واجبات الصيام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
واجبات الصيام

بقلم: الإمام حسن البنا

مقدمة

النية

عن ابن عمر عن حفصة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" (رواه الخمسة- صحيح ابن خزيمة، كتاب الصيام، باب إيجاب الإجماع على الصوم الواجب قبل طلوع الفجر بلفظ عام مراده خاص: 3/212 رقم 1933، وسنن الترمذي، كتاب الصوم عن رسول الله، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل: 3/108 رقم 730، وقال: "حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح، وهكذا أيضًا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفًا، ولا نعلم أحدًا رفعه إلا يحيى بن أيوب"، وسنن أبي داود، كتاب الصوم، باب النية في الصيام: 2/329 رقم 2454).. ومعنى هذا أن الذي لا ينوي الصوم قبل الفجر يبطل صومه، وهو مذهب الأربعة رضوان الله عليهم، إلا أن الإمام مالكًا قال بجواز الصيام إذا نوى في أول الشهر صوم الشهر كله؛ لأنه اعتبره كله عبادة واحدة، فمن يبيّت النية للشهر في أول ليلة أجزأه ذلك عن الباقي (انظر مواهب الجليل: 2/420، والكافي: 120).

واعلم أن ذلك في رمضان، وأما في النفل فالأمر كذلك عند مالك، وعند الثلاثة لا يشترط تبييت النية؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: "دخل عليَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: هل عندكم من شيء؟ فقلت: لا، فقال: فإني إذن صائم، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله أُهْدِي لنا حَيْسٌ، فقال: "أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا، فأكل" (الحَيْسُ: هو إقط (جبن اللبن) وسمن وتمر، انظر: الأحاديث المختارة لمحمد بن عبد الواحد المقدسي: 9/100، 101 رقم 88- تحقيق عبد الملك بن عبدالله دهيش- مكتبة النهضة الحديثة- مكة المكرمة- الطبعة الأولى- 1410هـ) رواه الجماعة إلا البخاري (صحيح الإمام مسلم، كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال وجواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر: 2/809 رقم 1154).

واعلم كذلك أن النية معناها العزم القلبي، ولا يشترط التلفظ.

الإمساك

عن إيصال شيء إلى الجوف عمدًا مع تذكر الصوم فيفسد الصوم بالأكل والشرب والسُّعُوط (النشوق) والحقنة الشرجية، وكذلك الإمساك عن قربان النساء؛ لأن هذا هو معنى الصوم شرعًا.

الأعمال التي اختلف في إفسادها للصوم

الحجام

وهي الفَصْد المعروف بأخذ الدم، لا تفطر عند الجمهور؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه: "أن النبي- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" (رواه أحمد والبخاري.. صحيح الإمام البخاري، كتاب الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم: 2/685 رقم 1836)، وقال الحنابلة بأن الحجامة تفطر (انظر مثلا المغني: 3/15).

القيء

من غلبه القيء قهرًا فليس بمفطر، ومن قاء عمدًا فقد أفطر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض" وذرعه يعني غلبه (رواه الخمسة إلا النسائي، سنن الترمذي، كتاب الصوم عن رسول الله، باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا: 3/98 رقم 720، وقال أبو عيسى: "حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد: لا أراه محفوظًا، قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه؛ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم- ولا يصح إسناده، وقد روي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم- قاء فأفطر، وإنما معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم- كان صائمًا متطوِّعًا فقاء فضعف فأفطر لذلك، هكذا روي في بعض الحديث مفسّرًا، والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة".

الاكتحال

والاكتحال لا يفطر عند الجمهور؛ لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم- اكتحل في رمضان وهو صائم (رواه ابن ماجة) (سنن ابن ماجة، كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم: 1/536 رقم 1678، وقال ابن حجر: "أخرجه ابن ماجة، وفي إسناده سعيد بن أبي سعيد الزبيدي، وهو ضعيف جدًّا، وعن أبي رافع كان النبي صلى الله عليه وسلم- يكتحل وهو صائم. أخرجه البيهقي، وإسناده ضعيف" الدراية: 1/281)، ومثل الكحل في ذلك القطرة في العين، وهو مكروه عند مالك وأحمد، وقالا: إذا وجد الطعم يفطر (انظر المغني: 3/16).

المضمضة أو الاغتسال من الحر: لا يفطر عند الجمهور؛ لما ورد في حديث ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال له: "أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك فقال- صلى الله عليه وسلم-: ففيم؟" رواه أحمد وأبو داود (مسند الإمام أحمد: 1/21 رقم 138، وقال إبراهيم الحسيني: "أخرجه ابن أبي شيبة والإمام أحمد والدارمي وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم والضياء عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وقال النسائي: حديث منكر" البيان والتعريف: 1/85.)، ومعنى ففيم؟ أي: ففيم تتحرج من عملك الذي تسأل عنه وتظن أنه يفطر؟!

وروى أحمد وأبو داود عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم- يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم" (مسند الإمام أحمد: 4/63 رقم 16653، وقال الحاكم: "هذا حديث له أصل في الموطأ، فإن كان محمد بن نعيم السعدي حفظه هكذا فإنه صحيح على شرط الشيخين" المستدرك على الصحيحين: 1/597)، وقال الحنفية إنه يكره الاغتسال للصائم، ومن غلبه ماء المضمضة والاستنشاق فدخل جوفه خطأً فعليه الإمساك والإعادة عند الحنفية ومالك والشافعي في أحد قوليه، ولا شيء عليه عند أحمد بن حنبل والشافعي في القول الثاني (انظر البحر الرائق: 2/103- دار المعرفة- بيروت- بدون تاريخ، وإعانة الطالبين: 2/234، وكشاف القناع: 2/322).

القُبلة للصائم

محرمة عند أبي حنيفة والشافعي في حق من تحرك شهوته، وقال مالك: هي محرمة على كل حال، وعن أحمد روايتان وهي مع تحريمها لا تفطر؛ لحديث أم سلمة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها وهو صائم (صحيح الإمام البخاري، كتاب الصوم، باب القبلة للصائم: 2/680 رقم 1827) (متفق عليه) فإن أنزل فقد بطل صومه، وإن أمذى لم يبطل عند الثلاثة ويبطل عند أحمد (المغني: 3/20-21، والمجموع: 6/397).

من أصبح جنبًا وهو صائم: فلا يفطر وهو على صومه عند الجمهور؛ لحديث عائشة وأم سلمة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان (صحيح الإمام البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنبًا: 2/679 رقم 1825، وصحيح الإمام مسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب: 2/779 رقم 1109).

الأعمال التي يبطل بها الصوم

الجماع

فمن وطئ وهو صائم في رمضان عامدًا من غير عذر كان عاصيًا وبطل صومه ولزمه إمساك بقية النهار، وعليه الكفارة الكبرى، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، وقال مالك: "هي على التخيير إن شاء فعل الصوم أو العتق أو الإطعام"، والإطعام عنده أولى، وهي على الزوج على الأصح من مذهب الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة ومالك: على كل واحد منهما كفارة (انظر المجموع: 6/366، 367).. عن أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟

قال: لا، ثم جلس، فأتَى النبي بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، قال: فهل على أفقرَ منا يا رسول الله؟ فما بين لابتيها (لابتيها ولابتان جمع لابة، وهي الحرة وهي الحجارة السوداء، وتقع المدينة المنورة بين لابتين شرقية وغربية، انظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 4/83، 89.) أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، وقال: "اذهب فأطعمه أهلك" (رواه الجماعة) (صحيح الإمام البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتُصدق عليه فليكفر: 2/684 رقم 1834، وصحيح الإمام مسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه: 2/781 رقم 1111).

الأكل أو الشرب

فمن أكل أو شرب عامدًا صحيحًا مقيمًا في يوم من شهر رمضان يجب عليه القضاء، وإمساك بقية النهار عند الأربعة (انظر المغني: 3/14، 15)، ثم اختلفوا في وجوب الكفارة؛ فقال أبو حنيفة ومالك: عليه الكفارة (انظر بداية المبتدي: 1/40، والمبسوط: 3/73، وانظر التاج والإكليل: 2/440، وشرح الزرقاني: 2/229- دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة الأولى- 1411هـ)، وقال الشافعي في أرجح قوليه وأحمد: لا كفارة عليه (انظر المهذب في الفقه الشافعي للشيرازي: 1/183- دار الفكر- بيروت- بدون تاريخ، وانظر الكافي في فقه ابن حنبل: 1/355، وكلا المذهبين حجتهما أن الشرع لم يوجب الكفارة إلا في حالة الجماع في نهار رمضان).