الإمام الندوي
العلامة الشيخ يوسف القرضاوي
في كتابه: الشيخ أبوالحسن الندوي كما عرفته
الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي أحد أعلام الدعاة إلى الإسلام في عصرنا، بلا ريب ولا جدال.. والحق أن الشيخ - حفظه الله ورعاه- قد آتاه الله من المواهب والقدرات، ومنحه من المؤهلات والأدوات: ما يمكِّنه من احتلال هذه المكانة الرفيعة في عالم الدعوة والدعاة.
العقيدة السليمة :
فقد آتاه الله: العقيدة السليمة: عقيدة أهل السنة والجماعة، سليمة من الشركيات والقبوريات والأباطيل، التي انتشرت في الهند، وكان لها سوق نافقة، وجماعات مروجة تغدو بها وتروح، تأثروا بالهندوس ومعتقداتهم وأباطيلهم، كما هو الحال عند جماعة (البريلويين) الذين انتسبوا إلى التصوف اسماً ورسماً، والتصوف الحق براء منهم، وقد حفلت عقائدهم بالخرافات، وعباداتهم بالمبتدعات، وأفكارهم بالترهات، وأخلاقهم بالسلبيات.
ولكن الشيخ تربى على عقائد مدرسة (ديوبند) التي قام عليها منذ نشأتها علماء ربانيون، طاردوا الشرك بالتوحيد، والأباطيل بالحقائق، والبدع بالسنن، والسلبيات بالإيجابيات.
إن العقيدة السلفية عند الشيخ هي: توحيد خالص لله تعالى لا يشوبه شرك، ويقين عميق بالآخرة لا يعتريه شك، وإيمان جازم بالنبوة لا يداخله تردد ولا وهم؛ وثقة مطلقة بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مصدرين للعقائد والشرائع والأخلاق والسلوك.
العقل والحكمة :
وآتاه الله : العقل والحكمة : {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}([1]) والحكمة أولى وسائل الداعية إلى الله تعالى، كما قال -عزوجل-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}([2]).
ولهذا نجده يقول الكلمة الملائمة، في موضعها الملائم، وفي زمانها المائم، ويشتد حيث تلزم الشدة، حتى يكون كالسيل المتدفق، ويلين حيث ينبغي اللين، حتى يكون كالماء المغدق، وهذا ما عرف به منذ شبابه الباكر إلى اليوم.
الثقافة الواسعة :
وآتاه الله : الثقافة ، التي هي زاد الداعية الضروري في إبلاغ رسالته، وسلاحه الأساسي في مواجهة خصومه، وقد تزود الشيخ بأنواع الثقافة الستة التي ذكرتها في كتابي: "ثقافة الداعية" وهي الثقافات: الدينية، واللغوية، والتاريخية، والإنسانية، والعلمية، والواقعية.
بل إن له قدماً راسخة، وتبريزاً واضحاً في بعض هذه الثقافات، مثل الثقافة التاريخية، كما برز ذلك في أول كتاب دخل به ميدان التصنيف، وهو الكتاب الذي كان رسوله الأول إلى العالم العربي، قبل أن يزوره ويتعرف عليه، وهو كتاب: "ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين؟" الذي نفع الله به الكثيرين من الكبار والصغار، ولم يكد يوجد داعية -بعد صدوره- إلا واستفاد منه.
الملكة الأدبية :
وآتاه الله: البيان الناصح والأدب الرفيع، كما يشهد بذلك كل من قرأ كتبه ورسائله، وكان له ذوق وحس أدبي، فقد نشأ وربا في حجر لغة العرب وأدبها منذ نعومة أظفاره، وألهم الله شقيقه الأكبر أن يوجهه هذه الوجهة في وقت لم يكن يعنى أحد بهذا الأمر، لحكمة يعلمها الله تعالى، ليكون همزة وصل بين القارة الهندية وأمة العرب، ليخاطبهم بلسانهم، فيفصح كما يفصحون، ويبدع كما يبدعون، بل قد يفوق بعض العرب الناشئين في قلب بلاد العرب.
القلب الحي :
وآتاه الله : القلب الحي، والعاطفة الجياشة بالحب لله العظيم، ولرسوله الكريم، ولدينه القويم، فهو يحمل بين جنبيه نبعاً لا يغيض وشعلة لا تخبو، وجمرة لا تتحول إلى رماد.
ولابد للداعية إلى الله أن يحمل مثل هذا القلب الحي، ومثل هذه العاطفة الدافقة بالحب والحنان والدفء والحرارة، يفيض منها على من حوله، فيحركهم من سكون، ويوقظهم من سبات، ويحييهم من موات.
هذا القلب الحي، يعيش مع الله في حب وشوق، راجياً خائفاًً، راغباً راهباً، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، كما يعيش في هموم الأمة على اتساعها، ويحيا في آلامها وآمالها، لا يشغله هم عن هم، ولا بلد عن آخر، ولا فئة من المسلمين عن الفئات الأخرى.
خلق المسلم الملتزم :
وآتاه الله : الخلق الكريم والسلوك القويم، وقد قال بعض السلف: التصوف هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، فقد زاد عليك في التصوف! وعلق على ذلك الإمام ابن القيم في (مدارجه) فقال: بل الدين كله هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، فقد زاد عليك في الدين.
ولاغرو أن أثنى الله على رسوله بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}([3]) وأن أعلن الرسول الكريم عن غاية رسالته، فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»([4]).
ومن عاشر الشيخ -ولو قليلاً- لمس فيه هذا الخلق الرضيّ، ووجده مثالاً مجسداً لما يدعو إليه، فسلوكه مرآة لدعوته، وهو رجل باطنه كظاهره، وسريرته كعلانيته، نحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا نزكيه على الله -عزوجل-، ومن هذه الأخلاق الندوية: الرقة، والسماحة، والسخاء والشجاعة، والرفق، والحلم، والصبر، والاعتدال، والتواضع، والزهد، والجد، والصدق مع الله ومع الناس، والإخلاص، والبعد عن الغرور والعجب، والأمل والثقة ، والتوكل واليقين، والخشية والمراقبة، وغيرها من الفضائل والأخلاق الربانية والإنسانية.
وهذا من بركات النشأة الصالحة في بيئة صالحة في أسرة هاشمية حسنية: {ذرية بعضها من بعض}
فما أجدره بقول الشاعر :
من الرجال المصابيح الذين هـم كأنهم مــن نجــوم حيـة صنعــوا
أخلاقهم نورهم، من أي ناحية أقبلت تنظر في أخلاقهم سطعوا!
ركائز الفقه الدعوي عند الإمام الندوي
ويقوم فقه الدعوة عند العلامة أبي الحسن الندوي على ركائز وأسس تبلغ العشرين، منها ينطلق، وإليها يستند، وعليها يعتمد، نجملها هنا:
1 - تعميق الإيمان في مواجهة المادية:
تعميق الإيمان بالله تعالى، وتوحيده سبحانه: رباً خالقاً، وإلهاً معبوداً، واليقين بالآخرة، داراً للجزاء، ثواباً وعقاباً، في مواجهة المادية الطاغية.
2 - إعلاء الوحي على العقل :
اعتبار الوحي هو المصدر المعصوم، الذي تؤخذ منه حقائق الدين وأحكامه، من العقائد والشرائع والأخلاق، واعتبار نور النبوة فوق نور العقل، فلا أمان للعقل إذا سار في هذا الطريق وحده من العثار، ولا أمان للفلسسفات المختلفة في الوصول إلى تصور صحيح عن الألوهية والكون والإنسان والحياة.
3 - توثيق الصلة بالقرآن الكريم :
باعتباره كتاب الخلود، ودستور الإسلام وعمدة الملة، وينبوع العقيدة، وأساس الشريعة وهو يوجب اتباع القواعد المقررة في تفسيره وعدم الالحاد في آياته وتأويلها وفق الأهواء والمذاهب المنحولة.
4 - توثيق الصلة بالسنة والسيرة النبوية :
باعتبار السنة مبينة القرآن وشارحته نظرياً، وباعتبار السيرة هي التطبيق العملي للقرآن، وفيها يتجلى القرآن مجسداً في بشر (كان خلقه القرآن)([5]) وتتجلى (الأسوة الحسنة)([6]) التي نصبها الله للناس عامة، وللمؤمنين خاصة، لهذا كان المهم العيش في رحاب هذه السيرة، والاهتداء بهديها ،والتخلق بأخلاقها، لا مجرد الحديث عنها، باللسان أو بالقلم.
5 - إشعال الجذوة الروحية (الربانية الإيجابية):
اشعال الجذوة الروحية في حنايا المسلم ، وإعلاء (نفخة الروح) على قبضة الطين والحمأ المسنون في كيانه، وإبراز هذا الجانب الأساسي في الحياة الإسلامية التي سماه الشيخ (ربانية لا رهبانية).بابراز العنصر الإيجابي في هذه الحياة الروحية المنشودة، فهي روحية اجتماعية، كما سماها أستاذنا البهي الخولي -رحمه الله-([7]) وهي ربانية إيجابية تعمل للحياة ولا تعتزلها، ولا تعبدها، وتجعل منها مزرعة للحياة الأخرى: حياة الخلود والبقاء.
6 - البناء لا الهدم، والجمع لا التفريق:
إن العلامة الشيخ الندوي جعل همه في البناء لا الهدم، والجمع لا التفريق، وأنا أشبهه هنا بالإمام حسن البنا -رحمه الله-، الذي كان حريصاً على هذا الاتجاه الذي شعاره: نبني ولا نهدم، ونجمع ولا نفرق، ونقرب ولا نباعد، ولهذا تبنى قاعدة المنار الذهبية: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) وهذا هو توجه شيخنا الندوي فهو يبعد ما استطاع عن الأساليب الحادة، واالعبارات الجارحة ، والموضوعات المفرقة، ولا يقيم معارك حول المسائل الجزئية، والقضايا الخلافية.
ولا يعني هذا: أنه يداهن في دينه، أو يسكت عن باطل يراه أنه خطأ جسيم يشاهده، بل هو ينطق بما يعتقده من حق، وينقد ما يراه من باطل أو خطأ، لكن بالتي هي أحسن.
7- إحياء روح الجهاد في سبيل الله تعالى:
إحياء روح الجهاد في سبيل الله، وتعبئة قوى الأمة النفسية للدفاع عن ذاتيتها ووجودها، وإيقاد شعلة الحماسة للدين في صدور الأمة، التي حاولت القوى المعادية للإسلام إخمادها، ومقاومة روح البطالة والقعود، والوهن النفسي، الذي هو حب الدنيا وكراهية الموت.
8 - استيحاء التاريخ الإسلامي وبطولاته :
استيحاء التاريخ -ولا سيما تاريخنا الإسلامي- لاستنهاض الأمة من كبوتها، فالتاريخ هو ذاكرة الأمة، ومخزن عبرها، ومستودع بطولاتها، والشيخ يملك حسا تاريخياً فريداً، ووعياً نادراً بأحداثه الكبار، والدروس المستفادة منها... والتاريخ عنده ليس هو تاريخ الملوك والأمراء وحدهم، بل تاريخ الشعوب والعلماء والمصلحين والربانيين، ليس هو التاريخ السياسي فقط، بل السياسي والاجتماعي والثقافي والإيماني والجهادي، ولهذا يستنطق التاريخ بمعناه الواسع.
9 - نقد الفكرة الغربية والحضارة الحديثة :
نقد الجاهلية الحديثة، المتمثلة في الفكرة الغربية، والحضارة المادية المعاصرة، ورؤيته هنا واضحة كل الوضوح لحقيقة الحضارة الغربية وخصائصها، واستمدادها من الحضارتين: الرومانية واليونانية، وما فيهما من غلبة الوثنية، والنزعة المادية الحسية، والعصبية القومية، وهو واع تماماً للصراع القائم بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية ، وخصوصاً في ميادين التعليم والتربية والثقافة والقيم والتقاليد، وقد أنكر الشيخ موقف الفريق المستسلم للغرب، المقلد له تقليداً أعمى في الخير والشر، ومثله: موقف الفريق الرافض للغرب كله، المعتزل لحضارته بمادياتها ومعنوياتها.. ونوه الشيخ بموقف الفريق الثالث، الذي لا يعتبر الغرب خيراً محضاً، ولا شرا محضاً، فيأخذ من الغرب وسائله لا غاياته، وآلياته لا منهج حياته.
10- نقد الفكرة القومية والعصبيات الجاهلية :
نقد ما شاع في العالم العربي والعالم الإسلامي كله، من التنادي بفكرة (القومية) القائمة على إحياء العصبيات الجاهلية، بعد ما أكرم الله به هذه الأمة من الأخوة الإسلامية، والإيمان بالعالمية، والبراءة من كل من دعا إلى عصبية، أو قاتل على عصبية أو مات على عصبية، وأشد ما آلمه: أن تتغلغل هذه الفكرة بين (العرب) الذين هم عصبة الإسلام، وحملة رسالته، وحفظة كتابه وسنته، وهو واحد منهم نسباً وفكراً وروحاً.
11- تأكيد عقيدة ختم النبوة ومقاومة الفشة القاديانية :
عقيدة ختم النبوة وهي عقيدة معلومة من الدين بالضرورة بين المسلمين طوال القرون الماضية، ولم يثر حولها أي شك أو شبهة، وإنما أوجب تأكيد هذه العقيدة: ظهور الطائفة القاديانية بفتنتهم الجديدة التي اعتبرها الشيخ (ثورة على النبوة المحمدية).
12- مقاومة الردة الفكرية :
مقاومة الردة الفكرية التي تفاقم خطرها بين العرب والمسلمين عامة، والمثقفين منهم خاصة، فكما قاوم الشيخ (الردة الدينية) التي تمثلت في القاديانية، التي أصر علماء المسلمين كافة في باكستان على اعتبارهم أقلية غير مسلمة، لم يأل جهداً في محاربة هذه (الردة العقلية والثقافية).
13 - تأكيد دور الأمة المسلمة واستمرارة في التاريخ:
تأكيد دور الأمة المسلمة، في هداية البشر والشهادة على الأمم، والقيام على عبادة الله وتوحيده في الأرض، كما أشار إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"([8])، وهذه الأمة صاحبة رسالة شاملة، وحضارة متكاملة، مزجت المادة بالروح، ووصلت الأرض بالسماء، وربطت الدنيا بالآخرة، وجمعت بين العلم والإيمان، ووفقت بين حقوق الفرد ومصلحة المجتمع، وهذه الأمة موقعها موقع القيادة والريادة للقافلة البشرية، وقد انتفعت منها البشرية يوم كانت الأمة الأولى في العالم.. ثم تخلفت عن الركب لعوامل شتى، فخسر العالم كثيراً بتخلفها.
14 - بيان فضل الصحابة ومنزلتهم في الدين :
بيان فضل الجيل المثالي الأول في هذه الأمة، وهو جيل الصحابة - رضوان الله عليهم- أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، وأنزل عليهم ملائكته في بدر والخندق وحنين، وهم الذين أثنى عليهم الله تعالى في كتابه في عدد من سوره ، وأثنى عليهم رسوله في عدد من أحاديثه المستفيضة، وأكد ذلك تاريخهم وسيرتهم ومآثرهم، فهم الذين حفظوا القرآن، والذين رووا السنة، والذين فتحوا الفتوح، ونشروا الإسلام في الأمم.
وهم طليعة الأمة وأسوتها في العلم والعمل، وأئمتها في الجهاد والاجتهاد، وتلاميذهم من التابعين على قدمهم، وإن لم يبلغوا مبلغهم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم"([9]) فمن شكك في عظمة هذا الجيل وفي أخلاقه ومواقفه، فقد شكك في قيمة التربية المحمدية.
15 - التنويه بقضية فلسطين وتحريرها :
فقضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولا العرب وحدهم، بل هي قضية المسلمين جميعاً، فلابد من إيقاظ الأمة لخطرها، وتنبيهها على ضرورة التكاتف لتحريرها، واتخاذ الأسباب، ومراعاة السنن المطلوبة لاستعادتها.
16 - العناية بالتربية الإسلامية الحرة :
لعناية بالتربية الإسلامية الحرة التي لا تستمد فلسفتها من الغرب ولا من الشرق، إنما تستمد فلسسفتها من الإسلام: عقيدة وشريعة وقيماً وأخلاقاً، في حين تقتبس وسائلها وآلياتها من حيث شاءت، في إطار أصولها المرعية، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، وهو ينكر على التعليم القديم طرائقه في العناية بالألفاظ والجدليات، كما ينكر على التعليم الحديث إغفاله للروح وأهداف الحياة وينقل من إقبال قوله : إن التعليم الحديث لا يعلم عين الطالب الدموع ، ولا قلبه الخشوع ، ولقد أولى شيخنا جانب التربية إهتماما بالغا ؛ لأنها هي التي تصنع أجيال المستقبل ، والتهاون فيه تهاون في الثروة البشرية .
17 - العناية بالطفولة والنشء :
العناية بالطفولة ، والكتابة للأطفال والناشئين، بوصفهم رجال الغد، وصناع تاريخ الأمم، وقد التفت الشيخ إلى هذا الأمر الخطير، وهو في الثلاثينات من عمره، وكتب مجموعة من قصص النبيين للأطفال، في لغة سهلة، وأسلوب عذب، وطريقة شائقة، مضمناً إياها ما يجب من المعاني والقيم، ومن الدروس والعبر، ومن العقائد والمثل، حتى قال بعض العلماء: إنها (علم توحيد) جديد للأطفال، وأثنى عليها أديب كبير كالشهيد سيد قطب، مارس هذا العمل أيضاً.
18 - إعداد العلماء والدعاة الربانيين المعاصرين:
العمل الدؤوب لإعداد العلماء والدعاة الربانيين، الذين يجمعون بين المعرفة الإسلامية، والرؤية العصرية، مع الغيرة الإيمانية والأخلاق الربانية، وهذا ما اجتهد الشيخ في أن يسهم فيه بنفسه عن طريق التدريس في (دار العلوم) ثم عن طريق تطوير المناهج، وعن طريق وضع المقررات والكتب الدراسية، ثم عن طريق الاشتراك في مجالس الجامعات والمؤسسات التعليمية في الهند، وفي غيرها، مثل المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وهو يرى أن المسلمين أحوج ما يكونون اليوم إلى الداعية البصير، والعالم المتمكن، الذي إذا استقضي قضى بحق، وإذا استفتي أفتى على بينة، وإذا دعا إلى الله دعا على بصيرة.
19 - ترشيد الصحوة والحركات الإسلامية :
ترشيد الصحوة الإسلامية، التي يشهدها العالم الإسلامي، بل يشهدها المسلمون في كل مكان، حتى خارج العالم الإسلامي، حيث توجد الأقليات والجاليات الإسلامية في أوربا والأمريكتين والشرق الأقصى وغيرها، وهي صحوة عقول وقلوب وعزائم، ولكن يخشى على الصحوة من نفسها أكثر من غيرها، فتتآكل من الداخل، قبل أن تضرب من الخارج.
وأعظم ما يخشى على الصحوة : الغلو والتشديد في غير موضعه، والتمسك بالقشور وترك اللباب، والاشتغال الزائد بالجزئيات والخلافيات، وسوء الظن بالمسلمين إلى حد التأثيم والتضليل، بل التكفير.
والشيخ بطبيعته رجل معتدل في تفكيره، وفي سلوكه وفي حياته كلها: فهو قديم جديد، وهو تراثي وعصري، وهو سلفي وصوفي، ثابت ومتطور في لين الحرير وصلابة الحديد، وهكذا يريد لجيل الصحوة أن يكون.
20 - دعوة غير المسلمين :
دعوة غير المسلمين للإسلام استكمالاً لما قامت به الأمة في العصور الأولى، وقد ساهم الشيخ في ذلك منذ عهد مبكر -وهو ابن الثانية والعشرين- بدعوة الدكتور أمبيدكر -زعيم المنبوذين- إلى الاسلام، ورحلته إليه في بومباى.
وهو يرى أن فضل الأمة الإسلامية على غيرها في قيامها بواجب الدعوة إلى الله، وأن البشرية اليوم -رغم بلوغها ما بلغت من العلم المادي والتطور التكنولوجي- أحوج ما تكون إلى رسالة الإسلام، حاجة الظمآن إلى الماء، والسقيم إلى الشفاء، والأمة الإسلامية هي وحدها التي تملك قارورة الدواء ومضخة الإطفاء.
تلك هي الركائز العشرون، التي قام عليها فقه الدعوة عند الإمام الندوي وكل ركيزة منها تحتاج منها تحتاج إلى شرح وتفصيل([10]).
(رواه ابن سعد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم والبيهقي في كتب عن أبي هريرة كما في صحيح الجامع الصغير: 2349).
ملخصا من مقاليه :
-فقه الدعوة عند العلامة أبـي الحسن الندوي .وركائز الفقه الدعوي عند العلامة أبي الحسن الندوي - المنشورين في مجلة البعث الإسلامي عدد رجب وشعبان وعدد رمضان 1417هـ
الندوي الأديب
لغة الشيخ:
واللغة التي يكتب بها الشيخ الندوي أو يخطب بها: لغة أدبية راقية، سواء قرأت له مؤلفا أو استمعت إليه محاضرا وأعني اللغة العربية فأنت لا تحس بأن صاحب هذا الكتاب أو الرسالة أعجمي المولد والنشأة وإن كان عربي النسب والأصل.
ولقد سمعت من تلاميذ الشيخ من الهنود: أنه يعتبر من الأدباء المعدودين في الأردية وهذا ليس بغريب ولكن الغريب حقا أن يكون كذلك من أدباء العربية الذين يؤثرون في الفكر والشعور بكلماتهم الحية والجميلة وعباراتهم الناصعة والأخاذة.
ولقد شهد له بذلك من شهد من كبار الأدباء وحسبنا منهم الأديب الكبير الأستاذ علي الطنطاوي الذي قال في تقديمه لكتاب الشيخ (مختارات من أدب العرب ):
((قد يشتغل غير العربي بعلوم العربية حتى يكون إماما فيها في اللغة والنحو والصرف والاشتقاق وفي سعة الرواية بل إن أكثر علماء العربية كانوا (في الواقع) من غير العرب ولكن من النادر أن يكون فيهم من له هذا الذوق الأدبي الذي نعرفه لأبي الحسن فلو لم تثبت عربيته بصحة النسب لثبتت بأصالة الأدب)).
وكتب رسائل شتى في ضوء آيات قرآنية كانت ملهمة له مثل حديثه عن قوله تعالى: (والذين كفرو بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وقارئ كتبه ومقالاته يلمس أنه من المتذوقين الكبار لكتاب الله الذين يحسنون الاستشهاد به وخصوصا في النواحي الإيمانية والاجتماعية والأمثلة على ذلك كثيرة وفيرة. الندوي الداعية المؤرخ
الندوي والتاريخ:
وأعظم مجال ساهم فيه الشيخ بقوة وتفوق، هو التاريخ الإسلامي، ابتداء بالسيرة النبوية التي هي بداية هذه التاريخ.
وهو من الغواصين في أعماق التاريخ، المطلعين على بواطنه وآفاقه، العارفين بنقاط القوة ونقاط الشعف فيه، وقد وظفه في خدمة فكرته في إيقاظ الأمة، وتنبيهها على قيمتها بين الأمم، ورسالتها في العالمين.
ولقد تجلت هذه المعرفة بالتاريخ منذ كتابه الأول، الذي قدمه إلى المسلمين في العالم العربي والإسلامي: (ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين؟).
كما تجلى ذلك فيما كتبه عن التجديد والمجددين في التاريخ الإسلامي، في محاضراته بجامعة دمشق، وقد نشرت باسم (رجال الفكر والدعوة في الإسلام).. فقد تناول التاريخ تناولا جديدا، وبين أن من سنن الله تعالى أن يظهر في كل عصر المجدد الذي تحتاج إليه الأمة، ليسد ثغرة في بنيانها لا يسدها سواه. وعلى هذا الأساس تكلم عن (عمر بن عبد العزيز)، وعن( الحسن البصري)، وعن (الغزالي)، وعن (عبد القادر الجيلاني)، وعن (جلال الدين الرومي) وغيرهم.
ومما يذكر له هنا: أنه اهتدى إلى مصادر للتاريخ لم يهتد إليها غيره، مما لا يحسب من مصادر التاريخ في العادة.
وأصدر بعد ذلك دراسة عن شيخ الإسلام (ابن تيمية)، ودراسة عن الإمام (السرهندي) الذي لقب بمجدد الألف الثاني. وعن حكيم الإسلام في الهند المجدد الكبير (أحمد بن عبد الرحيم) المعروف باسم شاه ولي الله الدهلوي.
كما تحدث عن الإمام الذي لم يأخذ حقه من الاعتراف والإنصاف (أحمد بن عرفان الشهيد) البطل العالم الرباني المجاهد، أحد جدود الشيخ اللامعين في سماء الهند.
كما أصدر في السنوات الأخيرة كتابه القيم عن (المر تضى أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه).
ومن ثم نجد تركيزه في التاريخ على الشخصيات المؤثرة، سواء في الجانب العلمي والفكري مثل: الغزالي وابن تيمية، أم الإصلاحي والتربوي مثل: السرهندي والدهلوي، أم الجهادي والسياسي مثل: عمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي، وأحمد بن عرفان.