نظام الحكم أولاً قبل أشخاص الحكام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نظام الحكم أولاً قبل أشخاص الحكام


من سمات الحكم الدكتاتوري طمس معالم الوطن والمواطنين فلا يبقى فيه اسم يتردد ولا شخصية يشار إليها ويعرفها الناس سوى الحكام حتى الوطن نفسه يتم اختزاله في الحاكم الفرد ، هو الوطن وهو الحرية وهو الديموقراطية وهو الأمن والأمان ، لا أمن ولا أمان إلا بوجوده ولا حرية إلا له ، مطلوب من الشعب كله أن يضحي بحريته في سبيل ضمان حرية وأمن الحاكم ، من يخرج عليه أو يحاول نقد تصرفاته خائن يخون وطنه ، الحرية كل الحرية للحاكم الفرد وأعوانه ، أما غيرهم فلا حرية ولا ديموقراطية لأنهم أعداء الشعب والوطن ، لذلك يتردد دائماً في ظل الحاكم الفرد ، ترى من الذي يصلح لتولي الأمر بعده ؟ ونجيل البصر من حولنا فلا نكاد نجد من يصلح ، طمس الحاكم الفرد كل معالم الشعب وكفاءاته ولم يسمح إلا للشخصيات الباهتة الهزيلة الفاقدة للشعبية المجردة من الكفاءة بالظهور حتى إن الشعب عندما يتفرس في وجود هذه الشخصيات لا يجد البديل الذي يمكن أن يحل محل الحاكم الفرد وعندها يردد نريد بقاءه إلى الأبد وإن لم يمكن أن يبقى إلى الأبد فليبق إلى حين ان يختار هو بمعرفته من يخلفه سواء كان أبناً له أو صديقاً يعلم أنه سيحفظ وده ولا يهتك سره ويرد له الجميل في أهله ، لا يوجد شعب في الدنيا مهما كان تخلفه وضعفه لا يوجد فيه سوى شخص واحد يصلح لتولي زمام الحكم فيه ، أي شعب في الدنيا به من الكفاءات ما يصلح لذلك إلا أن الشعب لا يعرفهم لأن الحاكم الفرد لا يسمح لهم بعرض أنفسهم على الناس أو الظهور لهم ليعرفوهم ويحكموا على تصرفاتهم .

من هنا يمكن لنا أن نقول أن اختيار نظام الحكم الذي يحكم البلاد أسبق في الأهمية من اختيار الأشخاص الذين يحكمونه ، بل أن نظام الحكم هو الذي سيفرز لنا هؤلاء الأشخاص ويعرفنا بهم ويتيح لنا فرصة الانتقاء من بينهم .

في البلاد الغربية التي يسود فيها النظام الديموقراطي نجد على الساحة عشرات بل مئات الشخصيات التي تصلح أن تقود الشعب وأن تحمل أمانة الحكم يتقدم منها البعض ويظل يناضل ويكافح حتى يقتنع الشعب بأنه الأقدر على قيادته في المرحلة المقبلة ، ويسقط البعض في الجولات الأولى من المنافسة ويستمر البعض إلى قرب النهاية ولا يبقى في النهاية إلا القليل يتنافسون على حب الشعب واحترامه ويقدمون البرامج والوعود التي تحرك مشاعر الشعب ثم يفوز في النهاية أكثرهم شعبية وأحقهم بالمنصب ، وإذا شعر الشعب أنه لم يحسن الاختيار وأنه تعرض للخداع من هذا الذي اختاره يسارع إلى إسقاطه في الانتخابات القادمة ويصلح خطأه باختيار غيره ، وهكذا تتقدم الأمم وتعيش الشعوب الحرة صاحبة السيادة الحقيقية الذي يشعر فيها الحكم أنه خادم للشعب الذي أتى به إلى السلطة والذي يستطيع أن يطيح به في أي وقت أو على الأكثر في الانتخابات القادمة دون أن يعتبر ذلك من الشعب مؤامرة أو خيانة لأنه صاحب الحق في التولية والعزل لا يستطيع أن ينازعه في ذلك أحد .

من هنا يجب علينا أن نكافح من أجل الوصول إلى نظام الحكم الذي نحقق به إرادتنا ونفك فيه الأغلال التي تكبلنا ونحطم فيه القيود التي تعوق حركتنا ، وأول ما يجب أن نفعله في هذا الشأن هو إصلاح نظامنا الانتخابي لا بقوانين توضع أو قرارات تصدر ولا تجد من يقوى على تنفيذها ، بل بالإرادة الحرة الأبية التي تأبى الضيم وتكره الظلم وتحارب تزييف الإرادة ، لابد أن ندافع عن حقنا في اختيار من يحكمنا وهذه حقوق بديهية لا يجب أن نختلف عليها ولا يمكن أن ينكرها إلا كل فاسد الطبع طامع في الحكم يضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة الوطن وهذا خائن لا تقل خيانته عن الجاسوس الذي يتعاون مع العدو ضد وطنه ، خيانة عظمى عقوبتها الموت مع الاحتقار .

أول طريق الإصلاح انتخابات حرة نزيهة لا تتدخل فيها الحكومة أو أي من أعوانها لكي توجها وجهة معينة وهذا لا يتحقق إلا بإرادة شعبية تصر عليه وتقف في وجه كل من يحاول أن يعتدي عليه أو يتدخل فيه ، لقد أصبح من يوم إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة من الصعب جداً الحديث عن الإشراف القضائي عليها فإذا أضيف إلى ذلك أن هذا الإشراف لم يمنع من تزوير بعض نتائج هذه الانتخابات سواء بإتباع طرق وإجراءات من الصعب على القضاة مقاومتها أو عن طريق اختيار قلة منهم ممكن أن تتعاون مع الحكومة في هذا التزوير كما حدث في الانتخابات التشريعية الماضية ، وهو ما قمنا بفضحه في نادي القضاة والمطالبة بمحاسبة المسئولين عنه ولكن الحكومة رفضت ذلك تماماً حرصاَ منها أولاً على تشويه صورة القضاة بالقول بأن بعضهم يشارك في التزوير لأنها تعلم مدى تعلق الشعب بالقضاة واحترامه لهم وثقته فيهم وثانياً لأنها تدخرهم لمهام قذرة أخرى في هذا المجال أو مجالات أخرى هي تعلمها تمس استقلال القضاء ونزاهته وبذلك تزداد صورة القضاء سوءاً في نظر الشعب ويفقد ثقته فيه وهذا بالضبط كل ما تريده الحكومة بعد القضاء على دور القضاة في الانتخابات القادمة حيث أصبح صورياً لا يقدم ولا يؤخر ولا يؤثر في النتيجة ، لم يبق لنا إلا أن يعلوا صوتنا بالمطالبة بالإشراف الدولي على الانتخابات وهو نظام عالمي تحرص عليه كل الدول المتقدمة وحتى النامية أمثالنا ممن تحرص على إجراء انتخابات حرة نزيهة حتى تقول للعالم أن نظامها ديموقراطي حقاً جديراً بالاحترام وبالتعامل معه لأنه يساعد على الاستقرار والوفاء بالالتزامات الدولية ، لا تمنع ظروف داخلية أو دولية من تطبيق الإشراف الدولي على الانتخابات ، أقوى دول العالم وأضعفها تطبقه الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا وألمانيا سادة العالم المتقدم تطبقه وفلسطين البلد المحتلة وموريتانيا البلد الضعيفة تطبقه ولا يوجد من يتهم من يطالب بتطبيقه بالخيانة واستدعاء الأجنبي إلا مصر ، والسبب معروف هو ان الحكومة ستجد نفسها عارية تماماً أمام العالم إن هي حاولت التدخل في الانتخابات معزولة سياسياً واقتصادياً ، ولن تستطيع أن تستخدم قوتها وعضلاتها في تغيير نتائجها او منع المراقبين من ممارسة عملهم أو حصار اللجان الانتخابية كما فعلت في المرات السابقة ، ليرفع الشعب صوته ويعلوا صوت جميع منظمات المجتمع المدني للمطالبة بذلك ولتكن البداية انتخابات مجلس الشورى القادمة .

لقد انتهى دور القضاة تماماً في الانتخابات وكم أتمنى أن تعتذر القلة منهم التي تنتدب لذلك من الاشتراك فيه ، وكم سنكون سعداء لو أن مجلس القضاء الأعلى رفض ندب أي قضاة للإشراف عليها بدلاً من تبرير هذا الإشراف وإنكار التزوير الذي يصيب الشعب بالإحباط من الإصلاح عندما يرى شيوخ القضاة ينكرون وقوع التزوير رغم أنهم يشاهدونه بأعينهم ويلمسونه بأيديهم وهو ما يجعلهم يتساءلون فيما بينهم من الذي أصيب بالعمى هل هو الشعب كله أم هؤلاء المسئولون .

وأنا أقول أن الشعب كله نبض وحيوية وذكاء ويعرف تماماً ما يحدث حوله ولكن المسئولين هم الذين أصابهم العمى ولا أقصد عمى البصر ولكن عمى البصيرة عملاً بقوله تعالى : ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج46، أو قل هي المصلحة الشخصية والطمع في البقاء في المنصب أو نيل منصب أكبر وإن تعجب فعجب من القول بأن السن قد جاوز السبعين ولم يبق في الحياة الكثير مما يجب الحرص عليه ، أما التصرفات فتقول أن السلطة جميلة تستحق التضحية حتى بالسمعة والشرف والاعتبار أو حتى بمصالح الشعب إذا اقتضى الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .