته تلك من مشقة وتعب.

ولا داعي لإعادتها هنا.وحسبك ثناء الله تعالى عليه "وإنك لعلى خلق عظيم". (سورة القلم:4) وقوله "بالمومنين رؤوف رحيم". (سورة التوبة:129)

وقوله "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ". (سورة آل عمران:159)

واذا أمعنت النظر في سيرته عليه الصلاة والسلام ستجد أنه قد بلغ أسمى صفات الكمال البشري في تبليغ الرسالة بمقاصدها التي أرادها الله تعالى لها.

ويمكن أن يستأنس في هذا الباب بسيرة رسل الله تعالى في دعوتهم لقومهم .وكلها موجودة في القرآن الكريم وعند قراءتها يستنتج المتتبع أن كل الرسل بدون استثناء:

  • ووجهوا في دعوتهم .
  • ولحقهم الضر من أقوامهم .
  • وترصد لهم شياطين الإنس والجان، فكانوا لهم بالمرصاد .قال تعالى "وكذالك جعلنا لكل نبيء عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ". (سورة الأنعام:113)

ورغم ذلك كان لهم أتباع ورهط حملوا معهم هم الدعوة.وكانوا سببا في حمايتهم من كيد أعدائهم .قال تعالى "ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ". ( سورة هود:91)

ولنا كذلك في نماذج الصحابة والتابعين والذين يلونهم، ما يمكن أن نقوم به دعوتنا ونعززها به.

ولنا في الدعاة المعاصرين أيضا أسوة، وعلى رأسهم شيخ الدعاة وإمام المجاهدين مجدد قرنه الإمام حسن البنا- رحمه الله -.فقراءة كتبه والاطلاع على مذهبه في الدعوة لا يرتاب في مدى نفعه وفائدته.

المبحث الثاني:نماذج تطبيقية

من محاسن أي علم أن ينتهي بعمل، فلا يكتفي بالتنظير و سرد الطرائق والبدائل.بل لا بد من عزيمة قوية تنبعث من كل نفس أبية على دين ربها؛ أن تقف راشدة مسترشدة لا تخاف في الله لومة لائم ولا ترجو في عملهاعود نفع غير دائم.

ومن مستويات التنفيذ التي أراهاحاملة لنا على المضي قدما في دعوة ربناتبارك وتعالى هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين:

-ضرورة حضور الجماعات؛ في المساجد، والجمعيات، والمحافل العلمية، والنوادي والأسواق.

-ضرورة العمل الدعوي الجماعي؛ من أجل التعاون على توبة جماعية تجدد الإيمان في القلوب وتؤلف هذه القلوب للنهوض بأوضاع هذه الأمة وتجديد رسالتها.

-إقامة حفلات دعوية تخلد ذكرى معينة أو تعالج قضية محددة.

-المشاركة الفعالة في الرحلات، والمخيمات، والحضور فيها حضورا إيجابيا فعالا.

-تداول الكتب والأشرطة التي تساهم في إبراز مكارم الشريعة وتحسينها في النفوس بين جند الدعوة والمستفيدين.

-إشراك الأهل والأقربين في حمل الرسالة وإشعارهم بأهميتها وضرورتها.

-فتح الدار، حتى ينالك أجر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.

-البذل والعطاء بسخاء، فالمال عصب الدعوة وعليه قوامها.

-المساهمة في الأعمال الاجتماعية والتنموية بتفان وإخلاص.

-حضور مجالس الذكر.

خاتمة

وختاما وجب التأكيد على أن الدعوة إلى الخير من واجبات العصر وأن هذا المعنى لا يتم إلا إذا كان خلقا للنفس وهاجسا ملازما لها.

وعليه فبات لازما على كل فرد من أفراد الأمة أن يعمل على إصلاح نفسه وإصلاح من حوله مااستطاع إلى ذلك سبيلا؛ سعيا إلى إصلاح المجموع الذي به تتقوم الجامعة الإسلامية وبه يعز كيانها وتقوى شوكتها وبيضتها.

والله نسأل أن نكون من الذين قال فيهم سبحانه وتعالى :"فسوف يات الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المومنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله واسع عليم". ( سورة المائدة:59) والحمد لله رب العالمين.