الإنسان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(الإنسان الفرد)


تمهيد

Ikhwan-logo1.jpg

في مشروعنا الحضاري يحتل الإنسان، الفرد والمجتمع، المكانة الأولى في رؤيتنا الحضارية في حمل عبء هذا المشروع، والمضي به في طريق الإنجاز الحق.

الإنسان هو المكون الأول من مكونات الدولة، ومادة وجودها، وهدف سعيها. والوطن هو الوعاء الذي يضم الإنسان بين جنباته، والسلطة هي القوة التي ترعى حياة الإنسان، وتحمي وجوده، وتمنع عنه بغي الخلطاء، وغوائل الغرباء.

ومع أن الإسلام قد أكد في كثير من نصوصه الربانية، على الدور الإيجابي الفاعل والمبدع للإنسان (الفرد)، من خلال انتظامه عضواً في جماعة. إلا أن حالة من (الوهن) و(السلبية) و(التواكلية) قد رانت على شخصية الإنسان المسلم، فدفعت بالأمة من خلال إنسانها إلى هامش الحياة، وانحدرت بها من يفاع (العلم) و(السيادة) إلى حضيض الجهل والتبعية.

فقد الإنسان (العربي) هويته، وأضاع ذاته، وسعى منذ منتصف القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، إلى أن يعيد طرح مشروع نهضوي عربي، إلا أن الجهود في هذا المجال قد منيت بالإخفاق، ولعل من الأسباب الرئيسية لذلك العجزَ عن إعادة التأهيل الحضاري (للفرد) و(للجماعة)؛ وفق معطيات التصور الإسلامي، والبناء التاريخي والنفسي للإنسان العربي. وخلال ما يزيد على القرن قيام العديد من المحاولات لإلحاق الإنسان العربي، بحضارات أخرى، قصارى ما يمكن أن يحققه بها من نجاح، هو أن يكون تابعاً للآخرين!!


حقيقة أساسية في مشروعنا الحضـاري

ومع إقرارنا بتفوق الحضارة الغربية في جانبها المادي، مما أدى إلى امتلاكها توأمي القوة والثروة. إلا أننا لا نعتبر الحضارة الغربية بكل أبعادها أنموذجاً نسعى إلى تقليده، لنصير إلى ما صار القوم إليه. وإذا كنا نفتقد بالحقيقة هذين العنصرين من عناصر العمران البشري (القوة والثروة)، فإن هذا لا يعني تضخيم هذين البعدين، واعتبارهما كل شيء في بناء الحضارة. إن مشروعنا الحضاري يرتكز على رؤية متكاملة، ترعى شؤون الإنسان كما ترعى شؤون الكون والحياة، وربط كل ذلك برب الإنسان، وخالق الكون، وواهب الحياة، بلا تفريط ولا إفراط.


الإنسان في الإسلام

وفي مقابل هذه الرؤية الغربية للإنسان (الفرد) المنطلق في فضاء لا تحده غير قدرته، ولا تضبطه إلا إمكاناته، يقدم الإسلام، دين الوسطية والاعتدال، رؤية أخرى (للإنسان).

لقد أعلى الإسلام مكانة الفرد، وجعله مناط المسؤولية والتكليف. وقصة الخليقة كلها كما يصورها القرآن الكريم تدور حول شخص واحد، جعله الله خليفة في الأرض، ودعا الملائكة للسجود بين يديه، وسخر له ما في الأرض جميعاً، وخاطب أجيال البشر من خلاله، وأعلن كرامته في أكثر من نص، وخصه بالتكليف وبالشرائع، ووضع على كاهله العبادات والفرائض، وهداه النجدين، وكتب عليه الابتلاء، ولقد كرر القرآن الكريم تذكير الإنسان بمسئوليته الفردية، فلم يحمله وزر من سبقه، أو من عاش معه (ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولكنه في الوقت نفسه أناط به مسئولية العيش ضمن جماعة، حدّد قوانينها ومناهجها، وطلب منه أن يقوم في نفسه بحقها، على حسب قدراته وطاقاته.

فللجماعة على الفرد في التصور الإسلامي حقوق عينية وحقوق كفائية: أوجب عليه الزكاة، وحضه على الصدقة، وإغاثة الملهوف، والعمل على نفع الخلق، والتعاون مع الآخرين على البر والتقوى، وندبه إلى إشاعة الخير، وإظهار البشر، وإماطة الأذى عن الطريق، في منظومة من شعب الإيمان الجماعية التي لا يتسع المقام لسردها، كما حرّم عليه دماء الآخرين وأعراضهم وأموالهم، إلا بحقها، حسب منظومة أخرى من شعب العصيان التي تنتظم الكبائر رأس أمرها.

وإلى جانب الحقوق العينية (الأوامر والمنهيات)، قرر الإسلام على كاهل (الفرد)، أو (الجماعة) منظومة من الواجبات الكفائية، التي تعتبر بحد ذاتها أصلاً تشريعياً فريداً يميز حضارة الإسلام في نظرها للإنسان فرداً في جماعة.

وأكد الإسلام منظومة الحقوق المتبادلة بين الفرد والمجتمع. فأوجب له على (الأسرة) وعلى (المجتمع) وعلى (الدولة)، وأوجب عليه، على قواعد من العدل والمساواة، وندب ذا الفضل ليعود بما لديه على غيره، من غير أنانية أو استئثار.

وأرسى الإسلام كذلك القواعد للحياة العامة، والأخلاق الفاضلة، وجعل الالتزام بها حقاً من حقوق الله على العباد، فمقاييس الخير والعدل والحق والفضيلة واضحة ثابتة، لا تتغير تبعاً للأهواء والمصالح.

ولعل أهم ما يميز التصور الإسلامي للإنسان عن التصور الغربي، ذي النزعة المغرقة في (تأليه الفرد)، واعتباره المرجع في كل شيء، والحاكم على كل شيء، والمالك لكل شيء، ضمن دوائر فضفاضة لا تحدها إلا قدرته ودوائرُ وجود الآخرين. نظرته إلى الإنسان على أنه (خليفة) و(مستخلف):

(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.)

نعتقد أن هذه الأساسية في التصور الإسلامي، تعتبر نقطة المفاصلة الأساسية بين الإسلام وغيره من التصورات، وعلى أساس هذه الحقيقة ينشأ الكثير من قضايا التمايز.

فالخليفة، هو الذي يقوم بمهامه على أساس الاستخلاف المنهجي، الذي فرضه عليه المستخلِف، صاحب الأمر الأول (ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين ). والمستخلَف، هو الذي يتصرف في مادة الاستخلاف على أساس يقرره المالك الأساسي: للحياة والكون، للمادة والأعيان.


المـرأة: تصـور ومكانـة

الحديث عن الإنسان، حديث عن الرجل والمرأة على حد سواء، ولعل من روائع العربية أن تقول عن الرجل: إنسان، وعن المرأة إنسان.

إلاّ أن خصوصيات شرعية وحضارية واجتماعية تتطلب أن نفرد جانباً من الحديث عن الإنسان، للمرأة في خصوصيتها الإنسانية والشرعية والاجتماعية.

فوضع المرأة في عالمنا العربي تتغشاه ظلمات ثلاث من الإشكالات التي تجعله أكثر غموضاً وصعوبة من وضع أخيها الرجل: الأولى هي دوامة من المخططات العالمية المريبة، تدور كالإعصار حول المرأة المسلمة، لتقتلعها من جذورها، وتلقي بها حطباً يابساً، وقوداً لتنوير مزعوم!. والظلمة الثانية، وضع اجتماعي موروث ينال من الرجل كما أشرنا فيلقيه في حبالة التخلف والجهل، ويكون أثره في حال المرأة أقوى وأبعد أثراً. والظلمة الثالثة نشأت من اختلاط المفاهيم والقيم الاجتماعية بالقيم الدينية، وأخذها بعض قداستها، بفعل عوامل من الفهم المغلوط لطبيعة العادات.

المعركة في موضوع المرأة متقدة على أكثر من محور، وعلى أكثر من صعيد، ولذا فإن حديثنا عنها: (تصوراً ومكانة) في إطار مشروعنا الحضاري ربما يطول بعض الشيء، ولكنه طول لا بد منه لرد الأمر في موضوع المرأة إلى نصابه الشرعي العام.


شقيقان من نفس واحدة..

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ).

تلك هي قضية الخلق: نفس واحدة يشتق منها زوجها، فإذا (النساء شقائق الرجال )، وإذا الناس رجال كثير ونساء. والعلاقة بين الشقيقين تقوم في دوائر ثلاث هي التماثل، والتمايز، والتكامل.

أولاً ـ التماثل:

المظهر الأول في التصور الإسلامي لتماثل الذكر والأنثى، وحدة الجوهر الإنساني بكل حقائقه وأبعاده، وهذا التصور يمثل حقيقة ربانية في عالم الخلق والتكوين، لم تتوصل إليه البشرية عبر مخاضها الفكري إلا في عقود متأخرة. وللتذكير نقول، إن رجال الثورة الفرنسية ومن واكبهم في أمسهم القريب كانوا يتمارون في إنسانية (المرأة)، ويتجادلون في مجامعهم المسكونية حول روحها (الإنساني) أو (الشيطاني).

والمظهر الثاني للتماثل، هو تماثلها، باستقلال الشخصية الإنسانية، التي تتأسس عليها المساواة في الشخصية الاعتبارية أو القانونية، فللمرأة في التشريع الإسلامي أهليتها لكل الأنشطة المدنية في ميدان العقود، وهذا يعطي المرأة الحق أن تمتلك، وتبيع وتشتري وترهن وتقرض وتهب وتتصدق وتضارب وتوكل وتتوكل... الخ

والمظهر الثالث من مظاهر التماثل؛ التماثل في حمل أمانة التكليف، والتكليف الرباني تشريف وتكريم للإنسان، ينبع من أهليته: العقلية وتوازنه النفسي، وقدراته العامة. في الإسلام اعتبرت المرأة كاملة الأهلية، كاملة التكليف، وحطت عنها بعض التكاليف لمقتضيات طبيعتها الخاصة. والأجر على العبادة والطاعة في الإسلام للذكر والأنثى سواء: (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) والعقوبة على المعصية في الإسلام للذكر والأنثى، بخلاف أعرافنا الاجتماعية سواء: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ).

وكل نداء وجهه الله سبحانه وتعالى للناس بقوله: (يا أيها الناس) دخل فيه الذكور والإناث. وكل نداء وجهه الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا بقوله (يا أيها الذين آمنوا) دخل فيه المؤمنون والمؤمنات.

والحديث عن وضع الجهاد عن المرأة فيه تأمل وتفصيل، فإنما وضع عنها جهاد الطلب، وهو على أخيها الرجل من فروض الكفايات، أما جهاد الدفع فهو فرض عين على الرجال والنساء.

هذا التماثل الشرعي: في جوهر الإنسانية، وفي الأهلية الشرعية والقانونية، وفي حمل أمانة التكليف؛ هو الذي يشكل أساس رؤيتنا لمكانة كل من الرجل والمرأة، ويجدر بنا أن نقرر في هذا المقام، أنه لا تخصيص في تكليف المرأة، إلا بشاهد شرعي يخصص العام في حقها لعلة أنوثتها. وشمول عموم الخطاب الذكر والأنثى قاعدة أساسية من قواعد الخطاب الشرعي.


ثانياً ـ التمايز:والتمايز هو الذي يعطي كل شقيق مغزاه، وليس معنى التماثل هو (التطابق)، إذ لو كان التماثل (بمعنى التطابق)، لما كان هناك شقيقان أو زوجان، أو ذكر وأنثى، وللتمايز بين الشقيقين مظاهره: التكويني /الخَلقي/ (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ).

ومن مظاهر التمايز بين الشقيقين: التمايز النفسي (السيكولوجي)، وهو مجلى آخر من مجالي التمايز الناشئ عن الحقيقة الأولى، حقيقة أن الأنثى خُلقت لتكون أماً، أي لتعطي بلا حدود، وبرضى تام، بل بغبطة غامرة، من جسمها ودمها ونفسها وروحها، من وجودها كله، بلا منّ ولا أذى ولا انتظار عوض.

ومن مظاهر التمايز ما ورد في الحديث الشريف (… ما رأيت ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ).

وعندما سئل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن سر النقصان، حصره في مظهرين فبين أن نقصان دينها، في تركها الصلاة أيام عادتها الشهرية. وأن نقصان عقلها في أن شهادة المرأة جاءت على النصف من شهادة الرجل.

إن نقصان الدين -في سياق الحديث- ليس نقصاناً في الأهلية الشرعية. بل إن مقتضيات الأنوثة، قد فرضت على المرأة أن تترك بعض الشعائر في أيام محدودة، ولهذا نقصت عبادتها، فنقص الدين هنا شيء غير نقص الأهلية الشرعية، أو نقص الأهلية الإنسانية.

ونقصان العقل -في سياق الحديث- ليس نقصاً في القدرة على المحاكمة والتمييز، ولا قصوراً في التفكير، إنما يرتبط بالوقائع المشخصة التي يتلقاها الإنسان بعقله وقلبه معاً، ثم يطلب إليه أن يؤديها من جديد، تلك هي وقائع الشهادة في ميدان القضاء، أن يشهد الإنسان على وصية لأيتام فقراء ضعاف، أو أن يشهد على مدين فقير، أو على سائق رآه يدهس طفلاً بصورة مروعة. أمام هذه الوقائع تهتز الصور وتختلط الحقائق، ويتقدم بعضها على بعض عند الإنسان، ولذا قد حذر الشارع من هذا ابتداء، وطلب من الشاهد أن يؤدي الشهادة على وجهها (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً، فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا )

هذا الأثر العاطفي النفسي عند المرأة: الأنوثة والأمومة، والتي تنحاز فطرياً إلى جانب الأصغر والأضعف هو الذي جعل الشارع يقرن شهادتها بشهادة أختها لتتعاون على إعادة تصوير الواقعة، كما كانت، من غير اتهام للمرأة بتعمد التحريف والتغيير.

كما شفع الشارع شهادة الرجل بشهادة أخيه، وأكد على أن تكون الشهادة لذَوَيْ عدل، ولم يزعم أحد أن في هذا إهانة للرجل، أو انتقاصاً لقدراته الفكرية أو العقلية (العامة).


ثالثاً ـ التكامل:

أما التكامل فيتجلى في هذه المزاوجة بين الذكر والأنثى، لتكون النفس الواحدة، وليكون الإنسان. النفس الواحدة في المحضن الطبيعي لتنشئة بشر أسوياء، يقوم كل بدوره في الحياة. إنه لا يهين المرأة، وينقص من قيمتها، مثل اعتبار مقومات الأنوثة نقصاً وعيباً، وأنه لا شيء يهدد بنيان الحياة الإنسانية والاجتماعية مثل محاولة سلخ المرأة من أنوثتها، واستلحاقها بعالم الرجال.

ولا بد أن نقرر في هذه العجالة، أن ثمرات الحياة الإنسانية أغلى وأسمى من أي نتاج مادي سلعي يسعى إليه الإنسان، وأن هذه الثمرات تستحق أمومة حقيقية تحتضنها وتحميها وتنشئها راضية مطمئنة واثقة.

وعلى أساس هذه الركائز الثلاث من التماثل والتمايز والتكامل، يقوم تصورنا لشطر الوجود البشري، الذي تمثله المرأة. وعلى أساس هذا التصور، تتحدد مكانة المرأة في الحياة العامة، وتقوم بدورها بجانب شقيقها الرجل في إقامة التكاليف الروحية والاجتماعية العامة، كما قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله) التوبة:

أما المحاولات التي تريد أن تذيب كل الفروق بين الذكورة والأنوثة، وان تسوي بينهما في كل شيء، وتبيح الإجهاض بإطلاق، والحرية الجنسية بإطلاق، كما رأينا في (اتفاقية بكين) و (نيويورك) وغيرهما، فنحن نرفضهما، ويرفضهما معنا كل المؤمنين برسالات السماء، لأنهما ضد الإنسان، وضد فطرته التي فطره الله عليها، وضد الأسرة التي هي الحصن الحصين الطبيعي والشرعي لكل الأجيال، وضد المجتمع الذي لا تمسكه شيء غير الأخلاق، فإذا انهارت أخلاقه وقيمه فقد انهار.


مكانة المرأة في الحياة العامة

ومن الفهم السابق يأتي تصورنا لدور المرأة في الحياة العامة، وفي حمل عبء المشروع الحضاري مع شقيقها الرجل، فنحن نعتقد أن البيت هو الميدان الأساس لعمل المرأة، ولا نرى في تفرغ المرأة لبيتها وأولادها تعطيلاً للجهد، واستغناء عن نصف المجتمع، وإنما نرى فيه نوعاً من التخصص في توزيع العبء.

ولكن هذا الفهم، لا يعني، أن نحجر واسعاً، ولا أن نضيق في أمرٍ للإنسانية فيه سعة، فالباب مفتوح لمشاركات المرأة، ولاسيما أولئك اللواتي تسمح ظروفهن الشخصية أن يلجن أبواب الحياة العامة لتكون لنا: المرأة الداعية، والمرأة العاملة، والمرأة الأديبة، والمرأة المفتية، والمرأة الناخبة، والمرأة المنتخبة في حدود الولايات العامة، وليكون هذا الجهد من المرأة جهداً مساوقاً ومعززاً لجهد أخيها الرجل، على حد ما روت الصحابية الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، قالت (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنداوي الجرحى، ونسقي العطشى). وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تشارك النساء في هذا، كما كانت تفتي الرجال وتستدرك مع كبار الصحابة.

بل لا مانع أن تكون المرأة قاضية أو مديرة أو وزيرة إذا كانت تملك المؤهلات المطلوبة لوظيفتها، ولم يكن ذلك على حساب بيتها وأطفالها، وكان تطور المجتمع يرشحها لذلك، ولنا في مذهب أبي حنيفة والطبري والظاهرية ما يسندنا في ذلك.

إن من موطدات نجاح أي مشروع حضاري للأمة، أن يأخذ الجهد الإنساني من الرجل والمرأة على حد سواء، مكانته في بناء المجتمع، وتحقيق الإنجاز.

ويبقى لنا من خلال ما قدمناه عن تصورنا لشخصية المرأة المسلمة: العفة والطهر والنقاء، وتبقى للمرأة المكانة والحرمة والاحترام.

إن لباس المرأة في إطار من الحشمة جزء من شخصيتها العامة، ولا بد أن نؤكد على أن تميز المرأة بلباس خاص يؤكد عفتها وحشمتها ويصون جسدها، عن تقحم أعين فيها مرض، يأتي مصداقاً لقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) نعم ذلك أدنى أن يعرفن بالحشمة والطهر والعفة فلا يؤذين.