من قتل حسن البن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من قتل حسن البنا

محسن محمد

الإمام

رفعه أتباعه فوق كل المصلحين وأئمة الإسلام فى العصر الحديث قالوا إنه جمع بين تطور فكر محمد عبده وشجاعة جمال الدين الأفغانى وتفوق عليهما لأنهما تركا مبادئ ولم يبنيا حركة منظمة, أما الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن البنا, وشهرته حسن البنا , فقد أقام تنظيم الإخوان المسلمين.لم يحاول الدخول فى التفسيرات والشروح والاجتهادات الدينية التى خاض فيها رجال الأزهر وعلماء الإسلام, بل أراد أن يكون مجددا , ويطالب المسلمين بإعادة التأمل فى دينهم.

ولم يهتم بالخلافات بين المذاهب بل حاول تجميع المسلمين رغم خلافاتهم ووجد فى الإسلام : الدين والدولة, والوطن والجنسية و والمذهب والقانون الروح والثقافة. والعقيدة والقيادة. الثورة والسيف. وصفوه بأنه داعية إسلامى من طراز فريد عبقرى. والعالم الربانى الفذ الصالح, الذى لم بنجل مثله العالم الإسلامى منذ قرون!

وقالوا أنه الرجل القرآنى الذى استطاع أن يبذر فى الأرض بذرة المصحف وقال عنه عمر التلمسانى أنه" الملهم الموهوب بطاقة لا يحظى بها إلا القليل. جهوده خارجه عن نطاق الجهد العقلى. صاحب فراسة لا تخيب. أستاذ الجميع فى كل شئ. إمام أنقذ أمة".

وقالوا أنه " أفلت من غوائل المرأة والمال والجاه. فشلت كل محاولات أغرائه بفضل صوفيته الصادقة وزهده الطبيعى".وقف محمد نجيب أول رئيس الجمهورية مصر أمام قبره فقال نيابة عن مجلس الثورة المصرى: " صاحب عقيدة.. حرب على الفساد والانحلال, بقدر ما كان حربا على الإحتلال.. عاش لأمته ووهب لها حياته".

ذكر فتحى رضوان اسم البنا لأول مرة أمام جمال عبد الناصر فوجده يقول : كان حسن البنا يبعث على احترامه,

وقال فتحى رضوان إن هذه الشهادة من أكبر الشهادات لمرشد الإخوان وه أول شهادة سمعها منه فتحى رضوان من عظيم من الأحياء أو الأموات!

رآه أنور السادات لأول مرة فوجده" يلتحف بعباءة حمراء لا تكاد تظهر منه شيئا كثيرا إلا البشاشة في وجهه. والتواضع في مظهره والرقة في حديثه.

ليس في خطابته وعظ المتدينين, لا الكلام المرتب , ولا العبارات المنمقة ولا الحشد الكثير, ولا الاستشهاد المطروق, ولا التزمت في الفكرة, ولا ادعاء العمق, ولا ضحالة الهدف, وإحالة إلى التواريخ والسير,رجل يدخل موضوعه من زوايا بسيطة ويتجه إلى هذه عن طريق واضح ويصل إليه بسهولة أخاذة". التقى به أحمد مرتضى المراغى وزير الداخلية السابق فوجده" ذا لحية لا هى طويلة ولا هى قصيرة. خفيف الخطى سريع الحركة والكلام.

آية في الذكاء

يركز عينيه اللامعتين على محدثه, يخفى وجهه, ثم يعود إلى التحديق دمث المعشر, حلو الحديث, خلت طبيعته الدينية من التزمت".

تكلم الشيخ الباقورى عن ثقافة حسن البنا فقال :" إنه كان يحفظ ديوانا المتنبى مضمونا إلى ذلك ما متعه به الله من حفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة والسيرة المحمدية العطرة. قرأ لابن خلدون والأفغاني ومحمد عبد والغزالى وابن تيمية وكان حريصا على اقتناء كل كتاب يظهر" وصفته مجلة " آخر ساعة" المصرية فقالت:

" وجهه مشوب بمسحة وقار لطيف حاد الملامح بين التعابير تحت جبين عريض لماح بقبس من الذكاء تقعد وسطه" زبيبة صلاة" كبيرة داكنة من أثر السجود.

عيناه هادئتان بسيطتان في بساطتهما لمحة من " عيون المقطم" تحسبها قليلة الغور, فإذا ألقيت فيها الحجر, ظل يتدحرج إلى غير قرار.

دائم الابتسام , فاره القامة يبدو قويا كشجرة السنديان في صوته عمق وعرض وطول وللسانه سحر. إذا تكلم يتلاعب بالألباب وق أمده الأدب العربى, على شتى أصوله بفيض هائل من الآيات والأحاديث, وأمجاد الجهاد الإسلامى يطلقها من فمه كالمدفعى الماهر في أنسب وقت, وأنسب مكان, فيكون لها فعل القذائف في معارضيه.

مدرس خط, ومع ذلك فإن خطه بشهادته, هو نفسه ليس جميلا بل ولا مقروءا.

وزعيم لمليون من المصريين ولكنه – وبشهادته أيضا – ليس زعيما وإنما هو مدرس فقط ولعل هذا مصدر لقبه الرسمى وهو المرشد العام للإخوان المسلمين.

ميزه هذا الرجل الكبرى أنه يعرف كيف يخاطب الناس كيف يلهب شعورهم".

وقال عنه أحمد حسين زعيم مصر الفتاة أنه : من الرجال العظام الذين يصطفيهم الله لنصرة دينه". أجمع معاصروه على أنه يتمتع بشخصية قويه. يحمل دعوته إلى الناس في يسر ويشرحها بألفاظ سهلة دون تكلف. شديد التواضع زاهد لا يبغى مالا. لم يجمع من الدنيا شيئا, ولا يهتم فيها إلا مقدار. ولا يصيب منها إلا ما تدعو إليه الضرورة.

ينام خمس ساعات ويأكل ما حضر من الطعام ويلبس ما تيسر له من الثياب, ويعيش عيشة الكفاف. زيارته للقرى تتسم بالبساطة. يتصرف بحكمة وذكاء وهو يسعى لاكتساب الأصدقاء ينام عند أعضاء الجماعة. وإذا لم يتوفر له ذلك نام في المسجد راضيا!

أقام في بداية حياته بالقاهرة في حارة عبد الله بك في المغربلين بحى اليكنية عند بوابة المتولى يستأجر بيتا إبحاره خمسون قرشا كل شهر.

ومنه انتقل إلى السبتية وأخيرا في شقة بحارة سنجر الخازن بقسم الخليفة يدفع عنها جنيهن كل شهر. كان البيت مفروشا بالحصير ولم تغط أرضه سجادة في يوم من الأيام.

مرتبة كمدرس بوزارة المعارف – للغة العربية لا الخط ! – عشرة جنيهات يحصل منها على جنيهين لمصروفه الشخصى ولرحلات الدعوة وتساهم أسرة زوجته – من الإسماعيلية – في نفقات البيت.

وبعد استقالته من عمله كمدرس عام 1946 أصدر مجلة " الشهاب" ولم يزد دخله منها على 15 جنيها. عرض عليه الإخوان 100 جنيه شهريا مقابل التفرغ ولكنه اعتذر وعرض عليه الإنجليز – أثناء الحرب العالمية الثانية – خمسة آلاف جنيه ليكتب عن الديمقراطية فقال:

أكتب عن ديمقراطية الإسلام باعتبارها الديمقراطية الحقيقية المثالية فرفض الإنجليز. قال تقرير للمخابرات البريطانية إن أحد أسباب الانتشار السريع للإخوان يرجع إلى حياة الزهد والورع التى عاشها حسن البنا كمسلم.

وفى مفكرته التى وجدت معه عند مصرعه كتب أنه أخذ من المستشار منير الدلة 150 جنيها لتسوية نفقات المعيشة!

وفتشوا ملابسه في مستشفى القصر العينى بعد وفاته فوجدوا في جيبه كل تركته: ستة جنيهات وعشرة مليمات وساعة جيب معدنية ماركة " أوراتور" سلسلتها معدنية أيضا وقلم حبر!

ووجدا في سيارة التاكسى التى نقلته إلى المستشفى لآخر مرة مسبحة رخيصة من 99 حبة!

وقصدت شقيقته تزور زوجها المصاب عبد الكريم منصور المحامى في مستشفى القصر العينى بعد يومين من اغتيال شقيقها فشكا إليها زوجها عدم عناية المستشفى بأمره. وعدم كفاية ما يقدم إليه من طعام فأعطته – كما يقول محضر الشرطة – خمسين قرشا أوراقا نقدية من فئة العشرة القروش ثم عادت وقدمت إليه خمسة وعشرين قرشا فلم تكن تملك غير هذه القروش!


أثرت في الشيخ حسن البنا عوامل كثيرة....

ولد في قرية المحمودية بمديرية البحيرة – التى أنجبت الشيخ محمد عبده – عام 1906 والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا مأذون وساعاتى إمام وخطيب مسجد القرية درس الأدب على يد الشيخ محمد عبده وألف عدة كتب دينية وعنده مكتبة إسلامية كبيرة.

تتلمذ في الكتاب على يد أزهرى ورع. فتأثر بهذا المناخ الدينى وكانت كل موضوعه الإنشائية عن الدعوة الإسلامية.وعلى المستوى الشخصى اعتاد الأسرة الكبيرة..


كان له أربعة أشقاء وعندما تزوج من كريمة الحاج حسين الصولى من وجهاء الإسماعيلية أنجب خمس بنات هن:

سناء ووفاء ورجاء وهالة وابنا واحدا هو أحمد سيف الإسلام الذى كان في الرابعة عشر من عمره عند مصرع أبيه وكانت صغرى بناته – استشهاد – جنينا فى بطن أمها يوم وفى أبيها!

فى المدرسة الابتدائية رأس جمعية السلوك الاجتماعي وأنشأ مع زملائه " جمعية منع المحرمات" التى يبعث أعضاؤها برسائل لمن يرتكبون منكرا!

وكان العمل السرى بعد ذلك أحد وسائله فى الدعوة!

اشترك فى التشكيلات الإسلامية وعمره 12 سنة.

وبدأ يكتب مذكراته وهو صبى. ويشترك فى المظاهرات السياسة وعمره 13 سنة.

ويلتحق فى سن الرابعة عشرة بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور فيدرس الفقه الإسلامي ويحفظ 18 ألف ببيت من الشعر.

يقرأ كتب الغزالى ويتأمل فلسفته ثم يشترك أثناء الدراسة فى " الجمعية الحصافية الخيرية " فيتعلم شئون الجمعيات ووسائل تنظيمها وعرف أن قيام هذه الجمعيات فى المدارس يترك أثرا ضخما فى نفوس الشباب!


قال:

كم سهرنا الليالى ندرس حال أمة الإسلام

وعندما يسمع بروفة محمد فريد وهو طالب فى هذه المدرسة يؤلف قصيدة يقول فيها:

أفريد نم بالأمن والأمان

أفريد لا تجزع على الأوطان

وينتقل إلى القاهرة فى مدرسة دار العلوم بحفظ القرآن والسنة النبوية والسيرة المحمدية وديوان المتنبى ويكتب فى آخر موضوع للإنشاء المدرسة " بعد قومى عن مقاصد دينهم ومرامى كتابهم والتبس عليهم الدين الصحيح"!

كان أول دفعته فى جميع مراحل التعليم تخرج فى دار العلوم وعمره 21 سنة.

وقد تردد بعد نجاحه, بين أمرين: أن يعمل مدرسا أو يتقدم لبعثة فى الخارج.

حسم القدر الأمر فإن دار العلوم لم ترشح أحد للبعثة فى تلك السنة فبقى فى مصر يعمل , كما قال فى موضوع الإنشاء" على تصحيح الأوضاع ليغرس فى النفوس أن الإسلام دين ودنيا"

قال " هذا الكتاب يخشاه المستعمرون لأنه ليس آيات تقرأ فى الصلاة وترددها الشفاه, وإنما كتاب تشريع وقيادة وحكم وإمامة".

ويكون هذا كله زاده لدينى, أما زاده السياسى فكان عريضا أيضا.

جفلت الفترة من عام 1906 حتى عام 1928 بالأحداث السياسة دنشواى. شق الفلاحين المصريين, وجلدهم بالسياط أمام أهلهم فى قلب القرية...

أزمة طابا بين الإنجليز والأتراك والاختلاف بينهما على حدود مصر.. خلع الخديو عباس حلمى الثانى... الحرب العالمية الأولى ثم ثورة 1919 التى اشترك فى مظاهراتها وإضراباتها وعمره 13 سنة وأثناءها كان تلميذا بالاعدادية فى مدرسة المحمودية.ز

الاستقلال والدستور واغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك ووفاة سعد زغلول..... والأزمات العاتية التى عاشتها مصر!

وكان يكفى حسن البنا – أثناء دراسته بدار العلوم – أن يمضى مسافة قصيرة للوصول إلى الأزهر أو سير فى ثلاثة شوارع ليدور حول دار المندوب السامى البريطانى بحديقته الواسعة شاطىء النيل. وقصر عابدين حيث يقيم الملك فؤاد .

والبرلمان الذى يعقد حينا, ويعطله الملك فؤاد حينا آخر!

بعد وفاة سعد بأسبوعين تقريبا انتقل حسن البنا – فى 16 من سبتمبر 1937 – إلى الإسماعيلية ليكون مدرسا للغة العربية بالمدرسة الابتدائية فحمل معه حصاد الأحداث التى عاشها طفلا. وشابا وسمع عنها حكايات كثيرة استقرت فى عقله وشكلت تفكيره.

وجاءت مرحلة الإسماعيلية لتترك تأثيرها السياسى المباشر فى مستقبل الإخوان وسياستهم وعمقت فى حسن البنا مشاعر الكراهية للنفوذ الأجنبى.

وكانت الإسماعيلية مدينة فرنسية على أرض مصرية ز طغت الأسماء الأجنبية على الشوارع والمحلات التجارية, أسلوب الحياة فرنسى وشركة قناة السويس تحتكر المرافق العامة وتنكر على المصرى حق الحياة الكريمة وتحمى قوات الجيش البريطانى هذه الأوضاع كلها!

ويجد البنا فى ذلك كله إهانة للكبرياء الوطنية.

ولكنه يقبل من شركة قناة السويس 500 جنيه تبرعا للمساهمة فى إنشاء مسجد قائلا: هذا مالنا لا مال لخواجات. والقناة قناتنا. والبحر بحرنا والأرض أرضنا وهؤلاء غاصبون فى غفلة من الزمن!

بدأ دعوته الدينية فى الإسماعيلية بظروفها تلك, والتى لا تسمح بقيام أو تشجيع جمعية تريد تربية المسلمين على تعاليم الإسلام وتطالب بالإقامة دولة إسلامية حرة بدلا من أن يكون المسلمون مستعمرين ومستغلين ومستعبدين كانت الدعوة بطريقة مبتكرة... 

فى ثلاثة مقاه يتردد على كل منها مرتين فى الأسبوع. وزارة ستة من عمال المعسكرات فى منطقة القتال – يوم الجمعة 23 من مارس عام 1928 – يهنئونه بأول أيام العيد الفطر ويعاهدونه ابتداء من ذلك اليوم على العمل للإسلام والمسلمين قد وجدوا فى الدين خلاصا من ذل الاحتلال البريطانى.

وهنا تبرز حقيقة هامة وهى أن منذ قيام حركته ظلت إحدى عينيه على الدين والأخرى على السياسة. وربما كان ذلك هو العامل الذى دفعه, إلى أن يكون الوحيد بين مؤسسى الجمعيات الدينية الذى ظل يرتدى البدلة الإفرنجية – من قماش مصرى – ويضع فوق رأسه الطربوش, وإن لم يعرف لغة أجنبية! حار العمال الستة فى اختيار اسم يطلقونه على حركتهم فقال لهم:

ألسنا مسلمين فنحن إذن " الإخوان المسلمون"

وهكذا منذ اللحظة الأولى وعمره 22 سنة يتخلص من المأزق الذى واجهته الجماعة إثر قيام ثورة 23 يوليو عندما طالبت الأحزاب بإعادة قيدها وجدت أن الإخوان ليسوا حزبا! وينجو – ببعد نظره – من مأزق آخر!

أنشأ " فرق العمل"- أى الجوالة – وهى منظمة شبه عسكرية تتبع الجماعة حولها إلى جمعية الكشافة العامة..

وعندما أصدر الملك فاروق قراره عام 1937 بحل تنظيمات القمصان الزرقاء, والقمصان الخضراء التابعين لحزبى الوفد ومصر الفتاة لأنهما شبه عسكريتين لم ينطبق القرار – على " فرق العمل "لأنها تتبع الكشافة! لم تكتب صحافة مصر كلها عن ميلاد الجماعة فلم تعرف الصحافة شيئا عنها يوم ميلادها وإنما اهتمت لصحف فى اليوم التالى بتبادل أعضاء جمعية الشبان المسلمين" التهانى فى العيد!

ونشرت صحيفة " المقطم " المسائية مقالا لمحمود أبو الحسن عمدة منفلوط عنوانه " الوزارة وشئوننا الداخلية"

ولم تتوقع المقطم أن رجلا آخر من منفلوط – وهو محمد حامد أبو النصر سيتولى منصب المرشد العام للإخوان بعد ستين عاما!


ولدت الجماعة والبلاد تستعد للإحتفال بعيد ميلا الملك فؤاد وكان عبد الخالق ثروت باشا قد استقال قبل أسبوع واحد من منصبه كرئيس لوزراء مصر وألف مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد أول وزارة له يوم 16 من مارس.

أما سر الاستقالة فيرجع إلى أن ثروت باشا تفاوض مع الإنجليز وانتهى أول مشروع معاهدة بين البلدين, وبعد ست سنوات من الاستقلال.

ولكن الوفد رفض مشروع المعاهدة لأنه لا يحقق مطالب مصر وكان أوستين تشمبرلين وزير خارجية بريطانيا يلوم مصر لرفض المعاهدة وصحافة القاهرة تدافع قائلة:

"مصر لا تلام ومصالح البلدين كفيلة بحل الخلاف"

أما فى برلين فإن المصريين كانوا يتظاهرون ضد المعاهدة.وكان علماء مصر يتكلمون عن.. نظام الوقف!

وإذا كانت مصر لم تدرك أهمية قيام الجماعة. فإن العالم فاته ذلك أيضا كان اهتمام العالم فى تلك السنة بتوقيع ايطاليا معاهدة الصداقة مع أثيوبيا وإعلان زوغو ملكا على البانيا والخطة الخمسية الأولى فى الاتحاد السوفيتى واختيار شيانج كاى رئيسا للصين وهربرت هوفر رئيسا للويلات المتحدة واغتيال أوبريجون رئيس المكسيك ووفاة حسين رشدى رئيس وزراء مصر أثناء الحرب العالمية الأولى!

انتشرت الجماعة فى الإسماعيلية والمناطق المجاروة بجهده وحده ومنحه عمله كمدرس القدرة والتجربة فى السيطرة على الشباب.

كان يلجأ للمحضرات والمنشورات والخطابة فى المساجد مؤمنا بأنه لابد من الحصول على أكبر قدر من المساندة من الطلبة والفلاحين والعمال ,

وأن العقيد الإسلامية التى تقدم بطريقة ليست هيابة أو مهادنة قوة قادرة على اجتذاب سكان مصر. لم يضع حاجزا بينه وبين الناس ... أبدا.

وكان يؤمن بأن الزمن معه ومع الجماعة

قال لصديق:

نحتاج لأجيال ثلاثة لتنفيذ خططنا

الجيل الثانى يحارب يقصد جيل التنفيذ والجيل الثالث ينتصر .. يعنى الذى يقطف ويجنى الثمار وبحماس لا يهدأ بدأ إعداد الجيل الأول .. المستمع.

خلال عامين كان قد أنشأ شعبا للجماعة حول الإسماعيلية وبور سعيد و... العريش

وارتفع عدد الشعب إلى عشرة خلال أربعة أعوام من تأسيس الجماعة , ,لم ينس المرأة فأنشأ مدرسة الإسماعيلية لتأهيل الأخوات المسلمات. وحرص من البداية .

على الإدارة المركزية فجعل كل الشعب تتبع المقر الرئيسى فى الإسماعيلية وطاف , بكل الشعب واختار قادتها بنفسه

ويكتشف البنا أنه حان الوقت لطفرة فيطلب الانتقال إلى القاهرة فى أكثر عام 1932 فينقل مدرسا بمدرسة عباس بالسبتية.وينتقل معه إلى القاهرة المركز العام للجماعة! ويصدر فى العام التالى مجلة أسبوعية باسم " الإخوان المسلمين" وينطلق نشاط الإخوان فى العامين التاليين فى الدعوة الدينية. وينشىء 50 شعبة فى هدوء وحذر – دون إثارة السلطات – داخل مصر ويلحق بمعظمها مراكز لتحفيظ القرآن ومدارس ومستوصفات صحية فى كتاب " الطريق إلى السويس" قال : ارسكين تشيلدرز أن حسن البنا دأب منذ عام 1934 على تأسيس فروع للجماعة خارج مصر.

وقال الباحث الأمريكى ريتشارد ميتشيل فى رسالة دكتوراه عن الإخوان المسلمين إن دارهم صارت منتجعا لكل الحركات الإسلامية.. فى العالم الإسلامى.

وهكذا امتدت شعب الإخوان إلى السودان وسوريا ولبنا وفلسطين وشمال أفريقيا.

ويقول الصحفى الألمانى ولهم ديتل:" كان للإخوان أعضاء فى جنيف قبل الحرب العالمية الثانية".

قال إسحاق موسى الحسينى فى كتابه " الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية" إن الإخوان حركة فى شخص البنا تمددت واتسعت بالأعضاء والمريدين.

يزور الشيخ البنا المقر الرئيس بالقاهرة صباحا ليترك تعليمات بنظام العمل اليومى ويتجه إلى مدرسة عباس بالسبتية يؤدى عمله كمدرس وبعد عودته من المدرسة يتوقف فى المركز ثم يعود إليه مرة ثالثة فى المساء.

كانت فى مصر – فى ذلك الحين – 120 جمعية دينية

وكان تشكيل هذه الجمعيات . فى بعض الأحيان عملية تجارية لجمع التبرعات لحساب مؤسسيها ووجد موظف شكل 12 جمعية.

ولكن جماعة الإخوان – دون غيرها – كانت تستحق الفخر بها كما قال " هيوراث دان" رجل المخابرات البريطانية فى مصر الذى يجيد اللغة العربية واسلم وأصبح اسمه جمال الدين هيوراث دان وتزوج مصرية مسلمية – فى بحث قدمه سرا للإنجليز ثم نشره بعد ذلك كتابا ولكن بأسلوب مختلف . قال:


" تتمتع الجماعة بشعبية تفوق ما كان يتمتع به الوفد عند نشأته وفى عصره الذهبى خاصة ذا أخذنا فى الاعتبار الموارد المتاحة للجماعة.

ويرجع ذلك إلى حسن البنا فهو رجل تنظيم على درجة عالية من الكفاءة يصوغ تعاليمه الدينية بطريقة بارعة تمكنه من جذب خيرة شباب البلد إليه , ومجموعه أخرى من أصحاب المناصب والمكانة الطيبة. وهو يتوجه إلى المشاعر الدينية ويستخدم التنويم المغناطيسى العميق خلال خطبه وأحاديثه"! لم يتوقف الاتهامات عن ملاحقة الشيخ البنا منذ بدأ دعوته اتهم وهو مدرس فى الإسماعيلية بأنه شيوعى ووفدى وجمهورى ضد الملك فؤاد فحقق معه وثبتت براءته.


قالت المفوضية الأمريكية

" خطورة الإخوان تكمن فى المبادىء المعتصبة التى تعتنقها وطبقا لما يقوله الإخوان مادامت مصر دولة إسلامية فيجب أن تحكم بقانون القرآن"

وقالت السفارة البريطانية

" الهدف المعلن للجماعة إقامة حكومة ومؤسسات مصرية على أساس المبادئ القرآنية الأصيلة ونبذ الثقافة الغربية التى تعتبرها الجماعة.

مسئولية عما أصاب المجتمع المصرى من انهيار الأخلاق وانحلال السلوك وفساد القيم منذ جلبت على الشعب ما يعانيه من تعاسة وفقر.

ومهمة الجماعة إقامة تنظيم قوى لديه مشاعر العداء للأجانب ووجه الانجليز إلى الشيخ البنا اتهامات ... متناقضة... كثيرة


قال تقرير لسارة البريطانية

تلقت جماعة الإخوان مشاهدة من دول المحور – ألمانيا وايطاليا – بين عامى 1934و 1939 مما حدا بالبنا أن يصبح من العناصر النشيطة المعادية لبريطانيا وأثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت الهزائم تحيط بالانجليز فى كل مبادين القتال قالت المخابرات البريطانية:

" يبدو أن حسن البنا تقلى تبرعات من السفير الأفغانى. ومن المفوضية الإيرانية.. وهناك ادعاءات بأنه تلقى أموالا من أعضاء بالمفوضية اليابانية"!!

واتهمه كثير من الكتاب بأن جماعته نازية فاشية

وقارنه البعض بهتار وموسولينى!

وقالت السفارة البريطانية إنه درس تلك المؤسسات واستخدما كنموذج تحتذى به حركة الإخوان.

وفى دراسة للضباط الكندى ج.ب هاردى قدمها فى تقرير سرى لوزارة الحربية البريطانية قال:"هذه المقارنة عن مؤسس وقديس الإخوان لا يمكن التسليم بها إلا من وجه نظر سطحية.

تحمل منظمة الإخوان شبه محدد مع الحركتين النازية والفاشية وخاصة فى تعاليمها الداعية إلى الطاعة المطلقة وغير المشروطة للمؤسس. وفى الشكل شبه السرى للتنظيم, والإستعداد الوسائل العنيفة لتحقيق الأهداف.

ولكن إلى هنا ينتهى التشابه

الإخوان حركة دينية صريحة برنامج إصلاحى يشكل غاية فى ذاته بينما النازية والفاشية يناهضان الدين بصورة سافرة.

وكان هدف هتلر الأول كسب السلطة لنفسه قبل تحقيق منفعة للأمة وحتى آخر أيام البنا ظل رجلا مقتصدا متواضعا على نقيض التفاخر والعظمة لدى ديكتاتورى ألمانيا وإيطاليا.

والسلطة التى تمتع بها البنا لم تغره أبدا بعزل نفسه عن الناس كما حدث فى حالة هتلر وموسولينى. ويبدو أن البنا لم يعان أبدا من أوهام العظمة التى أصابت الديكتاتور الألمانى والديكتاتور الإيطالى. وهناك شك هائل حتى بين الكتاب المصريين فى أن حسن البنا رجل طموح يريد إعلان نفسه خليفة للمسلمين وليس هناك دليل من حياة البنا يشير إلى أنه سعى إلى هذا المنصب لنفسه وربما يكون قد قبله لو أن الموضوع أثير اعتقادا منه بأنه ذلك لصالح الإسلام بوجه عام ومصر بوجه خاص

ويمكن تبرئته من الطموح الشخصى فى المجال الدينى أو السياسى وقد مارس الإشراف الشخصى والمباشر على تنظيم الإخوان كله وربما فعل ذلك لضمان الفاعلية وبدافع الاهتمام الشخصى لا بدافع الطموح الشخصى" كان تركيز البنا فى الدعوة – عند بدايتها – يدور حول مسئولية الإنسان المسلم فى إصلاح معتقداته الشخصية وتنظيم حياته حول محور إسلامى وكانت أهدافه دينية ثقافية بحتة

كتب عام 1933 إلى الملك فؤاد يطلب إخضاع البعثات التبشيرية لرقابة الدولة.

ويشكل بعد عامين. وفدا من الأعيان يطلب إلى شيخ الجامع الأزهر ورئيس الديوان الملكى ووزير المعارف جعل الدين مادة إسلامية فى برامج التعليم.

وعند وفاة صاحب الجلالة قالت مجلة الإخوان بعنوان " مات الملك يحيا الملك":

" مصر تفتقد اليوم بدرها فى الليلة الظلماء. ولا نجد النور الذى اعتادت أن نجد الهدى على سناه. من للفلاح والعامل. ومن للفقير يروى غلته ويشفى علته, ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع ومن للإسلام يعز شوكته ويعلى كلمته. ومن للشرق العربى يؤسس وحدته ويرفع رايته؟".

ويعلن فاروق ملكا على مصر عام 1936 فيستقبله الإخوان فى محطات السكة الحديد على طول الطريق بيت القاهرة والإسكندرية ويهتف والتهم فى قصر عابدين قائلين:

-نهيك بيعتنا وأولادنا.

ولا يقتصر الهتاف على تلك الكلمات . بل يحددون شروط البيعة قائلين:

- على كتاب الله وسنة رسوله.

- فقد رغبوا فى الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم.

- فسر المرشد العام الشيخ عمر التلمسانى موقفهم من فاروق بأنهم كانوا يأملون من ورائه أن يصلح به أحوال البلاد.

- ولذلك رحبت صحيفتهم بفاروق بأنه " أسوة حسنة" , " فخر الشباب" و" حامى المصحف" و" أمير المؤمنين"وحامى حمى الدين"!

- وشهد فاروق إحتفالا بعيد الهجرة قالت مجلة الإخوان إنه " أعاد صورة سالفة صورة الرسول الكريم حينما طلع على أنصاره طلوع البدر"!

- ويكتفى المرشد العام فى تلك السنة -1936- بكتابة رسائل إلى الملك فاروق وإلى ملوك وزعماء الدول الإسلامية لإتباع منهج الإسلام وقوانينه وحضارته قائلا:" لم يبق إلا أن تمتد يد قوية . يظللها الله. وتحقق على رأسها آيات القرآن فإذا بالدنيا مسلمة هانئة , وإذا بالعوالم كلها هاتفة.

- - الحمد لله"

- ويؤكد لفاروق فى رسالة أخرى حتمية الحكم بالإسلام

وفى رسالته إلى أحمد خشبة باشا وزير العد أكد مطلب الحكم بالإسلام قائلا:" صدور الأمة محرجة أشد الحرج لشعورها بأنها تحكم بغير كتاب الله وقانونه وشريعته"

وعندما يدعو الفريق إبراهيم عطا الله باشا رئيس أركان حرب الجيش المرشد العام لحضور الاحتفال بعيد جلوس صاحب الجلالة يعتذر المرشد العام عن عدم الحضور قائلا:

كنت أتمنى أن يكون الاحتفال بعرض عسكرى لا بحفل غنائى ساهر!

كل الجماعات الدينية فى مصر اقتصرت على الدين . ولكن جماعة الإخوان – وحدها- اشتغلت بالسياسة حتى غطت الطبيعة السياسية للجماعة على نشاطها الدينى.

وتعددت الآراء بين الكتاب العرب حول ما إذا كانت الجماعة قد شكلت أصلا وهى تستهدف أن تكون قوة سياسية لها وزنها.

فى رأى الضابط الكندى " هاردى" قال :

" عند بحث جميع الحقائق نجد أن هذه الفكرة لم تكن موجودة ألاكان الإخوان من الناحية العددية قوة تمكنهم من تقديم برنامج عام على أسس سياسية, قبل عام 1936 بوقت طويل ولكنهم تجنبوا هذه المخاطرة " وتفسر ذلك مذكرات الشيخ احمد حسن الباقورى وزير الأوقاف المصرى الأسبق وكان من قيادات الإخوان. قال:

"حرص الأستاذ البنا على أن يظهر الإخوان المسلمون بمظهر الدراويش الذين يتمتعون على تلاوة المأثورات. وكان أمله فى ذلك أن يصرف اهتمام العالم الغربى عن الإخوان المسلمين باعتبارهم هيئة سياسية يخشونها على نفوذهم فى الاستذلال والإستغلال"!

وفى أول مكتب للإرشاد العام – الذى يدير شئون الجماعة – كان نصف الأعضاء من علماء الأزهر! رحب الأزهر بالجماعة. وساعد الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر أعضاءها باعتبارهم دعاة للإسلام ومفسرين لتعاليمه وسمح لهم بالدعوة فى المساجد فكانوا يدعون للجماعة بعد الصلاة مباشرة. ونجح الشيخ البنا فى اختيار الدعاة وتدريبهم.

وكان أغلبهم من الشباب ومن الفقراء وكان المرشد العام قدوة لهم فهو واحد منهم ولا يختلف أبدا عن الذين يوجه إليهم دعوته.

منذ بدأت جماعة الإخوان عام 1928 حتى مصرع الشيخ البنا عام 1949 واجه 12 رئيسا للوزارة هم مصطفى النحاس ومحمد محمود وعدلى يكن وإسماعيل صدقى وعبد الفتاح يحيى وتوفيق نسيم وعلى ماهر وحسن صبرى وحسين سرى وأحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وإبراهيم عبد الهادى.

وكانت له مع بعض هؤلاء تحالفات وصدامات فرضتها طبيعة العمل السياسى.

وواجه الشيخ البنا أربعة من المندوبين السامين والسفراء البريطانيين وهم اللورد جورج لويد والسير بيرسى لورين واللورد كيلرن والسير رونالد كامبل ولم يعرف الإخوان , أو شعب مصر ماذا جرى بشأنهم أو ماذا كان يقال عنهم بين رؤساء وزارات مصر سفراء بريطانيا والولايات المتحدة فى مصر أو بين هؤلاء جميعا وصاحب الجلالة ملك مصر.

وهذا الكتاب يقدم ذلك كله بوثائق تذاع لأول مرة عن الجماعة وعن المرشد العام الذى توقف أتباعه عن مقارنته بالأئمة الآخرين. واكتفوا بأن أطلقوا عليه لقب الإمام".

صدام..... واعتقال

دخل الشيخ البنا الميدان السياسى بالتدريج

وخلال السنوات العشر الأولى . أى منذ عام 1928 كان يؤسس جيل التكوين.

أفاد من فشل الأنظمة السياسية والفوراق الضخمة بين الحكام والحكومين وظل يحرص على نشر دعوته فحسب يتحسن مكانه بين الجماعات والأحزاب والقصر. ويعبر بين الحين والحين عن موقف سياسى.

بعث برسائل إلى رؤساء الوزارات يدعوهم إلى الإصلاح الاجتماعى الشامل على هدى الإسلام.

وتضمنت الرسائل تهديدا مقنعا يحمل معنى بأن الإخوان يشكلون قوة على أرض الواقع ومن الأفضل أن تلتفت الحكومات إلى ما يقولونه.

ولكنه فى كل الأحوال حرص على أن يكون الدين طابع دعوته وأن يؤكد أن الجماعة حركة تجديد إسلامى فى القرن العشرين هدفها الحكم بالإسلام لا" نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو دولة ووطن. أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة.

وهو رحمة وعدالة. وثقافة وقانون. أو علم وقضاء . ومادة وثروة . وجهاد ودعوة. أو جيش وفكرة. كما هو عقيدة صادقة وعبادة"

وتجنب خلال تلك السنين الصراع العنيف بين الأحزاب من ناحية وبينهما وبين الملك وانجليز من ناحية أخرى وبعد عامين من وفاة الملك فؤاد وجد أن الوفد لم يستطع ملء الفراغ الذى نشأ عن اختفاء شخصية الملك فؤاد الطاغية كما أن الوفد بدأ يضعف فقال رجالهم فى طنطا بإعداد جيش للترحيب بروميل وتجهيز عناصر موالية للمحور ومعادية للحلفاء.

حل النحاس مجلس النواب بعد 3 أيام من توليه رئاسة الوزارة فقرر الإخوان دخول المعركة الانتخابية التى قاطعتها الأحزاب الأخرى. وبلغ عدد مرشحى الجماعة 17 مرشحا.

قال حسن البنا وهو يرشح نفسه – عن دائرة الإسماعيلية -: إن الترشيح يتم فى ظل الإسلام وتحت راية القرآن.

وتركزت دعاية البنا على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية

وتحاشى الإخوان مهاجمة بريطانيا علنا ولكن استمرت الدعاية السرية ضد الانجليز. اعترض بعض الإخوان – الذين يريدون قصر نشاط الجماعة على الدين – على دخول زعيم الإخوان معترك السياسة بشكل رسمى.

وكانت التعليمات للإخوان – كما تقول تقارير المخابرات البريطانية – أن يصوتوا لصالح المسلمين الصالحين فى أية دائرة, أو لصالح مرشحى حزب العمال الذى أسسه النبيل عباس حليم ويدعمه القصر! وجاء فى مقال نشرته إحدى الصحف أن حسن البنا سيكون زعيم المعارضة فى البرلمان!

كان النحاس يعتقد أن الإخوان جمعية دينية فقد ذكر أحمد حسين زعيم مصر الفتاة للنحاس قائلا:

- الشيخ حسن البنا رجل لا أكثر

- دعا رئيس الوزراء المرشد العام للاجتماع به فى منتصف مارس بفندق " مينا هاوس " فقناعه بسحب الترشيح.

ويسافر النحاس عام 1937 إلى " مونتريه" لبحث إلغاء الامتيازات الأجنبية فيقدم إليه حسن البنا مذكرة يطلب فيها أن يختار التشريع الإسلامى دستورا للأمة.

ويخطب النحاس بعد عودته من سويسرا فيقول:

" تطالب جماعة لا وزن لها. ولا قيمة بأن يكون القرآن دستورا للأمة.. والإسلام عالى الجنبات ليس فى حاجة إلى هذه الصيحات".

رد الإخوان

" يا رفعة الباشا. قلتم إن الجماعة لا وزن لها ولا قيمة .. وهذا أمر متروك للزمن يقول فيه كلمته".. ويقيل الملك حكومة النحاس فى 31 من يوليه عام 1937 وتنشأ أزمة ثانية بين الوفد والجماعة. حملت صحيفة " المصرى" الناطقة باسم الوفد – فى يوليو 38 – على طلاب الإخوان. وكررت الصحيفة هجومها أكثر من مرة.


ردت مجلة " النذير " بعنف قالت

"وراء سطور الجريدة مؤامرة ضد الإسلام لأن المسيطر عليها هو الوفد وقد منع النحاس الصلاة فى الأزهر.. ورجال الوفد دعاة فساد يغررون بالشباب والطلبة... ومعسكرات الوفد أماكن تجمع للقوادين والنشالين والمجرمين وأرباب السوابق"!

ويجىء ذلك الزمان الذى تنبأ به الإخوان, فيعرف النحاس قيمتهم وقدرهم عندما يتولى رئاسة الوزارة فى أعقاب حادث 4 من فبراير 1942!

استنكر الإخوان حصار قصر عابدين بالدبابات البريطانية فاتهم بعض .جماعة لها .... وزن.

اللقاء الأول بين مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر والشيخ حسن البنا ثم عام 1936 عندما كان النحاس باشا يرأس الوزارة

يومها كان الشيخ ضمن وفد يطالب بالتعليم الدينى فى المدارس فظن رئيس الوزراء أن المرشد العام... عمدة لقرية مصرية!

والصدام الأول بين الرجلين تم فى عهد تلك الوزارة أيضا.

أشاد النحاس فى تصريح لصحيفة " الأهرام بكمال أتوتورك زعيم تركيا وقال إنه" من المعجبين بعبقريته... بلا تحفظ"!


رد المرشد العام فى صحيفة الإخوان فقال

" موقف الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه معروف . فقد حذفت القانون الإسلامى وحكمت بالقانون السويسرى فهل يفهم من هذا أن يكون لأمة مصر برنامج كالبرنامج " الكمالى"؟!

ويعقد النحاس مع بريطانيا معاهدة 1936 فيعارضها الإخوان ويطلقون عليها اسم " المعاهدة المشئومة". ويهاجم حسن البنا معظم وزراء النحاس..

انتقد وزير الخارجية لأنه أقام حفلا للبعثة الإيرانية لما فيه من خمر ورقص وعبث بأموال الفلاحين بما يخالف الدين!

.... ووزير الداخلية لأنه سافر ظهر الجمعة وترك أداء فريضتها!

... ووزير المالية لحضوره ميادين السباق والمراهنة وهى قمار صريح!


الملك فاروق مصطفى النحاس رئيسا للوزارة

ولكن الإخوان وقفوا ضد حادث 4 فبراير وقرروا دخول الانتخابات النيابية القادمة.

وتميزت الشهور التالية فى نشاط الإخوان بالهدوء المعتدل".

وتظل المخابرات تتابع الإخوان لتكتشف أنهم مستمرون فى " مخططاتهم التخريبية".. أى الاستعداد لتخريب المنشآت وخطوط المواصلات البريطانية إذا نجح الألمان فى غزو مصر.

ومن هنا تتضح الحقيقة وهى أن الإخوان هادنوا الإنجليز علنا وهاجموهم سرا لأنهم رأوا الوقت غير مناسب للصدام.

ويتقدم الألمان داخل صحراء مصر الغربية فيسحقون القوات البريطانية فى العجيلة ودرنه ويختفى الخبر فى القاهرة وتقوم مظاهرات يهتف الطلاب خلالها قائلين " إلى الإمام يا روميل".

وقيل إن هذه المظاهرات نمت بتحريض من الوفد أو الإنجليز حتى يتسنى تغيير الحكومة. ولا يشترك الإخوان فى هذه المظاهرات

وتفسر السفارة البريطانية ذلك قائلة

" يبدو أن أوامر صدرت للإخوان بالا يشتركوا فى هذه المظاهرات بصورة واضحة".

وربما تقصد السفارة أن الإخوان رفضوا الإفصاح عن ميولهم الموالية للألمان إذا هتفوا لروميل! ولكن كان واضحا أن الإخوان لم يتعاطفوا مع الناية.

وعلى أية حال فإن عمر وزارة سرى باشا انتهى – باستقالته – فى 4 فبراير 1942 .. عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين. وفرضت على فترة تقل عن شهر , ثم الإفراج عنه جعلت الإخوان على درجة كبيرة من القوة.

أصبح باستطاعتهم فرض ما يشاءون – بالتهديد – على حسين سرى الذى بدأ يدرك جيدا ضعف حكومته التى لا تتمتع بتأييد فى البرلمان . والتى فقدت فى الوقت نفسه تأييد الملك والإنجليز.

ويتقارب الملك والإخوان وأخذ سرى باشا يسعى لتحسين صورة الإخوان لدى السلطات البريطانية التى اكتشفت أن رئيس الوزراء يفعل ذلك بناء على تعليمات الملك!

وكان الألمان قد أشاعوا أن هتلر أسلم ونشر وسيم خالد – المتهم بالاشتراك فى اغتيال أمين عثمان وزير المالية فى عهد الوفد – أن اتفاقا تم بين المرشد والإنجليز للتعاون على محو أسطورة الحاج محمد هتلر فى المساجد والامتناع عن أى نشاط معاد لبريطانيا مقابل التغاضى عن نشاط الإخوان فى المدن والقرى.

وف كتاب ميتشيل قال : إن السفارة البريطانية عرضت مساعدة على الجماعة لتحقيق أهدافها.

واختلفت المصادر فيما إذا كانت الجماعة قد قبلت أو رفضت المساعدة والدعم المالى من بريطانيا ولكن مصادر الإخوان نفت قبولها " الأموال الكفرة".

وتقارير المخابرات البريطانية تؤكد هذا النفى كما تؤكده أيضا هيوارث دان وهو رجل بحكم صلته بالمخابرات ... كان يعرف الحقيقة.


وقالت تقارير المخابرات البريطانية

" أصبح حسن البنا أكثر حذرا فى حديثه عن الإنجليز.

تجنب الإشارات العدائية إلى بريطانيا ولكن خطباء الإخوان فى الأقاليم استمروا يهاجمون بريطانيا. قال حسن البنا فى خطاب له أمام مؤتمر الجماعة:

" الطريق طويل ولكنه الطريق الوحيد: إنه الصبر والاحتمال والجدية والعمل الدائم. ومن يريد اختطاف الثمرة قبل نضوجها فلست منهم.

وعندما صل عددكم إلى ثلثمائه كتيبة تزودت روحيا بالإيمان وفكريا بالعلم والثقافة وجسمانيا بالتدريب عندئذ أطلبوا منى أن أطلق عقالكم" وكان واضحا من ذلك أن جيل المستمعين لم يكتمل بعد

اقترح الإخوان على الحكومة خطة تلزم الانجليز بالتفكير عشرات المرات قبل إقدامهم على مس الوزارة بأذى أقنع المرشد العام عبد الرحمن عزام بأن تعلن الوزارة نفسها حكومة إسلامية فلن يجرؤ الانجليز على المساس بهذه الحكومة وإلا كان ذلك مساسا بجميع المسلمين فى أنحاء العالم.

ولكن على ماهر رفض تنفيذ الاقتراح.

وربما يكون الاقتراح لصالح على ماهر ولكن من المؤكد أنه لصالح الإخوان لأنهم بذلك يكونون قد حققوا أهم أهدافهم بإقامة حكومة إسلامية. وتغيير نظام الحكم المصرى كله. إلى حكم إسلامى وهو هدف الجماعة. ولا يمكن لحكومة مصرية. بعد ذلك . التراجع!

وعرض الإخوان على رئيس الوزراء المساهمة فى الجيش المرابط. وسكرتارية الشئون الاجتماعية – أصبحت وزارة بعد ذلك – وبعث حسن البنا بمذكرة إلى على ماهر قال فيها:

" الإخوان مستعدون وما على الحكومة إلا أن تدعوهم . وتفسح لهم المجال.

لسنا نريد بذلك أن نحتكر طريق الخير ولا أن نهيمن عل وسائله ومناهجه ولسنا بذلك نريد أن نفتح أبواب عمل وارتزاق للعاطلين من الإخوان المسلمين".

" إن حسن لابنا كان فى ذلك الوقت يجمع السلاح ويشتريه ويخزيه. ولم لم يكن أقرب الناس إليه من كبار الإخوان على علم بشئ من ذلك".

حاول عزيز المصرى توحيد الإخوان ومصر الفتاة.... ولكنه فشل

وكان حسن البنا الوسيط بين عزيز المصرى والضباط الأحرار عن طريق الدكتور إبراهيم حسن وكيل الجماعة وأنور السادات الذى أصبح بعد ذلك رئيسا لجمهورية مصر العربية!

بعد أسبوعين من تشكيل الوزارة أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا فى 3 من سبتمبر 1939. وأعلنت فرنسا واستراليا ونيوزيلندا الحرب لى ألمانيا فى نفس اليوم وتضامنت جنوب أفريقيا مع هذه الدول فأعلنت الحرب يوم 6 من سبتمبر وكندا بعد أربعة أيام.

طلب الانجليز إلى على ماهر أن تعلن مصر الحرب على ألمانيا.

رفض على ماهر فى مذكرة بعث بها إلى السفير البريطانى. وقال فى مجلس الشيوخ ط إن سياسة حكومته تجنيب مصر ويلات الحرب".

وفى كتاب" الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ " قال محمود عبد الحليم:" كان هناك تجاوب فكرى ونفسى بين الوزارة والإخوان.كانت وزارة منطلقة بما توجيه غليها المصلحة العامة, وساعدها أنها كانت مؤيدة من الملك الذى كان فى مقتبل أيامه ولم يكن قد تلوث – بعد – ورغباته متوائم مع رغبات الشعب ويرى فى على ماهر المعلم الناجح القدير

وكان على ماهر يتصور أن الانجليز لن يخاطروا بسمعتهم فيسقطوا حكومة مؤيدة من الشعب والبرلمان والملك".

قالت تقارير المخابرات البريطانية أن "الملك قدم الحماية والمعونة المالية للإخوان"

وأيد الإخوان – من ناحيتهم – سياسة تجنيب مصر ويلات الحرب وعدم الاشتراك فيها والاكتفاء بتقديم المساعدات التى نصت عليها معاهدة 1936 فحسب.


ويبرق السفير البريطانى اللورد كيلرن إلى لندن

" عمل على ماهر باشا بنشاط من وراء الكواليس لتأكيد سياسته الخاصة بالحركات المعادية للأجانب من خلال التنظيمات الإسلامية – مثل جمعية الشبان المسلمين, وحركة مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين – وعدد آخر من الجمعيات الإسلامية الأقل شهرة والتى تمارس نشاطها فى الخفاء.

وأخذ على ماهر باشا يشجع نوادى وجمعيات الشباب وكان الهدف انتظام الأجيال القادمة تحت راية الملكية الوطنية المتطرفة وكراهية الأجانب والمفهوم التقليدى للإسلام فى مواجهة التيار الأكثر

ليبرالية ولحزب الوفد – وللأقباط نفوذ فيه فإن مكرم عبيد باشا كان سكرتيرا عاما للوفد – وكذلك فى مواجهة الاحتلال الأجنبى.

اختار على ماهر الفريق عزيز المصرى المكفتش العام للجيش المصرى رئيسا لأركان حرب هذا الجيش ومنحه رتبة الفريق . وكان على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين ولكن السفارة البريطانية أصرت على منحه إجازة وكان عزيز المصرى مدرسا للملك فاروق عندما كان وليا للعهد

وأختير عزيز المصرى – فى وزارة محمد محمود باشا عام 1938 – مفتشا عاما للجيش المصرى ولكنه منع من ممارسة مهام وظيفته.

ويلتقى أنور السادات بعزيز المصرى عن طريق المرشد العام للإخوان الشيخ حسن البنا مما يدل على الصلة بين عزيز المصرى والإخوان

وفى مذكرات أنور السادات التى كتبها بعنوان " صفحات مجهولة " قال....

رفعوا إلى احتجاجا عنيفا ذكروا فيه أن الإخوان ليسوا هتافين . وإنهم لم يهتفوا لأشخاص . وإنما يذكرون الله وحده.

طيبت خاطرهم بأن هذه تحية المسافر وأننا لا نحيى شخصا . ولكن نحيى عمله لفلسطين فاحتسبوها عند الله فى سبيل فلسطين".

كان الإخوان خلال الثلاثينات – كما يقول الشيخ التلمسانى – قد كونوا أرضية واسعة ومترامية عبر أقاليم ومديريات القطر المصرى كما استطاع المرشد العام أن يضع النظام الفكرى والتنظيمى للحركة وحدد تعريف الإخوان وعلاقتهم بالجماعات الإسلامية والأحزاب الأخرى.

وكان الإخوان على صلة غير مباشرة بعلى ماهر. كما تقول المخابرات البريطانية والأرجح أن هذه الاتصالات نمت عن طريق أحمد السكرى وكيل الجماعة.

رحب الإخوان بالوزارة الجديدة وكتب صالح عشماوى فى مجلة " النذير " يقول :

" تحيط بعلى ماهر هالة كبيرة من الدعاية الطيبة. وتسبقه آمال حلو, وأمان عذبة فى الإصلاح والإنقاذ. والمفروض . فى المسلم, أن يحسن النية بأخيه وليس ما يمنعنا من أن نحسن النية بعلى ماهر ووزرائه"


كان على ماهر خصما للوفد

ولم يكن عضوا فى الحزب السعدى أو الحزب الأحرار المسلمين, وأيده فى ذلك صالح حرب وعبد الرحمن عزام وعزيز المصرى,وقيل هؤلاء جميعا الملك فاروق الذى كان يميل للألمان ويعادى الوفد والإنجليز ويرى أن تجمعات الإخوان يمكن استغلالها فى معارضيه الوفد! وتكتب المخابرات البريطانية تقريرا تقول فيه" بلغ عدد شعب الإخوان فى مصر نحو 500 شعبة.

ويرجع انتشارها السريع إلى أسباب منها فشل السياسيين الفاسدين فى مصر فى كبح جماح القلاقل الاجتماعية فمكن ذلك من يدعو لاتخاذ الإسلام منهجا من جذب أتباع من البيئة المضطهدة

وأصبح الإخوان – بعد رعاية على ماهر لهم – يتمتعون بدرجة ما من الاكتفاء الذاتى"

... وتقصد المخابرات بذلك التمويل المالى من على ماهر والقصر للإخوان! اعترض بعض الإخوان على التقارب بين المرشد العام والوزارة وطالبوا بقطع كل اتصال بين الجماعى ورئيس الوزراء. وكان بعض المعارضين ينتمون إلى الوفد والبعض الآخر يريد استقلال الجماعة. ولكن المرشد العام رفض ذلك. أعلنت ايطاليا الحرب يوم 10 من يونيه 1940

وطلبت بريطانيا من على ماهر مرة أخرى إعلان الحرب فرفض على ماهر قائلا إن مصر لن تدخل الحرب إلا إذا هوجمت المدن المصرية أو مواقع الجيش المصرى.

ويصرح رئيس الوزراء فى جلسة سرية للبرلمان بأن السياسة المصرية لن تتغير. رحب المرشد العام بقرار على ماهر وقال:

إعلان الحرب على إيطاليا شر متسطير

سأل " هيوارث دان" المرشد العام عن شعور المصريين تجاه الانجليز أجاب حسن البنا:

- المصريون يبغضون الانجليز كالألمان والإيطاليين فالانجليز لا يحترمون وعدا , ولا عهدا. ودخول مصر الحرب إلى جانب انجلترا يجعل مصر تبحث عن حقها.

- ويقطع على ماهر العلاقات السياسية مع ايطاليا. ولكن السفير البريطانى يهاجم فى أحاديث الخاصة على ماهر والوزارة وصاحب الجلالة قائلا:

- -فاروق ألماني الهوى يسر لانتصارات النازية, ولهزائم بريطانيا.

- وفى 17 من يونيه عام 1940 قدم السفير البريطانى إنذارا لفاروق يطلب تشكيل حكومة صديقة لبريطانيا..

- ويستقبل على ماهر يوم 23 من يونيه.. وكانت أول وزارة ساندت الأخوان فى عملهم السياسى.

- ويقبل فاروق – فى 27 من ينويه – استقالة الوزارة التى لم تعمر سوى عدم شهور وسبعة أيام! وتسند رئاسة الوزارة إلى حسن صبرى باشا فى اليوم نفسه ولكن هذه الوزارة لا تعمر سوى 139 يوما فقد توفى حسن صبرى – يوم 4 من نوفمبر 1940 – وهى يلقى خطاب العرش داخل البرلمان . ولم تتح له أو للإخوان فرصة الاتفاق أو الخلاف.

ويتولى رئاسة الوزارة حسين سرى باشا فى اليوم التالى.

كن على باشا ماهر عدوا للإنجليز فى تلك الفترة وحسين سرى باشا هو صديق للإنجليز فى كل فترة وقد طلبوا إليه الحد من النشاط السياسى لعلى ماهر ومن هنا تعقب رئيس الوزراء على ماهر ورجاله فأعد مشروع قانون يحرم على الجمعيات الخيرية العمل السياسى. وكان الإخوان المسلمون الهدف الأول لهذا التشريع.

رد حسن البنا فكتب مقالا انتقد غيه حكومة سرى باشا لانحرافها عن مبادئ الإسلام.

وكان هذا المقال أكثر مما يحتمل رئيس الوزراء"

كما يقول تقرير السفارة البريطانية"ز فهو مهندس مثقف ثقافة غربية ويتمتع بشخصية قويه!.

فى مذاكرات الدكتور محمد حسين هيكل باشا – وزير المعارف فى وزارة حسين سرى التى تولت الحكم فى 15 نوفمبر سنة 1940 قال " إن السلطات البريطانية أبغلت حسين سرى ان حسن البنا يعمل فى أوساط الإخوان لحساب إيطاليا.

وطلبت هذه السلطات إلى رئيس الوزراء العمل على الحد من نشاطه"

رأى رئيس الوزراء أن نقل البنا إلى بلد ناء بالصعيد يحد من نشاطه فطلب نقل المرشد العام إلى قنا. لم يجد هيكل باشا بأسا من إجابة طلب رئيس الوزراء فنقل مدرس فى مدرسة ابتدائية ليس أمرا ذا بال. إذ يقع مثله خلال العام الدراسى فى كل سنة ولا يترتب عليه أثر.

نقل حسن البنا إلى قنا ونقل أحمد السكرى وكيل الجماعة إلى دمياط وصدر القرار بتنفيذ النقل فورا. ويضيف الإخوان سببا آخر شجع الدكتور هيكل على الإسراع بنقل المرشد العام فقد انتقدت مجلة الإخوان كتاب " حياة محمد " الذى ألفه الدكتور هيكل!

وقال المرشد العام فى أحاديث " إن الدكتور هيكل اقتدى فى كتابه بمؤلف فرنسى أعرض عن معجزات النبى عليه الصلاة والسلام ولم يستثن منها إلا القرآن الكريم ..

مع أن المعجزات ثابتة بصحيح السنة"ز

كان حسن البنا يحاضر فى المركز العام للإخوان مساء الخميس عن نظرة الإسلام للمرأة" عندما تقدم إيه أحد الأعضاء بورقة مكتوبة فلما قرأها اعتذر عن المحاضرة وخرج.

وبعد فترة وقف الشيخ عبد العزيز عبد الستار ليقول بأنه صدر أمر عسكرى بنقل الأستاذ البنا إلى قنا!

اجتمع مكتب الإرشاد ورأى معظم الأعضاء تحدى القرار والامتناع عن تنفيذ النقل وأن يستقيل المرشد العام حتى لا يكون لأحد سلطان عليه .

ولكن المرشد العام , فى ظل الحرب والأحكام العرفية وتقهقر الانجليز أمام الزحف الألمانى فى أوربا وشمال أفريقيا . وجد أن الانجليز لن يتراجعوا أمامه . ورأى أن مرحلة المواجهة لم تأت بعد ولا يحسن التعجيل بها.

قال للأعضاء :

أمر الاستقالة سهل لا يتطلب سوى ورقة وقلم ولكن هل سيقف الأمر عند الاستقالة . إن أمرا عسكريا سيصدر باعتقالى فى الحال فالأحكام العسكرية مفروضة على البلاد والعباد.والنقل أيسر الأضرار, وأنفع للدعوة من الاعتقال . وهى فرصة تعطى للصعيد حقه فى نشر الدعوة.

وحتى يبدو الإخوان بمظهر سلمى وافق الشيخ على النقل.

قال السير مايلز لامبسون – اللورد كيلرن – فى البرقية 388 لحكومته :

" كانت الملامح الرئيسية لتى تميزت بها التطورات السياسية فى مصر إزدياد حدة الصراع بين رئيس الوزراء وعلى ماهر باشا. هاجم رئيس الوزراء عل ماهر فى معاقله الإدارية وشتت صنائع خصمه بالتنقلات.وهاجم سرى باشا , على ماهر باشا فى التنظيمات الإسلامية التابعة لماهر باشا بنفيه حسن البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين إلى قنا.

ويبدو أن رئيس الوزراء تصرف فى هذه المسألة بشكل فج فقد صرح بأنه اتخذ هذا الإجراء بناء على اقتراح السفير البريطانى. ولم يتعامل فى هذه المسألة يمقتضى السلطات المحولة له بوصفه حاما عسكريا". سافر البنا إلى قنا فى أول قطار لينقل نشاط الجماعة إليها . وتكون مناسبة لتثبيت مواقعه ونشر تنظيماته فى صعيد مصر. ويستهل نشاطه بعقد مؤتمر للمسلمين والمسيحيين.

فى هذا المؤتمر بين المرشد العام أهمية الحكم بالشريعة الإسلامية وبدد مخاوف الأقباط من لدعوة للحكم بالقرآن الكريم قائلا:

فى ظل الشريعة الإسلامية عاش المسلمون والمسيحيون فى وئام ليس له مثيل. وقال:

-الإسلام لا يعرف معنى الديمقراطية التى يحدد مدللوها الناس حسبما تقضى مصالحهم والإسلام لا يعرف المتغيرات بل هو شريعة العدل لا تتغير ولا تتبدل تبعا للمصالح والأهواء. لم يكن حسن البنا مدرسا عاديا يسرى عليه ما يسرى على مدرسى التعليم الابتدائى من قرارات فينقل إلى قنا, المدينة التى اعتادت الحكومات المصرية المتعاقبة أن تنقل إليها الموظفين المشاغبين للتكفير عن أخطائهم أو عقابا لهم!

ترك البنا لأنصار الإخوان أو لمن يريدون استمالة الإخوان إليهم, أن يتحركوا لعادته إلى القاهرة وتحرك – أول من تحرك- أعضاء حزب الأحرار الدستورين الذين ينتمى إليهم هيكل باشا فقدم أحد نوابهم سؤالا إلى سرى باشا فى البرلمان.

برر سرى باشا. فى أحاديثه الخاصة. قرار النقل بأن البنا قصر فى عمله ولكن الإخوان أعدوا تقارير إدارة التفتيش بوزارة المعارف التى ترد على أقوال رئيس الوزراء و وتثبت أن البنا كان موفقا فى عمله وحريصا عليه وزاد ضغط النواب المؤيدين للحكومة على رئيس الوزراء بعد أن ضاقوا بانتشار نفوذ الإخوان فى الوجه القبلى.

ورأوا إبعاد حسن لابنا عن صعيد مصر.

وفى مذكرات هيكل باشا وصف لهذا كله.

قال هيكل باشا

" أدى مقل البنا إلى مالم يؤد إليه نقل مدرس يره

جاءنى غير واحد من النواب الدستوريين يخاطبنى فى إعادته إلى القاهرة ويرجونى فى ذلك بالحاح.

ولما لم أقبل هذا الرجاء هب هؤلاء النواب إلى رئيس الحزب عبد العزيز فهمى باشا وطلبوا إليه أن يخاطبني فى الأمر.وخاطبنى الرجل فذكرت له أن حسين باشا هو الذى طلب نقل الشيخ بحجة أن له نشاطا سياسيا, وأن النشاط السياسى محرم على رجال التعليم, كما أن محرم على غيرهم من الموظفين , ولا مانع عندى من إعادة الرجل إلى مدرسة المحمدية بالقاهرة.

خاطب عبد العزيز باشا رئيس الوزراء فى الأمر وذكر له إلحاح طائفة من النواب الدستوريين ذوى المكانة.

أبدى لى سرى باشا أنه لا يرى مانعا من إعادة الرجل إلى القاهرة فأعدته".

وكان من الصعب على سرى باشا أن يغضب أحد الحزبين المؤلفين فى الوزارة ويركن غلى نوابهما فى تأييد استمراره فى الحكم وخشى سرى أن يزداد ضغط النواب جسامة فأراد اتقاء ما قد يجر إليه.

وهكذا عاد البنا إلى القاهرة فى يونيو من العام نفسه.

ويقول السفير البريطانى السير مايلز لامسون إن القصر الملكى بدأ يجد فى الإخوان أداة مفيدة . وإن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديرى الأقاليم – محافظين – بعدم التدخل فى أنشطة الإخوان" الذين يعلمون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد".

وقال السفير :

لاشك" أن الجماعة استفادت كثيرا من محاباة القصر لها. كما نالت التأييد المادى والمعنوى من العصبة المعادية لبريطانيا التى يرأسها على ماهر".

وعلى أية حال فن نتيجة قرار النقل والعدول عنه أفادت البنا كما يقول هيكل باشا فإن تراجع رئيس الوزراء " أشعر الشيخ حسن بأن له من القوة ما يسمح بمضاعفة نشاطه من غير أن يخشى مغبة ذلك النشاط, وأن هذا الشعور كان له أثره فى تطوير الإخوان المسلمين.

وقوبلت عودة الشيخ البنا للقاهرة بالحفاوة والترحيب مما يدل على الشعبية المتزايدة للجمعية ومرشدها العام.ولكن أحمد حسين زعيم مصر الفتاة لم يعجبه ذلك.

قال :" فى الوقت الذى يفصل فيه بعض الموظفين فإن حسن البنا كموظف لم تفعل الكومة معه إلا نقله من القاهرة إلى قنا ثم ما لبث أ، أعادته مرة أخرى بعد فترة  غير طويلة فهو ينال عطف الحكومات على التوالى فضلا عن تلك الإعانات التى تقدمها الحكومة وهيئاتها للجماعة".

جاءت المواجهة الثانية بين سرى والبنا بعد شهور

طلبت السلطات البريطانية من سرى باشا اعتقال حسن البنا وأحمد السكرى وكيل الجماعة.

وكان السبب فى لذلك تقارير المخابرات البريطانية التى أجمعت على أن الإخوان " يقومون بدعايات مضادة للإنجليز, ويخطبون ضد الانجليز فى اجتماعات شعبية ويجمعون معلومات عن تحركات القوات البريطانية ويجرون اتصالات مع موظفى السكك الحديدية ومع العاملين فى المستودعات والمعسكرات البريطانية".

وقالت هذه التقارير:

" هناك شكوك فى أن الإخوان يخططون للقيام بعملية تخريبية شاملة ضد المنشآت الحيوية وشبكة الاتصالات البريطانية"

ورغم أن الإنجليز لم يكونوا على يقين كامل بأن الإخوان يعدون خطط تخريبية إلا أن تقارير المخابرات سببت للسفارة قلقا كبيرا دعاها لأن تطلب من حسين سرى اعتقال البنا وأحمد السكرى وعبد الحليم عابدين فاعتقلتهم الحكومة فى 16 من أكتوبر عام 1941 فى معتقل الزيتون بالقاهرة.

وكانت هذه أول مرة يعتقلون فيها. وتم ذلك وسط الحرب والأحكام العرفية وسيطرة الانجليز على كل شئ فى مصر, مما لا يعطى أملا للمرشد ووكيل الجماعة فى إفراج قريب!

قال حامد جودة وزير التموين لفهمى أبو غدير المحامى وعضو الجماعة إن البنا اعتقل بتهمة العمالة للمحور.

أوقف سرى باشا صحف الإخوان " التعارف " و"الشعاع" الأسبوعية و" المنار" الشهرية وأغلق مطبعتهم وحظر اجتماعاتهم ومنع الصحف من نشر أنباء عن الإخوان المسلمين واجتماعاتهم. ولكن, تحرك كثيرون – مرة أخرى – للدفاع عن البنا وبينهم توفيق دوس باشا – مسيحى ونائب منفلوط ووزير المواصلات السابق – الذى قدم استجوابا إلى مجلس النواب بشأن اعتقال حسن البنا وانهالت العرائض والالتماسات على الملك ورئيس الوزراء تطالب بالإفراج عن الشيخ.

واعتصم الطلاب فى مسجد السلطان حسن بالقاهرة. وفى 12 من نوفمبر ألقت الشرطة القبض على 16 طالبا كانوا يحاولون تنظيم اجتماع للاحتجاج على اعتقال زعيم الجماعة. أصاب الرعب سرى باشا فقرر إطلاق سراح زعماء الإخوان فى اليوم التالى روى فتحى رضوان المحامى ورئيس اللجنة العليا للحزب الوطنى الذى كان مع حسن البنا فى المعتقل . قال:

"ذات يوم. رأينا باب المعتقل يفتح وسيارة ضخمة من سيارات الوزراء تدخل إلى حديقة المعتقل. وسمعنا أن لقادم فى السيارة محمد حامد جودة وزير التموين وسكرتير الحزب السعدى وفى وزارة حسين سرى باشا.

ورأينا حسن البنا يدعى إلى النزول إلى مكتب مدير المعتقل حيث اختلى بالوزير الذى جاء ليفاوض المرشد العام فى المسائل التى وقع فيها الخلف بين الإخوان والحكومة.

ويبدو أن المفاوضات أثمرت الإفراج عن الأستاذ المرشد".

وهكذا صدر قرار الإفراج عن البنا فى 13 من نوفمبر أى بعد أقل من شهر سأل الشيخ البنا قائد المعتقل:

هل شمل قرار الإفراج كلا من أحمد السكرى وعبد الحليم عابدين وكيل الجماعة وسكرتيرها العام؟ أجاب القائد بالنفى فرفض الشيخ البنا الخروج أو النجاة بنفسه قال:

كيف أخرج وأترك زملائى

قام القائد باتصالات كثيرة مع المسئولين ثم أعطى وعدا للشيخ باستصدار قرار الإفراج عنهما فخرج حسن البنا آسفا.

وفى تقرير المخابرات الحربية البريطانية أن " حكومة حسين سرى اعتقال حسن البنا ضمن آخرين ولكنها أطلقت سراحه فورا بسبب الضغوط عليها"

سأل السفير البريطانى سرى باشا عن سبب الإفراج عن حسن البنا رغم السفير نفسه الذى أصر على الاعتقال. أجاب رئيس الوزراء:

إن افتتاح البرلمان سيجرى بعد يومين ز ولا أستطيع ضمان النظام والأمن ذلك اليوم إذا استمر اعتقال البنا وزميليه.

ولو كان الملك هو الذى تدخل للإفراج عن المرشد لعام لكان حسين سرى قد أبلغ الانجليز أو حرص على نشر ذلك بوسائل متعددة, خاصة وأنه أفشى سر الإعتقال وأعلن أنه تم بناء على اقتراح السفير البريطانى.

قال حامد جودة لفهمى أبو غدير , إن وساطته نجحت فى الإفراج  عن الشيخ لأن الاتهام يقوم على الظن والهوى.


وقالت الصحف إن السعديين اشتروا الشيخ البنا وجماعته بالإفراج عنه وقيل إن السعديين رغبوا فى استغلال الإفراج عن المرشد العام لمصلحتهم وهكذا ألقى المسئولون جميعا تبعة الاعتقال على الإنجليز ونسبوا لأنفسهم فضل الإفراج.

إذا كان البنا قد أفاد من نقله إلى قنا وعودته السريعة إلى القاهرة فإن اعتقال ه انفصل عنه أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشي – الرجلان اللذان توليا فيما بعد رئاسة الوزارة – وأحس الشيخ البنا بأن الجماعة يجب أن تمارس دورها السياسى.

فى مايو عام 38 بدأت الجماعة اشتغالها العلنى بالسياسة مع صدور العدد الأول من مجلتها الأسبوعية" النذير" وبعد أن بلغ عدد الشعب ثلثمائة شعبة

فى هذا العدد وقع حسن البنا مقاله باسم " حسن البنا المدرس بوزارة المعارف العمومية والمرشد العام للإخوان المسلمين"

وفى هذا التوقيع وحده دلالة على أنه يرى أن عمله كمدرس أهم من منصب المرشد العام للإخوان!

كان عنوان المقال" خطوتنا الثانية إلى الأمام دائما – الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة . أيها الإخوان تجهزوا".

فى هذا المقال البنا" إن دعوة الإخوان بدأت منذ عشر سنين.. وكانت مصر يوم أن نبتت هذه الدعوة المجددة لا تملك من أمر نفسها قليلا ولا كثيرا يحكمها الغاضبون".

" أصبح للإخوان دار فى كل مكان ودعوة على كل لسان, وأكثر من ثلثمائه شعبة وقد حان وقت العمل وآن أوان الجد. ولم يعد هناك مجال للإبطاء فإن الخطط توضع والمناهج تطبق وكلها لا يؤدى إلى غاية ولا ينتج ثمرة والزعماء حائرون والقادة متذبذبون متأرجحون.

ستنتقل من حيز دعوة العامة فقط إلى حيز دعوة الخاصة أيضا , ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال وستتوجه إلى المسئولين من قادة البلد ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وهيئاته وأحزابه وسندعوهم إلى منهاجنا".

وقال:

" إلى الآن أيها الإخوان لم تخاصموا حزبا و هيئة كما أنكم لم تنضموا إليهم ولقد تقول الناس عليكم فمن إنكم وفديون نحاسيون, ومن قائل إنكم سعديون ماهريون,ومن قائل أنكم أحرار دستوريون. ومن قائل أنكم بالحزب الوطنى متصلون, ومن قائل أنكم إلى مصر الفتاة تنتسبون"

إنكم من كل ذلك بريئون". وحدد برنامجه فقال"

" كان موقفكم أيها الإخوان سليبا فيما مضى أما اليوم فى هذه الخطوة الجديدة فستخاصمون هؤلاء جميعا , فى الحكم وخارجه خصومه شديدة"ز

ولكن الإخوان الذين أعلنوا أنهم يخاصمون الأحزاب كلها تركوا الملك فقال حسن البنا فى ختام مقاله: " إن لنا فى جلة الملك المسلم أيده الله أملا محققا, وفى الشعب المصرى الذى صقلته الحوادث ونبهته التجارب ومعه الشعوب الإسلامية المتآخية بعقيدة الإسلام , نظرا صادقا".

ومن العدد الأول لمجلة " النذير" وخلال سبعة شهور يهاجم الإخوان معاهدة 1936.

قالوا: " أنها غل فى عنق مصر. فرضت عليها قيودا ثقيلة غليظة تنوء بحملها الجبال وقبلها المفاوضون المصريون لظروف خاصة".

ودعت الجماعة إلى " عدم بناء ثكنات لقوات جيش الاحتلال والضغط على انجلترا لتعديل المعاهدة أو إعلان الجهاد"

ويهاجم صالح عشماوى الوكيل العام للجماعة – فى يوليو – محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر فى مقال عنوانه" يا مصر حطمى أصنامك وطهرى ديارك للصالحين" قال فيه:

" زعماء مصر لا يملكون نفعا ولا ضرا: يستفيدون ولا يفيدون.

نحن نعبد أصناما ف شكل زعماء وأصنام اليوم يمتصون دماء الأمة. ويستأثرون بخيراتها يخدعونها ويغررون بها.

هؤلاء الزعماء جميعا ومن ورائهم أحزابهم. ليس لهم إلا برنامج واحد يتلخص فى كلمة ورادة هى الحكم".

ويصف الكاتب رئيس الوزراء بأنه " قبل أن يرتدى الرياسة خلع عصبيته للإسلام وما كاد يجلس على كرسى الحكم حتى تنكر لأمال المسلمين. وفاز بثقة الانجليز".

ويرفض الشيخ البنا دخول الإخوان فى معركة مع خصوم الجماعة والمنشقين عليها أكثر من عشر سنوات قائلا: " الخلاف لا يكون حائلا دون ارتباط القلوب . وتبادل الحب , والتعاون فى الخير".

بل إن تجنب المعارك والصدام ظل شعار المرشد العام سنوات طوالا وتعترف السفارة البريطانية بأنها " لم تتنبأ بأهمية الإخوان والدور الذى سيعلونه فى المستقبل".

ولكن الجماعة رغم ذلك استطاعت أن تكون – فى وقت واحد – حزبا سياسيا وجمعية دينية ورابطة اجتماعية وهيئة خيرية.

أما السر الكبير لنجاح الحركة فهو أنه توارى عن أنظار الإنجليز الذين يختلون مصر فلم يفطنوا إليه وإلى أهدافه زمنا طويلا.

عندما قام شباب مصر الفتاة بالهجوم على حانات الخمر فى القاهرة أعلن حسن البنا فى " النذير" إن" الإخوان لا يوافقون على مسلك مصر الفتاة باعتبار أنه تحد للقانون".

قال تقرير للمخابرات البريطانية

" خلال السنوات الثمانى الأولى أى منذ عام 1928 حتى عام 1936 لم تخط حركة الإخوان باهتمام سلطات الأمن البريطانية"!

وكان الفضل فى ذلك للشيخ البنا"

تولى على ماهر رئاسة الوزارة يوم 18 من أغسطس عام 1939 فشكل وزارته من 14 وزيرا.

ضمت الوزارة 9 من المستقلين وخمسة من السعديين وامتنع حزب الأحرار الدستوريين عن الاشراك فيها.

دخل الوزارة رجلان عرفا بعدائهما الشديد للإنجليز. وهما محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين وزيرا للدفاع. وعبد الرحمن عزام باشا وزيرا للشئون الاجتماعية وقد أصبح فيما أمينا عاما للجامعة العربية.

كان على ماهر باشا أول رئيس للوزراء فى مصر اكتشف أهمية الجماعة وأراد اجتذاب هذه الحركة الإسلامية لنفسه وللملك!

وكان الإخوان على صلة بعلى ماهر منذ عام 1937 عندما سافر إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة الذى يبحث قضية فلسطين.


قال الشيخ البنا فى مذاكرته

ودع الإخوان على ماهر آخر وداع

وبعد حضوره ذهب وفد من الإخوان إلى المحطة لاستقباله وعلى رأسه الأستاذ أحمد السكرى – وكيل الجماعة- فهتف بحياته . وأمر الإخوان أن يهتفوا بحياته كذلك . فهتف بعضهم وامتنع الآخرون.

وعادوا ثائرين. ويبرق جاكوبس القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن فى 29 من أبريل 194 قائلا: ينظر النحاس إلى البنا باعتباره قوة يحسب لها حساب وقيل أنه منح الجماعة إعانة مالية كبيرة.

ومن الواضح أن الإخوان مستعدون للتعاون مع الحكومة الحالية الموجودة فى السلطة

ومن المشكوك فيه أن يتبع الإخوان هذه الحكومة إلى المعارضة فى حالة سقوط الوزارة

ونشاط الجماعة المقبل غير واضح ويمكن أن نصبح مثارا للإزعاج أو حتى للخطر من زاوية طابعها الدينى المتعصب"

زاد اهتمام بريطانيا بالإخوان . خلال الحرب بصورة لم يسبق لها مثيل منذ إنشاء الجماعة.

وكان السبب فى ذلك تجربة الحرب العالمية الأولى.فى تلك الحرب التى استمرت من عام 1914 – حتى 1918 كان سعد زغلول خارج الوزارة بعد خلافة مع الخديو عباس حلمى الثانى واللورد كتشير المعتمد البريطانى فى مصر.

وبعد الحرب مباشرة قام الوفد برئاسة سعد زغلول يطالب بالاستقلال وكانت ثورة 1919 وما جرى فيها.

وخافت بريطانيا أن تتكرر تلك الثورة فى مصر ويقوم بها الإخوان بدلا من الوفد .ز فالإخوان خارج الحكم ولذلك فإن الجماعة يمكن أن تقود الثورة بعد انتهاء الحرب.. كما فعل الوفد عام 1919 عندما كان معارضا وسعد زغلول خارج الوزارة وهذا هو السبب الذى دفع بريطانيا إلى متابعة الإخوان عن كثب تتعرف اتجاهاتهم.

والغريب فى أمر السفارة أنها كانت تخشى – حينا – أن يثور الإخوان ضد الإنجليز وضد الوفد.... وفى حين آخر تخشى أن يستغل الوفد الإخوان للثورة ضد الانجليز!

قالت السفارة

" يصبح الإخوان خطرا داهما إذا استغلتهم شخصية قوية مثل الملك. أو على ماهر أو حتى النحاس باشا

وربما يكون الوقت فى صالح الإخوان فهم يسعون إلى تحقيق إصلاحات تربوية, واجتماعية. 

وأخلاقية فى الوقت الذى فقد فيه الوفد شعبيته ببطء وسيفقدها بالتأكيد . كما اهتزت سمعة زعيم الوفد مصطفى النحاس من الاتهامات حول إساءة استغلال نفوذه .

(.... تقصد السفارة الكتاب الأسود...)

وقد يأتى يوم يتصارع فيه الإخوان مع الوفد للوصول إلى الحكم طبقا لبرنامجهم. ويشكل الإخوان – على المدى البعيد – خطرا محتملا على الجالية الأوربية فى مصر إذا جاء يوم تتقدم فيه بريطانيا مزيدا من التنازلات إلى القومية المصرية.

ومن وجهة النظر قصيرة المدى فى زمن الحرب فقد تثور أسئلة حول ما إذا كان يتعين علينا النظر إلى الإخوان على أنهم يشكلون خطرا مباشرا.

ومنذ بداية الحرب لم تتدعم مكانة الجلاء كما هى الآن. ولم تتدهور مكانة دول المحور كما هى الآن.

وكنا نحرص بوجه عام على عدم استعداء الرأى العام المصرى ضدنا كما تتميز علاقاتنا بالحكومة بالتفاهم التام وقد ألمح الناس إلى أن حسن البنا منافق .

وقد نفى أنه ديماجوجى مثل أحمد حسين وان طباعه وثقافته الدينية يفضل سياسة التطور السلمى لا العنف الذى يؤدى إلى دمار الجماعة, وهناك عدة أحداث تجعل الإخوان يشكلون خطرا من جديد

( أ) إذا تدهور الموقف العسكرى بصورة خطيرة أو كانت خسائرنا ضخمة

(ب) وإذا نجح الحلفاء فى إبعاده شبح الحرب عن مصر وتركوا المجال مفتوحا أمام الصراعات السياسية المحلية فقد نواجه بمطالبة الإخوان المسلمين لنا بإنهاء النفوذ البريطانى فى مصر وجلاء قواتنا (جـ) يمكن أن يؤدى أى حادث فردى مثل الحادث الذى وقع أخيرا عندما لفى طالب مصرعه بسبب تصرفات غير مسئولة للجنود البريطانيين, فتثور المشاعر .

وتتحرك المظاهرات المعادية لبريطانيا ويشترك فيها الإخوان.

ورغم ذلك أحسن الإخوان التصرف فى هذا الحادث بصورة تدعو إلى التقدير.

ويجب علينا فى جميع هذه الحالات أن نأخذ فى اعتبارنا احتمالا هاما. وهو أن الجماعة قد تمتنع ككل عن الاشتراك فى الاضطرابات الآن إلا أن المتطرفين من أعضائها وهم يشكلون جزءا لا يستهان به قد يقدمون من تلقاء أنفسهم بأعمال تخريب خطيرة.

وأخيرا عندما ندرس أهمية تأمين المستقبل بالنسبة للإخوان يصبح من قليل التسرع أن نتجاهل تماما ثورة عام 1919 ويصبح من قبيل التسرع – أيضا – أن نهتم بها أكثر مما يجب.

زمن ثم فالمصريون جميعا يحركهم السخط على الاحتلال العسكرى الذى دام 4 سنوات لم تنل أمانيهم القومية خلالها أى قدر من الاهتمام بل تعرضت حرياتهم الشخصية وممتلكاتهم ومشاعرهم للامتهان.

وشهدت البلاد ارتفاعا فى أسعار القطن جعل الفرحين مهيئين للإستجابة إلى دعايات الأفراد المعادين لبريطانيا فى المدن. ولكن عادت الأوضاع ما هى عليه مع حدوث انخفاض فى أسعار القطن.

ومن ناحية نجد أن البلاد تديرها حكومة من اختيار أبنائها تقريبا أى حكومة الوفد وعلى الرغم من نقص المواد التموينية فإن معاناة الشعب قليلة نسبيا ورغم تعرضنا لبعض المشاكل بسبب وجود مئات الألوف من قواتنا فى مصر والعادات المصرية الصعبة وما يتميز به المصريون من تهور واندفاع فإن هذه المشاكل ليست على درجة كبيرة من الخطورة.

والعوامل التى أفروت أحداث 1919 ليست موجودة حاليا بنفس الدرجة الماضية وقدرتنا الآن أفضل على التنبؤ بأى احتمال لتدهور لموقف فى بدايته واتخاذ الخطوات الكفيلة بوقف هذا التدهور وإزالة بعض أسبابه".

ولعل أهم مافى هذه البرقية الإشارة إلى أن المتطرفين من الإخوان قد يقومون بأعمال تخريبية خطيرة من تلقاء أنفسهم, وهو ما حدث عام 1948 والسنوات التالية!

وتلوح نهاية الحرب فى الأفق بعد انتصارات الحلفاء على المحور . وتبدأ المخابرات البريطانية فى رسم صورة لمستقبل العلاقات بين الوفد والإخوان.

قالت فى 25 من يوليو عام 1944. قبل 3 شهور من إقالة النحاس " يحتمل أن يبقى حسن البنا ملتزما بالهدوء نسبيا طالما ظل الوفد فى السلطة وسيركز على الإفادة من ميزة الحرية التى يتيحها النحاس ليجعل من جماعته القوة بالفعل جماعة أكثر قوة.

القرار فى حشد قوتها للدفاع عن قضية الوفد وفتحت مئات المقار التابعة لها فى جميع أنحاء البلاد.

وبالرغم من تحالفها المعلن مع الوفد كانت سياستها تهتم بأمور دينية بحتة وتساند الجماعة الحكومة بصورة غير مباشرة عن طريق تأكيد اهتمامها بالقضايا ذات الطابع الدينى وقلقها بشأن اوضاع العرب المسلمين.

ويقال إن الجماعة تتقاضى إعانة من الحكومة على إصدار صحيفتها بصورة منتظمة.

ويصعب التنبؤ بمستقبل نشاط مثل هذه الجماعة فى حالة تغيير الحكومة طالما أنها مستعدة للمزايدة على ولائها لمن يدفع أكثر"!

فى ابريل تنهمر رسائل الاحتجاج من أعضاء الإخوان على السفارات الأجنبية احتجاجا على الإجراءات التى اتخذت لصالح اليهود فى فلسطين. ومنح الجنسية الفرنسية لطبقات معينة من الجزائريين.

وتتلقى المفوضية الأمريكية – التى لم تكن قد تحولت إلى سفارة – 320 رسالة فى هذا الشأن خلال يوم واحد. وتلاحظ المفوضية أن الرسائل وردت من 70 مركزا للإخوان فى القاهرة و143 مركزا فى الأقاليم. وكتبت كل رسالة بأسلوب مختلف

وبعث حسن البنا إلى القائم بالأعمال الأمريكى يقول:

" يحتج الإخوان المسلمون والعالم الإسلامى على الموقف الأمريكى فيما يتعلق بفلسطين وهم يتوقعون إعلانا صريحا يهدىء المشاعر ويضمن للعرب وطنهم".

وتستخدم الجماعة الوفد حالا لتحقيق أغراضها الخاصة وبذلك يمكن أن تصبح السيطرة على الجماعة أمرا مستحيلا وتكون مصدرا كبيرا للقلق والاضطرابات

ويبدو أن الوفد بدأ ينتبه إلى ضرورة الحذر

وتعمل الجماعة حاليا على زيادة عدد أعضائها اعتمادا على مساندة الوفد ومن غير المحتمل أن تحل الجماعة محل الوفد. وخطر الإخوان ليس مباشرا وحقيقيا. وربما يكون خطرا محتملا فى المستقبل".

ويكتب سكريفنر رئيس القسم المصرى بوزارة الخارجية إلى مركز مخابرات الشرق الأوسط قائلا:

" لا يوجد ما يدعو للاهتمام الجدى بأعضاء هذه الجماعة"!

ويطلب حسن البنا مقابلة السفير البريطانى فيعتذر عن ذلك بلباقة!وتحذر السفارة البريطانية لندن مرة أخرى من الجهاز السرى.

قال تقرير للسفارة البريطانية فى 25 من فبراير 1944:" كونت عناصر معينة من كتائب الإخوان فرقة انتحارية.

وحسن البنا له كتيبته الخاصة من 40 رجلا يختارهم بنفسه ,أصبحت الجماعة خطرا محتملا لا يمكن أن نسقطه من حساباتنا بسبب طابعها العسكرى والمعادى للأجانب . وبسبب التقارير التى تفيد بأنهم يحتفظون بكميات كبيرة من الأسلحة فى جميع أنحاء البلاد ويمكن استخدامها عند الضرورة"

ويصف كيرك الوزير الأمريكى المفوض تأييد الإخوان لوفد فيقول فى برقية رقم 142 بتاريخ 13 من مارس 1944:

" بعد أن كانت جماعة الإخوان المسلمين فى المعارضة تحت رقابة صارمة اتخذت أسلوبا جديدا فى ممارسة نشاطها بناء على قرار من زعيمها حسن البنا ... تمثل هذا أغلبية فالوفد لم يقدم برنامجا للمستقبل ولا يقدر على تبنى أية حركة إصلاحية كالإخوان.

والإخوان أكبر مجموعة مؤثرة فى مصر . التى تقف على أبواب مرحلة خطيرة تشبه الفترة التى مرت بين عامى 1919 و 1928 والإخوان يمثلون خطرا داهما للتطرف.

وقد وصل عددهم إلى ربع . أو نصف مليون نسمة ودعوتهم الموجهة إلى الشباب المثقف أكسبتهم تأثيرا يفوق ذلك الرقم . وبرنامجهم – بلا شك – مجرد غطاء لمشاعر معادية للغرب.

وسنربطهم أهداف الإصلاح الدينى الاجتماعى بالقيادات الإسلامية التى تحظى باحترام شعبى وتوثق علاقاتهم بعدد من الدوائر السياسية

وغذ تقترب مصر من تحقيق استقلالها فإن الغرض من وجود الوفد قد انتهى من الناحية العملية. ومن المحتمل أن تتمكن حركة إصلاحية مثل الإخوان من إلغاء وجود الوفد أو احتوائه.

وليس فى إمكاننا التغاضى عن هذه الجماعة نستكشف وجهات نظرها وندعو لإضفاء طابع أكثر تحررا على برنامجها.وربما نستطيع توجيه الإخوان . فى الطريق الذى نراه صحيحا بالنسبة لمصر وجاراتها والإمبراطورية البريطانية.

ومن المرغوب فيه أن نوضح للنحاس باشا أننا لا ننافسه فى ود حسن البنا ولكننا – فقط- نسعى للحصول لى معلومات"!

رد تيرينس شون القائم بأعمال السفير البريطانى فى القاهرة يوم 10 من أكتوبر يقول:" ربما يصبح الإخوان قوة سياسية خطيرة إذا قام تعاون حقيق طويل بينها وبين الوفد أو تلقت منه دعما كبيرا.ودعم الجوالة. وتدريب أعضائها تدريبا شبه عسكرى بأسلحة نارية!

واتفق الوفد والإخوان على أن فى التقارب فائدة سياسية لكل منهما! ولكن الإخوان لم يقطعوا اتصالهم بالمعارضة

قالت السفارة البريطانية

" اتسم موقف الإخوان من المعارضة بالتسامح والمهادنة لم ير قادة الجماعة آية فائدة تعود عليهم من وراء الوقوف ضد أحزاب المعارضة أو تأييدها فإن الأحزاب ليست على درجة كبيرة من القوة بحيث ينظر إليها كخصم سياسى له شأن .

ورغم أن القصر أفاد من جهود الجماعة منذ نشأتها تقريبا فإنه  قطع إعانته المالية عنها بسبب تنازل البنا عن ترشيحه ضد الوفد ولا يبدو حاليا سوى تفاهم محدود بين القصر والإخوان.

وكان عنصر المبادرة فى أى تحركات لدعم العلاقات بين الإخوان والقصر يجئ بصفة عامة من جانب القصر"! وفى هذه البرقية اعتراف من السفارة بأن القصر هو الذى يسعى للتقارب من الجماعة وليس العكس!

ويطلب مركز المخابرات السياسية البريطانية فى الشرق الأوسط من لندن . فى 19 من يوليو و4 من سبتمبر 1943 إقامة اتصالات مستمرة غير رسمية بين الانجليز والشيخ حسن البنا.

قال المركز

علينا أن نستمر فى تأييد الوفد باعتباره أكثر الهيئات تمثيلا لمصر ونوجهه بكياسة – على ضوء تجاربنا ولكن علينا أن نقيم علاقة قوية وغير رسمية مع حسن البنا زعيم ثانى الجماعات تمثيلا لشعب فهم أفضل الجماعات تنظيما بعد الوفد. وقد يحلون محله كحزب

ويعلن أحد الوزراء أنه يريد أن يكون جنديا فى جيش البنا الجرار!

ويكون بين الحاضرين الوزير محمود سليمان غنام ومحمد صلاح الدين سكرتير عام مجلس الوزراء – وزير الخارجية فى وزارة الوفد التالية – وبعض النواب والشيوخ.

ويصبح وزراء الوفد الأربعة أعضاء شرف فى جماعة الإخوان!

ويخطب حسن البنا فى حضور الوزراء قائلا بشجاعة:

" يظن بعض الناس أن الإخوان هيئة مصنوعة صنعتها أيد وأهواء لتنال من الوفد أو من غيره. فتنتصر لحزب على حزب أو تظاهر قوما على قوم, وذلك وهم لا أصل له. وباطل لا خير فيه".

قالت المخابرات البريطانية

" سر تحالف البنا مع الوفد – سيئ السمعة – يرجع إلى خوف المرشد العام من اجراءات قمع تتخذها الحكومة ضد الجماعة كما يتطلع إلى المستقبل.

فعندما أسس الجماعة. أعلن أنه يلزمها 15 سنة لتصل إلى مرحلة النضج ولكن ها قد انقضت تلك السنون ولم تصبح الجماعة قوية كما كان يأمل.

وحتى تتطور الجماعة وتنمو بغير اضطراب . فإنه من الضرورى أن يصل إلى اتفاق مع الوفد بحيث لا يمكن لهذا الحزب الاستغناء عنه يكون الوفد مستعدا لمعارضة أى طلب للإنجليز باتخاذ إجراءات ضد الجماعة.

وكانت مهنة البنا الأولى إقناع أنصاره بحكمة مساندة الوفد فقد انتقده الأعضاء بشدة لأنه يساند نظاما فاسدا. وانفصل عنه كثير من أتباعه وبدا كما لو أن المرشد العام ارتكب خطأ ضخما. ولكن البنا استطاع ببطء وثبات . استعادة أنصاره"!

كثف حسن البنا جهوده لزيادة شعبية الجماعة وضم مزيدا من الأعضاء

بداية الاغتيالات

أصدر مكرم عبيد الكتاب الأسود فى 29 من مارس 1943 متضمنا وقائع عن فساد الوفد. فرأى مركز المخابرات البريطانى فى مصر " أن الأمل فى إحياء القيم الأخلاقية فى مصر يعتمد على الإخوان المسلمين"! ويخطب حسن البنا فى أبريل 1943 فيعلن أن " نظام الحكم فى مصر كله عفن ويحتاج إلى اعادة تنظيم شاملة يلعب فيها الإخوان دورا بارزا".

ويخشى النحاس, هذه المرة أن يؤيد الإخوان مكرم عبيد, وأن يتضامنوا معه مستغلين الكتاب الأسود, فيسعى النحاس مرة أخرى, وإلى الحصول على تأييد الإخوان والتحالف معهم فليغى قرار إغلاق شعب الجماعة ويسمح للإخوان فى 8 من مايو بعقد مؤتمراتهم.

وتستفيد الجماعة – من جديد – بهذه الفرصة السانحة لتحقيق مزيد من الانتشار.

قالت السفارة:

" أبلغ البنا الإخوان بعدم انتقاد الوفد وقال فى أكثر من مناسبة إن الكتاب الأسود وثيقة مضللة وبأمل ألا يتأثر – بأكاذيبها – أحد"!

ويزو أربعة من وزراء الوفد المركز لعام للإخوان فى الشهر نفسه – مايو 1943 – للمصالحة والتعريف على قوة الإخوان.

ويشهد وزراء الوفد فى ذلك اليوم اجتماعا يخطب فيه سراج الدين وعبد الحميد عبد الحق وأحمد حمزة , ويبدون – علانية – إعجابهم بأفكار الجماعة.

أصدر النحاس باشا فى أواخر يناير من عام 1943 قرارا بحظر جميع اجتماعات الإخوان باستثناء تلك التى تتم فى مقرها الرئيسى بالحلمية الجديدة بالقاهرة – بعد أن وصلته تقارير تفيد بأن مقار الجماعة فى الأقاليم متورطة فى أنشطة سياسية وتقوم بدعايات معادية للوفد.

وصدرت التعليمات بإغلاق فروع الجماعة فى الأقاليم


ويفسر الشيخ عمر التلمسانى موقف الوفد قائلا:" تولد إحساس لدى الوفد بأن الإخوان يسحبون بساط الأغلبية والشعبية من تحت أقدامه , وأنهم ينافسونه فى مجال اجتذاب الشباب فقد تسلل كثير من شباب الوفد إلى صفوف الإخوان.

وقد سبب الانتشار السريع لتشكيلات الجماعة وشبها قلقا بالغا لدى زعماء حزب الوفد وسرعان ما تحرك هذا القلق فى اتجاه الصدام مع الإخوان".

وقال:

" إن ترمومتر العلاقة بين الإخوان والنحاس كان مرتبطا بالانجليز".و

وقد التزم حسن البنا بنصيبه من الاتفاق بالامتناع عن توجيه النقد الاستفزازى للحكومة رغم أن موقعه الفكر من مبادئ الوفد لم يتغير .

أما الوفد فما زال ينظر إلى أنشطة هذه الجماعة بعين الشك ويحرص على القيام بالمراقبة الدقيقة لها" وتبقى العلاقات بين الطرفين متقلبة لا تستقر....والهدنة لا تدوم.


وتراقب السفارة . لأول مرة . الجهاز السرى للإخوان

ولكن السفارة لا تستطيع أن تحدد طبيعة الجهاز . دوره . وأعضائه بل تكتفى بالإشارة إلى أن الجماعة فى تسليح أعضائها.

وقال تقرير السفارة البريطانية فى 2 من ديسمبر:" تجمعت لدينا على مدى 3 سنوات تقريبا تقارير هائلة عن وجود خطط يضعها الإخوان للتخريب والقيام بعصيان مسلح.

ولا توجد من الناحية الفعلية آية أعمال تخريبية أو اضطرابات معادية لبريطانيا على نحو خطير.وقد يكون الإخوان أكثر جرأة فى تفكيرهم عن المصريين العاديين ولكن لا يوجد دليل على أنهم يستعدون للتضحية بأرواحهم.

لقد ظل المصرى معروفا على مر العصور بأنه يمكن أن يقوم بتمرد عندما ينفذ صبره تماما ولكنه فى الوقت نفسه ليس بالإنسان يقبل على تعريض حياته للخطر.

إنه يخضع رغما عنه. ويظل يخطط للانتقام وإسالة الدماء إلى مالا نهاية واضعا أمله على الظروف الخارجية فى تغيير الأوضاع لصالحه"

والإخوان المسلمون, فى اتجاههم العام يعتقون أفكارا اشتراكية ديمقراطية. ومن الممكن أن نتصور أنهم قد يصبحون يوما ما حزبا عماليا يعارض الوفد وأحزاب المعارضة الصغيرة التى تتكون فى معظمها من الأثرياء.

ولا أحد يعرف عل وجه الدقة العدد الحقيقى لأعضاء الجماعة.

وتقدره مصادرنا بما يتراوح بين 100 ألف و200 ألف عضو ولكن مسئولا كبيرا بالشرطة المصرية يضاعف هذا الرقم كثيرا ويصل به إلى 500 ألف".

وتكشف السفارة خطة الإخوان. قالت:" الجماعة تتحاشى الصدام معنا. ومع الحكومة الوفدية, بينما تستمر فى تدعيم قوتها. ولا يعقل أن يعرض الإخوان مستقبلهم للخطر عن طريق القيام بعمل مندفع , غير عاقل , عندما تلوح أمامهم فرصة ورئيس الوزراء عازم على التصدى لجميع أشكال العصيان المدنى, ولديه القدرة على ذلك".قال أمين عثمان وزير المالية للسفير البريطانى:

- ينتشر الإخوان فى جميع أنحاء البلاد وعددهم يفوق جميع أحزاب المعارضة الرسمية من حيث شعبيتهم وقوتهم ولا يمكن مقارنتهم فى هذا العدد إلا بالوفد نفسه والغالبية العظمى منهم يتميزون بالإخلاص.

- وكن أمين عثمان على حق فيما يقول فإن المرشد العام كان مقتنعا بضرورة ان يكتمل جيل الإخوان الأول.. الجيل المستمع.. أو جيل التكوين..

- ويكتب السفير:

- تتخذ العلاقات بين الإخوان والوفد شكل الهدنة من الناحية الفعلية ومن المفيد بالنسبة للإخوان – أن يحتفظوا بعلاقات طيبة مع الوفد. وطالما أن العارضة من شأنها أن تؤدى إلى إغلاق مقارهم, واعتقال قادتهم, وإلحاق أضرار جسيمة بمستقبل الجماعة.

" بعض الوفد أن الإخوان يستغلون حزب الوفد لمصلحتهم وأنهم يميلون الآن إلى تأييد الملك. وتوجد أدلة وقع فى معمل تكرير السويس التابع لشركة البترول الانجليزية المصرية من تدبير اثنين من أعضاء الجماعة لا يعملان فى الشركة وتم تكوين تنظيمات جديدة للإخوان تتزايد قوتها وتأثيرها باستمرار فى جميع أنحاء البلاد.

وقطع القصر إعانته عن الجماعة بعد انسحاب البنا من الانتخابات ثم استأنف القصر تقديم هذه الإعانة ى ديسمبر 1942 وخفت تدريجيا المعارضة التى سادت صفوف الإخوان واستعاد البنا سيطرته على الحركة" كان الإخوان يأملون – كما تصر السفارة البريطانية – فى انتصار المحور – ألمانيا وإيطاليا وحلفائهما... ومن هنا حرصت المخابرات البريطانية والسفارة على مراقبة الجماعة لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقات بينها وبين المحور.

وتبرق السفارة البريطانية إلى لندن بنتائج الرقابة . قالت: " لا توجد سوى دلائل بسيطة للغاية على اتصالهم بعملاء دول المحور منذ نشوب الحرب فالألمان والإيطاليون يرفضون مبادئ هذه الجماعة شأنهم فى ذلك شأن سائر الأوربيين. والفارق الوحيد أنهم قد يكونون أدوات لتخليص مصر من البريطانيين واليهود.

ورغم أن الإخوان المسلمين قلدوا الفاشية والنازية فى تنظيماتهم إلا أنهم لا يتعاطفون كثيرا مع مبادئهما وأفكارهما كما يشاع بين الناس.

والإخوان معادون للأوربيين والبريطانيين خاصة بسبب الوضع المتميز لبريطانيا فى مصر من جهة. وهم مسلمون متعصبون من جهة أخرى. دينى . وإذا كان قد صدر من بعض رجالنا أو من بعض شعبنا أى عمل يخالف هذا الخط, أو يدل على اتجاه سياسى فأنا استنكره وسأوقفه عند حده فورا,

ويجتمع النحاس بالمرشد العام مرة أخرى في أواخر سبتمبر ليوجه إليه تحذيرا عنيفا من القيام بنشاط ضد الانجليز ويهدد باعتقال زعماء الجماعة.

وينتهى الأمر بتسوية الخلافات مع الحكومة. ويوقف المرشد العام كل ما يشكو منه النحاس وسراج الدين ويلزم رجاله بالانضباط فإن تهديدات النحاس كانت مؤثرة,

وتتجنب الجماعة النشاط السياسى وتقتصر على تدعيم الكشافة . والدروس المسائية للعمال, وتنتشر شعب الجماعة وتزداد قوتها ونفوذها في الأقاليم.

قالهيوارث دان " إن الجماعة عندما تواجه حكومة قوية تقتصر نشاطها على الدين , وتتحول إلى السياسة أمام الحكومات الضعيفة"!

وتهاجم الشرطة منزل حسن البنا يوم 24 أكتوبر بحثا ‘ن أية كتيبات أو منشورات دعائية لصالح المحور, وتلقى القبض على اثنين من قيادات الجماعة بالأقاليم بتهمة التورط في طباعة منشورات لدول المحور وتوزيعها.

قال تقرير للسفارة البريطانية

"بذل البنا قصارى جهده لفرض الالتزام على أتباعه. ونجح فى الحصول على موافقة الحكومة بإعادة فتح عدد من مقار الجماعة التى أغلقتها الشرطة. أخذت الجماعة تتحاشى التعرض للمسائل السياسية.

وركزت جهودها على زيادة عدد أعضاء الجوالة وتدريبهم وتنظيم الفصول الدراسية المسائية للعمال وكان لتهديدات النحاس باشا بتوجيه اجراءات عقابية صارمة ضد الإخوان أثرها فجعلهم أكثر حذرا".ويكتب السفير البريطانى اللورد كيلرن إلى لندن يوم 17 من نوفمبر 1942:

الحرب فستنال الجماعة تأييدا كاملا من دول المحور. أما إذا انتصرت بريطانيا فستتعامل مع المصريين على نحو ما تعاملت به مع عرب فلسطين".

ويحاول الإخوان التقرب إلى صاحب الجلالة – الذى غضب لتنازل البنا عن الترشيح فى الانتخابات ضد الوفد – فيتوجه المرشد العام إلى قصر عابدين ليرفع إلى فاروق العدد الأول من مجلتهم نصف الشهرية.

وتتدخل السفارة البريطانية ضد الإخوان فحظرت الحكومة الوفدية فى سبتمبر 1942 الاجتماعات العامة وهددت الإخوان باتخاذ المزيد من الإجراءات الانتقامية نحوهم.

ويتلقى المرشد العام تحذيرا قويا من القيام بأية أنشطة معادية لبريطانيا أو الحكومة حتى لا تتعرض قيادات الجماعة للاعتقال ويستدعى فؤاد سراج الدين المرشد العام . قال له: - يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حرب سياسى ؟ أحنا ما عندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسى.

- أعلنوا على الملأ أنكم يتشغلوا بالسياسة وأنكم كونتم حزب سياسى ولا تتستروا بستار الدين ولا تتخفوا فى زى الدين.أما أن تتستروا تحت شعار الدين. " والله أكبر ولله الحمد" وفى نفس الوقت تقوموا بالعمل السياسى وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية

أنا كرجل سياسى حزبى لا أستطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادى بشعارات دينية سامية وإلا سأكون محل استنكار من الرأى العام.


رد الشيخ البنا

- نحن لم نفكر فى العمل بالسياسة ونحن رجال دين فقط, ورجال فكر المخابرات البريطانية بأن البنا ذكر لبعض رجاله المقربين أن انتصار الألمان والإيطاليين أصبح وشيكا وأنه فى انتظار تعليمات من الألمان لتنفيذ مخططات تخريبية وراء خطوط الانجليز".

قالت السفارة البريطانية:

يعتمد موقف الإخوان تجاه الألمان على مبدأ تبادل المنفعة معهم.

ونحن بدورنا – أى الانجليز – لا نثق فى الرغبة التى أبداها حسن البنا فى التعاون مع الوفد وتركيز نشاط جماعته على قضايا الإصلاح الدينى فما زالت التقارير تتوالى عن الخطط التخريبية التى تعدها الجماعى.وليس بمقدور المرء أن يغفل أصالة البرنامج الاجتماعى للجماعة فقد أعلن متحدث باسمها أن الفقر الذى يطحن جماهير الشعب فى وقتنا الحالى نتج عن طغيان الأغنياء وتصدير المواد الغذائية إلى الخارج بطريقة غير مشروعة. وهاجم تسامح الحكومات مع بعض العادات المذمومة التى وفدت إلى البلاد من الغرب مثل القمار وشرب الخمور وطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا.

وأرجع حسن البنا كافة أشكال انحلال الخلقى التى تعانى منها البلاد إلى النفوذ الغربى.وفى سبتمبر ظهر العدد الأول من مجلة الجماعة الأسبوعية " الإخوان المسلمون" بعد أن حصلت على موافقة الحكومة لم يحو هذا العدد شيئا سوى المقالات البلاغية المستحسنة والتى جديد فيها".وقالت تقارير المخابرات البريطانية:

" أن قيادات الجماعة أعلنت فى اجتماع سرى لها أنه إذا خسرت بريطانيا الذين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة فمبادئ الجماعة تدعو إلى العودة إلى الشريعة الإسلامية.

ومن غير المتوقع أن تحل مثل هذه الجماعة ضيقة الأفق, والمعوقة للتقدم محل حزب قومى كبير مثل الوفد رغم ما يلجأ إليه الإخوان. بين الحين والآخر من محاولات لاجتذاب هذه العناصر ذات الثقافة السطحية إلى معاداة الأجانب"غضب الإخوان من النحاس عندما قبض على على ماهر فى إبريل واعتبروا ذلك ضربة موجهة إليهم.

قالت المخابرات البريطانية: " عقد الإخوان هدنة مع الوفد ربما فى جو من الاحترام المتبادل بعد أن أدرك البنا أن بمقدور النحاس أن يشجع الجماعة بينما أدرك النحاس أن الإخوان يمكن أن يسببوا له مشكلة كبيرة إذا تحدوه. وصار بوسع البنا أن يعتمد على تعاطف أعداد لا بأس بها من رجال الشرطة والمسئولين الحكوميين من الإخوان وخاصة فى الأقاليم.

ولكن عندما تقدم الألمان نحو العلمين زاد حماس الإخوان فألقوا بعض الخطب المؤيدة للألمان".وقالت المخابرات البريطانية:

" ألقى حسن البنا خطابا أعلن فيه تأييده القوى للألمان ولكن ذلك لم يثبت أبدا وظلت خطبة الأخرى تدور حول سياسته الدينية.

وأعطى لمعاونيه – فى أحاديثه الخاصة – انطباعا بأنه يرغب فى تحاشى وقوع صدام مع حكومة الوفد أو الانجليز"

تقدم الألمان إلى العلمين على بعد مائة كيلو متر من الإسكندرية . فقالت وبنى النحاس حساباته على تأمين نفسه من مؤامرات القصر ودسائسه التى تحاك ضده بواسطة الإخوان المسلمين. وانتهجت الجمعية سياسة الدعم السلبى للوفد.

ولجأ البنا إلى سياسة الترقب وكله أمل فى انتظار الفرج واتسم تعاونه مع الوفد بأن أهدافه أخرجت الجمعية ومرشدها العام من المعمعة ... سالمين"!

بعث السفير البريطانى إلى لندن يوم 28 من مارس 1942 يقول:

" كتب رئيس الإخوان المسلمين , عند انسحابه من الترشيح للبرلمان خطابا إلى رئيس الوزراء يعده بالتعاون مع الحكومة مما يعنى ضمنا الولاء للمعاهدة الانجليزية – المصرية.

وربما تم التوصل إلى هذه النتيجة بمزيج من الإرهاب والرشوة ولكن قيمتها مشكوك فيها.وأخذ الإخوان يتباهون بما يتمتعون به من تأثير لدى جميع وحدات الجيش المصرى. وقرر النحاس فرض قيود على بيع المشروبات الكحولية فى أوقات معينة يوميا وخلال شهر رمضان وفى الأعياد الدينية.

واتخذ بعض الإجراءات الضرورية لحظر ممارسة الدعارة

وقام فورا بإغلاق بعض لمواخير وسمح باستئناف الجماعة لبعض أنشطتها, بما فى ذلك إصدار بعض المطبوعات وعقد الاجتماعات"

ولكن السفير البريطانى السير ما يلز لامبسون – اللورد كيلرن – كان قصير النظر فلم يتوقع للإخوان ما تحقق لهم كتب إلى لندن يقول:

" تجذب جماعة الإخوان المسلمين إل صفوفها المسلمين المتدينين البسطاء أعلنتموه متمسكين دائما بآداب الإسلام العالية وتعاليمه القوية وأخلاقه الفاضلة".وفى هذا البيان أو الرسالة المفتوحة التى وجهها الشيخ البنا إلى النحاس باشا إعلان بولاء المرشد العام للحكومة والتزامه بمعاهدة 1936!

فسر أعضاء الجماعة الانسحاب بأنه استسلام مهين وانتقدوا بعنف حسن البنا.

وأصيبت الجماعة بانقسام مؤقت وتأثرت أنشطتها تأثيرا بالغا رغم جهود البنا لتبرير الانسحاب وإلقاء اللوم على البريطانيين بتحريض النحاس ضده...

كان بين الغاضبين على انسحاب البنا, عمر التلمسانى الذى أصبح – فيما بعد مرشدا عاما للإخوان. فانقطع عن التردد على المركز العام. افتقد حسن البنا صاحبه وسأل عن السبب.

قيل: إنه غاضب لانسحابك من المعركة. أرسل البنا خطابا إلى التلمسانى لمقابلته .

رد عليه بخطاب فحواه عدم الجدوى من المقابلة.

بعث البنا إليه عبد الحكيم عابدين وعبه قاسم – من قيادات الإخوان – فحملا التلمسانى على الحضور حيث لقيه وأقنعه.

واعترفت السفارة البريطانية فى برقياتها بان النحاس عرض مساعدة الإخوان إذا تعاونوا معه ولذلك أعلن البنا ولاءه للحكومة والتزامه بالمعاهدة.

وفى كتاب الكاتب السوفيتى سيرانيان وعنوانه " مصر ونضالها من أجل الاستقلال" قال: " أكتفى النحاس بتأكيدات البنا بأنه سيساند الحكومة الوفدية. ونشر النبأ بهذه الصورة دانه للنحاس باشا وإقرار بأن التنازل عن الترشيح تم بناء على ضغوط الباشا التى قيل إنها نصيحة!

وقالت الأهرام": إن رئيس الوزراء استقبل المرشد العام للمرة الثانية على رأس وفد من الجمعية وقدم إليه كتابا يؤيد سياسة الوزراء.

قال المرشد العام فى رسالته لرئيس الوزراء مقدمة قصيرة.

"تحدثتم رفعتكم إلى الأمة المصرية الكريمة حديثا رائعا جليلا ضمنتموه كثيرا من المبادئ القويمة والأمانى الطيبة التى يسر كل مصرى أن يحققها الله على يديكم.

دعوتكم الأمة إلى مصارحتكم والتقدم غليكم بالنصح" فنحن أبناء أسرة واحدة وهى الأسرية المصرية الكريمة وقررتم رفعتم انه من دواعى سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة فى هذه الظروف الدقيقة" فى تنفيذ سياسة خارجية حكيمة وتعميم سياسة داخلية بصيرة..

والواجب يقضينا والمصلحة تدعونا إلى أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التى وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومى والاحتياط لمثل هذه الظروف العميقة.

وختمتم هذا الحديث بأن علينا أن " نعبر الطريق المحوط بالمخاطر. متعاونين متحدين كالبينان المرصوص , مترقبين بزوغ فجر الحرية, فيقوم عدل الحكام على أنقاض الظلم والاستبداد وتتفيأ الأمة ظلال الطمأنينة والسكينة والسلام".

" أصغينا إلى هذا الحديث القيم ثم قرأنا فى الصحف أن معالى وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدا لتخليص مصر من وصمته الشائنة أنه قرر فعلا البدء بإلغاء دور البغاء فى القرى والبنادر من أول مايو المقبل.

فالإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة والأعمال الطيبة النافعة, يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم ويعلنوا أنهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا عونا لكم وللحكومة المصرية فى تحقيق

برنامجكم الاصلاحى الذى وفى مقال كتبه محمد عفيفى شاهين رئيس تحرير مجلة " الحوادث " الوفد قال : إن حسن البنا أصبح شهيدا بانسحابه.

ولكن انسحاب البنا كان عملا صائبا وإذا كان النحاس قد هدد بالاعتقال فإن رئيس الوفد فى ذلك الزمان . وفى ظروف الحرب لم يتردد بعد ذا اعتقال مكرم عبيد وعلى ماهر وغيرهما كثيرون. وفى كتاب رتشارد ميتشيل قال : إن الاجتماع بين النحاس والبنا جمع بين الترغيب والرشوة أو الرغبة والرهبة فإن النحاس عرض على البنا مقابل الانسحاب:

1- حرية الجماعة فى استئناف أعمالها على نطاق شامل.

2- أن تعد الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة.

عقد الإخوان اجتماعا قرروا فيه عدم الإذعان لرغبة النحاس تماما كما حدث عندما نقل سرى باشا زعيم الإخوان إلى قنا.

وكما حدث فى قرار النقل فى عهد سرى وافق لبنا فى نهاية المطاف على الانسحاب من المعركة الانتخابية! نشرت صحيفة الأهرام " سوم 23 مارس 1942 أن رئيس الشئون الدينية بمجلس الوزراء.

ودار الحديث حول تنازل الشيخ حسن البنا عن ترشيح نفسه لمجلس النواب عن دائرة الإسماعيلية.

وقد أصغى المرشد العام إلى نصائح رفعة رئيس الوزراء وتوجيهاته السديدة وعلى إثر ذلك أعلن تنازله عن ترشيح نفسه عملا بنصح الرئيس".

قال لنحاس:

- يا حسن. أنا مسلم مثلك . وأعرف قواعد الدين وأصوله. من حقك الوعظ والإرشاد والدعوة إلى احترام القيم. ولكنى أرفض دخولك فى السياسة للوصول إلى الحكم إنى أمنع ذلك بكل قوة

- نفى البنا أنه يريد الحكم والسلطة . قال:

- سمعا وطاعة. وإذا كان أحد زملائى قد انحرف فى هذا فأنا كفيل برده إلى حقيقة الدعوة وهى مكارم الأخلاق والقيم الدينية.

- قال النحاس:

- لا تشتغلوا بالسياسة ولا ترشحوا أنفسكم فى مجلس النواب.وقال البنا لإبراهيم فرج بعد اللقاء:

- كان النحاس باشا عنيفا ومنفعلا.

والرواية الثالثة جاءت فى تقرير للمخابرات البريطانية:

" خشى النحاس أن يثبت حسن البنا أنه منافس قوى للوفد وهدده بالاعتقال مع كبار قادة الإخوان إذا لم يذعن وهدده بمحاكمته أمام محكمة عسكرية بتهمة التجسس.

وهدده النحاس أيضا بنشر اتهامات مزعومة حول أسلوب البنا فى التصرف فى أموال الجماعة!

ورد النحاس للبنا 450 جنيها كتعويض عن التأمين الذى دفعه مقابل الترشيح ونفقات الدعاية التى صرفها!

وهذا التقرير يكشف عن حقيقة هامة هى ان الوفد بدأ يخشى من منافسة الإخوان ويعنى الوفد للبنا وانسحابه أيضا يدل على أنه عنصر هام فى الشارع السياسى المصرى.

وهناك عدة روايات لما جرى فى الاجتماع بين مصطفى النحاس والمرشد العام..

الرواية الأولى قالها حسن البنا فى اجتماع بالشارع الثلاثين بالإسماعيلية عقب تنازله عن الترشيح مباشرة:

- دعانى مصطفى النحاس باشا إلى مكتبه وطلب منى التنازل عن الترشيح قلما سألته عن الأسباب قال:

- البلد فى حالة حرب.. ومصلحة البلد أن تتنازل قلت:

- ألا يكفى أن الحكومة قيدت خطواتى ولا تسمح لى بالسفر خارج القاهرة إلا بإذن من وزارة الداخلية والدعوة بهذه الصورة لا تجد مجالا للإنطلاق فيكون التنازل عن الترشيح حجرا على الدعوة والداعية.

- قال مصطفى النحاس:

- فى حالة قبولك التنازل لا مانع عندى من أن تكون لك حرية الدعوة فى كل مكان.

- قال البنا:

- أمام هذا التصريح أوافق على التنازل عن ترشيح نفسى وقال البنا فى خطابه بالإسماعيلية.

- لم نرد من الترشيح إلا أن نجد منبرا نعلن فيه عن دعوتنا فإذا تيسر لنا فى حدود الظروف – التى يتاح لى أن أفصلها حين تسمح الظروف – نكون قد وفقنا إلى أحسن الحلول!

- والرواية الثانية نشرها إبراهيم فرج الوزير الوفدى فى كتابه " ذكرياتى السياسية " بعد أكثر من ربع قرن, وكان كل من البنا والنحاس قد انتقلا إلى رحاب الله. وعندما يترك الوفد الحكم فى النهاية فسيواجه البنا ببديلين يتعين عليه الاختيار بينهما.

1- أن يجرب حظه مع الوفد ويسعى لمناصرته وهو فى المعارضة أو:

2- أن يعرض خدمات الإخوان على الحكومة الجديدة أملا فى الحصول على معاملة تفضيلية مثل التى كان يتمتع بها فى حكم الوفد.

وإذا اختار حسن البنا الطريق الأول فسيكون حظ آية حكومة قادمة صعبا للغاية وسيصبح أمن البلاد مهددا بدرجة خطيرة.أما إذا سلك الطريق الثانى وساعد الحكومة – غير الوفدية – فى الصمود أمام هجمات الوفد المعارض مقابل مزايا مختلفة فسيؤدى الصدام الناتج عن هذا الأسلوب إلى وقو تهديد خطير للأمن العام.

ويبدو واضحا أن الإخوان فى طريقهم ليلعبوا دورا بارزا فى آية تطورات سياسية مقبلة".

اقبل مصطفى النحاس يوم 8 من أكتوبر 1944ز بعد 24 ساعة من توقعه بروتوكول الجامعة العربية وتولى أحمد ماهر باشا رئاسة الوزارة فى اليوم نفسه فشكلها من أحزاب الأقلية الأربعة : الحزب السعدى الذى يرأسه ماهر باشا والأحرار الدستوريين والكتلة والحزب الوطنى.

كان أحمد ماهر فى التاسعة والخمسين.

درس الحقوق فى مصر ونال الدكتوراه من جامعة مونبليية الفرنسية واختاره سعد زغلول وزيرا للمعارف فى وزارته عام 1924 . وأنهم مع محمود فهمى سعد زغلول وزيرا للمعارف فى وزارته عام 1924 . وأتهم مع محمود فهمى النقراشى وزير خارجية بالاشتراك فى قضية الاغتيالات الكبرى .. ولما صدر الحكم ببراءته عام 1926 استقال القاضى البريطانى كيرش والذى رأس الجلسة احتجاجا على حكم البراءة

وكان سعد زغلول يصفه " بالوطنى الصامت"

اختير نائبا أكثر من مرة وتولى منصب رئيس تحرير صحيفة " كوكب الشرق الوفدية عام 1934 وأختير رئيسا لمجلس النواب عام 1936.

وبعد طرد النقراشى من الوفد عام 1937 انضم إلى النقراشى وانفصل عن الوفد وأسس حزب السعديين قائلا أنه وأنصاره الممثلون الحقيقون لسعد زغلول.

تولى منصب وزير المالية عام 1938 وانتخب رئيسا لمجلس النواب عام 1939 وهو شقيق على ماهر باشا رئيس الوزارة السابق.

أراد أحمد ماهر تدعيم صلته بالسفارة البريطانية ليستعين بها على مقاومة رغبات القصر والوقوف فى وجه الملك قدر الطاقة. وبدأ الوزراء اتجاها ليبراليا بالامتناع عن اعتقال خصومه السياسيين وغيرهم.

وحل أحمد ماهر مجلس النواب يوم 15 من نوفمبر وحدد 8 من يناير 1945 موعدا لإجراء الانتخابات.

رشح حسن البنا نفسه فى الانتخابات عن دائرة الإسماعيلية كما رشح خمسة من الإخوان أنفسهم فى دوائر أخرى فقد وجدوا الساحة شبه خالية أمامهم فالوفد قاطع الانتخابات وبعيد عن المعركة. والحكومة لا تمثل إلا أقلية شعبية ولذلك يمكن اعتبار الانتخابات اختبارا لقوتهم السياسية.

مهد الإخوان لذلك..

كتب الشيخ أبو زهرة : الإسلام يبيح دخول الانتخابات طالما أن فى ذلك نشر الإسلام" وقال الشيخ على الخفيف:" لا مانع شرعا يمنع الجماعات الدينية من دخول البرلمان والاشتراك فى الحكم بصفة عامة".

وكتب المرشد العام: ليس البرلمان وفقا على أصوات دعاة السياسة الحزبية على اختلافها ألوانها ولمنه منبر الأمة تسمع من فوقه كل فكرة صالحة, ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب".بدلا من أن يطلب ماهر من البنا سحب الترشيح كما فعل النحاس, وتركه يخوض المعركة ليزعم أن الانتخابات حرة يدخلها من يشاء!

وكان يجب ان ينجح البنا من الجولة الأولى فالإسماعيلية شهدت ميلاد الجماعة ونموها كما أقام الإخوان ستين سرادقا للدعاية الانتخابية للمرشد العام وجاءوا من كل شعب الجماعة لتأييده وهم يهتفون" إلى البنا..يا برلمان"!

ولكن أعيدت الانتخابات بين البنا وأقوى منافسيه وهو الطبيب الدكتور سليمان عيد متعهد توريد الأغذية لقوات الجيش البريطانى فى منطقة القناة لأن أيا منهم الم يحصل على العدد المطلوب للفوز فى الجولة الانتخابية الأولى.

وفى الإعادة تدخل الانجليز والحكومة بصورة أكثر سفورا

منع الحاكم العسكرى البريطانى مندوبى البنا من دخول اللجان الانتخابية فى سينا والتصويت فيها وقام مندوبو مرشح الحزب السعدى بملْ الصناديق بالأصوات المؤيدة على هواهم.

وتولت سيارات الجيش البريطانى نقل العمال من المعسكرات البريطانية غلى مراكز التصويت.

وحشدت الحكومة أنصارها وقامت بتزوير الانتخابات ضد حسن البنا وزملائه الخمسة الذين رشحوا أنفسهم فى دوائر أخرى – كمستقلين – حتى لا يدخل الإخوان مجلس النواب – ومبادئهم معروفة – ولأنهم تعاونوا يوما مع الوفد وإن لم يكن هذا التعاون السبب الوحيد لإسقاطهم.

وكانت نتيجة التزوير سقوط حسن البنا وجميع مرشحى الإخوان, وقيل إن أحمد ماهر علق على عدم فوز الشيخ قائلا:

-لا شأن للحكومة المصرية بدائرة الإسماعيلية . والإنجليز هم الذين يديرونها! وعندما أعلن فوز مرشح الحكومة فى الإسماعيلية كادت تحدث فتنة لولا تدخل حسن البنا.

خطب فى الجموع قائلا:

هذه الحشود الهائلة بهذه الصورة الرائعة تصم الحكومة بالتزوير والتضليل إن مراجلكم تغلى بالثورة وعلى شفا الانفجار . ولكن اكظموا غيظكم وانصرفوا إلى منازلكم وبلادكم مشكورين مأجورين. لتفوتوا على أعدائكم فرصة الاصطدام بكم.

وقال:

إن عجز أمة عن أن تدفع بأحد أبنائها إلى البرلمان . ليقول كلمة الحق والسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء, وأن الاستعمار سر البلاء وتهاجم صحيفة الإخوان نظام الانتخابات لأنه " فاشل فى أداء رسالته " ومع ذلك أعلن حسن البنا أن سيشترك فى اقرب انتخابات قادمة .

وأنه فى انتخابات حرة يستطيع ان يحصل على أغلبية ساحقة ولكن الجماعة لن تتقدم إلا فى عدد محدود من الدوائر.

قال الشيخ لمرتضى المراغى مدير الأمن العام ووزير الداخلية بعد ذلك

-عملت الحكومة جهدها على إسقاط مرشحى الإخوان مع أنهم تقدموا باعتبارهم مستقلين لا باعتبارهم ممثلى الإخوان المسلمين.

وأضاف:

- أتدرى متى نستطيع دخول الانتخابات بصفتنا إخوانا مسلمين؟

- قال المراغى:

- متى؟

قال الشيخ البنا: حين يقبل الملك أن يكون لنا فى الوزارة وزيران أو ثلاثة وزراء . عندئذ نعرف كيف نحظى بعدد من كراسى مجلس النواب.

قال المراغى: هل يعنى هذا أنكم تقبلون دخول الوزارة إذا دعاكم الملك من دون شروط

قال البنا: نعم دون أية شروط لأن وجودنا ضرورى لخدمة البلد إن برنامجنا الاجتماعى إصلاحى يقوم على أسس قوية

قال المراغى:

- يا أستاذ حسن.وماذا يصنع وزراؤكم فى رخص نوادى الميسر والملاهى " البارات والخمارات"؟

- ضحك البنا وقال:

- هذه قفشة لا بأس بها عسى أن يستطيع وزراؤنا إزالة ذلك المنكر . - قال المراغى:

- لعل هذا من باب " والله لنخوض إليكم الباطل حتى نصل إلى الحق" أو من " باب الضرورات تبيح المحظورات".

- قال البنا:

- نعم لك حق.

وربما يكون من حسن حظ الإخوان أنهم لأم يدخلوا مجلس النواب وإلا أصبحوا مثل أحزاب الأقليات الممثلة فى البرلمان فتذوب الجماعة فى الخضم السياسى المضطرب فى مصر ولا تستطيع أن تفرض رأيا.

وعلى أية حال فإن البنا أدرك فشله فى انتخابات الإسماعيلية انه ليس من مصلحة الإخوان الصدام مع الحكومة والانجليز وأن ساعة المواجهى لم تأت بعد.

لم يطل عهد أحمد ماهر فى رئاسة الوزارة سوى أربعة شهور فقد فكر التنظيم السرى للإخوان فى اغتياله. وعهد بذلك إلى أحد أعضائه وهو أحمد عبد الفتاح طه.ولكن أحمد عبد الفتاح طه جبن فى اللحظة الأخيرة عن قتل أحمد ماهر وعاد إلى أعضاء الجهاز السرى يعترف بجبنه!

وفى اليوم التالى اغتال محمود العيسوى رئيس الوزراء داخل دار لبرلمان يوم 24 من فبراير 1945 وهو ينتقل من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب ليعلن قرار مصر بدخول الحرب حتى يتسنى حضور مؤتمر الصلح طبقا لقرارات الحلفاء فى اجتماعهم بمدينة يالتا

اعترف العيسوى بجريمته: قال إن قرار إعلان الحرب. وما قد يجره على البلاد من نكبة محققة لو دخلت حربا دفعة غلى قتل رئيس الوزراء.

وقال إنه ينتمى إلى الحزب الوطنى وتبين انه كان يتمرن على المحاماة فى مكتب عبد الرحمن الرافعى ثم فى مكتب عبد المقصود متولى وهما من كبار رجالات هذا الحزب.

ألقى القبض على عبد العزيز على وهو من قادة النضال السرى للحزب الوطنى وصهره عبد السلام مصطفى المحامى بتهمة الاشتراك فى الجريمة لأنهما من الحزب الوطنى ومن أصدقاء القاتل أيضا.

وفى مذكرات عبد العزيز على" الثائر الصامت" قال إن العيسوى

- من شباب الحزب الوطنى وقد أصر العيسوى – رغم التعذيب والتهديد والإغراء على أنه وحده القاتل والمدبر للجريمة.

قال الشيخ سيد سابق – وهو من زعماء الإخوان – للكاتب الأستاذ خالد محمد خالد: محمود العيسوى من صميم الإخوان المسلمين. وفى مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقورى قال إن النظام الخاص أو الجهاز السرى للإخوان رأى الانتقام من أحمد ماهر لأنه أسقط الشيخ البنا فى الانتخابات بالإسماعيلية فوجه محمود العيسوى لاغتيال رئيس الوزراء. وفى اعترافات أعضاء جماعة الإخوان أمام محكمة الشعب التى شكلها جمال عبد الناصر برئاسة جمال سالم قالوا إن الإخوان هى التى اغتالت أحمد ماهر ,

ولكن لا يعوّل على اعترافات المتهمين أمام هذه المحكمة فقد لقى المتهمون شر أنواع التعذيب"

ولكن الدكتور محمود عساف عضو الهيئة التأسيسي للجماعة ومدير شركة إعلانات الإخوان ينفى انتماء العيسوى قائلا انه كان يحضر فقط درس الثلاثاء الذى يلقيه المرشد العام فى مقر الجماعة أسبوعيا. طلب العيسوى سماع رأى زعماء مصر, وبينهم الشيخ البنا فى قرار إعلان الحرب فقبض على المرشد العام وزميليه احمد السكرى وعبد الحكيم عابدين للتحقيق معهم!

رجل العام

أسند الملك رئاسة الوزارة إلى محمود فهمى النقراشى باشا وزير الخارجية والرجل الثانى فى حزب أحمد ماهر - الحزب السعدى.

كان النقراشى فى الثامنة والخمسين ولد من أسرة فقيرة حصل على دبلوم المعلمين. وأوفده سعد زغلول فى بعثة إلى انجلترا وبعد عودته عين مدرسا ناظرا لمدرسة رأس التين بالإسكندرية.

اختاره سعد زغلول عندما تولى رئاسة الوزارة وكيلا لمحافظة القاهرة ثم وكيل لوزارة الداخلية وأنهم بالاشتراك فى اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك عام 1924 فاعتقل ثم أفرج عنه.

واتهم – مرة ثانية – مع أحمد ماهر , بالاشتراك فى قضية الاغتيالات الكبرى عام 1925 فاعتقل عاما كاملا حتى صدر الحكم ببراءتهما سنة 1926

انتخب عضوا فى مجلس النواب عن الوفد واختاره مصطفى النحاس زعيم الحزب, وبعد وفاة سعد زغلول وزيرا للمواصلات عام 1930 وعضوا فى هيئة المفاوضات فى معاهدة 1936 واختلف – كوزير للمواصلات – مع النحاس فى العام التالى فأخرجه النحاس من الوفد ومن الوزارة فأسس مع احمد ماهر الحزب السعدى عام 1938 وتولى منصب الوزارة أكثر من مرة منذ ذلك الحين.

رأى بعض المسئولين فى وزارة الخارجية البريطانية أن " الملك أساء اختيار رئيس وزرائه وأنه لا يوجد من هو أسوأ من النقراشي باشا! وأن نفوذه السياسى يتركز فى علاقته الطيبة بالملك وقدرته عل تجميع العناصر الوطنية المناوئة للإنجليز".

وكان اللورد كيلرن السفير البريطانى شديد العداء للنقراشى,

فى خطاب قبول رئاسة الوزارة قال محمود فهمى النقراشى باشا للملك فاروق:" اعتزمت على انتهاج سياسة الحزم والمضاء فى تحقيق أسباب الأمن والنظام".

ويعلق السفير البريطانى على ذلك قائلا: " لم يضيع القراشى الوقت. بل اعتقل العناصر القيادية لما يمكن أن تكون منظمات تخريبية مثل حزب مصر الفتاة والإخوان لمسلمين والجناح المتطرف من الحزب الوطنى - اللجنة العليا – واتخذ النقراشى باشا حذره عندما أصدر قراره يمنع اجتماعات هذه المنظمات"

اعتقل حسن البنا فى سجن قسم شرطة الخليفة مع أربعين من المشتبه فيهم من رجال الأحزاب المختلفة ينامون على الأرض فى حجرة واحدة قذرة . تضيق فيها أنفاس الإنسان.

ويحاول رجل البوليس السياسى محمد إبراهيم إمام أن يتقرب إلى حسن البنا فيعرض عليه – وحده – الانتقال إلى حجرة أخرى, ولكن المرشد العام يرفض مما جعل كل المعتقلين يكبرون الرجل ويعجبون بروحه المعنوية العالية. ويفرج عن حسن البنا بعد عشرة أيام.

وأثناء الأيام العشرة التقى المرشد العام قسم الخليفة بمحمد الليثى الرجل الذى قدر له أن يلعب دورا هاما فى حياة المرشد العام.. وفى وفائه أيضا!


حاول البنا ألا يستعدى ضده محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء الجديد فتوجه إلي – بعد الإفراج عنه

– يعزيه ولكن بدون جدوى فإن النقراشى أصدر قرارا بمنع اجتماعات الإخوان , ومصر الفتاة واللجنة العليا للحزب الوطنى ولكن الكاتب السوفييتى سيرانين. فى كتابه ز فسر مرونة الإخوان بطريقة أخرى.

قال إنه " بعد إقالة وزارة النحاس راجع زعماء الجماعة حساباتهم بسرعة وفاء منهم لمبدئهم العتيق " فلنقبل الأيادى التى لم تستطع قطعها " فغيروا موقفها تجاه الوفد وأقلبوا على الاتحاد مع أحزاب الحكومة منضمين بذلك لصفوف الجوقة المنددة بسياسة النحاس وحزبه"ويقول سيرانيان أيضا " إن التحالف بين الحكومة والإخوان لم يتعكر صفوه بعد اغتيال أحمد ماهر ولم يحدث أن استغل حزب الكتاب الأسود الذى كتبه مكرم عبيد كما استغله الإخوان للتشهير بالوفد".

ويقرر الإخوان التضامن مع باقى أحزاب المعارضة فى مظاهرة تبدأ من ميدان دار الأوبرا للترحيب بأعضاء مجلس الجامعى العربية واستنكار الاحتلال الفرنسى لشمال أفريقيا والمطالبة بجلاء الفرنسيين. وتقرر الحكومة منع المتظاهرين من مغادرة الميدان فيتجمع فيه الفان من الإخوان بعد ظهر يوم 4 من يونيو يخطب فيهم حسن البنا ورئيس مجلس النواب السورى وآخرون.

ويخرج المتظاهرون من الأوبرا إلى ميدان عابدين فيخطب فيهم مرة ثانية المرشد العام ثم يطلب منهم الانصراف فى هدوء .. فينصرفوا.

ويقول مركز المخابرات البريطانية إن " إلغاء قرار الحكومة والسماح بخروج المظاهرة من ميدان الأوبرا تم بأمر صاحب الجلالة ملك مصر ".

وهذا يدل على ارتباط الإخوان بالقصر.

لكن الوزارة تلقى القبض على مصطفى مؤمن زعيم طلاب الإخوان فى جامعة القاهرة وتمنع الإخوان من عقد اجتماعاتهم.

ويطالب صالح عشماوى باستقالة الوزارة كتب يقول:

- هذه الوزارة لم تفعل شيئا ولم تنتج شيئا ولا يجب أن تبقى ساعة من نهار! ويعقد الإخوان مؤتمرهم الوطنى العام يوم 8 سبتمبر 1945 فيشهده 2500 عضو يؤكدون التزام الجماعة بالقرآن. ويطالبون بتحقيق الأمانى الوطنية فى الجلاء.ويكون الجديد فى هذه القرارات المطالبة بتأميم قناة السويس.

ويكتب جيمس بوكر القائم بأعمال السفير البريطانى إلى لندن قائلا:

" هذه هى المرة الأولى يعلن فيها حسن البنا صراحة أن للجمعية أهدافا سياسية . وكان – دائما – يحاول إقناع الحكومة والسفارة بأن الجمعية لا تتدخل فى السياسة.

ولم يصدق أحد ذلك الادعاء"

ألغيت الأحكام العرفية فى 4 فبراير 1945 ويعقد الإخوان مؤتمرا فى اليوم نفسه يدعون فيه إلى المقاومة الشعبية والجهاد ويهاجمون مبدأ المفاوضات . ويزور حسن البنا ومحمود لبيب قائد الجوالة أنور السادات فى بيته أخذ المرشد العام يشرح للضابط الشاب متاعبه فقال: - أنها تأتى من ناحيتين الملك والأجانب..ز الملك يشعر شعورا قويا بخطورة دعوة الإخوان لما يسمعه من أن الدعوة تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة .. والأجانب يرهبون الدعوة لأنها تقوم على وجوب الأخذ بشريعة الإسلام وستتعرض حتما لأعمالهم وأموالهم وأضاف المرشد العام: -يدبر الملك أمره ليبطش بهذه الحركة التى لم تبلغ أوج قوتها بعد .. وما أيسر أن تتحول النظرة الموحدة من الأجانب والملك إلى تحالف عملى للقضاء على الدعوة وعلى الجماعة التى تدعو إليها, قال :

أريد أن أضع حدا لهذه المتاعب ويمكن أن يطمئن الأجانب إلى الدعوة لو اطمأن إليها الملك وأستطيع أن أكسب ثقته لو تقابلت معه.

ويتجه حسن البنا بالحديث إلى هدفه مباشرة قال:

أنت تعرف الدكتور يوسف رشاد وهو ذو حظوة عند الملك ويمكنه إقناعه بمقابلتى.

ويقوم أنور السادات بالوساطة ويبلغ يوسف رشاد الذى يستمع إليه ثم ينتقل حديثه إلى فاروق. ولكن لملك يقرر ألا يلتقى يوسف رشاد بمرشد الإخوان

ويكرر الشيخ البنا المحاولة مرة أخرى مع أنور السادات ويلتقى المرشد العام ووكيل الجماعة , أحمد السكرى , وبالدكتور رشاد ثلاث ساعات.


قال البنا:إنى مستعد للتعاون مع الملك

وقال: ويمكن التغاضى عن بعض تصرفات الملك الشخصية لصغر سنه.. كما سنتعامل معه بصفته حاكما.وأكد المرشد العام أنه يكن لصاحب الجلالة التقدير والاحترام.

نقل الدكتور يوسف رشاد هذا الحديث إلى فاروق وحاول إقناعه بحسن نية المرشد العام ولكن الملك قال له:

- حسن البنا ضحك عليك!

وقصد لشيخ البنا إلى دار السفارة البريطانية ليلتقى للمرة الثانية بالسير والترسمارت المستشار الشرقى يوم 17 من أكتوبر 1945 وكانت المرة الأولى قبل 18 شهرا.

طلب المرشد العام من الانجليز ضرورة القيام بإجراء لمنع هجرة المزيد من اليهود إلى فلسطين قال: -اقتراح الرئيس ترومان بهجرة اليهود إلى فلسطين يشبه وضع قطعة من النار بجوار برميل من البارود. وانتقل حسن البنا إلى أندونيسيا فطالب بريطانيا أن تنظر بعين التعاطف إلى مطالب شعب أندونيسيا فى الاستقلال.

قال سمارت: ذلك الأمر يقع خارج نطاق اختصاصى تماما. قال البنا: اقبلوا مطالب مصر القومية. وتساءل قائلا: هل تقضى سياسة بريطانيا العظمى بتكوين أمة مصرية – عربية متحدة أو بتفريقها كى يمكن حكمها بطريقة أكثر سهولة.

رد سمارت قائلا:

إن بيانى مستر ايدن – عن تشجيع قيام الجامعة العربية – يعدان دليلا كافيا على تشجيع بريطانيا للوحدة بين أصدقائنا المصريين والعرب والبيانات كافيان ليثبتا أن بريطانيا لا تؤيد على الإطلاق أسلوب " فرق تسد" وتبقى بعد ذلك تفاصيل يمكن حلها عن طريق التشاور والتفاهم.

وانتهز سمارت الفرصة . قال:

عندما التقينا قبل 18 شهرا أكدت تماما أن جماعتك ذات أهداف دينية وثقافية واجتماعية بينما تثار فى اجتماعات الإخوان المسلمين خلال الفترة الأخير قضايا سياسية تماما.

رد حسن البنا:

- الغايات الدينية فى الإسلام هى. بالضرورة , سياسية فى الوقت نفسه كالدفاع عن البلاد الإسلامية مثل فلسطين والحفاظ على حقوق المسلمين وغيرها.

- قال سمارت الذى يتقن العربية:

- - يبدو لى كما لو أنك تدافع عن المبدأ الإسلامى القائل بأن " الدولة والدين لا ينفصلان" ومن خلال هذا المبدأ يمكن تحويل أى قضية سياسية إلى قضية ذات طابع دينى , ويبدو لى دفاعك أ\كما لو كان محاولة لتبرير انغماس جماعتك أنشطة سياسية تماما.

- لا أنوى ذلك والجماعة لا تعمل لصالح أى حزب سياسى وكل ما فى الأمر أننا نكرس جهدنا لتحقيق الأمانى الأساسية للشعوب الإسلامية

واستمر البنا يتحدث باستخفاف عن المجلس الاستشاري الذى أحال إليه النقراشى المطالب القومية للبلاد لإبداء الرأى فيها فقال إن هذا المجلس ربما يتكون من أشخاص لهم مكانتهم ولكنهم لا يمثلون الشعب بأية حال.

وقال إن الشعب لم يعد يؤيد أولئك الذين يسمون قادة . وليس لدى الإخوان المسلمين النية لتأييد أحد من هؤلاء القادة سواء النحاس أو النقراشى واستمر يؤكد نظريته القديمة التى قالها لسمارت من قبل . قال:

- الإخوان المسلمون هم أكثر الحلفاء نفعا لكم فى مجتمع يتهدده الانحلال, وهم أشد الحواجز صلابة فى وجه الشيوعية. ومن أفضل العوامل المساعدة على الاستقرار والاسم رغم أنه ديمقراطى إلا أنه قوة محافظة.

- أبرق السفير البريطانى إلى لندن قائلا:

- " يحاول حسن البنا فى الوقت الحاضر التقرب منا ونحن لا نرغب فى إثارة عداء الإخوان لنا فى هذه المرحلة.

- ومن الأفضل أن ننتظر ونرقب ما تسفر عنه الأحداث"!

- اقتربت ذكرى وعد بلفور.

- وسنت الصحف المصرية حملة ضد بريطانيا والصهيونية وتدفقت المنشورات على جامعة فؤاد الأول

– جامعة القاهرة الآن – والأزهر . تدعو للقيام بمظاهرات ضد بريطانيا والصهيونية.توقعت السفارة البريطانية أحداثا خطيرة فبعث جيمس بوكر القائم بالأعمال إلى لندن يتهم شخصيات عليا بأنها مولت بعض صحف المعارضة!ّ

- وأنهم الحكومة بأنها أرادت صرف اهتمام الناس عن القضية الوطنية والجلاء.

- واتهم الوفد بأنه مول = بالمال – حزب مصر الفتاة وجمعية الشبان المسلمين وقال إن فؤاد سراج الدين عرض أموالا على جماعة الإخوان . ولكنهم رفضوا طبقا لسياستهم فى عدم التعاون مع الوفد!

- وجاء يوم الخميس أول نوفمبر 1945 فأضربت الجامعة والمدارس الثانوية وأربع من كليات الأزهر. وطاف الطلبة بالمحال التجارية يطلبون من أصحابها إغلاق محالهم التجارية فى اليوم التالى تضامنا مع حركة الأحزاب فوافق الجميع.

خشيت السفارة البريطانية أن يتدهور الأمن فى اليوم التالى – 2نزفمبر – فتوجه السيروالتر سمارت المستشار الشرقى للسفارة البريطانية إلى وزارة الداخلية المصرية ليلتقى بوكيلها حسن رفعت باشا قائلا:

- يتحرق حسن البنا شوقا ليحل محل النحاس باشا والوفد

- رد حسن رفعت:

- لا يمكن أن نعارض أمرا يمثل التطور الطبيعى:

وأضاف:

يتعاون الإخوان المسلمون معى للتقليل من حجم المظاهرات التى ستجرى غدا بشأن قضية فلسطين.

لقد صاروا الآن أقوياء للغاية كما أن البنا قائد ملتزم تماما. وهو خطيب مفوه ولديه قدرة عالية على التنظيم.وقال حسن رفعت إن حسن البنا تلقى إعانات من الإيطاليين والألمان والقصر والوفد. ويضيف وكيل وزارة الداخلية المصرية.

أؤكد لك أن البنا لم يحصل على هذه الأموال لنفسه بل استخدمها لتطوير أنشطة الجماعة.وقال: - لا يعيب الملك فاروق أن يمد الإخوان بقليل من التأييد خاصة أنهم أفضل الأسلحة للحرب ضد الشيوعية قال والترسمارت:

- من الخطر مساندة الإخوان واستخدامهم كسلاح حتى لا يأتى يوم تجد فيه هذه الحكومة. وكل الحكومات , أن التعامل معهم صار أمرا عسيرا فهم جماعة تعمل فى الظلام ومعادية للأجانب واستخدامهم كسلاح يؤدى بالتالى إلى نمو قوتهم. وبالتالى تصبح السيطرة عليهم أمرا مستحيلا. - وإنى أدرك بالطبع زيادة قوتهم ولكنى متمسك برأيى فى أن أنشطتهم يمكن أن تؤدى إلى قيام حركة معادية للأقباط. رد حسن رفعت قائلا:

لا أعتقد بوجود ثمة خطر من وراء ذلك فحسن البنا حريص للغاية على عدم السماح بمثل هذه الأعمال. أصر سمارت على موقفه وقال:

-لا زلت متمسكا تماما برأيى فى أن أى تشجيع للإخوان المسلمين يعد من الأمور الخطيرة. أبرز حسن رفعت رسما تخطيطا لمبنى ضخم يعتزم الإخوان إقامته ليكون المقر الرئيسى للجماعة فى القاهرة. وأضاف:

- صار صالح حرب رئيس جمعية الشبان المسلمين وجمعيته فى الوقت الحاضر مجرد تابعين لحسن البنا!

- قال حسن رفعت:

- إذا كانت مظاهرات الطلاب قد اختفت فالفضل فى ذلك يرجع إلى جهود الإخوان المسلمين الذين أصبحوا حاليا أكثر قوة وأنصار

من الوفد فى الجامعات.

ولكن سمارت لا يكتفى بلقاء حسن رفعت باشا – بل يجتمع بمحمود الغزالى بك مدير المن لعام يقول لسمارت:

- لا أتفق مع حسن رفعت فى رأيه حول الأموال التى حصل عليها حسن البنا أرى أن البنا يحتفظ بجزء من هذه الأموال لنفسه!

جاء الصباح التالى.. الجمعة 2 من نوفمبر 1945.

قدم الإخوان سيارات النقل التابعة لشركتهم لنقل الطلاب إلى الجامع الأزهر.. وسار كثيرون على أقدامهم إلى المسجد لإضراب المواصلات .

قذفت المتاجر فى حى الأزهر بالحجارة وهوجم المعبد اليهودى فى الموسكى وبلغت خسارة محل للملابس يملكه يهودى 60 ألف جنيه.

وصف جيمس بوكر المظاهرات ودور الشيخ حسن البنا فى تهدئة الطلاب فقال:

" تجمع عدة آلاف من الطلبة وأعضاء الجمعيات الدينية داخل الجامع الأزهر وحوله لأداء صلاة الجمعة.

وقف رجال الشرطة مضطربين فى أماكنهم توقعا لنتائج المظاهرات التى كانت على وشك التحرك خوفا من فشل الشرطة فى السيطرة على هذا العدد الضخم بهم الاجهاد رغم أن رئيس الوزراء ساعد شخصيا فى القبض على بعض مثيرى الشغب!

واستغلت الشرطة النداء الذى وجهه احمد السكرى الوكيل العام للإخوان المسلمين فى السعى لإقناع أعضاء الجماعة بالانسحاب من المظاهرات ولكن هذا النداء لم يكن مجديا.تحرك المتظاهرون إلى قصر عابدين وخرجوا من الطابع الصامت وأخذوا يهتفون بقوة بحياة الملك والو حدة العربية , ويهاجمون اليهود.

خطب حسن البنا فأبدى أسفه لأعمال التخريب التى وقعت وناشد المسئولين عنها التوقف عن أ عمالهم الشريرة

لم تجد نداءاته فلا تدين الأغلبية العظمى منهم بأى ولاء. وكانوا فى حالة من الهياج الشديد التى تمنعهم من الاستجابة إلى الناصح الذى لا شعبية له!

ولكن حسن البنا استطاع بعد ساعة أن ينصح المتظاهرين بالتفرق فأطاعوه وانصرفوا بنظام" ويكتب السير والترسمارت:

" يشعر الوفد بالسخط تجاه موقف الإخوان الذين قاموا بتهدية أعمال الشغب التى وقعت بين صفوف الطلاب. واعتبر الوفد موقف الإخوان نوعا من الخيانة وقد تلاعب فؤاد سراج الدين بالإخوان المسلمين لبعض الوقت ولا شك أنه قد إليهم بعض المال.

وعلى آية حال فأن حكومة النقراشى تبدو كما لو أنها نجحت فى الوقيعة بين الإخوان والوفد.

وكانت سياسة الإخوان المسلمين تتمثل فى السعى لتحاشى وقوع أى صدام مع الحكومات المتعاقبة بينما يدعم الإخوان موقفهم. وعلى نحو مشابه نجدهم حاولوا استمالتنا – أى استمالة الانجليز – خوفا من ان يقوم بالتحريض على أى عمل ضدهم لقد أصبحت الجماعة تضم نحو نصف مليون عضو فى مصر .

وافتتحت فروعا ف فلسطين وسوريا. ودفع الاستياء الذى يشعر به المصريون تجاه قادة الأحزاب السياسية الحالية إلى أن ينضم عدد منهم إلى الجماعة التى وجدت أعضاء لها بين الطبقات الراقية فى المجتمع بعد أن كانت لا تضم إلا أبناء الطبقات الدنيا.

ومن الواضح أن الإخوان المسلمين سلاح ذو حدين فيمكن أن يكونوا اليوم أصحاب دور فعال فى وقف أعمال الإثارة ثم يقومون غدا بدور خطيرة التحريض وخاصة فى القضايا الدينية ثل قضية فلسطين

ولا أظن أن بمقدورنا القيام بأكثر من تحذير حسن رفعت".

وكتب الملحق العسكرى الأمريكى إلى واشنطن يوم أول نوفمبر يقول " اشترى الملك ولاء الإخوان" أضرب عمال شبرا الخيمة. واعتقل النقراشى أكثر من 100 من المتهمين بالشيوعية فى ديسمبر واستمرت عملية اعتقال الشيوعيين فى يناير وفبراير.وحققت النيابة مع صحف " مصر الفتاة" ," الاثنين"و" روزاليوسف"و" الشيوعية" و" الوفد المصرى"و البلاغ" الوفدية.

ويلجأ النقراشى إلى القوة لقمع المظاهرات ويعتقل أحمد السكرى وكيل الجماعة ويغلق شعب الإخوان والمقر الرئيسى للجماعة.

ويعود اللورد كيلرن إلى القاهرة ليهاجم – فى تقاريره – الإخوان المسلمون قال: " يمكن إلقاء المسئولية معظم المظاهرات المعادية لبريطانيا والهجمات التى تعرض لها الرعايا البريطانيون على مدى العامين الماضيين على الجوالة الذين أصبحوا أكبر لحركات الشبابية وأكثرها تنظيما"

ظل اللورد كيلرن السفير البريطانى يتصرف بعقلية المندوب السامى البريطانى فتوجه لمقابلة رئيس الوزراء وحذره من انتشار عدوى الاغتيالات السياسية وقال له:

جاء اغتيال احمد ماهر باشا دليلا على انتشار الخروج على النظام والقانون. وأضاف: أصبح الإرهاب سمة مميزة للحياة السياسية فى مصر

وطالب بالتعجيل بالعقاب كوسيلة للردع

وتضع السفارة البريطانية عيونها على انتشار حمل السلاح فى مصر قال اللورد كيلرن فى تقارب\يره إلى لندن:

" استمر تهريب الأسلحة على نطاق واسع وكان يتم شراء معظمها من مخلفات الجيوش التى شاركت فى معارك الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية وبدت سلطات الأمن عاجزة عن القيام بأى شئ. وكان فى وسع سكان الأقاليم تحدى جهود السلطات لتنظيم حيازة الأسلحة النارية والإفلات من العقاب. وزاد من صعوبة مهمة لحكومة فى التعامل مع هذه المشكلة إن الأسلحة المحظورة من أنواع متطورة للغاية بينما كانت قوات الأمن المصرية مسلحة فى الغالب بأسلحة قديمة

إن انتشار حيازة الأسلحة صار عاملا جديدا وخطيرا فى التأثير على العلاقات البريطانية المصرية . وفى حالة نشوب أية أعمال عنف معادية لبريطانيا على نطاق واسع سيصبح التعامل مع عناصر الشغب أكثر صعوبة عما كان عليه فى عام 1919 فقد كانت معظم هذه العناصر غير مسلحة عام 1919".

ويضع النقراشى رقابة صارمة على الإخوان طوال فترة وزارته ويكتب السفير البريطانى إلى لندن عن التغير الذى جرى فى حزب الوفد قال:

" يقوم حزب الوفد بدور المعارض الحقيقى فهو يشعل الاضطرابات مستخدما أساليب دعائية عنيفة ضد كل من الحكومة المصرية والبريطانية"

وتقول السفارة:

" بدأ القصر يستميل الإخوان المسلمون الذين نمت قوتهم بصورة كبيرة وأصبحوا يتمتعون بقوة كبيرة فى الجامعة والمدارس.

وما زالت الجماعة تشكل خطرا دائما لا على التعاون الودى بين كل من بريطانيا ومصر بل على التعاون بين مصر والأوربيين بوجه عام.

وأصبح الإخوان الذين تدعمت قوتهم بفضل حماقات الحكومات المتعاقبة التى سعت إلى استخدامها لا يخفون رغبتهم فى أن يحلو محل الوفد فى نهاية الأمر وأن يقوموا بتشكيل وزارة تحكم البلاد؟ ويسافر حسن البنا لأداء فريضة الحج

وتتجدد مظاهرات الطلبة التى أثارها الوفد والإخوان. كما يقول السفارة ويلجأ النقراشى إلى القوة لقمعها مما إثار احتجاجات عنيفة.

ويكتب السفير البريطانى إلى لندن:

" أثبتت جماعة الإخوان المسلمين قدرتها على الاستمرار رغم المصاعب العديدة التى واجهتها واتى تمثلت فى إغلاق مقارها وإعتقال أحمد السكرى وغياب حسن البنا مما أدى إلى تقليص نشاطها. ولكن مازالت تعقد اجتماعات على مستوى محدود فى منازل بعض أعضائها.

وخلال أحد هذه الاجتماعات قرأ أحدهم رسالة من حسن البنا يحث فيها أعضاء الجماعة على الاستمرار فى العمل رغم اجراءات الحكومة .

ودعا حسن البنا إلى تقديم المعونات إلى الأعضاء الذين يتعرضون للاعتقال وقدمت الجماعة المراتب والحشايا والأغطية لأعضائها المعتقلين ووعت الأموال على أقاربهم. ويقال إن الجماعة وزعت بعض الإكراميات على ضباط الشرطة وحراس السجون لتوفير معاملى طيبة للمعتقلين"!

عاد حسن البنا إلى القاهرة فى ديسمبر وكان من أول أعماله التحقيق فى شكاوى الأعضاء الذين اعتقلوا وأرسلوا إلى مناطق نائية ومعتقلات غير ملائمة وقيل إنهم لقوا معاملة سيئة.

وأمرا البنا بإجراء تحقيقات كاملة حول هذا الموضوع وطلب إلى أعضاء الجماعة فى المدن والمديريات موافاته بأسماء " الضحايا" وكان النية تتجه إلى تقديم احتجاجا للحكومة ضد المعاملة التى تعرض لها الأعضاء

ويكتب اللورد كيلرن إلى لندن

" هناك تقارير غير مؤكدة عن مقابلة سرية بين الملك فاروق وحسن البنا بعد عودته من مكة. ومن المعتقد أن املك أبلغ البنا أنه يفضل سياسة الإخوان بغير حد طالما أنها تحافظ على توازن القوى السياسية فى البلاد.

وقد أطلق النقراشى سراح عدد من أعضاء الجماعة الذين اعتقلوا لمشاركتهم فى أنشطة معادية للإنجليز والحكومة نتيجة لقاء البنا مع الملك".

ويلتقى السفير البريطانى برئيس الوزراء ويحذره من المظاهرات المعادية ليهود التى جرت فى ذكرى وعد بلفور ويكتب كيلرن إلى لندن:

" هذه الأحداث بمثابة تذكرة لنا – أى لبريطانيا – إلى ما يمكن أن ينتج من أعمال الشغب التى يقوم بها السوقة فى مصر"!

ويجتمع مجلس الوزراء المصرى برئاسة محمود فهمى النقراشى باشا يوم 18 من ديسمبر 1945 لبحث موضوع تعديل معاهدة 1936.

ويقدم عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن مذكرة طويلة إلى وزارة الخارجية البريطانية يطلب فيها فتح باب المفاوضات.

وتسجل هذه المذكرة مطالب مصر فى صراحة كاملة وهى الجلاء ووحدة وادى النيل قائلة " إن الحرب استنفدت أهم أغراض المعاهدة وأحكامها التى تمس استقلال مصر وكرامتها, ولم تعد تساير الوضع الحالى. إن وجود قوات أجنبية زمن السلم فى بلادنا حتى لو انحصرت هذه القوات فى مناطق نائية يجرح الكرامة الوطنية".

ورأى أرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا أن يبحث مع المسئولين فى الوزارة ورؤساء الأركان حرب القوات البريطانية موضوع الجلاء عن مصر.

قال رؤساء الأركان إن معاهدة عام 1936 تنص على بقاء 10 آلاف جندى بريطانى و500 طيار فى منطقة قناة السويس..

وأبدوا استعدادهم لتخفيض هذا الرقم إلى 5000.

ولكن السلطات العسكرية البريطانية رأت أن استعدادات الدفاع فى المنطقة يجب ألا تمس, مع خلق الإحساس أيضا لدى المصريين بأن الامبراطورية البريطانية رحلت عن مصر!

وقال بيفن اللجنة الدفاع المنبثقة عن مجلس الوزراء البريطانى.

هدفنا أن نبتعد عن القاهرة فلا يرى المصريون قواتنا حتى لا يقال غن مصر بلد محتل فتنسحب القوات البريطانية إلى منطقة القناة.

ورأى بيفن أن إعلان مبدأ الانسحاب سيغرى المصريين على أن يطلبوا من البريطانيين البقاء إلى الأبد فى منطقة قناة السويس ... على الأقل وأوصى بإتباع النموذج الأمريكى وهو تأجير قاعدة قناة السويس مدة 99 سنة.

ويقدم بيفن وزير الخارجية مذكرة إلى مجلس الوزراء البريطانى. قال بيفن فى هذه المذكرة سيقبل المصريون معاهدة جديدة تتضمن نفس ملامح معاهدة 1936 التى يطالبون بإلغائها.

وقال إن بريطانيا ستسحب قواتها إلى منطقة القناة ولكنها ستحتفظ بحقها فى إعادة احتلال مصر إلى أن قامت الحرب وكان بيفن متفائلا أكثر مما ينبغى بما ستقبله مصر.

ويزور اللورد كيلرن فاروق يوم 29 من يناير عام 1946 يحمل إليه ردا شفهيا من بريطانيا على طلب تعديل المعاهدة يطالب بإدخال وزراء وفديين – لا النحاس – فى الحكومة ويعرض سريان التحالف بين بريطانيا ومصر.

ولكن السفير لا يفصح عن آراء بيفن كلها. ويشجع فاروق السفير البريطانى على الحديث بل يسأله النصيحة قال السفير إنه لا يستطيع التعاون مع النقراشى فطلب منه فاروق أن يقدم بذلك مذكرة كتابية قدم كيلرن هذه المذكرة يوم 31 من يناير فقصد عبد الفتاح عمرو باشا إلى وزارة الخارجية البريطانية فى اليوم نفسه, للقاء بيفن وأبلغه أن ملك مصر تلقى تحذيرا رسميا بضرورة تغيير النقراشى وأن هذه الرسالة غير ودية وقد أزعجت جلالته للغاية.

نفى كيلرن ذلك. ولكن الخدعة , أو اللعبة الملكية, حققت أهدافها فإن بيفن كان يرفض التدخل لتشكيل أو تغيير الوزارات فى مصر.

فى 4 فبراير 1946 قرر مجلس الوزراء البريطانى نقل كيلرن من مصر وتعيينه مندوبا خاصا فى جنوب شرق آسيا.

وتشتد مظاهرات الطلبة التى أثارها الوفد والإخوان وتلجأ الحكومة إلى استخدام القوة لقمعها. ويكتب الوزير المفوض البريطانى جيمس بوكر:" يجب أن نذكر أن الوفد لم يستطع عند افتتاح الجامعة فى أكتوبر الماضى جذب الطلاب للتظاهر خارج الجامعة بسبب عدم تعاون الإخوان معه فإنهم كانوا – حينذاك – يناصرون الحكومة.

ويشير خروج جماعة الإخوان إلى الشارع جنبا إلى جنب مع الوفد إلى اعتقاد الإخوان بأن حكومة النقراشى تقضى أيامها الأخيرة , وإلى قيام الحكومة أخيرا بالتضييق على أنشطة الإخوان.وهذا يشير إلى التأثير المتزايد للجماعة,... فعندما قررت ان تلقى بثقلها إلى جانب أ‘مال الشغب والاضطراب كان لذلك أثره الفعال".

ويبلغ الملك رئيس وزرائه بأن الانجليز طلبوا إخراجه من منصبه قال الشيخ حسن البنا للنقراشى:

- طالب بالجلاء صراحة فإن ماطل الانجليز لا تقدم استقالة . وإنما امتشق السيف وقد الأمة إلى الجهاد.

- ولكن النقراشى يستقيل يوم 15 من فبراير 1946

وتجرى مجلة المصور فى الأسبوع نفسه استفتاء بين القراء عن " رجل عام 1945" ففاز الشيخ حسن البنا.

الإخوان المصريون

اختار الملك صدقى باشا – 71 سنة- ليتولى رئاسة الوزراء فقبلها قائلا:

- إنها يا مولاى لمهمة عسيرة ينوء بها اصلب الرجال عودا. وكان صدقى صادقا فليس له حزب. أو نائب واحد, يمثله فى البرلمان اعذر محمود فهمى النقراشى عن دخول الوزارة او اشتراك الحزب السعدى فيها لم يكن أمام صدقى إلا حزب الأحرار الدستوريين فألف صدقى وزارته من 11 وزيرا وتولى وزارتى الداخلية والمالية بالإضافة إلى رئاسة الوزارة واختير أحمد لطفى السيد وزير دولة يتولى وزارة الخارجية. ومثل حزب الأحرار الدستوريين 4 وزراء والباقون من المستقلين وكان صدقى يهدف إلى أن يستبدل السعديين بالمستقلين عندما يقرر الحزب دخول الوزارة.

ورى الإخوان فى بعض كتبهم أن صدقى لم يقبل الوزارة إلا بعد أن ضمن تأييدهن له فقد اصبحوا القوة الثالثة. وفى السياسة المصرية بعد الملك والوفد وقالوا إن صدقى – وهو يبحث عن مؤيدين لهم قوة شعبية يناصرونه - رأى الاتجاه إليهم... ولم يكن أمامه غيرهم!

قام بالوساطة بين صدقى والمرشد العام, إبراهيم رشيد زوج ابنة صدقى باشا زار رئيس الوزراء الشيخ البنا وأبلغه أنه كلف بتشكيل وزارة لمفاوضة الانجليز وأرجأ المرشد العام رده بالقبول أو الرفض حتى يعرض الأمر على الإخوان.

وقال حسن البنا لصدقى باشا:

شاع بين الناس من تاريخك السياسى ما يبعث على النفور منك ولكننا سنزن ما تقول بميزان دعوتنا. أجاب صدقى:

- سأبدأ صفحة جديدة وللجماعة أن تأخذ على ما شاءت من مواثيق جمع المرشد العام الهيئة التأسيسية وعرض عليهم الأمر فوافقوا على مبدأ التفاهم مع صدقى.

- وأبلغ المرشد رئيس الوزراء الحد الأدنى من مطالب البلاد الوطنية فى لمفاوضات مع الانجليز.

- وعلى هذا الأساس قرر الإخوان تأييد الوزارة وفى هذه الرواية ما فيها من مبالغات لا يقبلها العقل!

- ولكن عمر التلمسانى يقدم صورة مقبولة لما جرى . قال:

- إسماعيل صدقى من أنبغ الساسة المصريين ولكن ليست له قاعدة شعبية ورأيه أن تؤخذ حقوق مصر خطوة خطوة فتأخذ جزءا من الحق , أى الجزء المستساغ.

- قال صدقى للإخوان :

- سأعمل لكم بشرط تأييدى قالوا:

استرد الحقوق المشروعة فورا, أو بالتقسيط بشرط أن تترك للإخوان حرية قال " ادجار جلاد" صاحب جريدة " الجورنال ديجيبت" وأحد رجال الملك فاروق لفيليب ايرلاند سكرتير السفارة الأمريكية: اتجه صدقى إلى الإخوان ليحقق التوزان مع الوفد.

ويروى بعض الإخوان أن إسماعيل صدقى عرض على حسن البنا أن يكون وزيرا للأوقاف وأن البنا فكر فى قبول العرض قائلا:


- نستطيع من خلال عشرة آلاف مسجد أن ننشر دعوتنا ولكن صدقى تراجع عن ذلك.

ومرة أخرى من حسن حظ البنا والجماعة أن صدقى عدل عن ترشيح الشيخ للوزارة – أيا ما يكون سبب ذلك – وإلا كان البنا قد انتهى إلى أن يصبح مجرد وزير لا قائدا ومرشدا للإخوان!

لم ترحب السفارة البريطانية بتعيين إسماعيل صدقى , ولم تعترض عليه وصف جميس بوكر القائم بأعمال السفير البريطنى رئيس وزراء مصر إسماعيل صدقى, الذى وافق الإخوان على التعاون معه فقال بوكر فى البرقية رقم 78:

" وظل المصريون يعتبرون إسماعيل صدقى رمزا للرجعية السياسية والرأسمالية والفساد المالى. وظل لفترة طويلة .. اقدر الاداريين والماليين وأقوى رجل فى مصر أبعده الملك فؤاد من منصبه مرتين عامى 1925 -1933 وكان يجب أن نمنع ذلك – نظرا للخدمات التى أداها صدقى لنا. وإبعاد صدقى أدى إلى ميله الأن إلى معاداة البريطانيي.

وأصبح منحازا للتفكير الأوربى ضد التفكير الانجلوسا كسونى. وخلال العامين السابقين لعب دورا وطنيا متطرفا فى طلب تعديل المعاهدة وهذا ينبع جزئيا من رغبته فى طمس الأسطورة الشعبية عن ارتباطه بنا وهو عديم الضمير تماما يكيف نفسه فى أى وقت مع الاتجاه الذى يناسب مصالحه وقد أثار تعيينه - بطبيعة الحال – رفضا عنيفا من جانب الوفد والعناصر المحافظة فى البلاد.

ومما لا شك فيه أن لطفى السيد الذى قارب الثمانين من عمره سيكون وزيرا صوريا للخارجية وسيدير صدقى الشئون الخارجية بنفسه.

ولم يعد صدقى بنفس لقوة الجسدية التى كان عليها قبل النوبة القلبية التى أصابته عام 1933 وهو الآن فى الحادية والسبعين من عمره.

ويبدو تعيين صدقى استفزازيا فى العالم الجديد الذى بدأ يخرج حتى فى الشرق الأوسط, من التأثير المضطرب للحرب ومن الاستياء الاجتماعى الذى تبرره ظروف التفاوت الاجتماعى".

ولكن " جرافتى سميث" مساعد السكرتير الشرقى السفارة البريطانية أنصف صدقى قال:

" أذكى الوطنيين المصريين قادر على كل شئ. وهو واحد من السياسيين المصرين القلائل الذين يعتبر حديثهم متعة فكرية. ويلعب شاربه دورا كبيرا فى ابتسامة الثقة بالنفس التى يتلقى بها حلو الأخبار ومرها"

وأنصف الكاتب البريطانى " جون مارلو " فقال:

"... آخر الباقين على قيد الحياة من الحرس القديم للوطنية المصرية الذين شكلوا حزب الوفد الأصلى ثم انشق بعد فترة قصيرة على سعد زغلول وقام خلال أكثر من عشرين عاما بدور مستقل تماما فى الحياة المصرية العامة لا يتمتع بأية شعبية . تركى الأصل أوتوقراطى الطباع. واقعى بالغريزة يعارض غوغائية حزب الوفد.

ظل رئيسا للوزارة من عام 1930 حتى 1933 وبعد أن فقد منصبه ومارس معظم وقته ليكون رجل أعمال فجمع ثروة كبيرة وفى السياسة كان رجل الدولة المحنك المستقل الذى يراقب الأحداث .. يشجع أ ينتقد. وخلال الحرب العالمية الثانية كان ناقدا عنيفا سليط اللسان للسياسة البريطانية فى مصر"

اضطهد صدقى الوفديين أثناء رئاسته للوزارة عام 1930 ولذلك كان من الطبيعى أن تصف صحف الوفد تعيينه بأنه " عودة الجلاد"!

بدأ صدقى وزارته الأخيرة عام 1946 فى ظل تأييد الإخوان ومعارضة الوفد.

وكانت الحرب قد انتهت والانجليز لا يتدخلون فى سياسة الحكم وشئون مصر الداخلية ولا يفرضون على رئيس الوزراء اعتقال البنا أو نقله كما فعلوا فى عهد حسين سرى.

قال السفير البريطانى:

" لوحظ أن مرسوم الملك فاروق لصدقى يصف الأوضاع الحالية المضطربة فى مصر بأنها تعبير صحى عن طموح الشعب لتحقيق مطالبة العادلة داخليا وخارجيا".

كان على رئيس الوزراء أن يتخذ أسلوبا جديدا للحكم – لتحقيق مطالب الشعب – يختلف عن السياسة التى سار عيها فى وزارته  قبل 13 سنة , ويزيل من الأذهان صورة الديكتاتور الذى يقف دواما ضد الشعب.

رأى صدقى أن يركب موجة المظاهرات الشعبية ليقودها ويتخذها وسيلة للضغط على الانجليز لتحقيق الأمانى القومية!

دعت الأحزاب الشعب إلى التظاهر فى " يوم الجلاء " 21 من فبراير بيان الأخوان متفقا مع بيان الوفد فى عدة نقاط. فقد طالبت الجماعة بالجلاء التام ووحدة وادى النيل والكفاح ضد الامبريالية.سمح صدقى بالمظاهرات . التى اشترك فيها الوفد والإخوان والحزب الوطنى ومصر الفتاة والشيوعيون.

أدت هذه المظاهرات إلى نتجتين:

الأولى: تشكيل اللجنة القومية للطلاب ولكن حدث احتكاك داخل اللجنة بين الوفد والإخوان وتبادل الطرفان اتهامات.

الثانية وهى الأهم فقد تصدى الانجليز لمظاهرات القاهرة وقتلوا 23 وأصابوا 121.أباح إسماعيل صدقى المظاهرات مرة أخرى فى يوم الشهداء -4 مارس – حدادا على شهداء يوم الجلاء . ولكن سقط 28 قتيلا و342 جريحا بالإسكندرية نتيجة تدخل الجيش البريطانى.

كتب القائم بالأعمال البريطانى إلى لندن

" هذا جزء من اللعبة الديماجوجية التى يلعبها السراى لتملق الطلبة وغيرهم من المهيجين. ويبدو أن أول تصرفات صدقى تعكس هذه السياسة لقد ألغى تدابير الحكومة السابقة بمنع اجتماعات الإخوان ومصر الفتاة وهو او السراى , أو هو والسراى ينظمان مظاهرات الطلبة والإخوان بحيث تتجه إلى القصر لإعلان ولائها لجلالة ملك مصر..

وتطلق فى طريقها الصحيات المعادية للبريطانيين من قبيل " يسقط البريطانيون " ... الخ وكلف حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية من جانب صدقى بتنفيذ هذه السياسة .

واتضح منذ وقت طويل أن السراى فى جهودها المحمومة للإبقاء على نفوذه المتقلص بين العناصر الشعبية على استعداد تام لتشجيع نصارها على أعمال العنف المعادية للبريطانيين لتجويل الاستياء الشعبى من السراى .. إلينا وخطورة مثل هذا النوع من الألاعيب واضحة".

وتكتب المفوضية الأمريكية إلى واشنطن: " يتزايد تنظيم الإخوان كل يوم كقوة سياسية وبالذات منذ تولى صدقى باشا السلطة. وقد رفع رئيس الوزراء الحظر الذى فرضه النقراشى باشا على اجتماعات الإخوان وهو يجامل الإخوان, ربما يدعم مالى بأمل فصم ارتباطهم بالوفد"!

فى اجتماعات لجان الطلبة يلمع اسم مصطفى مؤمن أحد زعماء شباب الإخوان الذى يتعاون مع الوفد فى المظاهرات عقب تولى صدقى الوزارة مباشرة.. ولكن مصطفى مؤمن يصبح من أوائل المدافعين عن الاعتدال والداعين إلى الامتناع عن القيام بأعمال عنف جديدة!ويؤيد المركز العام للجماعة دعوة الاعتدال بإعلان أن اللجنة القومية التى نظمت الإضرابات قامت لغرض واحد وهو تنظيم إظهار شعور الأمة فى يوم الشهداء وقد انتهت مهمتها بانتهاء ذلك.

وقال أعضاء الجماعة – تبريرا لانسحابهم من اللجنة – إن صدقى عام 1946 عير صدقى فى الثلاثينات يبذل كل ما فى وسعه وفقا لرغبات الشعب " وإنه صادق فى وعوده " مما يدل على التفاهم والتعاون بين صدقى والإخوان وشكل الإخوان لجنة أخرى فقالت السفارة البريطانية فى تقرير إلى لندن " أصبحت مهمة مصطفى مؤمن انتزاع التأييد الشعبى من الوفد لصالح لجنة وطنية تدين بالولاء لرئيس الوزراء"!

اتهمت صحف الوفد الجماعة بامتصاص الحركة الوطنية وأنهم تقاضوا الثمن من إسماعيل صدقى.

وأخذت عناصر الأحزاب المعارضة لحكومة صدقى فى الاتصال بحسن البنا بهدف تشكيل جبهة وطنية معادية للحكومة يشترك فيها فؤاد سراج ال الدين سكرتير رئيس حزب مصر الفتاة وحافظ رمضان باشا زعيم الحزب الوطنى.

وافق حسن البنا وبدأ المركز الرئيسى للجماعة بالحلمية الجديدة يطلبون إقامة تحالف وثيق بين البنا والنحاس.

قال حسن البنا لمبعوثي الوفد

سيؤدى تنسيق الخطط بيننا إلى فوائد مباشرة ولكنى لا أريد ربط الجماعة باتفاقيات طويلة الأمد. وهمس البنا سرا لمعاونيه:النحاس عن مجد شخصى أكثر من الكفاح للمصلحة الوطنية!

ولكن البنا توقف بعد فترة قصيرة عن حضور الاجتماعات بنفسه كما امتنع عن إيفاد مندوبين آخرين. وكان رده على حافظ رمضان أنه يتعين الانتظار حتى يتضح موقف الحكومة الجديدة وكان السبب فى ذلك اتفاق صدقى والإخوان كتب القائم بالأعمال البريطانى جميس بوكر إلى لندن عن أسباب اعتدال الإخوان فى سياستهم,.

قال :

" حصل الإخوان المسلمون على تصريح بإصدار صحيفة وتوزيع المطبوعات على نطاق واسع وأعلنت الجماعة عزمها على الانسحاب من " اللجنة الوطنية للطبقة والعمال " وهذا العمل سهل على صدقى باشا جهوده للسيطرة على الطلب وكلا الأمرين يؤكدان أن سياسة الحكومة فى استخدام الإخوان المسلمين وفى كتاب ميتشيل ان الإخوان " حصلوا من إسماعيل صدقى على حرية استخدام المعسكرات وقطع من الأرض لإقامة المبانى اللازمة فى المناطق الريفية فضلا عن المساعدات غير المباشرة من وزارتي التعليم والشئون الاجتماعية".


وفى مذكرات حسن البنا بعنوان " مذكرات الدعوة والداعية " قال :" إنه تلقى بواسطة شقيقه عبد الرحمن البنا عرضا من إسماعيل صدقى بمساعدات مالية مغرية مقابل إعلان الإخوان تأييدهم له ومناهضتهم لحزب الوفد ولكنه رفض هذا الغرض".

وفسر حسن البنا موقف صدقى من الجماعة فقال إنه الحياد الدقيق قال: " لم تساعد الحكومة الإخوان بشئ. ولم تغدق عليهم مالا ولا حرية بل منعت عنهم كثيرا من الحقوق الطبيعية.

لنم تظفر جريدة الإخوان بفرخ واحد من الورق. ولم تصرف الإعانات المقررة لكثير من الشعب, وصرف لبعضها أقل بكثير مما كان يؤخذ فى الأعوام الماضية".ويقول عمر التلمسانى إن الإخوان أخذوا من الورق والتسهيلات ما هو حق لهم!

سأل مندوب صحيفة "لابورص" التى تصدر بالإسكندرية وحسن البنا إذا كان يحبذ نظام الخلافة.ورأى الإخوان معروف فى أنهم يؤيدون الخلافة فالملك لا يورث بل يتم بالبيعة ... ومع ذلك فإن المرشد العام تهرب من الإجابة حتى لا يغضب صاحب الجلالة!

واكتفى الشيخ لابنا بأن يقول للصحيفة باللغة الفرنسية إنه يجب على الدول الأجنبية ألا تخشى شيئا من إعادة تطبيق الشريعة الاسلامية فى مصر.وجد رئيس الوزراء أنه حان الوقت للكف عن المظاهرات, فأوقفها واتجه إلى التفاوض.

شكل وفد المفاوضات – فى 7 من مارس – بعد 17 يوما من تشكيل الوزارة. ضم الوفد أربعة من رؤساء الوزارات السابقين وهم على ماهر وعبد الفتاح يحيى وحسين سرى ومحمود فهمى النقراشى.

واشترك فى وفد المفاوضات أيضا وصى سابق على العرش هو شريف صبرى و5 وزراء حاليون وسابقون هم : الدكتور محمد حسين هيكل وأحمد لطفى السيد وعلى الشمسى ومكرم عبيد وإبراهيم عبد الهادى. رفض الوفد الاشتراك فى وفد المفاوضات وأصر على أن تكون له رئاسة المفاوضات فهاجمه صالح عشماوى واتهمه بأنه يعمل ضد مصلحة الأمة بعدم الاشتراك فى وفد المفاوضات مما يدل على أنه لا يريد الاعتراف بالإخوان كقوة سياسية أو كحزب سياسى.

نشر حسن البنا فى بيان فى صحيفة " الأهرام" حدد فيه موقف الجماعة وطالب بتمثيلها فى وفد المفاوضات.

قال البيان

" كان من المنتظر أن يتألف وفد المفاوضة ممثلا لكل هيئات الأمة وأحزابها وفى مقدمتها الإخوان المسلمون. وأمام ذلك يقرر الإخوان أمرين:

أولهما يجب أن تعرض نتيجة المفاوضات على الأمة فى استفتاء .

وثانيهما إما أن تنتهى هذه المفاوضات إلى نجاح وإلا فإن الشعب لن يتردد فى متابعة حركته القومية بعرض قضيته على مجلس الأمن وبالجهاد المستمر "

وبدأ المرشد العام يتحدث للصحف عن وصول الإخوان إلى الحكم فى حديث له مع " مجلة المصور " الأسبوعية تكلم عن إمكان وصول الإخوان إلى الحكم.

وفى حديث لصحيفة " البورص" اليومية التى تصدر باللغة الفرنسية فى مدينة الإسكندرية قال : " ستقف الجماعة مع الشعب حتى يحصل على حريته كاملة وإذا تحقق ذلك , وكان الإخوان قد وصلوا إلى الحكم فإن موقفهم سيظل احترام إرادة الأمة!

غادر السفير البريطانى اللورد كيلرن مصر إلى الأبد يوم 9 من مارس عام 1946.

وقبل نقله بعث إلى لندن يطلب عدم التفاوض إلا مع هيئة مصرية يشترك فيها الوفد, ولكن مجلس الوزراء البريطانى قرر فى 18 من مار عدم التدخل فى الشئون الداخلية لمصر.ووصل إلى القاهرة يوم 20 من مارس 1946 السير رونالد كامبل السفير البريطانى الجديد – 56 سنة الذى يعرفه إسماعيل صدقى عندما تولى رئاسة الوزارة فى الثلاثينات.

وكان كامبل قد عمل مستشارا للمندوب السامى البريطانى فى مصر السير برسى لورين ثلاث سنوات ثم انتقل مستشارا للسفارة البريطانية فى باريس

وأمام ذلك يقرر الإخوان أمرين:أولهما يجب أن تعرض نتيجة المفاوضات على الأمة فى استفتاء . وثانيهما إما أن تنتهى هذه المفاوضات إلى نجاح وإلا فإن الشعب لن يتردد فى متابعة حركته القومية بعرض قضيته على مجل الأمن وبالجهاد المستمر".

وبدأ المرشد العام يتحدث للصحف عن وصول الإخوان إلى الحكم فى حديث له مع " مجلة المصور " الأسبوعية تكلم عن إمكان وصول الإخوان إلى الحكم.

وفى حديث لصحيفة " البورص" اليومية التى تصدر باللغة الفرنسية فى مدينة الاسكندرية قال: " ستقف الجماعة مع الشعب حتى يحصل على حريته كاملة وإذا تحقق ذلك وكان الإخوان قد وصلوا إلى الحكم فإن موقفهم سيظل احترام إرادة الأمة"!

غادر السفير البريطانى اللورد كيلرن مصر إلى الأبد يوم 9 من مارس عام 1946.

وقبل نقله بعث إلى لندن يطلب عدم التفاوض إلا مع هيئة مصرية يشترك فيها الوفد ولكن مجلس الوزراء البريطانى قرر فى 18 من مارس عم التدخل فى الشئون الداخلية لمصر.

ووصل إلى القاهرة يوم 20 من مارس 1946 السير رونالد كامبل السفير البريطانى الجديد – 56 سنة الذى يعرفه إسماعيل صدقى عندما تولى رئاسة الوزارة فى الثلاثينات.

ووكان كامبل قد عمل مستشارا للمندوب السامى البريطانى فى مصر السير برسى لورين ثلاث سنوات ثم انتقل مستشارا للسفارة البريطانية فى باريس وبلغراد وواشنطن ووكيلا مساعدا لوزارة الخارجية البريطانية قبل وصوله للقاهرة مرة أخرى.

جاء السفير الجديد من بورسعيد إلى القاهرة فى عربة ألحقت بقطار السكة الحديد. ولم يصل بقطار خاص كما حدث لكل المندوبين السامين البريطانيين, أو اللورد كيلرن, عند قدومه إلى مصر لأول مرة! ولم يكن فى استقبال السفير بمحطة السكة الحديد رئيس وزراء مصر وممثل عن صاحب الجلالة بل مندوب لوزارة الخارجية المصرية وكبار موظفى السافرة البريطانية فى القاهرة وقادة جيشها فى مصر وبعض المصريين من أصدقاء الانجليز!

قال لطفى السيد وزير الخارجية للسفير.

بوصولكم لن تكون هناك عقبة أمام تحقيق الأمانى القومية لشعب مصر لم يرد كامبل ولكنه أبرق إلى لندن قائلا: "سرنى وضايقنى هذا التصريح ولكنى شعرت بالاشمئزاز لنه يدين عهد سلفى كيلرن"! كتب كويليام مراسل صحيفة التايمس إلى صديق له يقول

" أدى وصول السفير الجديد إلى تغييرات شبه سحرية فى المناخ السياسى السائد فى مصر وقال بنكى تاك الوزير المريكى المفوض إن كامبل سفير وليس مندوبا ساميا كما كان كيلرن فى أول عهده بمصر" ويرى الكاتب الفرنسى ج كبيرك أن السفير البريطانى الجديد" جبان ضعيف بينما كان سلفه اللورد كيلرن ديكتاتورا يملك شخصية قوية"!

توجه صدقى للسفير الجديد – فى 30 من مارس – قائلا:

- جمعت مصر خير رجالها للتفاوض ولا يعقل أن يواجه هؤلاء وفدا يتألف من موظفين بالسفارة البريطانية لهم تصريحات لم ينسها المصريون... ونفذوا سياسة فى زمن الحرب لم تترك أثرا طيبا فى مصر. أرجو إعادة النظر فى هذا الموضوع.

- كتب كامبل إلى لندن:

- " اظهروا شيئا من الدفء" استجاب بيفن وأعلن فى مجلس العموم – يوم 2 من أبريل – أنه سيتولى رئاسة وفد المفاوضات البريطانى.. يعاونه اللورد ستانسجيت وزير الطيران ورونالد كامبل السفير البريطانى فى القاهرة.وقال إن ستانسجيت وكامبل يبدآن المفاوضات نيابة عنه فى المراحل الأولى.ولم يقل بيفن حقيقة أخرى حددت موقفه وهى أنه يخشى أن يغتاله الصهاينة!وضم الوفد البريطانى أيضا السير كيناهان كورنووليس السفير البريطانى السابق فى العراق ورئيس قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانة وقادة القوات الثلاثة فى الشرق الأوسط.

- وحددت الحكومة البريطانية موقفها من المفاوضات القادمة

ال بيفن فى برقية إلى اللورد ستانسجيت:

" لا تستطيع بريطانيا الدفاع عن مصر إذا لم تحتفظ – فيها – بقواعد.لأن مصر تقع فى قلب نظام الدفاع البريطانى".أما القادة البريطانيون فكانن رأيهم تطبيق المبدأ الذى وضعه بيفن بأسلوب يقبله شعب مصر.

قالوا فى تقريرهم السرى:

" بقاء القوات البريطانية فى مدن يعرضها للهجوم. ومن الأفضل لتهدئة الرأى العام الموافقة على ما يقبله المصريون وبالقناع – بعد فترة – يمكن الوصول إلى ما تتطلبه الإجراءات الإستراتيجية". ايد كامبل هذا الرأى ولكن سكريفنر رئيس القسم المصرى فى وزارة الخارجية البريطانية قدم مذكرة إلى بيفن قال فيها:

" سيتظاهر المصريون لأى شئ. وسيكون ظاهرة سيئة أن تفقد بريطانيا موقعها فى مصر وهذا شئ أشبه بالانتحار ونحن نفكر فى اختيار قاعدة بديلة فى شرق أفريقيا وإذا لم تكن مناسبة فيجب أن نبقى فى مصر ونواجه المظاهرات بحسم".

ورأى كل من كامبل وستانسجيت انه إذا أرادت بريطانيا تقديم تنازلات لمصر فمن الأفضل تقديمها قبل بدء المفاوضات , أو فى مراحلها الأولى. بدلا من تقديمها فى مرحلة متأخرة حتى لا يبدو ذلك و:انه تم تحت ضغط صدقى

وقال كامبل:

" هناك طريقان أمام بريطانيا : الجلاء أو بقاء القوات و والاثنان مقامرة ولكن المقامرة بإبقاء القوات تعنى التوتر , والنوايا السيئة, والعنف والتجاء المصريين إلى الأمم المتحدة بينما الجلاء قد يعطى فرصة لبحث التنازلات التى ينبغى على المصريين تقديمها للحفاظ على الاستيراتيجية البريطانية". ومن ناحيته رأى صدقى أن يوسط صديقا قديما,

وهو كلارك كار , لدى بيفن وكان كلارك كار يعمل أثناء عودته إلى لندن قادما من موسكو فقدم مذكرة إلى وزير الخارجية يوصى فيها بعدم الاحتفاظ بقوات فى مصر تتنافى مع سيادة مصر وكرامتها والمبادئ التى قام عليها عالم ما بعد الحرب

وأوفد ستانسحيت الجنرال جاكوب , أحد معاونيه فى وفد المفاوضات إلى لندن ليشرح الموقف لبيفن قال له. إذا صدر بيان عاجل باستعداد بريطانيا لسحب جيوشها فإن ذلك يمنع حمى الشك لدى المصريين, ويفسد مناورات الأعضاء المتطرفين فى هيئة المفاوضات المصرية ويمنع القلاقل والاضطرابات ويمك الحصول من مصر على تسهيلات عسكرية لقواتنا أثناء الحرب.

ويناقش الموضوع فى مجلس الوزراء البريطانى خلال جلستين فى 24 من أبريل و6 من مايو.

وفى الجلسة الأخيرة وجد مجلس الوزراء أنه من الصعب الاحتفاظ بالقوات البريطانية فى مصر باستعمال القوة ويمكن ضمان التسهيلات العسكرية بموافقة الحكومة المصرية.

وقرر المجلس مبدأ الجلاء عن مصر فى بداية المفاوضات لخلق المناخ المناسب .ولتكن حكومة العمال قد وجدت, أو أعدت قواعد بداية فى برقة بليبيا أو كينيا أو فلسطين.

صدر العدد الأول من صحيفة الإخوان المسلمين اليومية صباح 5 من مايو 1946.. فى اليوم السابق على عيد جلوس الملك فاروق على العرش !

وبدلا من التعليق على مبدأ الجلاء بطريقة تتفق مع تأييد الجماعة لصدقى فإن الصحيفة اتخذت موقف النقد للإنجليز. قالت :" كان طبيعيا وقد وضعت الحرب أوزارها يطالب المظلومون بحقهم وأن يجاهدوا فى تحرير أوطانهم".

أعلن كيلمنت أتلى رئيس وزراء بريطانيا فى مجلس العموم يوم 7 من مايو 1946 أن جميع القوات البريطانية ستنسحب من مصر قال البيان :" عرضت الحكومة إجلاء قواتها البرية والبحرية والجوية عن الأراضى المصرية والمفاوضة لتحديد مراحل الجلاء وموعد إتمامه والتدابير التى تتخذها الحكومة المصرية لتحقيق تبادل المعونة فى وقت الحرب , أو فى حالة توقع التهديد بها.

وسياسة الحكومة توطيد تحالفها مع مصر على أساس المساواة بين بلدين تجمع بينهما مصالح مشتركة" ما إن سمع ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا السابق بهذا الإعلان المفاجئ حتى وقف يرد قائلا: هذا تصريح خطير وهو أخطر ما سمعت فى مجلس العموم!

بعد ثلاثة أيام فقط من صدور الصحيفة كتب أحمد السكرى وكيل الجماعة فى الصفحة الأولى يوم 8 من مايو

– تحت عنوان :" البيان البريطانى خدعة سياسية يجب أن ينتبه لها المصريون". قال:

"نرجو ألا يكون من أبناء الأمة من يضيع على أيديهم هذا الحق بسوء القصد أو بحسن قصد" ونشر السكرى مقالا آخر عنوانه " هل هذا هو أساس المفاوضة أين وحدة الوادى أيها المفاوض المصرى". ويتساءل السكرى فى مقال آخر:

" ما بال صدقى باشا يقف وقفة الصمت المريب".

ولم يكن فى استطاعة صدقى أن يتكلم . أو يشرح ما يدور فى قاعة المفاوضات!

ورغم ذلك هاجمت صحيفة مصر الفتاة " الإخوان لتعاونهم مع صدقى قالت:

" حانت خاتمة الدجل والشعوذة.... الإخوان يتعاونون مع كل الأحزاب بلا مبدأ, ويتحالفون مع الكل حتى الانجليز الذين يسخرونهم لمحاربة الشيوعية والوطنية, يفتحون لهم الشعب فى السودان وفلسطين وهم أداة فى يد الرجعية ويد إسماعيل صدقى لخنق الرأى العام, وأداة فى يد الرأسمالية اليهودية لضرب العمال! بدأ الإحساس بقوة الجماعة ينتشر فى مصر.

كتبت مجلة " آخر ساعة".

" منذ حين تدغدغ أيدى القدر مصر . تهمس فى آذانها أن الفجر قد لاح فعل اى صوت تستيقظ مصر الآن. ومن أى باب تهب رياح الفجر الوليد. ومن أى دم تكتب مصر. عندما تفيق صفحتها المجيدة الجديدة فى تاريخها الحديث؟

يقولون إن علم هذا عند الله وعند جماعة الإخوان المسلمين.

من هم هؤلاء الإخوان الذين يزعم الرواة انهم وراء . وكل مظاهر وكل حركة إضراب . وأنهم القوة المحركة الدافعة للفورة الجديدة التى توجه الشعور الوطنى هذه الأيام. وأنهم استطاعوا فى يوم واحد أن يوزعوا مائة مائة ألف شارة من شارات الجلاء, وأن يعلقها على صدور مائة ألف مصرى رشيد؟"

ونشرت مجلة المصور " أن شخصيات بارزة معينة غير إسلامية بينهم عضو الشيوخ لويس فانوس ومريت بطرس غالى انضموا إلى جماعة الإخوان المسلمون".

قال الشيخ البنا ردا على ذلك أنه ليس هناك ما يمنع من التعاون مع الجماعة التى تضم كل المواطنين النشيطين سواء كانوا مسلمين أو غيرهم وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن:

" هذه محاولة من جانب الأقباط للانضمام إلى الإخوان المسلمين مماثلة للمحاولة الناجحة للأقباط بالانضمام إلى حزب الوفد عام 1919.

ويحاول الأقباط باعتبارهم الأقلية استرضاء أية حركة وطنية قوية عند ظهورها.

ووفقا لتقارير أخرى هذه العناصر القبطية اقترحت على حسن البنا أن تغير جماعته اسمها إلى " الإخوان المصريين" بدلا من الإخوان المسلمين".

وكان حسن البنا من الدهاء بحيث أدرك أن القوة الأساسية لدعوته تكمن فى جانبها الدينى وأنه إذا قيل اقتراحا مثل ذلك فإن جماعته ستصبح مثل أى من الأحزاب السياسية الأخرى بلا جاذبية خاصة للجماهير .ولذلك رفض اقتراح التعاون مع الأقباط.ولكن البنا يمثل حاليا سماحة الإسلام أمام المسيحيين واليهود". ولكن يمكن أن يطلق على الإخوان فى هذه الفترة أنهم " الإخوان المصريون لأن السياسة أصبحت هدفهم الأول.. إن لم يكن الوحيد!

ويستقيل الشيخ حسن البنا عام 1946 من وظيفته كمدرس بوزارة المعارف ليتفرغ للجماعة بعد أن صارت لهم صحيفة يومية..

فرسان ورهبان

بدأت المفاوضات الرسمية فى القاهرة بين إسماعيل صدقى واللورد ستانسجيت يوم 9 مايو 1946.

كان اللورد ستانسجيت فى التاسعة والستين عند وصوله القاهرة 15 من أبريل . وتوقعت الحكومة البريطانية أن ينجح اللورد ستانسجيت – كوزير للطيران – فى إقناع المصريين بقبول أسراب المقاتلات وقواعد القاذفات! ولكن اللورد أصيب بصدمة عارمة من الآثار التى رآها فى مصر , ونتجت عن ستين عاما من الاحتلال البريطانى.فى أول اجتماع له مع صدقى . قال رئيس وزراء مصر:

- أريد الجلاء الكامل الشامل.ويبدو أن ستانسجيت اقتنع بمنطق إسماعيل صدقى فقد تحدث بحرارة إلى القائم بالأعمال الأمريكى فى القاهرة وأشار إلى علاقات بريطانيا بمصر خلال الفترة الماضية . قال:

- لا ينبغى أن ننسحب من مصر فقط بل أن ننسحب منها بأسرع وقت ممكن.

- وكتب إلى صديق له قائلا:

"إننا نحتفظ بألوف الجنود البريطانيين هنا دون أية معاهدة تخول لنا ذلك رد السير أورم سارجنت الوكيل الدائم للخارجية البريطانية فى مذكرة قدمها لوزير الخارجية: " لا يستطيع المصريون أن يحصوا على الشيئين معا.لا يمكن أن يتوقعوا منا أن نحمى أمن مصر واستقلالها دون أن يقدموا إلينا التسهيلات التى تمكننا من اتخاذ الإجراءات الضرورية فى الوقت المناسب".

ولكن ستانسجيت كتب إلى بيفن يقول:

" مالم ينسحب البريطانيون بحقائبهم وأمتعتهم فأن ذلك سيؤدى إلى الأضرار بمكانتنا". وأصر ستانسجيت على أن تتعامل الحكومة البريطانية مع المصريين على أساس المساواة التامة. " لم لا ينسحب البريطانيون من مصر كما انسحبوا من إيران؟"

أثارت رسالة ستانسجيت موجة غضب عارمة فى اجتماع مجلس الوزراء البريطانى قال بعض الوزراء: - ستانسجيت عجوز. وقال آخرون :

- فقد الرجل قبضته.

- إنه لا يعرف الشئون المصرية

- وبعد شهور قال اتلى:

- كان خطأ تعيين ستانسجيت!

فى القاهرة هاجمن صحف الوفد المفاوضات كلها فقالت:" تود مصر رحيل لوفد الانجليزي بلا رجعة". واعترض الإخوان أيضا. كتب أحمد السكرى فى صحيفة الإخوان يقول: " نريد جلاء تاما عن الوادى جميعه بلا قيد ولا شرط ولا مساومة ولا إمهال"

,أعلن رفضه لكل خطوة لا تحقق وحدة وادى النيل.

واشتعلت المناقشة فى مجلس العموم البريطانى حول مبدأ الجلاء المعلن بينما المفاوضات السرية تجرى بطريقة أخرى.

قال إيدن إنه فوجئ وأصيب بالذهول لإعلان قرار الجلاء. ... وإيدن هو الذى وقع معاهدة 1936 بعد 54 عاما من الاحتلال. البريطانى والتى مثلت بداية لارتباط قوى بينه وبين مصر انتهى بعد عشرين سنة – عام 1956 0 بسقوطه!

وقف النائب ريتشارد كروسمان مدافعا عن سياسة حزب العمال الحاكم فقال : حان الوقت لنعيد الرجال

– أى المحاربين البريطانيين الذين قهروا الألمان والإيطاليين – إلى بلادهم وديارهم وأسرهم وأعمالهم الإنتاجية.

وقال بيفن يرد على تشرشل وإيدن:

- صار بوسع مصر من خلال منظمة الأمم المتحدة ومن الدفاع الإقليمى المشترك وهو أكثر من تأييد بريطانيا فقط وكل دولة تعيش الآن حقبة جديدة ولا نستطيع أن نحيا فى الماضى!ونظر إلى تشرشل وقال :ط لا أعتقد أن العقلية التى تتحدثون بها تناسب العصر الحاضر. وأنهى بيفن خطابه" لن أشارك فى ترك فراغ". ... أى أنه – فى الوقت نفسه – لن يترك فراغا فى الدفاع عن مصر! ونظرية الفراغ هى التى قام على أساسها مبدأ إيزنهارو ام 1957!

- لم يقتصر الدوى على مجلس العموم بل شمل الصحافة البريطانية كلها كتب اللورد بيفربروك صاحب جريدة الديلى أكسبريس:

- " إذا تخلت بريطانيا عن القناة ستفقد جانبا حيويا من إمبراطوريتها إن قناة السويس جزء هام من أرض الإمبراطورية البريطانية كأرض بريطانيا ذاتها!

- وقالت : الايكونومست".

- " قدمت حكومة العمال تنازلات أكثر وأكثر مما تستحق القضية الفعلية" وتتوقف المفاوضات بين الطرفين . بعد 13 يوما من بدايتها. ليرجع ستانسجيت إلى بيفن فإن الوفدين لم ينتهيا إلى اتفاق. ويستأنف مجلس العموم مناقشة قرار الجلاء فيتهم تشرتشل – بصوت مدو كالرعد – اللورد ستانسجيت بأنه خفيف الوزن, والشأن... والقدرات! قال: عندما يتوقف الكفاح نجد أن ما نلناه بالعمل الشاق والتضحية وأعمال البطولة الرائعة الخارقة تتبدد من بين أصابعنا ونحن لا ندرى! دعا الملك فاروق ملوك رؤساء الدول العربية للاجتماع فى أنشاص فخشى بيفن أن يؤيد المجتمعون مصر فى نزاعها مع بريطانيا إلى السير رونالد كامبل – يوم 27 من مايو – يطلب منه إقناع الزعماء العرب بالضغط على مصر قال بيفن:

" إنى مهتم للغاية بألا تشجع الاجتماعات المقبلة للحكام والجامعة العربية بسلوكهم أو بقرار , الموقف المصرى الراهن فى عدم التنازل بشأن التسهيلات الحربية فى أية معاهدة جديدة. إن رفض الحكومة المصرية أن تتضمن أية معاهدة جديدة تزويده بالوسائل – التى تكفل ضمانات للمساعدة المتبادلة – سيتركنا عاجزين عن الدفاع عن منطقة الشرق الأوسط الحيوية فى حالة الطوارئ مما يؤدى إلى تعريض مستقبل كل الدول العربية للخطر.

ومن المصلحة الحيوية للدول العربية إقناع المصريين بأن يدركوا أنه لابد من الوفاء بمتطلباتنا الدفاعية"

رد رونالد كامبل فى اليوم التالى ببرقية طويلة هذا أهم ما فيها :" قابل البريجاديير كلايتون – مستشار الشئون العربية – نورى السعيد رئيس وزراء العراق الذى قال إنه لا يظن أن مسألة مصر ستطرح بصورة جدية فى اجتماع الحكام العرب" ويبعث الجنرال السير كانتجهام – من فلسطين – إلى وزارة المستعمرات أول يونيو 1946 .. البرقية 907 قال:

1- أرسل الملك عبد الجنرال جلوب اليوم لينقل إلينا ما يلى على وجه السرعة.

2- قال جلالته أنه خلال الاجتماعات التى تمت مؤخرا للملوك العرب اقترب منه صدقى باشا برجاء التدخل لدى بريطانيا لإنهاء الجمود فى مباحثات المعاهدة.

وقال صدقى إنه يستحيل تماما إقناع الشعب المصرى بإدراك الحقائق الواقعية واتخاذ موقف أكثر موضوعية فى هذا الوقت القصير والحكومة المصرية مستعدة للسماح لبريطانيا بالإشراف على الجيش المصرى وعلى الدفاع عن منطقة قناة السويس. ويتمنى ان يثق البريطانيون بالمصريين.

وأضاف أن مصر أثارها سياسيون لا يتبينون العواقب . ولا يملك القوة لإقناعهم بقبول الشروط التى يعرضها البريطانيون ويجب على البريطانيين الثقة فى نوايا صدقى الطيبة.

وسأل الملك عبد الله كيف يمكن لمصر الدفاع عن نفسها ضد روسيا وأعلن أنه يتعين على المصريين ألا يقرروا سياستهم فى المزايدات فنحن لسنا فى عصر صلاح الدين والصليبيين وإنما فى عصر القنابل الذرية والدبابات قال صدقى إنه لا يستطيع إقناع المصريين بتقديم مزيد من التنازلات وفى هذه اللحظة دخل الملك فاروق الغرفة وقال:

- كل ما نريده ألا يفرض البريطانيون ( جماعتهم الفاسدة) علينا.

.. يقصد النحاس وحزب الوفد!

وقال الملك عبد الله إن نجاح المفاوضات الانجليزية المصرية أمر غير مؤكد ثم انخرط الملك فاروق فى البكاء " وتجتمع الجمعية العمومية للإخوان المسلمين فتعلن ولاءها للملك وتطالب الحكومة بقطع المفاوضات فورا واعتبار معاهدة 1936 باطلة بطلانا أصليا وعدم التقيد بأحكامها وعرض القضية المصرية على مجلس الأمن وأن يبدأ الجلاء فى نحر أسبوعين..

وتحدد الجماعة موقفها من حكومة صدقى بأنه لا يختلف عن موقفها من أية كومة سابقة , لم يبادروها بخصومة أو عداوة, ولم يساندوها بتأييد أو سلطان ولكن صحف الوفد تحمل على الإخوان وتهاجم تقاربهم مع صدقى قال مجلة الحوادث الوفدية:" سلطات حسن البنا ديكتاتورية أعطاها له القانون الديكتاتورى للجماعة وإنه وأحمد السكرى – وكيل الجماعة – يملآن الأرض فسقا وفجورا".

وقالت صوت الأمة :" الإخوان أسوأ مثال للأدب والأخلاق . وقد بليت البلاد بهذه الشرذمة الفاسدة التى تتكون من مجموعة ميكروبات يجب استئصالها. حرصا على المجمع وعلى سلامة الدعوة الدينية إسلامية" ردت صحيفة الإخوان قالت : يخاف الوفد على زعامته الشعبية زعماء الوفد يدجلون على الشعب ويغررون بالسذج البسطاء. وصحف الوفد مأجورة تلغ فى أعراض الأبرياء فى غير تورع أو حياء"ز

هاجم المصريون القوات البريطانية فى الإسكندرية يوم 7 من يونيه وألقيت قنبلة على سينما الأمباير كلوب فى القاهرة فمات أحد الجنود ويتوجه السيررونالد كامبل فى اليوم التالى ليقابل أحمد لطفى السيد باشا وزير الدولة للشئون الخارجية وأبدى له دهشته واستياءه من هذه الأحداث أعرب الوزير عن أسف قال:

- لا أفهم هذه الجرائم ولا أعرف الفوائد التى يمكن أن تعود على البلاد نظر مرتكبيها إذا افترضنا أنها من صنع المصريين.

- وأضاف: هؤلاء المجرمون يعتقدون أنهم يتصرفون بشكل وطنى ولكنها مظاهر نشاط منحرف ضد الحكومة وضد العرش والنظام الحاضر كله بشكل عام.ويتم التحرى عن إمكانية أن تكون هذه الجرائم مظاهر لما يسمى بالبلشقية.

- قال السفير: أحب أن أحدثك فى موضوع " الوطنية"

- إنى قلق من اللهجة غير الودية بالتصريحات يعتقدون أن هذه المقالات غير الودية – تجاه بريطانيا العظمى دليل على الوطنية. وقد أدى ذلك للمزايدة بين الكتاب والمتحدثين بل السياسيين. وافقه وزير الخارجية قائلا:

إنهم بهذا الأسلوب يتخذون مواقف يصعب التراجع عنها مهما كانت معتقداتهم.

قال السفير: هذا الوضع لا يساعد المفاوضات بأي شكل من الأشكال . ولابد من منع المجرمين من الاستمرار فى جرائمهم ضد الرعايا البريطانيين. وطلب السفير أن يصدر الوزير وصدقى باشا بيانا يعربان فيها عن سخطهما على هذه الأحداث ويوضحان أنها ليست وطنية. فإن خرق لنظام والأمن الداخلى لا يمكن أن يكون عملا وطنيا بل يشكل إهداره لسيادة البلاد.

وأضاف السفير:

أخبرنى صدقى باشا بأن الطريقة الوحيدة لمنع هذه الجرائم هى زرع الخوف فى نفوس مقترفيها من العواقب. أنهى وزير الخارجية الاجتماع قائلا:

سأتحدث فى الأمر مع صدقى باشا وترتفع حدة الإخوان فى نقدهم لإسماعيل صدقى.

عابوا عليه أنه سار على نهج النقراشى. واتهموه بعمالة الأجانب على حساب المصلحة الوطنية , وتردده فى قطع المفاوضات.

ووصفوه بأنه رجل مخدوع وخادع لأمته لأنه رضى أن يطوى فى ثنايا السياسة الإنجليزية الملتوية.

وقالوا إنه دخل المفاوضات بعقلية الدبلوماسي الروح الوطنى المجاهد. ولذلك يتكلم بلغة الرجل الذى لا يثق بنفسه, ولا يؤمن بحق وطنه, وقوة شعبه وحيوية أمته.

ويحاول الانجليز تهدئة الرأى العام المصرى فيجلون عن القلعة فى قلب القاهرة ويسلمونها للجيش المصرى – يوم 4 من يوليو 1946 – وينزل العلم البريطانى ويرفع العلم المصرى لأول مرة منذ 64 عاما فيبكى محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء السابق فرحا بينما تكتب صحيفة الإخوان, وصحف الوفد إن الجلاء عن القلعة حدث لا أهمية له لأن الانجليز فى كل مكان!

ويلقى صدقى باشا بيانين فى جلستين لمجلس االشيوخ والنواب عن مفاوضات المعاهدة نال فيهما التأييد . وتستأنف لمفاوضات فى 29 من يوليو فى قصر انطونيادس بالإسكندرية فتسميها صحيفة " الإخوان مهزلة المفاوضات قال الصحيفة:

" كانت المفاوضات تجرى فى قصر الزعفران وهى اليوم تجرى فى قصر انطونيادس ومن الطبيعى أن يذهب المفاوضون فى الشتاء إلى الأقصر أو أسوان ثم يعودون إلى القاهرة وبعدها إلى الإسكندرية وهكذا نظل نفاوض ونفاوض"وتستمر حملة الإخوان ضد المفاوضات.

وكتب أحمد السكرى تحت عنوان " كفى ترددا" قال:" يا رئيس الحكومة إن كرسيك فى مهب الريح"! ويبدأ الصدام بين صدقى والإخوان فيعتقل بعض رجالهم كما كان النقراشى يفعل فيكتب صحيفتهم: " شعر بيفن ورجاله وأنصاره أن فى استطاعته أن يكتب شعور الشعب المتوثب ويملأ السجون بالشباب ويفتش دور الإخوان فى المديريات ويسجن رجالها فى الأقسام بالعشرات"

اشتد الصراع العلنى بين الإخوان والوفد مع تولى صدقى رئاسة الوزارة. فقد هاجمت صحيفة الجماعة الأحزاب كلها " لأنها مقصرة فى تنفيذ أحكام الإسلام"!

أعرى الوفد كثيرا من أعضاء الجماعة – خارج القاهرة – بالاستقالة فتزداد العداوة بين الوفد والإخوان ويلتقى المرشد العام بمصطفى النحاس فى اجتماع وصفه لسفير البريطانى رونالد كامبل بأنه كان عاصفا.

قال السفير إن الرجلين بحثا إمكانية التقارب ولكنهما لم ينتهيا إلى اتفاق حاسم.

قال إبراهيم فرج إن صدقى ظن بدهائه أنه لا يستطيع بالإخوان محاربة الوفد وكان من نتيجة ذلك أن قامت اشتباكات فى أنحاء كثيرة من البلاد بين الوفد وبين الإخوان.

فى 6 من يوليو انتقلت الاشتباكات إلى بور سعيد وتبادلت الجماعة والوفد الاتهامات. زار المرشد العام المدينة ليخطب فيها فانفجرت قنبلة كادت تودى به وهاجم الشباب الوفدى دار الإخوان وأشعل فيها الحريق.

ردت صحيفة " الوفد المصرى" فقالت:

" تعددت جرائم الصبية المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين أفسدهم الشيخ البنا ولا يكاد يمر يوم دون أن تقع حوادث اعتداء يزور الشيخ تلك البلاد محاطا بقمصانه الصفراء للغزو والتحدى والقيام بدعاية سياسية فاسدة ومنذ حوالى شهر أخذ هؤلاء الناس يجمعون وباشهم فى بورسعيد تمهيدا لزيارة الشيخ ( المرشد).

حل موعد الزيارة المشئومة فجمعوا الصبية ليقيموا زفة للشيخ واستقبلوه على المحطة ومشوا فى خيلاء يتحدون أهالى البلدة متحفزين للاعتداء وتجمع الأهالى الساخطون الحانقون جموعا حاشدة فنفذ ( المسلمون) وعيدهم وألقوا بقنبلة حطمت وجهات كثير من المحال ثم أخذوا يطلقون الرصاص من مسدسات يحملونها واستلوا خناجرهم. وأعملوها , فى أجسام الناس كأنهم أعلنوا الحرب على الانجليز المحتلين!" ويبعث السير رونالد كامبل ببرقية إلى لندن رقمها 1333 قال فيها " هناك صراع خطير بين الوفد والإخوان فى بور سعيد"

قتل اثنان وأصيب كثيرون وانتهز الوفد الفرصة فطالبت صحيفة بحل الإخوان لأنها منظمة شبه عسكرية. وقتل الإخوان أحد الوفديين ولكن الوفد استعاد قوته.. والإخوان أضعف من الوفد".

وفى منفلوط حاول الوفديون حرق دار الإخوان المسلمين. وأطلقوا النار ليلا على محمد حامد أبو النصر الرجل الذى أصبح رابع المرشدين للإخوان المسلمين وعقد الإخوان مؤتمرا فى مسجد أبو النصر بمنفلوط فاعتدى الشباب الوفدى على المجتمعين والقوا عليهم الحجارة.

قال حسن البنا:

" ما زلنا نجهل الدافع إلى خصومه الوفد للإخوان. فماذا جنى الإخوان اخلطوا الدين بالسياسة كما يقال؟

وما ضرر هذا الوفد أو على الوطن؟

ألم يعلم الوفد أننا خلطنا الدين بالسياسة إلا الآن فقط؟

ليس من دافع لهذه الخصومة إلا التنافس الحزبى؟

ويهاجم المرشد العام الوفد والنحاس قائلا:

"أخطر ما فى الموقف أن يلجأ الانجليز إلى إيجاد حكومة محايدة, وتأليف وفد مفاوضات جديدة برئاسة النحاس ينتهى أمره بالتوقيع على معاهدة المجد والفخار وتكون هى بعينها معاهدة الشرف والاستقلال الماضية لم يتغير فيها إلا بعض العبارات والألفاظ".

... ويقصد المرشد العام بذلك معاهدة 1936 التى وقعها مصطفى النحاس باشا! ويلتقى السفير البريطانى بإسماعيل صدقى باشا ويتحدث معه عن الشيوعية والشيوعيين فى مصر فقال صدقى:

إنى مصمم على اتخاذ أشد الاجراءات ضد ما يسمى بالجمعيات والخلايا السياسية والاجتماعية. ويعتقل صدقى باشا فى 11 من يوليو مئات الشيوعيين ويغلق 11 منظمة و8 صحف شيوعية فيطلق الشيوعيون على هذا اليوم" المذبحة الشهيرة".

كان بيفن مقتنعا بضرورة الوصول إلى تسوية مناسبة مع مصر.

كتب أفريل هاريمان السفير الأمريكى فى لندن إلى وزير خارجية بلاده يقول:

" تأثرت بما أبداه بيفن من صدق وإخلاص عندما تكلم عن الاحترام الكامل للسيادة المصرية بالنسبة للجلاء والتعامل بواقعية مع متطلبات أمن قناة السويس ومنطقة الشرق الأوسط"

وعلق سيسيل ليون القائم بالأعمال الأمريكى فى مصر على سير المفاوضات فقال: " إن البريطانيين أداروا المفاوضات بطريقة تشبه أساليب الهواة إلى حد ما ويبدو كما لو كانوا يتخبطون"! استمرت المفاوضات بين إسماعيل صدقى واللورد ستانسجيت ستة شهور رفض كل من الوفديين مشروع المعاهدة التى اقترحها الطرف الآخر لتحل محل معاهدة 1936 وتركز الخلاف فى عدة نقاط:

تجلو القوات البريطانية عن المدن المصرية وتبقى قوات لهم فى قاعدة بمنطقة القناة تمنح أو تؤجر لبريطانيا مثل القواعد الأمريكية فى جزر برمودا ونيوفونلاند.

رفض صدقى ذلك وطالب الجلاء الشامل.تكون مصر كلها تحت تصرف بريطانيا فى حالة الحرب أو خطر الحرب وتقيم منشآت لخدمة القوات البريطانية وقت السلم. ويزور خبراء بريطانيون هذه القواعد والثكنات فى أى وقت لتفقد الأسلحة والمهمات.


ولكن صدقى اقترح – فى حالة العدوان على البلاد المتاخمة لمصر – تقديم كل تأييد عسكرى ومعونة حتى يقرر مجلس الأمن التدابير اللازمة وفى حالة العدوان على بريطانيا تتشاور الدولتان فى عمل مشترك اقترحت بريطانيا الجلاء خلال 5 سنوات ورأى صدقى الجلاء التام فى سنة واحدة.

مدة لمعاهدة فى رأى بريطانيا 25 سنة وفى رأى مصر 15 سنة .

تعقد معاهدة تحالف مشترك بين البلدين رفضها الوفد المصرى ولم تعلن تفاصيل الاتفاق أو الاختلاف فى لندن أو القاهرة وتدخلت الولايات المتحدة أكثر من مرة بقصد المساعدة على إتمام المعاهدة الجديدة خوفا من الخطر السوفيتى.

وبكتب جميس بيرنز وزير الخارجية الأمريكى رسالة إلى إسماعيل صدقى يبلغه فيها اهتمام أمريكا بالدفاع عن الشرق الأوسط واهتمامها بنجاح المفاوضات بطريقة تكفل لمصر ضمانات السيدة.

ويرد صدقى قائلا:"إن مصر تساهم فى توطيد إسلام العالمى وستعمل ذلك بمواردها الخاصة".

ويكلف صدقى الوزير المصرى المفوض فى أمريكا بمتابعة الموضوع فيجئ الرد بأن المسئولين الأمريكيين يعتقدون أن النفوذ الروسى سيجد فى مصر مرعى خصيبا للفوارق الهائلة بين طبقتى الشعب.

عقد حسن البنا اجتماعا للجمعية العمومية للإخوان استمر ثلاثة أيام حضره خمسة آلاف يمثلون شعب الإخوان وأصدر الإخوان عدة قرارات يطلبون فيها:


1- إعلان فشل المفاوضات.

2- إعلان بطلان معاهدة 1936.

3- مطالبة الحكومة البريطانية بسحب قواتها وجنودها من أرض وادى النيل ومائه وهوائه فى مدة أقصاها عام.

4- رفض أية مخالفة أو معاهدة قبل أن يتم الجلاء

5- بقاء القوات البريطانية والأجنبية فى مصر عدوان مسلح على سيادة لدولة واستقلاله.

6- رفع الأمر إلى مجلس الأمن.

إذا لم تخط الحكومة هذه الخطوات خلال الشهر القادم فإن الأمة تعتبرها متضامن مع الغاصبين فى الاعتداء على استقلال الوطن.وعلى الزعماء والأحزاب إعلان بدء الجهاد وعدم قبول الحكم إلا على أساس بطلان معاهدة 1936 ورفض كل مفاوضة مع الإنجليز إلا بعد الاعتراف الصريح بالجلاء فى المدة التى يرتضيها الجانب المصرى وكل زعيم أو حزب يخرج على هذه القاعدة يعتبر خارجا على إرادة الأمة.

ويعلق بنكنى تاك القائم بأعمال السفارة الأمريكية على قرارات الجمعية العمومية التى صدرت يوم الخميس 29 من أغسطس 1946 – قائلا: " من الملاحظ أن الإخوان يطالبون أن تسترد مصر الأراضى التى اقتطعت منها ظلما وعدوانا وهى تواجه جغبوب واريتريا ومصوع وزيلع وهرر"!

ويضيف القائم بالأعمال الأمريكى قائلا:

" إن حجم جماعة الإخوان المسلمين ما زال إلى حد ما غير معلوم لا من حيث عدد الأعضاء ز ولا من حيث التنظيم أو القوة السياسية كما ان قدرة زعمائها ما زالت محل نظر رغم الخطب والبيانات القوية التى يدلى بها زعماؤها ويميل بعض المراقبين إلى استبعاد الشيخ حسن البنا باعتباره رجلا انتهازيا وينظرون إلى الإخوان باعتبارهم منظمة مهملة من جانب السلطة.

ولا يمكن القول بأن الجماعة بلا قوة وهناك احتمال أن تكون لها قوة سياسية".سافر الملك فى رحلة بحرية فى البحر المتوسط فى سبتمبر قبل عيد ميلاد الملكة فريدة مما يؤكد أن العلاقات بين صاحبة الجلالة ليست على ما يرام"وتضعف الرحلة – فى هذا الوقت بالذات – صدقى باشا فتزداد المؤامرات السياسية ضده.

ويطير صدقى مع حسن يوسف رئيس الديوان بالنيابة يوما واحدا إلى كريت ليعرض على الملك تعديل الوزارة وإدخال السعديين فيها وتعيين إبراهيم عبد الهادى وزيرا للخارجية.

انقسمت هيئة المفاوضات على نفسها إزاء المقترحات البريطانية كما تقول برقيات السفير البريطانى إلى لندن: " كان صدقى ولطفى السيد فى جانب وشريف صبرى وعلى ماهر وحسين سرى ومكرم عبيد فى جانب آخر. وأصبح موقف صدقى باشا صعبا بسبب المعارضة المتزايدة

ولا نخفى المناورات التى تجرى فى الوفد المصرى على الفطنة.

وهناك علامان: الأول : أن أعضاء الوفد الآخرين يرون أن صدقى يتجاهلهم ودفع بهم إلى المؤخرة وأنه يحتكر إدارة دفة المفاوضات ويعاملهم. من وجهة نظرهم بأسلوب ديكتاتورى.

والثانى: أن عددا كبيرا منهم – إن لم يكونوا جميعا – له طموح فى رئاسة الوزارة السابق – ظنا منه أنه سيصبح رئيسا للوزارة فالوفديون ( ومكرم أيضا) كانوا ينافقوننا وحتى عبد الفتاح يحيى – رئيس الوزارة السابق – ظنا منه أنه سيصبح رئيسا للوزارة.

وذهب على الشمسى – الوزير السابق – إلى القصر وتحدث عن تغيير رئيس الوزراء واستبعد أن يكون أى مصرى بين السياسيين الأحياء ( باستثناء نفسه ) صالحا).

وأبلغنى عبد الفتاح عمرو – سفير مصر فى لندن – أن القصر استخلص أنه لابد من إزالة عنصر من عناصر التردى وأعنى به الطموح فى الاستيلاء على منصب صدقى .. بتوضيح أن صدقى سيل رئيسا للوزارة طوال فترة المفاوضات!

ويفكر القصر أيضا فى إشاعة الاعتقاد بأنه سيحدث تغيير فى رئاسة الوزارة بمجرد عقد المعاهدة.

وطرح عمرو باشا على مرة أو مرتين فكرة تجريبية تماما وهى أن نبحث ما إذا كان من المستحب تغيير رئيس الوزارة نظرا للصعوبات التى تثيرها شخصية صدقى.وكنت حريصا فى كل مناسبة وحتى فى الحديث الشخصى ألا أعبر عن رأى.

ألا تستطيع تدبير نظر قضية فى محكمة العدل الدولية يمكن عن طريقها إبعاد بدوى عن مصر؟؟" وهذه البرقية تبين عدة أمور:

الأول : أن كل عضو فى الوفد يزايد لتفشل المفاوضات ليستقيل صدقى ويرث الحكم.

الثانى: أن الملك كان مستعدا للتخلى عن صدقى وإسناد رئاسة الوزارة إلى من يستطيع الوصول إلى معاهدة.

الثالث: أن بريطانيا فكرت فى عرض أية قضية على محكمة العدل الدولية ليتسنى إبعاد عبد الحميد بدوى باشا. القاضى المصرى فى هذه المحكمة .

عن مصر حتى لا يؤثر فى سير المحادثات بإقناع الأعضاء بالتطرف.. والغريب فى الأمر أن جانبا من الرأى العام المصرى كان دواما يتهم عبد الحميد بدوى باشا بأنه صنيعة الانجليز أو أنه يمالئهم! الرابع: أن القصر كان يستطلع رأى الانجليز فى كل مرحلة من مراحل المفاوضات دون علم رئيس وزراء مصر عن طريق عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن!

ويتوجه مصطفى الحاسوكبار رجال الوفد إلى القصر المكلى يقيدون أسماءهم فى سجل التشريفات يوم 17 من سبتمبر 1946 وهو يوم استئناف المفاوضات.وجرت تقاليد الوفد على أنه فى المعارضة عندما يريد التقرب إلى الملك يقيد زعماؤه أسماءهم فى سجل التشريفات الملكى!

يجتمع بالإسكندرية أحمد السكرى وكيل الجماعة بفؤاد سراج الدين سكرتير عام الوفد وتنشر صحيفة " الإخوان أن الحديث تناول وجوب إنهاء الخصومة بين الجماعة والوفد وأن يحل محلها تفاهم وتعاون , أو تكون هدنة تحول دون اشتغال كل منهما بالآخر!

وترى السفارة الأمريكية أن الجماعة هادنت الوفد لتحصل على معونته المالية فتعوضها عن المساعدات التى توقف صدقى عن تقديمها!

وقالت السفارة:

" العداء بين الوفد والجماعة لو ينته. فالوفد لا يريد أن ينافسه أحد فى النفوذ بين الجماهير وقد تأثر هذا النفوذ نتيجة قوة الإخوان ولذلك يريد فرصة لإعادة تنظيم صفوفه حتى يتخذ موقعا استراتيجيا ليهدم الإخوان ويدمرهم.

ويريد الوفد أيضا أن يفسد دعاية الإخوان ضده . فقد أعلن المرشد العام من قبل أنه يعارض الوفد والشيوعية مما يعنى تحالف الاثنين ولذلك يسعى الوفد بتحالفه الجديد مع الأخوان – إلى هدم فكرة ارتباطه بالشيوعيين".

وقالت السفارة الأمريكية:

" إن اتفاق الوفد والجماعة سيفشل بعد تحقيق هدفها المشترك".

وقالت السفارة البريطانية:

" علاقات الإخوان بالوفد طيبة إلى حد كبير ولكن كلا منهما يعمل مستقلا عن الآخر ولا يتفقان إلا على ضرورة أن يمتنع كل طرف عن التدخل فى أنشطة الطرف الآخر"

كتب إبراهيم عبد القادر المازنى فى صحيفة الإخوان يقول:

" لا أتوقع أن تقضى مباحثات دولة صدقى باشا إلى تفاهم على ضئ مرض ولا أدرى بعد ذلك هل يستقيل أو يمضى إلى مجلس الأمن ؟ ولكنى أرجح الاستقالة".

كانت نبوءة المازنى صادقة وإن لم تبد كذلك فى تلك الأيام!

وبإشارة الإخوان إلى استقالة صدقى كما فعلوا مع النقراشى وبحملة الإخوان على المفاوضات ونتائجها ومظاهراتهم ضد الانجليز وباحتجاج السفير البريطانى على سياسة الإخوان.....

بهذا كله.. وصلت العلاقة بين الجماعة وإسماعيل صدقى إلى نقطة اللاعودة!

سأل صحفى المرشد العام

تحولتم فى السنوات الأخيرة إلى النشاط السياسى

-أجاب الشيخ البنا:

- تقصد النشاط الوطنى , فما لنا بالسياسة علاقة لقد حرصنا دائما على ألا نحتك بالأحزاب ولا بالهيئات, بل حرصوا هم على الاحتكاك بنا فتولدت الشرارة التى لفتت إلينا الأنظار.

- سئل: هل تشترك فى الانتخابات إذا جرت قريبا؟

- نعم


-وهل تضمن النجاح؟

- أستطيع فى انتخابات حرة أن أحصل على أغلبية ساحقة لو أردت ذلك ولكنى لا أريد فمكاننا فى صفوف الشعب أكثر منه فى صفوف الحكام ولهذا لن نتقدم إلا فى عدد صغير من الدوائر.

-معنى ذلك أنك لا تقبل رئاسة الوزارة إذا عرضت عليك؟

- بل أقبل ... والحكم ليس متعة وإنما جهاد فإن قبلته أقول للإنجليز.

-إما أن يتم الجلاء .. وإما..

وأقول للمصرين: أيتها الأمة جاهدى فالجهاد سبيلك الوحيد وأنا وراء كل رئيس وزارة يدعو للجهاد.

-وهل ندك القوة؟ - عندى مليون.

- والسلاح؟ - سلاحنا الإيمان.

- وهل عندك المال؟

- نحن أفقر جمعية , وأغنى جمعية. مالنا الرسمى اشتراكات الإخوان. ومالنا الحقيقى خزائن الإخوان.

أردنا شراء دار المركز العام ولم يكن فى خزائن الجمعية من ثمنها شئ فدفع الإخوان 16 ألف جنيه فى يوم واحد

وأعلنا عن حاجتنا إلى جريدة ودار للنشر ومطابع قدرنا ثمنها بربع مليون جنيه فدفع الإخوان فى أسبوعين 120 ألفا من الجنيهات.

ويسأل الصحفى الشيخ عن شعار الإخوان فقال:

- سيفان وبينهما مصحف

- قال الصحفى

- لم.... السيفان؟

- هما رمز الجهاد

- والمصحف ؟

- دستوره

- والكلمة المكتوبة بين السيفين وأعدوا"؟

- هى الكلمة الأولى من الآية لكريمة" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".

وأضاف المرشد العام:-

- هذا نداء الإخوان " هبى يا رياح الجنة... على رهبان الليل.. وفرسان النهار"! محراب فى كل قلب

مرة أخرى كرر حسن البنا النداء للملك

طالب صاحب الجلالة بإعفاء إسماعيل صدقى من الحكم وإعلان الجهاد.

كما طالبه من قبل بإقالة محمود فهمى النقراشى.

وجه فى صحيفة الإخوان – بتاريخ 6 من أكتوبر – رسالة إلى الملك قال فيها:

" سافر المفاوضون البريطانيون إلى بلادهم فاعتزم صدقى أن يلاحقهم هناك لاستئناف المفاوضات التى لا خير فيها"!

وفى رسالة أخرى علنية أيضا. إلى صدقى باشا قال فيها:

" طالت المفاوضة حتى أسأمت فتوقفت واستونفت ثم انقطعت ووصلت ثم تخلى عنا المفاوضون الانجليز . هزوا أكتافهم وجمعوا أوراقهم . وانصرفوا عنا إلى بلادهم هازئين ساخرين"

وقال الشيخ البنا لصدقى:

" هذه الحكومة لا تمثل رأى البلاد فى شئ وكل إجراء تتخذه باطل وعليكم أن تدعوا أعباء الحكم لمن هو اقدر منكم".

وفى 9 من أكتوبر تحت عنوان " بين استقلال المجاهدين , واستقلال المفاوضين" قال :

" هذه الحال لن تدوم أبدأ..

إن وادى النيل الأبى إذا كان قد قنع فى الماضى باستقلال المفاوضين فى معاهدة الشرف والاستقلال , فإنه لن يرضى اليوم إلا باستقلال المجاهدين ساحة الاستشهاد وتحقيق الآمال"ز

وخصص الشيخ البنا الصفحة الأولى من صحيفة الإخوان يوم 10 من أكتوبر ليطلب من " الشعب العظيم" عدم التعاون مع الإنجليز اقتصاديا بالإضراب عن شراء كل ما هو انجليزى أو البيع لأية جهة انجليزية أو التعامل مع أى بيت أو شركة أو محل انجليزى كائنا ما كان.

وثقافيا بمقاطعة الصحف والمجلات والكتب والجرائد الانجليزية والامتناع عن التحدث أو الاستماع للغة انجليزية.

واجتماعيا بقطع علائق المودة والصداقات الشخصية والعائلية . والانسحاب من عضوية الأندية أو الهيئات التى تضم العناصر البريطانية.

ويستمر البنا فى الدعوة الجديدة لمقاطعة الإنجليز فيقول:

" الآن وبعد أن مضى على ثورة سنة 1919 أكثر من ربع قرن من الزمان تعود القضية الوطنية سيرتها الأولى فتفشل المفاوضات أو تكاد"ولم يكن حسن البنا وحده الذى يعارض المفاوضات, بل كانت الأحزاب والرأى العام كله فى صفوف المعارضة.

قال المفوضية الأمريكية

" إذا عجز صدقى عن العودة إلى مصر ومعه تنازلات بريطانية أمام المطالب المصرية فسيواجه بعواصف سياسية يحتاج _ إذا أراد الصمود أمامها – إلى استخدام ذكائه.. وكل قوات الشرطة"! أراد أرنست بيفن أن يعرف الوضع القانونى للسودان باعتباره الصخرة التى تحطمت عندها كل المفاوضات المصرية البريطانية.

رد قاضى القضاة البريطانى قائلا: " وصلت غلى النتيجة التالية:

1- الحق الشرعى فى السودان كان فى الأساس مصريا.

2- لم يحدث ما يبين منه أن هذا الحق أخذ من مصر ليعطى كليا أو جزئيا لبريطانيا!

3- ظل ملك مصر خلال فترة الإدارة المشتركة المصرية – البريطانية صاحب السيادة على السودان أما اتفاقية الحكم الثنائى للسودان فإنها منحت بريطانيا حقا فى تعيين الحاكم العام وممارسة الإدارة المشتركة

4- هناك وحدة قائمة بين مصر والسودان فى ظل تاج مشترك ومن سوء الحظ أن صدقى باشا لم يكن يعرف هذه المذكرة التى تعترف صراحة بسيادة مصر على السودان وحتى لو عرف فماذا يستطيع والقوة كلها فى يد بريطانيا؟

ولكن بيفن كان يعرف ضعف موقفه فى المفاوضات.

أصبح الإخوان مع الوفد فى قافلة واحدة ضد إسماعيل صدقى والمفاوضات عندما يسافر اللورد ستانسجيت تنتقده صحيفة الإخوان وتنتقد معه المفاوض المصرى

قالت: "لم لا يسافر ستانسجيت المرة , بعد المرة دون التماس الأعذار فبالأمس البعيد سافر إلى لندن ثم عاد.واليوم يقال إنه فى رحلة إلى شرق البحر المتوسط ليتفقد بوصف وزيرا للطيران مراكز الطيران هناك لم لا يفعل ذلك وقد رأى محترفى الساسة يغفلون عن قضية الوطن!

أراد إسماعيل صدقى أن يتغلب على كل مناورات خصومه: الوفد الذى يريد أن يرأس وفد المفاوضات ويكون له نصيب الأسد فيها وأعضاء هيئة المفاوضات الذين يسعون لرئاسة الوزارة ويخشون الارتباط بمعاهدة يعقدها رئيس وزراء يكرهه الشعب.

والملك الذى يخشى أن يؤيد صراحة وعلنا المعاهدة الجدية . وأخيرا الإخوان الذين تحالف معهم ومنحهم فرصة الانتشار .

رأى صدقى أن يتغلب على هؤلاء جميعا فقدم استقالته يوم 28 من سبتمبر لإفساح الطريق أمام تأليف وزارة قومية تضم حزب الوفد.

عهد الملك إلى خاله شريف صبرى باشا الوصى السابق على العرش بتأليف وزارة لاستكمال المفاوضات والوصول إلى معاهدة توقعها كل الأحزاب كما حدث فى معاهدة عام 1936. قالت صحيفة الإخوان:"

لم يبق إلا تغيير أشخاص المسرح المصرى. بغية صرف جمهور النظارة إلى الأحداث الداخلية".استمر شريف صبرى باشا ثلاثة أيام يحاول تشكيل الوزارة ولكن الوفد رفض الاشتراك فيها فعدل شريف صبرى عن مهمته. وعهد الملك إلى صدقى باشا برئاسة الوزارة مرة أخرى فى أول أكتوبر فأثبت صدقى أنه لا يمكن الاستغناء عنه فى هذه الظروف!

قال صدقى فى مذكراته:

" إن ثلاثة أرباع المسائل التى تناولتها المفاوضات انتهت إلى التفاهم التام بل وضعت لها الصيغ لملائمة فصارت مفروغة منها أما إذا كانت هناك مسألتان أو ثلاث طال فيها الأخذ والرد فإن واحدة منها فقط وهى مسألة السودان لا تزال تنطوى على اختلاف وجهتى النظر واستعصاء الحل.. غير أنى لا أزال كبير الأمل".

ولكن الإخوان اندفعوا يهاجمون صدقى. كما لم ينتقدوه منذ ولى الحكم!

واصدر الوفد بيانا ضد المفاوضات وما ظهر من نتائجها. وبعث مصطفى النحاس باشا بالبيان إلى السفير البريطانى, كما بعث برسالة مماثلة إلى سفراء الدول الكبرى.

وأبرق النحاس إلى الأمم المتحدة يطلب منها إرغام بريطانيا على احترام مبادئ الحرية وتحقيق آمال الشعب المصرى فى الاستقلال.وكانت رسالة النحاس بداية القطيعة بين السفارة البريطانية وحزب الوفد كما شرحت برقية جيمس بوكر القائم بالأعمال البريطانى قال:

" أصاب رجال السفارة البريطانية قلق عميق من البيان الوفدى,فإن الانجليز كانوا يأملون أن يكون الوفد أقل تحديدا فى مطالبه من صدقى الذى اضطرته الظروف – كما تقول المفوضية الأمريكية – لأن يتفوق على منافسيه فى المطالب.

لقد حاولت السفارة البريطانية إقناع الوفد بعدم إصدار بيانه دون جدوى"! ويعلن مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد أنه لا ينبغى أن تعقد مصر وبريطانيا معاهدة إلا بعد جلاء القوات البريطانية عن مصر وأن الوفد – وحده – يمثل مصر!

وبوجه المرشد العام خطابا مفتوحا إلى زعماء مصر قائلا:

" نحن معشر الإخوان المسلمين – لن نقتحم أنفسنا فى مجموعكم ولن نزاحمكم أمكنتكم ولن ننازعكم رياستكم – وقد أبيتم علينا سواء أكنتم فى الحكم أو خارجه أن نظهر بأية صورة على المسرح الرسمى أو ننفذ إلى ميدانه الرسمى رضينا صابرين وعملنا كوطنين مجاهدين.

إن اجتمعتم وجاهدتم ناصرناكم وإن آثرتم ممالاة الأعداء سنمضى فى سبيل الله والوطن مستشهدين".

وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بالنسبة للجلاء والسودان فبعث صدقى برسالة إلى القائم بالأعمال البريطانى قال فيها:

" وصلت مفاوضات مشروع المعاهدة إلى مرحلة متقدمة بحيث فشلت المفاوضات لرفض بريطانيا الاستجابة إلى مطلب مصر بالاعتراف بسيادة رمزية إن مصر لم تأمل مشاركة فى إدارة السودان".

ولم يعرف ما إذا كان صدقى يعنى ذلك فعلا أو أنه يريد أن يطمئن إليه الانجليز.

وأبدى صدقى استعداده للسفر مع النقراشى وهيكل زعيم الحزبين المؤيدين للحكومة إلى لندن لإتمام المعاهدة.


وفى رسالته للسفارة البريطانية قال صدقى إنه صدقى إنه لا يسافر إلى لندن مفوضا لتوقيع المعاهدة بل إن المشروع النهائى سيعرض على هيئة المفاوضات وملك مصر ومجلس وزرائها والبرلمان للتصديق. وافق بيفن على التفاوض مع صدقى خلال الفترة من 16 إلى 26 من أكتوبر وفى اللحظة الخيرة اعتذر كل من النقراشى وهيكل فسافر صدقى يرافقه إبراهيم عبد الهادى وزير الخارجية ونزلا ضيفين على الحكومة البريطانية غطت مظاهرات الإخوان والوفد مصر كلها يوم 15 من أكوبر , قبل يومين من سفر صدقى.قامت المظاهرات فى القاهرة عند الأزهر وفى الإسكندرية وطنطا والمنصورة , والزقازيق. وبور سعيد , وشبين الكوم, والفيوم, وأسيوط وبنى سويف رغم كل إجراءات الأمن التى فرضها رئيس الوزراء. وهتف المتظاهرون ضد رئيس الوزراء:

-سفر مشئوم يا صدقى .. لا مفاوضة إلا بعد الجلاء

وبعث المرشد العام إلى ملك مصر ورئيس وزرائها يطلب دعوة الأمة إلى الجهاد

أصدر صدقى قرارا بإغلاق الجامعة وتأجيل الدراسة شهرا فى جميع معاهد التعليم.قال الإخوان " إن رئيس الوزراء تخلص من تيار الوطنية الجارف . وسياسته تحد لإرادة الأمة واحتقار كلمتها ووأد حيويتها وأنه رجل تربى على موائد المستعمرين ودعامة من دعامات الاقتصاد الاستعماري الذى بناه اليهود بأموالهم ودسائسهم"!

سافر صدقى باشا إلى لندن يوم 17 من أكتوبر وتولى منصب رئيس الوزراء بالنيابة عبد القوى أحمد باشا الذى أسندت إليه أيضا وزارة الداخلية بالنيابة فى أول اجتماع مع صدقى بيفن: نظريتى هى وضع أوراق اللعب مكشوفة على المائدة. قال صدقى:

وأنا أيضا . ولذلك فن المحادثات فى لندن استغرقت 8 أيام فقط عقدت خلالها همس اجتماعات بينه وبين بيفن.

وعقد إبراهيم عبد الهادى اجتماعات مع المسئولين فى وزارة الخارجية.

قال بيفن لصدقى فى المحادثات:

- أنت متناقض مع نفسك تتكلم عن الصداقة التى تربط المصريين بالإنجليز ثم تريد التخلص من القوات البريطانية؟!

- أخذ صدقى يكرر الحديث عن مشاعر الشعب المصرى وأحاسيسه بالنسبة للجلاء.

- وأخيرا وافق على أن يتم الجلاء خلال ثلاث سنوات تنتهى فى أول سبتمبر عام 1949 وتناولت المفاوضات الدفاع المشترك.


أصر صدقى على أن يكون مجلس الدفاع المشترك استشاريا.. وهكذا نسف الدفاع المشترك كله! وجاءت مسألة السودان التى استغرقت معظم المباحثات.

أصر صدقى عل أن يكون لقب ملك مصر هو ملك مصر والسودان فوافق بيفن بعد مناقشات طويلة على أن يكون السودان تحت العرش المشترك, وأصر بيفن على حق السودانيين فى رفض سيادة مصر إذا رغبوا فى ذلك واختيار الاستقلال عندما يصلون إلى المرحلة التى يتمكنون فيها من اختيار الوضع المقبل لبلادهم. أجاب صدقى:

من المستحيل الحديث فى هذه النقطة الآن فلا أحد يعرف تطورات المستقبل خلال نصف قرن إن أولادنا هم الذين يقررون ذلك. ولا نستطيع أن نتطلع بعيدا:

قال بيفن:

نريد التغلب من الآن على آية مشاكل تنشأ فى المستقبل. ولا أريد وضع العراقيل أمام أولادنا عندما يجيئ وقت البحث عن حل .

وأريد ضمانا بأنه لن ينشأ وضع يمنع السودانيين من الاستقلال وأضاف: إن طرفين يضعان بروتوكولا خاصا لمستقبل طرف ثالث علينا التزام مشترك نحوه. السودان الذى يطالب بالاستقلال لن يبقى دواما تحت السيادة المصرية أريد أن أضع أمام الشعب البريطانى حق السودان فى تقرير المصير :

قال صدقى:

- عندما يصل السودانيون إلى مرحلة معينة من التطور فإنهم سيصبحون مستقلين حتما.أى نصوص على الورق لن تفيد شعبا يبحث عن الحرية وهذا مبدأ عالمى وليس مسألة تتضمنها المعاهدة.

- وما دامت هذه المعاهدة توضع طبقا لميثاق الأمم المتحدة الذى يؤكد حق الشعوب فى الاستقلال فليس من الضرورى فى أى اتفاق جديد تكرار ما نص عليه الميثاق.

- اقترح بيفن تبادل خطابات بين الطرفين فى هذه المسألة ولكن المناقشة لم تصل إلى نتيجة.

- وفى الاجتماع الثالث اقترح بيفن أن يعد الشعب السودانى للحكم الذاتى وان يراقب ذلك مجلس مشترك من أشخاص مستقلين على مستوى عال يقدمون تقارير عن تطور السودان للحكومتين.

- ولكن صدقى رفض الاقتراح.

ويهاجم حسن البنا فى جريدة " الإخوان المسلمين" بريطانيا بعنف لم يسبق له مثيل يوم 21 من أكتوبر. تعمد حسن البنا فى مقاله أن يرسم صورة براقة للشعور المتزايد من الكراهية الذى يكنه المصريون للبريطانيين بسبب نكثهم بالعهود فيما يتعلق بمفاوضات المعاهدة.وأشار إلى الإعلان الصادر عن مكتب الإرشاد العام بالدعوة إلى عدم التعاون مع البريطانيين..

وقال إنه توافد على مكتب الإرشاد أعداد من المصريين الذين يعملون فى مؤسسات بريطانية يعربون عن استعدادهم للتوقف عن العمل وأنهم أبلغوا بمواصلة عملهم حتى يفرغ مكتب الإرشاد من عمله.

وأضاف أن شعور الكراهية للبريطانيين وجد طريقه إلى نفوس ثلاثين مليونا من سكان وادى النيل , وسيسرى بسرعة البرق إلى نفوس 70 مليون عربى و300 ملون مسلم.

ودعت الصحيفة الأفراد الذين لديهم مطبوعات وصحف وكتب انجليزية يلقوا بها إلى أقرب مكتب للجماعة لتحرق فى الميادين العامة بالقاهرة والمديريات

علقت صحيفة التايمس فى لندن على موقف الإخوان فقالت " دخل الإخوان السياسة بشكل سافر. وهم يرون الأمانى القومية المصرية تتعارض مع أطماع بريطانيا ولا يمكن تحقيقها من خلال النوايا الطيبة لبريطانيا لأنها غير موجودة أساسا.

ويضيع المصريون وقتهم فى المساومات مع بريطانيا التى تسعى – من خلال المفاوضات – لكسب الوقت ونشر الخلافات.

وتجد دعوتهم إلى القومية والوطنيى استجابة من بعض المصريين المخلصين وهم يحاولون بذر الحقد والشك والحزازات بين الشعبي – المصرى والبريطانى – اللذين ارتبطا بصداقة وصلات من أجل مصالحهما المتبادلة ويتوجه السفير البريطانى للقاء رئيس وزراء مصر بالنيابة عبد القوى أحمد باشا ليلفت نظره إلى مقال حسن البنا:

- بصرف النظر عن الرعونة الواضحة فى حث الموظفين على ترك المؤسسات الانجليزية فى الوقت الذى تحاول فيها السلطات المصرية حث تلك المؤسسات على تشكيل أكبر عدد ممكن من المصريين فإن مثل هذه الكتابات تعتبر تحريضا سافرا على الفوضى.

وسأكون مسرورا حين أعرف الإجراء الذى ستتخذه الحكومة المصرية لقمع هذه الكتابات وملاحقة ما ينجم عنها من آثار ...نفى عبد القوى أحمد باشا أنه اطلع على هذا المقال وقال :

- اتفق معك فى أنه مقال خطير وسأتشاور فورا بشأنه مع وكيل وزارة الداخلية.

- وتعد صحيفة الإخوان الرأى العام المصرى لاحتمالات فشل المفاوضات كتب حسن البنا قائلا:

- "ستكشف الحوادث والأيام عن الفارق البعيد بين أحلاس الأندية وعباد المساجد.

- ولن يقف شئ فى سبيل العاملين والمجاهدين فليراقب صدقى باشا المعاهد والمساجد أو ليدعها فسيقام للعمل فى كل قلب , محراب وسيجد المجاهدون إلى جهادهم ألف باب"!

- وطلب حسن البنا إلى الإخوان المسلمين تلاوة دعاء عقب كل صلاة تقول كلمات الدعاء ." اللهم أن أولئك الغاضبين من بريطانيا احتلوا أرضنا وجحدوا حقنا وطغوا فى البلاد وأكثروا فيها الفساد.

- اللهم رد عنا كيدهم وقل حدهم, وفرق جمعهم وخذهم ومن ناصرهم أو أعانهم أو هادنهم أو وادّهم أخذ عزيز مقتدر".

- قال صحيفة التايمس البريطانية:

- "إن إحدى المجموعات الرئيسية المعارضة لبريطانيا فى مصر : الإخوان المسلمون. وهم – كما يقول مرشدهم العام – ليسوا سياسيين بل هم ببساطة وطنيون يعملون لخير مصر واستعادة حقوقها المغتصبة.

- والشيخ البنا سياسى كفء وجماعته جيدة التنظيم لها فروع فى مصر كلها وانتشرت فى الدول العربية المجاورة

- وهم يعتقدون أن البريطانيين عدوانيون وامبرياليون وأن بريطانيا لا تزال ترغب فى السيطرة على الشرق الأوسط"

- فى لندن رأى صدقى أن المفاوضات لن تنتهى إلى شئ فقال لبيفن

- إن بروتوكول السودان المقترح ضمن المعاهدة لن يفيد الموقف العسكرى البريطانى أو نظام الإدارة الحالى فى السودان وستبقى أوضاع السودان كما هى الآن رغم إقرار وحدة البلدين تحت تاج مصر المشترك.وكرر إبراهيم عبد الهادى وزير الخارجية ذلك للإنجليز . فوافقوا على بروتوكول السودان يوم 24 اكتوبر.

- واستمرت المفاوضات بين الوفد البريطانى والمصرى حتى التاسعة والربع من مساء اليوم التالى – 25 من أكتوبر 1946 – عندما وقع الجانبان بالأحرف الأولى مشروع المعاهدة الجديدة للمساعدة المتبادلة وبروتوكول السودان بفندق كلاريدج حيث إسماعيل صدقى.

- وكانت المعاهدة تحمل توقيعات صدقى وبيفن وإبراهيم عبد الهادى وزير خارجية مصر واللورد ستانسجيت وزير الطيران المدنى والسير رونالد كامبل السفير البريطانى فى مصر.

- نصت المعاهدة على إلغاء معاهدة 1936 والتشاور والتعاون الوثيق بين البلدين فى حالة الحرب وتكوين لجنة مشتركة للدفاع أما مدة المعاهدة فعشرون عاما ونصت المعاهدة على وحدة مصر والسودان تحت العرش المصرى المشترك على ان يبقى اتفاقية 1899 قائمة وتهيئة السودانيين لاختيار نظام الحكم مستقبلا أما مدة الجلاء فحددت على أساس إتمامه عن مصر خلال 3 سنوات قبل أول سبتمبر 1949 .

- وتقرر الجلاء عن القاهرة والإسكندرية والدلتا قبل 31 من مارس 1947 قال بيفن لصدقى:

- لقد وعدتك أن أؤيد بحرارة هذا المشروع لدى مجلس الوزراء البريطانى فإذا لم يقره سأستقيل.

- والتقى بيفن بصدقى ثم همس فى أذنه. لقد اطلعت مجلس الوزراء على المشروع فوافق بصفة غير رسمية سأل بيفن رئيس وزراء مصر:

- ماذا سيكون لقب الملك؟

- أجاب صدقى:

- " ملك مصر والسودان .ز فإن اللقب السائد أيام الدولة العثمانية وهو خديو مصر وصاحب بلاد النوبة والدار فور وكردفان وسنار لا يتفق مع الأوضاع الحالية.

- لم يبد بيفن اعتراضا فإنه كان يعلم أن نص المعاهدة لا يتكلم إلا عن الوحدة بين مصر والسودان تحت التاج المشترك خاصة وأن صدقى قال له صراحة أثناء المفاوضات:

- " مصر لن تقف دون تحقيق استقلال السودان"

- وفى الوقت نفسه كانت لنصوص تقول ببقاء اتفاقية سنة 1899.. أى بقاء الإدارة المشتركة فى السودان وهى إدارة – فى حقيقتها – بريطانيا فقط وليست مشتركة!

- لم يجد إسماعيل صدقى باشا رئيس وزراء مصر ما يفعله عندما وافق أرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا على أن يكون السودان تحت التاج المشترك إلا أن يتصل من لندن بالملك فاروق ليلا فى الإسكندرية ليقول له:

- مبروك . ملك مصر والسودان.

- عاد إسماعيل صدقى إلى مصر يوم 26 من أكتوبر ومعه مشروع المعاهدة الجديد التى سميت " معاهدة صدقى

– بيفن".وسافر ارنست بيفن إلى واشنطن.

- نسف صدقى مشروع المعاهدة لأنه أذاع أسرار الاتفاق وتكلم قبل الأوان! فى الطائرة أثناء رحلة العودة قال للصحفيين المرافقين له:

- وعدتكم أنى سآتى لكم بالسودان وقد بررت بوعدى ووصل رئيس الوزراء إلى القاهرة فى ساعة متأخرة وكان مرهقا فى مباحثاته ولكنه كان سعيدا بالمعاهدة. سأله مراسل وكالة رويتر للأنباء عن نتائج رجلته فقال:

- نجحت فى مهمتى تقررت الوحدة بين مصر والسودان تحت التاج المصرى بصفة نهائية.

- ولم يذكر صدقى باشا إصرار بيفن على حق السودان فى الحكم الذاتى وتقرير المصير!

- هاج مجلس العموم البريطانى وبالذات الأعضاء المحافظون ووجه سؤال رئيس الوزراء أجاب عنه كليمنت اتلى رئيس الوزراء فى اليوم التالى قائلا

- إن الحكومة البريطانية لا تفكر فى إدخال أى تغيير على وضع السودان الحالى أو على الإدارة فيه.

- ورد أتلى على سؤال لعضو محافظ عن تصريحات صدقى وهل هى صحيحة فقال:

- يبدو لى أنها تصريحات مغرضة مضللة إذا قصد منها التعبير عن الوصول إلى اتفاق. إن الذى جرى لا يعدو أن يكون محادثات تمهيدية بحتة. وما نشر لا يغطى كل المسائل التى بحثت.. ولم نتفاوض على شئ بصفة نهائية ولا أريد أن أذكر كل التفاصيل فى هذه اللحظة.وألح أوليفر ليتلتون الوزير السابق على أتلى أن يضيف شيئا فقال رئيس الوزراء :

أطمئن صديقى بأنه لن يكون هناك تغيير فى الوضع الحالى والإدارة الحالية فى السودان ولن يحول دون حق الشعب السودانى فى أن يقرر مصيره فى نهاية الأمر.

ولم يكن أرنست بيفن فى ذلك الوقت فى لندن ليتكلم... وتوقف نهائيا دور اللورد ستانسجيت فى المفاوضات. عادت الاضطرابات فى مصر واضطر إسماعيل صدقى إلى تأجيل موعد بدء الدراسة ... وعندما استؤنف الدراسة ...ز أوقفت مرة أخرى.

وأصدر الطلبة, من كل أحزاب المعارضة بيانات يطالبون فيها بإلغاء معاهدة 1936 وعرض القضية المصرية على مجلس الأمن.

سافر حسن البنا إلى الحج يوم 28 من أكتوبر واستمرت حملة الإخوان ضد صدقى وأحرقوا بعض محلات الأجانب ... واشتد المظاهرات وحوادث العنف ضد المعاهدة