مع زيارة رايس وجيتس نتذكر دروس الغزو المشئوم للكويت
بقلم: د. عصام العريان
مقدمة
كانت حياة صدام حسين كلها مغامرات منذ مطلع شبابه؛ حيث شارك في محاولة اغتيال الرئيس عبد الكريم قاسم وفرَّ هاربًا، إلا أن المغامرة التي كانت بداية النهاية وأدَّت به إلى حبل المشنقة الذي أفلت منه سابقًا هي غزو الكويت في 2/8/1990م.
للأسف لا تحتفظ النظم الديكتاتورية بمحاضِر للجلسات أو نُسَخ للقرارات حتى يتسنَّى للباحثين دراسة الأبعاد الكاملة للقرارات الخطيرة والمدمّرة، لكن ما نستطيع الوصول إليه هو الآثار الناجمة عن مثل تلك القرارات التاريخية، سواءٌ في الحرب أو في السلام، ففي مصر ما زلنا نجترُّ آثار الحرب الفاشلة في يونيو 1967م بعد مرور 40 عامًا عليها، ولكن آثارها لم تتعدَّ- إلا قليلاً- الأبعاد المصرية والصراع مع العدو الصهيوني، بل نتج عنها تضامنٌ عربيٌّ غيرُ مسبوق، أدَّى في النهاية إلى نصر أكتوبر العسكري الذي أضاعه السياسيون.
أما غزو الكويت المشئوم فتعدَّت آثاره العراقَ والخليجَ إلى كافة أنحاء العالم، فقد كان الأثر المباشر هو إنشاء تحالف عسكري دولي عريض لتحرير الكويت، شجَّع الولايات المتحدة بعد ذلك على تشكيل تحالفاتٍ مماثلةٍ لاحتلال أفغانستان ثم احتلال العراق.
أولاً: في الكويت كان الأثر المباشر للغزو والاحتلال المؤقت نفسيًّا ما زال الكويتيون يعانون منه حتى اليوم، فقدان الأمن والأمان، والشعور بغدر الأشقاء، وخذلان الأقربين، وعجز الإخوة، وضرورة اللجوء إلى الغريب لإنقاذ البلاد.. شعور قاسٍ، ولا يزال الإحساسُ بأهمية مظلة حماية "ما هو الذي يسيطر على نفوس الحكام والنخب في كل الخليج؟" وها هم يدفعون 20 مليار دولار لأسلحة أمريكا، إلا أن استعادة الكويتيين لرباطة الجأش ونسج منظومة لتحرير البلاد، وتضافر الجهود بين العائلة الحاكمة وبين الشعب الكويتي، ومشاركة الجميع في الجهود المبذولة للتحرير، وبقاء الشجعان لمواساة الذين بقوا في الكويت وتقديم العون لهم رغم قوات الاحتلال.. كان علامةً مؤثرةً في تاريخ الكويت.
ومن الآثار الإيجابية أن مشاركة الجميع في التحرير فَرضت معادلةً سياسيةً واجتماعيةً جديدةً، ما زالت تتبلور في مجلس الأمة بين الحكومة والنواب، وفرضت المرأة الكويتية وجودها، فكان مستحقًّا لها الحصول على حقوقها السياسية التي تأخرت كثيرًا.
ثار جدل كبير حول صندوق المستقبل وهموم الأجيال القادمة في ظل الشعوب بعدم الأمان مع الثروة النفطية فقط، وما زالت تلك المناقشات جاريةً، ولكنها لم تُثمر عن ثمرة حتى الآن لتأمين حياة الأجيال القادمة عند نضوب النفط أو في حالة تهديد شديد، مثل تلك التي حدثت في 2/8/1990م.
ثانيًا: انهيار منظومة الأمن القومي العربي.. تعرض الأمن القومي العربي لهزَّات شديدة منذ نكبة 1948 التي بلورت اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولكن القاصمة كانت الغزو المشئوم، فقد انكسرت وانهارت منظومة الأمن القومي العربي ولم تلتئم حتى الآن.
لقد كان قدوم الأمريكان وحلفائهم لقيادة حرب تحرير الكويت بدايةً لمنظومة جديدة لحماية المصالح الأمريكية وليس لحماية الأمن القومي العربي، ومن مفارقات القدر أن الحزب الذي سعى إلى تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية للأمة العربية هو الذي فرض زعامته بقوة البطش وزرع الخوف وحصد رؤوس المنافسين، بتدمير الأمن القومي العربي عبر مغامراته الفاشلة التي انتهت أخيرًا بالغزو المشئوم.
وهذا الانهيار هو الذي أدى بالتالي إلى آثار لا تقل كارثيةً عن العراق والخليج والمنطقة العربية كلها، وقد أدى ذلك إلى كفر بعض المثقفين العرب بالعروبة نفسها.
ثالثًا: حصار وغزو العراق واحتلاله وتدميره.. لم يكن العراقيون يتصورون أن تنعقد المؤتمرات لمساعدة اللاجئين العراقيين في دول العالم والذين بلغ عددهم أكثر من 4 ملايين، ويتزايدون مع مرور الأيام.
لجأ الكويتيون وعشرات الآلاف منهم إلى الخارج، أو بقوا في أماكنهم داخليًّا وخارجيًّا، حتى انكشفت الغمَّة، وعاد الأمن والأمان والاستقرار، فعادوا إلى بلادهم.
أما هؤلاء العراقيون البائسون فهم لا يدرون إلى متى يبقون لاجئين، ولا أي مكان يعودون، فقد يعودون إلى العراق بعد سنوات، ولكنهم سيجدون عراقًا مختلفًا، وقد يكون منقسمًا إلى دويلات ثلاث: كردية في الشمال، شيعية في الجنوب، سنية في الوسط!!
وقد تتغيَّر جغرافية المنطقة كلها فيلحق الجنوب بكيان آخر، وكانت بداية النهاية لصدام وحلمه بزعامة الأمة العربية هي غزوه للكويت، ولم يكن أحد يتصور ما ينشأ عنه من تداعيات كارثية على العراق نفسه، والذي يكاد يصبح أثرًا بعد عين، ويتحسَّر العرب والمسلمون على بلاد الرافدين.. بلد الخلافة العباسية وعاصمة الرشيد، التي لم يعد يأتينا منها إلا الأخبار المأساوية وأخبار القتل والتدمير، وبعد أن كانت عاصمة الدنيا تنشر العلم والمعرفة في حكم المأمون أصبحت تصدر العنف والتطرف والكراهية، وتأوي الكارهين للعلم والمعرفة من كافة أنحاء العالم من أمريكا إلى أستراليا، وفي نفس الوقت أصبحت مأوى ومنطلقًا للغاضبين الرافضين اليائسين من جدوى الإصلاح بالطرق السلمية أو المقاومة المشروعة بالطرق المشروعة للاحتلال البغيض.
رابعًا: التشرذم العربي وحيرة العرب.. لا شك أن الآثار النفسية للغزو لم تقف عند حدود الكويت بل تعدتها إلى كل الأمة العربية، فأصبح العرب اليوم في حيرة حول العلاقات العربية العربية، وتفجَّرت المشاكل الكامنة على الحدود البينية العربية والتي كانت خامدةً، وأصبح الشك هو الأصل في العلاقات بين الحكومات، وساد اللجوء إلى الأجنبي لإقحامه في الشئون الداخلية للدول واستقدامه لفرض الديمقراطية أو حل المشكلات، وخصصت أمريكا وفرنسا وبريطانيا مبعوثين دائمين للتدخل في كل بلد عربي.
خامسًا: اتفاق أوسلو وبداية المحاولات لتصفية القضية الفلسطينية.. كان اصطفاء ياسر عرفات بجوار صدام حسين في الصورة الشهيرة التي ينظر إليه فيها بإعجاب بداية النهاية لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، والدخول في نفق أوسلو المظلم الذي انتهى إلى كارثة فلسطيينية وعربية.
بدأ ذلك بمؤتمر مدريد للسلام، الذي لم يفضِ إلى نتيجة ملموسة، فانفتحت القنوات السرية بين تونس وأوسلو في غيبة المظلة العربية والدولية، وكانت النتائج المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون حتى الآن، والتي أدَّت إلى المبادرة العربية وبعثة طرق أبواب العدو التي ذهب فيها وزيرا خارجية مصر والأردن لتسويقها، ويطالبان بمجرد المعاملة الإنسانية للفلسطينيين، فإذا بجواب أولمرت المتوقَّع الذي يطالب بالمزيد من حضور وزراء آخرين، ليلتمسوا من أولمرت- أضعف رؤساء وزراء العدو- العفو والصفح عن العرب والفلسطينيين.
ثم ها نحن نشهد نهاية أوسلو وخريطة الطريق وواي ريفر.. كل الاتفافات؛ لنبدأ مسيرة جديدة يدعونا إليها سيد البيت الأبيض، مجهولة الملامح تمامًا.
سادسًا: بروز القوة الإقليمية الإيرانية وطموحاتها النووية والمذهبية.. لا شك أن انهيار العراق وتدميره كان النتيجة المباشرة للغزو المشئوم، ولكن كان السبب المباشر لجموح الطموحات الإيرانية، فلم تعد تقنع بالقليل، ولكنها تريد المزيد والمزيد، وسارعت في مشاريعها النووية لترسم نفسها قوةً نوويةً تاسعةً في العالم، وتفرض نتيجةً لذلك حضورها على العراق المذهبي الذي أسَّسته أمريكا لتسلمه إلى طائفة ومذهب وعلى الخليج العربي، الذي استدعى القواعد الأمريكية لحماية منابع وممرات النفط، وعلى الجنوب الغربي لآسيا في تحالفات مع روسيا والصين.
سابعًا: الحضور العسكري القوي لأمريكا وبالتالي لغريمتها القاعدة.. استدعى الغزو المشئوم حضورًا عسكريًّا مباشرًا ومكشوفًا للقوات الأمريكية في قواعد قديمة وقواعد حديثة وقواعد تتأسس لمستقبل أطول في العراق نفسه.
وفي العراق صاحَب المقاومة المشروعة حضور تنظيم القاعدة كفكر وأسلوب عمل شوَّه وجه المقاومة العراقية التي ورَّطت القوات الأمريكية في أكبر مستنقع وقعت فيه منذ المستنقع الفيتنامي، وعندما تتوالى الأحداث وتتابع التداعيات فسيكون العالم كله مقبلاً على آثار قد تكون أشد كارثيةً.
اليوم والمنطقة تستقبل الآنسة رايس والسيد جيتس- وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين- نتذكَّر زيارة السيد ديك تشيني وزير دفاع الرئيس بوش الأب عقب الغزو العراقي للكويت للتمهيد للحرب التي سُميت تحرير الكويت، والتي غيَّرت الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم.
هذه زيارة لشقِّ الصفِّ العربي وزيادة الشرخ الفلسطيني، والتمهيد لحرب جديدة أشبه بعملية جراحية ضد إيران، لكن كما كانت عملية العراق كارثيةً أدَّت إلى وفاة المريض إكلينيكيًّا، فلا هو حيٌّ فيرجى، ولا هو ميت فيُنعى، ستؤدي هذه العملية الجديدة إلى مفاقمة الأوضاع إلى ما هو أسوأ، فنحن نعيش حالة الفوضى المدمّرة، أقصد الخلاَّقة، وقد باتت معها مشاريع الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد والمنطقة حبلى بشرق أوسط لا يدري أحد كنهه ولا اسمه، فهو في طور التشكيل والتخليق.
التجمع الوطني للإصلاح والتنمية.. حزب إسلامي جديد في موريتانيا
في خطوةٍ موفَّقة صرَّحت الحكومة الموريتانية لـ18 حزبًا جديدًا، اهتمَّ المراقبون بالحزب الإسلامي الجديد "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" دون غيره؛ لأنه حصل على رخصة بعد جهاد استمر أكثر من عشرين عامًا في العهود السابقة منذ معاوية ولد الطايع.
المراقبون يتوقَّعون أداءً جيدًا لحزبٍ مدنيٍّ بمرجعية إسلامية، لا يحتكر الحديث باسم الإسلام في مجتمع يدين كله بالإسلام ويتمسك به، ويقدِّم رؤاه الإصلاحية من منطلق المرجعية الإسلامة لينافس بقية الأحزاب القومية واليسارية.
المجتمع الموريتاني يعاني من مشاكل مزمنة وتفرقة بين القبلية والزنوجة والولاءات الخارجية، لكنه قادرٌ- عن طريق الديمقراطية والحريات العامة- أن يتغلَّب على مشاكله ويخفف من آثارها.
الدور على بقية الدول العربية خاصةً المغاربية، التي لا بد أن تتأثر بالحدث.
عند الموت نفتقد الرجال
رحل هذا الأسبوع السفير محمد وفاء حجازي، وقد حضرتُ جنازته وعزاءَه، هذا القطب الناصري، الذي كان أحد الرجال المحترمين، والذي بذل جهودًا كبيرةً لرأْب الصدع في التيار الناصري مع آخرين، ولكنْ باءت جهوده بالفشل، فوجئتُ أنه "بلدياتي" من قرية "كفر حجازي" التي لا تبعد كثيرًا عن قريتي "ناهيا" وكلتاهما تتبع مركز إمبابة بمحافظة الجيزة.
وحضرت متأخرًا تأبين الراحل الكريم الأستاذ عادل عيد، الفارس البرلماني القدير الذي عرفتُه مبكرًا في حياتي العامة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وتابعت مع إخواني معركتَه البرلمانية الأولى في السبعينيات والتي فاز فيها ليكون فارسًا مع 15 من الفرسان الذين عارضوا كامب ديفيد، وكان منهم: ممتاز نصار، والشيخ صلاح أبو إسماعيل، والدكتور محمود القاضي، رحم الله الجميع، فكان جزاؤهم جميعًا- باستثناء الشيخ صلاح أبو إسماعيل- الحرمان من دخول المجلس في الانتخابات التالية.
عاد عادل عيد إلى البرلمان في الفصل التشريعي 2000- 2005، فكان الفارس القدير الذي يبذل جهودًا هائلةً في مجال التشريع، ولكنَّ جهودَه ذهبت هباءً لوجود أغلبية أوتوماتيكية ميكانيكية ورئيس للمجلس، يقتنع بحُجج عادل عيد ولكنه يخالف ضميره وكل القواعد الدستورية للبقاء في موقعه!!
عاش محمد وفاء حجازي لقضيته، وعاش عادل عيد لقضيته، فهل لنا أن نستفيد فنُحيي ذكراهما بالاستمرار في الدفاع عن قضايا مصر المحورية والحقيقية ضد التفرق والتشرذم ضد الفساد والاستبداد، ضد الظلم والتزوير.
أيمن نور
أما أيمن نور فقلبي معه، ومشاعري تقول إنه سيتم الإفراج عنه بعفو رئاسي أو لسبب آخر أو بحكم استئنافي من المحكمة الإدارية العليا، بعد أن تم تدمير مشروعه السياسي حزب الغد بقرارٍ من لجنة الأحزاب السياسية، التي أعطت الرخصة لغريمه موسى مصطفى موسى، الذي بدأ حياته السياسية كنائب لأيمن نور.
وهذا القرار ينضمُّ إلى قراراتٍ أخرى تُبيِّن بوضوحٍ أنه ليست هناك قواعد تحكم الحياة السياسية، بل هي تسير خبْطَ عشواء، وفق أهواء السادة المتحكِّمين في الحزب الوطني، فهم الذين يختارون خصومهم ومنافسيهم وفق قواعد غير منطقية ولا معقولة، تُعَدُّ من قبيل الأسرار العائلية.
إذن.. فلنعمل جميعًا من أجل إصلاح الحياة السياسية أولاً، وتغيير المناخ العام قبل أن يظن البعض أن رخصة الحزب هي مفتاح دخول جنَّة السياسة، بينما قد تكون الرخصة هي الطريق والمنزلق إلى المجهول.
حول حكم القضاء الإداري في قضية الإفراج الصحي
سيعلِّق المعلِّقون بكثافة على جانب واحد في الحكم المهم، وهو عدم الإفراج عن زعيم حزب الغد د. أيمن نور، الذي أتعاطف معه جدًّا، وأرى أن أمامه خطوةٌ قانونيةٌ قد تكون في صالحه، وهي الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وإثبات أن بقاءه في محبسه يمثِّل خطورةً حقيقيةً على حياته، وهذا يقتضي جهدًا مضاعفًا قانونيًّا وطبيًّا.
أما الجانب الأهم في الحكم فهو الحكم بالإفراج الصحي عن السجين الجنائي أحمد مظلوم؛ لأنه أقر مبدأً قانونيًّا وسابقة مهمة جدًّا، إذ أيدته المحكمة الإدارية العليا.
المبدأ هو ما قالته المحكمة في نص الحكم ونقلته (الأهرام) والصحافة أن عدم الإفراج الصحي عن سجين تتهدد حياته بالخطر المحقق إذا بقي في السجن هو قرارٌ إداريٌّ سلبيٌّ، يجوز الطعن عليه أمام مجلس الدولة، وللمحكمة بدرجتَيها- القضاء الإداري والإدارية العليا- أن تقرر الإفراج الصحي عن الطاعن.
قالت المحكمة إن تأجيل تنفيذ العقوبة هو قرارٌ قضائيٌّ يدخل في اختصاصات النائب العام قبل تنفيذ المتهم المحكوم عليه العقوبة، أما بعد بدء التنفيذ فإن عدم الإفراج الصحي هو قرار إداري يدخل في اختصاصات القضاء الإداري.
هذا المبدأ يفتح بابًا مهمًّا لخروج العشرات من السجون، ممن تُهدَّد حياتهم بالخطر؛ بسبب تردي الأوضاع الصحية في السجون، وإهمال رعايتهم صحيًّا من جانب مصلحة السجون، التي تنوءُ بواجباتها، وتضع تأمين السجون قبل أي اعتبار آخر، ستطعن هيئة قضايا الدولة على الحكم أمام الإدارية العليا.. دعنا ننتظر ماذا ستقول!!
المصدر
- مقال:مع زيارة رايس وجيتس نتذكر دروس الغزو المشئوم للكويتإخوان أون لاين