الوحدة العربية في مفهوم الإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الوحدة العربية في مفهوم الإخوان المسلمين


جذور الفكرة القومية في عالمنا العربي

الوحدة العربية.png

ظهر الفكر القومي العربي بعد الغزو الاستعمار الأوروبي لوطننا العربي .. الذي بدأته الحملة الفرنسية على مصر 1798، وتتالى موجة إثر موجة في القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين، في ظل ضعف شديد عانت منه الدولة العثمانية .

إذ أن القرن التاسع عشر عرف في أوروبا باسم "عصر القوميات"، لأن الأحداث السياسية الهامة التي غيرت معالم خارطة أوروبا السياسية خلال القرن المذكور، إنما حدثت من جراء تغلغل الفكرة القومية في نفوس الأمم الأوروبية .

وقد ظهرت في تلك الفترة اصطلاحات الأمة والقومية والوطنية .. وبدأ السعي لإعادة تشكيل أوروبا سياسيا وفقا للأفكار الجديدة كما عرفها "مانتيشني" الإيطالي بقوله:

" الأمة مجتمع من البشر يرتبط بعضها ببعض بوحدة الأرض والأصل والعادات واللغة، من جراء الاشتراك في الحياة وفي الشعور الاجتماعي" .. أما الوطنية: فهي ارتباط الفرد بقطعة من الأرض تعرف بالوطن.

وفي المقابل كانت دولة الخلافة الإسلامية بعيد عن تأثيرات هذه المفاهيم فكانت تنتظم أجناساً كثيرة متعددة المذاهب والعقائد، بل إن حاضرة دولة الخلافة " تركيا " وحدها كانت تشتمل على كثير من هذه الأجناس ... بل إن البلقان وحده كان يشتمل على البوسنة والهرسك وصربيا وألبانيا واليونان وبلغاريا ورومانيا ... وكانت في ظل الحكم الإسلامي تعيش متحابة متجانسة، وحّد الإسلام بين أجناسها المسلمة وأنصف أجناسها غير المسلمة كما لم ينصف من قبل حتى من أبناء جنسها ، ولذلك يقول السلطان عبد الحميد أن الإمبراطورية العثمانية دولة احتوت عدداً كبيراً من الأمم والشعوب وتشكلت من الأتراك والعرب والأكراد والأرناؤوط والبلغار واليونان حيث جمعتهم الرابطة الإيمانية وجعلتهم أفراداً في عائلة واحدة، فعلينا والحالة هذه أن نعتبر أنفسنا مسلمين قبل أن نكون عثمانيين وأن تكون صفة خليفة المسلمين فوق صفة الإمبراطور العثماني فإن الدين هو أساس البناء السياسي والاجتماعي للدول.

ولذلك في سنة 1871 م تم رفض طلب بعض أصحاب الفكرة القومية الوليدة أن يتبنى الباب العالي القومية مثل إيطاليا وبروسيا ويوحد جميع المسلمين على أساسها، وكان مبرر الرفض أن القومية في أوروبا تعني شيئاً آخر مختلفاً تماماً، فليس عندنا مشكلة قومية والمشاكل القومية تقود لدمارنا وقضية توحيد المسلمين مسألة إسلامية دينية وليست مسألة قومية..

وكانت صيحات بعض المصلحين الأوائل الذين اشتم منها البعض رائحة الفكرة القومية تنادي باحترام الحقيقة القومية في إطار الجامعة الإسلامية ... وكان المشروع الحضاري العربي في مطلع القرن العشرين جزءاً من المشروع الحضاري الإسلامي .. إذ إن جميع الدعوات إلى قيام حكم عربي مستقل ذاتيا تحت ظل الإمبراطورية العثمانية, وهي الدعوات التي أطلقها الإصلاحيون أمثال محمد عبده و جمال الدين الأفغاني, كانت تهدف بالأساس إلى إحياء الإسلام الذي أصابه الركود.

كان أصحاب تلك الدعوات مصلحون إسلاميون أصلا, أدركوا التهديد الثقافي الذي بات الغرب يمثله للإسلام واستشعروا الخيفة منه, فبادروا إلى مواجهة ذلك التهديد بالدعوة إلى إصلاح إسلامي وإلى البعث والوحدة .. وكانت القومية في نظرهم مفهوما تقسيميا أجنبيا .. وكل ما يمكن أن يعثر عليه من إشارات إلى العروبة في كتاباتهم كان مرتبطا بشدة بإحياء الإسلام والأمة الإسلامية ...

ولكن عقب أحداث خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وتولي الاتحاديين قادة جمعية الاتحاد والترقي زمام الأمور في إسطنبول (عام 1909)، وانتهاجهم سياسة التتريك وإثارة النعرة القومية بالحديث عن القومية الطورانية ... ونشوب ثورة الشريف حسين عام 1916 ، وإلغاء الخلافة العثمانية عام 1924، لم تلبث النخب التي كانت تنادي بالفكرة القومية في العالم العربي أن غيرت دفتها منادية بالتركيز على الحفاظ على الانتماء القومي العربي في مواجهة الواقع الجديد بعد زلزال الحرب العالمية الأولى واتفاق سايكس- بيكو.. ووقوع المغرب العربي في براثن استعمار فرنسي للجزائر و تونس و المغرب على التوالي، بينما استعمرت إيطاليا ليبيا . وتابعت بريطانيا استعمار مصر و السودان وعدن والخليج .

وبالرغم من أن الذاكرة التاريخية لمقاومة الشعوب العربية للاستعمار الأوروبي، لم تحفظ إلا الطابع والحافز الإسلامي لهذه المقاومة في بداياتها الأولى .. بطولة الشيخ الجليل عمر المختار واحدة منها .. مقاومة مصطفى كامل و محمد فريد لاستقلال مصر في إطار الجامعة الإسلامية .. ثورة تحرير الجزائرية بمنطلقاتها الإسلامية .. فقد فرضت هذه المقاومة على المستعمر أن يطرح استقلالاً منقوصاً كان بداية بروز الدولة القطرية العربية.

هكذا قامت في مطلع العشرينات المملكة المصرية، ثم المملكة العراقية، وأعلن عبد العزيز بن سعود نفسه ملكاً على أنحاء الجزيرة العربية التي وحدّها، واستمر اليمن "إمامة"، وقامت إمارة شرق الأردن، وحكومة في سورية وأخرى في لبنان تحت هيمنة الاستعمار الفرنسي، وبقيت فلسطين هدفاً لاستعمار استيطاني صهيوني إحلالي تقوم على تنفيذه بريطانيا التي تستعمرها باسم الانتداب والحركة الصهيونية العنصرية ... وهذه الأقطار هي التي تجمعت في جامعة الدول العربية عام 1945.


وفي موازاة هذا التيار كان هناك تيار آخر اتخذ أسلوب العمل السري لنشر الفكرة القومية في جنبات دولة الخلافة لتحقيق أغراض ومرام سياسية خاصة ، وقام بحمل لواء هذا النشاط أبناء الأقليات في الدولة العثمانية .. ولما انتهت الحرب العالمية الأولى وجزأت دولة الخلافة الإسلامية بدأت الحركة القومية العربية في الظهور السياسي والاجتماعي ووجدت في غياب دولة الخلافة مجالها العملي على السطح.

ولقد مثلت الفكرة القومية عند هذا الفريق إلى عقيدة ومنهج حياة وسلوك أكثر من كونها عاطفة ومحبة لأمة معينة وأرض معينة ، ولذلك يقول دعاة هذا التيار : " كل ما في واقعنا اليوم يؤكد بأن انعطافنا التاريخي وانقلابنا الجذري وثورتنا الحقيقية لا يمكن أن تتم بدون عقيدة.. عقيدة تضع القيمة الحقيقية للفرد العربي وتوفر له الحياة الحرة الكريمة التي تتحقق فيها العدالة الاقتصادية عن طريق نظام اشتراكي عادل.. والعدالة السياسية عن طريق نظام ديمقراطي سليم، والعدالة الاجتماعية الخاصة عن طريق تظم تربوية بناءة.. تضع مفهوماً جديداً خلاّقاً للمرأة والأسرة والهيئات ومختلف مرافق الحياة الاجتماعية..) .

التأسيس وأبرز الشخصيات لهذا التيار

وقد تطور نشاط هذا الفريق منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من :

حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية ... إلى حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقراً لها ... ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1912 م .


وكانت أهم الأطراف والمحطات التاريخية في هذا الخصوص :

- الجمعية السورية : أسسها نصارى منهم بطرس البستاني وناصيف اليازجي سنة 1847 م في دمشق .

- الجمعية السورية في بيروت أسسها نصارى منهم سليم البستاني ومنيف خوري سنة 1868 م .

- الجمعية العربية السرية : ظهرت سنة 1875 م ولها فروع في دمشق وطرابلس وصيدا .

- جمعية حقوق الملة العربية ظهرت سنة 1881 م ولها فروع كذلك ، وهي تهدف إلى وحدة المسلمين والنصارى .

- جمعية رابطة الوطن العربي أسسها نجيب عازوري سنة 1904 م بباريس وألف كتاب "يقظة الأمة العربية" في آسيا التركية، وأصدر جريدة أسماها "الاستقلال العربي"، وكانت دعوته تتلخص بفصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية وإنشاء دولة عربية مستقلة عن تركيا تحت الحماية الأوروبية تشمل سوريا و العراق و لبنان ونجد و اليمن والحجاز .. وكان يقول أن مصر ليست عربية، وعارض استقلالها عن بريطانيا، وأسس في مصر حزباً صغيراً تعاون مع إنجلترا، وكان هذا الرجل من أبرز الدعاة للقومية العربية .. ويؤرخ ساطع الحصري فيلسوف القومية بداية العروبة بـ"نجيب عازوري".

- جمعية الوطن العربي : أسسها خير الله سنة 1905 م بباريس ، وفي هذه السنة نشر أول كتاب قومي بعنوان الحركة الوطنية العربية .

- الجمعية القحطانية ظهرت سنة 1909 م وهي جمعية سرية من مؤسسيها خليل حمادة المصري .

- جمعية ( العربية القناة ) : أسسها في باريس طلاب عرب منهم محمد البعلبكي سنة 1911 م .

- الكتلة النيابية العربية ... ظهرت سنة 1911 م .

-حزب اللامركزية : سنة 1912 م .

- الجمعيات الإصلاحية : أوخر 1912 م وقد قامت في بيروت ودمشق وحلب وبغداد والبصرة والموصل و تتكون من خليط من أعيان

المسلمين والنصارى

- المؤتمر العربي في باريس : أسسه بعض الطلاب العرب سنة 1912 م .

- حزب العهد .. 1912 م وهو سري ، أنشأه ضباط عرب في الجيش العثماني .

-جمعية العلم الأخضر سنة 1913 م ، من مؤسسها الدكتور فائق شاكر .

- جمعية العلم ، وقد ظهرت سنة 1914 م ، في الموصل .


ومن الجدير بالذكر أن السلطان عبد الحميد من أوائل من أدرك خطورة هذه الدعوة وكشف من وراءها ودعا إلى نبذها فقال: " إن الإنجليز قد أفسدوا عقول المصريين، لأن بعض المصريين يعتقد أن سلامة مصر ستأتي من الإنجليز وأن هذا البعض أصبح يقدم القومية على الدين، ويظن أنه يمكن مزج حضارة مصر بالحضارة الأوروبية .. وإنجلترا تهدف من نشر الفكر القومي في البلاد الإسلامية إلى هزّ عرشي، وأن الفكر القومي قد تقدم تقدماً ملموساً في مصر، والمثقفون المصريون أصبحوا من حيث لا يشعرون ألعوبة في يد الإنجليز. إنهم بذلك يهزّون اقتدار الدولة الإسلامية ويهزّون معها اعتبار الخلافة" .. مذكرات السلطان عبد الحميد ص 7 " .

ويتألم ساطع الحصري – أحد كبار رواد القومية العربية – من تأخُّر ظهور القومية ملقياً اللوم على علماء المسلمين الذين وقفوا ضد هذه الدعوى، فيقول: "بدأت بشائر اليقظة الفكرية في البلاد العربية منذ أوائل القرن التاسع عشر .. كان يُنتظَر أن تبدأ معها يقظة قومية تشعِر أبناء العروبة بقوميتهم الخاصة وتحملهم على العمل في سبيل تقوية القومية العربية وأنها حق الأمة العربية بكل الوسائل الممكنة، إلا أن ذلك تأخر تأخراً كبيراً لأن علماء الدين عارضوا الفكرة وقالوا إن إطاعة أوامر الخليفة واجب على المسلمين، ثم صاروا يدعون إلى الوحدة الإسلامية معتبرين الدولة العثمانية الأساس المتين لبناء صرح هذه الوحدة ".. ( ما هي القومية) لساطع الحصري، ص 199، دار القلم للملايين، بيروت.

وقبل الشروع في تناول فكرة الوحدة العربية وموقعها من دعوة الإخوان المسلمين ومنهاجهم ، نعرض هنا لتصور الإخوان لمجموعة من المفاهيم الأساسية المتصلة بالفكرة القومية عامة والعربية خاصة وأساسهما فكرة المواطنة في الدولة .


مفاهيم ومواقف

موقف الإخوان من مفهوم " الوطنية"

لوجو-الجماعة.png

يقول الإمام حسن البنا : "إن الإسلام قد فرضها فريضة لازمة لا مناص منها .. أن يعمل كل إنسان لخير بلده وأن يتفانى فى خدمته وأن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التى يعيش فيها وأن يقدم فى ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا حتى أنه لا يجوز أن تنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر – إلا لضرورة – إيثارا للأقربين بالمعروف فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التى هو عليها وأن يخدم الوطن الذى نشأ فيه .. ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين وكان الإخوان المسلمون بالتالى أشد الناس حرصا على خير وطنهم وتفانيا فى خدمة قومهم" ..

فالإخوان يحبون وطنهم ويحرصون على وحدته القومية بهذا الاعتبار لا يجدون غضاضة على أى إنسان يخلص لبلده وأن يفنى فى سبيل قومه وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عزة وفخار .

وقد انتقد الإمام "البنا" رأيًا لبعض المؤمنين بالوطنية، كما هي عند الغربيين، يزعم أن الإسلام في ناحية وهذه الفكرة في ناحية أخرى، ويزعم أن إدخال الإسلام في هذا الأمر إضعاف وتفرقة للوحدة الوطنية، ومن ثم ناقش الإمام "البنا" مدلولات مفهوم الوطنبة ، محددًا موقف الإخوان منه، فقاال رحمه الله :


وطنية الحنين

"إن كان دعاةُ الوطنية يريدون بها حبَّ هذه الأرض وأُلفتَها والحنينَ إليها والانعطافَ نحوها.. فذلك أمرٌ مركوزٌ في فطرة النفوس من جِهَة، ومأمورٌ به في الإسلام من جهةٍ أخرى، وإن بلالاً، الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه، هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقَّةً وتقطر حلاوةً:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بواد وحول إذخر وجليل

وهل أردن يومًا مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل

ولقد سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصف مكة من "أصيل" فجرى دمعه حنينًا إليها، وقال: "يا أصيل دع القلوب تقرّ.

ومعنى ذلك أن الإمام "البنا" قد أكد أنه إذا أراد دعاةُ الوطنية بها حب الأوطان والحنين إليها فـ(الإخوان) من حيث هذا المعنى هم من أكثر الناس وطنيةً؛ لأن دينَنا الحنيفَ يحثُّ على ذلك.


وطنية الحرية والعزة

وإن كان يُراد بالوطنية العملُ بكل جهد لتحرير البلاد من الغاصبين، واستقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه... فنحن معهم في ذلك أيضًا، وقد شدَّد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ .. (المنافقون: 8) ... ويقول: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ ... ( النساء:141).


وطنية المجتمع

أما إذا أريد بالوطنية تقوية الرابطة بين أبناء القُطر الواحد وإرشادُهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم فيه أيضًا، ويراه الإسلام فريضةً لازمة، فيقول نبيه- صلى الله عليه وسلم- "كونوا عباد الله إخوانًا" ... ويقول القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (آل عمران 118).


وطنية الفتح

يرى الإخوان كذلك " أن المواطنة أو الجنسية التى تمنحها الدولة لرعاياها .. قد حلت مفهوم (أهل الذمة ) وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة فى الحقوق والواجبات مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية ( زواج وطلاق ومواريث .. ) طبقا لعقيدة كل مواطن .. كما يرى الإخوان أن النصارى يمثلون مع المسلمين نسيجا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا واحدا تداخلت خيوطه وتآلفت ألوانه وتماسكت عناصره, وأن للنصارى حقا فى أن يتولوا – باستثناء رئيس الدولة - كافة المناصب الأخرى مستشارين ومديرين ووزراء. "

ويقرر الإخوان " موقفنا من إخواننا المسيحيين فى العالم العربى موقف واضح وقديم ومعروف لهم ما لنا وعليهم ما علينا وهم شركاء فى الوطن وأخوة فى الكفاح الوطنى الطويل ولهم كل حقوق المواطن ، المادى منها والمعنوى ، المدنى منها والسياسى ، والبر بهم والتعاون معهم على الخير فرائض إسلاميه لا يمتلك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون فى أخذ نفسه بأحكامها ومن قال غير ذلك أوفعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول ومما يفعل ".


موقف الإخوان من الفكرة القومية

أما القومية كفكرة قامت في الوطن العربي ... فقد تعامل معها الإخوان منذ قيامهم، كما تعاملوا مع الأفكار الأخرى بميزان الإسلام .. والقومية كالوطنية لها معانٍ عدة عند الإخوان، ولهم موقف من كل معنى:


قومية المجد :

ويرى الإخوان " إن كان الذين يعتزون بمبدأ القومية يقصدون به أن الأخلاف يجب أن ينهجوا نهج الأسلاف في مراتب المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة، وأن تكون لهم بهم في ذلك قدوة حسنة بدافع الصلة والوراثة، فهو مقصد حسن جميل، نشجعه ونأخذ به، وهل عدتنا في إيقاظ همة الحاضرين إلا أمجاد الماضي؟ .. ولعل الإشارة إلى هذا في قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، فالإسلام لا يمنع القومية بهذا المعنى الجميل النبيل.


قومية الأمة :

وإذا قصد بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره وبره، وأحقهم بإحسانه وجهاده فهو حق كذلك، ومن ذا الذي لا يرى أولى الناس بجهوده قومه الذي نشأ فيهم ونما بينهم...

ولعمري لرهط المرء خير بقية عليه وإن عالوا به كل مركب

فالقومية بالمعاني السابقة لا تتعارض مع الإسلام، بل حث عليها؛ ولذا فالإخوان قوميون بالمعاني السابقة .


إلا أن هناك معاني أخرى للقومية تتعارض مع الإسلام؛ يرفضها الإخوان .. يقول الإمام "البنا" تحت عنوان:


قومية الجاهلية :

فإذا قُصد بالقومية إحياء عادات جاهلية درست، وإقامة ذكريات بائدة خلت، وتعفية حضارة نافعة استقرت، والتحلل من عقدة الإسلام ورباطه بدعوى القومية، والاعتزاز بالجنس كما فعلت بعض الدول بالمغالاة بتحطيم مظاهر الإسلام والعروبة، حتى في الأسماء وحروف الكتاب، فذاك معنى وخيم ذميم سيء العاقبة، كما يؤدي بالشرق إلى خسارة فادحة يضيع معها تراثه، وتنحط بها منزلته، ويفقد أخص مميزاته وأقدس مظاهر شرفه؛ وهو دين الإسلام، ولا يضر ذلك دين الله شيئًا، قال تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾) .. (محمد 38).


قومية العدوان :

وإن يُراد بالقومية الاعتزاز بالجنس إلى درجة تؤدي إلى انتقاص الأجناس الأخرى والعدوان عليها والتضحية بها في سبيل عزة أمة وبقائها كما تدعي كل أمة تنادي بأنها فوق الجميع، فهذا معنى ذميم، كذلك ليس من الإنسانية في شيء ..

والإخوان لا يؤمنون بالقومية بهذه المعاني ولا بأشباهها، ولا يقولون فرعونية وعربية وفينيقية وسورية، ولا شيئًا من هذه الألقاب التي يتنابز بها الناس، ولكنهم يؤمنون بما قاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكامل: "إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء... الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

ومن ثنايا هذه المفاهيم الجلية الواضحة كان تعامل الأخوان المسلمين وما زال مع فكرة الوحدة العربية والسعي لتحقيقها يمثل ركنا أساسيا ومرحلة هامة في برنامجهم الشامل الذي يرومون من خلاله الخير للبشرية عامة والعرب والمسسلمين خاصة .

الوحدة العربية

من البديهيات التي لا تقبل الجدل عند الإخوان " أن العرب أمة واحدة" .. وأن هذا التعبير يساوي عند الإخوان المسلمين في أحقيته ووضوحه واستقراره في النفوس والأذهان قول القائلين: "السماء فوقنا والأرض تحتنا" .. وأن العرب من خليج فارس إلى المحيط الأطلسي ليتحدون بوحدتهم أية أمة متحدة في القديم والحديث .

وقد اصطلحت على تكوين الوحدة العربية وتدعيمها كل العوامل الروحية واللغوية والجغرافية والتاريخية والمصلحية، وليست تعوز هذه القضية الأدلة والبراهين؛ ولكن يعوزها ثبات المؤمنين وعدالة المنصفين ... كما تقول مذكرة (الإخوان المسلمون) إلى اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوحدة العربية في غرة شوال المبارك 1344 هـ، 18 من سبتمبر 1944 م .

وقال عنها الإمام "البنا"- يرحمه الله- في رسالة (دعوتنا في طور جديد): "والعروبة لها في دعوتنا مكانُها البارز وحظُّها الوافِر، فالعَرَب هم أمة الإسلام الأولى، وشعبه المختار، ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، وإن شبر أرض في وطن عربي نعتبره من صميم أرضنا ومن لباب وطننا".

ويُضيف الإمام "البنا": "ومِنْ أروَع المعاني في هذه السبيل ما حدَّد به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- معنى العروبة؛ إذ فسرها بأنها اللِّسان والإسلام، وبذلك تعلم أن هذه الشعوب الممتدة من خليج فارس إلى طنجة ومراكش على المحيط الأطلسي كلها عربية تجمعها العقيدة، ويوحد بينها اللسان، ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله..

والإخوان يرون أن " العرب .. هم أمة الأسلام الأولى وشعبه المتخير ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها ، فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق فينا أبدا معنى الوحدة العربية والإسلامية ( إذا ذل العرب ذل الإسلام ) .. إن الإسلام نشأ عربيا ووصل إلى الأمم عن طريق العرب وجاء كتابه بلسان عربى مبين وتوحدت الأمم باسمه " .

ويذكر الإمام "البنا" عام 1946 م أن الإخوان منذ تأسيسهم رأوا أن الدنيا ستصير إلى التكتل، وأن عصر الوحدات الصغيرة والدويلات المتناثرة قد زال أو أوشك، وأنهم رأوا أنه ليست هناك جامعة أقوى ولا أقرب من الجامعة التي تجمع العربي بالعربي، وأشار في مجلة (الإخوان المسلمون) تحت عنوان "آمالنا في الجامعة العربية" إلى أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى الوحدة الكاملة، على العرب أن يأخذوها في حسبانهم، وتتمثل في:


الوحدة الجغرافية :

فالأرض واحدة، تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في اتصال والتحام، لا تقسمها الفواصل الكونية أو التضاريس، مع تميزها بثرواتها الطبيعية واستغنائها بخيراتها.


والوحدة الروحية :

فالمسلمون يقدسون الإسلام عقيدة، وغيرهم يعتزون به شريعة قومية عادلة ونظامًا اجتماعيًّا ترعرع في أوطانهم.

الوحدة اللغوية: فاللغة واحدة للمسلمين، وغير المسلمين من العرب الذين يحوطونها بمشاعرهم.


الوحدة الفكرية الثقافية والاجتماعية :

تشابه العادات والتقاليد في شعوبهم، وحدة الآمال والآلام التي يمثلها التاريخ المشترك في القديم والحديث، وحدة المصالح العملية المشتركة.

هذه الروابط جميعًا تربط العرب، ومن ثمَّ فإن الوحدة أوالجامعة العربية هي الطريق الطبيعي لنهضة العرب، وهذا يمثل أحد أهداف الإخوان الذين أيدوا الجامعة العربية ورأوها عدة الحاضر وأمل المستقبل.

وكانت مناصرة الإخوان في المنطقة العربية للجامعة العربية ممارسة واقعية لانتمائهم العروبي، وعملاً لإحياء الوحدة العربية، إلا أنهم كانوا يرون تخليصها من كل ما يحيط بها من عوامل الضعف والتخلخل ... فالإمام "البنا" يقول " .. والجامعة العربية في وضعها الصحيح يجعلها جامعة حقيقية تضم كل عربي على وجه الأرض في المشرق والمغرب، وتستطيع أن تقول كلمتها، فيحترم تقويتها وتدعيمها، ومن حقنا أن يعترف الناس بها وأن يقدروها قدرها، وأن يؤمنوا بأنها حين تقوى وتعتز ستكون من أقوى دعائم السلام العالمي".


قراءة لجهود التوحيد العربية وحلم الوحدة

الوحدة العربية.jpg

لا تزال قضية الوحدة العربية شاغلا رئيسيا من شواغل الأمة ولايزال هدف تحقيقها حلم جل أبناء الامة‏,‏ يقوي التوق إليه مع اشتداد وطأة الخلاف بين أعضاء الجسم العربي ومع تزايد عدوان قوي الهيمنة الدولية وتابعها الصهيوني علينا‏ ، حتى وصل الأمر إلى الأحوال التى تعيشها البلاد العربية الآن حيث الإقليمية الضيقة بل وازدياد النزعة الانفصالية في داخل القطر الواحد .

فلماذا فشلت الوحدة العربية ؟ .. أو بصياغة أخري لماذا لم تتم الوحدة العربية المنشودة حتى الآن ؟

حين نستحضر ماتحقق من توحيد في اطار مرحلة الوحدة الناقصة التي تعني التنسيق والتعاون والتضامن في وطننا العربي ، نجد أمامنا تجربة جامعة الدول العربية التي تضم في عضويتها جميع الكيانات العربية .. دولا معترفا بها وكيانا فلسطينيا .. يحكمها ميثاق ولها أمانة عامة ومجلس جامعة وقد قامت في اطارها منظمات عربية متخصصة‏,‏ وتم ابرام اتفاقات ومعاهدات عربية .. واتصفت صيغة عمل هذه الجامعة بأنها رسمية بين حكومات ، وأنها تستهدف التنسيق والتعاون ولو في حد أدني .. وشاع في العقد الأخير من السنين مصطلح النظام العربي للدلالة علي صيغة العمل هذه‏.‏

تحقق في اطار هذا النظام العربي حد أدني من التنسيق والتعاون بين اعضائه أثمر نتائج ايجابية محدودة خلال العقود الخمسة الماضية ‏,‏ وذلك في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية‏.‏

وحين نستحضر ماتم من توحيد جزئي مطلع العشرينات واقامة الدول القطرية نجد ان عملية توحيد تمت في الجزيرة العربية بين نجد والحجاز وعسير في الثلاثينات في اطار مملكة عربية سعودية وهي مستمرة منذ ذلك الوقت.

ونجد أن عملية توحيد تمت بين شرق الاردن وجزء من فلسطين في مطلع الخمسينات استمرت حتي عام‏1988‏ حين فكت المملكة الاردنية الهاشمية ارتباط الضفة الغربية بها‏.‏

ونجد ان عملية توحيد تمت بين مصر و سوريا عام ‏1958‏ في اطار الجمهورية العربية المتحدة ولم تلبث ان انتهت بانفصال عام‏1961.‏

كما نجد عملية توحيد تمت داخل قطر واحد هو المملكة الليبية المتحدة في ذللط الوقت بين ولاياتها الثلاث طرابلس وبرقة وفزان عام‏1963‏ وهي مستمرة حتي اليوم

ونجد عدة عمليات اتحادات ثنائية وثلاثية حدثت في الخمسينيات والستينات والسبعينات لم يقدر لها ان تستمر من الاتحاد الهاشمي بين العراق و الاردن عام ‏1958‏ إلي الوحدة الثلاثية بين مصر و سوريا و العراق عام‏1963‏ إلي اتحاد مصري سوداني سوري‏,‏ وآخر مصري ليبي في مطلع السبعينات

ونجد عملية توحيد لعدة امارات عربية في دولة الامارات العربية المتحدة القائمة ... ثم نجد بروز صيغة مجلس تعاون خليجي في مطلع الثمانيات يضم السعودية و الكويت والبحرين وقطر والامارات وعمان التي لاتزال مستمرة .

وقد برزت صيغة مجلس التعاون العربي اواخر الثمانينات الذي ضم مصر و العراق و اليمن و الاردن وأنهاها زلزال الخليج عام 1990 .

وكذلك صيغة مجلس الاتحاد المغاربي الذي يعاني من تجميد نشاطه .

وحدثت علمية توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي في مطلع التسعينات‏.‏ وقد صمدت أمام اختبار صعب كان قوام الصمود فيه إسلاميوا اليمن .

كما حدث في الفترة نفسها عملية تقوية الروابط بين سوريا ولبنان اثر مؤتمر الطائف الذي طوي صفحة الازمة اللبنانية وشهدت فترة التسعينيات تقوية التعاون الثنائي بين عدد من الدول العربية‏.‏

وحين نبحث عن أسباب عدم اتمام الوحدة العربية الشاملة من خلال استحضار هذا التاريخ نجد أن هناك عاملا خارجيا قويا فعل فعله في الحيلولة دون تحقيقها‏,‏ وهو سعي قوي الهيمنة الغربية الأمريكية والبريطانية بخاصة للابقاء علي الوطن العربي مجزءا بغية التسلط علي ثرواته بعامة ونفطه بخاصة وقد بلغ الأمر بهذه القوي حد العمل علي إنهاء النظام العربي رغم صيغته الفضفاضية وبما يمثله من حد لآدني حتى وصل الأمر إلى الأحوال التى تعيشها البلاد العربية الآن.

وحين ننظر في أسباب نجاح محاولات التوحيد الجزئي التي تمت نجد أن النجاح حدث حين استند عامل الارادة الوحدوية إلى مرجعيته الإسلامية .. كما هو الحال في تجارب الاتحاد القطرية في كل من ليبيا و السعودية .. أو كان حمله رايته والمبادئين به والمضطلعين بعبئه هم أصحاب الرؤية الإسلامية كما حدث في اليمن .

ويؤكد هذا أن التجارب المشابهة وعلى المستوى نفسه التي لم تكن هذه مرتكزاتها ، قد أفرزت نظاما سياسيا يحمل بين ثناياه بل وفي مكوناته عوامل انهياره وتحلله كما هو الحادث في تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة .


كما يلاحظ بشأن الوحدات الجزئية التي تحققت فعلا ، أنها لم تكن مؤهلة للاستمرار ، ولعل أهم الأسباب وراء ذلك :

- أنها كانت تقوم على إرادة الحكام .. وهم الذين كانوا يتخذون قرارها .. مما جعل الوحدة رهينة إرادة هؤلاء الحكام فإذا ماغضبوا تراجعوا عن هذه الوحدة بقرار منهم أيضاً .. وخوف كثير من الحكام على مصالحهم التى قد تهددها الوحدة الصحيحة ، فلا تقبل الأمة فى حاال العافية ، بهم ، متنفذين فى شئونها ، مما يجعلهم يحاربون الوحدة ويسعون لفك كل مظهر من مظاهرها .

- أنها لم تقم على أساس متين ولا على فكر قوى . بل كانت تقوم على أساس قومى بمعانية الضيقة لم يثبت أمام اختلاف المصالح والمكاسب .. بل ولم يعتصم أصحابها بحبل الله المتين .. ولم يجعلوا الإسلام ناظم عقدهم .. فكانت الوحدة سطحية لا جذور لها ولا بقاء .

- لم تعتمد توحيد المؤسسات ومناهج التعليم والإعلام .. فلم تقنع الأطراف المتحدة بجدوى الوحدة وأهميتها وفوائدها .

- هيمنة القرار الاستعمارى وفرض إرادته على الإرادات العربية مما يجعلها تستجيب للانفصال تحت وطأة الترغيب والترهيب .

- عدم الاعتماد على الأحزاب الإسلامية والحركات الشعبية باعتبارها الآلة المناسبة للدعوة إلى الوحدة ولتحقيقها ، وهذه الأحزاب هى القادرة على تصعيد وتيرة الحاجة إلى الوحدة، ونشر فكرتها فى كل قطر من الأقطار , إذ أن الفكر وحده لايكفى والفكرة القوية تموت إن لم تجد جهازاً شعبياً منظماً يدعو إليها ويقنع الناس بها ويدافع عنها .


الخطوات نحو الوحدة

الأسس التى ينبغى أن تقوم عليها الوحدة :

ويرى الإخوان أنه لكي تنجح الوحدة العربية، فمن الضروري الالتزام بأسس عدَّة، هي:

- الإسراع في توحيد الثقافات حتى تتقارب الأفهام، ويفتح الباب للاندماج الكامل، وهذا يستدعي تغييرًا في مناهج وسياسة التعليم في المعاهد والمدارس العربية..

- توجيه الثقافات وجهة واحدة تخدم أهداف الوحدة، وهذا يعني وضع المعاهدة الثقافية بين الدول العربية موضع التطبيق؛ حتى لا تظل الوحدة مقصورة على ناحيتها الرسمية بين الحكومات .

- العمل لتحقيق الوحدة الاقتصادية عبر سلسلة من الاجراءات والبرامج المشتركة ومن ثم الوحدة السياسية ، واعتبار الجامعة العربية أداة لجمع كلمة العرب وتوحيدهم في قوة واحدة لتحقيق رسالتهم في الحياة لنشر المثل العليا، وأن تقوم الجامعة بحقها في حماية العرب وصيانة استقلالهم من خلال اتفاقية الدفاع العربي المشترك ..

- العمل على تطبيق الإسلام ، إذ أن تطبيق الإسلام فى أى بلد عربى يجعله بلداً وحدوياً بالضرورة ويمكن لفكرة الوحدة بين أبنائه ، ويمد الفكر الوحدوى بالقوى الدافعة .


طريق عملي لتحقيق الوحدة

إن الخطوة الأولى نحو الوحدة قد تبدأ بتوجيه الدعوة للأحزاب الإسلامية والقومية والحركات الشعبية والنقابات والفعاليات البرلمانية لعقد مؤتمر عام وليكن باسم "مؤتمر الوحدة العربية" يسعى إلى الوصول إلى ميثاق .. عام " ميثاق الوحدة العربية" .. تتبناه جميع الأحزاب والحركات الشعبية المشاركة فى المؤتمر .

ويمكن تصور تكوين الآليات التالية لدعم فكرة هذا الميثاق :

  • تشكيل مجلس يسمى مجلس الوحدة العربية... يكون بمثابة البرلمان الذى تمثل فيه الشعوب العربية... ونقترح أن يكون هذا المجلس فى حدود الثلاثمائة عضو... ويقوم هذا المجلس بوضع السياسات والبرامج العامة للوحدة العربية.
  • انتخاب مكتب تنفيذى يقوم بتنفيذ السياسات والبرامج.
  • تشكيل أجهزة متخصصة تقوم بإعداد برامج التوجيه والضغط والتخطيط لمختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية والتربوية والتشريعية والإعلامية والعملية والتقنية والاقتصادية والعسكرية.

يصاحب هذا الجهد قيام المؤتمر بالتعاون مع أجهزة العمل العربي المشترك الرسمية بوضع الأليات المناسبة لـ :

- العمل على حل قضية فلسطين حلاًّ يتفق مع وجهة النظر العربية ويؤدي إلى سلامة هذا الجزء من الوطن العربي، وهو منه بمثابة القلب من الجسد وإلى المحافظة كل المحافظة على أن يظل عربيًّا خالصًا ، وخاصة أن الشعوب العربية كلها قد وطدت العزم على أن تستنقذ فلسطين مهما كلفها ذلك من الجهود والتضحيات.

- العمل على حل بؤر التوتر وقضايا النزاع سواء في داخل القطر العربي الواحد أو بين الأقطار العربية بعضها البعض .. ومن أمثلة الأولي قضايا الأقليات العرقية والدينية .. بينما النزاعات والخلافات الحدودية تمثل النوع الثاني من المعوقات .


السعي الدؤوب لتحقيق مظاهر الوحدة العامة

- فهنالك خطوات أولية تعتبر وسائل عملية للوحدة المنشودة، وهي في الوقت نفسه من حق الحكومات العربية الخالص التي لا ينازعها فيه منازع، ومن تلك الخطوات:

1- رفع الحواجز الجمركية.

2- إلغاء جوازات السفر ومنح حرية المرور والتنقل في أي قطر من الأقطار العربية لكل عربي بعد التأكد من شخصيته وإباحة الهجرة والاستيطان على نظامٍ واسعٍ ميسرٍ.

3- التوسع في التعاون الاقتصادي وتأليف الشركات العربية الواسعة النطاق من سكان البلاد العربية جميعًا في أي قطر من هذه الأقطار، ودراسة المشروعات العربية العامة دراسة مشتركة، وإحياء ما تتعطل منها كمشروع (سكة الحديد) الحجازية التي أنشئت بأموال العرب والمسلمين جميعًا وأوقافهم.

4- تنمية التعاون الثقافي والتشريعي والعسكري بتوحيد برامج التعليم ومناهجه وتوحيد منابع التشريع وقواعده، وتوحيد نظم التدريب العسكري وأساليبه.


الكيان السياسي العام للأمم العربية المتحدة :

وتأتي بعد الخطوات السابقة خطوة ثالثة يكمل بها بناء الوحدة العربية، تلك هي تحديد لون الكيان السياسي العام لهذه الحكومات العربية المتحدة.


السعي لتحديد الصلة بين البلاد العربية وجاراتها من البلاد الإسلامية غير العربية :

وهو مما يعزز الوحدة العربية وتهتم له الحكومات والشعوب معًا، فهناك أقطار ليست عربية؛ ولكنها تجاور بلاد العرب وتجمعها بها جامعة المصلحة والجوار من جانب .. والعقيدة الإسلامية والذكريات التاريخية من جانب آخر كتركيا و إيران.

وإذا كنا في العصر الذي تحاول فيه كل أمة من الأمم أن تتلمس الروابط والجامعات بينها وبين غيرها، فإن من واجب المؤتمر العربي أن يقرر أن بين العرب وبين هذه الأمم لمحالفة طبيعية، وأن يعلن أن من خير العرب وخير هذه الشعوب معًا أن تدعم هذه المحالفة الطبيعية بمحالفات سياسية واتفاقات يتحقق بها تعاون الجميع على خيرهم وخير الإنسانية، وبذلك يضع المؤتمر لبنة أخرى في بناء التعاون الإنساني المنشود.


تحديد لون الحضارة التي يجب أن تصطبغ بها الأمة العربية

ولعل من أهم واجبات المؤتمر التحضيري المقترح أن يعنى بدراسة هذه الناحية دراسة دقيقة وأن يكون لنفسه رأيا يوجه إليه الأمم والحكومات العربية، ولعل هذه الناحية الاجتماعية لا تقل أهمية عن الناحية السياسية إن لم تزد عنها.

وفي هذا الخصوص تفصيل يقدم الأخوان في السطور التالية موقفهم تجاهه .

" ذهب الرأي العام العربي في الفترة الماضية في هذه الناحية مذهبين مختلفين:

فمن الناس من يدعو إلى الحضارة الغربية ويحض على الانغماس فيها وتقليد أساليبها خيرها وشرها وحلوها ومرها ونافعها وضارها ما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب ويرى أنه لا سبيل للنهوض والرقي إلا بهذا ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع.

ومن الناس من ينفر من هذه الحضارة أشد التنفير ويدعو إلى مقاومتها أشد المقاومة ويحملها تبعة هذا الضعف والفساد الذي استشرى في الأخلاق والنفوس .

ولاشك أن كلا الفريقين قد تطرف وأن الأمر في حاجة إلى دراسة أعمق وأدق وإلى حكم أعدل وأقرب إلى الإنصاف والصواب.

لقد وصلت الشعوب الغربية من حيث العلم والمعرفة واستخدام قوى الطبيعة والرقي بالعقل الإنساني إلى درجة سامية عالية، يجب أن تؤخذ عنها وأن يقتدى بها فيها، وهي إلى جانب ذلك قد عنيت بالتنظيم والترتيب وتنسيق شئون الحياة العامة تنسيقًا بديعًا يجب أن يؤخذ عنها كذلك، وهذه الحقائق لا يكابر فيها إلا جاهل أو معاند.

ولكن هذه الحياة الغربية والحضارة الغربية التي قامت على العلم والنظام فأوصلها إلى المصنع والآلة، وجبى إليها الأموال والثمرات وملكها نواصي الأمم الغافلة، التي لم تأخذ في ذلك أخذها ولم تصنع صنيعها، هذه الحياة المادية الميكانيكية البحتة- مع ما صحبها من خصومة حادة بين علماء الدنيا وحراس الدين – قد أغفلت هذه الأمم عن أخص خصائص الإنسانية في الإنسان؛ عن الغرائز ومستلزماتها والمشاعر ومطالبها والنفس وعالمها وطرائق تنظيم ذلك كله وضبطه ضبطًا يضمن خيره ويجنبهم شره.

ودفعت بها دفعًا عنيفًا إلى التبرم بالعقائد والأديان والخروج عليها خروجًا قاسيًا شديدًا وإقصائها إقصاءً تامًّا عن كل نواحي الحياة الاجتماعية العملية.

فأسقطت الحياة الغربية من حسابها جلال الربانية والتسامي بالنفس الإنسانية، والاعتقاد بالجزاء الأخروي، واضطربت بذلك بين يديها المقاييس الخلقية، وانطلقت غرائز الشر من عقالها تحت ستار الحرية الشخصية أو الاجتماعية، ونَجَمَ عن ذلك أن تحطمت الفضائل في نفوس الأفراد وتهدمت الروابط بين الأسر وفسدت الصلات بين الأمم وصارت القوة لا العدالة شريعة الحياة، واندلعت نيران هذه الحرب فذاق حرها المحاربون والآمنون على السواء.

وقد أدرك هذه الحقيقة أخيرًا ساسة الأمم الغربية أنفسهم فهبوا ينادون بوجوب العناية بالشئون الروحية ويتغنون بالمثل الخلقية العليا، ويهيبون بالحكومات أن تصبغ المدارس ومناهج التعليم والتربية بعد الحرب بهذه الصبغة وأن تعود بالشعوب إلى الأديان والعقائد الموروثة.


ونحن العرب قد ورثنا مفاخر هذه الحياة الروحية ومظاهرها .. فأقطاب الرسالات العظمى وأنبياؤهم المطهرون في أوطاننا نشأوا ، وعلى أرضنا درجوا .. ورموز الديانات المقدسة لازالت شامخة باذخة في ديارنا ، تهوى إليها قلوب المؤمنين بالكتب والرسل في أنحاء الأرض، وهذا القرآن الكريم الذي ورثناه نحن العرب فخلد لغتنا ورفع الله به ذكرنا وخاطب به نبينا فقال: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ .. (الزخرف:44) ... كما خاطبنا فقال: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ .. (الأنبياء:10) .

هذا القرآن قد حدد أهداف الحياة الروحية تحديدًا دقيقًا مبسطًا بعيدًا عن الأوهام الخيالية والفروض الفلسفية، ووفق بينها وبين مطالب الحياة العملية توفيقًا عجيبًا لم يستقم لغيره من الكتب ولم يتح لسواه من مناهج الحياة ونظمها.

فإذا كنا نحن العرب نملك هذه الثروة الروحية الجليلة التي تصل القلب الإنساني بجلال الربانية فتكلؤه بذلك إشراقًا وريًّا ، وتكرم في الإنسان معنى الإنسانية فترفع في عينيه قيم الفضائل العليا ، وتذكر الناس بجزاء الآخرة فتسمو بهم عن الوقوف عند أغراض الحياة الدنيا ، وتوثق بين بني الإنسان رابطة من الأخوة لا تمتد إليها يد التفريق والبلى ، وتقيم ميزان العدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات على أساس من التعاون والرضى ، وتضع لأصول المشاكل حلولاً ترتكز على الحق لا على الهوى .. إذا كنا نملك ذلك كله فإن من العقوق لمجدنا وكتابنا وللإنسانية كذلك ألا نتقدم للدنيا بهذا الدواء والعلاج الشافي.

ولهذا نعتقد أن من واجب المؤتمر التحضيري أن يقرر وجوب استمساك البلاد العربية بقواعد حضارتها التي تقوم على ما ورثت من فضائل نفسية وأوضاع أدبية، ودوافع روحية ، على أن نقتبس من الحضارة الغربية كل ما هو نافع مفيد من العلوم والمعارف والصناعات والأساليب وعلى أن ندعو أمم الغرب إلى الانتفاع بهذا الميراث الروحي الجليل ، ونبصرها بما فيه من خير ، ونذكرها بما يحتويه من نفع وضر .. وبذلك تقوم الصلة بيننا وبينها على أساس من التعاون المشترك يتآزر فيه العقل والقلب على إنقاذ الإنسانية واستقرار الأمن والسلام.

لقد يقال: إن هذا المعنى ينحدر بالعاملين له والداعين إليه إلى معنى من التعصب الديني أو التحزب المذهبي يمزق وحدة الوطن المجتمع ويفرق بين المسلم وغير المسلم وهذا وهم خاطئ، فنحن إنما ندعو إلى الفضائل الروحية والمثل الدينية العليا التي يدعو إليها أهل الأديان جميعًا كما ندعو إلى الانتفاع في حياتنا العملية بهذا التراث القرآني المجيد الذي هو للمسلم دين ونظام ، ولكل عربي قومية ومجد ، وللدنيا بأسرها طمأنينة وسلام.

يقول الإمام البنا رحمه الله تعالى : “يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة .. وينافى الوحدة بين عناصر الأمة وهى دعامة قوية من دعائم النهوض فى هذا العصر .. ولكن الحق غير ذلك تماماً ، فإن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير الذى يعلم ماضى الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل .. فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لايحتمل لبساً ولا غموضاً فى حماية الأقليات .. وهل يريد الناس أصرح من هذا النص :

( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخُرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ).. الممتحنة ... فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط ، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم ، وإن الإسلام الذى قدس الوحدة الإنسانية العامة فى قوله تعالى : ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . الحجرات ..

ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك ، فقضى على التعصب ، وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعاً فى قوله تعالى : (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لانفرقُ بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولَوا فإنما هم فى شقاق فسيكفيكهُم الله وهو السميع العليم . صبغة الله ومن أحسنُ من الله صبغة ) البقرة

ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة فى غير صلف ولا عدوان ، فقال تبارك وتعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخَوَيْكُم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) الحجرات .

هذا الإسلام الذى بنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لايمكن أن يكون أتباعه سبباً فى تمزيق وحدة متصلة ، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدنى فقط .

وبعد فإن الإخوان حين تريد لأوطانها وشعوبها الوصول إلى هذه الأهداف والحصول على كامل الحرية والاستقلال وتمام الاتحاد ، لا تنكر ولا تغفل أن بيننا وبين دول العالم وأممه وشعوبه صلات يجب أن تبقى ومصالح يجب أن تنظم؛ حتى يقوم التعامل على أساس من الحب والتعاون والإنصاف، وإن من الواجب أن ينظم ذلك كله بحيث لا تسوَّى مصالح الدول والشعوب على حساب العرب كما لا يحال بين دوله وبين مصلحة من مصالحها الحقيقية التي لا تنتقص من استقلالنا ولا تقف عقبة دون رقينا ونهوضنا ووحدتنا .

والحمد لله رب العالمين