ليس دفاعاً عن الأزهر
- بقلم: د.عصام العريان
تعرَّض الرئيس مبارك خلال الأسبوع الماضي لأحداث "نجع حمادي" البشعة والجريمة الخطيرة التي كانت جرس إنذار خطير وصل إلى سمع الرئيس فتحدَّث بصراحة غير معهودة مرتين، صراحةً من أحسَّ بخطر جسيم يهدد الأمن الوطني والقومي.
طالب الرئيس أولاً المثقفين والمفكرين بالتصدي للظاهرة والعمل على محاصرتها اعترافًا منه بأن هناك استقطابًا حدث بالمجتمع المصري، وأن المشكلة لها جذور عميقة وليست مجرد أحداث فردية، ثم تحدَّث عن المؤسسات الدينية إسلاميةً ومسيحيةً.
الجديد في حادثة نجع حمادي أنه ليس وراءها فكر ديني متطرف أو متشدد، والمتهمون فيها ليسوا منتمين إلى الجماعات المتطرفة، بل لهم علاقات وثيقة بالأمن والحزب الوطني الذي يرأسه الرئيس، والضحايا الأبرياء كانوا يحضرون قدّاس عيد الميلاد، والخلفية هي توتر اجتماعي خطير سببه الفقر والبطالة والانهيار الأخلاقي الذي أدَّى إلى حوادث اغتصاب وجرائم شرف وتداول لكليبات بها ما يشين الأسر والعائلات.
الرئيس ركز خلال تناوله للحدث على 3 حلول:
الأول: القانون الحاسم والعدالة الناجزة.
الثاني: الخطاب الديني المعتدل: إسلاميًّا ومسيحيًّا ودور الأزهر والكنيسة.
الثالث: دور المثقفين والمفكرين والمجتمع الأهلي.
وليسمح لي السيد الرئيس أن أنقل إليه العقبات التي تواجه تلك الحلول التي لا يختلف عليها أي مصري، والتي إن لم يتم علاجها فسيذهب كلام الرئيس كما ذهبت كل المحاولات السابقة أدراج الرياح وتبقى المشاكل تتفاقم وتهدد الوطن بما هو أخطر.
العقبة الكئود في طريق أي حلٍّ هي المناخ العام الذي أوصلتنا إليه السياسات المتبعة خلال الثلاثين عامًا الماضية، والتي أثمرت مناخًا مسمومًا.
فالمجتمع المدني محاصر ومقيد، وهو الحقل الذي يتحرك فيه المفكرون والمثقفون، والأزهر يتصرف كموظفين يراقبهم الأمن، والكنيسة أصبحت ممثلاً سياسيًّا للمسيحيين، وتفاوض الدولة بهذه الصفة.
أما المجتمع الأهلي.. فالنقابات العمالية مؤممة، ولا تُجرى بها انتخابات حقيقية.
والنقابات المهنية مجمّدة بحكم القانون 100 الذي قتل الديمقراطية فيها، أو موضوعة تحت الحراسة كنقابة المهندسين، أو محاصرة كما تم يوم الخميس 21/1/2010م في دار الحكمة بنقابة الأطباء بقوات وجيوش الأمن تحت قيادة جهاز أمن الدولة، أو مقيدة الحركة مثل لجنة الإغاثة الإنسانية التي ترفع اسم مصر عالميًّا وعربيًّا، رغم كل العوائق والقضايا والتهم التي يكيلها لها الإعلام الأمني أو التجاهل من الإعلام الحكومي.
والجمعيات الأهلية التي وصل عددها أكثر من 20 ألفًا إلا أنها بلا فائدة لغياب الحريات ومحاصرة الروتين والتهديد بسيف الحل الإداري والملاحقات الأمنية.
أما القانون الحاسم والعدالة الناجزة فقد فقدت أثرها في البلاد عندما ضربت الحكومة نفسها بأحكام القضاء عرض الحائط، وما أمر تنفيذ حكم الإدارية العليا الأخير بشأن النقاب عنا ببعيد (أيًّا كان رأينا حوله وحول حكمه الشرعي أو دلالته الاجتماعية).
فقد أصرَّ رؤساء الجامعات ومعهم وزير التعليم العالي ويتقدمهم شيخ الأزهر ورئيس جامعتها العريقة على تنفيذ القرار الإداري المطعون عليه، والذي ألغته المحكمة الإدارية العيا، وغير ذلك كثير والشواهد لا تخطئها عين.
ولا يمكن هنا التسامح فيما جرى للقضاة الذين دافعوا عن المبدأ الدستوري لاستقلال القضاء ودولة القانون ودخول النظام طرفًا في صراعٍ معهم دون أي إدراكٍ لخطورة ما يعينه ذلك من إهدار لدولة القانون، والدور العجيب الذي تقوم به وزارة العدل من تقييد لحق الدعوى العامة، والتدخل المريب في عمل النيابة العامة التي ائتمنها المجتمع على الدعوى العمومية رغم كل الجهد الذي يبذله المستشار النائب العام عبد المجيد محمود، أضفْ إلى ذلك المحاكم الاستثنائية وعلى رأسها العسكرية والإصرار على إضفاء مسحة دستورية على ذلك القضاء الاستثنائي، ومحاولات مستميتة لوصفه بالطبيعي وما هو بطبيعي أبدًا مهما كانت المحاولات.
دولة القانون وإعمال القانون بحسم والعدالة الناجزة ليست لمواجهة خطر حقيقي يهدد البلاد، ولكنه مطلب أساسي لبناء الدولة نفسها، وليشعر المواطن بانتماءٍ حقيقي لوطن يمكن فيه الحصول على حقه بطريقة طبيعية، وإذا شعر بالظلم يمكنه الذهاب إلى القضاء الطبيعي لاقتضاء حقوقه بسرعة، وإذا خاصمته الحكومة لم تذهب به إلى المحكمة العسكرية لتجهز عليه بالإعدام شنقًا أو تصادر أمواله التي شقي في جمعها طوال سنوات طوال أو ترأف به وبأسرته فترميه خلف الأسوار سنوات طوال معتقلاً لا يدري ما ذنبه أو محبوسًا لأنه نجح في الانتخابات النقابية أو البرلمانية مرشحًا على قائمة الإخوان.
ولنأتِ إلى الخطاب الديني المستنير ودور الأزهر والكنيسة:
لأول مرة يهاجم الرئيس مبارك الفكر السلفي في مواجهةٍ مع السعودية التي تتبنى ذلك الفكر وتموله وتنشره على حساب الفكر الوسطي المعتدل الذي يتبناه الأزهر الشريف رسميًّا وجماعة الإخوان المسلمين شعبيًّا.
أما الأزهر فهو أسير التوجيهات الحكومية دومًا إلا ما ندر، خاصةً في عهد شيخه الحالي، وإذا هاجمه الرئيس، فإن الهجوم يرتد على النظام، فالرجل الذي أعلن مرارًا أنه موظف بدرجة إمام أكبر، ولا يمكن المقارنة بينه وبين بابا الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية الذي يأتي بالانتخاب ولا تقيده قيود، ويقوم بقيادة ما يمسيه دائمًا دون وجل أو خوف "شعب الكنيسة"، ويرسم أساقفة بالخارج يقودون المظاهرات أمام البيت الأبيض، ويمسكون الميكروفونات ليهاجموا مصر ورئيسها ونظامها وغالبية سكانها أمام 10 دواننج ستريت مقر رئيس وزراء بريطانيا، ويقدمون باسم المسيحيين المصريين مذكرات مكتوبة تطالب القوى الكبرى بالتدخل في الشأن المصري الداخلي لحماية الأقباط، ويستضيف داخل الكاترائية آلاف الشباب الغاضب، ويعتدون على رجال الأمن، وتحدث الإصابات في القوات، بل يرفض بإصرار التدخل (أي البابا) لمنع الإساءات المتعمدة للدين الإسلامي والعقيدة الدينية لغالبية السكان في قنوات فضائية يموله شعب الكنيسة، بل ويضفي حمايته على أسقف القوصية "توماس" الذي ألقى محاضرةً في أمريكا، وصف فيها المسلمين العرب بأنهم غزاة احتلوا مصر وأجبروا سكانها على اعتناق الإسلام عندما هاجمه النائب الشجاع "جمال أسعد عبد الملاك"، وهدد النائب بالحرمان، كما يتردد عن حرمان د. ميلاد حنا أو حرمان حقيقي لمخالفيه في الرأي مثل القس الراحل إبراهيم عبد السيد؛ مما يعني صراحةً في العقيدة المسيحية عدم دخول الجنة وعدم راحة نفس الراحل منهم.
هذا ليس خطابًا مستنيرًا، بل هي سياسات واقعية تحتاج إلى وقفة شجاعة لنزع فتيل التوتر الذي بات اجتماعيًّا، يجب فض الاشتباك بين دور الكنيسة الروحي والديني الذي لا يجادل فيه أحد وبين الدور السياسي الذي يجب أن يمارسه المواطنون جميعًا على قدم سواء، ومنهم المسيحيون في الإطار الوطني العام، وإن كان المناخ العام كما سلف خانقًا ومقيدًا ومعيقًا لأي نشاطٍ فعلى الإخوة المسيحيين مشاركة المواطنين جميعًا لفك القيود عن مصر مثلما يفعل رموز سياسية منهم كجورج إسحاق، وأمين إسكندر، ورفيق حبيب، وجورج عجايبي (الراحل النبيل) وغيرهم كثير.
الأزهر لا يحتاج إلى دفاعٍ مني- رغم أنني تخرجت منه وأنا على أعتاب الكهولة في كلية الشريعة، وواجبي أن أدافع عنه كرمزٍ للإسلام، رغم أي اختلافٍ مع بعض رموزه- لكن مقارنته هو وخطباء الأوقاف الخاضعين لسيطرة أمن الدولة باعتراف وزيرهم بالكنيسة ورجالها من البابا إلى الأساقفة إلى الكهنة إلى القساوسة.. إلخ هذه مقارنة ظالمة.
أطلق سراح الأزهر والأوقاف يا سيادة الرئيس لمحاصرة الفتنة؛ لأن دور الأغلبية أهم وأخطر وواجبها أشد إلحاحًا.
أطلق سراح المجتمع الأهلي للنشاط الحر ليستوعب طاقة الجميع، ويطالبون بحقوقهم من خلاله بدلاً من اللجوء إلى الكنيسة أو الهجرة خارج مصر للموت غرقًا؛ لأن المسلمين ليس لهم كنيسة يلجأون إليها.
أطلق حرية الأحزاب لتستوعب طاقة السياسيين مسلمين ومسيحيين وتعطيهم أملاً في التغيير السلمي.
يا سيادة الرئيس أطلق سراح مصر كي تدافع عن وجودها وأمنها