المخطط الصهيوني للاستيلاء على الأقصى وضرورة التصدي له

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


المخطط الصهيوني للاستيلاء على الأقصى وضرورة التصدي له
195157067.jpg

بقلم: ياسين عز الدين

ذكرتنا محاولة اقتحام المسجد الأقصى يوم الأحد الماضي بمحاولة شارون المماثلة والتي حصلت قبل 9 سنوات بالضبط والتي أشعلت انتفاضة الأقصى، كما ذكرتنا بالمخطط الصهيوني للاستيلاء على المسجد وإقامة هيكل سليمان المزعوم.

ويظن الناس عند الحديث عن مخططات الصهاينة للاستيلاء على الأقصى وبناء الهيكل مكانه أن هنالك حدث كبير تهتز له الدنيا يخططون لتنفيذه في الوقت المناسب، لكن المتتبع لممارسات الصهاينة منذ بداية هجمتهم على فلسطين، ومنذ احتلالهم للقدس، يجد أنهم لطالما اعتمدوا على خطوات صغيرة مدروسة، فإن نجحوا بها انتقلوا للخطوة التالية، وإن فشلوا ارتدعوا لفترة مؤقتة ليعودوا بعدها إلى التخطيط من جديد، وهذه حالهم مع المسجد الأقصى، حيث لم تتوقف جهود الاستيلاء التدريجي عليه منذ اليوم الأول لاحتلاله.

خطوات نحو تهويد المسجد الأقصى

أول ما قام به الصهاينة بعد احتلال الأقصى (عام 1967م) هو رفع علم الكيان على قبة الصخرة وسط الحرم القدسي، ويومها تدخل السفير التركي وطلب منهم إنزاله وأوضح لهم أنه استفزاز لمشاعر المسلمين، وبالفعل أنزله الصهاينة مدركين أن الوقت لم يحن بعد لانتزاع الأقصى من بين أيدي المسلمين. وفي اليوم التالي أرسلوا الجرافات لهدم حي المغاربة الواقع المجاور لحائط البراق (الحائط الغربي للأقصى) ثم حولوه إلى ساحة لتعبد اليهود عند الحائط الذي يسمونه بحائط المبكى زاعمين أنه الحائط الغربي لهيكلهم المزعوم.

وعلى مدار السنوات التي تلت قاموا بخطوات متتالية لتطويق المسجد الأقصى تمهيداً لأخذ موطأ قدم داخله، فتم الاستيلاء على القصور الأموية الأثرية الملاصقة لسور المسجد الجنوبي حيث تعتبر اليوم جزءاً من الحديقة الأثرية التي تديرها سلطة الآثار الصهيونية.

كما بدأت الحفريات تحت المسجد الأقصى انطلاقاً من حائط البراق بداية الثمانينات، ولم يكتف الصهاينة بحفريات أثرية بحثاً عن آثار الهيكل، بل قاموا بتحويل كامل المنطقة أسفل الحائط الغربي إلى مزار سياحي وسموه بـ "نفق الحشمونائيم" حيث تسبب افتتاحه عام 1996م باندلاع انتفاضة النفق وبالرغم من ذلك ثبت الصهاينة الأمر الواقع وبقي النفق تحت سيطرتهم بل توسعت الأنفاق شرقاً وأقيمت الكنس في المنطقة تحت الحائط الغربي للمسجد الأقصى.

هذه هي استراتيجية الصهاينة: القيام بخطوات صغيرة فإن حصلت ردة فعل يتم امتصاصها ثم ينسى الناس ويبقى الأمر الواقع. لا يوجد عمل كبير يخطط له، فقط سلسلة خطوات تفتح لهم أبواب السيطرة على المسجد الأقصى شيئاً فشيئاً، فيما المسلمون ينامون مطمئنين ما دام الحدث الجلل لم يقع حتى الآن، و"يا ويل ويلهم اليهود إذا نسفوا الأقصى أو هدموه."

أطمئنوا الصهاينة لن يهدموه، فهم يخططون للاستيلاء على الأقصى كما هو، فهذه ممارستهم مع مساجد فلسطين التي استولوا عليها فمسجد النبي صموئيل استولوا عليه وحولوه إلى كنيس، وكذا مقام الشيخ يوسف في نابلس حولوه لسنوات طويلة إلى كنيس بزعم أنه مقام النبي يوسف عليه السلام - وهو كذب فعمر المقام لا يزيد عن مئتي عام وطوال الوقت كان معروفاً باسم الشيخ يوسف.

وقصة تسلل الصهاينة إلى المسجد الإبراهيمي في الخليل تعطينا صورة عن نواياهم تجاه الأقصى، في البداية كان الصهاينة يزورون المسجد الإبراهيمي، ثم بدأوا بالصلاة فيه وهذا "تطلب" وجود حماية عسكرية صهيونية لهم، وبعد مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994م قررت حكومة الاحتلال تقسيم المسجد رسمياً بين المسلمين واليهود، ومؤخراً بدأ الصهاينة باقتحام النصف المخصص للمسلمين من أجل الصلاة فيه، ما هي الحلقة التالية؟ أظنها واضحة.

وفي الأقصى يحصل نفس الشيء، كان حرس المسجد الأقصى التابعين للأوقاف الإسلامية يتحكمون بمن يدخل ويخرج إلى المسجد الأقصى، وإذا حاولت سائحة أجنبية الدخول بلباس غير محتشم أو شكّوا بأن من يحاول الدخول هو يهودي منعوهم، لكن الصهاينة فرضوا أمراً واقعاً في السنوات الأخيرة، شرطة الاحتلال وحدها تقرر الدخول والخروج، وإذا حاول أحد حراس الأوقاف منع أحد السياح من الدخول أعتقل وسجن، مما فتح الباب أمام دخول اليهود كسياح، وخطوتهم التالية التي يسعون لتحقيقها هي الصلاة داخل الحرم، وإذا أنجزوا ذلك سينتقلون للمطالبة بتخصيص جزء من الحرم لإقامة كنيس عليه، وهكذا.

حكومة الاحتلال لا تفكر في إقامة الهيكل الآن، وتعتبره سابقاً لأوانه، هي تعمل اليوم لإيجاد وضع موطئ داخل الحرم، وفي المقابل هنالك جمعيات دينية صهيونية تعمل على وضع مخططات وتصورات لشكل الهيكل، وتعمل على تعبئة وتحميس اليهود وتهيئة الرأي العالمي للخطوات المستقبلية من خلال القول بأن كل شيء جاهز وأن قيام الهيكل هو مسألة وقت.

والثابت هو أن كل اليهود يؤمنون بأن المسجد الأقصى مصيره أن يصبح هيكلهم، وهم لا يسمونه المسجد الأقصى، بل اسمه المتداول في تصريحاتهم الرسمية وفي صحافتهم وفي كتبهم المدرسية وحديثهم اليومي هو "جبل الهيكل" – "هار هابيت"، ويسمون قبة الصخرة بـ "مسجد عمر المبني على جبل الهيكل".

التصدي لمحاولات التهويد:

معظم المواجهات الكبرى في الحرم القدسي جاءت على خلفية التصدي لمحاولات الصهاينة تدنيس الحرم القدسي، ابتداء من محاولة عصابة "أمناء جبل الهيكل" ادخال حجر الأساس للهيكل المزعوم في 8/10/1990م حيث وقعت يومها مواجهات داخل الحرم استشهد فيها عشرين فلسطينياً داخل الحرم وأصيب المئات، وفي 28/9/2000م قرر شارون دخول الأقصى لممارسة "حقه كيهودي بزيارة جبل الهيكل" فكانت شرارة انتفاضة الأقصى.

ويوم الأحد الماضي كانت هنالك نوايا لجماعات دينية صهيونية الدخول إلى الحرم القدسي بمناسبة "عيد الغفران" اليهودي وإقامة الصلوات اليهودية داخله، وبرغم من زعم شرطة الاحتلال أن المواجهات مع المرابطين داخل المسجد وقعت عندما حاولت مجموعة سياحية فرنسية دخول الأقصى، وأن المجموعة اليهودية لم تكن قد دخلت بعد، فهذه لا تغير من الحقيقة شيء.

ولم يقتصر الدفاع عن المسجد الأقصى على المواجهات والانتفاضات، بل كان اعمار المسجد من أهم نشاطات الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر خلال السنوات الماضية، ابتداء من مشروع ترميم المصلى المرواني عام 1996م وافتتاح بوابات عملاقة للمصلى عام 2000م في أضخم مشروع عمراني داخل المسجد الأقصى منذ مئات السنين، والذي أشرفت عليه مؤسسة إعمار المسجد الأقصى لإعمار المقدسات ولجنة التراث الإسلامي ببيت المقدس.

كان المصلى المرواني مهجوراً لسنوات طويلة، وكان الصهاينة يخططون للاستيلاء عليه خاصة وأنه يقع تحت سطح الحرم القدسي وعلى مستوى الأنفاق التي يحفرونها، فكان ترميمه وافتتاحه أمام المصلين ضربة قوية وجهت لجهود تهويد المسجد الأقصى، لذا بدأ الصهاينة بالتضييق على دخول المواد اللازمة لترميم المسجد الأقصى، ويدخلون فقط أقل القليل، بما يضمن أن لا تتم انجازات مثلما كان مع المصلى المرواني، واليوم أي كيس اسمنت تريد الأوقاف إدخاله يحتاج لموافقة من الجهات العليا الصهيونية.

كما قام الأهل داخل الخط الأخضر بتأسيس مؤسسة البيارق التي تقوم على تسيير مئات الحافلات لنقل المصلين من الجليل والمثلث وصحراء النقب إلى المسجد الأقصى لإبقائه عامراً بالمصلين في ضوء منع الصهاينة لأهل الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول إلى المسجد الأقصى.

جهود الأهل في القدس وداخل الخط الأخضر والشيخ رائد صلاح والحركة الإسلامية هي جهود عظيمة مقارنة بما يملكون من إمكانيات معدومة، لكن من الخطأ التعويل عليهم لوحدهم فالمعركة أكبر بكثير من طاقتهم، ومن الظلم أن نطلب منهم حماية الأقصى لوحدهم.

دفاعهم عن الأقصى يؤخر ويعرقل مساعي تهويده، لكن إمكانياتهم لا تسمح لهم بمواصلة المعركة إلى نهايتها منفردين، والمطلوب أن يكون هنالك تحرك على مستوى المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وعلى المستوى الشعبي وتصعيد المواجهة مع الاحتلال في القدس المحتلة وداخل الخط الأخضر وفي الدول العربية والإسلامية.

ماذا يمكن أن نفعل

يمكن فعل الكثير وعلى أكثر من مستوى من أجل المسجد الأقصى، فلا يجب أن ننتظر وقوع المحظور حتى نتحرك، ولا يجوز أن ننتظر قدوم "صلاح الدين" ليقود الجيوش، كل خطوة وكل عمل ممكن يفيد مهما كان بسيطاً، ففي حادثة رفع العلم الصهيوني على قبة الصخرة رأينا كيف أن طلب السفير التركي أدى لإنزاله، ولو لم يتدخل لبقي العلم حتى يومنا هذا مرفوعاً على المسجد الأقصى، ولا نتكلم عن تركيا رجب طيب أردوغان، بل نتكلم عن تركيا الكمالية العلمانية، تدخل سفيرها وأنزل العلم.

يمكن للأنظمة العربية أن تتحرك نصرة للأقصى وتمارس الضغوط الدبلوماسية على أمريكا وعلى الاتحاد الأوروبي لوقف الهجمة الصهيونية على المسجد الأقصى، بدلاً من ممارسة الأمريكان الضغط عليها من أجل التطبيع المجاني مع الكيان، يجب أن تصل الرسالة واضحة للأمريكان "ما يقوم به الصهاينة غير مقبول"، وللأسف النظام العربي يحتج ويعترض على الممارسات الصهيونية أمام الفضائيات العربية، وعندما يجلس مع الأمريكان يقول لهم "كل حاجة تمام يا فندم".

وإذا كانت الأنظمة مقصرة بحق الأقصى فمن واجب الشعوب وكل موحد يقول لا إله إلا الله أن يتحرك وأن يضغط على هذه الأنظمة لاتخاذ موقف بحق الصهاينة ولو كان مجرد تصريح، فكما قلنا الصهاينة يقومون بهذه الأفعال في المسجد الأقصى لجس النبض فإن أحسوا أن هنالك استكانة وهدوء تمادوا وأقدموا على المزيد، وإلا فإنهم سيرتدعون حتى حين.

ظن الصهاينة أنهم استنزفوا الفلسطينيين بعد انتفاضة الأقصى، وقرروا المحاولة من جديد لتثبيت حق اليهود بالدخول إلى الأقصى، لكن هبة أهل القدس المحتلة أوضحت أن الأمر ليس بهذه السهولة، فإن كان شعب استنزف على مدار تسع سنوات لديه هذه القدرة على المقاومة والدفاع عن المسجد الأقصى، أفلا يستطيع باقي المسلمين فعل شيء ولو بسيط لأولى القبلتين وثالث الحرمين؟ نعم، يستطيعون لكنهم بحاجة لأن يؤمنوا بقدرتهم على التغيير أولاً.