الإخوان المسلمون والديمقراطية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والديمقراطية



الإخوان المسلمون والديمقراطية

مجلس-الشعب.jpg

الديمقراطيه" لفظ أعجمي، ومضمون غربي، والإخوان المسلمون لا يرون بأساً في طرح الديمقراطية اليوم شعاراً سياسياً، لعدد من الأسباب، منها وجود قواسم مشتركة كثيرة بين الديمقراطية ونظام "الشورى"، لعل أهم هذه الأسباب أن "لُبّ الديمقراطية هو ثلاث حريات: حرية الرأي، وحرية التنظيم، وحرية المشاركة والانتخاب الحر"، وهي حريات تصونها الشريعة الإسلامية، قال تعالى: لا إكراه في الدين (البقرة: 256)، وقال سبحانه: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (آل عمران: 104)، وقال رسول الله ص: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساء الناس أسأت، ولكن وطّنوا أنفسكم على أن تُحسنوا إن أحسن الناس أو أساءوا"، ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه قولته المشهورة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

ومن الأسباب أيضاً أن الخيار إذا انحصر بين الدكتاتورية والديمقراطية، فإن خيار الديمقراطية أولى، ثم "لا مشاحة في الاصطلاح"، لأن العبرة في المعاني والمقاصد أو الأهداف، لا في المباني أو الأشكال والألفاظ.

على كل حال ليست الديمقراطية ديناً مُنزلاً، يخلو من السلبيات، بل هي أولاً وقبل كل شيء خيارات سياسية وأخلاقية لجملة من الناس، هم الديمقراطيون، وقدرتهم على إرسائها وحمايتها وتطويرها، في مجتمع له أكثر من خيار لمحاولة التعامل مع مشكلاته المزمنة (انظر: الإمعان في حقوق الإنسان الديمقراطية تحرير د.هيثم مناع).

وهكذا تغدو الديمقراطية أحد تطبيقات الشورى، لأن نظام الشورى في تقديرنا أوسع أفقاً وأعمق تناولاً، وما لا يدرك كله لا يُترك جله، وحين يقتنع الناس بأن الشورى هي كذلك، يكون انتقالهم بقناعتهم إلى الشورى شيئاً سهلاً، وديمقراطياً أيضاً.


الديمقراطية داخل الجماعة

لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين، إن من أسباب التخلف في حياتنا السياسية افتقار مجتمعاتنا إلى التربية الشورية الديمقراطية في البيت والمدرسة والشارع، فضلاً عن الحياة العامة: النقابات والأحزاب والدستور والقوانين، أماجماعة الإخوان المسلمين، فهي تأخذ بالمنهج الشوري (الديمقراطي إن جاز التعبير) في فكرها وأدبياتها وأنظمتها ولوائح عملها الداخلية ومرجعياتها التنظيمية.


على صعيد الفكر :

- تأخذ بـالشورى الملزمة، لا المعلمة، أي على الجهة التنفيذية الالتزام بقرار السلطة التشريعية "أهل الحل والعقد مجلس الشورى المجلس النيابي" يضاف إلى ذلك الإفادة من استشارة أهل العلم والخبرة أو الاختصاص، وهذا بعد آخر لإغناء الشورى ببعد التخصص فضلاً عن التصويت.


- الإخوان المسلمون يعدون أنفسهم جماعة من المسلمين لا جماعة المسلمين، أي أنهم لا يحتكرون الإسلام ولا المرجعية الإسلامية، ولا يصادرون رأي الجماعات الإسلامية الأخرى، ولا يكفرون مسلماً إذا اختلف معهم، أو لم يلتحق بهم، أو اختلفوا معه، وهذه مزية شورية شرعية وديمقراطية قلما انتبه لها الآخرون، برزت أهمية هذا الموقف بعد ظهور الحركات أو الجماعات الإسلامية "المتشددة" في مصر، واختلفت مع الجماعة "الأم"، وكفرت الجماعة الأم، كما كفرت المجتمع والدولة، ولم تقابلهم الجماعة الأم تكفيراً بتكفير (انظر كتاب: دعاة لا قضاة للمرشد العام الأسبق حسن الهضيبي).


على صعيد النظام الداخلي واللوائح :

- تتخذ القرارات في مؤسسات الجماعة كلها بعد المداولة بالتصويت والانصياع لرأي الأغلبية، ولو بصوت واحد، حتى إذا تراجحت كفتان يؤخذ بترجيح جانب رئيس الجلسة.

- يقوم بنيان الجماعة على التمثيل الانتخابي من القاعدة إلى القمة، لاسيما انتخاب أعضاء مجلس الشورى "السلطة التشريعية" وأعضاء مجالس الإدارات أو المراكز وأعضاء القيادة "السلطة التنفيذية".


الممارسة

لا يكفي أن تقبل بالديمقراطية نظرياً، فرداً أو جماعة أو حزباً، بل لابد من تطبيق ذلك في ميدان الممارسة، حيث تحتدم الخلافات، وتشتد الصراعات، ويكون الامتحان العسير للفكر والشعارات على صخرة الوقائع والتحديات والمنافسات، ولدى مراجعة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وممارساتها السياسية والاجتماعية والثقافية، نجدها ديمقراطية بحتة، فهي تنظيم مدني سلمي، لم تنشئ لها تنظيماً عسكرياً داخل الجيش ولا خارجه يوماً ما، ولا حاولت القيام بانقلاب عسكري، بل حين عرض عليها العسكريون الانقلابيون الحكم "مثل ضباط الانفصال" وأمثالهم رفضت الجماعة ذلك، وقد شهر عن الأستاذ عصام العطار قوله: "الحكم الذي يأتي عن طريق دبابة يذهب بدبابة"، بل إن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عارضت بشدة كل الحكومات العسكرية والأنظمة الانقلابية، ذات الطموح الفردي أو الحزبي، مثل دورهم المشهود في مقاومة أديب الشيشكلي، أو إسقاط حكومة بشير العظمة التي قامت على أنقاض البرلمان، الذي تمت استعادته بعد ذلك، وفي أواخر عهد الوحدة الذي حظر قيام تنظيمات سياسية.. أعلن الإخوان عن شروعهم باستئناف الدعوة وعمل الجماعة.


شاهد من مصدر مستقل

مكتب-الإرشاد.jpg

قد يكون مناسباً هنا الاستشهاد بفقرة من كتاب "الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية، ج1، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، تحرير د.فيصل دراج، وجمال باروت"، يقول الكتاب:

"ربما تُمَيِّزُها -أي جماعةالإخوان المسلمين في سوريا أنها كسرت آليات ما يسمى في نظرية الحزب السياسي بالنمط التضامني.. واكتسبت فعلياً شكل الحزب التمثيلي الذي يمثل طرفاً من أطراف النسق التعددي التنافسي "الليبرالي"، ويعمل وفق قواعده ومعاييره، تجلى هذا التحول الفعلي من النمط التضامني إلى النمط التمثيلي من خلال تشكيل الجماعة عام 1949م لـ"الجبهة الإسلامية الاشتراكية" التي تقدمت للناخبين بما يمكن تسميته بأول برنامج شامل ومتكامل للإخوان المسلمين في سورية، وفازت بموجبه في انتخابات الجمعية التأسيسية عام 1949م بأربعة نواب، ويمكن القول بشكل مكثف: إن مزايا الإنجاز السياسي من خلال النسق التنافسي التعددي "الليبرالي" يومئذ قد أدت إلى تغذية راجعة، لم تكتسب فيها الجماعة مجرد شكل الحزب التمثيلي وحسب، بل واقتربت فيها من احتمال تطورها إلى نوع من حزب ديمقراطي إسلامي على غرار نمط الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وكان مصطفى السباعي على وجه الدقة يعي هذا الاحتمال، ويدفع الجماعة باتجاه التطور نحوه، فقد كانت تجربة الأحزاب الديمقراطية المسيحية الاجتماعية حاضرة في وعيه بدون أدنى شك، إلا أن السباعي فكَّر فيما يبدو بمضمون أكثر راديكالية لجبهته الإسلامية الاشتراكية، ويمكن تكثيف مواقف جبهته بالدفاع عن النظام الجمهوري في مواجهة مشروع سورية الكبرى، والوقوف ضد مشروع الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط، وتبني الحياد الإيجابي، وطرح إصلاح زراعي جذري، والتعاون الاقتصادي والسياسي مع الاتحاد السوفييتي، وطرح الاشتراكية الإسلامية كبديل عن الشيوعية، وفي المشكلة الحساسة علاقة الدين بالدولة، يعود للسباعي نفسه فضل تعديل المادة التي تنص على أن الإسلام دين الدولة في مسودة دستور 1950م، إلى أن الإسلام هو دين رئيس الدولة، والشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع (ص 257 258).


القبول بالآخر

من النص السابق.. نستنبط المؤشرات التالية:

1 دخول جماعة الإخوان المسلمين الساحة السياسية من باب الحياة النيابية الدستورية.

2 إسهامها في الانتخابات والتمثيل البرلماني.

3 إسهامها في وضع الدستور.

4 دفاعها عن النظام الجمهوري.

5 قبولها بالتعددية السياسية.

ويضاف إلى ذلك:

6 اشتراك الجماعة في عدد من الوزارات السورية، مثل تولي محمد المبارك و مصطفى الزرقاء رحمهما الله مناصب وزارية في مختلف العهود، وتولي الدكتور نبيل الطويل و عمر عوده الخطيب، و أحمد مظهر العظمه مناصب وزارية في حكومة خالد العظم عام 1962م.

7 وفوق ذلك شكّلوا تحالفات سياسية متنوعة، ففي الانتخابات ضمت قوائمهم الانتخابية مرشحين من المواطنين النصارى، مثل آخر انتخابات وهي عام 1962م، حيث رشح في قوائمهم أديب منصور في حماة، وليون زكريا في [حلب]، وفي كتلهم البرلمانية "الكتلة الدستورية" كان في عضويتها النائب سهيل الخوري، وتنسيقهم مع السياسي السوري الكبير فارس الخوري، ودعم حكومته أمر مشهور.


رفض العنف السياسي

إن من يقرأ ما كتب عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين في الجزء الأول من كتاب "الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية"، وهو صادر كما قلنا عن جهة مستقلة "المركز العربي للدراسات الاستراتيجية رئيسه والمشرف عليه الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد" المنشور في سورية.. يتأكد له بأن جماعة الإخوان بريئة من اتخاذ العنف منهجاً سياسياً، فمن الوقائع المبكرة إشارة الكتاب إلى محاولة انشقاقية في تنظيم الجماعة قادها المدعو نجيب جويفل في الخمسينيات ضد الدكتور السباعي رحمه الله تعالى بتكليف من المخابرات المصرية، وكان جهد المنشقين تشكيل تنظيم مسلح، وقد رفض الدكتور السباعي ومعه التنظيم كله هذه الفكرة، حتى استطاع استئصالها، وفصل أنصارها، وعلى رأسهم جويفل نفسه.

كما بذل المحرران جهداَ مشكوراً موثقاً في توضيح ظهور تنظيم "الطليعة المقاتلة"، واستراتيجية التنظيم المستمرة لجر الجماعة كلها إلى العنف الذي لا تؤمن به طريقاً للدعوة إلى الله أو العمل الاجتماعي أو السياسي، لكن هناك مسألة ربما لم تكن من اختصاص الكتاب، ألا وهي دراسة العنف السياسي السوري "أسبابه جذوره مراحله المسؤولية عنه أنواعه اتجاهاته" لاسيما عنف السلطة الذي هو البداية،

والسبب الأول إن لم نقل السبب الوحيد حين وصل حزب البعث إلى السلطة بشكل انقلابي عسكري أولاً، ثم احتكر السلطة قائداً للدولة والمجتمع ثانياً، ثم صادر الحريات العامة وألغى الأحزاب المعارضة، وكل معارضة ثالثاً ورابعاً وخامساً.. والحقيقة أن الأمر لم يقف عند هذه الحدود، وهي خطيرة مثيرة، بل زاد على ذلك بممارسات استفزازية كالاستهتار بالإسلام والمقدسات، مما دفع بعض الشباب المتحمسين دفعاً إلى ردود فعل مقابلة، فالعنف باختصار لم يأت من عدم، بل هو رد فعل على فعل سابق عنيف "عنفاً أمنياً عسفياً" أتاح المجال لاستفحال العنف المضاد، حتى شمل قطاعات جماهيرية واسعة، لم تكن جماعة الإخوان المسلمين وحدها الضحية، بل سبقها ووازاها ولحق بها ضحايا من مختلف الشرائح والأحزاب السورية.

إن تحليل العنف السياسي في سورية لا يختلف عن تحليله في أقطار عربية أخرى، بل الأقطار الاستبدادية، إنه عنف السلطة القهرية المبالغة في قهرها، الذي ينتج أو يعيد إنتاج العنف المضاد، وثمة سؤال مشروع: لماذا لم يظهر العنف في سورية قبل التاريخ الذي انفجر فيه؟ ثم إن جماعة الإخوان المسلمين موجودة قبل هذا التاريخ بربع قرن، ولم تعمد للعنف أو تسمح به؟

لقد برهنت الدراسات والعلوم الإنسانية أن "الديمقراطية أداة السلم المدنية"، وهي لا تنكر وجود خلافات وتمايزات بين الناس أو المواطنين، بل هي وجدت للسيطرة على هذه التمايزات والخلافات بشكل مدني أو حضاري، فالديمقراطية في شتى مظاهرها حرب بأتم معنى الكلمة، لكنها حرب على مستوى الرمز، هي معارك مستمرة بين قبائل متخاصمة، ذات مصالح متباينة ومتناقضة، تشكل فيها حرية الرأي السلاح الرئيس، حيث يمكن التراشق بالراجمات اللفظية، والصواريخ البلاغية، ثم يأتي يوم المعركة أي يوم الانتخابات لتصفية الحسابات المتراكمة.. يتبين أن الديمقراطية هي البديل الأكمل للعنف الفج الذي يشكّل الحل الوحيد أمام مجتمعات محكومة بأنظمة استبدادية، لا تستطيع تصريف مخزونها من التناقضات إلا بالقمع والتمرد.


المصدر : مجلة المجتمع عدد 1460 بتاريخ 21/07/2001