الإخوان المسلمون والسياسة الحزبية (3)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والسياسة الحزبية (3)
علي ماهر باشا

في الحلقة السابقة رأينا كيف كانت علاقة الإخوان بحكومة محمد محمود باشا وتعرضنا لبعض الاتهامات وتعرفنا على حقيقتها.

والباحث في هذه الاتهامات لا يجدها إلا عند خصوم الإخوان أو المتحزبين ومن على شاكلتهم، أو الذين تستخدمهم السلطة في كل وقت لتشويه صورة الإخوان بأية وسيلة.


وهناك تعليق على المقال السابق يتهم الإخوان بأنهم أحجموا عن تشكيل حزب، على الرغم من أن الظروف كانت أفضل من الآن، أما الآن فهم في ظل الاضطهاد والتعنت الحكومي يحاولون تشكيل حزب.


ونحن قلنا مرارًا وخلال هذه المقالات إن الإخوان أحجموا عن تشكيل حزب في هذه الظروف بسبب فقدان العمل السياسي الحقيقي للأحزاب التي كل منها يعمل لمصلحته فقط لا لمصلحة البلاد، وكانوا ينفِّذون رغبات المحتل الإنجليزي، بالإضافة إلى أن البلاد كانت محتلة، وأن السياسة كانت تسير في فلك المحتل وتخدم أطماعه، أما الآن فالوضع مختلف والبلاد حرة وهناك حكومة وطنية مستبدة، وهذا ما يدفع الإخوان لإصلاح الفساد في ظلها بالوسائل المشروعة، ومن الوسائل المشروعة العمل تحت هيئة سياسية مشروعة.


وفي هذا المقال نتعرض أيضًا لموقف الإخوان من حكومة علي ماهر وندحض الافتراءات التي تلصق بالإخوان من أنهم كانوا يساندون الحكومات الضعيفة كعلي ماهر على حساب الوفد؛ لأن الإخوان يعملون وفق أهداف منهجية تسير وفق شريعة الله، وأنهم يهتفون للمبادئ لا للأشخاص.


وُلِدَ علي ماهر باشا بالعباسية- القاهرة، في ٩ نوفمبر ١٨٨١م، تلقى تعليمه بالمدرسة الناصرية الابتدائية، ثم المدرسة الخديوية الثانوية، وحصل على الثانوية العامة عام ١٨٩٨م، ثم التحق بكلية الحقوق، وتخرَّج فيها عام ١٩٠٣م، مارس المحاماة وعين قاضيًا (١٩٠٧-١٩١٣)، ثم بالنيابة العمومية، وتقلد بعد ذلك منصب وكيل إدارة المجالس الحسبية (١٩١٤)، فمديرًا لها (١٩١٧-١٩١٩)، انضم إلى حزب الوفد في ٧ نوفمبر ١٩١٩، ثم قدَّم استقالته منه في ١٨ مارس ١٩٢٢م، وانضم إلى حزب الأحرار الدستوريين بعد تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م، اختير وكيلاً لوزارة المعارف العمومية (٣ نوفمبر ١٩٢٤- ١٢ مارس ١٩٢٥)، ثم تقلد منصب وزير المعارف العمومية في وزارة أحمد زيور الثانية (١٣ مارس ١٩٢٥- ٧ يونيه ١٩٢٦)، وعين في نفس الوزارة وزيرًا للحقانية (العــــدل) مؤقتًا (٥ سبتمبر- ١٢ سبتمبر ١٩٢٥)، وتبوَّأ منصب وزير المالية (٢٥ يونيه ١٩٢٨أكتوبر ١٩٢٩) في وزارة محمد محمود الأولى.


شكّل وزارته الأولى وتولى فيها منصب وزير الخارجية والداخلية (٣٠ يناير - ٩ مايو ١٩٣٦)، وقد عمل على تحسين علاقات مصر بالدول، مثل إيطاليا والسعودية، ثم شكّل وزارته الثانية واحتفظ فيها بمنصب وزير الداخلية والخارجية (١٨ أغسطس ١٩٣٩-٢٧ يونيه ١٩٤٠)،عقب إقالة وزارة مصطفى النحاس، واندلاع حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢، شكَّل وزارته الثالثة وتولى فيها منصب وزير الخارجية والحربية (٢٧ يناير- أول مارس ١٩٥٢)، فبادر بنشر الأمن ومعالجة الأمور، وإصلاح ما دمره الحريق، ثم تولى مهام منصب رئيس الوزراء ووزير الداخلية والخارجية والبحرية في (٢٤ يوليهسبتمبر ١٩٥٢) بناء على إجماع الضباط الأحرار، ومن أهم أعماله: إيفاد (١١٦) مبعوثًا للخارج في مختلف العلوم، ترجمة عدد من الكتب الأجنبية لمواكبة النهضة العلمية في البلاد، تنقيح المناهج الدراسية في الإبتدائى والثانوي، إنشاء وزارة للاقتصاد، وتنظيم مصلحة التجارة والصناعة، وتوفي في أغسطس ١٩٦٠م.


الإخوان المسلمون ووزارة علي ماهر باشا

لقد كان موقف الإخوان من وزارة علي ماهر باشا كموقفها من كل الحكومات التي عايشها الإخوان وهو موقف الناصح لها، والمقاوم لفسادها بالحسنى.


ونرى ذلك في موقفها الذي عبرت عنه صحيفة النذير تحت عنوان: "وزارة جديدة وموقف قديم"- مقالاً تناولت فيه الوزارة السابقة بالشكر ذاكرة لبعض محاسنها فقالت: "اليوم وقد سقطت وزارة محمد باشا محمود فأصبحت في ذمة التاريخ وسيصدر حكمه لها أو عليها، والآن وقد تجرد الوزراء السابقون من سلطانهم ونفوذهم نستطيع أن نقول في غير حرج ولا مظنة رياء: إن عهد محمد باشا محمود كان فيه خير كثير، وقد كسب منه أنصار الفضيلة والأخلاق ودعاة الإسلام كسبًا غير يسير، نعم لم تحقق وزارة "الحكم الصالح"، وهو شعار الوزارة، كل ما عقد عليها من آمال، ولم تف بأغلب وعودها للتمكين للإسلام، ولكن كانت الحكومة يتولى الأمر فيها وزراء شيوخ ينقصهم جرأة الشباب وروعة الفتوة.. واليوم يقبض على أزمة الأمور وزارة جديدة على رأسها رفعة علي باشا ماهر.. وقد يتبادر إلى ذهن القارئ هذا السؤال:


ما موقف الإخوان المسلمين من الوزارة الجديدة؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال نود أن نمهد بالحقيقة الثابتة، وهي أن الإخوان المسلمين ليسوا حزبًا من الأحزاب يؤيد أو يعارض تبعًا لمصلحة حزبية أو جريًا وراء منفعة شخصية، ولكن الإخوان المسلمين دعوة إسلامية محمدية اتخذت من الله غايتها، ومن الرسول صلوات الله عليه وسلامه قدوتها، ومن القرآن دستورها، ولها برنامج واضح الحدود، ظاهر المعالم، يرمي إلى تجديد الإسلام في القرن الرابع عشر، وصبغ الحياة المصرية بالصبغة الإسلامية، وهيمنة تعاليم القرآن على جميع مظاهر الحياة من: تشريع، واجتماع، وسياسة، واقتصاد، كما يرمي إلى تحرير كل شبر في الأرض فيه نفس يردد: "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وأخيرًا نشر الإسلام ورفع راية القرآن في كل مكان حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.. فموقفنا إذن من وزارة علي باشا ماهر هو هو موقفنا من أية وزارة، موقف مبدئي ثابت، لا يتغير بتغير الوزارات، ولا يتبدل بتبدل الوزراء، ولكنه يتغير بتغير المواقف والأحداث، فمن أيد الفكرة الإسلامية وعمل لها، واستقام في نفسه وفي بيته، وتمسك بتعاليم القرآن في حياته الخاصة والعامة كنا له مؤيدين مشجعين، ومن عارض الدعوة الإسلامية ولم يعمل لها، بل وقف في سبيلها، أو حاول التنكيل برجالها، كنَّا له خصومًا، ونحن في كلتا الحالتين.. إنما نؤيد ونعارض ونحب ونكره لله وفي الله.


بدأ علي ماهر الحكم بإنشاء وزارة جديدة تهتم بالشئون الاجتماعية، ثم أنشأ بعد بداية الحرب العالمية الجيش المرابط، وقد صادفت تلك الأعمال موافقة الإخوان، فأيدوا ذلك المسلك، وقدموا مقترحاتهم إلى الحكومة، كما قدموا النصح لها في المواقف المختلفة، وقد استجابت الوزارة لبعض نصائح الإخوان.


كما ألغت الوزارة السيارات المخصصة لوكلاء الوزراء؛ وذلك لتقليل الإنفاق الحكومي، فضلاً عن ذلك قامت بترتيب ونقل مجموعة من الموظفين للعمل في وزارة الشئون الاجتماعية بدلاً من تعيين جدد، وشكر الإخوان ذلك المسلك من الحكومة، لكنهم طالبوهم بالمزيد في هذا الاتجاه، لا سيما التقليل من مظاهر الترف والأبهة في الأثاث وخلافه.


وفي مجال الإصلاح الاجتماعي طالب الإخوان الحكومة بإلغاء البغاء والقمار ومحاربة الموبقات التي ألمت بالمجتمع، وانتقد الإخوان جهود الوزارة في محاربة القمار، وتهكمت "النذير" على تلك الجهود التي انحصرت في منع المراهنات غير المرخص بها، كما انتقد الإخوان إعادة الحكومة لبحث مشروع اليانصيب الحكومي حتى توفر أموالاً لاستخدامها في وجوه الخير، وكانت افتتاحية مجلة "النذير" تهاجم ذلك المسلك وكتبت تقول: "أيها الإحسان.. كم من جرائم ترتكب باسمك"، وحينما حاولت الحكومة إلغاء البغاء السري والعلني طالبها الإخوان بتطبيق شرع الله حتى تقضي على البغاء، وانتقدوا خطط الحكومة في الإصلاح الاجتماعي، وبأن ما ظهر من خطوات وزارة الشئون يدل على أنها إما أنها تعمل بغير فكرة أساسية في الإصلاح، وإما أنها اختارت لنفسها السير على رسم أوروبي بحت غير ناظرة إلى تعاليم الإسلام، ولكنها لا تريد أن تصارح الناس بذلك، فهي تسايرهم في بعض المظاهر الإسلامية لكي تستر ما تضمر من برامج.


هكذا كان تعامل الإخوان مع حكومة علي ماهر وغيرها من الحكومات، ولما أنشأت الحكومة الجيش المرابط عرض الإمام البنا على عبد الرحمن باشا عزام وقائد الجيش المرابط ووزير الأوقاف مساعدته بانضمام فرق جوالة الإخوان إلى الجيش المرابط، واعتبارهم نواة لذلك الجيش، كما أرسل الإمام الشهيد رسالة إلى وزير الشئون الاجتماعية يعرض عليه تعاون الإخوان من خلال مجموعة منهم وهم: الأستاذ عمر التلمساني والدكتور محمد سليمان والأستاذ عيسى عبده تكون مهمتهم تقديم المقترحات والمذكرات في المشروعات التي تدرسها الوزارة، لا سيما أن للإخوان خبرة في تلك المجالات.


لقد كان لعلي ماهر موقف نحو القضية الفلسطينية يعد من أفضل مواقف رؤساء الوزراء في مصر، ففي مؤتمر المائدة المستديرة كان علي ماهر أفضل من عبَّر عن القضية الفلسطينية من الحكام العرب، وقد استقبله الإخوان في محطة مصر بهتافاتهم المعروفة وهتافهم لفلسطين، غير أن أحمد السكري- وكان يقود المظاهرة- هتف بحياة علي ماهر، فكان ذلك مصدرًا لاستياء بعض الإخوان، وقد استغل بعض المتربصين بالإخوان الحادثة للقول بأن الإخوان كانوا أداة في يد علي ماهر والقصر لمحاربة الوفد، وهذا أمر مخالف للحقيقة؛ لأن أول من اعترض على الهتاف كانوا هم الإخوان أنفسهم، وأقرهم الإمام البنا على ذلك، وليس أدل على أن هذا الأمر كان خطأً فرديًّا من أحمد السكري من أن أحدًا بعد تلك الحادثة لم يذكر أن الإخوان هتفوا لأحد بشخصه.


وقد قررت حكومة علي ماهر إعانة لمنكوبي فلسطين وأسر المجاهدين، فشكر الإخوان الحكومة أن تنبهت لذلك، وطالبها الإخوان بسرعة إرسال تلك المعونة والإشراف على توزيعها حتى لا يفوت الغرض منها.


وقد أصدر الإخوان بيانًا أعلنوا فيه مطالبهم من الحكومة، وكان من أهم ما جاء فيه ما يلي:

1- ألا تزيد الحكومة في مساعدة الإنجليز فوق ما قررته معاهدة 1936م، والاستفادة من ظروف الحرب العالمية للحصول على الاستقلال التام لمصر، وكسر أغلال معاهدة 1936م.


2- أن الدول الأوروبية جميعها سواء، لا عهد لها ولا ذمة، فهي تظهر غير ما تبطن، ولا تتردد في تكذيب نفسها إن وجدت مصلحتها في هذا التكذيب، فيجب ألا ننخدع بحياد ومحايد، بل يجب الاستعداد التام بكل معانيه لهذه الحرب.


3- أن الطريق الوحيد للإصلاح الداخلي أن تعود مصر لتعاليم الإسلام فتطبقها تطبيقًا سليمًا، وأن تقتبس من غيرها الأفكار النافعة التي لا تخالف الإسلام وتعاليمه، وعليه أن يعتمد في ذلك على رجال يؤمنون بتلك الأفكار أو يجاهرون بما ينافيها على الأقل، ثم يعرض عليه مساعدة الإخوان في أعمال وزارة الشئون الاجتماعية والجيش المرابط لسابق خبرتهم في ذلك، ثم قدم له برنامج عمل للوزارة حدده في عدة نقاط، وهي:


أ- التسامح التام مع خصومكم السياسيين، وتقدير ملاحظاتهم، والثناء عليهم في الحسن منها، وتلمُّس العذر لهم في الحملات الشديدة والانتقادات الخاصة، وانتهاز كل فرصة للتفاهم معهم.


ب- دوام الاتصال بالشعب بالزيارات من رفعتكم ومن كبار الحكام في بساطة وتواضع وبُعْدٍ عن كلفة الرسميات، وأبهة المناصب.


ج- القضاء التام على الرشوة والمحسوبية وداء الوساطة التي تفشت في كل شيء عند كل الطبقات.


4- الاقتصاد التام في الكماليات، وفي أبهة المناصب، وتعديل المرتبات الضخمة، وإلغاء مظاهر الترف الرسمي في دواوين الحكومة ومصالحها، وليبدأ بذلك حضرات الوزراء أنفسهم ثم كبار الموظفين من بعدهم.


5- العناية بالشئون الاقتصادية، وتوفير المشروعات الإصلاحية.


6- التشدد التام في حقوق الأمة القومية، وعدم اللين فيها، مهما كانت الظروف ضاغطة.


7- المحافظة التامة على الشعائر الإسلامية.


8- الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ودعوة الحليفة "إنجلترا" إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين في فلسطين، والسماح بالعودة للمهاجرين والاعتراف لهذا الوطن العربي الباسل الكريم بكامل حقوقه غير منقوصة.


ولم تستجب الوزارة لكثير من مطالب الإخوان حتى أن وزارة الشئون الاجتماعية عند تشكيلها لجنة الإرشاد الاجتماعي استبعدت منها الإخوان، أو أي ممثل للأزهر، أو الهيئات الإسلامية.


ولم يؤيد الإخوان المسلمون وزارة علي ماهر وهي في السلطة فقط، ولكنهم بعد أن ترك علي ماهر السلطة كتبت صحيفة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحييه على جهوده في الإصلاح أثناء الوزارة وتدعو حكومة النحاس باشا أن تكمل المسير في سبيل الإصلاح.


وأثناء الحرب العالمية الثانية كان الإخوان قد أعلنوا موقفهم الرافض للحرب، وأيدوا علي ماهر رئيس الوزراء حين حدد موقف مصر "الحياد والاستعداد" دون التورط في حرب ليس لنا مصلحة فيها.


وقد كتب الإمام البنا إلى هذه الوزارة ناصحًا فيقول: حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء.


أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وأحييكم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


وبعد: فقد شاء الله أن تقوموا بأعباء الحكم في ظروف شديدة حرجة كلها مفاجآت وتقلبات تتطلب كل اليقظة والاهتمام ودوام التفكير وحسن التصريف، ولا ندري لعل الله تبارك وتعالى- وهو الرحيم بهذا البلد وأهله- يخلق من ظروف الشدة وحدة عاملة وجهادًا دائمًا وفوائد لم تكن تخطر على بال، وأنتم في هذه الظروف أحوج ما تكونون إلى أن تكون الأمة جميعًا إلى جانبكم، تستمدون منها القوة في الرأي، والتأييد في مواقف العنت والإرهاق وساعات الخطر والتحكم، فإن الساعة رهيبة تهيب بكل مصري أن يتقدم بكل ما عنده، وقد أظهرتم- رفعتكم- اهتمامًا بالشئون الاجتماعية والإصلاح الداخلي تمثَّل ذلك في إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية وفى فكرة الجيش المرابط.


يا صاحب الرفعة: إن موقف مصر الدولي يجب أن يكون واضحًا صريحًا، ويجب ألا تتورط الحكومة في شيء لا شأن لها ولا صلة لها به، إننا أمة مستقلة تمام الاستقلال بحكم القانون الدولي، وبيننا وبين إنجلترا معاهدة تحالف، قَبِلَها من قَبِلَها تحت ضغط ظروف وأحوال خاصة، لا على أنها غاية ما ترجوه مصر، ولكن على أنها خطوة في سبيل تحقيق الأهداف المصرية السامية.


فالإخوان المسلمون- وهم الذين يرون في المعاهدة المصرية الإنجليزية إجحافًا كبيرًا بحقوق مصر واستقلالها الكامل- يريدون من حكومة مصر ألا تتجاوز هذه الحدود المرسومة على ما فيها من إجحاف بأية حال، ومهما كانت الدوافع إليه، وأن تنتهز كل فرصة للاستفادة من الظروف الحاضرة وتكسير القيود والأغلال التي تقيد حريتنا واستقلالنا وحقوق نهضتنا.


إن الإخوان المسلمين يعتبرون أن الطريق الوحيدة للإصلاح هي أن تعود مصر إلى تعاليم الإسلام فتطبقها تطبيقًا سليمًا، وأن تقتبس من كل فكرة قديمة أو حديثة شرقية أو غربية ما لا يتنافى مع هذه التعاليم ويكون فيه الخير للأمة، فالروح التي يجب أن تسود فكرة الإصلاح عندنا هي فكرة الاعتماد على قواعد الإسلام وأصوله وروحه والاستمداد منها.


يا صاحب الرفعة، يريد الإخوان المسلمون أن تسير الحكومة في إصلاحاتها، وهم يعتقدون أنها إذا أخلصت في هذا واهتمَّت به وقصدته حقًّا ولم تبالِ بإرجاف المرجفين واتهامات المبطلين المتحللين وتبرم الإباحيين الغافلين، فإن الله سينصرها والشعب سيؤيدها، ومن نصره الله وأيده الشعب فلن يُغْلب أبدا.


وعلى الرغم من علاقة الإمام البنا الشخصية برئيس الوزراء علي ماهر باشا إلا أنه عندما دعاه لحضور حفل زفاف ابنه بالإسكندرية فوجئ إخوان الإسكندرية بحضور فضيلته إلى دار الإخوان على غير موعد، وكان على استعداد لتلبية الدعوة في حالة التزام الحفل بآداب الإسلام وخلوه من منكرات أفراح طبقة الباشوات من: رقص، وخمر... إلخ، وتصرف الإمام البنا في هذا الموقف بذكاء فقد كلف أحد الإخوان الذين رافقوه من القاهرة بالانتقال لمشاهدة أوضاع الحفل وإحاطة الإمام هاتفيًّا بما رأى، فإن لم يكن بالحفل مخالفة شرعية أتم الإمام ما جاء من أجله، وإن وجد الأخ ما يسبب حرجًا للمرشد قام هو بالواجب، وعندما وجد الأخ أن الحفل كباقي هذه الحفلات لم يتصل بالإمام ففهم الإمام ولم يذهب.


كانت هذه هي العلاقة التي كانت بين الإخوان وهذه الوزارة، ورأينا كيف جمعت بينهما مصلحة الوطن، لا كما كتب الكُتَاب الشيوعيون والعلمانيون حول هذه العلاقة.. ومن أراد التأكد وتوثيق المعلومات فعليه بوثائق هذه الفترة التي أرخت لها.


للمزيد

1- فؤاد كرم, النظارات والوزارات المصرية, الجزء الأول, طبعة ثانية, الهيئة المصرية العامة الكتاب.

2- عبد الرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919، الجزء الأول، طبعة ثانية، طبعة دار المعارف، القاهرة 1409هـ / 1989م.

3- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

4- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1999م.