قراءة في المشهد العام.
مقدمة
201003-03
أولاً: الشأن الداخلي
1-تنازع الرقابة في مصر
شهدت الأيام الماضية جدلاً واسعًا حول طبيعة الدور الرقابي للجهاز المركزي للمحاسبات (المراقب المالي للدولة)، وكان ذلك في سياق عرض التقرير المالي لأداء الحكومة، وكان من اللافت أن هذا الجدل حدث بين مجلس الشعب والجهاز المركزي، رغم أنهما يشتركان في الرقابة على الجهاز التنفيذي للدولة.
ومع إثارة مشكلات العلاج على نفقة الدولة، وما يرتبط بها من فساد، تبدو هناك عدة اتجاهات داخل النظام الحاكم بحزبه وحكومته ومؤسساته الأمنية تسعى لتقليل الدور الرقابي للجهاز وتقييده لأدنى حد ممكن، بحيث يقتصر دوره على رصد المعلومات دون تحليلها وإبداء الرأي بشأنها.
وفي ظلِّ اختلال التصرفات المالية للنظام، فإنه من المتوقع أن يتزايد هذا الخلاف في المدى المنظور، وخاصةً مع سعي أعضاء في الحزب الحاكم للبحث عن طرق لتقليل الدور الرقابي للجهاز، وقد يكون ذلك من خلال نقل بعض من جوانب الرقابة المالية في النموذج الفرنسي، خاصةً تلك التي تحمي الحكومة وتضعف دور الأجهزة الرقابية، أسوةً بما حدث في كثيرٍ من القوانين التي يمكن أن توجه نُقلت عن القانون الفرنسي (مع ملاحظة الفرق الكبير بين التطبيق والمتابعة في البلدين).
وبالنظر إلى تقرير الجهاز المركزي يمكن القول بأن ثمة إشارات مهمة ومنها، أن النفقات العامة هي الوجه الآخر للسياسات العامة، ومن ثَمَّ فإنه ليس من الصواب توجيه انتقادات للجهاز بسبب ربطه بين السياسة والتمويل العام؛ حيث إن الفصل أو التمييز في هذين الجانبين يضر بالمصالح العليا للدولة، وذلك للارتباط الشديد بين التصرفات الحكومية وقضايا الفساد المرتبطة بالسلطة، وظهر منها مؤخرًا العلاج على نفقة الدولة والذي لا يخلو من أبعاد سياسية وإدارية في المقام الأول.
غير أن المشكلة الأهم التي نواجهها في هذا الصدد، تكمن في أن مجلس الشعب (لجنة الخطة) هي التي تصدت لتقرير الجهاز المركزي وطعنت في أهليته، رغم أن المجلس ولجانه يمثلون جهة رقابية أخرى، وكان من الضروري أن يتضافر الجهد والرأي للوصول إلى موقف واضح لمحاسبة الحكومة على تصرفاتها.
ويمكن القول بأن الصدام الذي حدث بين الجهتين الرقابيتين في مجلس الشعب منذ ما يقرب من شهر وتداعياته اللاحقة يكشف عن أمرين: الأول (أن شبكات الفساد والمصالح الخاصة سوف تبذل جهدًا عظيمًا لإضعاف الأجهزة الرقابية ودفن تقاريرها. أما الثاني) فهو أن هذه الاختلالات سوف تنعكس على التعامل مع المشكلات الاقتصادية والأزمات السياسية، بحيث لا تتوفر حلول ناجعة للمشكلات اليومية أو المزمنة.
2-أزمات الغاز المتتالية
خلال الشهور الماضية شهدت البلاد أزمات متتابعة، وتمثلت في النقص الحاد لأنابيب "البوتاجاز" بالنسبة لحاجات المستهلكين، وقد ظهرت هذه الأزمة على مدى فصول السنة، كما انتقلت من منطقة لأخرى خلال تلك الفترات، بما أدَّى إلى زيادة أسعار "الغاز" عن مستوى الأسعار الحقيقية بكثير.
وقد لازم هذه الأزمات المتنقلة، دعاية إعلامية تفيد بأن الأسباب الحقيقية للأزمة ترجع إلى التوسع في تصدير الغاز ودخول فصل الشتاء، وإذا كان من اتفاق مع الجزء الأول وهو تصدير الغاز للعدو الصهيوني، إلا أن الزعم بأن دخول فصل الشتاء كان سببًا أيضًا لا يتفق مع الواقع؛ حيث إن الظروف المناخية الحالية لا يترتب عليها زيادة مفاجئة في الطلب على "الغاز"، وهذا ما يتطلب البحث في مشكلات الإنتاج والتوزيع.
وفيما يبدو أنه تخطيطٌ لتوزيع الأزمة ونشرها على مستوى المحافظات، يتم إثارة هذه الأزمة في محافظات دون غيرها؛ حتى وصلت إلى محافظات القاهرة الكبرى، بعد أن جابت المحافظات الأخرى؛ وذلك خلال فترة تقارب العام.
ويمكن القول؛ أن هذه الأزمات لا تخلو من شبهة احتكار نتجت عن تنامي شبكات الفساد في مقابل تهاوي سلطة الدولة، وهو ما ترتب عليه استلاب لأموال الناس في عمليات مشبوهة تدر الملايين على المحتكرين، وهو ما يعرف بانعكاس أهداف دعم الطاقة الذي يصل إلى غير مستحقيه من التجار وغيرهم.
هذه النوعية من المشكلات الحادة والمزمنة سوف تتفاقم، وخاصةً في ظل رفض مطالب الإصلاح وتهميش الأجهزة الرقابية، وتداخل المصالح بين الدولة ورجال الأعمال.
3-جدل النظام بين المصالح العامة والخاصة
مرةً أخرى يكشف مشروع المحطة النووية بالضبعة عن وجود خلافات شديدة داخل النظام، ليس فقط حول المشروع ولكن حول المصالح الخاصة، فمنذ فترة ظهر وجود خلاف بين اتجاهين، الأول يرى بملائمة المكان (الضبعة) لإنشاء المحطة النووية، فيما يرى اتجاه آخر إمكانية تحويله إلى مشروعات سياحية، ذلك فضلاً عن أن سياسة عليا تعمد إلى تعطيل دخول مصر إلى عالم استخدام الطاقة النووية، وخاصةً في الأغراض السلمية.
واستمرار الجدل حتى اليوم، قد يعني وجود حالة من تنازع المصالح، بين مَن يرى أولوية مصلحة الدولة وبين من يقاتل لأجل المصلحة الخاصة، ومن ناحية أخرى، رفض مجلس الشعب مقترحات (أحمد عز) التي تتبني السماح بالاتجار في الآثار.
ويمكن اعتبار ذلك ظاهرة صحية، لكن العبرة دائمًا بالنتائج وبالسياق العام، فمن ناحية لا يمكن إنكار أهمية دور المدافعين عن المصالح العامة، ولكن في ذات الوقت لا بد من اتخاذ إجراءات تصحيحية شاملة في كل المجالات، فإن وجود وتبني سياسة شاملة لمكافحة الفساد تعد حاجة ضرورية، كما أن توسيع فرص المشاركة السياسية هي شرط للمحاسبة الصحيحة والتقدم، فهل يمكن أن يكون ذلك بداية صفرية على طريق طويل للإصلاح؟
4-حالة حقوق الإنسان في مصر
في إطار مراجعة المجلس الدولي لحقوق الإنسان (الأمم المتحدة) لأوضاع حقوق الإنسان في العالم، تمت مراجعة التقرير عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة الماضية.
وقد رصد تقرير المراجعة الكثير من الملاحظات (173) على الأداء المصري تجاه التزاماتها باحترام حقوق الإنسان، وفي إطار القانون الدولي الإنساني، وهو ما يعد من أعلى الملاحظات التي أبداها "المجلس الدولي"؛ وذلك مقارنة بالعديد من تقارير الدول الأخرى؛ حيث جاءت الملاحظات في معظمها مرتبطة بتداعيات استمرار فرض حالة الطوارئ، والممارسات اللاإنسانية: كالتعذيب، والاعتقال، والحبس، في قضايا النشر والتوسع في الحبس الاحتياطي وغيرها من الموضوعات المماثلة.
وهناك مجموعة أخرى من الملاحظات التي أبداها تقرير المراجعة، لم تأخذ في الاعتبار الخصوصية المصرية في النواحي الدينية والاجتماعية والثقافية؛ حيث أشار إلى غياب المساواة التامة بين الرجل والمرأة كاستحقاق ضروري لتساوي المرأة مع الرجال، وخاصةً في نطاق الزواج والميراث والطلاق، بالإضافةِ إلى الدعوة إلى الحريات الدينية دون ضوابط، بشكلٍ يؤدي إلى حدوث فوضى في التحول بين العقائد، وإهدار القيم الدينية لدى المجتمع.
ورغم ورود العديد من الملاحظات المهمة على الأداء المصري في مجال احترام حقوق الإنسان، يبدو أن الاستجابة المصرية لتصحيح الاختلالات في التشريعات المصرية سوف تكون في الحد الأدنى؛ حيث إن الاستجابة المصرية لملاحظات "المجلس الدولي" اقتصرت على الإعلان عن مراجعة بعض مواد قانون العقوبات المتعلقة بالتعذيب، ولكنها لم تتحدث عن الموقف من التعديلات الدستورية التي تتيح سن قوانين جديدة تحد من الحريات الأساسية أو تصادرها، وهذا الوضع يلغي كل الآثار الإيجابية المحتملة في اتجاه تحسين واحترام حق الأفراد في التعبير والمشاركة السياسية، وتوفير الضمانات اللازمة لها.
ورغم وجود الكثير من الملاحظات على التقرير المصري، وتزايد النقاش والجدال حولها، إلا أن ذلك كله لم يشر إلى توجه الحكومة لمصادرة الملكيات الخاصة لأسباب سياسية، وإساءة استعمال قانون الحبس الاحتياطي، وتوظيفه لأغراض سياسية، وهي إجراءات تتماثل في شدتها وقسوتها مع الإيذاء البدني والمعنوي، كما هي في ذات الوقت مخالفات صريحة لكل العهود الدولية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان.
ثانيًا: الشأن الإقليمي
1-الانتخابات السودانية وبارقة أمل جديد
رغم التقديرات المتشائمة حول المستقبل السياسي في السودان، إلا أن المؤشرات الأولية على الانتخابات الحالية تشير إلى إمكانية تجاوز الاختناقات السياسية، والنظر في أسباب الاختلاف الحاد بين الأطراف السياسية المتعددة.
وهناك العديد من المؤشرات على التوجهات الإيجابية التي تلازم الانتخابات التي يجرى الإعداد لها هذه الأيام، لعل أهمها هو ما يتمثل في تضاؤل الخلافات حول الإجراءات المتعلقة بها، وذلك باستثناءات قليلة في "جنوب كردفان" ووجود بعض المشكلات في "دارفور"، وبهذا المعنى تشكل الانتخابات حالة سياسية جديدة وتعد أكثر تطورًا عن الانتخابات التي جرت في المرات السابقة.
كما أنه في ذات الوقت يوجد حالة من الجدل السياسي حول القضايا الرئيسية في الدولة، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة الموحدة أو فيما يتعلق بترتيب العلاقات مع المحيط الإقليمي.
ويمكن القول بأن اتساع المشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية والرئاسية يشكل حلقةً مهمةً في تفكيك الأزمة السياسية في السودان، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة، وخاصةً ما يتعلق منها بالقبول بنتائج الانتخابات، وتطوير العمل الجماعي للتوافق على العناصر الأساسية لبناء الدولة؛ للتغلب على تحديات الاستفتاء على تقرير المصير، والتغلغل الأجنبي في الشئون الداخلية.
2-بروز المصالحة الفلسطينية لمواجهة الأحداث ومنع انعقاد جلسة المجلس التشريعي الفلسطيني
خلال الأيام الماضية عادت المصالحة الفلسطينية إلى واجهة الأحداث السياسية؛ حيث شغلت حيزًا مهمًا في اللقاءات والحوارات السياسية على مستوى المنطقة، وكذلك في اللقاءات بين مسئولي حركة حماس والاتحاد الروسي، وإن كان ما قامت به السلطة الفلسطينية من منع انعقاد جلسة طارئة للمجلس التشريعي؛ لمناقشة موضوع ضم الصهاينة للحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى الآثار الصهيونية يُعد نوعًا من تعويق مساعي المصالحة بين السلطة الفلسطينية من ناحية، وبين حماس وباقي فصائل المقاومة من ناحية أخرى.
ويأتي بروز بعض المحاولات للوصول إلى المصالحة الفلسطينية في سياق ثلاثة توجهات سياسية إقليمية وعالمية تؤثر على الشئون الفلسطينية، وهي:
أ- تزايد التوتر الإقليمي بسبب سعي الكيان الصهيوني؛ لأن يكون طرفًا في الأزمة بين إيران والغرب؛ حيث نشر الصهاينة خلال الأيام الماضية تهديداتهم بالحرب ضد سوريا ولبنان، بشكل زاد التوتر مع دول الجوار بما فيها مصر، ومع تزايد الأزمة بين إيران والغرب فإنه من المتوقع تزايد التوتر الإقليمي.
ب- أن السلطة الفلسطينية باتت تدرك مدى تحول السياسة الأمريكية عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وانتقالها إلى ملفات أخرى تراها أكثر أهميةً (الصين، أفغانستان، اليمن، العراق)؛ ولذلك لم يكن مستغربًا أن يوجه (أبو مازن) انتقادات مباشرة للسياسة الأمريكية ويعتبرها سببًا لتعثر العملية السلمية.
ج- تشير التعليقات المصرية إلى أن السياسة الصهيونية تجاه إفريقيا، أصبحت تشكل تهديدًا سياسيًّا لدور مصر، وأشارت كذلك إلى وجود إمكانية للتغلب على هذا التهديد، وقد يكشف ذلك عن تزايد فرص التوتر بين الطرفين، وبشكل عام فقد دار جدل سياسي حول الورقة المصرية، ومحورية الدور المصري في المصالحة بين الفلسطينيين، ويبدو أن التوافق حول الورقة المصرية سوف يكون قاسمًا مشتركًا بين كل الأطراف الفلسطينية، وخاصةً في ظل تطورات إقليمية ودولية تتطلب التوجه نحو تقوية الأجندة الوطنية الفلسطينية.
3-اغتيال "المبحوح" يكشف الخلل الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية
كشفت حادثة اغتيال "محمود المبحوح" (القيادي في حركة حماس) عن الشرخ العميق في الحركة الوطنية الفلسطينية؛ إذ إنه رغم وضوح واتساع نطاق التآمر في هذه الحادثة، إلا أن مواقف بعض المسئولين الفلسطينيين تعد بعيدةً تمامًا عن تحمل التزامها، سواء تجاه حماية الفلسطينيين أيًّا كانت انتماءاتهم السياسية أو بالسعي؛ لتقريب المواقف والالتحام لتوحيد تلك المواقف تجاه الآخرين.
ويومًا بعد يوم؛ تتكشف أبعاد هذه الحادثة لتظهر بوادر أزمة سياسية بين دول الاتحاد الأوروبي ومعها إستراليا والكيان الصهيوني، وذلك بعد كشف "الإمارات العربية" لكثير من جوانب جريمة الاغتيال، وفي هذا السياق يمكن القول بأن الخلافات بين الأوربيين والصهاينة لا تتعلق بالجوانب الأخلاقية بقدر ما تتعلق باحترام سيادة الدول، والحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية، وهو ما يتقارب بشكل كبير مع دوافع "الإمارات" في الإعلان عن تفاصيل المؤامرة وأبعادها.
ورغم أن هذه الخلافات تكشف عن الكثير من التفاصيل السياسية والجنائية وتورط حكومات في المؤامرة، فإن الخطاب السياسي للسلطة الفلسطينية ينصرف إلى اتجاهات وقضايا أخرى، وبشكل يكشف عن حدة الأزمة في الحركة الوطنية الفلسطينية.
وخلال هذه الفترة يمكن ملاحظة أن السلطة الفلسطينية تسعى لإثارة الأوروبيين والأمريكيين ضد حركة حماس، وطالبت بدعم السلطة في الضفة الغربية؛ حتى لا يصير الوضع كما هو في قطاع غزة، وهذا ما يتضح في تصريحات (رئيس السلطة) في صحيفة "لوفيجارو" أثناء زيارته لفرنسا؛ حيث أشار في لغة تهديدية إلى أن السلطة لا تزال تسيطر على الضفة، وأن هذه السيطرة معرضة للزوال، يحدث ذلك رغم تراجع الاهتمام الدولي لبدء مفاوضات على المسار الفلسطيني، ومع ذلك فإن السلطة تنخرط في حوارات ومحادثات إقليمية عن عودة المفاوضات وشروطها وكيفيتها.
هذه الجهود تتم في سياق غياب أجندة واضحة على المستويين العربي أو الدولي، وهو ما يثير تساؤلات عن أسباب تنقلات السلطة الفلسطينية بين العواصم الدولية.
ومنذ أيام نشأ ما يشبه حربًا دعائية بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، وفي ثناياها كشفت جوانب من الفساد السياسي بمعناه الواسع داخل السلطة الفلسطينية، ويبدو أن الهدف من نشر هذه الوثائق هو إضعاف موقف السلطة والانصراف عن المفاوضات في الوقت الراهن، غير أن النتائج الأخرى لا تقل أهميةً؛ حيث تدهورت الشرعية السياسية للسلطة لدى قطاع عريض من الرأي العام ولدى الدول المانحة أيضًا.
وتشكل التوجهات الصهيونية نحو مصادرة الأراضي والمساجد (كما حدث مع الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح)، فضلاً عن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، تحديًا رئيسيًّا لوجود كيان فلسطيني متماسك، وبهذا المعنى؛ فإن استمرار المساعي والحديث عن الانخراط في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة يعد عديم الأهمية؛ حيث إن السياسات الصهيونية لن تترك ما يمكن التفاوض عليه، سواء في القدس أو غيرها، وخاصةً في ظل التفاخر بسياسة الاغتيالات من قبل الصهاينة.
ومع اغتيال "المبحوح"، كان من المتوقع أن تتحمل السلطة أو منظمة التحرير مسئوليتها السياسية والإدارية حول هذه الحادثة، لكن ما حدث تنافى وتعارض بشكل تام مع هذه المسئولية؛ حيث سارت السلطة تتحدث عن وجود اختراق أمني لحركة حماس، وأن ما حدث هو نتيجة لتغطيات داخلية، وهذا التناول أقل ما يقال عنه هو أنه مسلك لا يقدر المسئولية ولا يعرف لها معنى، إذ كان من الضروري أن تتم معالجة هذه الحادثة في إطار المشكلة الفلسطينية، وتتحمل منظمة التحرير والسلطة مسئوليتها تجاه العالم.
وبمرور الوقت يتضح عمق التباين بين مكونات الحركة الفلسطينية، وهو أمر يبدو أنه يستعصي على الحوار أو المصالحة، وبات من الأهمية إجراء مراجعة واعية لمسيرة النضال الفلسطيني.
ثالثا: الشأن الخارجي
1-السياسة الخارجية الأمريكية في ضوء خطاب أوباما عن حالة الاتحاد
باستثناء قضية "الإرهاب" وأفغانستان، انشغل خطاب أوباما عن حالة الاتحاد بالقضايا والأزمات الداخلية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العام الماضي، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية خلال العام القادم.
فقد انشغل الخطاب بتداعيات الأزمة الاقتصادية على المجتمع الأمريكي ودور الحكومة في النشاط الاقتصادي والخدمات العامة، وهذا ما يعكس مدى التحديات الداخلية التي تواجه الحكومة الأمريكية، ويشير في ذات الوقت إلى استمرار الاهتمام بمعالجة الشئون الداخلية الأخرى.
وفي ظل هذا الوضع فإنه من الأهمية التعرف على اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية، ومدى تأثرها بالمشكلات الداخلية، وخاصةً في ظل إهمال تجنب الحديث عن القضية الفلسطينية، وعقد مؤتمري لندن حول اليمن وأفغانستان في إطار إستراتيجية مكافحة "الإرهاب".
ويمكن القول بأنه خلال العام الماضي حدثت تغيرات في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث اهتمت بشكل ملحوظ بوضع إستراتيجيات للتعامل مع الملف الأفغاني وتداعياته الإقليمية، فيما لم تتقدم خطوة في طرح مبادرات جديدة تجاه القضية الفلسطينية، وظلت السياسة الأمريكية تتأرجح حول التحضير لمفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دون وضوح لسياسة أو إستراتيجية التعامل مع ملفات القضية الفلسطينية.
وتقوم إستراتيجية أمريكا وحلف الأطلسي تجاه أفغانستان على جانبين: الأول) حيث يركز على الاهتمام بتقويض حركة طالبان وتفكيكها، وهذا هو الجانب العسكري الذي يقوم به حلف الأطلسي، ولكنه خلال العامين الماضيين لم يحقق نتائج مرضية، بل إن حلف الأطلسي ومعه "الجيش الأفغاني" تلقوا خسائر فادحة عطلت التقدم في المجال العسكري؛ وذلك ما استدعى إعادة تطوير الإستراتيجية مرة أخرى، والدفع بعشرات الألوف من الجنود الأمريكيين والأوربيين.
أما الجانب الثاني، فهو ما يتعلق بإستراتيجية بناء النظام السياسي للدولة، وتقوم السياسة الأمريكية على أن النظام الأفغاني لا يجب أن يكون علمانيًا فقط، ولكن لا بد وأن يتجاوز التقاليد الاجتماعية الأفغانية، ويتبنى اقتصاد السوق.
ولكنه مع تراجع أو تدهور العمل العسكري، لم يحدث تقدم في المجال السياسي المدني وشهد نشاط الحكومة حالة عدم استقرار، ولعل المشكلات العميقة في الدولة هو ما دفع الولايات المتحدة وحلفائها إلى التفكير على محورين، تفكيك حركة طالبان وتسليم السلطات الأمنية للحكومة في بعض المناطق بنهاية 2010م.
وكان ذلك هو الموضوع الأساسي لمؤتمر لندن حول أفغانستان، وأشير إلى أن السياسة تجاه طالبان تقوم على دمج المقاتلين في أجهزة الدولة، وإجراءات حوارات مصالحة مع القيادة، ولكنه لم يتضح بعد مدى نضج هذه المقترحات وقالبيتها للتنفيذ، وخاصةً في ظل التباين الأيديولوجي الغربي، وفي ظل ضآلة الإنجازات التي حققها التدخل الدولي في أفغانستان خلال السنوات الماضية.
ومع تزايد حدة الأزمة الداخلية في اليمن وتهديدها لوحدة الدولة، بدأت "بريطانيا" والولايات المتحدة في تبني سياسات لاحتواء التداعيات السلبية على الدولة.
وقد اعتبرت كلٌّ من بريطانيا وأمريكا أن ما يهدد وحدة اليمن يتمثل في تزايد نفوذ القاعدة بعد نقل جزء من نشاطها إلى القرن الإفريقي، وتزايد النفوذ الإيراني لدى الشيعة في اليمن، وفي فترة لاحقة أضافت بريطانيا أن اليمن يقع في إطار الدولة الفاشلة، وكان هذا التصنيف هو المدخل لتشكيل إطار دولي للتعامل مع الأزمة السياسية اليمنية.
وفي هذا السياق جاء انعقاد مؤتمر لندن ليشكل بداية التعامل الدولي الجماعي مع الأزمة اليمنية وبمنهج قد يقترب في لحظة ما من منهج التعامل مع الأزمة الأفغانية.
وقد انبثق المؤتمر عن توجهين، وهما؛ النظر للأزمة من الناحية الاقتصادية على نطاق إقليمي، حيث تتحمل دول الخليج غالبية المنح والمساعدات الدولية وتقدر بـ 5.2 مليارات دولار، أما من الناحية السياسية والأمنية، فقد أشار المؤتمر إلى أهمية حل الخلافات مع جنوب البلاد في إطار الحوار السياسي، ويضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تتبع سياسة للتنسيق والمساعدات الأمنية؛ حتى تظل الحكومة قادرة على مواجهة تهديدات الحوثيين والقاعدة، وبإضافة السياسة الأمريكية تجاه العراق والترتيبات الجارية بشأنها، يمكن القول أن الولايات المتحدة سوف تكون أكثر اهتمامًا بهذه القضايا في المدى المنظور؛ وذلك للاعتبارات التالية:
أ- أن تفاقم المشكلات الداخلية الأمريكية يدفع باتجاه تبني سياسة خارجية انتقائية، وترتيب أولويات القضايا.
ب- أن قضيتي العراق وأفغانستان تشكلان أولوية للسياسة الأمريكية، نظرًا لارتفاع التكاليف والخسائر المباشرة بسبب الاحتلال المباشر.
ج- أن إستراتيجية مكافحة "الإرهاب" واحتوائه، لا تزال القضية الأبرز في السياسة الخارجية، وهي في هذه المرحلة تركز على ملاحقة القاعدة، وإجهاض المشروع النووي الإيراني.
د- أن القضية الفلسطينية أصبحت لا تشكل عامل ضغط على السياسة الأمريكية؛ وذلك بسبب غياب مشروع واضح للتسوية أو الحل، وأيضًا تقارب سياسات الدول العربية تجاه الفلسطينيين مع السياسة الأمريكية.
وبناءً على ذلك، فإن تجنب خطاب حالة الاتحاد للقضية الفلسطينية قد يعني أن السياسة الأمريكية ستميل ناحية القضايا الأكثر حدة، والتي تؤثر على التوجهات العالمية للولايات المتحدة.
2-تزايد توقعات سياسة أمريكية خشنة تجاه إيران
يبدو أن موقف الدول العربية بات أقرب للموقف الأمريكي تجاه إيران، فخلال هذه الفترة تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية لحساب قضايا وملفات أخرى، من بينها الأزمة الداخلية في اليمن، والبحث عن دور أكثر فعاليةً في الملف الأفغاني، فضلاً عن الانشغال بتطورات الموقف العراقي.
وعلى صعيدٍ آخر، وبينما تقوم الولايات المتحدة بتعزيز الدفاعات العسكرية في أربع دول خليجية، قام مدير المخابرات الأمريكية (ليون بانيتا) بزيارة لكلٍّ من الكيان الصهيوني ومصر، ويشير هذا التزامن إلى أن السياسة الأمريكية تتحرك نحو اتخاذ إجراءات ضد إيران.
وتشير الأخبار المرتبطة بالزيارة إلى أن موضوع الملف النووي الإيراني كان محور اللقاءات، سواء في الكيان الصهيوني أو مصر، وهو ما يعتبر نوعًا من التمهيد السياسي والفني لبدء إجراءات جديدة تجاه إيران، قد يكون من بينها ممارسة ضغوط سياسية عبر توحيد مواقف مصر ودول الخليج والكيان الصهيوني تجاه ما يسمى " الخطر الإيراني"، ويعد النجاح في هذه المرحلة من الخطوات المهمة لتفعيل السياسة الأمريكية في الضغط على إيران.
وتأتي هذه الأحداث في سياق تجانس مواقف الإدارة الأمريكية تجاه قضايا السياسة الخارجية، وأيضًا في ظل التراجع الحاد لتوجهات الرئيس (أوباما)، وبهذا المعنى فإن هذه السياسة سوف تعود لطبيعتها التقليدية في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ حيث تسعي الولايات المتحدة للانفراد بالهيمنة على العالم بأقصى قدر ممكن، وهذا ما يتضح في الوقت الراهن من خلال السياسة الأمريكية المتشددة مع الصين، سواء في مجال سياسة الصين الداخلية أو الخارجية، ولعل أهمها الدعم العسكري لـ"تايوان".
وتكشف تلك التطورات في التحليل الأخير، عن زيادة التقارب بين العديد من الدول العربية والولايات المتحدة، والتي تشهد انقلابًا على مواقف أوباما، وهو ما ينهي الجدل حول فكرة التصالح والحوار في القضايا العالمية، وخاصة تلك المتعلقة بالحرب والسلام والتكنولوجيا، وهي قضايا تمثل جوهر الخلاف مع إيران.
3-المساعي الأمريكية لتفعيل تحالف "المعتدلين"
خلال ما يقرب من شهر تتابعت زيارات المسئولين الأمريكيين إلى المنطقة، وقد تشابهت هذه الزيارات من حيث شمولها لدول معينة أو الموضوعات التي تناولتها، كما جمعت بين الشئون السياسية والأمنية، وتثير كثافة هذه الزيارات تساؤلات حول طبيعة التحركات الأمريكية في هذه المرحلة.
فمن الناحية الأمنية، زار المنطقة كلٌّ من مدير المخابرات، وقائد الأركان المشتركة، وقد ركزت لقاءاتهما مع المسئولين في المنطقة وخاصة دول الخليج، ومصر، والأردن، والأراضي الفلسطينية، والكيان الصهيوني، على التعاون العسكري والأمني، وقد ترافقت كلتا الزيارتين مع سعي الولايات المتحدة لتعزيز الدفاعات العسكرية لدى دول الخليج ( باستثناء قطر)، وقد أعلن أن هذا لا يعني التمهيد لشن حرب ضد إيران.
وعلى التوازي قامت وزيرة الخارجية بزيارة لبعض هذه البلدان، وقد غلبت القضايا السياسية على الحوارات العامة (منتدى أمريكا والعالم الإسلامي) أو الحوارات الثنائية، وظلت إيران وملفها القاسم المشترك بين كل تلك الحوارات.
ورغم تناول العديد من القضايا المشتركة في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، إلا أن المسألة الإيرانية أصبحت تشكل في الوقت الحالي الجانب الأبرز في السياسة الأمريكية، فمن خلال تصريحات المسئولين الأمريكيين خلال الفترة الماضية، يمكن القول أن السياسة الأمريكية تتجه إلى التركيز على التعامل مع إيران وخفض وتقليل أعبائها في قضايا أخرى كالعراق، غير أن التحدي الذي يواجهها يتمثل في تكوين تحالف دولي لمساندتها، كما حدث في الحرب ضد العراق ويحدث حاليًّا في أفغانستان.
ومن خلال المتابعة لتصريحات الخارجية الأمريكية، يتضح أن ما قيل عن العلاقة مع العالم الإسلامي لا يتجاوز الأطر العامة لمبادرة كولن باول (2003م) ومخططات الشرق الأوسط الكبير، وأيضًا فإن ما تناولته "كلينتون" بشأن القضية الفلسطينية هو امتداد لمقترحات الإدارة الأمريكية السابقة، وبهذا المعنى لا تقدم السياسة الأمريكية إضافة جديدة في هذين الجانبين، ولذلك تعد الأهداف هي الأكثر أهمية.
وهنا تبرز أهمية المساندة الإقليمية التي تسعى إليها الولايات المتحدة في المواجهة مع إيران، سواء من الناحية السياسية أو الناحية العسكرية، وفي ظل الأوضاع الحالية، يمكن القول؛ إن السياسة الأمريكية تسعى في هذه المرحلة إلى تعزيز التحالف مع شركائها الإقليميين وهي الخطوة الضرورية لتفعيل العزلة السياسية ضد إيران، وقد يكون تطوير صيغة تحالف "المعتدلين" التي اقترحها "بوش"، صبغة مواتية في هذا الاتجاه، وهذا ما سوف ينعكس على تركيبة العلاقات فيما بين الدول العربية؛ حيث تقل فرص التقارب والتفاهم، ولا تخرج العلاقات المصرية- السورية عن هذا الإطار.
4-أزمات أمريكا مع الصين وروسيا
في إطار سياسات بلورة النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب الباردة (منذ 1989م) يلاحظ بروز حدثين مهمين بالنسبة للسياسات العالمية، الأول وهو ما يتعلق بالتصورات الروسية عن حلف الأطلسي، أما الثاني فيرتبط بالعلاقات الصينية الأمريكية.
وخلال الشهر الماضي وجهت روسيا انتقادات للقيادة العسكرية لحلف الأطلسي واعتبرتها تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الروسي، وطالبت بوقف تنفيذ معاهدات خفض الأسلحة النووية والتقليدية، وهو مؤشر على تزايد الخلافات بين الطرفين، وخاصةً في ظل كثافة تواجد قوات الأطلسي في أفغانستان.
وفيما يتعلق بالأزمة بين الولايات المتحدة والصين، فإن هذه الأزمة تعد متعددة الأبعاد، إذ تشمل التنافس التجاري والأمني؛ حيث تحقق الصين فائضًا في الميزان التجاري مع أمريكا بحوالي 20 مليار دولار شهريًّا، فضلاً عن تزايد قدرات الصين على المنافسة في كثير من مناطق العالم، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة تهديدًا لسعيها للهيمنة على النظام الاقتصادي العالمي، وتدعيمًا لاستمرار هيمنتها الأمنية على العالم.
ويمكن القول؛ أن ظهور هذه الخلافات في الوقت الحالي قد يدفع باتجاه تكوين محاور دولية تكون فيها الصين وروسيا كتلة سياسية واقتصادية مؤثرة في العلاقات الدولية.
5-حول الأزمات الدينية في غرب إفريقيا
يشهد بعض دول غرب إفريقيا توترات دينية أدت إلى قتل العديد من الأشخاص، وهذه الظاهرة تتفاقم في دولة مثل نيجيريا غير أنها تبدو ظاهرة حديثة في دولة مثل غينيا، وهذا ما يثير التساؤل حول الدوافع الكامنة وراء الخلافات الدينية في تلك البلدان.
في حالة نيجيريا تبدو الأزمات الدينية بين المسيحيين والمسلمين شديدة الوطأة، ليس فقط منذ الاستقلال، ولكن كانت بذور تلك الخلافات وقت الاحتلال البريطاني؛ حيث عملت سياسات دولة الاحتلال على تطوير المجتمع المسيحي في الجنوب، وخاصة لدى "الإيبو و "اليوروبا" وخاصة في مجال التعليم والتجارة والصناعة في الجنوب وتأهيلهم لإدارة الدولة، وخلال فترة من الزمن أدت هذه السياسة؛ لتوسيع نطاق النفوذ المسيحي في الجنوب بينما تظل الكتلة الأساسية للمسلمين في الشمال، وذلك إلى جانب وجود تداخل واختلاط واسع في العديد من المناطق.
وكان من اللافت في الأحداث الدموية، سواء ضد جماعة "بوكو حرام" يونيو 2009م، أو ضد المسلمين في "جوس" أن بعض جهات السلطة كانت طرفًا مباشرًا ضد المسلمين، وبشكل يثير التساؤل عن طبيعة الامتدادات الدينية داخل أجهزة الدولة وحقيقة التعصب الطائفي لبعض الموظفين العموميين.
وإذا كانت الأزمات الدينية تتفاقم في نيجيريا منذ الاستقلال، فإن الإرهاصات الأولية للخلاف بين المسيحيين والمسلمين جنوب غينيا (مدينة تزير يكورى) يمكن قراءتها في سياق التمدد التنصيري الذي لازم بناء الدولة فترة ما بعد الاستقلال، وما زال يتوسع حتى اليوم، وبالتالي فإنه رغم ما حدث ضد المسلمين في غينيا، إلا أنه يظل مؤشرًا على وجود أزمات دينية عرفتها المجتمعات الإفريقية مع دخول الغزو الأوروبي المتحالف مع الكنيسة منذ القرن السادس عشر.
6-تحسن العلاقات الأمريكية السورية في ظل التقارب بين سوريا وإيران
على الرغم من توتر العلاقات بين البلدين خلال العام الماضين، ارتفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وسوريا، وهي خطوة تحمل الكثير من الدلالات في ظل التطورات الإقليمية والعالمية؛ حيث رفعت مستوى التمثيل إلى مستوى السفير، وذلك بعد خمس سنوات من قطع العلاقات بين البلدين.
وخلال الأسابيع الماضية دارت اتصالات بين البلدين حول العديد من القضايا، وكان منها، التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والتسوية السلمية؛ حيث عبرت سوريا عن رغبتها في استثمار العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني؛ لاستئناف محادثات السلام، فضلاً عن البدء بتطبيع العلاقات بين الطرفين.
وإذا كانت هذه التطورات تأتي في ظل مراجعة الولايات المتحدة لجوانب في سياستها الخارجية، إلا أن الأوضاع الإقليمية قد تعطي دلالات أخرى، لعل أهمها يتعلق برؤية الولايات المتحدة للعلاقات بين الدول العربية، ومشاريعها تجاه المنطقة.
وفي سياق هذه التطورات، رأت وسائل الإعلام الأوربية أن تحسن العلاقات السورية- الأمريكية، سوف يؤثر على علاقات سوريا مع إيران، وهذا التناول يعد امتدادًا للسياسة المشتركة بين أوربا وأمريكا لمنع أي تحالفات محتملة بين الدول العربية وإيران، وهي سياسة تقليدية، غير أنها اكتسبت أهميتها في هذه الفترة من تداعيات الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني، وتزايد احتمالات اندلاع حرب إقليمية.
وحتى الآن، يعد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مجرد خطوة، خاصة وأن هناك العديد من الخلافات السياسية، والتي تتطلب تغيير في نظرة المؤسسات الأمريكية إلى سوريا، ومنها العقوبات الاقتصادية، وقانون محاسبة سوريا، وغيرهما من القيود الأمريكية.
وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى لعزل سوريا عن إيران، فإنها تواجه تحديًّا رئيسيًّا يتمثل في عدم الاستقرار الأمني في العراق، والذي يضعف الموقف الأمريكي تجاه كلٍّ من إيران وسوريا، هذا فضلاً عن ترابط العلاقات بينهما، وهذا التشابك يصعب تفكيكه في المرحلة الحالية، ولذلك يمكن القول؛ أن السياسة الأمريكية تسعى لتقليل مستوى التفاعل والتواصل المتبادل بين إيران وسوريا قدر استطاعتها، وقد ظهر ضعف التأثير الأمريكي في هذا المجال في اللقاء الأخير الذي تم بين أحمدي نجاد والأسد في دمشق، وما أعلنه الرئيس السوري بتهكم واضح على تحذيرات وزيرة الخارجية الأمريكية لسوريا من التقارب مع إيران، وما أعلنه كلٌّ من الرئيس الإيراني والرئيس السوري من إصرار كلٍّ منهما على التقارب، وتوطيد العلاقات بين بلديهما، الأمر الذي يتعارض مع رغبة الإدارة الأمريكية ضد البلدين.
7-الصراع في تركيا إلى أين
في الآونة الأخيرة وجَّهت محكمة تركية الاتهام لمجموعة من الضباط في الجيش التركي في قضية تآمر للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية في أحدث تطور لحملة زادت من حدة التوتر بين الحكومة والجيش.
وكان قد تم توجيه الاتهام لأكثر من 30 ضابطًا، بينهم جنرالان متقاعدان، فيما يتصل بمخطط مزعوم يرجع لعام 2003م؛ لإسقاط الحكومة برئاسة الطيب أردوغان.
وذكرت وكالة الأناضول الرسمية أن محكمة في إسطنبول وجهت في ساعة متأخرة من مساء الأحد الماضي 28/2/2010م الاتهامات للكولونيل حسين أوزجوبان قائد قوات الأمن شبه العسكرية في مدينة كونيا واللفتنانت كولونيل يوسف كيليلي.
وألقى القبض على الضابطين الأسبوع الماضي في إطار تحقيق غير مسبوق استدعى انعقاد قمة طارئة بين القيادات السياسية والعسكرية في البلاد.
وكان الجيش قد أطاح بأربع حكومات في تركيا خلال الخمسين عامًا الماضية، لكن سلطته تضاءلت أمام إصلاحات تهدف لتمكين البلاد من الانضمام للاتحاد الأوروبي.
ورغم سجل تركيا من الانقلابات العسكرية لا يعتقد معظم المحللين أن قادة الجيش سيقدمون على تحدي حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتمتع بأغلبية كبيرة في البرلمان، وتقويض الثقة الوليدة في الديمقراطية.
ويقول محللون: إن الساحة السياسية تبدو مستقطبة بشكل متزايد بين القوميين المحافظين العلمانيين الذين يمثلون الحرس القديم، من جهة وبين حزب العدالة والتنمية الذي نال ثقة المستثمرين بإصلاحاته في الأسواق، من جهة أخرى.
وفي وقت لاحق حذَّر رئيس الوزراء التركي المتورطين في هذه العملية بأن القانون سيطبق على الجميع.
وهذا المشهد يؤكد أن أنصار التوجه العلماني في تركيا حريصون على استبعاد أي توجه إسلامي من الساحة السياسية أيًّا كان شكله، وعدم بناء جسور حوار بين الطرفين للوصول إلى أداء أفضل بين الطرفين.
المصدر
- تقرير:قراءة في المشهد العامإخوان أون لاين