الإخوان المسلمون بين عالم الجاسوسية والتخابر الحلقة السادسة
الجاسوس المزدوج
توضح كتب الإخوان أن النظام الخاص عرف فكرة الجاسوس المزدوج وطبقاها في عمله بقسم المخابرات، حيث استطاعوا أن يدخلوا أسعد السيد أحمد الذي انضم إلى حزب مصر الفتاة حتى وصل إلى الحرس الحديدي الذي أنشأه زعيم الحزب الأستاذ أحمد حسين، وكان ذلك الحرس مكونا من ستة أفراد، حتى سقطت السيارة الجيب في نوفمبر من عام 1948م وجاء في التحقيقات اسم أسعد فتكفل أحمد حسين بالدفاع عنه لمعرفة هل كان أسعد يتجسس لصالح الإخوان أم يتجسس على الإخوان لصالح حزب مصر الفتاة (1).
غير أن محمود عساف ذكر شئ مخالف لما ذكره عادل كمال فقال: بعد اعتقالات الإخوان في كانون الأول/ ديسمبر 1948 , والتحقيق مع بعض أعضاء النظام الخاص , جاء ذكر أسعد السيد أحمد في التحقيقات، وعلم بذلك أعضاء مصر الفتاة فاعتدوا عليه بالضرب ظنا منهم أنه عين عليهم.
وأشهد الله أنه كان يعمل معهم مخلصا في ذلك الوقت , وبخاصة بعد أن حضر مؤتمرا عقده أحمد حسين عند سفح الهرم الأكبر معاهدا تابعيه على العمل على نصرة مصر (2).
هذا غير فرج النجار الذي كان رئيس النظام الخاص في وجه بحري، والذي تلقى تكليفات بالدخول في الحزب الشيوعي بطنطا، وبالفعل قرأ كتبهم، وعرف فكرهم، وتقرب منهم حتى انضم لهم وبعد فترة صار سكرتير عام الحزب بطنطا، وكان مطلع على كل أسرارهم، حتى أنه أحبط محاولة لاغتيال البنا بطنطا، وظل كذلك حتى تم كشفه بعد حل الجماعة والقبض على زعمائها (3).
كما أن الجماعة زرعت أخر في الحزب الشيوعي بالقاهرة عام 1946م وكان أستاذا جامعيا (4).
بل أن التخابر وصل للملك فاروق نفسه –حسب ما ذكره عساف: أما المكتب الثالث الذي كان يمد الملك بالمعلومات والأخبار , فكان يديره الدكتور يوسف رشاد الذي سمعت عنه لأول مرة من تقرير مرفوع للإمام ومحال إلي للاختصاص , حيث كان الدكتور يوسف بصحبة زوجته ناهد والملك والأميرة فوزية بعد طلاق الملكة فريدة , على يخت بالبحر الأحمر. ونزل الأربعة على شاطئ جزيرة صغيرة تسمى جزيرة الزمرد.
وقد حدثت على هذا اليخت مساخر كثيرة لا محل لذكرها هنا , إلا أنه اتضح من التقرير المرفوع للإمام من أحد البحارة العاملين على اليخت, أن يوسف رشاد على علاقة وثيقة جدا بالملك وأنه يدير جهازا للمخابرات به (5).
بل أن الإخوان كشفوا كثير من العملاء الذين كانوا يتقربون منهم ويتجسسوا عليهم، يقول عادل كمال: وأكثر من هذا كان الأستاذ حسن البنا يعرف اتصال بعض الأعضاء بالبوليس السياسي وكان أسلوبه في ذلك أن يتركه دون أن يشعره بانكشاف أمره،وكان منطقه في ذلك أنه يمكن استخدام ذلك العميل فى تسريب شىء يريد تسريبه، كما أن الجماعة هدفا لعديد من الجواسيس فمن عرفناه منهم فبقاءه تحت أعين الجماعة أفضل من طرده واتخاذ مجهول غيره بواسطة أعداء الجماعة (6).
ويزيح عساف –أمين المخابرات- الستار عن دقائق الأمور التي تعامل بها البنا مع الجواسيس فقال: كان بعض الإخوان يغالون في التشدد – وهم قلة والحمد لله – غير أني اكتشفت أن أمثال هؤلاء منحرفون عن الدعوة ويتظاهرون بالتشدد ليثق فيهم الآخرون.
وكان الإمام إذا اكتشف بعضا ممن يعملون مع القلم السياسي ( هو أصل المباحث العامة الحالية ) – وكانت له مصادره الخاصة – فانه يبعث إليهم تباعا ويجلس مع كل منهم على انفراد , ثم يقول له : عرفت أنك تعمل لحساب القلم السياسي . . فيرد الأخر طبعا منكرا بشدة . فيقول الإمام له : أنا أعلم ذلك يقينا , ولم أحضرك هنا للتحقيق معك , بل لأحل لك المال الذي تأخذه من الحكومة . فأنت تتجسس علينا وهذا حرام . وتتقاضى أجرا نظير تجسسك فهذا الأجر حرام . وأنت لا تعلم شيئا ذا قيمة من أخبار الإخوان فتؤلف لرئاستك في القلم السياسي أية أخبار من عندك , وهذا كذب وهو حرام، أريد أن أبعدك عن هذا الحرام كله وأسمح لك بأن تتقاضى ما شئت من أجر من الحكومة بشرط أن تبلغهم الأخبار الصحيحة، فكان يجهز ظرف به كل المعلومات التي تخص اجتماعات الجماعة وأعمالها، ولم نكن نؤلف أية أخبار – حيث أن الأخبار الحقيقية كانت كثيرة ومتوافرة (7).
وحينما ذكر عساف للبنا أنه من الواجب التخلص من هؤلاء الجواسيس علينا وفضحهم، فرد البنا عليه بقوله: يا عبيط ! هؤلاء نعرفهم وإذا تخلصنا منهم سيرسلون ألينا غيرهم ممن لا تعرفه (8).
ومات حسن البنا
لم تمر أيام على حل الجماعة إلا وقام بعض شباب النظام الخاص بالترصد للنقراشي باشا وأردوه قتيلا داخل وزارة الداخلية، وقبض على القاتل واتضحت هويته، ثم ما كادت الأيام تمر حتى استيقظت القاهرة على خبر مقتل حسن البنا في شارع الملكة نازلى (رمسيس حاليا)، ومنعت الحكومة جنازته، وقبضت على كل من شارك، وقيدت التهمة ضد مجهول، حتى كانت ثورة 23 تموز/ يوليو والتي أزاحت الستار عن القاتل الحقيقي.
لكن كثر الكلام في مقتله وكل مؤسسة وجهت الاتهام للآخرين، فمنهم من قال: أن النظام الخاص هو من قام بقتله، ومنهم من قال إن اليمنيين هم من قتلوه ردا على مقتل الإمام يحي بن حميد، ومنهم من قال الملك والحرس الحديدي، حتى استل الستار بأن حكومة إبراهيم عبد الهادي هى من قامت بقتله بمعرفة الملك فاروق، وحكم على المتهمين.
يقول مارك كورتيس: لقد دبرت الحكومة الاغتيال بموافقة القصر.. فقد تقرر أنه ينبغي إزاحة حسن البنا من مسرح نشاطاته بهذه الطريقة؛ حيث إنه ما دام بقي حراً، فالأرجح أن يسبب إزعاجاً للحكومة، في حين أن اعتقاله سيؤدي يقيناً إلى مزيد من الاضطرابات مع أنصاره، الذين لا ريب في أنهم يعتبرونه شهيداً لقضيتهم
بيد أن حجج النفي كانت قد أعدت فعلاً. فبعد ثلاثة أيام من الاغتيال، سجل السفير البريطاني، السير دونالد كامبل بعد لقاء بالملك فاروق "قلت له إنني أعتقد أن الاغتيال ربما قام به أحد أتباع حسن البنا المتطرفين، خوفاً منه، أو أنه اشتباهاً في أنه سيتخلى عن القضية". واخترع الملك فاروق بدوره هو أيضاً رواية تلقي المسئولية على "السعديين" (وهم مجموعة منقسمة على حزب الوفد، سميت باسم سعد زغلول، زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق). وكان الدبلوماسي الأقدم في السفارة البريطانية مصر يتستر على قتلة البنا لتغطيتهم (9).
نستكمل في الحلقة القادمة
المراجع
- كمال، أحمد عادل: مرجع سابق، 166 – 167.
- عساف، محمود: مرجع سابق، صـ 20.
- فرج النجار.. المطارد الحر: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمون (إخوان ويكي) goo.gl/ApkkpC
- عساف، محمود: مرجع سابق، صـ14.
- المرجع السابق: صـ10.
- كمال، أحمد عادل: مرجع سابق، 164.
- عساف، محمود: مرجع سابق، صـ 23.
- المرجع السابق، صـ 24.
- كورتيس، مارك: التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين، مرجع سابق، صـ 105.