محمود سلمان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بطل من قرية سعيدة الشهيد الحاج ـ محمود سلمان


بقلم / علي عبد الله نجم

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).. (الأحزاب:23)

على مشارف بغداد، كانت قرية (سعيدة) تستلقي عند بساتين النخيل الممتدة على شاطئ دجلة، تستحم بضوء الشمس نهاراً، وتغتسل بنور القمر ليلاً، استوطنها خليط من العمال أفنوا زهرات شبابهم في معامل القرية كالإسمنت والإسبست والجلود، وصغار الموظفين وعدد قليل من العسكريين، عاشت هذه القرية سنوات هادئة ينعم أهلها براحة البال، لا أحد من أهلها يرحل عنها ولا أحد من الأغراب يحل فيها، إلى أن أصابها ما أصاب غيرها من القرى والقصبات من انفتاح على الحياة فسكنها كل من هب ودب وفقدت القرية أصالتها ونقاءها واصبحت أشبه بفندق يقيم فيه النزلاء يومياً أو بعض يوم ثم يرحلون..

في بيت متواضع من بيوت القرية سنة 1965 وفي زقاق يتسع عند أوله ويضيق عند نهايته ولد الشهيد (محمود سلمان) في عائلة بسيطة تضرب جذورها في طين القرية عميقاً.. شهد ذلك الزقاق أولى خطوات (محمود) وهو يطبعها على ترابه.. أنهى دراسته الابتدائية في القرية وأتم الدراسة المتوسطة والإعدادية في المدارس القريبة من القرية..

نشأ نشأة دينية لحمتها وسداها (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وبدأ يتردد على مسجد القرية أو مسجد الكيلانية نسبة الى مؤسسه المرحوم السيد (ابراهيم سيف الدين الكيلاني) أحسن الله إليه.. وهذا المسجد المبارك هو ملتقى الشباب والصالحين من الآباء والأجداد الذين كانوا الرعيل الأول واللبنات الأولى في المسجد.. أمثال (صالح عبيد) أبي جلال وهو عم الشهيد و (حسين سالم) أبي علي وكاتب السطور وغيرهم..

درس الحاج محمود رحمه الله الشريعة الإسلامية الى جانب دراسته في كلية الإدارة والاقتصاد وتولى الإمامة والخطابة في مسجد القرية، والتفت إلى بناء المسجد القديم فمد له يد الإصلاح والحق به جناحاً خاصاً أو مصلى للنساء (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:18).

وبدأ صيته يشتهر وشهرته تمتد شرقاً وغرباً وكان يلقي دروس الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الإسلام ـ وهو الداعية ـ بعد الصلوات وفي المناسبات في المسجد وفي مساجد كثيرة في بغداد وضواحيها، وتوجه إليه الدعوات لإلقاء الدروس والأحاديث في أماكن كثيرة.. وكما ينتشر شعاع الشمس وهو يملأ الآفاق وكما يضوع العطر ذاع أسمه وأصبح على كل لسان.. وكان ينحو منحى شيخ الإسلام (إبن تيمية) رحمه الله في الرد على أهل البدع والزيغ والضلال يهاجم بعنف من أجل صفاء العقيدة، دون هوادة واثقاً بربه، لا تأخذه في الحق لومة لائم..

وكان المسجد يكتظ بالمصلين وتمتلئ ساحته وأرجاؤه بأفواج الشباب القادمين من كل حدب وصوب، وكثر أتباعه وأحبابه ومريدوه، الأمر الذي أقلق أزلام السلطة البائدة فبدأت الأقلام الرخيصة تنفث سم النفاق وترفع التقارير عن نشاطه هنا وهناك وهكذا هو الإسلام العظيم يقض مضاجع اعدائه، ولم يكن الحاج محمود رجل حرب أو سلاح ولكنه رجل سلم وإسلام وهو عظيم الخطر والمخلصون على خطر عظيم.. وكحيلة ساذجة لاحتوائه من قبل الأقزام طلبوا منه أن يدعوا لهبل على قاعدة (أعل هبل) إلا أنه رفض هذه المساومة بإصرار عجيب، ثم طلبوا منه ذلك ثانية وثالثة وهو يرفض.

وكان موقفه صلباً ثابتاً (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(إبراهيم: من الآية24).

ولما لم ينحن للعاصفة الهوجاء ولم ينكسر غصنه الرطيب عزلوه عن الإمامة والخطابة ـ بئس ما صنعوا ـ بعد أن حل ضيفاً على مديرية الأمن العامة وطالته سياط الجلادين الذين ذهبوا إلى مزبلة التأريخ، ثم أفرجوا عنه، إلا أن خفافيش الظلام ظلت تترصده وتقتفي خطاه أنى سار.. وفي إحدى أسفاره إلى الأردن عقد اجتماع كبير حضره علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يتدارسون حالة الأمة وما آلت إليه من ضياع وما أصابها من جراح وما لحق بها من كوارث.. في ذلك الاجتماع كان (رجال الظل في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم) يراقبون الشهيد واستطاعوا أن يسجلوا له شريطاً بصوته نبه فيه الحاضرين إلى ما يحاك من مؤامرة لسحق الإسلام والمسلمين في العراق، حتى إذا أنفض الاجتماع ورجع الحاج محمود إلى بغداد كانوا له بالمرصاد فاقتيد ثانية إلى مديرية الرعب العامة وكانت سياط الجلادين تحفر في ظهره وجسده أخاديد ظلت شاهداً على همجية النظام ووحشيته، وحقده الدفين على الإسلام والمسلمين وكان لسان حاله يقول: ولست أبالي حين أقتل مسلماً ـ على أي جنب كان في الله مصرعي.

وبعد أيام من التعذيب الوحشي سقط الحاج محمود شهيداً ـ وظلت ذكراه وأحاديثه تخلق في فناء مسجد الكيلانية وصورته على جدرانه..

سوف تبقى ذكرى الشهيد ـ محمود سلمان ـ ماثلة في ذاكرة أحبابه ورفاقه وهم يرددون قوله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169).

المصدر :محمود سلمان جريدة دار السلام عدد27