الصراع الصهيوني العربي
مقدمة
منذ أن قامت الحركة الصهيونية قبل قرن من الزمان حددت تصورها بوضوح وسلكت له سبل التحقيق في الواقع ، وهي تصدر عن رؤية واضحة المعالم ترجع إليها الفترة بعد الأخرى لتصحح المسار وتقوم المنهج.
أما العرب فبالرغم من طول مدة الصراع المباشر مع الصهاينة فليس لهم - حتى الآن - تصور مستقبلي واضح المعالم ، ولم يقوموا بدراسة منهجية واقعية للتجربة بقصد استخلاص العبر والدروس ، وإذا حدث تحرك إيجابي نحو استخلاص جزء من الأرض التي اغتصبها الكيان الصهيوني هلل دعاة الاستسلام ، والحق الذي لا مرية فيه هو : أن الكيان الصهيوني الذي يسير على مخطط الاستدراج هو الذي يخرج رابحاً في كل حقبة زمنية ، وفي ذات الوقت بمهد لمزيد من الربح في حقبة زمنية قادمة . ولعل في الإشارة إلى بعض المواقف الآتية ما يبين لهذه الحقيقة :
أولاً : مؤتمر الدوحة الاقتصادي
1- كشفت مصادر إعلامية يوم 14/11/97م أن وزير الخارجية الكندي - لويد اكسورتي - كان قد طلب قبل أيام (أثناء لقائه مع وزيرة خارجية أمريكا ووزير خارجية بريطانيا) تأجيل مؤتمر الدوحة إلى الربيع ، وذلك بناء على مذكرة تسلمها من مساعديه حول السلبيات والأجواء المحيطة بالمؤتمر ، الذي تغيب عنه معظم الدول العربية الرئيسية ، وقد أبدى وزير الخارجية البريطاني تفهمه للاقتراح ، بينما اعترضت وزيرة خارجية أمريكا - مادلين أولبرايت - بشدة وأصرت على عقد المؤتمر في موعده .
وكانت معلومات قد تسربت إلى وسائل الإعلام مفادها : أن مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط - مارتن أنديك - قام بجولة في مصر واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي ، استهدفت “ الضغط ” على الدول المقاطعة لمؤتمر الدوحة الاقتصادي ، وقد كانت رسالته التي حملها من الإدارة الأمريكية تهدد بأن من لا يحضر المؤتمر : “ لن يستفيد من ثمار خفض التعرفة الجمركية على بعض الصادرات للولايات المتحدة الأمريكية ، وخفض القيود الجمركية التي تعيق تدفق حركة التجارة بين أطراف المنطقة ، والحصول على التكنولوجيا المتقدمة ”. وأكدت الرسالة أن مؤتمر الدوحة : “ حدث مهم يسلط الضوء على منطقتكم وسيثبت أنكم جادون في التفكير في المستقبل وصنع السلام ، ونبذ العداوات وفتح الأبواب لرفاهية شعوب المنطقة ، وأن التعاون الإقليمي سيساعد في دعم الثقة وإحلال السلام ، وتشجيع القوى المعتدلة على الاستمرار في عملية السلام ”.
2- سبق انعقاد هذا المؤتمر الاقتصادي في الدوحة لقاءات ثنائية وثلاثية ، ولقاء وزراء خارجية جامعة الدول العربية ، وتمت مناقشات حول الوضع الاقتصادي في هذه اللقاءات ، وكان الاتجاه العام إلى دعم إنشاء سوق اقتصادية عربية وإقامة منطقة للتجارة الحرة ، وهذا المشروع تعتبره أمريكا وحكومة الكيان الصهيوني ، مشروعاً منافساً للسوق الشرق أوسطية ، التي سوف يهيمن فيها الكيان الصهيوني بدعم من أمريكا .
كما انعقدت ندوة بعنوان “ مستقبل الوطن العربي ” في أبو ظبي وافتتحها الشيخ زايد ، حضرها 250 مفكراً ومثقفاً عربياً ، بالإضافة إلى بعض السياسيين والمسؤولين في البلاد العربية ، وكان أهم موضوعات البحث والحوار فيها الوضع الاقتصادي المستقبلي في الوطن العربي .
3- كان من نتائج انعقاد مؤتمر الدوحة الاقتصادي تعميق هوة الخلاف بين بعض البلاد العربية كما هو الحال بين مصر وقطر ، وظهور خلافات على ألسنة المسؤولين والاتهامات على صفحات الجرائد والمجلات ، وفي الوقت نفسه حدث تقارب كبير بين بعض البلاد العربية والكيان الصهيوني ، وهذا مطلوب أن يحدث لأن عائده لصالح الكيان الصهيوني.
ثانياً : أزمة العراق مع مجلس الأمن وأمريكا
1- ظهر من هذه الأزمة أن أمريكا تنهج نفس النهج الذي اتبعته في حرب تحرير الكويت ، فهي تؤكد على التزامها حل الأزمة بالسلم ، وفي ذات الوقت تعمل مع بريطانيا على تعزيز قوتها في منطقة الخليج تمهيداً لتأديب العراق الذي منع المفتشين الأمريكان من التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل !!!.
والغريب في الأمر أن أمريكا والكيان الصهيوني ساعدا الحكومة التركية في إقامة حزام أمني في شمال العراق بدعوى “ ملاحقة ” الأكراد الذين يقومون بالإرهاب في الأراضي التركية ، تماماً مثل الحزام الأمني القائم بدعم الكيان الصهيوني في جنوب لبنان للقضاء على الإرهاب ، ولا يختلف الأمر عن الحزام الأمني في جزيرة حنيش لمحاربة الإرهاب ، فوراء كل هذه الأحزمة الكيان الصهيوني بدعم من أمريكا ضد الإسلام . فإذا أضفنا إلى ذلك الحصار الاقتصادي للعراق وليبيا والسودان والمفروض بقرارات “ مجلس الأمن ”وبطلب من أمريكا ، تبين بوضوح مدى الحقد والعداء الذي تكنه الإدارة الأمريكية لهذه المنطقة ومن فيها من المسلمين .
2- وصف أحد المراقبين الفرنسيين ما حدث بين أمريكا و “ مجلس الأمن ” والعراق بأنه تكتيك أمريكي هدفه أولاً توريط صدام حسين أكثر ، وثانياً إفشال أي مسعى عراقي لنسف التحالف الدولي للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، تمهيداً للحصول على تغطية دولية لضرب العراق ، أو اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً في مجلس الأمن مما يترك للإدارة الأمريكية حرية التحرك العسكري ضد العراق بدون اعتراضات دولية…
كما خرجت الأنباء التي اعتمدت على معلومات تؤكد دخول الكيان الصهيوني في هذه اللعبة ، فقد نشرت “ Welt am Sonntag ” الألمانية في عددها الصادر يوم 16/11/97م في الصفحة الأولى خبراً بعنوان “ أول ضربة بالقنبلة النيوترونية ضد العراق ” جاء فيه : “ سوف ترد إسرائيل على العراق إن استخدم أسلحة كيماوية أو بيولوجية بتوجيه ضربة نووية لإحدى المدن العراقية ذات الكثافة السكانية . وقد نشرت الصحيفة البريطانية “ Lane’s ” بناء على الخبر المنشور في مجلة متخصصة في السياسة العسكرية والمخططات الاستراتيجية : « في الزيارة الحديثة لوزير الدفاع الإسرائيلي موردخاي لوزارة الدفاع الأمريكية تم الاتفاق على أن تقوم إسرائيل بضرب إحدى المدن العراقية بالقنبلة النيوترونية التي تقتل البشر وتبقي المعدات والبيوت دون إصابة ، ثم تتابع أمريكا ضرباتها بالطائرات » ”
ولقد التقى الملك حسين مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني في بريطانيا يوم 18/11/97م ، ونفت مصادر أردنية أن يكون هدف هذا اللقاء بحث الوضع في العراق ، كما أفادت مصادر صهيونية وتناقلته وسائل الإعلام العالمية .
3- لم يعد خافياً على كل ذي عقل نفاق المواقف الأمريكية ، فهي تضغط على الصين وفرنسا لإيقاف مشروعها النووي مع إيران لإبعادها عن النادي النووي ، ثم تتسرب المعلومات عن اتفاق أمريكا مع الكيان الصهيوني على ضرب الشعب العراقي بالأسلحة النووية !!!
ثالثاً : حادث الأقصر
1- لقد كان لحادث قتل السياح الذي وقع في البر الغربي للأقصر يوم الإثنين 17/11/97م آثاره البعيدة المدى محلياً وعالمياً ، فقد بلغ عدد القتلى 58 سائحاً وأربعة مصريين بالإضافة إلى منفذي العملية وعددهم ستة حيث قتلوا جميعاً .
2- قام النظام المصري بتغيير وزير الداخلية ، وقام الوزير الجديد اللواء حبيب العادلي بإجراء تعديلات واسعة في جهاز الأمن ومن أهم ما قام به إقصاء عدد من مساعدي الوزير السابق حسن الألفي وتعيين آخرين ، كما قام بنقل ثلاثة كانوا من أبرز معاوني الوزير السابق ، كانت صحف المعارضة المصرية تصفهم بأنهم أصحاب نفوذ طاغ لم يسبق…الخ.
3- إن توقيت الحادث وملابساته ، وأوصاف شهود العيان للكيفية التي تم بها الحادث ، ووصف الجناة أنفسهم ، وتضارب البيانات التي قيل أنها صدرت عن الجماعة الإسلامية ، وقتل جميع المنفذين للعملية ، جعل عدداً من المحللين السياسيين يتشككون في الجهة التي كانت وراء الحادث ، وربما كان كل ذلك سبباً في زعم بعض الصحف العربية أن أصابع الاتهام تشير إلى تورط المخابرات المركزية الأمريكية في هذا الحادث الأليم والمروع والمرفوض بكل المقاييس الشرعية والإنسانية .
خلاصة ونداء
1- من كل ما سبق فإنني أتساءل : أي تعاون اقتصادي وأي سلام مستقبلي ذاك الذي تتحدث عنه أمريكا الراعي الأوحد للسلام في الشرق الأوسط ؟! هل هو السلام الذي يعطي المغتصب الحق في أرض فلسطين ليقيم المستوطنات على الأرض المغتصبة ؟ وهل هو السلام الذي يعطي للكيان الصهيوني الحق بهدم المنازل ؟! وهل هو السلام الذي يعطي لمن يملك القوة حق إلقاء الأسر في العراء بعد أخذ الرجال إلى السجون والمعتقلات ؟! هل هو السلام الذي يعطي لليهود الحق في ممارسة الإرهاب على مستوى الدولة وعلى مستوى المستوطنين ، وإذا قام شاب ممن شرد أهله أو قتل قريب له أو سلبت أرضه بعملية مواجهة للمغتصب بالسلاح نددت وسائل الإعلام وعقدت مؤتمرات تلقي علينا دروساً في الإرهاب تلصقه بالإسلام ؟!
أيها العقلاء : أي مفاوضات هذه ، وأي مؤتمرات متعددة هذه التي يجب أن تنعقد وتستمر مع مواصلة الكيان الصهيوني لاغتصاب الأرض واحتلال أخرى ، تدعمه الآلة العسكرية بالسلاح وأوامر الحاكم العسكري ؟! وأي تعاون اقتصادي يمكن أن ينشأ في ظل سلام الردع - كما يسميه نتنياهو - وتحت القنابل والجرافات وآلام هدم المنازل ؟!.
2- لعل ما حدث قبل وأثناء وبعد مؤتمر الدوحة يوقظ الغافلين ، ويدعوهم للوقوف وقفة محاسبة للنفس ، والاستفادة من دروس التاريخ ، فقد نقل لنا العليم الخبير نتائج وآثار الضعف فقال عز وجل : { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين } [القصص:4].
ودلنا تباركت أسماؤه على سبيل الخروج مما نحن فيه إن أردنا فقال عز وجل : {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ¯ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ¯ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } [الأنفال:58-60] .