أمهات وشهداء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أمهات وشهداء


مركز الدراسات التاريخية.ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

بين الأمومة والتضحية بالنفس حياة تحتاج إلى عظيم التربية، وروح تتعلق بوعود ربها – سبحانه – وقلوب ذابت ف فهم معاني قرآنها، لكي تنصهر فتخرج رضى بما حل بوليدها. لقد تجلت هذه الروح في عصور الصحابيات الذين عاصرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأثروا به وأيقنوا بموعود ربهم، ولما لا والرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانهم، إلا أن هذه المعاني أخذت في التلاشي مع مرور الزمن، وضعف التمسك بكتاب ربها وسنة نبيها، حتى أصبحت الأم لا شيء أغلى عندها من وليدها حتى لو ضاع دينها، إلا أنه في هذا البحر المتلاطم بروح الغربة، تجلت كثيرا من النفوس التي فهمت حقيقة دينها، وعظمة قرآنها، وفهمت موعود ربها، بل تيقنت به فهانت عليها الدنيا، فصغر عندها حجم أولادها – مع حبها الشديد لهم – إلا أن عظم دينها في نفسها تصاغرت أمامه الكثير من معطيات الدنيا، فقدمن أولادهن سلعة غالية على نفسها رخيصة في سبيل أن يحى دينها، وتتحرر أوطانها.

لقد صدق فيهم قول رسول الله لهم حينما سأله أبو عبيدة بن الجراح: يا رسول الله, أحد منا خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك, قال: نعم, قوم يكونون من بعدكم, يؤمنون بي ولم يروني (رواه الدارمي وأحمد والحاكم وصححه)، وهكذا أنجب العصر الحديث كثير من الأمهات الذين قدموا أولادهم فداء لهذا الدين، لكن بعد أن عمدوا إلى غرس روح الإيمان الحقيقية في نفوسهم.

أم السعد صقر وأمومة حسن البنا

أم السعد إبراهيم صقر تلك الفتاة التي نشأت فر ربوع الريف لأبوين حرصن على حسن تخلقها بالأخلاق الطيبة، ومع كونها لم تنل حظها من التعليم إلا أنها اتصفت بالذكاء وحسن التدبير والفطنة، هذه الصفات التي أهلتها ليختارها أحد شباب القرية المجتهدين في العلم، إنه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الذي اشتهر بالساعاتي، حيث زفت له في 25/4/1904م، في ذات القرية التي ولدن فيها، قرية شمشيرة بفوه التابعة لمحافظة كفر الشيخ.

كانت الأوضاع المادية لدى الزوجين غير مستقرة مما دفعهما للانتقال إلى الشاطئ الأخر من النيل في مدينة المحمودية حيث ذاع صيت الشيخ كأحد العلماء، وفيها ولد ابنهما حسن البنا قبل إخوته.

حرصت الأم منذ رؤيتها لبكرها على أن تحسن تربيته فقامت بمساعدة زوجها بتعليم الثقافة الإسلامية لأبنائها، وسعت إلى تحفيظهم القرآن منذ الصغر وإلزامهم بذلك، والعناية بدراستهم للعلوم الشرعية، حتى إنها قامت ببيع قلادتها الذهبية ليستكمل أبناؤها التعليم، ولم تكتف بذلك بل باعت أساورها الذهبية لنفس السبب، يقول جمال البنا (أخو حسن البنا): "تمسكت الأم بأن يتم حسن تعليمه على أعلى مستوى، وعندما ضاقت موارد الأسرة باعت (كردانها) الذهبي، وفي مرحلة لاحقة ولاستكمال التعليم أيضًا باعت سواريها وكانت مضفرة ثقيلة من الذهب البندقي.

كانت ترى صغيرها يشب فكانت تتابعه بحسن التوجيه، وتصحيح السلوكيات الخاطئة، وكان يطرب قلبها كلما ذكر الزوج تصرفات ابنها كتصرفات الحكماء، ولشدة خوفها وحينما تعرض حسن البنا لحادث وهو في كلية دار العلوم، ألزمت زوجها بالانتقال للعيش في القاهرة لتقوم على رعاية ابنها، وحينما انتقل للعمل بالإسماعيلية كانت نعم الرسول لقلب زوجته الجديدة، ومع ذلك كانت يطيف بها مصير ولدها كلما شاهدت شأنه يعلو وسط الناس.

لقد تجلت الحقيقة أمامها في كل مشهد كانت تدرك فيه أن ابنها لن يبق كثيرا ليحيى وسطها، ومع ذلك كانت تشجعه على العمل لدينه، والخوض في مجابهة الاستعمار الغاشم، حتى وقع أسيرا في المعتقل في نوفمبر 1941م فصبرت وتوجهت إلى ربها بالدعاء أن يفرج أسير وليدها، غير أن حيتها منذ ذلك الحين ظلت تتخاطفها الأهواء تنتظر اليوم الذي تفقد وليدها في سبيل دعوته وفكرته، وزادت همومها باعتقال أولادها بعد صدور قرار حل الإخوان، فأيقنت أن ابنها في خطر، وأن الوقت قد اقترب، وبالفعل تحقق ما تدركه فقد استيقظت على نبأ استشهاد وليدها أمام جمعية الشبان المسلمين في ليلة ظلماء من شهر فبراير 1949م بعدما أطلق عليه الرصاص وترك ينزف حتى الصباح .. مات وليدها فلم تره .. كفن وليدها فلم تره .. حمل النساء عرش وليدها فلم تقدر على الحركة، وظل جثمان وليدها رهن الحراسة من الأمن طيلة شهور.

ظل الأم في حزن شديد على فراق ابنهما البكر، وعلى أولادها المعتقلين، بل سيطر الحزن عليها حتى تكالبت عليها الأمراض، وزاد من ألمها وحزنها رحيل زوجها الشيخ أحمد عبد الرحمن في شهر جمادى الأولى سنة 1378ه الموافق نوفمبر 1958م، وظلت كذلك حتى رحلت عن دنيانا في أول مايو 1971م.

سيد قطب وأم تعشق القرآن

الأستاذ سيد قطب

صدق الله العظيم حينما قال:{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} هكذا يحرص الآباء على رؤية أبنائهم في أفضل حال، وهكذا عاشت الصحابيات في عهد رسول الله، وظلت تسير على نهجها كثير من الأمهات.

وأم الشهيد سيد قطب كانت واحدة من هؤلاء النسوة الذين حرصوا على غرس معاني القرآن في نفوس أبنائهم فخرجوا جميعا على درب الهدي، بل ضحوا بكل غالى ونفيش في سبيل أن تحى معانى الدين الحقيقية، فكان الشهيد سيد قطب، وزوجة الشهيد أمينة قطب، وعذراء السجن الحربي حميدة قطب، والكاتب المعتقل محمد قطب، والأبن الشهيد لأبنتها أم بكر، وهكذا كان غرس آل قطب وهو الغرس التي بذرت الأم بذوره من الصغر، هذه البذور التي صورها الشهيد سيد قطب في رسالته لأمه في كتابه التصوير الفني في القرآن، حيث وضح فيها كيف كانت الأم تحرص على أن يرتفع القرآن في بيتها، بل وتقام الحلقات لتلاوتها وسط أبنائها، فيقول: لطالما تسمَّعتِ من وراء "الشيش" في القرية للقراء يرتلون في دارنا طوال شهر رمضان . وأنا معك أحاول أن ألغو كالأطفال فتردني منك إشارة حازمة وهمسة حاسمة، فأنصت معك إلى الترتيل وتشرب نفسي موسيقاه. وإن لم أفهم بعدُ معناه.

وحينما نشأتُ بين يديكِ، بعثتِ بي إلى المدرسة الأولية في القرية ، وأولى أمانيك أن يفتح الله عليَّ ، فأحفظ القرآن ، وأن يرزقني الصوت الرخيم فأرتله لك كل آنٍ ، ثم عدلت بي عن هذا الطريق الجديد الذي أسلكه الآن ، بعدما تحقق لك شطر من أمانيك فحفظت القرآن!.

ولقد رحلت عنا - يا أماه - وآخر صورك الشاخصة في خيالي، جلستك في الدار أمام المذياع ، تستمعين للترتيل الجميل ، ويبدو في قسمات وجهك النبيل أنك تدركين - بقلبك الكبير وحسك البصير - مراميه وخفاياه.

فإليك يا أماه . ثمرة توجيهك الطويل . لطفلك الصغير . ولفتاك الكبير . ولئن كان قد فاته جمال الترتيل . فعسى ألا يكون قد فاته جمال التأويل. والله يرعاك عنده ويرعاه. لقد كانت الأم هي مدفع عظيم لدفع الأبناء نحو ما يتأثرون به، حتى أصبحوا جميعا في رحاب القرآن ما بين شهيد ومعتقل.

لقد كانت أم سيد قطب سيدة صالحة عابدة تقية، تحب سماع القرآن، وتكرم القرّاء الذين كان يدعوهم زوجها "الحاج قطب" إلى البيت لتلاوة القرآن وختمه فيه. وكانت تغرس هذا الحب في نفسية أبنائها، فوضح أثر ذلك في سلوكيات أبنائها، وفي أقوال وليدها:[ إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم الطاغية].

ما إن رحل زوجها بعد انتقال ابنها سيد للجامعة حتى حملت أبنائها واستقرت في بيت ابنها، إلا أنها لم تبق كثيرا فبعد أن أدت رسالتها لحقت بزوجها.

أم نضال ورحلة شهادة

في بيئة تحول كل طفل فيها إلى مشروع شهادة لتكالب العالم كله لتمكين محتل غاصب لا ينوي الخروج، ولا طامع في بعض الحقوق، لكنه يريد كل الحقوق، بل يريد كل حجر بني به مساجد هؤلاء ليبني به دولته الواهية.

في هذه البيئة نشأت مريم محمد يوسف محيسن والشهيرة بخنساء فلسطين أو أم نضال فرحات بعد أن تمكن المغتصب من وطنها بشهور، حيث ولدت في يناير 1949م بقطاع غزة، حيث حرص أبويها على حسن رعايتها وتربيتها، فالتحقت بمراحل التعليم وأكملتها بعدما تزوجت في مراحلها الثانوية، لتقوم بعد ذلك على إعداد أبنائها لحقيقة الحياة التي يعيشونها.

كانت أم نضال على استعداد أن تنأى بنفسها وأولادها عما يثير الصهاينة وتعيش وأبنائها كما يعيش الناس، لكنها أحبت دينها، وعشقت قرأنها، وهامت حبا في تراب وطنها، فأيقنت بحقيقة حياتها وحياة أولادها فغرست فيهم منذ نعومة أظافرهم حب الجهاد والاستشهاد، حتى قدمت الواحد تلو الأخر وهي تهتف فوزنا ورب الجنة، فقدمت ابنها محمد رغم قولها: أنا أحب ابني محمد كثيراً فهو قريب جداً على قلبي، وعندما أتذكره أشعر بحاجة إلى البكاء، ولكن اعزي نفسي بأنه ذهب عند من هم أفضل مني، فأنا قدمته من أجل الله، والله يستحق منا أن نقدم له كل ما هو غال ونفيس، وأنا لم أكن أقدم ابني إلا نتيجةً لإيماني بالله" وأكدت أم نضال أنها كانت تشجع ولدها دائماً على حب الوطن وعلى حب الشهادة.

بل بلغت معاني أمومتها حينما احتضنت المجاهد عماد عقل في بيتها هربا من الصهاينة بعد أن كبلهم الخسائر، وظل في بيتها عام 1992م مختبأ حتى استشهد وارتقت روحه إلى ربها.

ومن الكلمات التي قالتها أم نضال لابنها في شريط الفيديو "يا بني أنت فلذة كبدي وأغلى ما أملك في حياتي وليس من السهل على الأم أن تفرط بفلذة كبدها بسهولة إلا لشيء عظيم وليس هناك أغلى من الوطن والدين لتدافع عنه وتستشهد وها أنا أهبك اليوم لتنتقل من هذه الحياة إلى حياة أفضل في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وأفعل ذلك لأنني أحبك وأريد لك الخير.

لقد جهزت الأم أبنها محمد فرحات صاحب الـ 17 عاماً، ورغم صغر سنه إلا أنها أصرّت على قائد كتائب القسام صلاح شحادة آنذاك لينفذ ابنها الهجوم.. وقبل خروجه ظهرت مع ابنها "محمد" بتسجل مصور في مطلع عام 2002م، وهي تقبله قبلات الوداع، وهي تعلم أنه ذاهب بلا رجعة فسجّل وصيته معها، وتصورت معه بسلاحه في فيديو خاص وأوصته.[6]، فكانت أول أم فلسطينية تودع ابنها وهو خارج إلى عملية استشهادية في تسجيل مصور، وأوصته بألا يعود إليها إلا مثخناً في عدوه محمولاً على أكتاف الرجال، فذهب في عملية اقتحام قتل فيها 9 جنود إسرائيليين.

لم تقدم أم نضال شهيد واحد بل جهزت الشهيد تلو الشهيد حتى قدمت ثلاثة شهداء وأسير قبل أن ترحل عن حياتنا، حتى نقشت بعض كلماتها على كل حجر حينما هتفت في أبنائها :[محمد.. نضال.. مؤمن.. وسام.. رواد.. أرضكم مدنسة وأنتم تنظرون، أريدكم منتصرين أو على الأعناق محمولين]، ظلت على أمومتها لكل طفل في فلسطين، حتى ارتقت روحها في 17 مارس 2013م.

أم نبيل حلس على خط النار

على خط النار نشأت أم نبيل حلس في حي الشجاعية بغزة، ومنذ أن عرفت معنى الأمومة وانصهر قلبها بروح القرآن، فجهزت وليدها محمد منذ صغره، حيث حرصت على ارتياده المسجد، فقد ربت أبنائها على حب الإسلام .. كما أنها علمت أبناءها على الصلاة وخاصة في المسجد.

لقد نطق قلب أم نبيل قبل لسانها فبعدما ودعت ابنها محمد قالت: لو لم يذهب ابني للاستشهاد يومها لكان توفي في فراشه، فهذا قدره وقد علمني بصبره وإيمانه كيف أباركه حتى اللحظات الأخيرة من توجهه إلى "نتساريم" يوم 11/3/2002 وبقيتُ أدعو له طوال اليوم إلى أن سمعت خبر استشهاده.

وردت على الكاتب اليهودي الأمريكي "توماس فريدمان" حينما قال: " الشعب الفلسطيني يفجر نفسه لأنه لم يعد يعرف قيمة الحياة " فردت عليه بقولها: كيف يريدون منا إن نسكت ونحن نتعفن تحت الأنقاض، أن الدين الإسلامي دين سلام ثم جهاد وموت في سبيل الله.

لقد وضح الفرق في الأمومة بين من تحمل قلب مؤمن فعرفت قيمة الحياة وبين من ظنت أن هذه هي أخر الحياة فتمسكت بها، وهذا يتضح في قول الكاتبة الفرنسية - عراقية الأصل - أنعام كجه جي في أحد مقالاتها: ماذا لو اختار ابني تفجير نفسه؟ ماذا أفعل لو اختار حسم المسافة بين ازدواجية القول والفعل؟ الأمر صعب.

للمزيد

1- عبده دسوقي، مريم السيد: عمالقة في زمن النسيان، الجزء الأول، دار منارات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008م.

2- وصفي عاشور أبو زيد: في ظلال سيد قطب، طـ1، صوت القلم العربي، 1430هـ- 2009م، صـ16 -17.

3- لها أون لاين: 25 شعبان 1426 هـ الموافق 29 سبتمبر 2005م.

4- خنساء فلسطين: الموسوعة الحرة.

5- أسماء الغول: الفلسطينيات يقدمن أبناءهن في طريق التحرر الفلسطيني، السنة الحادية عشر، العدد 129