من وحي الهجرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
من وحي الهجرة

بقلم: الإمام حسن البنا

مقدمة

بِسْــــمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السفلي وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

دعوة

هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغ رسالة ربه وينادى في القبائل: (يا أيها الناس قولوا لا اله إلا الله تفلحوا ودعوا هذه الأوثان والأنداد ,من يؤويني ,من ينصرني , من يمنعني حتى أبلغ رسالة ربى) , وأن من ورائه عمه أبا لهب يقول: (أيها الناس لا تصدقوه فإنما ينهاكم عن عبادة اللات والعزى وما وجدتم عليه آبائكم).

ويذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعو ثقيفا فيردونه أعنف رد

ويغرون به صبيانهم وسفهائهم يقذفونه بالحجارة ويلجونه إلى شجرة يستروح ظلها ويدعو ربه: (اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس , يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمري ,إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي , أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل على سخطك لك العقبى حتى ترضى ولاحول القوة إلا بك) .

وانه ليقف على مجلس بنى شيبان فيبلغهم رسالة الله في الطف أسلوب وارق عبارة

يقول قائلهم مفروق بن عمرو: (إلام تدعو يا أخا قريش) فيقول الرسول: (أدعوكم إلى شهادة أن لا اله إلا الله لاشريك له وإني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني حتى أؤدي عن الله الذي أمرني به ,فان قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغنى الحميد) ثم يتلو قول الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ .... ) (الأنعام: من الآية151)

وقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)

وان هذه الآيات الكريمة لتأخذ من نفس مفروق فيقول: (دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وتظاهروا عليك فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه) , ويهم القوم بالإسلام لولا أن يأمرهم شيخهم هانئ بن قبيصة بالتريث والانتظار , ويلفت أنظارهم فارسهم المثنى بن حارثة إلى ما بينهم وبين كسري من عهود ومواثيق قد لا تتفق مع إيمانهم بالدعوة الجديدة فيلاقون عنتا ويخوضون مع الفرس حربا ضروسا لا يضمنون فيها النصر ويبشرهم رسول الله بأنهم لن يلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحهم الله أرضهم ويمكن لهم في بلادهم ويتحقق ذلك ويكون المثنى بن حارثة قائد جند المسلمين لغزو فارس في عهد أبى بكر رضى الله عنه.

بيعـة

ويستمر هنا العرض ولقاء الرسول للقبائل في مجالسها ومواسمها ووفودها حتى يلقى وفد (يثرب) فيسلمون ويحسن إسلامهم , ويعودون إلى بلادهم فينتشر فيها هذا الضوء الجديد ويتأكد تفتح قلوب الأوس والخزرج للدعوة الجديدة ببيعة العقبة التي بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم النقباء الإثنى عشر من الأنصار عن اثنين وسبعين رجلا وامرأتين حضروا البيعة جميعا , واشترط رسول الله : لربه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا , ولنفسه أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونسائهم وأبنائهم , وأن لهم إذا صدقوا ووفوا الجزاء الحسن من الله في الجنة , وأن يعتبر نفسه صلى الله عليه وسلم واحدا منهم ,(أنا منكم وانتم منى الدم الدم والهدم الهدم)

مؤامـرة

وأدركت قريش المتجنية على النبي الكريم المتربصة بدعوته الدوائر ما وراء هذا الحلف من خطر داهم يهدد كيانها بشر مستطير , فما يلبث الإسلام أن ينتشر وينشروا الإسلام في أهليهم وقبائلهم ويهاجر الرسول إليهم ومن معه من المؤمنين حتى تتألف قوية تهدد سلطان قريش وتغزوها في عقر دارها فلابد إذن من أن (يتغدوا بهم قبل أن يتعشوا بهم) , وأن يبادروا الأمر في حزم.

وإذا كانوا قد عجزوا عن القضاء على هذه الدعوة وهى بين أظهرهم , وقد حاربوها بكل سلاح من التشهير والأذى والمقاطعة والمغالطة والتنفير والمقاومة , ومع ذلك فقد أطل نورها واشرق ضوءها , واجتذب إليه هؤلاء المؤمنين ... فكيف إذا خرجت عن محيطهم ووجدت الحرية الكاملة بعيدا عن دارهم؟...إن الأمر جد خطير , وإذا فلابد من عمل , وفى دار الندوة انتهى رأيهم إلي القضاء على "الداعي" وفى القضاء عليه قضاء على دعوته فيما يزعمون , ولابد أن يكون الذين يقوون بهذا "الاغتيال" يمثلون بطون قريش , وقبائلها أسرها حتى يتفرق دمه فيرضى بنو هاشم بالدية , وعلى ذلك أجمعوا أمرهم وأحكموا خطتهم وشرعوا في التنفيذ , ويقدرون وتضحك الأقدار...

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (لأنفال:30)

وبقدر ما أقلقت بيعة العقبة نفوس المشركين فقد أسعدت وطمأنت نفوس المؤمنين وأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحجة إلى "يثرب" حيث الحرية وطمأنينة الدعوة في نفوس إخوانهم من الأنصار يفقههم رسول رسول الله "مصعب بن عمير" في دين الله فتسللوا فرادى وجماعات صغيرة يجدون من قلوب الأنصار ودورهم خير منزل.

وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأ المؤامرة على حياته المباركة الكريمة فأعد عدته وأخذ للأمر أهبته واستصحب صديقه الحميم أبا بكر رضي الله عنه وترك ابن عمه عليا كرم الله وجهه مكانه وفارق أحب ما تكون من بلاد الله إليه وأعمق المواطن أثرا في نفسه , ولكن دعوة الله أحق إيثارا ونزل غار ثور ثلاثة أيام , واشتدت قريش في الطلب حين خاب سعيها وأخفق تدبيرها وولت طلائعها إلى الغار فعلا وهمت به , وأن أبا بكر ليسمع تناديهم إليه فيقول يا رسول الله: (لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا) فيجيبه الرسول في إيمان الواثق بربه المطمئن إلى نصره: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا) وينزل الله سكينته على رسوله وعلى صاحبه ويصرف عنهما وجوه المشركين ويؤيدهما بجنود لم يرها أحد وتعلو كلمة الله وهى بالعلاء أولى أحق.

ويستأنف المهاجران الكريمان سيرهما إلى المدينة حتى يصلا إلى بنى سالم بن عوف بقباء ويضع النبي صلى الله عليه وسلم أساس مسجدها المبارك ويتهيا لدخول مدينته الطيبة ويقصد إليها بعد أربعة أيام , فتستقبله سهولها وجبالها أرضها وسماؤها ضاحكة باسمة , ويخرج أهلها جميعا يستقبلون القادم العظيم بأفضل مظاهر البشر والسرور ويهتف الولائد والصبيان:

طلع البـدر علينـا

مـن ثنيـات الوداع

وجب الشكر علينـا

مـا دعــا لله داع

أيها المبعوث فينـا

جئت بالأمر المطاع

ويطمئن رسول الله إلى مقره الجديد ويألفه ويبنى مسجده الجديد ويشيده ويحيطه بمساكنه الشريفة ويتفرغ لاقامة دعائم رسالة الله وينشئ في هذه البقعة من الأرض "المدينة الفاضلة" التي تخيلها المصلحون ورسمها الفلاسفة الاجتماعيون وتمثلوها صورا في الخيال فأوجدها الإسلام حقيقة واقعة في يثرب على أروع مثال وإذا بالعالم يشهد لأول مرة في تاريخه مجتمعا إنسانيا يقوم على:

شريعة كاملة.... وأمة فاضلة..... ودولة عادلة....

وليس وراء ذلك مطمع لطامع ولا زيادة لمستزيد

شـريعة

أما الشريعة فقد قامت في يثرب على "التوحيد" الذي تتفجر به النفس الإنسانية أصفى منابع الشعور والتسامى في غير تعقيد ولا إحراج وعلى "العمل الصالح" الذي يفيد صاحبه وعلى"الجزاء" في الدنيا بالقصاص المدني والرباني وفى الآخرة بالعذاب والإيلام فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره , وكل ذلك في سهولة ويسر ووضوح والاستناد إلى الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها وتسليم بما سبق من الشرائع والأديان وتزكية لمن مضوا من الرسل والمؤمنين.

أمــة

وأما الأمة فقد قامت على الحب بين جميع عناصرها المختلفة.

(وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9)

كما قامت على "الوحدة" في كل مظاهر حياتها وتصرفاتها فالجميع يشعرون بشعور واحد وينغمر ون في جو روحاني واحد ويتصرفون في حياتهم اليومية على نمط واحد .

وان رسول الله ليسبق كل النظم الاجتماعية العصرية في تقرير إن رباط المصلحة القومية لا يتنافى أبدا مع الخلاف في العقيدة الدينية وتأكيد ذلك بوثيقة سياسية هي ولاشك أول معاهدة من نوعها في التاريخ تقررت بها وحدة المجتمع الجديد في المدينة أعلن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يهود المدينة ومن أراد من جيرانهم لهم حقوق المواطنين كاملة ولهم دينهم وشعائرهم وعليهم أن يشتركوافى الدفاع إذا أغار عليها مغير أو اعتدى عليها مهاجم وكان مما جاء في هذا العهد

"إن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس وأن المؤمنين لا يتركون بينهم مثقلا بالدين والعيال أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل وأن من تبعنا من اليهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولأمتنا نصر عليهم وأن اليهود ينفقون مع المسلمين ماداموا محاربين وأن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ويهود بنى النجار وبنى الحارث وبنى ساعدة وبنى جشم وبنى ثعلبة وبنى الأوس ومواليهم وبطانتهم كبنى عوف سواء , وأن يثرب حرام جوفها لأهل الصحيفة وأن الجار كالنفس غير مضار ولاآثم"

وهكذا قررت المعاهدة التي وضعها رسول الله قبل ألف وثلاثمائة وستين سنة.. حرية العقيدة وحرية الرأي , وحرية الوطن , وحرمة الحياة , وحرمة المال وتحريم الجريمة واعتبار المصلحة الوطنية رباطا قوميا بين المواطنين.

كما قامت هذه الأمة بعد هذه الوحدة والحب والإخاء والتكافل العملي في كل نائبات الحياة حتى أن أحدهم ليشاطر أخاه ماله وزوجتيه فيأبى الثاني ويقول: (ياأخى أنا رجل تاجر فدانى على السوق ولا حاجة لي في الزواج وبارك الله لك في أهلك ومالك).

دولــة

وأما الدولة فقد قامت على العدل التام الذي يجعل رئيسها الأعلى يدعو أصغر رجل فيها ألي القصاص من نفسه ويعلن في وضوح تام أن فاطمة بنت محمد لو سرقت لقطع محمد يدها,كما قامت على "النظام الدقيق" فلكل عمل دستور يستمد من أحكام الله التي رسمت لهم بكل وضوح معالم الحياة حتى أن المرأة لتخاصم زوجها وتستفتى النبي صلى الله عليه وسلم وتجادله فيتدخل وحي السماء:

(قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1).

ثم قامت كذلك على "الفداء" فكل عضو من أعضائها على تمام الأهبة لبذل دمه وروحه في سبيل عزة الوطن وإعلاء كلمة الله:

(إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111).

عبـرة

أيها المسلمون في أقطار الأرض:

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب:21).

إن دعوة الإسلام الحنيف ما زالت وستظل جديدة غضة واضحة نقية لأنها دعوة القرآن وهو محفوظ أبد الدهر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عزيز لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42). (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) .

وإنكم اليوم في خضم متلاطم من الدعوات الفاسدة والآراء الباطلة تنطلق بها الحناجر وتعلو بها الأصوات رياء وسمعة من شيوعية وديموقراطية وفاشية والحادية وإباحية فلم لا تنبذون كل هذا الهراء ظهريا وتعودون إلي دعوة القرآن الكريم وتهتفون أنتم "بإسلامية" وفيها والله سعادة البشرية وسلام الإنسانية.

وهذه أمتكم قد مزقتها المطامع وفرقتها الأهواء شيعا وأحزابا وطوائف فلماذا لا نستلهم من ذكريات الهجرة معاني الوحدة فنعود من جديد أمة واحدة يلمها ويضمها ويجمعها الحب والتكافل والإخاء كما كانت امتنا الأولى.

وهذه نمازج دولة إسلامية حية ماثلة أمام أنظاركم في سيرة النبي وخلفائه الراشدين المهديين من بعده والدنيا كلها حائرة مضطربة في نظم الحكم ونظريات السياسة,فلماذا لا نستلهم نظام الإسلام ونطبق ما أشار إليه من قواعد وأحكام.

(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50) .

أيها المسلمون:

لقد قامت الشريعة وتكونت الأمة وقامت الدولة من قبل على غير مثال سبق أو أصل متبع ومع هذا فقد بلغ المجتمع الإنساني فيها جميعا أفضل حالات الكمال حتى استحق أن يوصف بأنه "خير أمة أخرجت للناس" ولا يعوزكم الأمر اليوم إلا الإرادة والعزم والجد والحزم والمثال معلوم والأصل قائم فهل تقدمون؟..

اللهم اغفر لنا ما مضى وأصلح لنا ما بقى وألهمنا الخير وهيئ لنا من أمرنا رشدا... اللهم آميـن...

حسن البنا