انتخابات المجلس الشرعي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


انتخابات المجلس الشرعي
Muezzin.JPG

نشرت الصحف اللبنانية يوم أمس ردّ الأستاذ عمر مسقاوي نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى على بيان رؤساء الحكومات السابقين حول انتخابات المجلس الشرعي المقرر إجراؤها في 25/12/2005، والذي طلبوا فيه (دعوة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى إلى جلسة تشريعية سريعة لإلغاء التعديلات والتفسيرات التي تناولت المادة 29 من المرسوم الإشتراعي رقم 18/1955 تذرّعاً بالقرار 50/96 الذي يعلم الجميع الظروف الضاغطة التي تمّ اتخاذه في ظلّها، لكي تجري الانتخابات قبل تاريخ 31/12/2005 موعد انتهاء ولاية المجلس الشرعي الحالي).

كما نشرت أكثر الصحف مقالات كثيرة تتناول الاعتراضات التي يتحدّث بها الرافضون لاختزال الهيئة الناخبة للمجلس الشرعي.

وسأحاول فيما يلي توضيح بعض الأمور الهامّة، وتحديد المسائل المختلف عليها، وتقديم الاقتراح الذي أجده مناسباً للخروج من الإشكال القائم.

أولاً: توضيح بعض الأمور:

1- إنّ المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى تمّ إنشاؤه عام 1955 بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 18، وحدّدت صلاحياته في المادة 38 منه وأهمّها (إصدار النظم والقرارات والتعليمات التي يقتضيها تنظيم شؤون المسلمين الدينية وإدارة جميع أوقافهم الخيرية... وله أيضاً صلاحية تفسير النظم والقرارات في المواضيع المذكورة آنفاً على وجه لا يتعارض وأحكام هذا المرسوم).

2- إنّ المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الحالي جرى انتخابه عام 1971 وفق هذا المرسوم، وتمّ تحديد الهيئة الناخبة له وفق أحكام المادة 29 منه. وبسبب الظروف الاستثنائية المعروفة فقد مدّد لنفسه منذ عام 1975 وحتى الآن. وكثير من المسلمين يتساءلون: هل الظروف الاستثنائية استمرّت منذ بداية التسعينات حتى الآن؟ لكننا لا نريد الآن الخوض في هذا الموضوع.

3- ينصّ المرسوم 18/1955 على هيئتين ناخبتين لا بدّ من التمييز بينهما:

الأولى: الهيئة الناخبة لسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية، وهي الهيئة المنصوص عليها في المادة الثامنة تحت عنوان مجلس الانتخاب الإسلامي. هذه المادّة هي التي جرى تعديلها بالقرار رقم (50) الصادر بتاريخ 28/12/1996. وتمّ اختزال الهيئة الناخبة فيها إلى أقلّ من مائة.

الثانية: الهيئة الناخبة لمفتي المناطق، وهي الهيئة الناخبة لأعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، باعتبارهم ينتخبون في مناطقهم. هذه الهيئة نصّت عليها المادة 29 من المرسوم 18/1955 ولم يطرأ عليها أيّ تعديل.

ثانيا: تحديد المسائل المختلف عليها:

الكلّ مجمعون على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 25/12/2005، وذلك للخروج من الأوضاع الاستثنائية التي يمثّلها استمرار التمديد للمجلس بدون مبرّر مشروع. وهذا ما أكّده أيضاً رؤساء الحكومات السابقين في بيانهم المنشور في الصحف يوم 15/11/2005. لذلك فإني أعتقد أنّ طرح موضوع تعديل المرسوم 18/55، أو إلغاء بعض التعديلات التي أدخلت عليه في ظروف استثنائية، لا يمكن السير فيه في الوقت الضيق الباقي، ومع هذا المجلس الممدد له.

إنّ ما يمكن طرحه هو تطبيق المادة 29 تطبيقاً صحيحاً كما جرى في انتخاب أعضاء المجلس عام 1971، واستبعاد كلّ التفسيرات المخالفة. وبناء على ذلك يمكننا حصر المسائل المختلف عليها في الفقرتين الخامسة والسادسة من المادة 29. وهي تتناول مندوبي النقابات والعلماء. وسأشرحها فيما يلي:

المسألة الأولى: مندوبو النقابات:

1- تنصّ المادة 29 التي تحدد الهيئة الناخبة للمفتين المحليين ولأعضاء المجلس الشرعي في فقرتها الخامسة على ما يلي:

(مندوبون ثلاثة من الغرف التجارية والصناعية والزراعية في مركز المحافظة، وكلّ نقابة وجمعية في مركز المحافظة، من النقابات التي يحقّ لمندوبيها الاشتراك في مجلس الانتخاب الإسلامي).

هذه المادّة لم يجر عليها تعديل مباشر. إلاّ أنها تحيل في تحديد مندوبي النقابات على مجلس الانتخاب الإسلامي.

2- وقد كانت الفقرة التاسعة من المادة الثامنة- المتعلّقة بمجلس الانتخاب الإسلامي- تنصّ على ما يلي:

مندوبون ثلاثة عن كلّ من الغرف التجارية والزراعية وجمعيتي التجار والصناعيين من المسلمين السنيين العاملين في العاصمة ومراكز المحافظات. ومندوبون ثلاثة عن كلّ نقابة من نقابات المحامين والأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والمهندسين والمعلمين والصحافيين ومحرري الصحف من المسلمين السنيين وعن كلّ من جمعيتي المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت وصيدا، وعن الجمعية الخيرية الإسلامية وإسعاف المحتاجين في طرابلس، ومندوب واحد عن كلّ من اتحادات نقابات العمال وأرباب العمل المعترف بها رسمياً.

3- جاء القرار رقم 50 الصادر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بتاريخ 28/12/1996 فأجرى عدّة تعديلات، منها تعديل المادة الثامنة المتعلّقة بمجلس الانتخاب الإسلامي، وقد نصّ التعديل على ما يلي:

المادة 8: يتألّف مجلس الانتخاب الإسلامي من:

- رئيس مجلس الوزراء العامل ورؤساء مجلس الوزراء السابقين.

- الوزراء المسلمين السنيين العاملين.

- النواب المسلمين السنيين العاملين.

- أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى.

- المفتين المحليين العاملين.

- العلماء قضاة الشرع الشريف العاملين.

- العلماء قضاة الشرع الشريف المتقاعدين.

- أمين الفتوى في كلّ من بيروت وطرابلس.

- المدير العام للأوقاف الإسلامية.

وبذلك ألغى وجود مندوبي النقابات في مجلس الانتخاب الإسلامي.


4- وصدرت جداول الشطب الجديدة لانتخاب أعضاء المجلس الشرعي المقبل عن المديرية العامّة للأوقاف الإسلامية، ولم تذكر مندوبي النقابات، باعتبار أنّ الفقرة الخامسة من المادّة 29 تحيل في تحديدهم إلى مجلس الانتخاب الإسلامي، وأنّ التعديل الوارد في القرار 50 ألغى وجود مندوبي النقابات في مجلس الانتخاب الإسلامي - الخاص بسماحة مفتي الجمهورية- واعتبرت بالتالي هذا الإلغاء إلغاءً ضمنياً لوجودهم في مجالس انتخاب المفتيين المحليين والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى. أو كما قال الأستاذ مسقاوي أنّ (الإحالة على المادة 8 في المادة 29 بعد هذا التعديل أصبحت غير ذات مضمون).

فالخلاف هنا بين رأيين:

الأول: يعتبر الجزء الأخير من الفقرة الخامسة المتعلّقة بمندوبي النقابات من المادة 29 أصبح غير ذي مضمون أو هو ملغى ضمناً بالتعديل الوارد على المادة الثامنة.

والثاني: يعتبر أنّ التعديل الوارد على المادة الثامنة والمتعلّق بمجلس الانتخاب الإسلامي محصور في هذا المجلس، وأنّ المادة 29 يجب أن تبقى كما هي، وأنّ مندوبي النقابات يمكن تحديدهم بالعودة إلى تفسير المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الصادر بالقرار رقم 12 تاريخ 30/4/1971.

وأنا أؤيّد الرأي الثاني وأدلي بالحجج التالية:

أ-إنّ التعديل الوارد في المادّة الثامنة، ألغى وجود مندوبي النقابات في مجلس الانتخاب الإسلامي، ولم يتعرّض لوجودهم في مجالس الانتخابات الأخرى. وحين يكون النصّ صريحاً في المادة 29 باعتماد مندوبي النقابات في الهيئة الناخبة فلا يمكن إلغاؤه ضمناً بتعديل مادة أخرى، بل لا بدّ من نصّ صريح يلغيه. إنّ الإلغاء الضمني يمكن أن يعتدّ به قانوناً إذا كان يتناول نفس الموضوع. وموضوع التعديل الوارد في المادة الثامنة ينحصر بمجلس الانتخاب الإسلامي المتعلّق بمفتي الجمهورية فقط.

ب- إنّ الإحالة الواردة في المادّة 29 على المادة 8 تتعلّق بتحديد النقابات التي لها حقّ الانتخاب، ولا علاقة لها بمنحهم هذا الحقّ أو حجبه عنهم فإنّ أول النصّ يمنحهم هذا الحقّ فيقول: (مندوبون ثلاثة من الغرف التجارية والصناعية والزراعية وكلّ نقابة وجمعية في مركز المحافظة). وليس معقولاً ولا منطقياً أن يلغي آخر النصّ ما ورد في أوله. لذلك يمكن الاعتماد على التفسير الصادر بقرار المجلس الشرعي رقم 12 تاريخ 30/4/1971 والذي يقول: (إنّ الفقرة الخامسة من المادّة 29 من المرسوم الاشتراعي رقم 18 المعدّل تشمل النقابات التي لها وجود قانوني في مراكز المحافظات، وبذلك يكون من حقّ النقابة أن تسمي مندوبين ثلاثة من أبناء المنطقة يمثلونها في انتخابات مراكز المحافظات، وذلك طبقاً للمادة 12 من المرسوم 18).

ج- إنّ هذا التفسير يؤدي إلى إعمال النصّ الوارد في المادّة 29، وهو أفضل من إهمال هذا النصّ واعتباره ملغى ضمناً بالتعديل الطارئ على المادة الثامنة. والقاعدة الأصولية تقول: (إعمال النصّ أولى من إهماله).

د- إنّ هذا التفسير يؤدي من الناحية الموضوعية إلى مشاركة مندوبي النقابات، وهم يمثّلون شريحة مهمّة من شرائح المجتمع المدني الإسلامي، في انتخاب أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، ومفتي المناطق، وهو يبقي إطار الشورى الذي كان محدداً بالمرسوم الاشتراعي لعام 1955 ريثما يتمّ توسيعه في المستقبل. إنّ توسيع نطاق الشورى هو الأصل الذي يتطلّع إليه المسلمون والعالم كلّه. وإذا تمّ تضييق نطاق الشورى بالتعديل الوارد على المادة الثامنة لعام 1996 ضمن ظروف معروفة، فلا يجوز الاستمرار في الخطأ، ومخالفة المبادئ الشرعية والقانونية، ومخالفة منطق التاريخ، والإصرار على الرجوع إلى الوراء.

إنّ حسم الخلاف القائم بين هذين الرأيين ليس من صلاحية المديرية العامّة للأوقاف، المكلّفة بوضع لوائح الشطب كإدارة تنفيذية لا أكثر، وليس من صلاحية أي لجنة من لجان المجلس الشرعي، بل هو تفسير للنصّ يحدّد كيف يتمّ تنفيذه. وتفسير النصوص حقّ حصري للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى حسب نصّ المادة 38 من المرسوم 18/55 التي تقول: (وله أيضاً صلاحية تفسير النظم والمقررات في المواضيع المذكورة آنفاً.)

المسألة الثانية: الخطباء والأئمّة والمدرّسون

تنصّ المادة 29 في فقرتها السادسة على:

(.. والخطباء والأئمة المدرسون في المنطقة من حاملي الشهادات الدينية من الأزهر، أو أحد المعاهد الدينية المعترف بها، أو الذين مارسوا وظيفة الخطابة أو التدريس مدّة لا تقلّ عن العشر سنوات من اللبنانيين، ومدرسو الفتوى).

والخلاف القائم اليوم حول تفسير هذه الفقرة نوجزه فيما يلي:

1- صدر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى القرار رقم 5 تاريخ 16/3/1994، وذكر في مقدّمته أنّه يتناول (تفسير بعض البنود الواردة في المرسوم الاشتراعي وتعديلاته المتعلّقة بالهيئة الناخبة لمفتي الجمهورية اللبنانية) وهو ينصّ على ما يلي:

(يقصد بالخطباء والأئمّة والمدرّسين: الموظفون المعينون المثبّتون من الفئات المذكورة، الحائزون شهادة دينية، والذين ثبتوا في الوظيفة بعد مضي عشر سنوات عليهم في الوظيفة من لا يحملون شهادة دينية.. أمّا المكلّف أو المتعاقد فلا يحقّ له الانتخاب).

والظاهر أنّ المديرية العامة للأوقاف الإسلامية أخذت بهذا التفسير، فأصدرت جداول الشطب مقتصرة على الموظفين المثبتين فقط.

2- ويرى كثير من العلماء، ومعهم رؤساء الحكومات السابقين، أنه لا يجوز الأخذ بهذا التفسير، لأنّه يؤدي عملياً إلى إبعاد الشريحة الأكبر من العلماء عن انتخاب المجلس الشرعي- والمفتين المحليين- وهو أمر خطير للغاية، لأنّه يفقد المجلس الشرعي مشروعيّته، باعتبار أنّ أكثر الهيئة الناخبة تصبح ممّن لا علاقة لهم أصلاً بتنظيم الشؤون الدينية. والأخطر من ذلك أنّه يؤدي إلى وجود شرخ كبير بين دار الفتوى والمجلس الشرعي من جهة، وهما يمثّلان المرجعية الرسمية للعمل الديني، وبين العلماء وهم القائمون بالعمل الديني.

وأنا أؤيّد التفسير الثاني، بل أعتبره التفسير الوحيد الصحيح، وأعتبر التفسير الأول باطلاً، وذلك للأسباب التالية:

أ- إنّ التفسير الأول صدر بتاريخ 16/3/1994، وهو حسب نصّه يتعلّق بتفسير المادّة الثامنة من المرسوم 18/15 في فقراتها 9 و10 و11. وكانت نيّة المجلس في ذلك الوقت إجراء الانتخابات لسماحة مفتي الجمهورية وفق نصّ المادة الثامنة قبل تعديلها. ثمّ صدر بعد ذلك قرار المجلس رقم 50 تاريخ 28/12/1996 الذي ألغى المادة الثامنة كاملة، واستبدلها بنصّ جديد يخلو تماماً من الفقرات 9 و10 و11.

إذاً فالتفسير الصادر بتاريخ 16/3/1994 لم يعمل به إطلاقاً، وقد انتهى حكماً بإلغاء المادة التي جاء لتفسيرها. فكيف يجوز الاعتماد عليه في تفسير مادة أخرى هي المادة 29؟

ب- من الناحية القانونية، فإنّ نصّ الفقرة السادسة من المادة 29 يذكر (الخطباء والمدرسون والأئمّة) ويضع لهم شرطين حتّى يحقّ لهم المشاركة في الهيئة الناخبة: أن يحملوا شهادة شرعية معترفاً بها، أو أن يمارسوا الوظيفة مدّة لا تقلّ عن عشر سنوات. فهل يجوز تحت ستار التفسير أن نضع لهم شرطاً ثالثاً هو التثبيت. إنّ إضافة شرط ثالث يعتبر من الناحية القانونية تعديلاً وليس تفسيراً، وهو يخضع لآليات التعديل القانونية.

ج- لا وجود في أنظمة الأوقاف لما يسمى التثبيت إلاّ فيما يتعلّق بالأئمّة. ويسمى الإمام المثبّت إماماً منفرداً. أما الخطباء والمدرّسون فهم يعيّنون ويكلّفون ويتمّ التعاقد معهم خارج نظام التثبيت، ولو ظلوا يعملون في وظائفهم خمسين سنة. فالتفسير المذكور يلغي شريحتين من الهيئة الناخبة بالكامل وهما الخطباء والمدرّسون. فهل يجوز تحت ستار التفسير إلغاء نصّ بالكامل؟

د- إنّ اقتصار الهيئة الناخبة على المثبتين من الأئمّة، يوجد تمييزاً بشعاً بين الأئمّة. لأنّ التثبيت في أنظمة الأوقاف لا يقوم على أساس موضوعي كوجود كفاءة معيّنة، أو شهادة معيّنة، أو مدّة معيّنة أو غير ذلك. بل هو يقوم على توفّر الإمكانات المالية لدى الأوقاف. فهل يجوز أن يحرم إمام من حقّه في الانتخاب لأنّ الأوقاف لا تستطيع أن تثبّته لأسباب مالية خاصّة بها؟

هـ- هناك تفسير آخر صدر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بالقرار رقم 12 تاريخ 30/4/1971، وهو يتعلّق تحديداً بالمادة 29 المطلوب تفسيرها وهو ينصّ صراحة على أن: (المدرّسين الدينييين في المساجد هم المدرّسون المعيّنون أو المكلّفون أو المتعاقد معهم من قبل الدائرة الوقفية المستوفون لشروط التعيين المنصوص عليها في الفقرة 6 من المادّة 29 من المرسوم الاشتراعي رقم 18).

فلماذا لا يعمل بهذا التفسير وهو يتعلّق حصراً بالمادة 29 ونلجأ إلى تفسير مادة أخرى أصبح منتهياًَ حكماً؟

لذلك فإني أعتبر أن التفسير الذي اعتمدته المديرية العامّة للأوقاف في جداول الشطب والذي ذكره الأستاذ عمر مسقاوي، تفسيراً باطلاً، لأنّه مبني على قرار المجلس الشرعي الأعلى رقم 5 تاريخ 18/12/1994، وهو قرار يتعلّق بمادة أخرى، وقد انتهى حكماً بإلغاء المادة التي جاء يفسّرها. وأرى من الواجب اعتماد التفسير الصادر عن المجلس الشرعي رقم 12 تاريخ 30/4/1971، والمتعلّق بنفس المادة المراد تفسيرها، والذي جرى انتخاب المجلس الشرعي الحالي بناءً عليه. وأعتقد أنّه لا يمكن تصحيح هذا الخطأ، وحسم الخلاف حول هذا الموضوع إلاّ بقرار من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، صاحب الصلاحية في تفسير النظم والقرارات.

هل يكفي الاعتراض لدى المديرية العامّة للأوقاف؟

ذكر الأستاذ مسقاوي (أنّ لوائح الشطب مفتوحة للاعتراض لدى المرجع المختصّ في المديرية العامّة للأوقاف الإسلامية في بيروت والدوائر الوقفية في المناطق، لمن سقط اسمه سهواً أو خطأ منها، أو في تفسير مفهوم الخطباء والمدرسين والأئمّة طبقاً للجهاز الديني وأحكامه ممّن يجد نفسه مشمولاً بأحكام هذه المادّة).

أعتقد أنّ الاعتراض لدى المديرية العامة للأوقاف صحيح لمن سقط اسمه سهواً. أما من سقط اسمه عمداً بناءً على تفسير اعتمدته المديرية، بينما اعتقد العلماء أنه تفسير خاطئ يحرمهم من حقّهم الانتخابي، فإنّ اعتراضهم لديها لا يمكن أن ينفعهم، لأنّ المديرية لا تستطيع تعديل التفسير الذي اعتمدته إلاّ بقرار من المجلس الشرعي يلزمها بتفسير جديد.

لذلك فإنّه لا يجوز تحويل حسم الإشكال حول تفسير المادة 29، والذي هو من صلاحية المجلس الشرعي وحده، إلى المديرية العامّة للأوقاف التي تعجز عن حلّه، لأنّه أصلاً خارج صلاحياتها.

هل المجلس لا يستطيع الاجتماع لأنّ ولايته منتهية؟

ذكر الأستاذ مسقاوي (أنّ ولاية المجلس الشرعي قد أصبحت منتهية، لمجرّد صدور لوائح الشطب، والإعلان عن موعد انتخاب المجلس الشرعي الذي انتهت ولايته في نهاية شهر حزيران 2005).

إني أتساءل: إذا كانت ولاية المجلس الشرعي قد انتهت في شهر حزيران 2005، فهل يعتبر الأستاذ مسقاوي أنّ التمديد الذي أقرّه المجلس حتى 31/12/2005 يعتبر باطلاً؟

لم أطّلع على قرار التمديد هذا لكني سمعت به من أعضاء المجلس، وعلمت يقيناً أنّ المجلس عقد عدّة اجتماعات له بعد شهر حزيران 2005. فالأمر الذي لا يحتمل جدالاً هو أنّ ولاية المجلس الممددة ستنتهي في 31/12/2005.

أما القول بأنّ ولاية المجلس تنتهي بمجرّد صدور لوائح الشطب والإعلان عن موعد انتخاب المجلس الشرعي الجديد، فهو أمر يحتاج إلى نصّ. وليس في المرسوم 18/55 أيّ نصّ يتعلّق بهذا الموضوع. غير أنّ المادة 48 تقول بوضوح: (يجتمع المجلس في غير المواعيد أعلاه، لدرس قضية أو قضايا طارئة، تذكر في كتاب الدعوة، وذلك بناءً على دعوة من الرئيس أو طلب من ربع الأعضاء). وطالما أنّ ولاية المجلس مستمرّة حتى 31/12/2005، فإنّ رئيسه يمكن أن يدعوه للاجتماع لمعالجة قضية طارئة. فكيف إذا كانت هذه القضية تتعلّق بحسن سير العملية الانتخابية، بحيث أنها إذا لم تعالج فربما تعطّلت الانتخابات أصلاً، أو أدّت إلى نتائج لا تحمد عقباها؟

مقارنات

وفي ختام هذه الدراسة أذكر بعض الأرقام المهمّة للمقارنة. وحتى تتّضح ضخامة المشكلة التي تحتاج إلى تدخّل العقلاء لحلّها.

تتضمّن لوائح الشطب ما يلي:

بيروت: 89 فقط منهم 63 مدنيون و26 علماء. (بينما كان عدد العلماء في انتخابات 1971 /54/).

الشمال بدون عكّار: 89 فقط منهم 63 مدنيون و26 علماء.

عكار: 82 فقط منهم 67 مدنيون و15 علماء.

الجنوب: 45 فقط منهم 38 مدنيون و7 علماء.

جبل لبنان: 53 فقط منهم 44 مدنيون و 9 علماء.

البقاع: 60 فقط منهم 32 مدنيون و28 علماء.

حاصبيا ومرجعيون: 9 فقط منهم 7 مدنيون و2 علماء.

الاقتراح

أضمّ صوتي إلى أصحاب الدولة رؤساء الحكومات السابقين في مطالبة صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية بالدعوة إلى جلسة طارئة للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، للنظر في الإشكال القائم في الساحة الإسلامية على خلفية انتخابات المجلس الجديد، وأقترح تحديد موضوع الجلسة بالنظر في عدم قانونية التفسير الذي أعطته المديرية العامة للأوقاف الإسلامية بشأن عضوية مندوبي النقابات، والأئمّة والخطباء والمدرّسين في الهيئة الناخبة، ودراسة إعادة العمل بالتفسير الأول الذي أقرّه المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بتاريخ 30/4/1971، وهو يحفظ حقّ مندوبي النقابات، وجميع الأئمّة والخطباء والمدرّسين العاملين في دوائر الأوقاف، والحائزين شهادة دينية معترفاً بها، أو الذين مضى على ممارستهم الوظيفة أكثر من عشر سنوات. وبغير ذلك فإني أخشى انفجاراً داخل الساحة الدينية لن يسلم منه أحد، وتكون له انعكاسات مضرّة في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد.

بيروت في 15 شوال 1426 هـ.

الموافق 17 تشرين الأول 2005 م.

المستشار الشيخ فيصل مولوي

المصدر: موقع الجماعة الإسلامية في لبنان