عبدالعزيز العلي المطوع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التاجر الصدوق الداعية عبد العزيز العلي المطوع

بقلم : المستشار عبد الله العقيل

معرفتي به

الداعية عبدالعزيز العلي المطوع

عرفتُ الأخ الداعية والتاجر الصدوق عبدالعزيز العلي المطوع يرحمه الله عن طريق السماع في أواخر الأربعينيات الميلادية، من خلال الحاج عبد الله الخالد البدر، الذي كان مكتبه التجاري بجوار مكتب العم محمد سليمان العقيل وإخوانه بالبصرة، وكان الشيخ المطوع من التجار المحسنين في مجال العمل الخيري، والإسهام في خدمة الدعوة الإسلامية المعاصرة.

والاتصال بالعلماء والدعاة في كل مكان، والتعاون معهم في خدمة الإسلام والمسلمين، وتقديم العون لذوي الحاجات، ومساعدة الطلاب والدعاة العاملين بالحقل الإسلامي.

ولقد سرَّني ما قرأته في مجلة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية سنة 1946م، حيث قام بالتبرع لمشروع الجريدة اليومية والمطبعة بمبلغ سخي جزاه الله خيراً، وذلك أثناء زيارته لمصر والتقائه الإمام الشهيد حسن البنا، الذي يُكنُّ له كل الحب والتقدير ويراه مثال المسلم الصادق، والعالم العامل، والداعية القدوه.

وكان اجتماعاً مباركاً، حيث كان (عهد وميثاق وأخوَّة، وتعاون واتفاق للعمل الجماعي، والجهاد المشترك) لرفعة شأن الإسلام والمسلمين والعمل فيما يرضي الله تعالى.

وقد حضر الاجتماعات للهيئة التأسيسية التي ضمّت المراقبين العامين للإخوان المسلمين، حيث حضر الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، والأستاذ محمد محمود الصواف المراقب العام للإخوان المسلمين في العراق، والأستاذ علي طالب الله المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان، والأستاذ محمد عبدالرحمن خليفة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن، والأستاذ عبدالعزيز العلي المطوع المراقب العامللإخوان المسلمين في الكويت، وممثلون عن الإخوان المسلمين في فلسطين، والمغرب العربي، ولبنان، وجيبوتي.

ومن الجدير بالذكر أن أول فرع للإخوان المسلمين خارج مصر كان فرع جيبوتي، حيث رغب بعض شباب جيبوتي في تكوين شعبة للإخوان المسلمين فيها، وذلك عام 1352هـ ـ 1933م، كما جاء منشوراً في جريدة الإخوان المسلمين الصادرة يوم 22 صفر 1352هـ الموافق 24- 6- 1933م؛

بالإضافة إلى ممثلين عن البلاد الإسلامية الأخرى الذين كانوا يشاركون الإخوان المسلمين بمصر باعتبار أن حركة الإخوان المسلمين حركة إسلامية عالمية لا تقيم وزناً للحدود الجغرافية المصطنعة، وتعلو عندها راية الدين على راية الطين، وأخوَّة الإسلام على أخوَّة النسب، ورابطة العقيدة على رابطة القبيلة، لأن المسلمين جميعاً أمة واحدة، ربها واحد، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقِبلتها واحدة، "وأن هذه أمتكم أمة واحدة".

زيارات متبادلـة

وحين ذهبت للدراسة الجامعية بمصر، التقيته أوائل الخمسينيات، ثم تكررت بعد ذلك لقاءاتي بالشيخ المطوع مرات ومرات في مصر، والعراق، وبلاد الشام، وباكستان، والكويت، التي استقر مقامي بها من 1959م إلى 1986م، حيث توثّقت صلتي به، وكانت الزيارات المتبادلة بيننا في المنازل والمكاتب، وكان رحمه الله يحضر ندوة الجمعة الأسبوعية ويشارك في أحاديثها وحواراتها ومحاضراتها ودروسها، وكان آخر ندوة شارك فيها بحضور الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حيث كانا فارسيْ الحلبة، واستفدنا وإخواننا الحضور فائدة كبيرة منهما رحمهما الله تعالى.

والأخ الكبير عبدالعزيز المطوع له نظرات عميقة، وتأملات فاحصة، وتوجيهات صائبة، وآراء سديدة، استقاها من قراءاته وتجاربه في الحياة وتوفيق الله له.

وكان رحمه الله شغوفاً بالقراءة، والتأمل في آيات الله عز وجل، والتدبر في القرآن الكريم، الذي كانت له فيه وقفات، فسَّر فيها بعض السور والآيات، وبخاصة ما له علاقة بالعلوم العصرية، وآخر الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم.

كما كان له اهتمام بالغ في رفع المستوى التعليمي لشباب المسلمين، وتشجيعهم على الدراسات العليا، ودعم الجهاد الإسلامي في كل مكان، ونشر الدعوة الإسلامية الصحيحة بين القبائل العربية، التي تأثر بعضها بأفكار غريبة، وكان من المحبين للعلماء والدعاة، يحرص على تكريمهم والاحتفاء بهم؛

كما كان يخالط الحكام، ويقدِّم لهم النصح، باعتبارهم ولاة أمور المسلمين، الواجب نصحهم كما جاء في الحديث النبوي "الدين النصيحة"، قلنا لمن؟، قال: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وهو رجل رقيق الحاشية، طيب المعشر، خفيف الروح، بشوش الوجه، ولكنه مرهف الشعور، بالغ التأثر بالمواقف الإنسانية، تغلبه الدموع حين يتحدث عن أحوال المسلمين ومآسيهم، والمصائب التي حلّت بهم، نتيجة ابتعادهم عن دينهم، وهجرهم لكتاب ربهم وسنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم .

وكان يبذل قصارى جهده للتخفيف عنهم وتقديم العون المستطاع لهم، فقد كان كريماً معطاءً، ينظر للمسلمين نظرة واحدة، فلا يفرّق في عطائه بين شخص وآخر، فكلهم عنده سواء، مهما كانت جنسيتهم، وإن كان يُؤْثر صاحب الدين، وحامل الدعوة، وطالب العلم، والمجاهد في سبيل الله، ويقدمهم على غيرهم، باعتبارهم أن لهم الأولوية في العطاء؛

كما كان باراً بأقاربه وذوي رحمه وأصهاره وأنسابه، ولم يكن يتردد في دعم كل مشروع خيري ىُعرض عليه إذا اطمأن لأحقيته ووثق بالقائمين عليه، واقتنع بأهميته وضرورته، وكانت له صلات وثيقة بالعلماء والدعاة والمصلحين وكبار الزعماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي يزورهم ويزورونه، ويراسلهم ويراسلونه، ويتشاور معهم ويتشاورون معه، وكان يعرف لهم قدرهم ويكرمهم، ويُنزلهم منازلهم ويحيطهم بالإجلال والإكبار والتقدير، ويقدِّمهم للمسؤولين بكل التجلَّة والاحترام والتوقير.

وقد زار الكثير من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية، وحضر الكثير من المؤتمرات الإسلامية، وشارك في العديد من المشاريع لبناء المساجد، وإقامة المدارس، والمستشفيات، والمعاهد، ودور العلم، وكفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وقد وفّقه الله لشراء عدد من الكنائس في البلاد الأوروبية لتحويلها إلى مساجد بالتعاون مع الشيخ عبدالله العلي المحمود رحمه الله.

آثار طيبــة

لقد ترك الأخ المطوع الآثار الطيّبة في كل من مصر، والعراق، وبلاد الشام، والجزيرة، والخليج، فضلاً عن الكويت، وكانت له صولات وجولات تكشف عن نفاسة معدنه، وعمق تجربته، وقوة إيمانه، وسماحة نفسه، وجزالة عطائه، فقد كان سخياً في وجوه الخير لا يتردد أبداً، وتنفق يمينه ما لا تعلم شماله، وهو أول من أرسى أساس العمل الإسلامي المنظم في الكويت؛

حيث استقبل الدعاة المسلمين ودعَّم نشاطهم، وأنشأ مكتبة إسلامية كبيرة، كما أسس جمعية الإرشاد الإسلامي بالكويت أوائل الخمسينيات بالتعاون مع إخوانه وتلامذته ومحبيه من رجال وشباب الكويت الصالحين، وبذل من وقته وجهده وماله ما يعرفه القريب والبعيد، وكان لا يتأخر عن أي مؤتمر، أو ندوة، أو لقاء فيه خير للإسلام والمسلمين.

ولقد أجرى الله على يديه الخير الكثير في الكويت وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، فكان محبوباً من الزعماء المسلمين، والدعاة، والعلماء، بل والقادة والحكام الصالحين، الذين يُجلّونه ويحترمونه ويستجيبون لشفاعته.

وإن مجلة "الإرشاد الإسلامية" وجمعية "الإرشاد الإسلامية"، ومدرسة "الإرشاد الإسلامية"، ومكتبة "الإرشاد الإسلامية"، كلها شواهد ناطقة، وآثار واضحة على جهوده الخيّرة، وعطائه السخي، وجهاده الدؤوب، وإن معظم الشباب المسلم بالكويت، هــم من آثار تلك الجهود المباركة التي شاركه فيها إخوانه:

خالد الجسار، و محمد العدساني، و يوسف الرفاعي، و عبد الله الكليب، ومحمد بودي، و خالد الرويشد، وغيرهم، ولقد كان ساعده الأيمن وعضده الذي شدّ أزره ووقف إلى جانبه، وسار على منهجه هو شقيقه الأخ الكريم عبدالله العلي المطوع بارك الله في عمره الذي سلك الطريق نفسه؛

وبخاصة بعد أن عرَّفه على الإمام الشهيد حسن البنا في موسم الحج عام 1946م، حيث التقياه، وتوثّقت الصلة معه، وظلت قائمة إلى أن استشهد الإمام البنا في 12 فبراير 1949م برصاص الغدر في أكبر شوارع القاهرة، بيد العملاء والمأجورين، وجلاوزة الطغاة، يقول الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة "الرسالة" في عددها المرقم "966" والصادر في 7- 1- 1952م ما نصه:

(الإخوان المسلمون هم وحدهم الذين يمثلون في هذا المجتمع الممسوخ، عقيدة الإسلام الخالص، وعقلية المسلم الحق، إنهم لا يفهمون الدين على أنه صومعة منعزلة، ولا الدنيا على أنها سوق منفصلة، وإنما يفهمون أن المسجد منارة السوق، وأن السوق عمارة المسجد، وكان للإخوان في الإرشاد لسان، وفي الاقتصاد يد، وفي الجهاد سلاح، وفي السياسة رأي، فلهم في كل بلد من البلدان العربية أتباع، وفي كل من الأقطار الإسلامية أشياع، وما يقظة الوعي العام في مصر والسودان، وفي العراق وسورية، وفي اليمن والحجـــاز، وفي الجزائر ومراكش، إلا شعاع من هذه الروح، ســـيكون له بُعيد حين نبأ).

لقد صار الأخَوَان الشقيقان عبدالعزيز وعبدالله المطوع يتباريان ويتنافسان في عمل الخير ونصرة الإسلام والمسلمين دون كلل أو ملل، بل طمعاً في مرضاة الله تعالى وطلباً لمثوبته وأداءً للواجب الملقى على عاتقيهما نحو الإسلام والمسلمين.

وأشهد الله الذي لا إله غيره، أنني وجدتُ فيهما النماذج الصادقة لترجمة الإسلام قولاً وعملاً، وبذلاً وسخاءً، ورجولةً وثباتاً، فلم يغْترا بزخارف الدنيا، ولم يزدهم المال والثراء إلا تواضعاً لله ولعباد الله وزيادة في البذل والعطاء في سبيل الله والمستضعفين في الأرض من المسلمين.

ذلكم هو الأخ الكبير والتاجر الصدوق والداعية المسلم عبدالعزيز العلي المطوع، وتلك نبذة يسيرة عن سيرته عرضتها من خلال معرفة قريبة، وتجارب شخصية، عسى الله عز وجل أن يجعلها في ميزان الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلـب ســليم.

ولقد توفي ـ يرحمه الله ـ يوم الأحد 19 ذو القعدة 1416هـ الموافق 7- 4- 1996م بعد مرض عضال طال أمده.

نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويغفر لنا وله، ويرزقنا وإياه الفوز بالجنَّـة، والنجاة من النار، وإنَّـا لله وإنا إليه راجعون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.