بعض ما علمني الإخوان المسلمون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بعض ما علمني الإخوان المسلمون


بقلم:عمر التلمساني

مقدمة

من الدستور الإلهي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات: 56- 58]

يعرف العالم بل ويعترف، أن القرن الرابع عشر الهجري قد أمتاز دون غيره من القرون الهجرية الأخيرة، بقيام مدرسة جديدة طال تشوق المسلمين إليها في مشارق الأرض ومغاربها منذ قرون -هي حركة الإخوان المسلمين, والتي أنشأها وكونها ونظمها وبرمجها ووضع لوائحها وبين منهجها وهدفها ووسائلها الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس الحركة والمرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين.

ولئن كان الإمام المجاهد ابن تيمية وتلامذته، قد أدوا إلى الفقه الإسلامي وتوضيح مناهج السلف ما يعد غرة في جبين الفقه الإسلامي، ولئن كانوا قد سجنوا وعذبوا في سبيل التمسك برأيهم الصحيح، ولئن كانوا قد جاهدوا في سبيل الله بالسيف والمزراق فعلا، ولئن كانت لهم مدرستهم التي لا تنكر، ولئن كنا نحن الإخوان المسلمين نعتبرهم أساتذة لنا، إلا أنني أقرر وأنا كامل الإيمان والصدق، أن مدرسة الإمام الشهيد حسن البنا كانت أعمق أثرا وأعد فاعلية في نفوس شباب المسلمين ذلك لأن مدرسة البنا أخرجت مجاهدين في ميادين القتال، ومثلا في مواقف النضال كما أن مدرسة ابن تيمية اقتصرت على المحيط الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط وبعض البلاد الإسلامية المتنائية، بينما بسطت مدرسة البنا تعاليمها على أرض القارات الخمس التي تكون هذه البسيطة التي تحيا عليها البشر أيامنا هذه.

يضاف إلى ذلك أن القوى التي حاربت ابن تيمية كانت مقصورة على حكام الشام ومصر، أما حركة البنا فإن كل قوى الشر من صليبية وصهيونية وشيوعية، تناصبها العداء وتحمل عليها حملات ضارية، لا مثيل لشناعتها وبشاعتها، وخستها ودناءتها بل وحرضت هذه القوى الطاغية كل حكام البلاد الإسلامية الذين يدورون في فلك تلك القوى الظالمة الشريرة، حرضتهم على الفتك بالإخوان المسلمين ومطاردتهم في كل مكان، ورغم ما أوقعته تلك القوى من إيذاء بجماعة الإخوان المسلمين، فمازلت هذه الجماعة تحافظ على كيانها وتستبسل في التمسك بتعاليمها، وتقدم الآلاف من الشهداء في رضاء وقناعة ورجولة بهرت العالم كله وحملته على الاعتراف بأن رجال الإخوان المسلمين مثلا منقطعة النظير، في التمسك بالعقيدة، والأريحية في العطاء الذي لا حد له.

﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾....

ولا أقول هذا انتقاصا لفضل ابن تيمية ومدرسته على المسلمين، فما ينكر ذلك إلا جاحد، ولا يماري فيه إلا معاند، وأعوذ بالله من أن يكون مسلم من بين هؤلاء المعاندين.

ففضل ابن تيمية فوق مستوى شبهات الممترين، ولكني أقوله تقريرا لحقيقة تكابر فيها القلوب الضالة المركوزة بين حنايا الصدور، وأعتذر إلى الإمام ابن تيمية ومدرسته، إلا أن ابن تيمية وتلاميذه قسوا كثيرا على معارضيهم في الرأي وتناولوهم بألفاظ مرة قاسية وهو الأمر الذي حرص الإمام الشهيد على الابتعاد عنه والففور منه، وتوصية تلامذته بعد الإساءة إلى أحد من معارضيهم في الرأي أو الاتجاه.

فلم يزل لسانه يوما أو قلمه بكلمة نابية ضد أحد، بل عف وسما، وسامح وصفح صفح الكرام القادرين، وكان دائما وقاف عند قول العلي الكبير...

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ﴾ :

فكان الصابر على الأذى، الغافر لمن أساء واعتدى.

هناك أيضا أمر آخر، لا دخل فيه للرجلين، ابن تيمية وحسن البنا ، ففي عهد ابن تيمية كانت أجهزة الإعلام محدودة، فم يحظ ابن تيمية في عهده بما حظي به حسن البنا في حياته من شهرة وذياع صيت، ونباهة ذكر في كل أنحاء العالم، فعرفه الناس وكتب عنه الكتاب، وتحدثت عنه الصحف والمجلات فكان هذا العامل الذي لا دخل لأحد الرجلين فيه.

«وذلك الفضل من الله»

وللرجلين عندنا المكانة العليا.

لم يأت حسن البنا بدين جديد، فهو متبع لا مبتدع، ولم يأت بمفهوم جديد للإسلام، لا يعرفه المسلمون الآن ومن قبل. ولكن دوره دور المنبه المذكر، الصارخ بالمسلمين أن هبوا وعودوا إلى دينكم فقد طال بكم الرقاد، واستبدت بكم الغفلة، التي لا تليق بالمسلم الكيس الفطن، أو أن شئت تشبيها أرق كتشبيه المغرمين بالأدب ورقته، الأمر الذي لم أمارسه ولا أتقنه، فقد كان دوره دور النسمة الوادعة البليلة في أوقات السحر، تذود غبارا لامس الناعم من أوراق الزهر الحالمة، في الهزيع الأخير من الليل، حتى تشرق الشمس، ويصحوا النوام على روعة الورد والياسمين، والآس والنسرين، في أبهج ما تكون متعة المسبحين بجميل صنع الله، الرانين إلى روعة خلق المبدع العلام.

وسرت الدعوة، دعوة الإمام الشهيد، سريان الحياة في جنبات الغثاء الأحوى، فتترعرع، حين كادت أن تضمحل وتذوي، فأورثتها يقظة وعزة ومنعة، انتجت عملا وتطبيقا وتنفيذا، راع التماعه قلوب أعداء الشريعة السمحاء، ومن أعجب العجب أنه لم تتعرض جماعة إسلامية لمثل ما تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين.

وما ذلك إلا لأن أعداء الإسلام أيقنوا –عن دراسة- بخطورة الدعوة على آمالهم التي خططوا لتحقيقها منذ مئات السنين، وأخذوا ينفذون مخططاتهم في تؤدة وهدوء وخطى وئيدة ثابتة، وخبث دفين في صور شتى وألوان متخالفة لم يشعر بها كثير من المسلمين، فلم يعرفوا ماذا يريد بهم وإلى أين يساقون؟ فلما تجلت دعوة الإخوان المسلمين بروعتها على الوجود، تبين أعداء الإسلام مكمن الخطورة على ما يأملون، ولهذا كان الإخوان المسلمون محل نقمة كل كاره للإسلام ومن يحركونهم.

وفي هذا الموجز لست بمتحدث عن نشاط الإخوان المسلمين في مختلف المجالات بجميع أسمائها ومسمياتها بل ولا النتائج التي أسفرت عنها تلك النشاطات، لا لعدم أهميتها ولكن الآن التعرض لها يستدعي مجلدات ضخمة لا يتسع لها حيز هذا الموجز البسيط ولكن الحديث هنا عن فهم الإخوان المسلمين لدينهم، وتلبسهم لكل أغواره وأبعاده العملية، وتذوقهم لحلاوة آيات الكتاب الكريم، وطلاوة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسن منها والصحيح والمرسل والمرفوع، واستفتائهم لقلوبهم الطاهرة المستنيرة، وبعدهم عن الدخول في نقط الخلاف الفقهية ومعاشرتهم الحقة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية في كل مناحي الحياة قدر طاقتهم، ملتزمين للأثر النبوي الكريم وعمل الصحابة الأبرار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، الذين التزموا الأثر النبوي حبا وطاعة، حتى يبلغ الأمر بعبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما- في التزامه، أن يحرص على أن يوطئ أقدام ناقته مواطئ أقدام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة ترحاله.

عشت مع الإخوان المسلمين وفيهم، عشرات السنين ما بين شدائدهم ورخائهم، في انطلاقاتهم إذا ما أتتهم الأحداث، وفي التربص إذا ما حدث قوى الظلم والشر في هذا الانطلاق المشرف النبيل.

فكان الشكل مطابقا للمضمون ومعبرا عنه، على أبهر صور الموافقة بين الشكل والموضوع لذا رأيت لزاما على ووفاء لبيعتي وإشهارا لما قد لا يعرف الكثيرون من غير الإخوان أن أعراض للناحية الروحية فيهم، وما أضفته عليهم من خلا وسجايا عجز الأكثرون عن مجاراتهم فيها، لأنهم لم يعايشوا دينهم كما عايشه الإخوان المسلمون وكل الذي ابتهل به إلى الله، أن يطهرني من التعصب لطائفة من المسلمين أحببتهم وعشقتهم، وإن كنت لم أف بحقهم على عملا واجتهادا ونشاطا وتضحية وكل عذري في هذا التقصير أنني ضعيف الجهد قليل العلم، وأهي الطاقة، وما أعتذر ولا أستتر إلا وراء ما فهمته من قوله تبارك وتعالى تقريرا ودعاء وابتهالا.

﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾... صدق الله العظيم.

وبدأت، أقرر صادقا، أني لم أف لأمر حقه من البيان، ولا أنكر أنني خطاء، شأن كل آدمي ولكني إذا تبينت الخطأ تبت وأنبت.

ويسعدني حقا أن يردني كل ذي علم إلى الصواب فيما يراه من الأخطاء فكل تسامحا عن كل من يتناول هذه النظرية بالنقد أو التهجم أو الإنكار.

﴿وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾...

﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾...

عمر التلمساني


الإخوان المسلمون من الناحية الروحية

ليس المقصود بالروحانية الاستغراق في التبتل إلى حد ترك الدنيا ويستغل خيراتها من لا يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم..

بل إن الدنيا مطلوب إصلاحها....

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾

كما أن الدنيا عمل وسعي وإصلاح والتزام..

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾

وهي لست بطرا أو شرا وفرحا ومرحا..

﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾

وليست استكبارا واستعلاء على الغير....

﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾

وليست الروحانيات لبس المرقعات، وترك الشهي الحلال من المطعم....

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ .

وليست الروحانيات الانقطاع إلى العبادة وترك العمل والسعي على الرزق انتظارا لتمطر السماء عسلا.

﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ ..

وليست الروحانيات الذلة والمسكنة لغير الله والسي في تماوت واتضاع، فهذا المظهر لم يرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فضرب أصحاب هذا المظهر بدرته المباركة. وليست الروحانية إطلاق اللحى وتجهم الأسارير والإمساك بالمسبح، والله أعلم بما يستقر في القلوب.

ولكن الروحانية صفاء في القلب، حتى يخلو من الكدورات فلا يرى الله فيه إلا طهرا، كما هي استجابة وطاعة وتنفيذ فرائض الله سواء بسواء، وها هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يتقرب إلى ربه بنقاء قلبه، وإطلاع خالقه على هذا التواؤم الكامل بين المظهر والخبر، فيقول:

﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ ..

وقد وجه الإمام الشهيد الإخوان المسلمين إلى هذا المعنى فقال: في ركن من أركان البيعة –وهو الفهم- (العقيدة أساس العمل وعمل القلب أهم من عمل الجارحة وتحصيل الكمال في كليها مطلوب شرعا وإن اختلفت مرتبتا الطلب)

الروحانية في أن يكون عملك الدنيوي تبتغي به وجه الله وحده أيا كان لون هذا العمل.

﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾..

وقد وجه الإمام الشهيد الإخوان المسلمين إلى هذا المعنى فقال: في ركن من أركان البيعة- وهو الفهم- (العقيدة أساس العمل وعمل القلب أهم من عمل الجارحة وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا وإن اختلفت مرتبتا الطلب).

الروحانية أن يكون عملك الدنيوي تبتغي به وجه الله وحده أيا كان لون هذا العمل.

﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾..

فليست الروحانية بالشعارات تطلق، وبالصفات والمظاهر تلصق، ولكنها الاتجاه الخالص من داخل النفس وظاهر الأعضاء، إلى من خلق وصور برأ. ليست الروحانية ترك الأسباب فالذي أمر بالإيمان بالقدر، خيره وشره، حلوه ومره، هو هو نفسه جل وعلا، الذي أمرنا أن نأخذ بالأسباب لا اعترافا بفاعليتها وتأثيرها، ولكن طاعة لمن خلق الأسباب ووسيلة لدخول الجنة، وهو الذي جعل دخولها من أمره وحده..

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾..

الروحانية، كما أفهمها ولا أدعي علما فيها، مشتقة من الروح والروح علم الجميع بها وبأحوالها قليل، فلا يعرف أحد كيف تجول، ولا أين تذهب عند النوم، وما ذلك إلا أنها من أمر الله.

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾..

وأمر الله لا يعرف أحد إلا ظاهره، أما كنهه وسره وحقيقته، فلا يعلنه إلا الله، فإن، جعل شيئا قبل شيء أو فوقه أو دونه، فليس من حق أحد مساءلته عن الحكمة فيما قدر وقضي، وما دامت الروح من أمر الله، فهي ليست ألا نفخه ربانية في آدم فجعلته بشرا سويا، دون أب ولا أم كما خلق حواء من غير أم، وسيدنا عيسى بن مريم عليه السلام بغير أب، أما سائر البشر فمن أم وأب. ومرجع ذلك كله إلى النفخة الأولى من روحه، عز وجل فهي أمر، والأمر واجب الطاعة والالتزام، فإن شئت أن تكون ربانيا محضا، فالطريق إلى الربانية واضح ميسور، وما عليك إلا أن تتناول أسبابه، فتؤدي فرائضك عبادة، وتقدم نوافلك تقربا، وتسعى إلى ساحة الرضوان وئيدا أو هرولة بقدر ما نستطيع، فإذا بك ترى الذي هو في غنى كامل عنك، وأنت في حاجة محلة إليه، تراه يسرع إليك بأبلغ من سرعتك إليه، ويتقرب إليك بأكثر من تقربك، ويدنيك بقدرة القوى القادر المقتدر القدير.

ومن هذا المنحى كان الإخوان المسلمين ربانيين، يعيشون بروحانياتهم مع الله أولا عبادة وتخضعا ومع رسولهم صلى الله عليه وسلم أتباعا وتأدبا، ومع الناس إكراما وتفضلا، ومع أنفسهم معرفة بالحاجة التي لا تنتهي إلى من بيده ملكوت السموات والأرض.

معرفة الإخوان المسلمين

عرفت الإخوان المسلمين، وتعلمت هذا منهم عمليا، عرفوا مدى سلطان الله عز و جل، الذي لا حد له، والذي لا يمكن أن يتصوره عقل المخلوق العاجز الضعيف، مهما صورت له عنجهيته، ومهما استبد به غروره العلمي، الذي جعله يظن أنه بما وصل إليه من العلم قد استولى على مقدرات هذا الكون, ومهما أطاحت به قوته المادية إلى تخيلات لا أساس لها ولا قوام.

وصل الإخوان إلى هذا اليقين، وتعلمته منهم، لأنهم عرفوا في أنفسهم العجز المطلق، فوصلوا إلى معرفة ربهم، واتصافه بالقدرة الكاملة التي لا تحد.

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ ..

من روحانيتهم، علموا أن الله سبحانه وتعالى قدر وقضى قبل أن يخلف ويبرز إلى الوجود ما خلق، وأنه أبرز مخلوقاته إلى الوجود الحسي على النحو الذي علمه منها قبل أن يريها خلقه، فثبت لديهم أنه علم علما قديما، لم يتجدد مع تجدد الأوضاع، واختلاف الظروف والمناسبات ومن أستقر عنده هذا الفهم، وأصبح يعيش فيه ويعمل له، ويسير معه، فقد أدرك من الإيمان بالله قدرا طيبا يصلح به عمله، ويطمئن به خاطره، وما عاد يسائل نفسه أو غيره: لم حدث هذا؟؟ وكيف؟ وهنا تبرز في الإخوان المسلمين الخلة التي يفتقدها غيرهم، لم ينسوا القدرة الربانية ولم يشكوا فيها، ولكنهم آمنوا بها واستيقنتها أنفسهم، وأن تساءلوا فإنها يتساءلون عن الكيف لا عن الماهية.

علموا واستيقنوا وآمنوا وساروا وأبدعوا وصبروا واحتملوا فكان ما يعرفه الناس جميعا عن الإخوان المسلمين على صورة أذهلت من كان يظن أن المسلم الحق على غير هذه الثقة من رب العالمين، لا بحثا عن الذات العليا، لأنه اشتراك، ولكن استجلاء للصفات الربانية، وهذا هو عين الوصول الإدراك.

لا يعجبون للإرادة والأمر، ما دامت القدرة وافرة والسلطان شامل، أنهم أيقنوا أن الله يريد أمرا ولكنه في نفس الوقت لا يريد الشيء المأمور به لأن هذا شيء وذاك شيء آخر، فقد تأمر ولدك بان يتعب وينصب لتحصيل أمر، ولكنك في نفس الوقت لا تريد له التعب والنصب، ولله المثل الأعلى.

وقد كان فهم الإخوان لهذا الملحظ الدقيق، سببا في تجنيبهم الكثير، فلم يقفوا الموقف المتردد أمام قضاء الله وقدره، بل انطلقوا للعمل استجابة للأمر، وتركوا تحقيق النتائج لمن بيه مقاليد الأمور لأنهم قرأوا ف كتاب الله الأمر بالعمل، فقد كثر ما جاء في الآيات البينات الأمر بالعمل «وقل اعملوا» و «قل اعملوا» ولكن ما جاءت آية واحدت تحمل المسلم مسئولية تحقيق نتيجة ما يعمل، لأن مرد الأمر ف تحقيق النتائج متروك لله وحده، ومن وصل إلى هذا المستوى من الفهم والعمل، فلن يضل ولن يحزن، ولن يعتمد على العمل وحده في سعيه إلى الدنيا أو الآخرة، ثقة منه بأن عمله لن يوصله إلى تحقيق أمنيته إلا أن يمده الله بعونه، ويتغمده برحمته.

وتعلمت هذا عمليا من الإخوان المسلمين أيضا يبدو أن كل عمل خلوا من كل مقوماته، إلا الجد والتوكل على الله، فما بدأوا عملا متضائلا إلا ونماه الله ووسعه وبارك فيه، وأمامنا منشآتهم الاقتصادية والتعليمية والتربوية والعبادية كيف بدأت وإلى ماذا انتهت.

ولولا أن الله سلط عليهم أعداءه وأعداء دينه، يلاحقونهم بالتخريب والتعذيب والحيلولة دون المضي إلى غايتهم لكان للإخوان المسلمين اليوم الأثر الواضح في كل مناحي الحياة، ولقد كافأهم الله تعالى على ذلك، بأن نزع اليأس والتردد من قلوبهم، فما أوقفتهم القوة الغاشمة الظالمة فترة من الزمن، إلا وعادوا أشد عزما وأعمق أملا، وأقصى جهدا، في استئناف العمل فيما عاهدوا الله عليه، وكلما مضى سيد، قام سيد. فؤول بما قال الرجال فعول.

والمؤثر في هذا تبينهم أن العلم الصحيح لا يأتي إلا من رؤية البصيرة، التي لا تقف عند حد الرؤية العابرة، بل تذهب إلى أبعد من هذا فتنفذ إلى أغوار ما تراه وتبصره، فيتحقق لها بذلك العلم الصحيح أما رؤية البصر عندهم، فما هي إلا طريق حصول العلم في ذاته، فعقلك وحده غير قمين برؤية النور، إلا أن توصله إليه عين مبصرة، وبالمثل فسماع النغم العذب الرقيق من ترجيح اليمام وهديل الحمام، ونوح البلابل على الأكمام، لا يميزه العقل إلا إذا أوصلته إيه الأذنان.. وهكذا.

فليس العقل وحده ولا الحواس التي تعينه وحده، وليس ما وراء ذلك ولا أمام، بموصل إلى الحقيقة واقعة إلا إذا كانت هناك بصيرة نافذة لا يمنحها إلا علام الغيوب وحده، المستغني عن كل شيء بعلمه وحده،فهو العليم بعلم حقا وصدقا.

من فضل الله تعالى على الإخوان

لقد دخل الإخوان المسلمون سجون عبد الناصر ، وخلفوا وراءهم أبتائهم وزوجاتهم ومن يعولونهم، بلا عائل ولا معين من البشر، وكان أولاد الكثيرين يتعثرون في دراستهم تعثرا مزعجا، فما كانت النتيجة عندما احتسبوا كل ذلك عند الله، ولم يشغلوا به أنفسهم في سجونهم، ثقة بربهم، وتوكلا عليه، باعتباره جل وعلا نعم الخليفة في الأهل والمال والولد.

وحتى عندما ساومهم الظالمون على إطلاق سراحهم مقابل تخليهم عن بيعتهم، بتأييد الظالمين، أبوا وأصروا على ما هم عليه.

وفضلوا ما عند الله على ما عند الناس، فكانت العاقبة أن حفظ الله عليهم أزواجهم وفتح على أبنائهم فلم يتعثروا حتى حصلوا على إجازتهم الدراسية النهائية واليوم لا ترى أنه ما من أخ صبر على المحنة واحتسب وحمد وشكر إلا وهو في بسطة من الرزق، وسعة من العيش ونباهة في الذكر، وعلو في المنصب، وذلك الفضل من اله وكفى به وليا نصيرا وعليما.

وهذه حقيقة، والحقائق ثابتة الأصول وطيدة الأركان. لا سبيل إلى تغييرها أو تبديلها أو خروجها عن حقيقتها التي أوجدها الله تعالى فيها وعليها، فالحدث المفجع يفجع بحقيقة تواز له ولا بد لنا من الاعتراف بهذا وليس آلام الحدث سببها صورة الكارثة نفسها، لأن الصور تتغير وتتبدل بمرور الأيام، وصروف الملابسات، وهذا لا يعنينا قطعا فيما يختص بالنازلة نفسها، أما حقيقتها فلن يقدر على إيقافها وتعطيل آثارها إلا الخلاق الذي أوجدها، وهو وحده القادر على تغييرها وتبديلها، وهنا موقف الإيمان الحق، فمن آمن وسلم بأن الله لا يجري فضاءه عبثا، اطمأن قلبه، وأيقن أن وراء ما ساءه شيء يعلمه الله, وقد يكون فيه خيرا كثيرا وهنا تهون قسوة الحقيقة على المؤمن الذي يعلم أن هناك ربا، ومن أظهر صفاته أن الرحمن الرحيم، ولهذا لم تبدل الأحداث رغم قسوتها شيئا من اليقين عند المؤمن فيستقبل الأمر، لا جزعا ولا مشفقا ولكن مؤمنا بالله، واثقا في رحمته وقدرته، قدرة الله الذي يقلب الليل والنهار ويفعل ما يشاء لا يريد ويختار.

ألا تراه سبحانه يقول في كتابه الكريم:

﴿وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾

وإن هذه اليمن التي تشير إليها الآية الكريمة هي التمكن من طي السموات الأرض، وأي القدرة التي تفعل ما تشاء، كيفما تشاء، كيفما تشاء عندما تشاء، وما دام هو القادر حقا وصدقا على طي السماوات والأرض وكشط هذه السماء التي نراها فهو قادر على إزالة وتغيير كل شيء، حتى الحقائق التي يعتبرها البشر حقائق لا سبيل إلى تغييرها.

لقد تعلم الإخوان من أمامهم الشهيد، مما قرأ في كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن علم الفقهاء، وما أفاء الله عليه من صفاء التوحيد الخالص، حتى إذا قرأوا.

﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾...

استبان لهم، كما استبان لأسلافهم، من الخلص الموحدين، أن هذه المثلية أنما هي مثله لغوية، وليست مثلية عقلية، وذلك لأن عقول البشر أعجز وأقصر من أن تدرك من ماهية الذات العلية شيئا، وأني للمخلوق أن يدرك من ذات ربه تصورا مهما شطح به الخيال فاستقرت عندهم حقيقة قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (البحث عن الذات اشراك، والقصور عنها إدارك) فاطمأنت قلوبهم فعلا إلى الحقيقة القائلة ( كل ما خطر ببالك، فالله وراء ذلك)، وقد تعلمت منهم ذلك فبات الأمر عندي فوق مدركات العقول. أنه الإيمان الحق والتوحيد الخالص، الذي نبتهل إلى الله ضارعين أن يحيينا عليه، وأن يمييتنا عليه، وأن يلهمنا به حجتنا ويوم العرض الأكبر عليه.

بهذا الفهم لم يختلط الأمر على الإخوان المسلمين، ولم يدخلوا فيما دخل فيه غيرهم، عندما اختلط عليهم فهم الصفات، وقد ضرب أحد الصالحين مثلا لاختلاف معاني الصفات صفات الله سبحانه فقال: كل حبة قمح فيها من الحقائق ما في أختها كما نعلم أيضا أن هذه الحبة ليست عين الحبة الأخرى، وإن كانتا تحتويات على حقائق متماثلة، فإنهما مثلان.

كذلك شأن الأسماء الإلهية كل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق، ثم نعلم على سبيل القطع أن هذا الاسم ليس هو هذا الاسم الآخر هكذا علم الإخوان وهكذا علموا غيرهم، وهكذا كنت من هذا الغير الذي تعلم على أيديهم، من أجل هذا تجد عند الإخوان المسلمين، ما لا تجده عند غيرهم، مما أعانهم، لا على ما حل بهم، ولكن على الرضاء بكل قضاء أجراه الله عليهم، فلم ينطووا على كره ولا على حقد لأحد.

وإذا كان العلم البشري الواحد، قد يتعلق بالمعلومات الكثيرة، والإدارة الواحدة تتعلق بالمرادات المتعددة، والقدرة الواحدة بالمقدرات الكثيرة كما يقول بعض الصالحين فهل لا يتيقن عندنا أن الله على كل شيء قدير، مهما تعددت صفاته؟ أن الله سبحانه وتعالى قد ركب في عباده العديد من الصفات التي قد يتمشى بعضها مع بعض، ليعلم وهو العليم من قبل، أين يذهب كل مخلوق من أوامره ونواهيه، ولتكون الحجة عليهم على أنفسهم. ففي الإنسان معرفة للحق، وفيه تبين للهدى وكلا الأمرين متقابلان في النفس البشرية، وفي الإنسان عقل يميز وفيه شهوة غلابة عمياء وهكذا أدرك الإخوان أنفسهم واقعة بين قوتين جبارتين، الروح والمادة هذه ترفع بها إلى أسمى الحقائق، وتلك تنزل بها إلى أحط النزوات. والحرب بينهما طاحنة لا تهدأ. وكلاهما من الله.

﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ ...

فمن اهتدى فله ومن ضل فله السوء.

﴿كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾

﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا﴾

وهذا أيضا تعلمته على يد الإخوان المسلمين مما فتح الله به عليهم، جزاء توحيده الخالص وقلبهم النظيف وفهمهم الصحيح.

وبهذا تعلمت من الإخوان المسلمين أنهم أبعد الناس عن الشخصيات لا يألفون إنسانا إلا على قدر مستواه من الصلاح والتقوى، وعلى قدر ما يقدمه لدينه وللمسلمين وللناس أجمعين من نفع وخير، على أن يفكر في غيره قبل أن يفكر في نفسه، ويهتم بما ينفع الناس قبل أن يفكر في نفعه الخاص. لهذا أحبوا مرشدهم الأسبق كما أحبوا مرشدهم السابق. لأنهم وجدوا فيهم ما يأملون ويحبون، أنهم لم يحبوا واحد من المرشدين السابقين لتكوينهما العضوي ولكن لما هدوهم إليه من خير الدنيا والآخرة، ذلك لأن الله سبحانه أمر سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهدى الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه عليهم جميعا الصلاة والسلام، ولم يأمره أن يقتدي بهم لذواتهم وشخصياتهم، ولذلك قال جل وعلا:

﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ ..

ولم يقل فبهم اقتده، وهكذا فهم الإخوان المسلمون أن الله وحده هو المعبود والمقصود والمطلوب والمرغوب والأمل والغاية والمنتهى أننا جميعا قاصدون، وهو وحده المقصود ولا شيء غيره لأنه أوجد كل شيء في هذا الوجود، لهذا الوجود ولم يوجده له جلا وعلا، أنهم لهذا حرصوا على أن يكون علمهم بالله فوق كل علم يتعلمونه، لأن الله هو الأجل والأعلى، فالعلم به وله يعلو فوق كل علم، ومعلوم فاتخذوا الدنيا معبرا يعبرونه إلى الآخرة فعبروه ولم يعمروه، وكان أول شعارهم «الله غايتنا» فتعلمت منهم سائلا ربي أن ينفعني بما علمت.

استبان للإخوان المسلمين في وضوح كامل أن ما يعملون من الأعمال بعدما علموا أن هذه الأعمال ليست مقصورة لذاته، ولكنها تعمل وتؤدي وتمارس، للشيء الذي عملت أو أديت أو مورست من أجله، ألا ترى أن الكلمة إذا نطق بها الإنسان فإنه لا يقصد بها، من نطقها، إخراج حروفها ولكنه يرمي من النطق بها، المعنى الذي تؤدي إليه هذه الكلمة المنطقوة فهم إذا صلوا لم يقصدوا أبدا الحركات والقراءات التي يؤدون به هذه الصلاة في شكلها المادي، ولكنها تعلقت أذهانهم بالحصول على ما قصدت به هذه الحركات المبتدأه بالتكفير والمنتهية بالتسليم، روعة في الفهم وجلال في الأداء وانتهاء إلى ما ثبت من أن الصلاة إنما:

﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ..

فإن لم يحققوا هذا المعنى من الصلاة في أخلاقهم، ومعاملاتهم، فإن صلاتهم هذه لم تزودهم من الله إلا بعدا لما استيقنوا من هذا إذ دان خلقهم بالحلم وطول الأناة فلم يقابلوا شرا بشر، لأن ما أصابهم كان يرمي إلى القضاء على ما ازدانوا من إيمان ويقين، فتركوا المقصود من ذلك الإيذاء، إلى صاحب المقصود جل وعز، واحتسبوا الأمر كله عند صاحب الشأن أولا وأخيرا أنهم لم يغضبوا لأنفسهم لأنهم يعلمن أن الغضب ظلمة في القلب، وقد قال بعض الفاقهين لهذا المعنى .

(أن الغضب ظلمة في القلب، وللك لما غكضب يونس عليه الصلاة والسلام، أسكنه الله في ظلمة بطن الحوت) ما أكثر ما تعلمت من الإخوان المسلمين أنهم السعداء الذين لا يشقى بهم جليسهم.

أنهم لما علموا أن الله قسم الصلاة بينه وبين عباده نصفين، أقبلوا على حمده والثناء عليه إقرارا بفضله في الأولى والآخرة .

ساءلوا أنفسهم من نحن؟ حتى تقع القسمة بيننا وبين صاحب كل شيء ومالك كل شيء وخالق كل شيء؟ بل أيقنوا أن هذا الحمد والثناء الذي تقدموا به إلى ربهم ما كانوا ليقدروا عليه لولا أنه هو وحده الذي أقدرهم عليه.

﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ ...

علموا أن الغيب لله ،وأنه احتفظ به لنفسه دون غيره، وعلموا أنه ما دام قد جعل الغيب لنفسه، فقد جعل من بين منافع الليل أنه جنة لأهل طاعته سبحانه فإن أحدا لا يعلم ما الله فاعل بعباده، لأنه استتر بالغيب في هذا المجال. ومن هنا فقهوا بأن الليل لا يمكن أحدا من معرفة ما يباشره المتهجدون بالليل فستر الله تعالى تهجدهم بالليل بحجاب ظلمة الليل التي أرسلها إليهم.

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ ..

لباسا لهم، فالبصر مكفوف بالظلمة، والسمع مكفوف بهدوء الليل وسكونه, القلب مكفوف بالانقطاع عن مشاغل الناس بالنهار فصفوا أقدامهم وأسهروا ليلهم، وقوفا أمام الحبيب العظيم وهم يناجونه:

يا مؤنس بالليل أن هجع الورى
ومحدثي من بينهم بنهاري

وفهموا كل الفهم المعنى الذي تضمنه الحديث ما معناه.

(كذب من ادعى محبتي، فإذا جن الليل نام عني)

ومن جليل ما تعلمته من الإخوان المسلمين، من روائع الصلاة أن بين الإنسان وبني مقام القرب من الله والمثول في ساحة الشهود، هضاب وتلال وصحاري مهلكة، لابد له أن يتخطاها وأن يتجاوزها ليحظى بمنازل القرب، ورياض الرضاء فالنفس لها مطالب لها مطالب شائكة وهناك الشهوات التي طالما أطاحت بالكثير من البشر وهناك مال محبب اقتناء، بينما كتاب الله عندما قال:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾

وكلها صعاب وعقبات وموانع وسدود قل من يستطيع تذليلها والنفوذ منها إلى بر الأمان والخدم والحشم والرئاسة والمكانة والسيطرة والسلطان، كل تلك موانع تقطع طريق الوصول إلى منازل القرب ومخيمات الصفاء ولكن الإخوان المسلمين كان من فضل الله عليهم أنهم سجدوا فأحسنوا السجون وتذللوا في سجودهم فبلغوا الذروة من العز والإكرام سجدوا وطال سجودهم فبلغوا الذروة من العز والإكرام، وسجدوا وال سجودهم طمعا في تحقيق قول الله تعالى

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾

وقد تعلمت من ذلك وأني لبين الخوف والرجاء، الخوف من تفرد الله أن يفعل ما يشاء فلا يسأل عما يفعل وبين الرجاء في رأفة أرحم الراحمين.

إن الأنفاس التي نصعدها لا نحصرها ولا ندري متى عنا تزول وأنها لأنفاس غالية . غالية جدا. غاية في النفاسة، لأن كل نفس منها مضى لن يعود، ومن العناية الفائقة ألا تخرج هذه الأنفاس الثمينة إلا في العزيز الغالي، ومن أجل هذا، فالإخوان المسلمون لم يضيعوا أنفاسهم الغالية، في الحقير التافه من الأمور .

السينما الماجنة، المسرح الخليع، الرياضة الضارة، الترفيه الرخيص، السمر المبتذل عرفوا أنهم خلقوا للعبادة، وهذه الأنفاس من بين ما يعينهم على الوصول إلى منازل القرب من الكريم الوهاب فصعدوا أنفاسهم في الجد في العمل في السعي. في ش الأزر.. في تكوين البنيان المرصوص.

في الناس ولئن كان وجود الإنسان على هذه الأرض أمر استفادة الإنسان فعلا فقد كان من أثر ذلك أنه جبل على التحصيل، فإن بذل وأن أنفق وأن أخرج، فقد تغلب فيه النفحة الربانية على العجينة الطينية، فهو قد تخلص من خسة الشح، وهذا أكثر ما رايته في مجتمعات الإخوان المسلمين فهل حصلت من ذلك على نصيب . أرجو وآمل.

الإخوان المسلمون وطريق الوصول إلى الدرجات العلى

ولقد حرص الإخوان المسلمون على أن يؤمنوا طريق الوصول إلى الدرجات العلى فأمنوا الإيمان كله أن الله جلت قدرته أوجدهم وأوجد كل هذه الكائنات التي نراها والتي لا نراها، والتي نعلمها والتي لا نعلمها أوجد كل هذا لها هي، لا له هو لأنه الغني عن كل شيء الذي يحتاج إليه كل شيء أيقنوا بهذا تماما فأنزلوا أنفسهم المنزلة التي يستحقونها.

فلم يلجأوا في محنهم التي ألمت بهم إلى مخلوق من المخلوقات لم يؤيدوا الظالم ولم يسترحموه، ولم يطلبوا عفوه، بل انصرفوا عن كل ذلك إلى مدبر الكائنات إلى نم بيده مقاليد الأمور الفعال لما يريد فاتجهوا إليه سبحانه واستلهموه الصبر والسداد وأقبلوا على قرأنه، يجعلونه عدتهم ووسيلتهم لهم، لأن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى فكانت النتيجة عفوا ومرحمة ورزقا وارتضاء.

إن الله يغفر الذنوب جمعيا فكانوا التوابين إذا ما أخطأوا، الأوابين إذا ما زلت بأحدهم قدم وحتى آدم لما هبط من الجنة، هداهم إيمانهم بالله أن آدهم أهبط إلى الأرض وقبل أن يخلق الملائكة والجن، وقبل أن يخلق آدم وحواء وذريتهما لم يخرجا من الجنة عقوبة، لان آدم تلقى كلمات من ربه فتاب عليه ومعنى توبة الله على العبد تطهيره من درن الآثم أو المسائلة عن الذنب الذي اقترفه ولكن آدم نزل إلى الأرض تنفيذا للإرادة الربانية السابقة وللخلافة في الأرض ونزلت حواء لتحقيق إرادة التناسل البشري الذي يدعو بعض الناس اليوم إلى تحديده، وانزل إبليس لإغواء وصد البشر عن تنفيذ أوامر ربهم الذي خلقهم وسواهم ورزقهم فطن الإخوان المسلمون على معنى خلافتهم لربهم في الأرض فحققوا المعنى الذي أراده الله منهم، فكانوا الخلفاء حقا في كل ما يتناولونه من شئون هذه الحياة على سطح هذه الأرض وهي الميزة التي لم يستمتع بها سواهم منذ قيامهم بهذه الدعوة فكل حياتهم الجد والوفاء والطهر والإخلاص وطهارة اليد واللسان ولو أن الحكام الظالمين تركوهم وشأنهم لتبدل حال المسلمين مما هم عليه اليوم إلى حال لم تشهد الدنيا لها مثيل منذ الصدر الأول من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والذي يأخذ دينه مأخذ الخلافة عن الله في الأرض فلن يأسى ولن يشقى ولن يحزن فهو يأخذ لله ويدع لله، وقد سعدت حياته فعلا منذ عرفت هؤلاء الإخوان وتعلمت على أيديهم فلم أحقد على أحد ولا حتى على الذين سدوا منافذ الخير ولم أكره أحدا ولم احتقر أحدا حتى ولا الذين تطاولوا وهم ليسوا أهلا للتطاول هكذا تسير الحياة هينة وادعة لا يعكر صفوها نوازل الدنيا، ما دام الآدمي يعيش في ظل..

«حسبنا الله ونعم الوكيل»

وفي سلام ...

﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾......


من فقه الإخوان المسلمين

أن حرص الإمام الشهيد على توثيق صلة الإخاء بربه ربط الإخوان المسلمين بربهم ربطا وثيقا لا ينحل ولا يضعف فالتفت أذهانهم على كثير من المعاني التي لا يحفل بها لأكثر من المسلمين، فتؤثر على وضوح العقيدة تأثيرا علم الإخوان من اهتمامهم بمقومات دينهم أن النفس ليست بفطرته إمارة بالسوء ولكن الذي يميل بها السوء شيئا ما هو قابليتها لوسوسة الشياطين، وتزينهم وإغوائهم لها بالفساد والانحراف ذلك لأن الآثام توهم بمتعة وقتية، والنفس بطبيعتها ميالة إلى المتعة وما يردها عنها إلا رقابة يقظة لإغواء الشياطين من الجن والإنس يضاف إلى ذلك أن الجهل بأحكام الشرع قد يكون له دخل في الزلل دون أن يشعر الذي زلت به قدمه في مهاوي الانحراف وكان من فضل الله على الإخوان المسلمين أنهم تعلموا الكثير من أحكام دينهم وليس بمحرج لي أن أٌول أنني حتى الثلاثين من عمري ما كنت أعرف الفرق بين الكعب والعقب، فكنت أحسب أن الأعقاب هي الكعوب حتى جاء يوم يتحدث فيه الإمام الشهيد عن الوضوء فأخذ يتكلم عن العقب فسبقني لساني إلى الاعتراض على فضيلته قائلا: لا داعي لصرف الوقت في الحديث عن الأعضاء فهل فينا من لا يعرف العقب؟ فابتسم رضي الله عنه وقال: أجلس فلعلك غير متبين لموقع العقب منك في قدمك، فواصلت لجاجتي وقلت: يا فضيلة الأستاذ، ها هو عقبي ووضعت يدي على كعبي فتعجب الإخوان ولكن فضيلته قال منقذا لي من جهلي: لو رفعت يدك قليلا عن موضعها هذا لتبينت العقب منك.

وكان تعليما وفضلا وتطمينا لجهل السائل في غير ما أحرج ولكن ما علمني الإخوان ولكل منا استعداد في التقبل وعطاء الله غير ممنوع عن أحد ولكنه يعطي كلامنا على قدر تقبله للعطاء فمن عباد الله من لو أعطاه لطغى وكل ميسر لما خلق له. وإذا استعظم عبد ضال شيئا على الله لقصور في عقل العبد، فما ذاك بالمستحيل على خالق كل شيء ولكن الاستعداد الذهني هو القاصر على تقبل ما ظنه مستحيلا على القادر القدير المقتدر.

علمني الإخوان المسلمين أن الأخذ من الشرع مع التسليم أصح وأضمن من الأخذ عن طريق الفهم ذلك لأن الله خالق والعقل مخلوق ولا شك أن الاستماع إلى الصانع أفضل وأكمل وأدق من الاستماع إلى المصنوع وقد قال أحد مفكري المسلمين: أن الخيال فقير إلى الحواس وإلى القوى الحافظة ثم إن القوى الحافظة قد يطرأ عليها موانع تحول بينها وبين الخيال فيفوت خيال أمولا كثيرة فيفتقر الخيال إلى القوى المصورة، وحينئذ يأخذ العقل منه فيحم به على المدلول وما من قوة إلا ولها موانع وأغاليط فما افتقر العقل إلى هذه القوى وفيها من العلل ما فيها فإذا اتفق للعقل أن يحصل على شيء من هذه الأمور بهذه الطرق وفيها ما فيها من العلل ثم أخبره الله بأمر فتوقف في قبوله، وقال أن الفكر يرده، فما أجهل هذا العقل بربه..

كيف قلد فكره وجرح ربه...

ولما كانت عظمة القدير وقدرته فوق مستوى الإدراك ولن تصل إليها العقول كان عدم قدرة الإدراك إليها العقول كان عدم قدرة الإدراك البشري على الإحاطة بهذا الجلال مدخلا للشياطين والمضللين من الجن والإنس، وكان قصور العقل البشري مرتعا سهلا لكل ختار كفور وليس ذلك بأمر المستغرب، فكثير مما تقع عليه حواسنا محيرا معجزا انظر إلى البحرين، هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج انظر إليهما يلتقيان فيظل هذا على عذوبته وذلك على ملوحته، فهل تدرك عينا راسك الحد الفاصل بينهما فتلمسه بيدك وهو في متناولها وهل تراه عيناك وهو على مرمى البصر منهما، هل تستطيع بكل حواسك أن تحد الخط الفاصل بينهما؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين أنت من حكمة الله؟ إذا قضى أمرا أو أجرى قدرا؟ أليس التسليم هنا هو الإيمان كل الإيمان؟ أجل أن هناك سرا غامضا تحار في إدراك خفاياه عقول البشر.

لذلك ترك الإخوان المسلمون أوهام الخيال لأنهم لا يستطيعوا أن يقرروا وجوه أو عدمه، ولم يقولوا أنهم يعلمونه ولم ينتهوا إلى أنهم جهلونه فلا هو نفي عندهم ولا هو مثبت. ولذلك خلصوا أنفسهم من كل ما يوقعهم في حيرة الشك فأيقنوا والتزموا الأوامر واجتنبوا النواهي وركنوا إلى الأسماء والصفات بلا تأويل ولا تفسير ولا تخصيص موقنين أن معنى

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ ...

أنه حكم بذلك تبينوا أن الحق من ربهم، فآمنوا ثقة ويقينا ودينا وعقيدة عن رضا ويقين وارتياح وتسليم.

سمحت أرواح الإخوان المسلمين فحافظوا عند الأداء على التهجد...

في الجهاد ..في العبادة.. فيما عند الله لا فيما عند الهيئة والنكل للفرائض، كما حافظوا على الشكل في دقة والتزام فهم ساروا إلى المقصود من الفريضة إلى منتهاه بتوفيق الله تعالى فإذا قال الله تبارك وتعالى:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ ..

أعطوا هذه الآية حقها، فما أن يؤذن المؤذن للصلاة، حتى يتبادرون إليها خفافا وإلى جانب هذا يجتهدون في أداء المقصور من الصلاة فما يقرأون قوله تبارك وتعالى:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ..

حتى يظهروا أنفسهم من كل ما نهت الصلاة عنه، فلا فحشاء في ألفاظهم، ولا نكر في أفعالهم ولكنهم العفيفون كلاما، فنفوسهم طاهرة وعقولهم عند اليقين مستقرة ثابتة، وسرائرهم في صفاء ماء السماء لا كدورة ولا اتجاه فيها لغير من برأها وسواها، فتشابه السر منهم والعلن في اتساق ونقاء.

من فهم الإخوان المسلمين

سلم الإخوان المسلمون كما سلم السلف الصالح في ظاهر الأوامر والنواهي وبواطنها سلموا أن الأمر كله لله، فلم يجادلون في أمر فلماذا أو كيف وأين ومتى ولم يعرضوا أمرا في أوامر الله أو نهيا من نواهيه على عقولهم إلا لينفذوه لأنهم بكل إيمان بكل وطاعة ويقين وارتياح قالوا: سمعنا وأطعنا ومن هنا كان النظام في صفوف الإخوان المسلمين كاملا والالتزام واضحا، والطاعة غير مشوبة باهتزاز تعلموا أن الدين لو كان بالرأي لما كان للألوهية من جلال كيف يرون أن المسح على الخفين لو كان يرضى المسلم بعقله أن يمسح وجهه بالتراب تيمما كما يقول الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه جزاهم الله عن فهمهم لدينهم خير الجزاء إذ كانت حياتهم كلها الإيمان لأن الإيمان هو الحياة وما عداه موات..

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ .

والإيمان نور ما عداه ظلام...

﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾

ألم أقل لك أن انتسابي إليهم علمني الكثير مما كنت أجهله وما أكثر ما كنت ولازلت أجهل.

تعالى إذا إلى فهمهم فنفذ الأمر الإلهي بحذافيره، وابتعد عن المنهي عنه بعقابيله وما دام الله قد قال فقد بطل كل شيء مع قول الله عز وجل فهل وحده صاحب الأمر والنهي ومرجع الأمر إليه وحده أولا وأخيرا ألا تعلم أنه إذا وجد الماء امتنع التيمم، كذلك إذا جاء الكتاب أو الحديث بأمر من عند الله، وجب علينا جميعا أن نمنع عقولنا من النظر في ذلك الأمر نفيا أو قبولا فإن النعمة قد تمت والدين قد كمل فلا زيادة بعقل ولا نقص بفهم، ومن أراد أن يستعمل عقله وفهمه، فليبحث له عن مجال خارج القرآن وبعيدا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لن يرضى مسلم يفهم دينه حق الفهم أن يفصل في دينه بين العبادة والمعاملة والصلاة عبادة، والقرض معاملة فإذا قرأ المسلم وهو يتعبد لربه بالصلاة إذا قرأ في صلاته قول الله تبارك وتعالى:

﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾

فهو كما يقرأ الآية الكريمة عبادة، فإنه يطبقه معاملة، وألا فكيف يؤمن بحرمة الربا وهو يصلى، ثم هو يتعامل بالربا إذا كان مؤمنا يصدق الله الذي يتعبد بكلامه هذه بديهيات يريد البعض أن يضعها في صيغ وعبارات ظاهرها فيه بعضكم لبعض في صورة متفاهمين، وأنتم حقيقة الأمر عن دين ربكم حائدين.

ورفقا بكم أقول أنكم تظنون أن ما تقولون هو الحق الذي يسير مع التطور والتحدث والتغريب .. شرح الله صدوركم وأنار بصائركم وجمعنا وإياكم على الحنيفة السمحاء ليلها كنهارها، وقافين عند حدود الشرع الحنيف راجعين إلى الحق وليس الأمر بيدي ولا بأيديكم ولكن...﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام﴾...

للإسلام واضحا مقيدا بالكتاب والسنة فنحن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في عبادته في تصرفه الشخصي في معاملته المنزلية لأهل بيته، في اختلاطه بالمسلمين وتعامله معهم في كل شيء وما أتانا من أمور الدنيا أو الآخرة فنحن تبع له مهما تغير الزمان واختلف المكان، ولن تغرنا الغرب المادية ولا حضارته الزائفة فكلها إلى زوال إن لم يكن اليوم فغدا، وإن غدا لناظره قريب. وبالمثل ما نهانا عنه صلوات الله وسلامه عليه فإننا منتهون عنه قطعا، لأن:

﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾...

علمني الإخوان المسلمون في هذا المجال وجوب التأسي الواقع العملي برسول الله صلى الله عليه وسلم فالحق في هذا الدين لن يخفي أبدا ولن يزول فكما أن هناك من يحاول أن يصرفنا عن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فالحق في هذا الدين لن يخفى أبدا ولن يزول فكما أن هناك من يحاول أن يصرفنا عن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فهناك في نفس الوقت وبعلم أعمق والتزام أدق من يتأسى برسول الله عليه وسلم وما معناه يحمل هذا العمل من كل خلف عدوله. ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) كما قرن العليم الخبير طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال في أكثر من آية: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾...

كما قال على التحدي:

يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون»

مجتمع متميز

الإخوان المسلمين مجتمع ولكنه مجتمع متميز أنهم ليسوا ملائكة، ولكنهم بشر كسائر البشر يعرض لهم كل ما يعرض للناس جميعا فيهم الخطاؤون ولكنهم الخطاون التوابون .

وفيهم المذنبون ولكنهم المذنبون الذين لا يصرون على ذنب المذنبون الذين يذكرون الله فإذا هم مبصرون أن مجتمع الإخوان المسلمين هو المجتمع الذي غطت حسناته الشاملة الجماعية ما فيه من أخطاء قاصرة فردية.

أنك لن تسمع وأنت بين الإخوان المسلمين أيا كان المكان الذي يوجدون فيه. مسجد .. مركز عام.. منطقة.. شعبة..جهاز حكومي.. بيت لن تسمع من أي فرد منهم وفي أي مكان يوجدون فيه كلمة نابية أو بذيئة، لا تسمع إلا ذكرا لله، أو فرحة بريئة، أو سمرا طاهرا حتى لو بدرت من أحدهم كلمة غير مستساغة رأيت وجوه الجميع إما عابسة وإما خجلة حتى لتذوب القائل خجلا، من وقع الجو المشبع بعدم الرضاء عما قيل وسمع وبلغ من طهارة مجتمع الإخوان المسلمين إن كان من جالسهم يتحرج أن يخرج من فيه كلمة غير لائقة فهم طاهرون مطهرون لا يرضون الخطأ ويهجرون السيئات كالسينمات والمسارح التي أصبحت لا تعرض إلا ما يغضب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،

ومن أعجب العجب الذي يعجب له الإخوان المسلمون، ومنم نحا نحوهم، أن الحكومة ما تزال تغدق على هؤلاء الممثلين ما تزال تغدق عليهم الجوائز والأوسمة والتقدير حتى بات الناس يتساءلون: هل الحكومة غافلة عما يعمل هؤلاء أم أنها تشجعهم على ما يفعلون؟ مع إعلان الكثيرين من المسئولين أنهم غير راضين عما يعرضه هؤلاء في السينما والمسرح، سمعنا هذا بآذان رؤوسنا وعلى مسمع من الكثيرين غيرنا.

نحن لا نتعصب لمجتمع الإخوان المسلمين ولكننا نقدر حقيقة يشهد بها الكثيرون، ممن أراد الله تعالى لهم الإقرار بالحق وأداء الشهادة على وجهها الصحيح أن الكثيرين من المسئولين وغيرهم يشهدون بذلك ويعترفون به ولو أننا ممن يفشون الأسرار ولا يعلمون أن المجالس أمانة لذكرنا الأسماء أسماء الشاهدين بهذه الحقيقة وأن لنا برضاء ربنا تعالى عنه غنى عن أية شهادة من مخلوق من مخلوقاته.

لقد دخل الآلاف من الإخوان المسلمين السجون، فكانوا موضع التقدير والاحترام من جميع من في السجن كان بعضهم يخفون هذا الاحترام في دخيلة نفوسهم خيفة الظالمين ولا يصرحون به إلا لمن يطمئنون إليه لعلمهم بأن جزاء كل من يظهر بادرة عطف نحو الإخوان أن ينقل فورا من مكانه إلى مكان بعيد، وقد أجريت ذات مرة، عملية حصوة في الكلى لأحد الإخوان المسلمين في مستشفى أسيوط وقامت على تمريضه ممرضتان (رقية وفاطمة) في حنو وعطف وراية فلما تماثل للشفاء عرض عليهما هديتين فأبتا أن تأخذاهما فلما اعترف لهما بفضلهما وتعبهما قالتا يا ليت كل المرضى الذين تجري لهم علميات عندنا، يا ليتهم يكونوا جميعا في مثل أخلاقكم وأدبكم وحيائكم، فما كنا لنجد في هذا العمل من تعب ولكن غيركم ينظرون إلينا بغيضة ويعاملوننا وكأننا م سقط المتاع الذي يباع ويشترى وهذا مجرد مثال على سلوك الإخوان .

خلال فترة السجون كانوا يعونون الأطباء فيقوم أطباء أو طلبة الطب وما كان أكثرهم من الإخوان المسلمين بعلاج المرضى ورعايتهم ومدهم بالدواء اللازم، لقد كان كل من في السجون يثقون في الإخوان المسلمين ثقة تامة، فكانوا يعتمدون عليهم في المخازن والمطابخ والمخابز على العكس من غيرهم وقد حدث أن استدعى بعضهم للتحقيق معهم في مجازر عبد الناصر سنة 1965 استدعوا من قنا إلى القاهرة وفي أوائل رمضان استدعت النيابة اثنين للتحقيق معهما وأخرجا من سجن طرة قبل المغرب بقليل وفي الطريق وأمام دار القضاء العالي أذن للمغرب فأوقف الضابط السيارة وأحضر ساندوتشين للاثنين وعجب أن يتنازل أحدهما عن نصيبه في الإفطار لمرضه الذي يضره الجوع ثم سارت السيارة إلى مبنى المباحث في وزارة الداخلية وفي الساعة العاشرة حضرا وكيلا النيابة وتولى كل واحد منهما التحقيق مع أحد الإخوان وعندما بدأت وكيل النيابة وكان إنسانا حقا عندما بدأ بفتح المحضر:

(س): هل أفطرت؟

(ج) : كلا

(س): وكيف أحقق معك وأنت لم تفطر بعد؟

فالتفت وكيل النيابة الإنسان إلى كاتبه وقال له أقفل المحضر واستدعي حاجبه وكلفه باستحضار بعض السندوتشات وطلب من الأخ أن يفطر ثم بدأ التحقيق:

(س): ما رأيك في الإصلاح الزراعي؟

(ج) : وهل لذلك طلبت من قنا؟

(س): أجب

(ج): أن الإخوان المسلمين أبدوا رأيهم فيه في حدود خمسمائة فدان.

(س): ما رأيك في الإشتراكية ؟

(ج): لم أقرأ عنها شيئا حتى أصدر رأيا بشأنها وكان ظهر الأخر إلى الباب فدخل رجل يرتدي الملابس المدنية فوقف من في الغرفة فلما مر القادم خلف الأخ ربت على ظهره وقال له: أجلس يا فلان واستمر وكيل النيابة في تحقيقه وبعد فترة قال القادم الذي جلس إلى جانب وكيل النيابة: ألا تعرفين يا فلان؟ قال: لم يسبق لي شرف التعرف إلى سيادتكم قال: أنا فلان وكان ضابطا صغيرا ملازما ثان أما الآن فقد أصبح بدينا فقال الأخ: ياه.. بس سيادتك كنت رشيقا ولكنك اليوم وأشار بيده إشارة تدل على البدانة، فكان رد الضابط: هموم الحياة وكان يحضر التحقيق ضابط آخر يعرفه الإخوان باسمه التعذيبي (جرجس) وبعد التحقيق قال هذا الضابط للأخ: أريد التحدث معك قليلا لقد راقني أدبك وسكينتك فما الذي حشرك بين هؤلاء الإرهابيين؟ قال: لقد عاشرت الإخوان أكثر من ثلاثين عاما وشاركتهم في راحتهم وتعبهم في مسراتهم وأحزانهم، وكنت راضيا عن عشرتي معهم، وسأظل معهم أيا كان القدر الذي قضاه الله ويبدو أن الإجابة قد أفحمت الضابط فأمر باستحضار إحدى سيارات المباحث حيث نقلت الأخ وزميله إلى ليمان طره الذي خرجا منه في لوري مكشوف وهواء ديسمبر يهري أنفيهما وأذانهم ممن الصقيع، وقد حضر هذا الضابط مرة أخرى إلى معتقل طرة سنة 1970 لسؤال أحد الإخوان عن أسلحة من سنة 1954 وأثناء الحديث قال الضابط:

قابلت الأخ فلان، ودار بين وبينه حديث ولولا الظروف التي كنا فيها لقبلت يده، وهذبا نوع من سلوك الإخوان المسلمين داخل السجن والمعتقل.

وقد بلغ من أدبهم في السلوك أن احدهم إذا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى حبه لرسول الله عليه وسلم احترامه له أن يتحدث عنه وهو مضطجع, وما ذلك إلا لعلمه بقدر الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أراده للبشرية من خير برسالته الكريمة إن الإنسان قد يكون ذا خلق حسن، ولكنه يحسن أداء هذا الخلق أمام الناس ومعهم أما الأدب فهو الإطار الجميل الذي يوضع داخله الخلق الحسن. فيبدو جليلا رائعا يجذب القلوب والأنظار، أن الله سبحانه وتعالى أثنى على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

فبجت أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه في روعة وجلال اعترف بها الخصوم قبل الأصدقاء وما ذلك لأنه صلوات الله عليه وسلامه، قدم هذه الأخلاق الحسنة في إطارها الأخاذ فقال: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).

في هذا الإطار بدأ الإخوان المسلمين أمام الناس أبهى ما يكونون أخلاقا في جو من الأدب العالي الرفيع.

علاقة العبادة بالإخلاص

كل المسلمين يعرفون الحلال والحرام والغالبية العظمى من المسلمين يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ولعلنا جميعا على ثقة بأن هذه الفرائض ليست مقصودة لذاتها فالله سبحانه وتعالى في غنى عن صلاة الناس وحجهم وصيامهم وزكاتهم ولكن الرءوف الرحيم أراد خيرا بنا ويريد مصلحتنا ونفعنا من أجل ذلك ما فرض الله فريضة ألا وذكر إلى جانبها الفائدة من فرضها فإذا قال الله تعالى:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ ...

وضح لنا علة هذه الفرضية قال جل وعلا:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ...

أي أن ممن شأنها أن تنهي المصلي عن الفحشاء والمنكر فمن صلى ولم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد ممن الله تعالى إلا بعدا كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت وأمثالي نعرف أن الصلاة فريضة وكنا نصلي ونحرص على ألا تفوتنا صلاة من الصلوات الخمس، وكنا نظن ألا يعرض علينا مما يعرض على العصاة لأننا قد باعدنا بين المنكر وبين الصلاة وأن الصلاة شيء والمنكر شيء آخر حتى اتصلت بالإخوان المسلمين وبايعت قيادتهم، فعلموني الصلة الكاملة بين الصلاة وبين مما يغضب الله تعالى وكان فهمهم سهلا واضحا كيف يجروء المسلم على الوقوف بين يدي خالقه تعالى متذللا متوسلا مناجيا وهو قد اقترف ذنبا يعلم أن الله تعالى قد أطلع عليه كيف يناجي ربه تعالى يطلب رضاه، وقد أغضبه وعصاه؟ حقا أنه تناقض بين جزي الله الإخوان المسلمين عني خيرا الجزاء.

ويصوم المسلم تنفيذا للأمر، ولكنه على خلق في صومه غير الخلق الذي من أجله شرع الصوم كنت أصوم فأجد من وطأة الصوم والجوع وشدة الظمأ ما يثير أعصابي، فلا أحتمل بل أثور وأغضب وما لذلك شرع الصيام.

﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ...

فالتقوى حكمة الصوم فمن لا يتقي كل ما يغضب الله تعالى أثناء صومه فما له من صيامه إلا الجوع والعطش ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقى بخلق الصائم إلى الحد الذي يطلب فيه من الصائم أن يقول من شتمه أنه صائم فقه الإخوان المسلمون هذه الحكم فإن عاملتهم وهم صائمون فلا يشعر أنك تعامل أفرادا قد شغلهم الجوع والعطش، مما تلقاه فيهم من ابتسام ودماثة خلق وسعة صدر وطول أناة، عاشرتهم فتعلمت منهم وكأنهم حاملو مسك أن لم يبيعوك أو بحذوك فإنك تجد منهم ريا طيبا...

فإن زكى القادر منهم كان واضحا أمامه تماما أنه لا ينتقص من ماله ولكنه يطهره ويزكيه وينميه وكأنهم يأخذون من المستحق ما يعطون أسمى ما يكونون نفسا وأندى ما يكونون راحا.

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ ..

للطهارة والتزكية فرضت فريضة الزكاة، وبهذا تعاملوا ملزمون أنفسهم ألا يصرفوا زكاة أموالهم إلا في مصارفها وطبع هذا الفهم الإخوان المسلمين على أمر عجيب سهل عليهم الإنفاق في سبيل الله زكاة أو صدقة فما التحق مسلم بجماعة الإخوان المسلمين إلا وأمام عينيه هذا المعنى الضخم معنى العطاء لا الأخذ معنى الإفادة لا استفادة، معنى الإيثار لا الشح، معنى التضحية لا الأثرة ويا ليت كل من ينتمي إلى هيئة أو جماعة يفهم هذا المعنى حق الفهم، إذا لتفادي المسلمون الكثير مما هم عليه، ولن يرفع عنهم إلا إذا عادوا إلى هذا الفهم السليم المستقيم.

كذلك إذا حجوا فإمامهم:

﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ ..

مع الإطلاق الواسع لكلمة منافع، وما أسعد من يكرمه الله تعالى برفقة فريق من الإخوان المسلمين في الحج وأداء المناسك، أنه لا يكاد يشعر بما بشعر به غيره من وعثاء السفر ومشاق ا لطريق ولقد حججت معهم مرة فخشيت ألا أعود بثواب الحج كاملا لما وفروه لي من راحة العيش ونعيم العشرة وإجهاد أنفسهم لأستريح عافاهم الله تعالى وتقبل منهم وأسأل الله أن يعود كل واحد منهم من حجة كيوم ولدته أمه، حج مبرور وسعي مشكور وموقف مأجور، ودعاء مقبول غير مردود أن شاء الله تعالى.

هذا هو سلوك الإخوان المسلمين، فهما لما فرض الله تعالى عليهم من الفرائض يرضون في حياتهم بما قسم لهم من لون المعيشة، يسعون تنفيذا لأمر الله تعالى، يأخذون بالأسباب مع الإيمان الكامل بأن الله تعالى هو الفعال لا الأسباب في الوظيفة الكفء المؤدي للعمل حقه في التجارة الصدوق الأمين في الدراسة المجد الرصين.. رجولة وصدق ويقين أنهم يستحون أن يسألوا الله تعالى ما ليس لهم يعبدون ربهم، لا طمعا في جنة فقط ولا خوفا من نار فحسب ولكنهم يعبدونه شكرا وعبودية أن أعانهم على ما يحبه ويرضاه.

﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾

﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ...

يسألون الله تعالى ولا يسألون الناس لأنهم سلكوا مسلك من يؤمن بأن أي مخلوق لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فكيف يملكها لغيره؟

﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لأسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ .....

صحبة الأخيار وأثارها

في سلوكهم وعدم مصاحبة الفاسقين لأن الفاسقين يضحى بصاحبه لأتفه بارقة ولا يصحبون الكاذبين لأن معاشرة الكاذب لا تكون أكثر من سراب ولا يصادقون الحمقى لأنهم يضرون من حيث يظنون أنهم ينفعون، وعدو عاقل خير من صديق أحمق أنهم أكثر الناس وفاء بعهد وأوصلهم لرم وأخلصهم لصديق وأعونهم لمحتاج.

نادرا ما يغضبون لأنهم عرفوا شره الغضب فجانبوه، ومن جميل ما قرأت في هذا المعنى (غضب عمر بن عبد العزيز يوما رضي الله عنه فاشتد غضبه وكان يحضره في ذلك الغضب ابنه عبد الملك، فلما سكن غضبه قال له: يا أمير المؤمنين أنت قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله تعالى به وما ولاك من أمر عباده، يبلغ بك الغضب ما أرى؟ قال عمر رضي الله عنه كيف قلت؟ فأعاد عليه ما قال: أما تغضب يا عبد الملك؟ فقال: ما تغني سعة جوفي إن لم أردد فيه الغضب، حتى يظهر منه شيء أكرهه.

تلاوتهم لكتاب الله تعالى

يقرأون القرآن كما كان يقرأه السلف الصالح، ترتيلا وفهما وتدبرا وعملا يرتب كل واحد منهم على نفسه وردا قرأنيا أيا كان عدد آياته ليكونوا على صلة يوميا بدستورهم الرباني الذي لا يأتيه الباطل من بينه يديه ولا من خلفه قرأنهم الذي يقرر لهم أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما في الماضي والحاضر والمستقبل وما قبل الماضي وما بعد المستقبل وما يدخل في علم الله مما لا يعلمه أحد من البشر. ولقد روي أن الإمام أحمد ابن حنبل رضي الله عنه رأى رب القدرة والعزة في منامه، فسأل: ما أفضل شيء يتقرب به العبد إليك يا رب؟ فقال: بكلامي يا أحمد قال بفهم أو بغير فهم؟ قال العليم الخبير:

بفهم وبغير فهم يا أحمد. ولذلك فقل أن تجد أخا لا يحفظ القرآن كله، وخاصة القدامى منهم وقد كانت فترة السجون التي قضوها محبوسين في عهد عبد الناصر فترة ثمينة حفظ فيها الكثير من الإخوان المسلمين القرآن ولما كان أعوان عبد الناصر يرغمونهم على العمل في الواحات طوال النهار، كان الحافظ منهم للقرآن يحفظونه لغيرهم مشافهة أثناء العمل ولقد قال بعض الصالحين أن من قرأ القرآن متع بعقله وأن بلغ مائتي سنة.

أنهم لا ينقصون أحدا فإنهم لا يرون أنهم خير من أحد، خشية الغرور وهذا سلوك لو أخذ به المسلمون مع أنفسهم، لغدوا جميعا على خير منزلة من منازل الصالحين، فقد صلى ابن المنكدر على رجل، فقيل له أتصلي على فلان؟ فقال إني أستحي من الله عز وجل أ، يعلم مني أن رحمة الله تحجز عن أحد من خلقه وهكذا يعجلون لدار يرحلون إليها كل يوم مرحة أكثر وأكثر مما يعلمون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة.

﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾

أن من سلوكهم الرائع أنهم يتحملون ما يكرهون، إذا كان فيه مرضاة الله تعالى ويتركون ما يحبون إذا علموا أن فيه ما يغضب الله تعالى ولهذا كان الله تعالى معهم في محنهم رضاء وتثبيتا وسكينه.

أمة مجاهدة

ألم تر أنهم أشد المسلمين اليوم حرصا على الجهاد ودعوة له وتحريضا عليه ومزاولة له بجميع صوره ومراحله ذلك لأنهم أعدوا للجهاد عدته، فلم يجبنوا يوما عن لقاء عدو، وأن أرض فسيطين وسوريا وأرض القنال وغيرها لتشهد لهم بذلك بين يدي الحسيب الرقيب يوم لا ينفع جاه ولا سلطان ولا عتاد ولا أعوان وكان من عدتهم في ذلك أنهم لم يشق عليهم تهجد الليل ودعاء السحر ولم يبخلوا بما في أيديهم عن إنفاقه في سبيل الله فلم يجبنوا أبدا عن لقاء عدو، ولم يخشوا أحدا في الله.

ومن سلوك الإخوان المسلمين أنهم لا يتزينون للناس بشيء وينطوون على غيره ظاهرهم كباطنهم لأنهم يعلمون علم اليقين أن الله وحده هو الذي يعلم الظاهر والباطن فكيف يخادعون من هو على كل شي مطلع ورقيب فهم يعاملونه وحده سبحانه وتعالى ولا يعاملون الناس، إلا في رقابة من الله تعالى وافية شاملة قد يضيق بعض الناس بصبر الإخوان في مواطن الحق ولكن ماذا عليهم إذا أرضوا في هذا السلوك ربهم تعالى. ولو غضب الناس جميعا أنهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا السلوك يهتفون من أعماق قلوبهم «إن لم يكن بك غضب علينا فلن نبالي»...

وصراحتهم في الحق ليست مخاشنة وجفاء ولكنهم يقولون الحق في جرأة ورجولة ووضوح وأدب وكمال خلق. ألم أقل لك فيما سلف من هذا الكتيب، أنهم قد يخطئون كما يخطئ غيرهم وأنهم غير مبرئين من كل عيب فالعصمة للأنبياء والرسل وحدهم، والكمال لله تعالى العلي الأعلى وحده وما دامت معصية البعض منهم طارئة فالرجاء في الأوبة والتوبة واسع فسيح فإن أبان آم قد عصى مشتهيا فتاب وقبلت توبته وغفر الله تعالى له.

أنهم لم يستكبروا في أنفسهم ولم يتكبروا على أحد لعلمهم بأن المعصية في كبر خطيئة خطيرة النتائج وقد تستوجب اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرا فلعنه الله تعالى. ولهذا تراهم في رضاهم عن ربهم تعالى أنهم لايتمنون عليه سوء التوفيق والستر في دنياهم هذه وكان فضل الله تعالى عليهم في هذا كبيرا إذ أنهم لم يعصوا ربهم تعالى يوما في كبر وهم يعلمون أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مقدار ذرة من كبر.

تقوى الله

وما من شك أن أوفى مراتب السلوك الإسلامي وهو ملحوظ في الوسط الإخواني هو التجرد من النظر إلى البشر خيرا أو شرا وإخراج الناس من العقل والقلب والنظر المحصور في قدرة الله وحده والركون إلى جانب الله، ولا جانب سواه أنهم يوقنون أن إطلاع الله سبحانه وتعالى إذا علم تعالى أنهم لا ينظرون إلى شيء سواه.

وقد ثبت هذا واقعا في كل الأزمات القاسية التي مرت بالإخوان المسلمين وأسوق هنا واقعة حدثت هلم فقد قال أحد كبار وزارة الداخلية لأخ من الإخوان «أقسم أنك لن تخرج من السجن إلا إذا أيدت جمال عبد الناصر فقال له الأخ: وأنا بدوري أقسم باله أنني لا بد وأن أخرج من هذا السجن سواء رضي عبد الناصر أو أبى، فقال له الضابط: ومن أين أتاك هذا الاعتقاد الثابت؟ فقال له الأخ مبتسما: أن لهذا السجن بابان يخرج من أحدهما المسجونون الذين قضوا مدة سجنهم، وأخر يخرج من أحدهما المسجونون الذين قضوا مدة سجنهم وآخر يخرج منه المسجونون الذين ينتقلون إلى رحمة الله فأنا لابد وأن أخرج من أحد البابين ولا محالة وهكذا أخرج الإخوان كل ما عدا الله تعالى من قلوبهم، ولم ينظروا من كل نفوسهم إلا لمن بيده ملكوت كل شيء ومرد كل أمر إليه وحده ولا شيء غيره: تعلمت هذا منهم فسعدت بانتسابي إليهم وصحبتي إياهم.

التسامح عند الإخوان المسلمين

إن من قبيل سلوك الإخوان المسلمين، أنهم يتسامحون عند الإساءة ويتغافلون عن الخطأ والعاقل الفظن هو الذي يتغافل وهو ليس بالغافل وحبذا السلوك أنهم ذوو مروءة يضنون بها أن تمس أو تنال حتى أنهم لو علموا أن الماء البارد ينقص من مروءتهم ما شربوه وأكثريتهم لا يبحثون عن الماء البارد أنهم لا يلبسون الغالي من الثياب ولكنهم يلبسون أنظفها، وإن لم تكن أغلاها ولذلك من أجل سلوكهم حب الطيب اقتداء برسولهم عليه الصلاة والسلام فقد قرأوا عن الشافعي رضي الله عنه «أن من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله» أرأيت ماذا تعلمت من الإخوان المسلمين.

شوق الإخوان المسلمين إلى لقاء الله تعالى

هناك سلوك تعبدي لا يقف عنده الكثيرون، لا شك أن كل مسلم سواء كان من الإخوان المسلمين أو لم يكن مهم يسأل الله أن يمتعه بالجنة وأن ينجيه من النار. وأن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما يقول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ولكن هناك في الجنة متعة وسعادة فوق هذا كله، عندما يسأل الجليل سبحانه وتعالى أهل الجنة: هل من مطلب يحققه لهم فيكون جوابهم التحميد والتسبيح العرفان قائلين: وماذا بقي لنا يا رب بعد ما أعطيتنا من هذا النعيم؟ فيتجلى عليهم البديع الباقي بطلعة جلاله وجماله فيروحون في غمرة النعيم والإيناس بما لا يستطيع فلم يوفيه حقه من النعمة والبهاء فجلال الله وماله فوق كل شي وفوق كل وصف بل وفوق كل تصور أو خيال. هذه صورة من صور الإخوان المسلمين وسلوكهم في عبادتهم يعلمون أن عز وجل أهل لأن يعبد وأن يعظم وأن تعنوا له الجباه، حتى وإن لم يكافئ بالجنة أو يعذب بالجحيم وقريب من هذا المعنى قول أحد الصالحين: ركعتان أصليهما أحب إلى من الجنة بما فيها فقيل له هذا خطأ فكان جوابه الرائع: فقد رأيت الجنة رضا نفسي وركعتين أصليهما رضا ربي تعالى ورضا ربي أحب إلي من رضا نفسي.

الحياء من عند الله

أنك لا تجد أخا مسلما يتجاهر بمعصية الله، أنه سلوك الأدب. وحتى لو كان في قدر الله أن يخطئ فإنه يتستر حتى لو استطاع التستر في نفسه لفعل حتى في طباعاتهم يتسترون ولا يحبون أن تظهر عبادتهم خوفا الرياء فهم يسترون في نوافلهم وف خطاهم أدبا وحياء والستر من الله مطلوب والله ستار وستير بفضله، ولا يفضح في الآخرة، وعلى ملأ العباد والملائكة من ستره في الدنيا ولذلك إذا ما طلبنا الستر من الله تعالى، فلا بد وأن يكون في أفهامنا لا طلب الستر وحده، ولكن طلب الستر مع طلب ما تحت الستر فقد يستر الله على ما لا يحب لأنه حليم ستار فمن الامتياز في النظر إلى جلال الله أن نطب ما يحبه هذا الستر عن الظهور.

معاملة الإخوان المسلمين لغيرهم

من سلوك الإخوان المسلمين ومعاملتهم للناس فاحترامهم للكبير وعطفهم على الصغير لا يبدون لذوي المكانة الاجتماعية لمكانتهم معاملة أفضل مما يقدمونه لأي إنسان حتى لا يرى في سلوكهم شي من النفاق غير أن هذا السلوك السليم قد لا يرضي بعض الناس الذين يتطلبون في معاملة الناس معهم سيئا يختصون به دون غيرهم ولكن ما ذنب الإخوان المسلمين ودينهم يطلب منهم ألا يفضوا مخلوقا على مخلوق لمكانته الاجتماعية وقد سبقهم السلف الصالح إلى هذا السلوك الإسلامي النبيل فقد جاء ابن سليمان بن عبد الملك فجلس جنب طاوس المعروف بزهده وورعه وتواضعه فلم يلتفت إليه قال أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون بما في يديه ولو أن المسلمين تعاملوا فيما بينهم بمثل هذا السلوك لما غرت أحدهم مكانته ولما علا بعضهم على بعض ولأنتظم حال الناس إلى حد بعيد، وإذا ما رأيت سلوك الإخوان المسلمين في الأرض عن الشهوات العاجلة انتظارا لموعد غيب لم يروه، فما ذلك إلا أنهم ينتظرون ليوم قريب لا يدرون ما الله فاعل بهم فيه.

فحرصهم على غدهم الموقنون بمجيئه صرفهم عن زخرف حاضرن أنهم لا يطيلون الأمل لعلمهم بقرب الأجل وهذا السلوك يهون عليهم كل مصائب الدنيا بما فيها من معاناة وتعلمت منهم هذا فاسترحت في حياتي إلى حد بعيد ألست ترى معي أن أناسا موتى ما تزال القلوب تحيات بذكرهم وأن أحياء تعاف العيون النظر إليهم؟

قناعة الإخوان المسلمين

إن قناعة الإخوان المسلمين بما في أيديهم وعدم تطلعهم إلى ما في أيدي الغير من ذوي الجاه والثراء أعلمت هؤلاء الغير بأن الإخوان المسلمين لن يطلبوا منهم شيئا، ومن استغنى عن غنى فهو نظيره في الغنى ولا شك. ولقد ساوم بعض ذوي الجاه، بعض الإخوان بمالهم وجاههم فأعرض عنهم الإخوان أيما إعراض وقالوا لهم أننا بتعففنا أغنانا الله عمن سواه.

في أكتوبر سنة 1952 دعا رجال الانقلاب الأستاذ الهضيبي رحمه الله وأعضاء مكتب الإرشاد إلى عشاء في سلاح المهندسين بالحلمية. فدعاهم فضيلته بعد ذلك إلى عشاء في بيته وكنت أحضر ذلك العشاء وجلست كعادتي على مقربة من الباب وجاء عبد الناصر وقدم لي تحية فقبلتها وكنت أضع رجلا على رجل وكان مقتضى قواعد اللياقة أن أقف أو أن أنزل ساقي عن وضعها والرجل يقف أمامي وفي ثوان دارت معركة في خاطري أن ظللت جالسا فقد خالفت قواعد البروتوكول وإن وقفت فقد يظن البعض أني أقف لرئيس الوزراء نفاق لا لياقة فآثرت أن أكون مخالفا لقواعد اللياقة على أن يظن بي أني منافق وبقيت على حالتي وما أظن عبد الناصر قد نسى ذلك.

أداء النصيحة

إن الإخوان المسلمين لم يفتنهم حسن الطلعة عن المحافظة على دينهم وصيانة أعراضهم ولم يلفتهم حسن أخلاقهم عن الحرص على رسالتهم ولم يغراهم ثبات الأخوة فيما بينهم عن أداء الأمانة وأنها لمواقف ذلك فيها قدم الكثيرين ولكن مراقبتهم لجانب الله حمتهم من الانزلاق فظل للعفة عدهم قدرها وللديانة مكانها وللأمانة وفاءها وما ذلك بالشيء اليسير في عالمنا الذي نعيش فيه إلا لمن يسره الله تعالى عليه.

أنك ترى أن من ينكر على آخر تصرفه في أمر من الأمور، أن هذا الأخير يزور بسبب هذا الإنكار أما الإخوان المسلمون إذا أنكر عليهم أحد تصرفهم عادوا إلى أنفسهم يسألونها مكانة هذا التصرف من الإنكار فإن اطمأنوا إلى سلامة تصرفهم حمدوا لله تعالى على ما فيهم من خير ولم يجدوا في أنفسهم على من أنكر عليهم أما إن وجدوا الحق إلى جانب المعترض سارعوا إلى تصيح هذا الخطأ شاكرين حامدين، هل ترى أن هذا السلوك متوفر بين الكثيرين قد ترى أما أنا فلا أظن.

سلوك الإخوان المسلمين سلوك من يهتم بخواتيم الأعمال لأن كل عمل يحكم عليه بالخاتمة التي انتهى إليها أن خيرا فخير وأن غير ذلك فغير ذلك وعند الصباح يحمد القوى السرى.

وأنه لميزان دقيق في ضبط الأعمال فالمهندس المدني لا يسعد هو يضع التصميم ولا سعد وهو يراقب البنا ء يرتفع قدما ما بعد قدم ولكن عندما يتم البنا ء وشغله من أعد له هذا البنا ء هناك يسعد المهندس كل السعادة، ويحمد الله تعالى على ما أنعم عليه به من توفيق وسداد. والذي يقوم بأي عمل لا ينشرح صدره الانشراح كله إلا عندما يهنأ بنهاية العمل الذي أجهد نفسه من أجله من أجل هذا لا يرقب الإخوان المسلمون إلا خاتمة أعمالهم فحسب فهو المكافأة الكبرى لكل ما لاقوه من متاعب في سبيل الخاتمة ومن جهد ومعاناة.

محاسبة الإخوان المسلمين أنفسهم

مما يعين الإخوان المسلمين على جهادهم الطويل محاسبة أنفسهم فيخصص كل أخ لنفسه ساعة قبل النوم يحاسب فيها نفسه يسألها ماذا فعل في يومه فإن رجحت كفة حسناته على كفة سيئاته سعد وحمد الله على ما وفقه إليه من خير وضاعف الجهد لتكثير حسناته وإن رأى غير ذلك تألم وتاب واستغفر به تعالى وعاهده على الإنابة واستئناف عمل الخير حتى يكون غده خيرا من يومه وأمسه. أنهم يعلمون أنهم إذا حاسبوا أنفسهم في دار العمل خيرا لهم أن يحاسبهم الله تعالى يوم الحساب ولهذا يهون عليهم كل ما يبدلون في هذه الدار التي عما قليل تنقضي..

الإخوان المسلمين يحذرون الانقطاع عن الله لحظة فلا ترى منهم ظاهرا يخالف باطنا لا فرق بين الحالتين فلا يتبادرون إلى التافه تاركين الثمين أنهم على طاعة الله تعالى حريصون ملتزمين هذا السلوك تعلقت قلوبهم بصاحب الشأن فهم ناظرون إليه جل شأنه دائما وأبدا أنهم مشمرون عن ساعد الجد في الطلعات صابرين صبر الكرام على ما أراد الله تعالى أن يختبرهم به.

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾

أجل أنهم يريدون الفوز بصلاة الله عليهم ورحمته وحلاوة الهداية وهم فوق ذلك يصونون كرامتهم عن الابتذال فلا يطرقون إلا باب من لا يرد عن بابه الطارقين سبحانه وتعالى من أجل ذلك عزوا وسادوا وهم أقل الناس مالا وأنني إذا عدت إلى نفسي أوقفتها أمام ربها أيقنت أن هذا المنعم المتفضل ذو الجلال والإكرام من الإثم كل الإثم أن يغفل مخلوق عن صاحب الفضل عليه طرفة عين أرأيت الإخوان المسلمين في هذا الدين؟ لقد تعلمت هذا منهم ويا ليتني أدركه معهم فأكون من الفائزين ولكن هل تغنى لعل وعسى وليت؟

إن الدأب والتشمير سلوك لا يخفى على أحد ممن يعرفون الإخوان المسلمين أنهم لذووا جلد وتحمل في العمل لا يحظى به الأكثرون أنهم يغالبون التعب فإن فاجأهم غالبوه بالنعاس والتهويم يجدون في هنيهاته راحة وتعويض وليسوا في هذا بمبتدعين، ولكنهم قرأوا أن عمر بن الخطاب كان ينعس وهو جالس فقيل له يا أمير المؤمنين ألا تنام؟ قال كيف أنام؟ إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل . أ. ه.

أتريد أن تحظى ذاك الجلال، ألا فهيا إلى صفوفهم فبايع كما بايعوا ثم وفي كما وفوا فلن يفوتك من الخير إلا النذر اليسير لاستحالة الكمال على البشر.

أنهم لا يضمرون للناس جميعا إلا الخير لا يدعون بالشر على الناس ولكنهم يدعون لهم بالخير والهدى والرشاد أنهم لا يسألون الخير لأنفسهم على حساب الغير ولكنهم يحبون الخير لغيرهم كما يحبونه لأنفسهم ليكمل إيمانهم فهم لا يهمسون إلا بهذا الدين ولا يعيشون إلا من أجله ولا يعيشون إلا من أجله.

ولا يعملون إلا في سبيله وليس هذا خاصا بهم بل هو حصيلة كل من أسلم وجهه لله تعالى دون غيره..

﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ .........

أنهم إذا نزل بالناس كرب، سارعوا إلى معونتهم ما استطاعوا مهما بعدت المسافات أليس أولئك مسلمين مثلهم؟ إن المسلم لا يعيش لنفسه ولكنه يعيش لمجتمعه المسلم يفكر في صالح المجتمع قبل أن يفكر في صالحه هو خاصة فكيف بمجتمع هذا شأن أفراده؟

صلة الإخوان المسلمين بالله تعالى

إن للإخوان المسلمين ضربا من السلوك بزوا فيه غيرهم وازنوا بين الأهل والمال والولد وبين ما يجب لله عليهم فآثروا ما عند الله على ما عندهم في معتقل مزرعة طره كان أحد البارزين في أحد الأحزاب معتقلا معهم وفي يوم جلس هذا الرجل الحزبي الموطأ الكنف إلى أحد الإخوان وقال له: هل لي أن أسألك سؤالا محرج فلا تغضب. قال الأخ: لن أغضب قال الرجل: هل أنت إنسان فيك مشاعر ولك إحساس كسائر البشر؟ قال الأخ أجل ولكن لماذا تسأل هذا السؤال؟ قال الرجل: أراك تقف على باب زنزانتك تستقبل العدس المليء بالحصى في ترحاب، كأنك تستقبل ديكا روميا أو حماما مشويا أو ملوخية بالسمان أو الجمبري وأين إحساسك بأهلك بولدك بزوجك... وبيتك؟ قال الأخ في منتهى البساطة: أننا نحب ما ذكرت بأعم ما يحب إنسان هذه الذوات ولكننا وازنا بين كل هذه المحاب وبين رضا الله، فكان سلوكي أن لا أوازن بين أمرين لا مجال للموازنة بينهما فآثرنا ما عند الله تعالى على كل شيء في هذا الوجود فأنزل الله سكينته علنيا ووعدنا فتحا قريبا وأنا في عدة مع هذا الفرج هذا هو سلوك الإخوان المسلمين في مواجهة الصعاب أن نفوس المسلمين تشفق على يوم حسابهم أكثر مما تشفق على أهلها ترقبا ليوم معادها فأمس قد مضى واليوم جد وعمل وغدا لا تدري ما الله تعالى فاعل بنا فيه...

﴿هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾

إن سلوك الإخوان المسلمين سلوك من لا يغضب إلا لما يستحق الغضب من عصيان الله تعالى ويضنون بكلامهم أن يبعثر في غير نفع وهم أمناء على ما يؤتمنون عليه سرا كان أو وديعة كما أنهم لا يثقون إلا بمن فيه أنه أهل للثقة كما أنهم على نور من ربهم يعرفون به صديقهم من عدوهم.

الإخوان المسلمون سلفيون ملتزمون

هم يعلمون أن ما هم عليه، ويدينون به، رسالة وصلت إليهم عن محمد صلى الله عليه وسلم والتي أوصلها إليه جبريل الأمين عليه السلام بعد ما أوحى بها إليه رب العالمين تبارك وتعالى.

أيقنوا بهذا فعرفوا أن الأمر كله يشاء وينهى عما يشاء أي أن التصريف متروك له وحده.. سبحانه وتعالى، ولا دخل للعقل مطلقا في هذا المجال لأن هذا فعل الأولوهية وقدرتها وعلمها وحكمتها دون أن يعرض شيء مما قضى الله تعالى على العقل البشري ليصدر فيها حكما بالرفض أو القبول فلا يجوز الإنسان كمل عقلة أن يتردد فيما قضى الله بالتحليل أو التحريم هذه هي خصائص الألوهية الواحدة التي لا شريك فيها وهذا ما يأخذ به الإخوان أنفسهم أما القائلون بأن ما أحل الله تعالى هو أمر ارتضاه العقل وأن ما حرمه هو أمر نفر منه العقل فقول مردود على أصحابه لا يقيم له الإخوان المسلمين وزنا في منهاجهم السلفي الذي أخذوا به عن أسلافهم الكرام ذلك لأن كل صاحب فطنة أريب يؤمن أن العقول ليس متساوية في الإدراك وليست متشابهة في التقدير بل أن ما يراه زيد حسنا قد يراه عمرو قبيحا وما يتقبله عقل يرفضه آخر. بل وأكثر من هذا فإن العقل البشري قد يستحسن شيئا حينا يغير حكمه يغير حكمه عليه في حين آخر.

فلو ترك الحكم على الأشياء للعقل البشري وحده لتناقض الناس مع بعضهم البعض بل ومع أنفسهم تناقضا بعيدا، لا يصلح عليه منهاج الحياة أبدا والواقع خير شاهد على ذلك ألم تسمع أن مجلس العموم البريطاني قد قرر أخيرا أن الشذوذ الجنسي أمر مباح لا عقاب عليه وبريطانيا دولة متحضرة كما يعمون فهل أخذت الدول المتحضرة الأخرى بهذا التخريف والشذوذ الذهني؟ فيكف يمكن إذا أن يتفق الناس على أمر أنه حلال مطلقا، وأن أمرا غير حرام محضا؟ وهذا هو مدى جهدهم العقلي فلا مناص إذا من الرجوع إلى الله تعالى وحده في مجال الحل والحرمة وهذا هو ما التزم به الإخوان المسلمون منذ أن قام بهذه الدعوة السلفية أمامنا الشهيد المرشد العام الأسبق فضيلة الأستاذ الشيخ حسن البنا مؤسس الحركة وأستاذ الجيل غير مدافع أما الذين يشككون في هذا المنهج فهم أول من يعرف أن الإخوان المسلمين سلفيون ولكنه لهوى في أنفسهم باعد بينهم وبين الصواب، لم يجدوا شيئا يرمون به الإخوان المسلمين إلا أنهم غير سلفيين مع ذلك فإن الإخوان المسلمين لمذهبهم السلفي، لا يلقون الناس بما يلقاه به بعضهم...

﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾

ولأنهم على التحقيق...

﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ .....

ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يحكون العقل، ويأخذون بحكمة إذا تعارض مع حديث شريف من عجيب أمر هؤلاء الذين يريدون أن يطوعا القرآن وآياته المحكمة والسنة بأحاديثها القطيعة الدلالة والثبوت من عجيب أمر هؤلاء (لو قبلنا هذا التجني على الكتاب والسنة) أنهم إذا نسوا أن من يريد أن ينجو نحوهم لابد وأن تتوفر له شروط قاطعة حتى يعطي لنفسه هذا الحق (الذي لا يقره عليه أي مسلم) (عن طواعية واختيار وفهم واقتناع) من هذه الشروط اللازمة على وجه القطع واليقين:

أولا: معرفة كاملة شاملة باللغة العربية، وأسرارها ومدلولاتها ومعانيها الظاهرة والخفية وهذا أمر لم ولن يوجد في إنسان طوال هذه القرون المتأخرة حتى اليوم.

ثانيا: أن يكون ضليعا في التفرقة بين العام والخاص وأن يكون خبيرا بالفرق بين المطلق والمقيد ودلالات الإطلاق من النصوص والتقييد منها...

ثالثا: من ناحية علم المنطق أن يكون مؤهلا تماما للإحاطة بالمباينة بين المنطوق والمفهوم والمقتضى.

رابعا: أن يكون واسع العلم بالناسخ والمنسوخ وهو الأمر الذي يستوجب علما وافيا بهذه الناحية من كتاب الله الكريم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.

خامسا: ولابد له أن يكون عالما بأسباب النزول في الآيات وورود الأحاديث الشريفة.

سادسا: الإحاطة الكاملة بعادات العرب الذين نزل القرآن بلغتهم وعادات مجتمعاتهم.

سابعا: أن يلم بمقاصد الشرع من التكليف وعلة تشريع الخالق لعباده.

ثامنا: أن يكون على درجة من العلم عند تعارض الأدلة ليصدر حكما أقرب ما يكون من الصواب عند تعارض الأدلة.

تاسعا: وهناك شروطا أكثر يعجز الإداراك عن الإحاطة بها فهل تتوافر كل هذه الشروط في واحد ممن يتعرض لما هو فوق طاقته وعلمه بمراحل؟ ومدى علمي أنها لم تتوفر لإنسان خلال القرون الأخيرة فهل اقتنع المتجنون على الإخوان المسلمين والذين يصفونهم بأنهم غير سلفيين؟ ومع ذلك فلماذا يكون النقاش بين الناس مجرد خلاف في الرأي لا يقوم إلا على اتهامات ومحاولات للانتقاص؟

أننا نأمل أن يلتفت الذين يهاجموننا إلى فهمهم الخاص فيصرفون أوقاتهم وجهودهم وتدعيمه ونشره بين الناس بالحجة الدامغة، والدليل القاطع فيجمعون الناس حولهم اقتناعا بما يقولون فذلك أنفع لهم، هدنا الله تعالى وإياهم سواء السبيل.

لن أكتفي بما قدمت ليعرف الناس أن الإخوان المسلمين سلفيون ملتزمون ولكن أسوق هنا بعض صور وسلوك الإخوان المسلمين:

أن الإخوان المسلمين يعرفون أن الله خلق الجن والإنس لعبادته هذه العبادة المؤدية إلى معرفته جلالا وعلوا وقدرة وتمكنا والتي تنتهي في خاتمة المطاف إلى الإنابة إليه.

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾

لأنه الأول والآخر والظاهر والباطن وكل شيء بإرادته ومرد الأمر إليه وإليه نرجع أجمعين ونحبه فوق ما نحبه فوق ما نحب أموالنا وأولادنا وأنفسنا التي بين جنوبنا مع الإخلاص كله والوقوف في ساحته لنكون على ذكر دائما منه، لتهدأ خواطرنا وتسعد أنفسنا التي بين جنوبنا مع الإخلاص كله، والوقوف في ساحته لنكون في ذكر دائما منه، لتهدأ خواطرنا وتسعد أنفسنا...

﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ...

بذكره عرفوه وبالإنابة إليه دائما عبدوه.. قبل لابن عباس بم عرفت ربك؟ قال (من طلب دينه بالقياس، لم يزل دهره في التباس خارجا عن المنهاج وطاعنا في الاعوجاج عرفته بما عرف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه). وهذا هو ما يعتقده الإخوان المسلمون لأنه جانب من جوانب السلفية.

فسلفية الإخوان المسلمين تظهر في معرفهم للحق، والتحدث عنه والعمل به والدفاع عنه والتضحية من أجله يجادلون كأسلافهم بالحسنى لأن هذا الأسلوب يقرب الحق إلى الأذهان ويميل بالنفس إلى الاقتراب منه ومن الطاعة لرب العالمين. هكذا كان يفعل السلف الصالح الذين كانوا يعرفون الله جل وعلا.

وهذا حق لأن المسلم بقدر ما يعرف الله تعالى مهابته وجلاله. بقدر ما يحرص على الرهبة من هذه الهيبة وبقدر ما يرعى جانب الجلال...

﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾

فأعرف الناس بالله أحبهم له وأخشاهم له. ألا ترى أن الحديث الشريف الصحيح يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وزنت بالأمة فرجحت، ثم وزن أبو بكر بالأمة فرجح ثم وزن أبو بكر بالأمة فرجح ثم وزن عمر بالأمة فرجح ثم رفع الميزان).

ويقول عليه الصلاة والسلام: (أما والله أني لأخشاكم لله واتقاكم له)... جزء من حديث أنس رضي الله عنه. كسلفيين يؤمن الإخوان المسلمون بأسماء الله الحسنى كما هي ويؤمنون بصفاته كما هي وإرادة في القرآن بلا تعطيل كالمعطلة ولا مشبهين كالمجسمين الذين يدعون أن يد الله جل وعلا كأيدينا وعينه كأعيننا حاشاه عما يقولون وتعالى علوا كبيرا..

﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾

أننا نقول أنه استوى على العرش كما قال مالك بن أنس (الاستواء معقول والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة).

أننا سلفيون حتى في روحانيتنا وسلوكنا على هذا النحو الذي جاء في الآثار ما معنا (يقول الله أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيها بيدي فمن أطاعني جعلت قلوب الملوك عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا إلى وأطيعوني أعطفهم عليكم) فلو أن هيئة أو حزبا ناله من عبد الناصر ما نال الإخوان المسلمين لقضوا وقتهم كله انشغالا بمن ظلمهما أو اعتدى عليهما أما الإخوان المسلمون فقد خلفوا كل ما أصابهم دبر آذانهم، وأقبلوا على الله يستغفرون ويسبحون ويحمدون .. لعلمهم أن الظالم لم يظلمهم لعداء شخصي بينه وبينهم ولكنه أذاهم لتمسكهم بدين الله.

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾

فتركوا الظالم لربه، فهو الكفيل وحده بالدفاع عن دينه وليهلكن الظالمين، هذا ما كان يفعله السلف الصالح مع من آذاهم جاء رجل إلى أحد السلف الصالحين يقول له: أن فلانا يشتمك فقال السلفي الصالح:

لأغيظن من عملك (يريد الشيطان) أذهب غفر الله لي ولك وله.

أننا سلفيون لأننا نطيع محمد صلى الله عليه وسلم لا نقول كما يقول غيرنا «الطاعة لمحمد والعبادات أما في المعاملات فللظروف حكمها ولتغير الأزمنة والأمكنة أثرها»

أننا نطيعه صلى الله عليه وسلم في أمور ديننا ودينانا لأن الله سبحانه وتعالى لما أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، جعلها طاعة مطلقة غير مقيدة بأي تخصيص وما دام اللفظ جاء في القرآن مطلقا فلا يصح تقييده هذا قول أرباب الأصول وهم أولى بالاستماع منا لهم لا لهؤلاء المحدثين العقليين الذين لا يصلون إلى مستواهم لا علما ولا فهما ولا ذكاء ولا تخريجا ولا استنباطا ولا تقي ولا إخلاصا لقد أمرنا الله تعالى بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في عشرات الآيات من كتابه الكريم..

﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾

﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

﴿ يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾

وغير ذلك كثر وحق له ذلك صلى الله عليه وسلم لأن الله جل جلاله قال عنه:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾...

أليس هذا سلوك السلفيين؟

إن الإخوان كسلفيين يتعاملون ويتاجرون ويحذرون ويتقون الأضرار والمؤذيات ويتخذون الأسباب طاعة لأوامر الله تعالى لا اعتقادا منهم أن الأسباب فعالة بذاتها ولكنهم يستعينوا على قضاء حوائجهم بالأسباب وقد قال أحد السلف الصالح (إن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد وجحد الأسباب أن تكون أسابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله تعالى والله يقدر له من الأسباب ومن دعاء الخلق وغيرهم ما يشاء) وعلى هذا الأساس يسير الإخوان المسلمون في كل ما يضربون بل في الأرض فألا يكون الإخوان المسلمون بعد ذلك سلفيين؟

ينتظم العالم الإسلامي في فقهه ومجادلاته وعباداته ثلاث مذاهب ينضوي تحت كل واحد منها العديد من الفرق من كل نوع:

1-أصحاب الكلام وتدور فهو مهم حول الوجود والعدم وقضايا التصديق وعدمه، ويرمون من وراء ذلك إلى التصديث والعلم.

2-والصوفيون أصحاب الإشارات والمكاشفات والاستغراق والفناء وتدور أبحاثهم حول المحبة والعشق والإدارة والمشيئة فهم يحيون في عالم الانقياد والجري وراء الإرادة.

3-أهل الإيمان وهم وسط بين هؤلاء وهؤلاء يجمعون بين التصديق الواقع المتلبس بالسعي والعمل الفعلي وبين المحبة والشوق الذي يؤثر في الواقع العملي بروح المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو إذا صدقوا بما جاء عن ربهم ونبيهم عليه الصلاة والسالم فإنما يصدقون عن علم ثبت لديهم صحته بالأدلة العقلية والنقلية ويترتب على ذلك أنهم إذا عملوا فإنهم يعملون عن علم لا عن توهم وإذا أحبوا فإنما يحبون عن شعور صادق قام على تثبيت وتبين لا عن هوى وانجراف.

وهذا الصنف الأخير هو رأي السلف الصالح ومن اتبع طريقهم حتى هذا العصر الذي نحياه والإخوان المسلمون في هذه البوتقة التي تصفى ناصع الدين من كدورات الهوى وتخبطات العقل البشر هم كلهم كذلك يؤمنون بأن الله ما أودع العقل في الراس إلا ليحاسب عباده بمقتضاه فهم يحكمون عقولهم عند الفصل بين النافع والضار وتبين طريقهم الذي يسرون خلاله في دعوتهم هذه وفي نفس الوقت يحبون الله ورسوله إلى الحد الذي يقدمون فهي محاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على محابهم مهما جذبهم الهوى إليها أنهم لا يعرضون أوامر الله على عقولهم ليقبلوا أو يرفضوا ولكن كلامهم وأحكامهم وتصرفاتهم قال الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أراد أن يعتبرهم بهذا الميزان سلفيين فليحكم ومن أراد ا، يعتبرهم غير ذلك فليحكم وليتحمل كل صاحب رأي فيهم تبعة رأيه أمام أحكم الحاكمين وأعد العادلين أما هم فهم سلفيون صدقهم الناس أم لم يصدقوهم.

فما لذلك في موازينهم من حسبان إنما الأمر الذي يهمهم حقا هو رضاء الله عنهم إن هداهم إلى صراطه المستقيم ولو أن كل جماعة من الناس جنبت رأي الناس وحرصت على رضاء الله وحده لزالت كل هذه الويلات التي تحل بالعالم بسبب انتصار كل لرأيه بالحق أو بالباطل ولكن ما العمل..

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾

وهناك حقيقة شرعية دينية يجب أن نثبتها جميعا نحن نلتذذ بشيء ونتألم من غيره نأكل أشياء ونشرب أشياء ولا نأكل أشياء ولا نشرب أشياء ويؤذينا شيء ولا يؤذينا غيره ولا ينفعنا هذا أو يضرنا ذاك أن التفرقة بين هذا كله، لن تكون سليمة إلا ذا استعنا بشرع الله وطبقنا ليساعدنا في التمييز بين هذا وذاك ولم نجعل لعملنا دور في هذا التمييز.

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

وإذا أطعنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلنكن على ثقة أكيده واضحة أننا نطيع ونتصرف عبادة لله تعالى

﴿ إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾

وهكذا وقف الإخوان المسلمين عن الأمة الوسط بين التغالي في تطبيق العبادات والمعاملات وبين هجرها والبعد عنها فلا سرف ولا إسراف ولا إفراط ولا تفريط..

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾...

ويتحدث الإمام ابن تيمية عن بعض آراء السلف فيقول أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ واليه يعود، والإمساك عما شجر بين الصحابة وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق والواجبات ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) والإخوان المسلمون لهذا المعنى ملتزمون وهو يؤمنون بأن لله أولياء حقا فقد ثبت بصريح نص كتاب الله..

﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ...

وقد قال الإمام ابن تيمية وهو سلفي ملتزم في كتابه «العقيدة الوسطية» (أن من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات) كما يقول الإمام النووي (أن في الحديث كرامة الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة) شرح النووي على صحيح مسلم جـ4 ص 755.

وحتى لا أجعل لصاحب هوى مدخلا في هذا الذي أقول، أقول أن أولياء الله في حسي وفهمي هم الذين يعرفون حق الله تعالى عليهم وحق دينهم وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق المسلمين وغيرهم عليهم وحق أنفسهم عليهم ليس أولياء الله هم الغارقون في الصلاة المتفانون في الصيام الموسعون في الزكاة الملتزمون بالحج عاما بعد عاما فحسب ولكنهم الذين يصفهم الحديث القدسي إذا يقول (يقول الله تبارك وتعالى: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها)

صحيح مسلم جـ5 ص 244 أن من يتمتع بهذه القدرة الربانية يستطيع أن يفعل العجائب وفي البخاري حديث صحيح يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي وليا فقد بارزنني بالمحاربة، وما تقرب عبدي إلي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذبي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لا أعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نسي عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه).

ويروي سعيد ابن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل من هم أولياء الله فقال (الذين يذكر الله برؤيتهم) القرطبي ص3196 وزيادة في الإيضاح وحتى لا يكون هناك شك في موقف الإخوان المسلمين من أولياء الله فإنهم يعتقدون أن أولياء الله هم الذين يكثرون من حسناتهم لأنها وحدها التي تدخل معهم قبورهم وأنهم الذين يدفعون الهوى عن أنفسهم في جد وحرارة حتى تستقر عند طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنهم الذين يوجهون كل ما في حوزتهم من جهد وطاقة وصحة ووقت وال إلى الله تعالى لأن ما عنده يبقى وكل شيء فإن إلا وجهة الكريم وأنهم الذين يحرصون على التقوى أملا مهم أن يكونوا عند الله من عباده المكرمين وأنهم هم الذين يتركون عداوة الخلق فيما هو من عرض الدنيا، لأن الله قسم بين الناس معيشتهم وأنهم هم الذين يعادون الشيطان ويحذرون أحابيله لأن أول أعداء آدم وبنيه ولأنهم هم الذين يتوكلون على الله حق توكله.

إن الإخوان المسلمين لسلفيتهم الواضحة في أهانهم لا يكفرون مسلما إلا إذا توفر لديهم على سبيل القطع أنه قد أتى من الأعمال أو الأقوال ما لا يحتمل ألا الكفر حسب شريعة الله تعالى فقد قرأوا أن تابعا اسمه أبو العالية سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله تبارك وتعالى.

﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾

فأجابوه أن كل من يعصي الله فهو جاهل وكل من تاب من قريب فارتاحت نفوسهم إلى هذا المعنى الجميل فلم يتسرعوا بالكفر على أحد أن الله تواب فعلى من يتوب؟؟ على الصالحين المستقيمين أم على العصاة المذنبين؟ فهل نخرج التوبة من صفات الله.؟ وهو غفار فلمن يغفر؟ للطائعين الملتزمين أم للمنحرفين الخطائين؟ فهل نعطل صفة الغافر الغفور الغفار؟ أم ندعها تعمل عملها الرحيم؟ لمثل هذا يحتذي الإخوان المسلمون خطى السلف الصالح ومن لم يفعل ذلك فليس بسلفي مهما أدعى هذه الصفة لنفسه.

السلف رضوان الله عليهم، فسموا الأقوال نوعين: نوع ثابت عن الرسل والأنبياء فهم يقبلونه كما هو ويثبتونه ولا يردونه حتى ولو لم توافق عليه عقولهم أنهم يعلمون أن الرسل والأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى فينبغي عدم أ‘مال عقولنا فيما صح عنهم ولا نتردد في التزامه والنوع الآخر ليس منقولا عن الرسل والأنبياء فهذا من حقنا أن نعمل عقولنا فيه قائلين كما قال أسلافنا: كل كلام يؤخذ منه أو يرد إلا قول المصطفى عليه الصلاة والسلام فأننا نقف عنده طائعين منفذين لأن الأعمال إما عبادات وهي لا يشرع فيها إلا الله وحده.

وإما عادات والأصل فيها ألا نبتعد إلا عن كل ما أمرنا الله باجتنابه هذا هو الأصل السليم.؟ فالزاني المحصن يرجم حتى الموت وليس بكافر لأنه قد يكون قد تاب توبة لو وزعت على الكثير من غير المذنبين لوسعتهم وكذلك شارب الخمر والسارق لو أنهم كفروا بمعصيتهم لاعتبرهم الشرع مرتدين وحكم بقتلهم لردتهم وهكذا وليس هذا فحسب بل أن الذنوب نفسها لا توجب دخول النار على الإطلاق إلا إذا لم يوجد المانع من دخول النار بسببها ومن هذه الموانع التوبة والاستغفار والحسنات والدعاء والصدقات وما إلى ذلك.

وجماع القول أن الإخوان المسلمين سلفيون من كل قلوبهم وجوارحهم أقوالهم وأفعالهم الطاهرة منها والباطنة ويأخذون من كتاب الله تعالي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن أحاديث رسولهم صلى الله عليه وسلم الصحيحة فقد جاء في البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظة ونسيه من نسيه.

«أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئا من تبليغ هذا الدين لأمته إننا نؤمن بأسماء الله تعالى وصفاته كما وردت أبتعادا عن المعطلة ولا نبحث عن الكيف اجتنابا للمثلة والمشبهة» وقد ضرب أحد أسلافنا مثلا سهلا مقبولا فقال: ممن يسافر إلى مكة مثلا أليس كل ما أقترب منها خطوة كانت هي أقرب إليه من قبل تلك الخطوة أي اقتربت منه فهل ننكر أن الله سبحانه وتعالى إذا تقربنا منه شبرا تقرب منا ذراعا مؤمنين بهذا الاقتراب منه دون أن نتطرق إلى كنهه وكيفيته.

وليس معنى ما تقدم أنني وفيت الموضوع حقه، ولا تحدثت عن رأي السلف كله، ولكنها إلمامة وأن كانت موجزة وهذا مجمل ما يقتضيه المقام، أسأل الله أن يلهم الجميع الصدق والإخلاص ونحن لا نطلب من أحد أن يرضى عنا الله ولكن لنجنب إخواننا وزر التجني على هيئة يعبد أفرادها ربهم كما عبده أسلافهم المبرزين الصالحين.

الإخوان المسلمين فقهاء

بعض الناس يرمون الإخوان المسلمين بأنهم قليلو الخبرة بالفقه ونحن لم نقل عن أنفسنا أننا فقهاء ولكن ماذا يقصد هؤلاء بالفقه الذي يتحدثون عنه؟ أن كان قصدهم الإحاطة بكل نواحي الشرع من ناحية علوم القرآن ومصطلح الحديث متنا ورواية وكآراء الفقهاء وآراء الأئمة الأعلام والإجماع والقياس وما إلى ذلك فلن تجد من يمكن أن يلم بكل هذا فنحن والمعاصرون في هذا سواء أيا كانت دعاواهم ولو كان الفقه بهذا المعنى، لما قال الله في كتابه الكريم.

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾

أي أن هناك أهل ذكر كما أن هناك غير أهل ذكر ولم يطعن هذا في إيمان الفريقين أو أحدهما وإذا أضفنا إلى هذا أن الصحابة رضي الله عليهم لم يكونوا في مرتبة أبي بكر وعمر وعلي وعبد الله بن مسعود فقها وعلما ولم يطعن ذلك في مرتبة الصحابة وأنهم خير القرون تبين لنا أن دعوى الفقه بهذا المعنى من المتجنين على الإخوان المسلمين دعوى سفسطائية لا دليل عليها ولا مدلول لها.

إن الإخوان المسلمين يوم أن قاموا بدعوتهم منذ خمسين سنة أو تزيد وعلى رأسهم إمامهم الشهيد حسن البنا لم يدعوا تأليفي كتب للفقه، لأن ما يوجد منها فيه لكفاية وزيادة ولكنهم بذلوا جهودهم في الناحية التربوية العملية التطبيقية التنفيذية.

أنهم يؤلفون مسلمين أبطالا ومجاهدين هذا هو دورهم ولئن يهدي الله بهم رجلا واحدا خير لهم من الدنيا وما فيها وهم فيما عملوا ويعلمون يستفيدون بجهود الأئمة والفقهاء الذين سبقوهم واستخرجوا الفقه من مصادره الإسلامية الصحيحة.

ومن جهة ثانية فقهاء الشريعة يسمون كل من عرف من الفقه ما يصحح به عباداته ومعاملاته فقيها.

ومع كل هذا التوضيح فلن أتركك أيها القارئ الكريم حتى أحدثك عن بعض فقه الإخوان المسلمين فهم ينظرون بعون الله تعالى فيما قاله أئمة فقهاء أهل السنة في تفسير الآيات والأحاديث لا يحجبون أنفسهم عن شيء من ذلك بل ينظرون فيه كله ويتدارسونه فما قام البرهان على صحته، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كان هو الحق أما غيره، فلمن اجتهد وقال به أجر عند الله على اجتهاده وقد علم الإخوان أنهم دون التصدي لمطلق الفتيا والاجتهاد فقالو بثقلهم على الثقاة وأخذوا ما قرروه.. وهذا ما يدفعهم لأن يقولوا إذا سئلوا عما لا يعلمون لا نعلم أتباعا لقول الله تعالى.

﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ....

﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾..

ويعلمون هذا وأكثر منه من الفقه كما يعلمه الذين يرمونهم بعدم الفقه ولكن الإخوان المسلمين على ثقة من أن كتب الفقه مليئة به لمن يريده ومتوافرة في المكتبات وهم إلى ذلك يعلمون أن الأخطار التي تحيط بالمسلمين في جميع الجهات في مسيس الحاجة إلى مجاهدين كحاجتها إلى فقهاء أو أكثر والقرآن يقول:

﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾

إن المسلمين اليوم في حاجة شديدة إلى نبذ كل أسباب الخلاف أيا كان مأتاها وتوحيد الصف الطاهر الساعي إلى استعادة أمجاد أسلافه الأكرمين ويجب أن ينبذوا هذه الخلافات المذهبية أو الفقهية لينجو المسلمون من براثن المكائد الضاربة التي يدبرها أعداء هذا الدين أن هذه الأخطار لن تتخطى مسلما إلى مسلم أخر بل أنها مبيتة لتجرف الجميع هؤلاء وهؤلاء، وهذا الذي نقوله لا يخفى على أبسط العقول.

إن الإخوان المسلمين يدعون المسلمين جميعا والشباب خاصة أن يتكتلوا ضد أعداء دينهم حتى إذا ما أنجاهم الله منهم عادوا إلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم ووسعهم ما قد وسعهم من الاختلافات بهذا الشكل وتمزيق الصف فجريمة في حق الدين الإسلامي وبذلك لن يستطيع أحد مهما أوتي من الدهاء أن يلفتهم عن حقيقة الأخطار التي تحيط بهم جميعا وبأمتهم الإسلامية كلها.

دعوا هذه الخلافات وانتبهوا إلى أطواق النجاة فتقلدوها تنفيذا لأمر الله تعالى..

﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

أن الفقهاء المسلمين رغم اختلاف آرائهم لم يكيدوا لبعضهم بل كان كل فقيه يعترف بتلمذته على من سبقه ويقر بفضله عليه وما أحرانا أن نقتدي بهم وكل منا يتتلمذ على واحد من هؤلاء أما الزعم بأننا رجال وهم رجال وأنه من حقنا أن نجتهد كما اجتهدوا وأن نقول برأينا كما قالوا فأمر يستلزم توفر شروط الاجتهاد التي اتفق عليها العلماء فيمن يدي أنه مجتهد وبغير هذا يكون الادعاء لا يستحق مجرد الالتفات إليه.

والوحدة الإسلامية ألزم في هذا الوقت من أي وقت أخر مر بالدعوة الإسلامية أن هذه الفرقة التي تشتد إلى حد الخصومة والقطيعة حال يخالف شرع الله ولا يرضاه عاقل فما بال بعض المسلمين يصبرون على هذا الوضع؟ أنها من مكائد ومؤامرات أعداء اله الذين لا يريدون أن يروا بين المسلمين وحدة أو اتفاق.

أنا نجلي الفقه ونجل رجاله ونكن لهم احتراما ولكننا لا نريد أن ندخل في مساجلات مع أحد من الذين يثرون خلافات فقههم وذلك لأن الوحدة أخت الإيمان والفرقة أخت الكفر أما هؤلاء لا تمثلهم إلا كمثل من يرون النار مشتعلة فيما يهمهم أمره، فيختلفون على كيفية إطفاء النار أهو الدلو أو البرميل. ويشغلهم الخلاف الفرعي عن النار وهي تلتهم أثمن ما يحرصون عليه وهم أشد ما يكونون حماسا في الاختلاف على أداة الإطفاء: أهي الدلو أم غيره.

وفي ركن الفهم من أركان البيعة: يذكر الإمام الشهيد حسن البنا في موضوع الفقه ما يأتي: «ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلة أمامه وأن يقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صدق من أرشده وكفايته وأن يستكمل نقصه العلمي أن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر» ويقول أيضا «الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب».

وحسبي ما قدمت في هذا الباب مشيرا إلى ما يعرفه الإخوان المسلمون عن بعض الدقائق الفقهية حتى لا أقع فيما أنهى عنه من ضرورة سد هذا الباب المنذر بالخطر الوبيل.

عموميات

ولابد من التعميم في هذا الموقف الحرج:

فحسبنا أننا نبهنا على كل ما يدبر للمسلمين منذ أن قامت هذه الجماعة ونبهنا إلى ما كان المسلمون كبارا وصغارا في شغل شغلنا به أعداء هذا الدين نبهنا إلى خطورة إلغاء الخلافة والتي أراد بعض العلماء في مصر تقليدها فاروقا ثم ماتت الحركة في مهدها ولفتنا الأنظار إلى إصرار المنادات بالقوميات وقلنا أن الإسلام ينكرها ونبهنا إلى استشراء التعامل بالربا وما ينتظرنا من جراء ذلك من إيذان بحرب من الله ورسوله لنا ونبهنا إلى الأذى الذي ينجم من جراء حكم الفرد وحاربنا الشيوعية والإلحاد ودعاتهما وغير ذلك مما يعرفه المسلمون عامة ولا نقول ذلك مباهين ممتنين ولكنا نقوله إقرارا لحق وتحدثا بنعمة الله علينا والتي أمرنا أن نتحدث عنها وبها...

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

وأصابنا من أجل ذلك كله ما لم يصب أحد غيرنا من الأحزاب أو الهيئات أو الجماعات كل ذلك لأننا طالبنا بالتربية مع التعليم وبالعمل مع العلم، وبالجهاد مع الفقه وهذا هو الذي يحذره أعداء الله ويكرهون أن ينته المسلمون إليه او يعملوا به أو يجاهدوا من أجله....

﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾

وأن ظن بعض الناس، أن الإخوان لم يحققوا حتى اليوم هدفا من أهدافهم فهؤلاء غافون أو متغافلون فقد كانت الدعوة إلى تطبيق الشريعة مدعاة للاستغراب من الكثيرين من تفكير الإخوان المسلمين وها نحن نرى أن كثيرا من البلاد وحكومات وشعوبا جادة وغير جادة تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وأنه لنجاح للإخوان أني نجاح حتى ولو تغافل عنه الناس أجمعين لقد طالب الإخوان المسلمون منذ بدء دعوتهم أن ينص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتقنين في مصر الإسلامية، وهنا نحن اليوم نجد أن هذا النص قد وضع ضمن مواد الدستور ولم يبق إلا التطبيق ومن تخيل يوما أننا كنا نحلم بمطالبنا هذه فلعله يعيش معنا اليوم في هذه الحقيقة وكما قال الإمام الشهيد حسن البنا (أحلام الأمس حقائق اليوم) وأصبح المسئولون في البلاد العربية الإسلامية يكثرون في كل أحاديثهم من الكلام عن جلال الإسلام ووجوب التمسك به وتطبيقه وأنه لدليل على بعد نظر الإخوان المسلمين لقد تحدثنا عن شرور برامج التعليم وإنها لن تخرج لنا شبابا عالما فاقها عاملا مجاهدا وصمت الأذان عنا وها نحن لنا شبابا عالما فاقها عاملا مجاهدا وصمت الأذان عنا وها نحن اليوم نرى وزير التعليم نفسه وكل المشتغلين ببرامج هذه الوزارة يتحدثون ويلحون في وجوب هذا التغيير بعد أن أصبح السكوت على سيئاته داخلا في باب الغفلة أو الغرض ما من شيء تحدث عنه الإخوان المسلمون بالأمس وعذبوا وقتلوا وشردوا من أجله لا وغدا بضاعة المتحدثين اليوم من نواب وغيرهم موافقة أو مداجاة فماذا يريد صاحب أي دعوى إلا أن يقول الناس بما يقول ويدعون اليوم إلى ما دعا إليه بالأمس؟ وأبعد من هذا أن الأثر اشتد وامتد حتى عم البلاد الإسلامية عن النجاح والتأثير وكيف يكون؟ وهذا من نعم الله على الإخوان المسلمين.

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

لقد حلت المحن بالإخوان المسلمين محنة بعد أخرى، وهم على ما هم عليه صبرا واحتسابا بفضل الله تعالى, وقال المغرضون: ما بال الإخوان المسلمين لا يتأثرون لأنفسهم فهل طابت عندهم المحن وهل رضوا أن يكونوا صحية لكل ظالم مغرور دون أن يدافعوا عن أنفسهم أو يثبتوا وجودهم بأي مضاد له دويه الذي يتجاوب معه أنحاء العالم؟؟ أين الثأر.. ؟؟ أنين الانتقام؟؟ أين مواجهة الضربة بمثلها أو اشد كل هذا قيل وقيل أكثر منه.

تندرا واستخفافا وها هم المسلمون جميعا في كل بلد من بلدان يرددون ما نادى به الإخوان المسلمون بالأمس إن الإخوان المسلمين يوم أن قاموا بدعوتهم منذ أكثر من خمسين عاما كان واضحا أمامهم ما سيلقون من عنت الحكام وتخرصات الجاهلين.

وهذا ثابت في رسائل إمامهم الشهيد حسن البنا فأقدموا وهم يقدرون ونادوا وهم مقدرون ما كان يخفى عليهم من ذلك من شيء وأعدوا أنفسهم لاحتمال كل شيء ابتغاء مرضاة الله صابرين محتسبين وعلموا أن ما سيصيبهم ليس من أجل أشخاصهم وذواتهم ولكن من أجل النور الذي تخافه خفافيش الظلام، وأعداء الإسلام فتركوا الأمر فيه لله وحده الذي يدافع عن الذين آمنوا بالقدر الذي يرضاه ولا دخل لأحد من مشيئته وقضائه ولم يخذلهم الله في أي موقف من المواقف بل رد الضربة عنهم بأعنف منها فإبراهيم عبد الهادي والناس جميعا يعرفون خصوصياته وعمومياته طرده فاروق من الحكم شر طردة، وجعل إقالته من الحكم هدية العيد للمصرين جميعا ومن أعان ظالما سلط عليه وفاروق الذي حال بين المشيعين وبين تشييع جثمان الإمام الشهيد الظاهر وسط سخط المصرين جميعا فاروق هذا شيعت جنازته ف صمت واستخفاء في رضا وتقبل من المصريين جميعا.

وعبد الناصر الذي يفعل ما فعل بالإخوان المسلمين قضى نحبه ما بين طرفة عين وانتباهتها بالسكر البرنزي الذي عانى منه ما عانى سنين طويلة وأطلقت ألسنة الناس فيه ما لم يطلقوها في أحد غيره أما التخريب والتدمير والإفساد فليس له في منهاج الإخوان المسلمين من وجود وأما الثأر فلسنا عن دعاته دينا لهذا لم يقابل الإخوان القتل بالثأر ولا التعذيب والإيذاء بالتخريب والتدمير فهل بقي بعد ذلك من شيء يعيبه العائبون على الإخوان المسلمين؟.

وبعض الهيئات أو الأفراد يحلو لهم أن يتهموننا بمهادنة الحكم القائم فيعلموا جميعا أ سياستنا مع كل حكم هو النصح والإرشاد والفارق بيننا وبين الآخرين هو أنهم يريدون تغيير حكام بحاكم أما الإخوان المسلمون فلا يريدون تغيير حاكم بحاكم ولا تغيير نظام وضعي بنام وضعي ولكنهم يريدون أن يذهبوا بكل نظام وضعي ليحل محله نظام إسلامي. أننا ننصح ولا نتهم ونقوم ولا نتقدم ونصلح ولا نفسد لسنا أعداء الإنسان كائنا من كان أننا دعاة خير وإيمان وداعي الخير والإيمان لا يحقد ولا ينتقم ولا يتهم ولكنه يريد أن يكون الحكم إسلامي هدفه الإصلاح والخير للناس جميعا مؤيدين ومعارضين نريد إذا جاء حاكم ألا يكون همه تجريح من سبقه ولا الوعود البراقة والجعجعة التي ليس وراءها من طحن بل نريد الإنصاف والإسعاد والرخاء والأمن والأمان، لا يريد الإخوان المسلمون أن يكون شأن كل حكم من سابقة كما قال الله تعالي:

﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهُمْ﴾

لا نريد هذا لأن منهاجنا منهاج إسلامي حنيف فليرض عن هذا من يرضى ولينكره من ينكره فما كان هد الإخوان المسلمين في يوم من الأيام أن يرضوا الناس وإنما يبتغون بكل تصرفاتهم قولا أو عملا حركة أو سكونا أخذ أو تركا إنما يبتغون بذلك كله وجه من أطلع على سرائرهم فعلم منها ما يضمرون..

﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ ..

أننا لا نتعجل الأحداث، تنفيذا للخطة التي رسمها لنا أمامنا الشهيد حسن البنا ملتزما فيها بشرع الله تعالى. وحدد حدودها وبين معالمها ذلك لأننا لم نكلف شرعا بتحقيق أية نتيجة لأي من أعمالنا أننا دعاة...

﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ﴾

ولا سلطان لنا على إنسان لنرغمه على الأخذ بما نقول:

﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾

أننا دعاة ولسنا بقضاة أننا نصارح الحكومات برأينا حتى لو كان في ذلك ما يغضبها ويثيرها علينا فلا رضاها يطمئننا ولا سخطها يفزعنا بل نحن في حالي رضاها وغضبها كل واحد من الإخوان المسلمين يؤمن بأن هذه الدعوة دعوته هو وأنه هو جنديها الذي لا يتكلم إلا عنها ولا يتحدث إلا بها ولا يعيش إلا لها يفرح ما دام يعمل لها في تؤدة وفهم وإخلاص ينكر الطفرة علما بأن يحمل دعوة الحق ودعوة الحق المبين في ميزان العقلاء جديرة بالحب والتفاني والعمل لها والجهاد والتضحية وتتطلب الطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة فيهتم بأعداد غيره لتحمل أعباء هذه الدعوة لأن هذبه الدعوة عنده حمل ثمين له ثقله وحجمه الذي يحتاج إلى أكتاف قوية مؤهلة لتحمل وتبشر به الناس وتدعوهم إليه فالعنصر البشري في تقدير الإخوان المسلمين بتربية نفسه وبتربية غيره ليكون غضوا نافعا عاملا مجاهدا في سبيل الله يغرس في قلبه حب الناس وأخوتهم.

أن الأخ المسلم يعلم أن الإسلام هو دعوة الله الذي أوجد الكون ويعلم ما يضره وما ينفعه فهي دعوة الصلاح والفلاح والإصلاح فإذا لم ينجح الداعية في مكان ما أو زمن ما، فما ذلك لعيب في الدعوة نفسها بل قد يكون سبب ذلك هو عيب في الداعية نفسه فليبحث عن هذا العيب الذي عطل سير الدعوة حتى تنطلق في سبيلها ولا يلقى أسباب التأخر إلى عيب في الناس ولكنه يتهم نفسه بدلا من اتهام غيره والإخوان يستعينون في ذلك بالإكثار من ذكر الله لأن الشيطان وسواس خناس إذا ذكر الله خنس أي تضائل وانصرف وبهذا تراهم يحبون لله ويكرهون لله ويصادقون لله ويقاطعون لله تنفيذا لقول حبيبهم وزعيمهم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب الله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) أخرجه أبو داود في سننه عن أبي أمامة رضي الله عنه وهكذا يحيون قلوبهم دائما بذكر الله ذكرا كثيرا ويسبحونه بكرة وأصيلا ولا يغفلون أبدا عن شكر نعمائه وتقدير آلائه لعلمهم ويقينهم أن ما بهم من نعمة فمن الله وحدة صاحب الفضل المنعم التفضل الذي أسبغ نعمه عليهم ظاهرة وباطنة فهم دائما على ذكر أ،هم لو راحوا يعدون نعم الله عليهم فلن يحصوها كائنة ما كانت طاقتهم وجهودهم ومن هنا اتسع مجال أملهم فهم واثقون بأن فرج الله منهم قريب مهما كان وجه المحنة كالحا مكفرا وكيف لا يكونون كذلك ورسولهم صلى الله عليه وسلم يطمئنهم في حديثه الشريف. حيث يقول(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خير له وإن أصابته شرا شكر فكان خيرا له) أو كما قال صلى الله عليه وسلم فكيفي يقلق من حاله كذلك؟ أنهم لا يستعجلون حدثا ولا يحلون الدماء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا: يا رسول الله كيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي) أنك لو اطلعت عليهم في سجونهم التي لبثوا فيها عشرين عاما أو أقل أو أكثر لرأيت رجالا ما كتفت ألسنتهم عن الدعاء وقد طالت بهم فيها السنون كل صباح يظنون أن فرجهم في المساء وكل ليل يرجون أن يكون فرجهم في صباحه، حتى جاءهم الفرج من الله تعالى على التحقيق..

﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾

أنهم لا يتعبون أنفسهم فيما يتعب غيرهم نفسه فيه، أنهم يؤمنون إيمانا راسخا بواجد الوجود لأنه واجب الوجود لم يتعبوا أنفسهم في البحث عن الأدلة لأنهم مع القائل «كيف نطلب الدليل على وجود الله وهو نفسه جل وعلا الدليل على كل شيء في هذا الوجود؟ أنهم نظروا في أنفسهم»..

﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾

فرأوا أنهم أنفسهم دليل لا يحتاج إلى دليل فمن نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام تكس لحما ثم تكون خلقا آخر آمنوا عن طريق هذه الأطوار بوجود الذي رعى الأنفس ورباها وحماها حتى خرجت إلى الوجود بشرا سوريا وأبسط مبادئ الاعتراف بالفضل عند الإنسان العاقل أنه إذا أمره فلا بد وأن يأتمر و إذا نهاه فلا مناص له من أن ينتهي معترفا بفضله سبحانه وتعالى وقدرته عليه.

علمني الإخوان المسلمون أنهم لهم في النظر إلى الذنوب نظرة عميقة فاحصة إذا أخطأ أحدهم لا يستصغر خطيئته مهما كانت فإن هذا الاستصغار هو مكمن الخطورة أنهم لا ينظرون إلى صغر الخطيئة ولكنهم ينظرون إلى عظمة وجلال وقدرة وقوة من يعصون فقد قال بعض الصالحين: أنه بقدر ما يصغر الذنب عبد العبد بقدر ما يصغر عند الله وفي معنى حديث شريف أن العبد الصالح يرى ذنوبه كأنها جبل يوشك أن ينقض عليه، واللاهي يرى ذنوبه كأنها ذباب وقف على أنفه. وفي ظلال هذه المعاني الوارفة أيقن الإخوان المسلمون أن العزة التي قدرها الله في كتابه الكريم لعباده المؤمنين لن تكون ولن تتحقق ولن تثبت إلا بطاعة الله..

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾

علمني الإخوان المسلمون الغيرة على الدين هذه الغيرة التي تعينهم على مقاومة وساوس الشيطان وتنصر الطاعة المخالفة لا شك أن هذه الغيرة تشبه القلب بالنابض والجسم القوي على مقاومة جراثيم الأمراض فتدفعها وتقهرها وتقضي عليها كذلك الغيرة على دين الله تحمي القلوب من كل ما تضعف أمامه قلوب الذين لا يغارون على دين الله فالغيرة تجعل الإنسان شديد الحياء، والحياء يجعل المرء حذر من ارتكاب ما يسبب الخجل.

وعلى الجملة فقد ألزم الإخوان المسلمون أنفسهم وصال الحق وهجر أنفسهم وكل هذا تعلمته من الإخوان المسلمين ولا شيء أحب إلى في هذه الحياة من أن ألتزم بما تعلمته مهم وإلا أفارقه طيلة حياتي فلعلي ألقى الله تعالى راضيا عني.

لا أقول أنني أصبت في كل ما سلف لأنني آدمي وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون وما أخطأت فيه فهو خطأ يرجع إلى جهل أو إلى غفلة وكل ذلك عندي وأبكر ثواب أن يجد خطأ في كتابي أن يصححه لي لأعدل عنه تائبا مستغفرا وآخر ما أختم به كتابي هذا هو دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام:

«رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء»

«ربنا أغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب»...

والحمد لله رب العالمين...

والله أكبر ولله الحمد...