الأستاذ الداعية "عبد البديع صقر"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأستاذ الداعية "عبد البديع صقر"
(ت: 1407هـ- 1986م)

2003-30-09

توطئة

أحد دعاة مصر، ولد بمصر، وتوفي عام 1407هـ، الموافق 1986م، عاش للإسلام، فعاش في قلوب الناس، وتجرد لله فأحبه الناس من أعماق قلوبهم حبًّا مجردًا عن الأغراض الدنيوية، عمل لله ولمصلحة المسلمين، وفي خدمة الدين الحنيف، فبارك الله عمله، وأتت أعماله الصالحة كلها أُكلها ضعفين.. وما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.

إنه- لهذا- رجل عظيم؛ لأنه لا يشتري صفات العظمة، إنه يصدّ عنها لنفسه بيده، إنها تنبع من قوة شخصيته ومن عظمة إيمانه.

إن الداعية "عبد البديع صقر" عَلَمٌ من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة، شاع ذكره في العالم العربي والإسلامي، وأحبه كل مَن عرفه؛ لصفائه، ونقائه، وصدقه، ووضوحه، وإخلاصه، وعمله وجهاده، وتضحيته.

وكانت آثاره واضحة جَلِيَّة في منطقة الخليج بعامة، وفي قَطَر بخاصة منذ أنْ قدم إليها من مصر عام 1954م.

"عبد البديع صقر" والتعرف على الإخوان المسلمين

الأستاذ "عبد البديع صقر" من الرعيل الأول الذي التحق بالإخوان المسلمين عام 1936م، وتربَّى على يد [[الإمام الشهيد[[ "حسن البنا"، وعمل معاونًا لدار الإخوان المسلمين في القاهرة.

يصف التحاقه بالإخوان المسلمين فيقول: "لقد نشأت في قرية (بني عياض) مركز أبوكبير بالشرقية، وفي سنة 1935م حصلت على شهادة "البكالوريا"، ولم أجد وظيفةً، فاشتغلت عاملاً في أحد المحال التجارية.

كنا نشتري البُنّ المطحون من محل الشيخ "سيد أحمد عبدالكريم"، ونشأت بيني وبينه مودة خاصة؛ إذ كان كل منا يفرح بلقاء الآخر دون سبب ظاهر.

ذات يوم أعطاني رسالة "نحو النور"، وقال: اقرأها، وارجع إليَّ غدًا، فلما رجعت إليه أمسك بيدي، وقال: هل تؤاخيني في الله؟ قلت: نعم، قال: إن كان أعجبك هذا، فاتصل بجماعة الإخوان المسلمين، ومقرهم بالقاهرة بعمارة الأوقاف، بميدان العتبة الخضراء، وعاد ينشغل بالزبائن".

تركت العمل بفاقوس، وذهبت بعد شهور أبحث عن عمل بالقاهرة، وكان ذلك في سنة 1936م، وانتهيت إلى ميدان العتبة، ووقعت عيني على اللافتة، وحين دخلت دار الإخوان المسلمين بميدان العتبة بالقاهرة سنة 1936م، وجدت الإمام البنا" يخطب في الحاضرين قائلاً: لقد نجح المستعمرون في تثبيت الفصل بين الدين والدنيا؛ وهو أمر إذا صحَّ في دينهم، فلا يصح في ديننا.

فلماذا يكون رجل الدين بعيدًا عن السياسة، ورجل السياسة بعيدًا عن الدين؟! ثم ما هي السياسة؟ أليست هي التعليم، والتربية، وتوزيع الأرزاق، وتوفير الأمن، والعدل للأمة في الداخل والخارج؟ وإذا كانت الوزارات تمثل السياسة فقد نجد اختصاص ست وزارات داخلاً في قوله تعالي: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل: من الآية90).

ومن وقتها توثقت صلة الأستاذ "عبدالبديع صقر" بالإخوان المسلمين، وصار من دعاتهم البارزين، وعضوًا من أعضاء الهيئة التأسيسية، وقد صاحب "البنا" لمدة اثني عشر عامًا.

الداعية الناجح

يتمتع الأستاذ "عبدالبديع صقر" بصفات أهّلته للنجاح في مهمته كداعية؛ فقد كان شديد التواضع، تغلب عليه النشأة الريفية التي لم تفارقه طيلة حياته، فهو لا يحب التكلُّف لا بالقول، ولا بالعمل، وميَّال إلى الصراحة والنصح بكلمة الحق، دونما تهيب أو وَجَل، كل ذلك بأدب الإسلام، وبالأسلوب الحكيم، وضوابط التوجيه الإسلامي في بذل النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وكان- رحمه الله- داعيةً موفقًا، يحسن التودد إلى المدعو، ويحاول بأسلوبه الحكيم، وعباراته الرقيقة، وطريقته المقنعة الوصول إلى قلب من يحدثه وعقله، ويورد أثناء الحوار معه بعض النكات، والطرائف التي تزيل الوحشة، ويتدرج معه؛ حتى يأخذ بمجامع سامعه، ويشده إليه، فيتقبل المنصوح نصيحته وتوجيهه، ويشاركه هموم المسلمين، ويبدي استعداده للسير معه في طريق الدعوة إلى الله لإنقاذ الأمة الإسلامية مما هي فيه من حالة الضياع والشتات، والانحطاط، والتردي.

ومن أجمل صفاته أنه يحب التعارف مع المسلمين، وإن لم يكن له سابق معرفة؛ حيث يقدم نفسه لهم، ويتعرف عليهم؛ لأن أساس دعوة الإخوان المسلمين هو الحب والتعارف، كما ذكر ذلك الإمام الشهيد "حسن البنا" في رسائله.

عبد البديع صقر في رحاب السجون

يحكي كثير من الإخوان المسلمين عن مواقفه الكريمة مع إخوانه المعتقلين في معتقل (الطور) سنة 1948م؛ حيث كان يتولى حلاقة رءوسهم، والقيام بخدمة كبار السن والمرضى، بل يقوم بالكثير من مهمات التنظيف التي يأنف منها البعض؛ وهذا لفرط تواضعه، وحرصه على الأجر والثواب.

ويُروى عنه- رحمه الله- أن أحد ضباط المباحث الذين مَنّ الله عليهم بالهداية قال للإخوان: "كنا نُرسل بعض المخبرين للتجسس على الإخوان، إلا أننا لا نلبث، حتى نفقد الثقة فيمن نرسلهم؛ لإحساسنا بتحولهم وتبدلهم لاحتكاكهم بالإخوان المسلمين، حتى تعبنا، وأعيانا الأمر؛ فاخترنا رجلاً شريرًا، وقلنا هذا سهم نضرب به الإخوان يستعصي على الكسر، ومضت الأيام، وبعد أسبوع واحد فقط، وإذا بهذا المخبر يدخل عليَّ مكتبي، وطلب نقله من عند الإخوان قائلاً: "(ودوني) عند الشيوعيين، عند اليهود، عند الكفرة، أما أولاد..... دول (لأ)"، فعجبت من أمره، وسألته: لماذا؟ قال: "كل ليلة (يقوموا يصلوا)، وشيخهم يقرأ القرآن لهم، الركعة (تيجي) ساعة.. (معدتش) قادر (أصلب طولي)".

والعمل في الخليج

لقد عمل الأستاذ "عبدالبديع صقر" فترةً طويلةً في قطر والإمارات، فكان مديرًا للمعارف بقطر، ثم مديرًا لدار الكتب القطرية، ثم مستشارًا ثقافيًّا لحاكم قطر.

وقد بذل قصارى جهده لنشر التراث الإسلامي، وأمهات الكتب الفقهية وغيرها؛ حيث كان يشير على حاكم قطر السابق "علي بن عبدالله آل ثاني"، ثم من بعده ابنه "أحمد بن علي آل ثاني"، بطباعة تلك الكتب القديمة التي عزّ وجودها بين أيدي الناس؛ فيستجيب الحاكم لطباعتها على نفقته؛ حسبةً لله تعالى.

يذكر بعض العارفين لأحواله أنه حين كان مديرًا للمعارف في قطر، كان يؤشر على طلب الإجازة للوفاة بعبارة: "مع الموافقة على منحه ثلاثة أيام، وعظّم الله أجره، وأحسن عزاءه، وغفر لميته"، ويؤشر على طلب الإجازة للزواج بعبارة: "مع الموافقة، بارك الله في عروسه، وبارك لها فيه، وجمع بينهما في خير".

وكان أمراء الخليج يجلّون الأستاذ "عبدالبديع صقر"، ويقدرونه، ويحترمونه، فضلاً عن محبة العامة وجماهير الناس له؛ لحسن خلقه، وتواضعه، وخدماته الكثيرة، وقد عرفوه متحدثًا، ومحاضرًا، وخطيبًا، وواعظًا، وكاتبًا، ومفكرًا ومصلحًا، وداعيةً.

وفاء نادر

إن الأستاذ "عبدالبديع صقر" من الأوفياء لإخوانه، البارّين بزملائه، وكان يتفقدهم ويتعهدهم بالزيارة، والسؤال عنهم، أو مراسلتهم مهما تشتتت بهم الأقطار.

ومن هؤلاء الدكتور "سعيد رمضان"- رحمه الله- زوج ابنة الشهيد "حسن البنا"، الذي يقيم في جنيف؛ مطارَدًا من الرئيس "جمال عبدالناصر"، الذي أسقط عنه الجنسية، وحُكم عليه بالإعدام غيابيًّا، فكان الأستاذ "صقر" يتعهده بالزيارة، والسؤال عنه.

يروي الأستاذ "حيدر" عن وفائه لزملائه أن الأستاذ "زهير الشاويش"- صاحب المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت- دخل مرةً على "عبدالبديع" في منزله في الدوحة بعد العشاء، وبعد إلقاء السلام على الحاضرين بالمجلس قال: "يا أبا إبراهيم، أقرضني مائة ريال، فقد خلا الجيب؛ فما قام "عبدالبديع" من مكانه، ولكنه قال لزهير ببساطته المتناهية: "الدرج بجوارك، خذ منه ما تشاء"، فأخذها "زهير"، وخرج دون أن يجلس.

"عبد البديع صقر" وشهادة رجالات عصره

كتب الأستاذ "زهير الشاويش" في مجلة المجتمع الكويتية، عدد ديسمبر 1987م، بعد وفاة "عبدالبديع صقر" يقول: "أرى لزامًا عليَّ أن أؤدي الشهادة فيما تيقنته عنه بعد خبرة وتجربة، فقد عرفت في الأخ "عبدالبديع" نزاهة اليد والتعفف عن جرّ المنفعة لنفسه، أو أخذ قرش مما كان يوكل إليه إنفاقه على طبع الكتب، بل زهد في أموال الأغنياء؛ فعوّضه الله عن ذلك بالحلال الطيب، وأشهد أنه طالما أنفق من ماله الخاص- على قلته- كلما رأى حاجةً للإنفاق في موطن شحّت عن البذل فيه أيدي الأغنياء".

يذكر المستشار "عبدالله العقيل" أنه حين كان في الكويت دُعي إلى الإمارات لإلقاء محاضرة في (جمعية الإصلاح) بدبي، وعقب المحاضرة أمطره الجمهور بسيل من الأسئلة الكثيرة، قاربت مدتها مدة المحاضرة، وحين توقف عند أحد الأسئلة بادر- رحمه الله- بالجواب عنه.

ويحكي المستشار "العقيل" عنه أيضًا: "كان من أوائل من التقيت بهم في مصر أواخر عام 1949م؛ حيث اجتمعت معه في منزل أحد الإخوان، ولما حان وقت الصلاة قدموه للإمامة، ولفت نظره وجود صورة على الحائط، فما كان منه– رحمه الله– إلا أن سترها، ثم أدينا الصلاة؛ فأدركت من وقتها أن الأستاذ "عبدالبديع صقر" ذو نزعة سلفية، يحرص على الالتزام بما صحّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما سار عليه السلف الصالح".

كتب الإمام الشهيد "حسن البنا" عن كتاب الأستاذ "عبدالبديع صقر": "كيف ندعو الناس؟"، قائلاً: "كنت وضعت ملاحظات للإخوة، وعزمت على العودة إليها؛ لتكميلها وتنقيحها ونشرها، وقد طالعت هذه الرسالة للأخ "عبدالبديع صقر"، فرأيت فيها ما كفى وأغنى؛ فسُررت وفرحت، وسألت الله له دوام التوفيق، وأن يحسن عن الدعوة مثوبته، وأُوصِي الإخوةَ بها، وأن يسيروا على ضوئها".

الوفاة

وقد انتقل- رحمه الله - إلى جوار ربه مساء السبت (12 من ربيع الأول 1407هـ، الموافق 198613/12/م) في مصر؛ حيث توجه إلى مدينة (بلبيس) بالقرب من مدينة الزقازيق لإلقاء محاضرة، وبعد المحاضرة ركب سيارته قاصدًا الزقازيق، فمات وهو يقود السيارة، فانحرفت به إلى جانب الطريق، وسقط في مجرى مائي، ولم يدركه الناس إلا في وقت متأخر؛ حيث حُمل إلى المستشفى، وغُسِّل، ودُفن إلى جوار زوجته "أم إبراهيم"، التي سبقته إلى الدار الآخرة قبل أكثر من عام.

نسأل المولي الكريم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يغفر لنا وله، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته.

خاتمة

هذا هو الداعية "عبدالبديع صقر"، وتلك بعض صفاته وأخلاقه وسيرته وأعماله، وأقوال الناس العارفين عنه.

وهذا هو النموذج المتكرر لثمار التربية في مدرسة الإمام "حسن البنا" التي اضطلعت بمسئولية الدعوة إلى الله - عز وجل - في هذا العصر، على هدىً وبصيرة من الله؛ لأن مرضاته غايتها، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- قدوتها، وكتابه منهجها، والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله أسمى أمانيها، والجنة غاية مبتغاها.

إن التربية الإخوانية تنبع من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وتستعين بسيَر الصحابة والتابعين، وتستهدي بالقدوة المعصوم، وسِيَر المجددين من أئمة الهدى على مر التاريخ الإسلامي كله، وتتخذ من أولئك الرجال الذين بايعوا على العمل للإسلام في ظل أركان البيعة المحفوظة لديهم، المحفورة في نفوسهم وسلوكهم؛ فهمًا، وإخلاصًا، وعملاً، وتضحيةً، وجهادًا، وطاعة، وثباتًا، وتجردًا، وأُخُوةً، وثقةً.

من آثاره

- الأخلاق للبنات.

- التجويد، وعلوم القرآن.

- رحلة الحج.

- الوصايا الخالدة.

- شاعرات العرب.

- مختارات الحسن والصحيح من الحديث الشريف.

- رسالة الإيمان.

- نقد البردة.

- نساء فاضلات.

- التربية الأساسية للفرد المسلم.

- حديث إلى دعاة الإسلام.

المراجع

- من أعلام الحركة الإسلامية للمستشار "عبدالعقيل".

- وسائل التربية عند الإخوان المسلمين للدكتور "علي عبد الحليم محمود".

- حكايات عن الإخوان للأستاذ "عباس السيسي".

المصدر