الوطنية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

(الوطنية .. القومية .. الإسلامية)وخطاب الحراك الإسلامي المعاصر..!

الوطن .. حبٌّ ووفاء وعطاء


قال تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء: 214).

يقول الإمام الشهيد حسن البنا في كتابه (مجموعة الرسائل ص: 17): (إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى ... وإن كانوا يريدون بالوطن واجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين، وتوقير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، فنحن معهم في ذلك، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد، فقال تبارك وتعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) (المنافقون: 8).

وإن كانوا يريدون بها تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد، وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية، فذلك نوافقهم فيه، ويراه الإسلام فريضة لازمة فيقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (وكونوا عباد الله إخواناً) ... ويضيف البنا - رحمه الله - قوله: (والوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى، ثم يمتد وطن المسلم إلى الدنيا جميعاً). وكما يرى البنا فإن هذا التصنيف يوفق بين الشعور بالوطنية الخاصة والوطنية العامة.

يقول صاحب كتاب (التربية السياسية عند جماعةالإخوان المسلمين) ص281 طبعة 1989: (ومن ثم يمكن القول إنجماعة الإخوان بلورت جامعة وطنية تنطلق من الإسلام ذاته، تحقق الوحدة والتعاون، وتجعل لغير المسلمين كل حقوق المواطن وواجباته).

ويقول الأستاذ مصطفى الطحان في كتابه (تحديات سياسية تواجه الحركة الإسلامية، ص: 145 طبعة 1997): (لا نعتقد أن عالمية الإسلام تصادم وتحظر المشاعر الوطنية ما دامت لا تتجاوز الحدود إلى الاستعلاء الأرضي أو العرقي) أي الفاشية.

لقد استعرضت أعلاه مقولات لرجالات الحراك الإسلامي المعاصر الممتد على مدى زمني طويل، لأبين الحقيقة لمن لم ينصف هذا الحراك حين اتهمه بأنه يعتبر الوطنية والوطن مفهومين خارجين طارئين على الحياة الإسلامية.

ولو أننا تتبعنا مقولات هذا الحراك بشأن الوطن والوطنية لوجدناه يبتدئ منذ قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ليمتد إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، فهؤلاء القوم الذين أخرجوه وحاولوا قتله، لم يفرط بهم عندما أخبره جبريل بأنه إذا أراد فسيطبق عليهم الأخشبين. وهذا منتهى العاطفة الوطنية والانتماء إلى ربع وقوم رغم خلافه معهم وتغولهم عليه وعلى المؤمنين. ولقد ثبت وجود هذا التوجه نحو الوطنية المبنية على أسس عقدية مركزة في فكر الإمام البنا ضمن مجموعة الرسائل ص: 175 إذ قال: (إن الإسلام قد فرضها فريضة لا مناص منها أن يعمل كل إنسان لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وأن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها، وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحماً وجواراً، حتى أنه لم يُجز أن تنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر إلا لضرورة. ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعاً لمواطنيه).

ولقد ظهر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يبرز قيمة الوطن حباً وحنيناً، وذلك حين قال للصحابي أصيل وقد راح يصف مكة ومواقعها، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أصيل دع القلوب تقَرُّ).


و هذا بلال - رضي الله عنه - يهتف بحب الوطن والحنين إليه، وحب تقديم العطاء له فيقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بوادٍ وحـولي إذْخِرٌ وجليل

وهل أرِدَنْ يوماً مياه مجنـة

وهل يبْدَونْ لي شامة وطفيل

وبناءً على ما تقدم، فإن الوطنية والوطن في فكر الحراك الإسلامي المعاصر، لا يخرجان عما كان عليه أمر هذين المفهومين في نصوص وعمل رسول هذه الدعوة المباركة صلى الله عليه وسلم: إنها حب للوطن وحنين إليه، وعطاء لا ينضب من المحب للمحبوب، وهما ألفة وتآلف مع كل مكونات الوطن، خدمة له، ودفاعاً عنه وحراسة له، فكل مكوناته وإن اختلفت أديانهم وأعراقهم شعب واحد، وأمة واحدة، وهو ما كرسته وثيقة المدينة التي كتبها الرسول لجميع مواطني المدينة؛ مسلمين وعرباً ويهوداً دون تفرقة.

وإذن فالوطنية والوطن في نظر معظم كتل الحراك الإسلامي في عصرنا هما رحم واجبة صلتها، واجبة خدمتها، واجبة حراستها والحفاظ عليها، والاستثناء الوحيد في هذه القضية عند معظم الحركات الإسلامية هو أن لا تتحول الوطنية والوطن إلى الوثنية، بحيث تصبح صلة الأرض والقوم عبادة عصبية شوفينية فوقية، تنظر إلى كل من دونها نظرة احتقار، وتتفنن بكيفية الإضرار بالآخر وسلبه خصوصيته ونهب ثرواته، بل وإفنائه في كثير من الأحيان. وهو ما حدث مع بعض تلك الوطنيات الأوروبية، وعلى الأخص النازية الألمانية والشوفينية الإيطالية وغيرهما، أو كما حدث مع الأمريكيين من العرق الأبيض، الذين أبادوا مواطني أمريكا الشمالية، بزعم أنهم من الدون غير القابلين للتقدم والنهوض، وكما حدث مع العرق الأبيض نفسه في أستراليا عندما أبادوا السكان الأصليين هناك بحجة النهضة والتقدم، وكما حدث مع الأوروبيين حين ذبحوا وهجروا أهل فلسطين ليحلوا مكانهم شعباً آخر ليس له حق في فلسطين، وذلك تحت شعار: (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) وهو قول كاذب مخادع مجرم. وعلى هذا فالوطن والوطنية في الفكر الإسلامي منذ دولة المدينة وحتى اليوم يشكلان الحب والوفاء والعطاء، وليس وثناً يُتعصب له ولحدوده، فينسى مطلقو ذلك الوثن كل البشر الآخرين ويحتقرونهم، فهل نفهم بناء على ما تقدم أخطاء العصبية الوطنية الشوفينية التي تفرق بين الإنسان والإنسان حتى من أبناء الدين الواحد..؟!

إن الوطنية التي يؤمن بها إسلاميو العصر هي التي تنفتح على الآخرين من أبناء الوطن، وعلى الآخرين من شعوب الأمة وعلى الأخر الإنسان، فيكون لأبناء الوطن الواحد الحقوق والواجبات نفسها، ويكون للآخر من شعوب الأمة حق الاحترام والنجدة والعون، ويكون للآخر الإنسان حق الكرامة الإنسانية التي قررها القرآن: (ولقد كرمنا بني آدم).