محمد تواضع بانغ شي تشيان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد تواضع بانغ شي تشيان


مقدمة

شهدت الصين في تاريخها القديم والحديث نخبة متميزة من العلماء المسلمين؛ الذين أثروا حياتها في كل مجالات المعرفة، وتركوا بصمة انتزعت اعتراف الجميع.

ومن هؤلاء العلماء الذين تركوا بصمات في تاريخ ونفوس الصينيين الشيخ محمد تواضع بان شي؛ الذي حمل على عاتقه العلم من بلد الأزهر وعاد به إلى قومه ينشره فيهم.

ولد بانغ شي تشيان، في عائلة مسلمة فقيرة في قرية سانغبوه بمحافظة منغشيان في مقاطعة خنان في عام 1902م، وكان والده المؤمن المخلص يرغب في إعداده خلفًا له في قضية الإسلام، فأخذ بانغ منذ الرابعة من عمره يتلقى تربية إسلامية أولية في إحدى المدارس الإسلامية بقريته. بعد ذلك، قرأ الكتب الكونفوشية. ولما بلغ رشده عدل عن دراسة الكونفوشية إلى دراسة العلوم الإسلامية على أيدي مشاهير العلماء. وبفضل ذكائه وجده في الدراسة، أصبح مضرب المثل بين أترابه في النتائج الدراسية. وفي الرابعة والعشرين من عمره، في سنة 1926، شارك في تأسيس دار الدراسات الإسلامية في مدينة تشنغتشو بمقاطعة خنان، بالإضافة إلى اتخاذ هذه الدار دراسة العلوم الإسلامية هدفًا مهمًّا لها.

افتتحت دورات دراسية للكهول والنساء ومدرسة ابتدائية إسلامية، مما أتاح للمسلمين والمسلمات وأولادهم الفرصة للدراسة. ويعتبر ذلك مشروعًا عظيم الشأن في ظل الظروف التاريخية آنذاك.

وفي سنة 1930 استُقدم بانغ إلى مدرسة تشنغدا للمعلمين ببكين ليعمل مدرسا فيها؛ حيث تجلّت مواهبه في التعليم بما فيه الكفاية، دون أن تفتر حماسته في قضيته بتاتا. لم يركز على تنوير طلابه عقليًّا فحسب، بل اهتم أيضًا بالغ الاهتمام بتربيتهم أخلاقيًّا. وكان يقوم دائمًا بتهذيب نفوسهم بالمبادئ الأخلاقية الإسلامية. وفي أوقات فراغه خصص جهوده لممارسة الدراسات العلمية ونشاطات التأليف والترجمة. وكتب كثيرًا من المقالات الخاصة بالحضارة الإسلامية، وما تزال لبعضها قيمة علمية حتى يومنا هذا.

في مصر وسط الإخوان

الإمام حسن البنا

في سنة 1938، أبحر بانغ إلى مصر للالتحاق بجامعة الأزهر على رأس بعثة من الطلاب الصينيين تتكون من ستة عشر طالبًا، وقد عانى ما عانى من مشقات السفر الطويل. وعلى الرغم من أنه كان قد ناهز الأربعين من عمره، تفانى في تحصيل العلم بعزيمة مثيرة للإعجاب؛ ما وسع أفقه العلمي بحيث أصبح عالمًا إسلاميًّا فذًّا في الصين. وبفضل تواضعه وحصافته وتفوقه في الفضل والعلم، أصبح في القاهرة موضع احترام وتقدير. من ذلك أنه تم تعيينه رئيسًا لبعثة الطلاب الصينيين في الأزهر، كما تم اختياره مستشارًا لملك مصر للشئون الثقافية الشرقية ومحاضرًا في الحضارة الصينية في الجامعة ذاتها؛ ما أتاح أفراد الطبقة العليا والمثقفين في مصر فرصة الاطلاع على تاريخ الصين العريق وحضارتها الباهرة. وبالإضافة إلى ذلك ألف كتابا بعنوان "الصين والإسلام"، وكان ذلك إنجازًا منقطع النظير في تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب.

في هذه الفترة تعرف الشيخ محمد تواضع على الإمام حسن البنا – الذي كان اسمه يتردد وسط المجتمع – وذلك من خلال من سبقوه من الطلاب الصينيين أو بعد ذلك من خلال قسم الاتصال بالعالم الإسلامي والذي أصبح عضوًا فيه، عام 1944م؛ حيث أفسح القسم له مجالاً للتعريف بالإسلام في الصين من خلال مجلة الإخوان المسلمين، بل وأصدر رسالتين إحداهما: عن الصين وطبعت بعنوان: "الصين والإسلام"، والذي قام بتأليفها محمد تواضع رئيس البعثات الصينية بالأزهر الشريف، والعضو بقسم الاتصال بالعالم الإسلامي كما ورد في مجلة الإخوان المسلمين في عددها 52 الصادر يوم 31 يناير 1945م.

ساهم الشيخ تواضع بجهد كبير في تبليغ دعوة الإسلام إلى الشعب الصيني، وكان أحد أهم أعلام الإخوان المسلمين بالصين، وهو سفير الصين في مصر، ورئيس بعثة الصين إلى الأزهر، وهو صاحب كتاب "الإسلام والصين" الذي نشره قسم الاتصال بالعالم الإسلامي عام 1945م قبل أن تجتاح الثورة الشيوعية الصين، ذلك الكتاب الذي يستعرض تاريخ الصين قبل دخول الإسلام وبعده، ثم يتحدث بإسهاب عن أوضاع المسلمين والشخصيات البارزة وعدد المساجد والجمعيات فيها.

وقد كتب مقدمة الكتاب الإمام البنا، وشرح فيها بجلاء وصفاء جوهر فكرة الإخوان المسلمين، وقال في مقدمته: "من الواجب على المسلمين مهما تباعدت أوطانهم، أو نأت ديارهم، أو اختلفت أجناسهم وألوانهم، أن يشعروا بأنهم أمة واحدة، وشعب واحد، وحدته هذه العقيدة، وألّف بين قلوب أبنائه الإسلام، لا تفرق بينهم أبدًا الحواجز الطبيعية، ولا الحدود الجغرافية، ولا العوامل السياسية، ولا المنافع الشخصية؛ لأن الله أرادهم هكذا أمة واحدة، كما قال تبارك وتعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)) (المؤمنون).

كما تطرق الإمام البنا إلى بيان نشاط الإخوان في الاتصال بالمسلمين في الصين، فقال: "وكان من مقتضيات إنفاذ هذه الرؤية إنشاء قسم الاتصال بالعالم الإسلامي والبلاد العربية، وإسناده إلى أحد الإخوان العاملين من أعضاء مكتب الإرشاد، يعاونه فيه نخبة من الشباب المؤمن الغيور، وجعل مهمة هذا القسم الاتصال بالإخوان الأحبة من نزلاء مصر وضيوفها، من العرب ومن الأوطان الإسلامية المختلفة؛ لمعرفتهم، وتعرف أحوال بلادهم وأوطانهم، والتعاون معهم على الخير المشترك الذي يأمله الجميع باتحاد جهودهم، مع توثيق الصلة بالتزاور والمراسلة، وبكل وسيلة ممكنة بالهيئات الإسلامية العاملة، والشخصيات المجاهدة الفاضلة في تلك الأوطان جميعًا، ثم نشر المعلومات النافعة إلى الشعب المصري عن أفراد العالم الإسلامي والبلاد العربية، حتى يكون التعارف في أوسع دائرة ممكنة، وحتى نهيئ النفوس بذلك للدعوة العالمية المقبلة إن شاء الله".

الجهاد بالمواقف

تتمثل خصال الشيخ محمد تواضع الحميدة في عاطفته الوطنية أيضًا. فعندما كان يتابع دراسته في القاهرة كانت نيران الحرب ضد اليابان تتأجج في الصين أكثر فأكثر. وبدافع من سخطه العادل الناشئ عن وطنيته تعاون مع محمد مكين وزملائه الصينيين في مصر في الدعاية لأهمية حرب المقاومة ضد اليابان بهمة عالية. وقد حظيت حماستهم الوطنية بتقدير كبير من السيد تاو شينغ تشي- عالم تربوي مشهور في الصين- الذي قال في كتابه ((أحداث ما وراء البحار)): "إن مدرستهم- جامعة الأزهر– أقدم الجامعات في العالم .

وقد اقتطعوا من مخصصاتهم التي لا تكاد تسد حاجاتهم مبلغًا أنفقوه في الدعاية الفعالة لمقاومة الإمبريالية اليابانية"، وأردف السيد تاو شينغ تشي قائلاً: "خلال وجودي في مصر، كان هناك شيء ترك أعمق انطباع في نفسي، وهو أن صوت مارش المتطوعين "السلام الصيني اليوم" المهيب كانت تتردد أصداؤه تحت سفح الأهرام على ضفة النيل السابحة في أشعة الشمس الغاربة، وتنتشر إلى مجاهل الصحراء. كان ذلك صوت إنشاد 31 طالبًا من المسلمين الصينيين. فمن يتخيل أن شعار أمتنا تتردد أصداؤه في هذه الصحراء العريقة؟!" وبالإضافة إلى ذلك نظم السيد تاو قصيدة شعر قال فيها: ينام الفراعنة في الأهرام المنتصبة بخيلاء، والنيل يهدر هدير الرعد المجنون. بينما الأصوات تشق عنان السماء، استيقظوا وتساءلوا: من المنشدون؟

وبعد استيلاء الغزاة اليابانيين على أجزاء كبيرة من أراضي الصين الساحرة تمادوا في وقاحتهم إلى حدّ إيفاد "بعثة حج" إلى مكة المكرمة للتستر على جرائمهم العدوانية. وما إن تسلم تواضع معلومات عن هذا الأمر من الشيخ دا بو شنغ والشيخ ما سونغ تينغ ومشاهير المسلمين الآخرين حتى نظم مع محمد مكين وغيره في غضون ثلاثة أيام بعثة من الحجاج الصينيين تكونت من 28 فردا.

وبعد أن أدت هذه البعثة برئاسة بانغ ومحمد مكين فريضة الحج في الأراضي المقدسة، وزعت "رسالة إلى المسلمين في العالم" على الحجاج من مختلف البلدان، وفضحت عن طريق إلقاء المحاضرات والإجابة عن أسئلة الصحفيين جرائم عدوان الإمبريالية اليابانية على الصين وقتلهم الأبرياء، الأمر الذي حال دون تنفيذ مؤامرة العدو.

حيث ذكر في كتابه تسع سنوات في مصر قوله: إنه أثناء دراسته بالأزهر الشريف في القاهرة تلقى التعليمات من الجمعية الإسلامية الصينية يوم 18 فبراير عام 1939م تكلفه برئاسة وفد الطلبة الصينيين الذين كانوا يدرسون بالأزهر للحج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة.

عودته وعمله في الصين

بعد أن أمضى بانغ تسع سنوات في مصر، عاد على رأس الطلاب الصينيين إلى البلاد سنة 1946. وفي الفترة ما بين 1947 و1949 عمل مدرسا للغة العربية في جامعة بكين للمعلمين، وشارك الشيخ ما سونغ تينغ في تأسيس معهد العلوم الإسلامية في بكين، كما أعاد إصدار مجلة "نضرة الهلال" الشهرية وأسس مجلة "نضرة الهلال" الأسبوعية وعمل رئيس تحرير لهما. زد على ذلك أنه قام في تلك الفترة بإكمال كتابه "تسع سنوات في مصر" ونشره، كما قام بتنقيح ونشر تراجمه "رسالة السلام" و"تاريخ التشريع الإسلامي" و"مذاهب المتكلمين" و"الأربعون النووية" و"ختم القرآن الكريم" وغيرها من المؤلفات المترجمة.

وبعد تأسيس الصين الجديدة، عمل أستاذا في معهد قومية هوي والمعهد الصيني للعلوم الإسلامية على التوالي. وفي سنة 1952 شارك برهان شهيدي ودا بو شنغ ومحمد مكين وغيرهم من الشخصيات الإسلامية المرموقة في الأعمال التحضيرية لتأسيس الجمعية الإسلامية الصينية، وقد انتخب عضوا دائما لهذه الجمعية.

كان بانغ يعمل في الظروف الصعبة بعزيمة لا تلين دون سعي وراء الجاه والمال، فقد نذر نفسه لقضية الثقافة والتعليم الإسلامي في الصين، وكان دائم الاهتمام بأحوال المسلمين وتقدمهم وانتعاش الوطن الأم وتطوره، فلا غرو أنه أصبح موضع محبة واحترام.

وفاته

  • إحياء ذكراه

في سنة 1988 أقام المسلمون في بكين حفلة مهيبة لإحياء ذكرى مرور 30 سنة على وفاته، تعبيرا عن حنينهم ووفائهم لهذا العالم الكبير. وفي العشرين من يناير 2014، اجتمع أكثر من مائة مسلم في مسجد نيوجيه الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من ألف سنة، أقدم مساجد بكين، لإحياء الذكرى السنوية الخامسة والخمسين لرحيل فضيلة الشيخ محمد تواضع بانغ شي تشيان، بحضور أفراد من أسرة الشيخ، وتلاميذه، ونخبة من علماء المسلمين الصينيين وعدد من المسلمين المحليين والقادمين من مقاطعات أخرى في الصين.

أقيمت فعاليات إحياء الذكرى في مصلى المسجد القديم. بعد صلاة الظهر، أعلنت السيدة خديجة شيه جينغ يي، باسم اللجنة المنظمة للفعاليات، بدء الفعاليات وأهميتها، وقدمت نبذة عن حياة الشيخ. بعد ذلك بدأ أئمة المسجد تلاوة القرآن والدعاء طويلا للشيخ. بعد الخروج من المصلى، وزعت اللجنة المنظمة على الحاضرين هدية تذكارية عبارة عن نسخة واحدة للعدد الخاص لمجلة "دراسات في الثقافة الإسلامية"، وكتاب "تسع سنوات في مصر" الذي كتبه فضيلة الشيخ بانغ.

قال الشيخ محمود لي هوا بينغ تلميذ الشيخ محمد تواضع ورئيس اللجنة المنظمة: "هدفنا من إحياء هذه الذكرى هو تنبيه أبناء المسلمين بأن لا ينسوا أسلافهم في دعائهم وأن يرثوا رسالتهم السامية في تطوير الإسلام في الصين. ومن هؤلاء الأسلاف شيخنا المرحوم محمد تواضع بانغ شي تشيان، باعتباره قائد حركة الثقافة في الأواسط الإسلامية الصينية في بداية القرن العشرين، وعالما تربويا عظيما، والذي بفضل جهوده أصبح دفعة من تلاميذه أساتذة كبار في العلوم العربية والإسلامية، منهم محمد مكين، وعبد الرحمن نا تشونغ."

المصادر

  1. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (52)، السنة الثالثة، 16 صفر 1364- 31 يناير 1945م، صـ20.
  2. محمود يوسف لى هوا ين: الشخصيات الإسلامية البارزة في الصين، دار النشر باللغات الاجنبية، بكين، الصين، 1993م، صـ184.
  3. محمد تواضع الصيني: الصين والإسلام، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة، 1945م.
  4. كرم حلمي فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، الدار الثقافية للنشر، 2004م، صـ92.