المؤتمر العربي الأول من أجل فلسطين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


المؤتمر العربي الأول من أجل فلسطين

الحلقة الثانية:

المؤتمر العربي الأول من أجل فلسطين:

خريطة-فلسطين.gif

وفي عام 1938م أيضًا وجه الإخوان الدعوة لرجالات البلاد العربية، لعقد مؤتمر لدراسة مشكلة فلسطين، واستجاب الكثيرون، وتم عقد المؤتمر، وكان من بين المشاركين "فارس الخوري" رئيس الوزراء السوري في ذلك الوقت، والذي تكلم في المؤتمر فألهب مشاعر الحاضرين، وكان أول مؤتمر عربي ينعقد من أجل فلسطين في المركز العام للإخوان بالعتبة بالقاهرة، وانتهى بقرارات وتوصيات تطالب حكومات الدول العربية والإسلامية بالتدخل لإنقاذ فلسطين من المؤامرة الإنجليزية اليهودية.

وعلى إثر نجاح هذا المؤتمر، نشأت الدعوة لبرلمانات العالم لمناقشة قضية فلسطين، وانعقد المؤتمر الدولي بالفعل في سراي آل لطف الله بالقاهرة، وتحدث فيه الكثير من الزعماء، وكان من بين المشاركين الأمير فيصل بن عبد العزيز (ملك السعودية فيما بعد) وانتهى المؤتمر بعدة قرارات وتوصيات موجهة إلى جميع دول العالم عامة وإلى حكومة إنجلترا خاصة، بضرورة تسوية هذه القضية بما يحفظ حقوق أهل فلسطين.

ومع بداية عام 1939م بدأت حملة "قرش فلسطين" حيث كانت توجيهات مكتب الإرشاد أن يقوم الإخوان في كل أنحاء البلاد بالدعاية القوية لجمع التبرعات، وبالفعل تم تشكيل لجان عامة وفرعية لجمع المساعدات المالية، وعلى إثر ذلك انعقد مؤتمر المائدة المستديرة في لندن في فبراير عام 1939م وفي أعقابه أصدرت حكومة بريطانيا ما يسمى بـ "الكتاب الأبيض".

ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية (39-1945) فرضت الحكومة الأحكام العرفية، وبالتالي منعت المظاهرات.. وفي 11/2/1945 مع نهاية الحرب، أقام الإخوان المسلمون في ذكرى وعد بلفور المشئوم، مظاهرات ضخمة تأييدًا لقضية فلسطين، وكانت هذه المظاهرات تمثل التجسيد الحي لحضور القضية في الشارع السياسي، وكان اشتعالها وانتشارها تعبيرًا عن موقف المصريين عامة من قضية مصير فلسطين.

وفي عام 1946م استمرت المقالات الصحفية القوية في صحف الإخوان، تكشف أبعاد القضية، وأصدر أحد رجالات الإخوان كتابًا تحت عنوان "كفاح الذبيحين فلسطين والمغرب".

وفي عام 1947م حينما دب خلاف بين قادة منظمتي "النجادة والفتوة" الفلسطينيتين، سارع الإخوان لرأب الصدع وإزالة الخلاف، وانتهت جهود الإخوان إلى إرسال الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان للشئون العسكرية، قائدًا ومدربًا لها، وتمكن – بمساعدة الهيئة العربية العليا في فلسطين – من تكوين جيش كبير من أبناء فلسطين، ولما أحس الإنجليز بذلك، أخرجوه من فلسطين بالقوة.

وفي نفس العام اتضح لدى الإخوان والهيئة العربية العليا في فلسطين، شدة حاجة المجاهدين إلى السلاح، فبدأت حملة الإخوان لجمع وشراء السلاح من أجل فلسطين، وحصلت الهيئة العربية العليا على تصريح من الحكومة المصرية بجمع السلاح وشرائه وتم التنسيق بين الهيئة والإخوان، وصدرت تعليمات الإمام حسن البنا للإخوان ببذل أقصى الجهد في معونة مجاهدي فلسطين بهذا الخصوص، وكان يمثل الهيئة العربية الشهيد عبد القادر الحسيني، وضابط الاتصال بين الهيئة والإخوان الأستاذ محمود الصباغ، واختار الإخوان الشهيد أحمد شرف الدين ليكون مسئولا عن جمع الأسلحة والمفرقعات من الصحراء الغربية، وكان للأستاذ محمد حامد أبو النصر – رحمه الله – عضو مكتب الإرشاد والمرشد العام الرابع، دور كبير في ذلك الوقت في جمع وشراء الأسلحة والمفرقعات لمجاهدي فلسطين.

وفي 29/11/1947م أعلنت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، مما يعني أنها تعترف بقيام دولة يهودية على أرض فلسطين، وعلى إثر ذلك أعلنت بريطانيا أنها ستنهي انتدابها في فلسطين، وحددت لذلك موعدًا هو و15 من مايو 1948م.

جبهة إنقاذ فلسطين:

واتصل الإخوان بعبد الرحمن عزام باشا أمين الجامعة العربية، وتم تكوين جبهة تسمى "هيئة وادي النيل لإنقاذ فلسطين"، وكان أعضاؤها يمثلون مختلف القوى السياسية في مصر، وكان يمثل الجماعة في الهيئة مصطفى مؤمن وهو من زعماء طلبة الإخوان المسلمين، ونظمت الهيئة أسبوعًا لفلسطين تم فيه جمع التبرعات لصالح مجاهدي فلسطين.

وعقب قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة أعد الإخوان "مظاهرة مصر الكبرى" واشترك في هذه المظاهرة والتي قاربت نصف المليون مواطن من قيادات ورجال الأزهر الشريف والجامعات المصرية والعمال، وانطلقت من داخل الجامع الأزهر، وشارك الإمام الشهيد حسن البنا في تنظيمها، حيث كان يقف على باب الأزهر ينادي بمكبر الصوت على كل فرقة من المشاركين بالعلم الذي يتبعها، وقد اشتركتُ شخصيًا في تنظيم هذه المظاهرة وأنا في زي الجوالة، ووصلت المظاهرات إلى ميدان الأوبرا.. ومن القيادات والزعامات التي شاركت فيها – بالإضافة إلى حسن البنا – رياض الصلح (لبنان) والأمير فيصل بن عبد العزيز (السعودية) والشيخ محمود أبو العيون (شيخ الأزهر) وأحمد حسين (زعيم مصر الفتاة) والقس متياس الأنطوني وعبد الرحمن عزام باشا ومحمد علوبة باشا، واللواء صالح حرب (رئيس الشبان المسلمين).

وفي ميدان الأوبرا تحدث رؤساء الوفود وعدد من الشخصيات العامة وكان مما جاء في كلمة الإمام الشهيد حسن البنا: "إنني أعلن من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في سبيل الله في فلسطين، وهم على أتم الاستعداد لتلبية ندائكم.."، وفي هذا اليوم أعلن الإخوان فتح باب التطوع للجهاد في فلسطين، وتقدم الآلاف من شباب الإخوان من جميع محافظات مصر، ودبت روح الجهاد وحب الاستشهاد في الساحة السياسية بصورة تدعو للفخر بأبناء الشعب المصري.

وعندما أعلن الإخوان عن فتح باب التطوع، تقدمتُ إلى المركز العام في الحلمية الجديدة وقيدت اسمي ضمن المتطوعين للجهاد في فلسطين الحبيبة، وبدأ الإخوان يعدون الكتائب الذاهبة إلى فلسطين، وكانت أول مجموعة بقيادة العالم الأزهري الشيخ محمد فرغلي والأستاذ كامل الشريف (وزير الأوقاف الأردني بعد ذلك) حيث ذهبت إلى صحراء النقب ثم إلى معسكر البريج، والمجموعة الثانية كانت بقيادة اليوزباشي احتياط محمود عبده، وذهبت للتدريب في سوريا في معسكر قطنا.

إلى معسكر التدريب:

وفي ديسمبر عام 1947م نشرت جريدة "الإخوان المسلمون" اليومية أسماء عدد كبير من المتطوعين، وطلبت منهم التوجه إلى إدارة التجنيد بالعباسية لتوقيع الكشف الطبي عليهم، تمهيدًا لتدريبهم على السلاح وفنون الحرب،حيث كان هناك اتفاق بين هيئة وادي النيل لإنقاذ فلسطين وبين الحكومة المصرية لتدريب المتطوعين في معسكر "الهايكستب" شرق القاهرة، والحمد لله وجدت اسمي بين الأسماء المطلوبة لتوقيع الكشف الطبي عليها.

كيف تمت عملية الكشف الطبي والترحيل؟

لم يكن الكشف الطبي سهلا، بل كان دقيقًا جدًا، وعقب انتهاء الكشف بمركز التجنيد، وقفنا بالفناء ننتظر النتيجة، وكلنا مضطرب، خوفًا من عدم القبول، والحمد لله كان اسمي من بين الأسماء اللائقة طبيًا، ثم انتقلنا إلى أحد المعسكرات في منشية البكري، يتبع إدارة التدريب الجامعي، ومررنا بعملية تصفية جديدة فيما يعرف بكشف "الهيئة" ونجحت للمرة الثانية، ثم حضرت سيارات اللوري، وحملتنا إلى معسكر "الهايكستب" حيث كان أحد معسكرات الجيش الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي الطريق انقلبت بنا السيارة، وكانت تقل حوالي أربعين متطوعًا، وأغمي عليّ، ووجدت نفسي في سيارة إسعاف متجهة إلى مستشفى العباسية، ومعي بعض الإخوة منهم من كُسرت ضلوعه، ومنهم من كسرت ذراعاه، وأصبت أنا بكدمة في ذراعي اليمنى، وفي الصباح قلت للطبيب: أنا اليوم أصبحت بخير، وفعلا سمح لي بالخروج من المستشفى لألحق ببقية إخواني في المعسكر، أما زملائي فقد تخلف معظمهم نتيجة الإصابات، وفي الهايكستب التحقت بالسرية الرابعة بالكتيبة الأولى بالرغم من الكدمات التي في ذراعي.

تسلمت سريرًا وما يلزمه من فراش رتب بنظام دقيق، وفي كل عنبر دورة مياه خاصة، وبدأت أتعلم الحياة العسكرية وحمدت الله على أنني نجوت لألحق بالجهاد في سبيل الله، وفي اليوم التالي تسلمت المهمات اللازمة للجندي، وبدأ التدريب مثل برنامج تدريب الكلية الحربية تقريبًا.

كان ضباط التدريب من أكفأ الضباط، وكانت المهمة الموكولة إليهم هي الأولى من نوعها منذ زمن طويل، لم تعرف الأمة العربية كلها مثل هذه الروح العالية الوثابة، التي تحمل المبادئ الوطنية الحقة وليس الشعارات الزائفة..كان هؤلاء المتطوعون ثمرة جهد تربوي ضخم طيلة سنين مضت، منذ بدأت دعوة الإخوان قبل نحو عشرين عامًا من ذلك التاريخ.. كانت هذه النوعية المتميزة في حاجة إلى قدرات فنية عالية تستطيع التعامل معها.. وبالطبع فإن المتطوع يختلف كثيرًا عن المجند في الجيش، حتى إن قائد المعسكر وأركان حربه كانوا يصفون الكتيبة الأولى بأنها "خلاصة شباب مصر" وكان هذا التعبير صادقًا لما تميزت به من خلق عام ومظهر طيب وسلوك مهذب وروح قتالية عالية.