..في مهب الحلول الأميركية
بقلم : محمد السهلي
من غير المعقول أن نطالب أعضاء اللجنة الرباعية الدولية بالخروج من تحت عباءة الموقف الأميركي دون أن نتوجه بذلك نحو لجنة المتابعة العربية قبل غيرها
أقصت واشنطن موضوعة تجميد الاستيطان نهائيا من معجم الدبلوماسية الأميركية ذات الصلة بالمفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. بذلك سجلت الإدارة الأميركية رقما قياسيا في التراجع عن مواقف سبق أن سجلتها بدءا من خطاب أوباما في القاهرة منتصف العام الماضي.
قبل ذلك، وضعت الإدارة الأميركية مطلب التجميد في إطار مقايضة غير مسبوقة، عندما عرضت على نتنياهو رزمة واسعة من الحوافز والضمانات الأمنية بعيدة المدى مقابل موافقته على تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان من أجل إعادة المفاوض الفلسطيني إلى حلبة المفاوضات.
إلا أن هذه المقايضة فشلت لأن الحكومة الإسرائيلية وضعت خطا أحمر.
ومع هذا، لم تسحب الولايات المتحدة عرضها التشجيعي من التداول في بورصة العلاقة الثنائية مع تل أبيب، وربما تضيف عليه كثيرا من المغريات، ولكن في هذه المرة من أجل تشجيع حكومة نتنياهو على بحث مواضيع اتفاق الإطار الذي تقول إنها تسعى لتحقيقه مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال عام، ويتضمن هذا الإطار بحسب الخطة الأميركية المستجدة حسم قضايا الوضع الدائم.
وتشير المصادر الأميركية ذات الصلة بجهود التسوية السياسية إلى أن آليات بحث هذا الاتفاق ستكون خارج إطار المفاوضات المباشرة بعد أن أكد الجانب الفلسطيني مرات عدة أنه لن يعود إلى طاولة التفاوض دون تجميد الاستيطان.
وتضيف هذه المصادر بأن البحث في هذا الموضوع سيتم وفق صيغة قريبة من صيغة المفاوضات غير المباشرة.
وبينما كانت لجنة المتابعة العربية في معرض عقد اجتماع لها يوم 11/12 للبحث في تداعيات الإعلان الأميركي بفشل المساعي لإقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان، طلبت واشنطن تأجيل هذا الاجتماع حتى يفسح في المجال لبحث الخطة الأميركية «الجديدة»، فكان لها ما أرادت وتأجل اجتماع اللجنة إلى وقت لاحق. وهي ليست المرة الأولى التي تأجل فيها اللجنة اجتماعها لأسباب أبرزها إفساح المجال للجهود الأميركية المبذولة من أجل اختراق التعنت الإسرائيلي.
وأعطت اللجنة واشنطن مهلة لمدة شهر وزادت عليها ثلاثة أسابيع إلا أن المساعي الأميركية تلك لم تنجح في تحقيق غرضها وكان واضحا بالنسبة لنا على الأقل أن واشنطن لا تمتلك الإرادة السياسية لفعل ذلك وكل ما فعلته هو التفتيش الدائم عن صيغ وآليات تفاوضية تلقى قبول الجانب الإسرائيلي أولا ومن ثم تطرحها من موقع الضغط السياسي على الجانب الفلسطيني مباشرة أو من خلال لجنة المتابعة العربية التي ما زالت حتى هذه اللحظة تراهن على السياسة الأميركية وترى في دور واشنطن عاملا حاسما للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع في الشرق الأوسط.
من ناحيته، ألقى بنيامين نتنياهو بثلاثيته المعهودة كأساس لبحث اتفاق الإطار منطلقا من قضية اللاجئين الفلسطينيين استنادا إلى التطابق الأميركي ـ الإسرائيلي في الموقف من حق العودة باتجاه شطبه نهائيا وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم أو إعادة توزيعهم على مناف أخرى من بينها أراضي الدولة الفلسطينية في حال قيامها. ويضيف في نقطته الثانية التطابق الآخر مع واشنطن من الموقف من يهودية دولة إسرائيل لتكتمل دائرة شطب حق العودة إضافة إلى تشريع التضييق على الفلسطينيين في أراضي الـ 48 والدفع باتجاه اقتلاعهم من ديارهم وممتلكاتهم.
ويربط بنيامين نتنياهو الحديث الأميركي عن حدود الدولة الفلسطينية العتيدة بعجلة الأمن الإسرائيلي مستفيدا من المواقف الأميركية المتكررة التي تشدد على ضرورة حماية أمن إسرائيل دون احتساب للحاجات الأمنية التي يحتاجها الفلسطينيون بالدرجة الأولى وهم الذين يتعرضون منذ عقود إلى كافة أنواع العسف الإسرائيلي.
كما تؤكد واشنطن تضامنها مع المطلب الإسرائيلي بأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح مما يعني أن أمن الدولة الفلسطينية العتيدة وسكانها خارج اختصاص الأجهزة الأمنية الفلسطينية وربط ملف الأمن الفلسطيني بعوامل خارجية تشدد إسرائيل على أن تكون هي الطرف الوحيد الذي يمسك بهذا الملف تحت دعوى خطر التهديد الإرهابي واحتمالات دخول أسلحة إلى أراضي الدولة الفلسطينية.
والحديث الإسرائيلي عن الأمن ينطلق من التهويل بالمخاطر الخارجية في إشارة واضحة إلى اعتبار الخطر الإيراني بمثابة الخطر الأول الذي يتهدد أمن تل أبيب وواشنطن على السواء.
ومن الطبيعي أن تلقى التوافقات الأميركية الإسرائيلية تجاه التسوية السياسية رفض الجانب الفلسطيني وقد عبر عن ذلك اجتماع القيادة الفلسطينية الموسع الذي عقد في رام الله (2/10/ 2010 ) الذي أكد على عدم العودة إلى المفاوضات في ظل الاستمرار في الاستيطان وغياب المرجعية. وتشير المصادر الفلسطينية المطلعة إلى أن هذا الموقف لا يزال مستمرا وخصوصا في الاجتماع الذي عقد مؤخرا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي عقد (13/12/ 2010 ) وأكدت نقاشات الاجتماع على أن ما تعرضه واشنطن تحت مسمى الخطة الجديدة لا ينسجم مع المطالب الفلسطينية المطروحة بشأن مواصلة عملية التسوية السياسية.
على ذلك، ينبغي التعامل مع استمرار رفض نتنياهو للعروض الأميركية مقابل التجميد الجزئي والشكلي للاستيطان وبعد ذلك إعلان الإدارة الأميركية عجزها عن إنزال إسرائيل عند هذا التجميد باعتباره يتيح الفرصة المناسبة من أجل التحرك باتجاه المجتمع الدولي ومجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى ومطالبة الجميع باتخاذ موقف واضح يعلن عدم شرعية الاستيطان ربطا بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
والمطالبة أيضا بالاعتراف الدولي بدولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران عام 1967 .
وفي إطار هذا التحرك أيضا ينبغي وضع اللجنة الرباعية الدولية أمام مسؤولياتها واتخاذ موقف يبتعد عن الانحياز الأميركي للشروط الإسرائيلية وإبلاغها كما جميع المؤسسات الدولية الأخرى بأن الجانب الفلسطيني لا يجد نفسه معنيا بأية مفاوضات لا يتوافر فيها الحد الأدنى من شروط نجاحها وتحديدا الوقف التام والشامل للاستيطان في الضفة بما فيها القدس وإسناد هذه المفاوضات إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وفي المقدمة القرار الدولي 194 الذي يكفل للاجئين الفلسطينيين حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.
وحتى ينجح هذا المسعى الفلسطيني، فإن الحلقة المتممة والضرورية تتعلق بالجامعة العربية بكافة مكوناتها وعدم الركون إلى لجنة المتابعة العربية التي لا تزال تثبت على امتداد التجربة الماضية بأنها لا تزال أسيرة الموقف الأميركي. فمن غير المعقول أن نطالب أعضاء اللجنة الرباعية الدولية بالخروج من تحت عباءة الموقف الأميركي دون أن نتوجه بذلك نحو لجنة المتابعة العربية قبل غيرها، لأن الدخول في غمار المعركة السياسية الدبلوماسية من أجل الاعتراف باستقلال دولة فلسطين ينبغي أن يكون محمولا على زخم الفعل السياسي العربي كداعم مفترض للمطالب الفلسطينية.
من غير ذلك، ستشكل ـ وهو أمر لا نرجوه ـ مواقف اللجنة إحدى المصاعب الرئيسية التي تعترض طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الذي بادرت فيه دول وجهات عدة بإعلان الانحياز لحقوق الشعب الفلسطيني بدءا من الاعتراف بدولته المستقلة..
المصدر
- مقال:..في مهب الحلول الأميركيةالمركز الفلسيطنى للتوثيق والعلومات