رسالة نظام الأسر
بقلم:الإمام حسن البنا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه
يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المثل العليا ويقوي روابطهم , ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام و النظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات , فاحرص يا أخي أن تكون لبنة صالحة في هذا البناء الإسلام .
وأركان هذا الرباط ثلاثة فاحفظها واهتم بتحقيقها حتى لا يكون هذا تكليفا لا روح فيه :
1 - التعارف: هو أول هذه الأركان , فتعارفوا وتحابوا بروح الله تعالى، واستشعروا معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينكم , واجتهدوا ألا يعكر صفو علاقتكم شيء وتمثوا الآيات الكريمة دائما والأحاديث الشريفة , اجعلوها نصب أعينكم وتذاكروا قول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) , وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103) , وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) , (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) .
ولقد ظلت هذه الأوامر الربانية والتوجيهات المحمدية بعد الصدر الأول كلاما على ألسنة المسلمين , وخيالا في نفوسهم , حتى جئتم معشر الإخوان المتعارفين , تحاولون تطبيقها في مجتمعكم , وتريدون تأليف الأمة , المتآخية بروح الله وأخوة الإسلام من جديد , فهنيئا لكم عن كنتم صادقين , وأرجو أن تكونوا كذلك , والله ولي توفيقكم .
2 – والتفاهم : وهو الركن الثاني من أركان هذا النظام , فاستقيموا على منهج الحق ، وافعلوا ما أمركم الله به ، واتركوا ما نهاكم عنه ، وحاسبوا أنفسكم حساباً دقيقاً على الطاعة والمعصية , ثم بعد ذلك لينصح كل منكم أخاه متى رأى فيه عيباً ، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح ، وليشكر له ذلك , وليحذر الناصح أن يتغير قلبه على أخيه المنصوح بمقدار شعرة , وليحذر أن يشعر بانتقاصه , أو بتفضيل نفسه عليه , ولكنه يتستر عليه شهرا كاملا , ولا يخبر بما لاحظه أحدا إلا رئيس الأسرة وحده إذا عجز عن الإصلاح , ثم لا يزال بعد ذلك على حبه لأخيه وتقديره إياه مودته له , حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا , وليحذر المنصوح من العناد والتصلب وتغير القلب على أخيه الناصح قيد شعرة ، فإن مرتبة الحب في الله هي أعلى المراتب ، والنصيحة ركن الدين : (الدين النصيحة) والله يعصمكم من بعض , ويعزكم بطاعته , ويصرف عنا وعنكم كيد الشيطان .
3 – والتكافل : هو الركن الثالث , فتكافلوا , وليحمل بعضكم عبء بعض ، وذلك صريح الإيمان ولب الأخوة , فليتعهد بعضكم بعضاً بالسؤال والبر ، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلاً , وتصورا قول رسول الله : (لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرا) , (من أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم ير الله له جزاء دون الجنة) , والله يؤلف بين قلوبكم بروحه إنه نعم المولى ونعم النصير .
أيها الإخوان : في الواجبات التي بين أيديكم إن وعيتموها والأعمال التي بين أيديكم إن اتبعتموها ما يكفل تحقيق هذه الأركان , فراجعوا دائما واجبات الأخ التعاوني , وليحاسب كل منكم نفسه على إنفاذها , ثم ليحرص كل أخ على الاجتماعات المحددة مهما كانت أعذاره , ثم ليبادر كل منكم إلى تسديد ما عليه لصندوق أسرته , حتى لا يتخلف عن الواجبات متخلف , فإذا أديتم هذه الواجبات الفردية و الاجتماعية و المالية , فإن هذا النظام سيتحقق ولا شك , وإذا قصرتم فيها فسيتضاءل حتى يموت , وفي موته أكبر خسارة لهذه الدعوة , وهي اليوم أمل الإسلام والمسلمين .
ويسال كثر منكم عما يشغلون به وقت اجتماعهم الأسبوعي كأسرة , وذلك أمر سهل ميسور , وما أكثر الواجبات وأقل الأوقات فليكن ما تشغل به الأسرة وقتها واجتماعاتها :
أ ـ يعرض كل أخ مشاكله ويشاركه إخوانه في دراسة حلولها في جو من صدق الأخوة وإخلاص التوجه إلى الله , وفي ذلك توطيد للثقة , وتوثيق للرابطة (والمؤمن مرآة أخيه) ، وحتى يتحقق فينا شيء من مأثور قوله عليه الصلاة والسلام (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم , كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
ب ـ مذاكرة حول شؤون الإسلام ، وتلاوة الرسائل والتوجيهات الواردة من القيادة العامة للأسر ، ولا محل في الأسرة للجدل أو الحدة ورفع الصوت , فذلك حرام في فقه الأسرة , ولكن بيان واستيضاح في حدود الأدب والتقدير المتداول من الجميع ,فإذا أغلق شيء أو أريد اقتراح شيء أو استيضاحه احتفظ به النقيب حتى يرجع إلى القيادة , وقد عاب الله أقواما فقال : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ..) ثم أرشدهم إلى ما يجب أن يكون فقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) (النساء:83) .
جـ ـ مدارسة نافعة في كتاب من الكتب القيمة ، وليحرص الإخوان بعد هذا على تحقيق معنى الأخوة في المجاملات الطارئة , التي لا تحضرها الكتب ولا تحيط بها التوجيهات , وأشار إليها الصادق الأمين : عيادة المريض , ومواساة المحتاج ولو بالكلمة الطيبة , وتفقد الغائب , وتعهد المنقطع .. كلها تزيد رابطة الإخاء , وتضاعف في النفوس والشعور بالحب والصلة .
ولزيادة الترابط بين الإخوان عليهم أن يحرصوا على :
1 – القيام برحلات ثقافية لزيارة الآثار والمصانع وغير ذلك .
2 – القيام برحلات قمرية رياضية.
3 - القيام برحلات نهرية للتجديف .
4 - القيام برحلات جبلية أو صحراوية أو حقلية .
5 - القيام برحلات متنوعة بالدراجة .
6 - صيام يوم في الأسبوع أو كل أسبوعين .
7 - صلاة الفجر جماعة مرة كل أسبوع على الأقل في المسجد.
8 – الحرص على مبيت الإخوان مع بعضهم مرة كل أسبوع أو أسبوعين .