حامد زايد صباحي
درسٌ في صناعة الحياة
إن من الناس من يعيشون من أجل أنفسهم وذواتهم .. وهؤلاء هم الذين يعيشون في حاشية التاريخ ، وفي هامش الدنيا ، سرعان ما يموتون ويدفنون ، هذا صنف من الناس وجوده كعدمه في هذه الحياة ، وحياته كمماته سواء بسواء .. أما الصنف الثاني من الناس فهم الذين يعيشون من أجل عقيدتهم ومن أجل دينهم .. من أجل كل خير إلا أن يعيشوا من أجل أنفسهم ..
وهؤلاء يصفهم النبي – صلوات الله وسلامه عليه – بقوله : " إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل : من هم لعلنا نحبهم ؟ قال : هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا انساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ : " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
ولقد كان الأستاذ حامد صباحي - رحمه الله- من هذا الصنف الثاني ، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله ، وهؤلاء يشير إليهم صاحب الظلال - رضي الله عنه- بأنهم أصحاب الدعوات الذين يستطيعون أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم ..
هم الذين يطعمون أفكارهم وعقيدتهم من لحومهم ودمائهم وعروقهم وأموالهم.. هم الذين يقولون كلمة الحق ، ويعيشون من أجل كلمة الحق ، ويموتون في سبيل كلمة الحق ، ويبعثون في ظلال كلمة الحق ، ويدخلون الجنة بكلمة الحق" إن كلماتنا تظل جثثاً هامدة حتى إذا متنا في سبيلها، وغذيناها من دمائنا ؛ انتفضت حية وعاشت بين الأحياء.
أرباح وصفقات
عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدوا لنا الحياة قصيرة ، تافهة، ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !…
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهما ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا.. فليست الحياة بعد السنين .. فيعيش بضعاً وثلاثين سنة ،في مقياس البشر ، وفي دواوين الأرض .. أما عند الله فيكتب أنه عاش دهوراً طويلة ، وعصوراً مديدة . طالما عاش لهذا الدين .
إن جسد الأخ الفقيد قد استراح .. ذلك الجسد الذي أضنته العبادة ، وبراه طول القيام ، وغبرته الأسفار المتواصلة في سبيل الله .. واستراحت عين طالما بكت من خشية الله ، وسهرت على قضاء حوائج المسلمين ..استراح الجسد الذي غبرته جدران السجون العتيقة . سجناً في ذات الله ، من أجل الله ، حباً في الله
الميلاد والنشأة
هو حامد إبراهيم زايد صباحي ، ولد في 21\3\1967م، في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ بمصر ، نشأ في بيت تدين وخُلقولما لا .. وجده الشيخ زايد صباحي الواعظ التقي رحمه الله وتخرج حامد صباحي في كلية الآداب جامعة طنطا عام 1988م ، في تخصص الفلسفة. والتحق بصفوف الإخوان المسلمين في عام 1986م.
من التدريس إلى العمل الإداري
صدر قرار تعيينه مدرساً بالتربية والتعليم . ولكن.. وسرعان ما حوله الظالمون من التدريس إلى العمل الإداري ، بإدارة بلطيم التعليمية .. إذ رأى الظالمون أن إقصاء مثل حامد صباحي عن التدريس مهم جداً ، لسد الباب أمام أي محاوله لبث الأخلاق الحميدة والسلوكيات الإسلامية في نفوس التلاميذ ..
لاسيما أن حامد وأمثاله ينتهجون النهج القرآني القائل: "ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
ولكن الأستاذ يعتقد أن الدعوة إلى الله تكون في كل مكان وفي كل مجال ، إنه يوقن بالقاعدة القرآنية الكريمة: (وَللّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلّواْ فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ إِنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)ومن ثم أخذ على عاتقه نشر دعوة الخير بين أبناء بلدته على النحو الذي رسمته الآية
تجارة الدنيا والآخرة
وكما كان الأستاذ حامد زايد ماهراً في تجارة مواد البناء ، فقد كان ماهراً أيضاً في بناء النفوس وتربيتها ورعايتها .. فكم هدى الله على يديه أناساً كثيرين .. وكم يسر الله لشباب كثير دخول المساجد على يدي حامد صباحي .. كم قدم من أعمال البر والخير في محافظة كفر الشيخ ..
يشهد بذلك كل حجر بمسجد القدس على طريق برج البرلس بمدينة بلطيم ،و مساجد أخرى ساهم الفقيد في إنشائها وبنائها ، مثل جامع الرحمة ومسجد أبي شلبي ومسجد الفاروق .. تشهد بذلك رؤوس الأيتام التي تعرف يد الأستاذ السخية ، ويتجلى سخاؤه رحمه الله في استثمار التبرعات واستثمار أموالها من أجل فقراء المسلمين ، ويتواصل كرمه إلى مشروع تبرعات الملابس ، إلى جلسات الصلح في فض النزاعات المتأصلة بين عوام الناس ..فهو يعلم أن إصلاح ذات البين أفضل الصدقات عند الله ، كما أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم
السجن في ذات الله
إن حياة الأخ الفقيد لا تختلف كثيراً عن حياة إخوانه الدعاة والمصلحين الذين سبقوه في درب الدعوة المباركة .. فمذ بزغ نجم دعوة الإخوان .. وسمت الابتلاء فيها هو الاعتقال والسجن والتعذيب في سجون مصر.. لخيرة أبناء مصر .. فقد اعتقل الأستاذ حامد صباحي في سجن مزرعة طرة في 15\4\1999م واستمر اعتقاله حتى 29\7\1999م .. فلم ينخر فيه الوهن أو الترعيب قيد أنمله .. ومن ثم اعتقل للمرة الثانية في 23\5\2005. واستمر اعتقاله حتى آخر 7 \2005 م
ذرية الأستاذ
تزوج الأستاذ حامد زايد عام 1993م من أخت مربية تحمل نفس مبادئه الإسلامية الصميمة، وقد كانت بحق نعم العون له . وقد رزقه الله بأربع بنات منها ..
وإليك أسمائهن :
- مريم : 11 سنة
- حماس : 7 سنوات
- جهاد : 5 سنوات
- استشهاد : سنة
حسن الخاتمة
ويتوج المولى تبارك وتعالى حياة الأستاذ حامد زايد بخير خاتمة ، ونعم الختام : الشهادة في سبيل الله، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله . فبعد خروج الأخ من المعتقل بأيام معدودات ، توجه (هو وزوجه) بسيارته في طريق مدينة كفر الشيخ (في 12\8\2005) .. ما خرج من بيته من أجل دنيا فانية ، بل كان مقصده هذه الدعوة المباركة ، وهذا الدين العظيم الذي عاش الأستاذ له ومات في سبيله ..
وإذا بقدر الله الذي لا مرد له يتحقق ، يتحقق بتصادم عنيف بين سيارة الأستاذ وأتوبيس سياحي .. وعلى الفور تتحول سيارة الأخ إلى حطام .. تلك السيارة المتواضعة التي طالما سار بها الأخ في سبيل الله في أرض الله الواسعة .. وهكذا نال أخانا الشهادة .. نحسبه شهيداً .. ولا نزكيه على الله تلك الشهادة التي تمناها .. فتذكر زوجته أنه قال في صباح يوم الحادث متمنياً : "أريد أن أموت شهيداً".
أما أم مريم فقد أصيبت بعدة إصابات ، وخرجت مرة أخرى للحياة ، لا من أجل الحياة ، بل من أجل صناعتها في مريم وجهاد وحماس واستشهاد .. حفظهن الله . وثبتهن الله . ورعاهن الله
- المصدر : مدونة ياقوت