مؤتمر شرم الشيخ والقضايا المطروحة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مؤتمر شرم الشيخ والقضايا المطروحة
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. يقول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وأَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِين﴾ (الأعراف: من الآية 89)، وبعد..

فإن مؤتمر القمة العربية الطارئ، الذى دعا إليه الرئيس محمد حسني مبارك في شرم الشيخ، وكان مقررًا عقدُه يوم الأربعاء الماضي 3/8/2005م، وتأجَّل لعدة أيام بسبب وفاة خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله- يُثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام والقلق حول توقيته، وما يمكن أن يسفر عنه من قراراتٍ ومواقف، وما يمكن أن يحمل من ضغوطٍ وأعباءٍ إضافية على الواقع العربي والإسلامي، الذي يعيش في أزمة تكاد تعصف بكل أمل في المستقبل القريب.

ويمكن إجمال أهم الملاحظات والتساؤلات في النقطتين التاليتين

أولاً: هذا التداعي السريع من الرؤساء والأمراء والملوك العرب لتلبية الدعوة لهذه القمة الطارئة، في الوقت الذي كنا نرى فيه تكاسلاً واعتذارًا عن تلبية الدعوة في مؤتمرات القمة السابقة وإرسال وفود الكثير من الدول أقل تمثيلاً على المستوى الرسمي، وهذا الحضور السريع للقادة يعزز المخاوف والقلق من نوعية القرارات التي يمكن أن تصدر عن القمة، وتساهم- بالتالي- في تعميق الفجوة بين إرادة الشعوب ومواقف الحكام.

ثانيًا: أن الحكام العرب يأتون إلى القمة دون أن يحركوا ساكنًا في قضايا الإصلاح الشامل، الذي تطالب به الشعوب العربية والإسلامية، ودون أن يرتكزوا على مصدر قوتهم الحقيقي، الذي هو صلتهم بالله- سبحانه وتعالى- وتعبيرهم الصادق والأمين والواعي عن إرادة شعوبهم وآمالها وأحلامها، وبالتالي فإن الواقع يؤكد بقاء الحال على ما هو عليه، من أن الحكام في وادٍ والشعوب في وادٍ آخر.. كيف يمكن أن يعبر حاكمٌ عن إرادة شعبه ويتحدث باسمه، وهو يتعامل معه بالقمع والقهر والتعسف وتزوير الانتخابات وفتح أبواب المعتقلات للمعارضين، وإشاعة الفساد والمحسوبية والتسلط؟! كيف يمكن أن يعبر حاكمٌ عن إرادة شعبه وهو يقف في وجه طموحاته ورغباته وآماله في حياة حرة كريمة آمنة عزيزة؟!

القضايا المطروحة على مؤتمر القمة

إن الموضوعات المطروحة على جدول أعمال القمة العاجلة هي الإرهاب، والقضية الفلسطينية، والوضع في العراق، وما يمكن أن تسفر عنه المداولات والنقاشات حولها، في ظل أجواء سلبية تحيط بالمنطقة العربية، وعلى رأسها الحكام، وبالتالي تكون فرصةُ الإدارة الأمريكية أكبر في الضغط لتنفيذ أجندتها بما يتعارض- بالتأكيد- مع مصالح الشعوب وآمالها، وهذا يؤدي إلى تعقيد الأزمة وزيادة الاحتقان العام في الساحة، واستمرار التدهور والتوتر.

قضية الإرهاب

ماذا يمكن أن تخرج به القمة المنتظَرة حول موضوع "الإرهاب"؟! هل يمكن أن يقرر القادة العرب فتح أبواب الإصلاح السياسي، وترسيخ الحريات العامة، ومحاربة الفساد، وإجراء انتخابات حرة نزيهة تعبر بصدق عن إرادة الشعوب، وتأكيد حق الأمة في اختيار من يمثلها؟!

هل يمكن أن يقرر القادة العرب إغلاق المعتقلات السياسية، وإلغاء القوانين المقيِّدة للحريات، واحترام أحكام القضاء، وإطلاق حرية الرأي والتعبير، والتعامل مع أبناء الأمة بما يحفظ لهم كرامتهم وآدميتهم وإنسانيتهم؟! أم أن القمة سوف تلجأ إلى مزيدٍ من الضغط السياسي، بل وتأجيل أي تفكير في إصلاح سياسي حقيقي، واللجوء إلى الاتفاقات الأمنية والسياسية، والتوافق على استمرار القهر والتسلط؟!!

إن الإخوان المسلمين يؤكدون دائمًا أن العنف والعنف المضاد ما هو إلا حصيلةٌ طبيعيةٌ لمجموعة من السياسات والقناعات والأفكار، وما لم يتم الحوار حول هذه السياسات والأفكار والممارسات الخاطئة فلن يتغير شيءٌ، ويكفي أن نشير إلى آراء الكثيرين من المحللين، الذين أكدوا أن أحداث شرم الشيخ الأخيرة كانت نتيجةً طبيعيةً لممارسات الشرطة ضد أهالي سيناء في أعقاب أحداث طابا، وقيامها باعتقال وتعذيب وإهانة أكثر من ثلاثة آلاف ممن ليس لهم ذنب في الأحداث؛ وهو ما يؤدي- بالتالي- إلى مزيدٍ من الاحتقان والغضب والإحساس بالمهانة، يدفع إلى الانتقام المجنون

إننا على قناعة بأن الإصلاح السياسي كفيل بالوقوف بقوة في وجه أحداث العنف، بل يمكن أن يؤدي إلى إنهائها تمامًا، فالشعب المصري شعب متدين هادئ الطبع، يكره العنف والقهر، وكذلك الشعوب العربية، وبالتالي لن يفلح مؤتمر عربي أو دولي- أيًّا كانت قوته- في وقف هذا العنف ما لم تتم معالجة الأسباب الحقيقية التي تقف خلفه.

القضية الفلسطينية

النقطة الثانية المطروحة على جدول أعمال القمة هي القضية الفلسطينية.. فماذا تتوقع الشعوب من القادة العرب؟! هل يتوقع أحد دعمًا حقيقيًّا للشعب الفلسطيني في مواجهة الإرهاب الصهيوني؟! هل يتوقع أحد أن يقرر القادة العرب التحركَ بقوة لمساندة الفلسطينيين ماديًّا بمساعدات حقيقية؟ ودبلوماسيًّا بتحرك مكثف لكشف جرائم الاحتلال أمام المحافل الدولية؟

وشعبيًّا بترك الشعوب تعبر عن دعمها وتأييدها لأشقائها الفلسطينيين؟ أم أن القمة ستسعى إلى تنفيذ ودعم الأجندة الأمريكية التي تصب في مصلحة الصهاينة، وعلى رأسها دعم السلطة الفلسطينية في مواجهة حركة حماس والجهاد الإسلامي وسائر المنظمات الشعبية والجهادية الفلسطينية؟ هل يتوافق القادة العرب على الضغط على القوى الشعبية التي تمثل الرأي العام الفلسطيني لمصلحة السلطة وبالتالي تتهيأ الأجواء لمزيد من التنازلات، وبالتالي يصب ذلك في مصلحة رئيس الوزراء الصهيوني شارون؟!

إن الإخوان المسلمين يؤكدون على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الغاصب، بكل ما يملك من إمكانات ووسائل، ويطالبون الحكام العرب بتقديم كل الدعم اللازم لتحرير فلسطين.. قضية العرب والمسلمين الأولى.

الموقف في العراق

أما القضية الثالثة المطروحة على جدول أعمال القمة العربية الطارئة فهي الموقف في العراق، فهل ينجح القادة والحكام في اتخاذ مواقف واضحة تؤكد ضرورة جلاء المحتلين الغاصبين من الأمريكان والبريطانيين في أسرع وقت، وضرورة وقف العدوان على الشعب العراقي الآمن، وضرورة الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين هناك، ووقف كافة عمليات المداهمة للمنازل واستهداف العلماء والمدنيين؟!

هل يؤكد القادة العرب على وحدة العراق شعبًا وأرضًا ويرفضون كافة المحاولات التي تُبذل لإشاعة الفرقة وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية؟!

هل يطالب القادة العرب أمريكا بالاعتذار للشعب العربي عامةً والعراقي خاصةً عما ارتكبته من أخطاء وجرائم وانتهاكات، وتعويض العراقيين عن الخسائر الناجمة عن الاحتلال؟! أم أن القادة سيصدقون على الإملاءات الأمريكية في هذا الموضوع بما يُقر بقاء الأوضاع على ما هي عليه، بل وربما مطالبة الأمريكان بعدم ترك الساحة العراقية حتى لا تعم الفوضى؟!

إن الإخوان المسلمين يؤكدون أن قمة شرم الشيخ- المتوقعة خلال الأيام القادمة- لن تكون بذات قيمة حقيقية ما لم تأخذ مواقفَ وطنيةً حقيقيةً، وتواجه القضايا الفعلية بعقلية جديدة تعتمد آمال الجماهير العربية، وتعبر عنها، وتقف وقفةً جادةً في مواجهة الإملاءات الأمريكية والرغبات الصهيونية، وإلا فسوف يكون مصيرُها كبقية المؤتمرات، عديمة القيمة، قليلة الفاعلية.

نسأل الله أن يحقق الآمال، وأن يمن على أمتنا بالرشد والرشاد.. ﴿واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)، و﴿للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدِ﴾ (الروم: من الآية 4).

وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

29 من جمادى الآخر 1426هـ 4/8/2005م