ثواب النفقة على الجهاد والمجاهدين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ثواب النفقة على الجهاد والمجاهدين

د.إبراهيم زيد الكيلاني


البركة في المال الذي أنفق تتعداه

قال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 261-262].

ذكر بعض المفسرين أن هاتين الآيتين نزلتا في صدقة عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثّ الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك،وكان قد بلغه أن الروم يستعدون لغزو المدينة المنورة،وحين تتعرض أرض الإسلام لغزو الأجنبي يصبح الجهاد والنفقة على الجهاد والمجاهدين فرض عين على كل قادر.

فجاء عبدالرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم فقال:يا رسول الله لي ثمانية آلاف، فأمسكت لنفسي وعيالي أربعة آلاف، وأربعة آلاف أقرضتها لربي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت" وجاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبَّها في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم.قال عبدالرحمن بن سمرة راوي الحديث: فرأيته صلى الله عليه وسلم يدخل يده فيها ويقلبها ويقول: "ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم، اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان".

وقال أبوسعيد الخدري: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان ويقول: "يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه".

ونزول هاتين الآيتين في صدقة هذين الصحابيين الجليلين،لا يمنع من شمولها لكل من نهج نهجهما وبذل ماله على الجهاد والمجاهدين في سبيل الله.

فهؤلاء الذين ينفقون أموالهم على المجاهدين المقاومين للمحتل الأجنبي في فلسطين والعراق وغيرها من أرض الإسلام مشمولون ببركة دعاء النبي الكريم وثواب المجاهدين،وإن البركة في المال الذي أنفق تتعداه إلى المال الذي بقي لقول النبي الكريم لعبدالرحمن بن عوف: "بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أنفقت".

ومعنى الآية: أن ثواب الإنفاق للجهاد في سبيل الله مضاعف، فالحبة تتضاعف إلى سبعمئة حبة،والمئة إلى سبعين ألفاً،والله يضاعف لمن يشاء.

وأعظم هذا الثواب ما يجده المؤمن يوم القيامة حين يرى صدقته في سبيل الله حاجزاً له من النار.

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون} [البقرة: 254].

والمعنى: أنفقوا أيها المؤمنون في وجوه الخير كإعانة المجاهدين ومساعدة الفقراء والبائسين من أموالكم التي رزقكم الله إياها بفضله وكرمه،من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا يكون فيه تجارة ولا مبايعة حتى تقدموا عن طريقها ما تفتدون به أنفسكم،ولا يكون فيه صديق يدفع عنكم ولا شفيع يشفع لكم.

ثم ختم سبحانه الآية بقوله: {والكافرون هم الظالمون} أي والكافرون الجاحدون لنعم الله هم الظالمون لأنفسهم،لأنهم حالوا بينها وبين الهداية بإيثارهم العاجلة على الآجلة،والغي على الرشد،والبخل على السخاء والإنفاق.

أما المؤمنون فليسوا كذلك لأنهم سلكوا الطريق المستقيم وبذلوا أموالهم في سبيل الله ونصرة لدين الله، فإما أن نكون مع المؤمنين المنفقين أو الكافرين الظالمين.


النفقة في سبيل الله والإيمان قرينان:

ولعظيم ثواب الإنفاق في سبيل الله قرنه الله بالإيمان بقوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} [الحديد: 7].

والنفقة في أيام المقاومة وساعات العسرة أعظم ثواباً، قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاًّ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} [الحديد: 10].

إن المعركة التي تخوضها المقاومة الإسلامية في فلسطين والعراق وغيرها من أرض الإسلام في وجه الاحتلال الصهيوني الأمريكي الصليبي الذي يسعى للقضاء على هوية الأمة وحضارتها ويهوِّد أرضها ومقدساتها، تدعو المؤمنين والمؤمنات ليكون بعضهم أولياء بعض في نصرة دين الله بأموالهم وأنفسهم،وإن العذاب الأليم الذي يكتوي بناره أبناء الإسلام في فلسطين والعراق وغيرهما لا ينجينا منه إلا الإيمان والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال،وهذا ما وجهنا الله تبارك وتعالى إليه بقوله:

{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم.تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم. وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} [الصف: 10-13].

وفي هذه الآية الكريمة بيان المنهج الرباني للإنقاذ والتحرير وهو الجهاد وبذل الأموال والنفوس في سبيل الله، وهو التجارة الرابحة التي عدّد الله أرباحها.


بيان عناصر التجارة التي تنجينا من عذاب الاحتلال ونار العدو وقهره وطغيانه:

أ- الإيمان والجهاد: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.

والمعنى أن المقاومة للمحتل يجب أن تكون تحت راية الإسلام والإيمان،وأن الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال خير لكم من أموالكم وأنفسكم عند الله، لما تجدونه من ثواب عظيم للجهاد يحفظ على الأمة دينها وكرامتها ومقدساتها وأوطانها.ثم ذكر الله ثواب هذه التجارة الرابحة.

ب- ثواب الآخرة بمغفرة الذنوب،والجهاد محاء للذنوب،وجنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم.

ج- وثواب الدنيا بالنصر والتحرير والتمكين: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}.


الجهاد فريضه على كل مسلم

إن الإسلام حين يُستهدف،وإن الوطن حين يغزى، لا يبقى عذر لأحد أن يتخلف عن الجهاد بنفسه وماله، أوينتحل الأعذار للفرار من المشاركة، قال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين.إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: 44-45].

والذين يبخلون عن تقديم العون لإخوانهم المجاهدين،إنما يبخلون في الحقيقة على أنفسهم حين يحتل العدو أرضهم ويصادر أموالهم،ويقتل رجالهم ونساءهم،وينكل بهم ويذلهم،ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

قال تعالى: {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [محمد: 38].

إن خطر الهلاك والاستبدال يتهدد أمة تؤثر البخل على النفقة في سبيل الله،وتؤثر الدنيا على الآخرة، والجبن على مواجهة الأعداء.

في أول خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يبين فيها للمؤمنين كيف يكون لقاء الله يوم القيامة،وكيف يقون وجوههم من النار.

جاء في السيرة النبوية لابن هشام أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة: "حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه - ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه -: ألم يأتك رسولي فبلغك، وآتيتك مالاً وأفضلت عليك؟! فما قدمت لنفسك؟! فلينظرن يميناً وشمالاً فلا يرى شيئاً، ثم لينظرن قدّامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

وكأني بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يخطب بنا من وراء القرون ويذكرنا بهذه الكلمات كيف نواجه أعداء الإسلام،وكيف نتحمل مسؤولياتنا في الدفاع عن الدين والأرض والعرض والمقدسات،وكيف نقدم لأنفسنا،يذكرنا بساعة الموت التي نفارق بها الدنيا،وننتقل بعدها إلى دار الجزاء.


وظيفة المال الإنسانية والاجتماعية

"تعلمن والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع .." صاحب التجارة يترك تجارته، وصاحب المصنع يترك مصنعه،وصاحب الوظيفة والحكم يترك حكمه وسلطته، وصاحب المزرعة يترك مزرعته، وصاحب الغنم يترك غنمه، ليس لها راع..

ما قيمة المزارع،والمصانع،والأرصدة،والأموال إذا لم نوظفها في طاعة الله،ونقي بها وجوهنا من النار يوم القيامة،ومن الذل والمهانة في الحياة الدنيا؟!

عرف العربي وظيفة المال الإنسانية والاجتماعية حين خاطب زوجته وقال لها:

أماويُ إن المال غادٍ ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر

أو يقول لها:

إذا كان بعض المال ربّاً لأهله فإني بحمد الله مالي مُعَبَّد
يُفكُّ به العاني ويؤكل طيِّباً ويُعطى إذا منَّ البخيل المصرِّد

ويقول الشاعر:

ذريني أطوِّف في البلاد لعلني أُفيد غنىً فيه لذي الحق محملُ
أليس عظيماً أن تلمَّ ملمّةٌ وليس علينا في الحقوق معوّلُ

هذه وظيفة المال في الإسلام أن نعبر به آخرتنا،ونصلح به دنيانا ومجتمعاتنا، ونقوم به بحقوق الضعفاء والفقراء والأيتام،ونسد به نفقات الجهاد وحاجات الأمة.

وبهذه العقيدة والإيمان الحي كان الأغنياء في المجتمع الإسلامي يتسابقون في أبواب البر والإحسان والجهاد وسد حاجات المسلمين.

قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134]

وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274].

إن روح الجهاد،وصدق الشعور بالكرامة،والانتماء للإسلام والأمة والوطن يحوِّل الأمة إلى المعركة،حين يتعرض الوطن للعدوان،وأرض الإسلام للاحتلال.

قال صاحب كتاب "تاريخ بغداد": "دخل بعض التجار على "حُسَيْنِك" وهو من كبار تجار بغداد،فوجدوه يبكي، فعجبوا وسألوه: ما الذي يبكيك؟! فقال: يهدد الروم "طرطوس" وليس في خزائني صفراء ولا بيضاء.

ثم قال: بل عندي ضيعتان،أبيع إحداهما،وأجهز بثمنها مجاهدين ينصرون المسلمين في طرطوس.

هذه القصة التي يرويها صاحب "تاريخ بغداد" تبين لنا كيف واجه المسلمون الغزاة من الروم ثم من الصليبيين والتتار.

وكان التاجر ينقطع قلبه حسرة وتفيض دموعه إذا لم يجد السيولة الكافية لتجهيز المجاهدين ودعم الجهاد.

فما بالك بمن يملكون الأموال ويخزنونها في البنوك في الداخل والخارج! ويبخلون عن أن يقدموا لأنفسهم ما يقي وجوههم من النار يوم القيامة،وما يقي وجوههم وأمتهم من عار الاحتلال وانتصار الأعداء.

إن المعركة على أرض فلسطين هي معركة القرآن العظيم مع التوراة المحرفة،معركة الأقصى مع الهيكل المزعوم،معركة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعداء الإسلام الذين أعلنوا عن أهدافهم في القضاء على دين الأمة وهويتها وحضارتها ومقدساتها،وإن الذين يجاهدون في العراق يقاومون أخطر هجمة أمريكية صهيونية تريد احتلال أرض العرب من محيطها إلى خليجها.

وإن أعظم ما يقدمه المسلم لنفسه في هذه المرحلة أن يكون في خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم،ويقدم ما يستطيع من مال لدعم المقاومة والجهاد،وقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى من هذه الأموال والأرصدة والكنوز التي لا تنفق في سبيل الله،وانتصاراً لدينه، ودعماً للمقاومة كيف تتحول يوم القيامة إلى نيران تكوى بها جباه أصحاب هذه الكنوز وجنوبهم وظهورهم.

قال تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم.يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة: 34-35].

في مواجهة الغزاة للدفاع عن الدين والوطن والتاريخ والمقدسات يسبق أهل الإيمان بجهادهم بالنفس والمال والعمل والتخطيط،ويتميز المؤمنون بإيمانهم وجهادهم وينكشف المنافقون بجبنهم وبخلهم.

وقد ذكر الله أصنافاً ثلاثة في سورة التوبة:

1- الأعراب والمنافقين من الأعراب الذين لا يعيشون هموم دينهم وأوطانهم.

قال تعالى: {الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم} [التوبة: 97].

{ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم} [التوبة: 98].

2- الصالحين من الأعراب الذين طهَّر الإيمان قلوبهم وصدقوا في نفقاتهم.

قال تعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم} [التوبة: 99]..

3- السابقين المهاجرين والأنصار الذين ارتقوا إلى كرامة الموقف وسبق الجهاد وعياً إيمانيّاً وبذلاً سخيّاً،وجهاداً مبروراً، وسبقاً مباركاً.

{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة: 100].

لنسأل أنفسنا بعد ذلك كيف نطهر قلوبنا وصفوفنا من هذه الجاهلية التي تحجب القلب والأمة عن الله والجهاد في سبيله وكيف نسارع للاقتداء بالسابقين من المهاجرين والأنصار،الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه بصدق جهادهم ونصرتهم لدين الله ورسوله.

ثم ننتظر بشرى النبي الكريم الذي قال: "حصِّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع".

المصدر