ياسر عرفات
مقدمة
ياسر عرفات (24 أغسطس 1929- 11 نوفمبر 2004)، سياسي فلسطيني وأحد رموز حركة النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال. اسمه الحقيقي عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني وكنيته، عرفه الناس مبكرا باسم محمد القدوة، واشتهر بكنيته "أبو عمار".
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب في عام 1996. ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1964، وهو القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة التي أسسها مع رفاقه عام 1959.
كرس معظم أوقاته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالباً بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. قاد الكفاح الفلسطيني من عده بلدان عربية بينها الأردن ولبنان وتونس، ودخلت قوات المنظمة مع القوات الأردنية في حرب أهلية داخل المدن الأردنية، وبعد خروجه من الأردن أسس له قواعد كفاح مسلح في بيروت وجنوب لبنان، وأثناء الحرب الأهلية في لبنان إنضم إلى قوى اليسار في مواجهه قوى لبنانية يمينية.
وخرج من لبنان إلى تونس بعد أن حاصرته القوات الإسرائيلية في بيروت الغربية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. أهم تحول سياسي في مسيرته حدث عندما قبل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بعد انعقاد مؤتمر مدريد؛
وبعد قبول المنظمة بحل الدولتين دخل في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية تمخضت عن توقيع اتفاقية أوسلو والتي أرست قواعد سلطة وطنية فلسطينية في الأراضي المحتلة وفتح الطريق أمام المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على الحل الدائم. بعيد توليه السلطة، فاز مع إسحاق رابين وشمعون بيريز بجائزة نوبل للسلام عام 1994 .
بداية مشواره
ولد في القاهرة واسمه محمد ياسر عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، وكان الولد السادس لأسرة فلسطينية تتكون من سبعة أفراد، وكان والده يعمل في تجارة الأقمشة، ونسبه من جهة أمه يتفرع من عائلة الحسيني التي تعتبر من الأسر المقدسية الشهيرة التي برز بعض أفرادها في التاريخ الوطني الفلسطيني.
قضى عرفات مراحل طفولته وسني شبابه الأولى في القاهرة. توفيت والدته زهوة عندما كان في الرابعة من عمره بسبب مرض الفشل الكلوي، أرسل بعدها مع أخيه فتحي إلى القدس حيث استقرا عند أقارب لهم في حارة المغاربة، ولكن سرعان ما تم إرساله إلى أقارب أبيه عائلة القدوة في غزة
حيث مكث هناك حتى سن السادسة من عمره عندما تزوج والده بامرأة ثانية، حيث عاد إلى القاهرة وتولت أخته أنعام تربيته فيها. وأنهى تعليمه الأساسي والمتوسط في القاهرة حيث اكتسب في تلك الفترة لهجته المصرية التي لم تفارقه طوال حياته.
في سني صباة وشبابه تردد على بعض المنفيين الفلسطينيين، وأصبح مقرباً من أوساط المفتي أمين الحسيني الذي كان منفياً في القاهرة، كما تعرف في تلك الفترة على عبد القادر الحسيني ولعب مع ابنه فيصل الحسيني.
في سن السابعة عشرة قرر الدراسة في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة حالياً)، فدرس الهندسة المدنية، وفي تلك الحقبة تكتلت وتشكلت في هذه الجامعة تنظيمات [إسلامية وفلسطينية كان أشهرها الإخوان المسلمون.
بعد مقتل عبد القادر الحسيني في أبريل من عام 1948 في معركة القسطل ترك الدراسة وتطوع في إحدى فرق الإخوان المسلمون التي حاربت في غزة. وبعد دخول القوات المصرية إلى فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل تم حل المجموعات المسلحة للإخوان فعاد محبطاً إلى مصر حيث واصل دراسته في الهندسة، كما واصل نشاطه السياسي، فانتخب في عام 1952 مع صلاح خلف (أبو إياد) لرئاسة اتحاد الطلاب الفلسطينيين في القاهرة.
في حرب 1956 تجند لفترة قصيرة في الوحدة الفلسطينية العاملة ضمن القوات المسلحة المصرية برتبة رقيب، وبعد تسريحه هاجر إلى الكويت حيث عمل هناك كمهندس، وبدأ في مزاولة بعض الأعمال التجارية.اتخذ ياسر عرفات لنفسه، صورة الاب الحامل على كاهله مسؤولية القضية الفلسطينية وهمومها، لذلك كان عرفات، يعامل أبناء الشعب الفلسطيني ،معاملة أبوية.
من هنا اكتسب أبو عمار وهو اللقب الذي اختاره لنفسه بعد تأسيس حركة فتح رمزية القائد سيما أنه، كان يتمتع بكاريزما وجاذبية شخصية وكان يواضب على ارتداء الزي العسكري والتمنطق بمسدس هذا مع اعتمار الكوفية الفلسطينية بشكل شبه دائم..
لذلك حاز عرفات على شعبية جارفة، في أوساط الاطفال والشباب الفلسطينين، بما أنه كان أيضا يلاطفهم بعطف وحنان ،ولا يكف حتى عن مواساتهم وتقبيل أياديهم إذا حدث لأحدهم مكروه وعندما بدت على عرفات علائم الكبر في السن أطلق عليه الفلسطينيين لقب "الختيار".
وطوال سنوات كثيرة رفض عرفات الزواج، بدعوى تكريس وقته للثورة الفلسطينية وهمومها لدرجة أنه قيل انه كان ينام بجواربه على الرغم من ذلك، فاجأ عرفات الكثيرين، وتزوج عام 1990 بسكرتيرة مكتبه السيدة سها الطويل ،وهي سيدة مسيحية من آل الطويل الثرية.
عندما تزوج عرفات، كان يبلغ من العمر 61 عاما، بينما كانت سنها في 27 من عمرها ،وكان ثمرة هذا الزواج، أن ولدت لهم ابنة سماها عرفات زهوة، على اسم أمه. ومن الناحية الدينية واظب عرفات كمسلم على أداء الصلوات المفروضة..
ولم يبدي خلال حياته تمظهرا دينيا باستثناء استشهاده ببعض آيات القرآن الكريم في بعض خطبه وتصريحاته وذلك مرده على ما يبدو إلى رغبته بالظهور كزعيم لعموم الشعب الفلسطيني الذي يشتمل في تركيبته على أقليات دينية.
وعلى الرغم من ظهور عرفات بمظهر الرجل المتواضع والمتقشف إلا أن الكثير من اللغط أثير من قبل أوساط إسرائيلية وغربية حول ثروته وأرصدته في البنوك مع ذلك يُعتقد أن معظم هذه الاموال كان من اموال الدول المانحة التي كان يستخدمها في مصاريف تخص السلطة.وعندما توفي عرفات أوصى بأن تعطى زوجته سها الطويل التي كانت قد غادرت قطاع غزة لتعيش في الخارج حصة من هذه الاموال.
تأسيس حركة فتح
في الكويت أتى له ولبعض المغتربين الفلسطينيين بعد دراسة الحال التي وصلت إليها القضية الفلسطينية إلى تأسيس حركة تحرر وطني فلسطيني جديدة، وحيث قام في 10 أكتوبر 1959 مع خليل الوزير وصلاح خلف وخالد الحسن وفاروق القدومي بتأسيس حركة سميت بحركة فتح وهي اختصار لكلمات حركة تحرير فلسطين بشكل مقلوب.
وفي البداية اعتمدت الحركة في تمويلها على مقتطعات من رواتب المغتربين الفلسطينيين، وفي هذه الأثناء في عام 1964 أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري، وفي تلك الفترة كانت منظمة التحرير الفلسطينية واقعة تحت سيطرة وتجاذبات بعض الدول العربية من بينها مصر والأردن
لذلك نظر إليها في ذلك الوقت ككيان لا يحقق طموحات الشعب الفلسطيني، وآثر ما يعرف بسياسة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي يشكل أحد مبادئ الحركة، مما تسبب في وقوع الحركة في تجاذبات مع بعض النظم العربية، وتم سجنه مع بعض قيادات فتح في سوريا.
وفي تلك الحقبة أرسى مع قيادات حركة فتح سياسة تعتمد على البدء بمقاومة مسلحة ضد إسرائيل، وفي نفس الوقت قام بتجنيد الرأي العام العربي لصالح القضية الفلسطينية. كما بعث روح الكفاح والمقاومة والاعتماد على الذات بين صفوف الشعب الفلسطيني..
فمن شعب مشرد في المنافي يستجدي رغيفه من الوكالات الدولية تحول إلى شعب محارب يأخذ مصيره على عاتقه، وكان لهذه السياسة تاثير كبير على وعي الشعب الفلسطيني وعلى تشكيل هويته الوطنية.
وفي 1 يناير 1965 بدأت العمليات المسلحة لحركة فتح، حيث تمت محاولة تفجير نفق عيلبون. وبعد ذلك سرعان ما إندلعت حرب 1967 التي كان لنتائجها تأثير كبير على الثورة الفلسطينية بعد الهزيمة المرة التي أدت في المحصلة إلى احتلال إسرائيل لرقعة واسعة من الأراضي العربية ومن ضمنها الضفة الغربية وقطاع غزة مما قضى على بقية الأمل لدى الفلسطينيين من إمكانية تحرير فلسطين وإعادة المهجرين بواسطة القوة العسكرية للجيوش العربية.
ورسخت الهزيمة في ذهنية الشعب الفلسطيني وفي ذهنيته صحوة نضالية تقتضي بضرورة الاعتماد على الذات لتحرير الأرض، حيث سنحت له الفرصة بالتسلل عبر الأراضي الأردنية إلى الأراضي المحتلة بعد اسبوع من الهزيمة متخفياً تحت أسماء ومهن مستعارة،حيث قام بالاتصال برجال المقاومة وحاول ترتيب أوضاعها.
الانتقال إلى الأردن
بعد الصعوبة التي واجهتها حركة فتح في المقاومة من الأراضي المحتلة، بدأت الحركة بتأسيس قواعدها على خطوط التماس المواجهه للضفة الغربية بموافقة الأردن، فأقام معسكرات تدريب ومقر قيادة في قرية الكرامة في منطقة غور الأردن.
في عام 1968 حاول الجيش الإسرائيلي العبور واجتياز الأراضي الأردنية وتحطيم مراكز المقاومة التي كانت آخذة في التشكل، وعندما علم قبيل ذلك بنية الجيش الإسرائيلي توجيه ضربة لقواته رفض الانسحاب وأمر قواته بالبقاء على الرغم من انسحاب بعض التنظيمات الفلسطينية، فتصدت قواته التي كانت مدعومة من مدفعية القوات الأردنيةللقوات الإسرائيلية ودخلت معها في معركة شرسة عرفت باسم معركة الكرامة انتهت بإجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب تاركة ورائها العتاد والقتلى.
كانت معركة الكرامة قفزة كبيرة بالنسبة له على صعيد المقاومة، إذ أعلن عن انتصار المقاومة ومحو عار هزيمة 1967، حيث بدأت تتوافد في تلك الفترة جموع المتطوعين الفلسطينيين وانضم لحركة فتح الآلاف، وأصبحت الحركة الأكبر من بين التنظيمات الفلسطينية، كما شجع ذلك بعض التنظيمات الفلسطينية على القدوم إلى الأردن.
المقاومة في الأردن
في 3 فبراير 1969 انتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأصبح بذلك القائد الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية،التي كانت تضم عدة تنظيمات فلسطينية، واستمر بتولي هذا المنصب حتى وفاته.
وبعد توليه المنصب أرسى عرفات تطبيق سياسة المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين، وفي هذا الإطار قامت حركة فتح بسلسلة من الأعمال المسلحة ضد أهداف إسرائيلية تهدف إلى إنهاء دولة إسرائيل واقامة دولة فلسطينية علمانية يعيش فيها جميع أهل فلسطين بمختلف دياناتهم وطوائفهم متساوون في الحقوق والواجبات؛
وفي هذه الأثناء ،وقعت الأردن تحت طائلة الضغوط من بعض الدول العربية من جهة التي كانت تطالبها بتوفير كل دعم ممكن للمقاومين الفلسطينيين، ومن جهة أخرى أصبحت الأردن تمتلئ بتنظيمات فلسطينية صغيرة تمارس السلطة بدل السلطة الأردنية، وهي بذلك تخرق بشكل سافر السيادة الأردنية وتشكل دولة داخل دولة.
وفي سبتمبر من عام 1970 بدأت تتصاعد المواجهة بين التنظيمات الفلسطينية والسلطات الأردنية، مع العلم أن هذا التوتر كان قد بدأ بالفعل منذ عام 1969، وكان الصراع قد بدأ بمناوشات خفيفة بين الفلسطينيين والدرك الأردني؛
لكن الأمر تصاعد مع الزمن وبدأت تزداد حدة المواجهة بين الطرفين، ولم تفلح كل الجهود والوساطات التي بذلت سواء من جانب دول عربية أو من جانبه، إلى أن إتخذت المواجهة بين التنظيمات الفلسطينية والسلطات الأردنية منحنى خطير بعد أن جرت محاولة اغتيال فاشلة لملك الأردن الحسين بن طلال، وكذلك في نفس الشهر تم اختطاف طائرتي ركاب وتم اجبارهما على الهبوط في الأراضي الأردنية.
وهذه الأحداث جعلت الملك الأردني أكثر تصميماً على وضع حد لتدهور سيادة الأردن على أراضيه . فبدأ الجيش الأردني عملياته ضد التنظيمات الفلسطينية بقصف مكثف على القواعد العسكرية الفلسطينية خصوصا في منطقة إربد، لكن القصف والمواجهة سرعان ما توسع ليشمل معظم الأراضي الأردنية، وخلال هذه المواجهات إرتكبت مجازر وقتل آلاف الفلسطينيين وهو ما يعرف باسم أحداث أيلول الأسود. وفي عام 1971 غادرت المقاومة الفلسطينية برئاسته إلى لبنان لتبحث لها عن موطئ قدم آخر للمقاومة.
قبل تاسيس حركة فتح ومنذ العام 1958 كان ياسر عرفات قد تجول في فلسطين مع أحد أقدم مؤسسى الثورة وهو محمود على أبوبكر من جنين الذي عاصر فترة عام ال48 وكان من المقاتلين القدامى وقد ساهم بشكل كبير في بداية تاسيس الثورة على تنظيم الخلايا العسكرية في الضفه الغربية وتجول مع ياسر عرفات في معظم مناطق الضفه والداخل وكان معهم أبو الاسمر من قرية الطيبة.
فترة لبنان
خرج من الأردن بالسر، وبدأت قوى المقاومة التي كان قد تم طردها من المدن الأردنية إلى أحراش جرش في الانتقال إلى لبنان بموجب اتفاقية مسبقة مع الحكومة اللبنانية أشرف عليها الرئيس المصري جمال عبد الناصر؛
وتم تأسيس مقر قيادة في بيروت الغربية وقواعد مقاومة في الجنوب اللبناني في المنطقة التي عرفت باسم فتح لاند وبدأ رجال المنظمة بالفعل بشن عمليات مسلحة ضد إسرائيل، لكن سرعان ما اندلعت حرب أهلية لبنانية طاحنة، وجدت المنظمة نفسها متورطة فيها كطرف من حين لآخر؛
لا سيما أن قوى وطنية من الموارنة عارضت التواجد الفلسطيني، وعلى الرغم من محاولاته مع بعض الزعامات الفلسطينية استيعاب ما حدث في الأردن والتركيز على المقاومة إلا أن دخول المقاومة لدوامة الحرب والعنف كان أمر من الصعب تجنبه في ظل حالة الاستقطاب التي كانت سائدة بين يسار مرحب بالفلسطينيين ويمين معادي لهم؛
لكن اللافت أكثر في الحقبة اللبنانية هي حدوث تحول في مواقفه والمنظمة من دمج العمل المقاوم مع النشاط السياسي، ففي عام 1974 تم قبول خطة المراحل والتي ظاهرياً لم تتخلى عن الهدف المعلن وهو القضاء على دولة إسرائيل بل أعلنت أن المنظمة مستعدة لاقامة دولة فلسطينية على أية أراضي فلسطينية يتم تحريرها.
وبهذه الروحية توجه بخطاب شهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 1974 أشهره عبارته الرمزية الموجهة لإسرائيل عندما قال أن المسدس في يدي وغصن الزيتون في اليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي؛
كذلك رفض خطة تقسيم فلسطين والتي أقرتها الأمم المتحدة، وضرب مثلاً على قرارالتقسيم بالمرأتين اللتين تنازعتا على طفل عند الملك سليمان وشبه موقفه، بموقف المرأة التي رفضت تقسيم ابنها بحسب ما أمر به سليمان لاستجلاء الحقيقة. كذلك أوضح في خطابه عدم عداءه لليهود إنما هو يعادي الصهيونية.
وعندما أبرمت مصر بقيادة محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد عارض هذه الاتفاقية والتي كانت تحتوي بنود تعطي الشعب الفلسطيني الحق في إقامة حكم ذاتي داخل الأراضي الفلسطينية.
وكان تواجد المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان بمثابة الشوكة التي تقض مهجع إسرائيل، ولهذا سارعت إسرائيل بإرسال قواتها لاجتياح جنوب لبنان إثر عملية فلسطينية مسلحة على الطريق الساحلي داخل إسرائيل.
هذه العملية سماها الإسرائيليين عملية الليطاني وتم خلالها قصف كثير من مراكز المقاومة الفلسطينية، وبطلب من لبنان تدخلت الأمم المتحدة وأرسلت قوات اليونيفيل للانتشار جنوب النهر، وبعد ذلك أكملت إسرائيل انسحابها من لبنان، لكن الحرب والعمليات العسكرية استمرت في تلك المنطقة لتصل إلى الذروة، باجتياح إسرائيل شبه الشامل للبنان.
اجتياح لبنان 1982
في 6 يونيو 1982 بدأت القوات الإسرائيلية هجومها بقصف مركز على المناطق الساحلية في الجنوب، وبدأت قواتها في الاندفاع ،عبر المنطقة التي كانت تنتشر فيها قوات الأمم المتحدة، وقد أعلن وزير الدفاع الأسرائيلي أرئيل شارون أن هدف القوات الإسرائيلية التوغل 30 كيلو متر، بهدف إبعاد خطر الصواريخ الفلسطينية؛
وقد تصدى الفلسطينيين للقوات الإسرائيلية بما يحملونه من عتاد وأسلحة خفيفة بأسلوب حرب العصابات، وقد لاقت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة في قلعة شقيف، لكن التقدم الإسرائيلي استمر، وبعد إيام سقطت صيدا والدامور وتقدم الجيش الإسرائيلي حتى وصل إلى طريق دمشق-بيروت.
وفي 9 يونيو وصلت القوات الإسرائيلية إلى مشارف بيروت وقامت بتطويق بيروت الغربية بما في ذلك القيادة الفلسطينية برئيسها ياسر عرفات، لكنها لم تجرؤ على التقدم أكثر، فقد إستطاعت القوات المشتركة والمقاومة الفلسطينية بزعامته من الصمود أمام جيش حديث مدجج بأحدث الأسلحة البرية والبحرية والجوية.
لكن تواصل القصف الذي لم يعرف له مثيل أجبر القيادة الفلسطينية على التفاوض للخروج نهائياً من لبنان، حيث أبرم اتفاق تخرج بموجبه المقاومة الفلسطينية تحت الحماية الدولية من لبنان، مع ضمان أمن العائلات الفلسطينية.
وقد غادر عرفات بيروت بسفينة فرنسية مع كثير من جنوده، كما غادر على سفن أخرى آلاف المقاتلين الذين تم توزيعهم في شتى البلدان العربية. وقد اتجه عرفات إلى تونس التي كانت قد أعلنت موافتها على استضافة القيادة الفلسطينية، وأسس فيها مقر القيادة الفلسطينية.
اتفاقيات أوسلو
بعد الخروج من لبنان ،ركز ياسر عرفات جهوده على العمل السياسي ،الذي يبرع فيه.فكانت ذروة هذا العمل السياسي إعلان الاستقلال الفلسطيني وذالك سنة 1998 من قبل المجلس الوطني الفلسطيني والقاء ياسر عرفات خطاب في 13 ديسمبر أمام الجمعية العامة في جنيف والتي نقلت مقرها إلى جنيف بشكل مؤقت بسبب رفض الحكومة الأمريكية ،منحه تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة.
كذلك أطلق ياسر عرفات مبادرته للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، والتي كان قد أقرها المجلس الوطني الفلسطيني ،والتي تعتمد اقامة دولة فلسطينية في الاراض التي احتلت 1967 تعيش جنبا إلى جنب ،مع دولة إسرائيل، وبناء عليه فتحت الإدارة الأمريكية، برءاسة رونالد ريغان حوارا مع منظمة التحرير الفلسطينية.
نظرت إسرائيل بكثير من التوجس والقلق ،إلى السياسة البراجماتية التي اتبعها عرفات ،والتي كانت في محصلتها، محو آثار العمليات التي قامت بها بعض التنظيمات الفلسطينية في أوائل السبعينات والتي لاقت في حينه استنكار عالمي ووصفت بالارهابية .
وحصول المنظمة على مقعد مراقب في الأمم المتحدة، واعتراف كثير من المحافل الدولية بمنظمة التحرير الفلسطينية ،ودولة فلسطين التي كانت قد اعلن عن قيامها من الجزائر ،على الرغم من أن ذلك كان على الورق.
مع ذلك استمرت إسرائيل في التعامل مع المنظمة كعدو وقامت قوات كوماندوز إسرائيلية باغتيال خليل الوزير مساعد عرفات والرجل الثاني في المنظمة قبيل هذا الاعلان بأشهر.كذلك رفضت حضور المنظمة كممثل للشعب الفلسطيني في مؤتمر مدريدفي نهاية 1991.
لكن إسرائيل اضطرت في نهاية الامر، وبسبب الضغوطات الدولية إلى التعامل مع المنظمة، وعلى ذلك ،عندما تغير الحكم في إسرائيل ،انخرطت إسرائيل ومنظمة التحرير ،في مفاوضات سرية ،أسفرت عام 1993 عن الاعلان عن اتفاقيات أوسلو حيث قام ياسر عرفات ،بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالاعتراف رسميا بإسرائيل ،في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين،في المقابل ،اعترفت إسرائيل، بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
ولكن قبل ذلك، حدث لعرفات حادث، في أبريل من عام 1992 عندما تحطمت الطائرة التي كان يستقلها ،في الصحراء الليبية قتل خلال الحادث ثلاثة من مرافقي عرفات ،لكن عرفات نجا من الحادث ،فبشهادة من كانوا معه أشار عليه أحد الطيارين، بأن المكان الآمن في الطائرة هو مؤخر الطائرة ،فتوجه عرفات إلى مؤخر الطائرة ،وقام مرافقوه بالاحاطة به وضمه بالبطانيات والحشايا، وهكذا نجا عرفات ،لكنه اصيب بارتجاج في المخ ،أدى إلى اصابته برجفة خفيفة في شفتيه لم تفارقه حتى مماته.
في عام 1991 تم اغتيال الرجل الثالث في منظمة التحرير صلاح خلف أبو اياد حيث تم توجيه اصبع الاتهام إلى قوى راديكالية فلسطينية يقودها صبري البنا ولكن بعض الاعضاء في حركة فتح يعتقدون أن غيابة عن الساحة السياسية كان يصب في مصلحة عرفات .
عرفات رئيس السلطة الفلسطينية
في اطار اتفاقيات أوسلو تم اقامة سلطة وطنية فلسطينية ،مرحلية مؤقتة ،لحين البدء ،في مفاوضات الحل النهائي ،والوصول لحل الدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967.وفي 1 تموز 1994 عاد ياسر عرفات ،مع أفراد القيادة الفلسطينية ،إلى الاراضي التي اعلنت عليها السطة ،وهي (أجزاء من الضفة وقطاع غزة) وقد التزم عرفات خلال ذلك، بإيقاف الاعمال المسلحة ضد إسرائيل ونبذ الارهاب.
بعد اتفاقيات أوسلو ،أثر الهدوء النسبي الذي ساد، فاز عرفات واسحق رابين وشمعون بيرس بجائزة نوبل للسلام.ولم يلبث عرفات ،أن انتخب رسميا كرئيس فلسطيني للسلطة الفلسطينية، في انتخابات كانت مراقبة من قبل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر فاز عرفات بنسبة88% من الاصوات .
ومع انه اتخذ لنفسه لقب الرئيس الفلسطيني ،الا انه بقي يشار اليه من قبل المحافل الغربية بلقب تشيرمان عرفات (كلمة ليست بدرجة رئيس).في شهر يوليو من عام 2000 التقى ياسر عرفات ،مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود براك في كامب ديفد ،تحت غطاء واشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.
في ذلك اللقاء، كان لدى الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي طموح يرتقي في سقفه إلى توقيع اتفاقية حل نهائي، ينهي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.لكن عرفات خيب ظن الأمريكيين والإسرائيليين ورفض التوقيع على الحل المطروح ،الذي اعتبره عرفات منقوصا ،ولا يلبي من وجهة نظره السقف الذي يطمح له الفلسطينيين وهو اراضي عام 1967 بما فيها، القدس الشرقية.
أما إسرائيل فقد اعتبرت انها قدمت في هذه المباحثات ،أقصى ما يمكنها تقديمه ،وألقت باللائمة على ياسر عرفات ،ووافقتها الإدارة الأمريكية على ذلك.من هنا بدأت حالة من الشد والجذب وحتى العداء بين إسرائيل وياسر عرفات على الرغم من المحاولات اللاحقة في لقاء طابا للتوصل إلى اتفاق.
وقد توافق ذلك ،مع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية (الانتفاضة الثانية) التي كانت قد بدأت بالفعل قبل لقاء طابا وقد اتهمت إسرائيل ياسر عرفات ،بالتحريض على أعمال العنف من طرف خفي أو بشكل موارب وأحيانا في العلن ،سيما شعاره الذي كان يرفعه للمطالبة بالقدس الشرقية (عل القدس رايحيين شهداااء بالملاييين).
وعلى الرغم من تمتع عرفات بشعبية واسعة لدى الفلسطينيين سيما في عقد الثمانينات بعيد الحرب على لبنان، وأثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى إلا أن شعبية عرفات قد تدنت أثناء رئاسته للسلطة حيث وجهت للسلطة وبعض أقطابها اتنقادات تتعلق بالفساد وسوء الإدارة الأمنية والمالية والمدنية والمؤسساتية في إدارة شؤون الفلسطينيين داخل أراضي السلطة .
في المقابل حركة حماس التي عارضت اتفاقية اوسلو بدأت شعبيتها في تلك الفترة في الصعود خصوصا في قطاع غزة بسبب شعور الكثير من الفلسطينيين بالاحباط مما وصلت اليه أوضاعهم الأمنية والمعيشية من سوء.
عرفات تحت الحصار في مقره برام الله
بعد مباحاثات كامب ديفد وطابا بدأت الدوائر الأمريكية وأوساط من الحكومة الإسرائيلية وبعض السياسيين الإسرائيليين بالقول أن ياسر عرفات لم يعد يعتد به بمعنى عدم جدوى التفاوض معه في هذه الأثناء أزداد العنف والعنف المضاد وارتكبت عدة عمليات فدائية أسفرت عن مقتل كثير من الإسرائيليين وعلى الرغم من شجب عرفات واستنكاره الواضح لهذه الأعمال بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون الذي كان على عداء مرير مع ياسر عرفات ولا يثق به ويرفض مقابلته بتحميله مسؤولية مايحدث.
في هذه الاجواء قامت إسرائيل بمنعه من مغادرة رام الله لذلك لم يحضر عرفات مؤتمر القمة العربية في بيروت في 26 مارس 2002 خشية ألا يسمح له بالعودة إذا غادر الاراضي الفلسطينية وفي 29 مارس من نفس السنة حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية؛
وهكذا بدأت حالة من المناوشات التي يقتحم خلالها الجيش الإسرائيلي ويطلق النار هنا ويثقب الجدار هناك بينما كان عرفات صامدا في مقره متمسكا بمواقفه في تلك الفترة بدأ يتقاطر عليه في مقره بالمقاطعة مئات المتضامنين الدوليين المتعاطفين معه.
كذلك تعرض عرفات من قبل الإدارة الأمريكية وإسرائيل لحملة لاقصائه عن السلطة أو ابعاده عن مركز القرار فيها بدعوى تحميله مسؤولية ما وصلت اليه الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية من تدهور ففي يوم24 مايو 2002 طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش تشكيل قيادة فلسطينية جديدة وبسبب الضغط الدولي وانسداد الافق السياسي إضطر عرفات للتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عباس ولكن عباس سرعان ما استقال وتولى المنصب أحمد قريع.قال ياسر عرفات
تدهور صحته ووفاته
في يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أصيب عرفات كما أعلن أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادثة طائرة، ومرض جلدي (فتيليغو)، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ تشرين الأول أكتوبر 2003.
وفي السنة الأخيرة من حياته تم تشخيص جرح في المعدة وحصى في كيس المرارة، وعانى ضعفاً عاماً وتقلباً في المزاج، فعانى من تدهور نفسي وضعف جسماني.
تدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني عرفات تدهوراً سريعاً في نهاية تشرين الأول أكتوبر 2004، قامت على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004.
وظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوباً بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به. وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الانباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا وسط نفي لتلك الأنباء من قبل مسؤولين فلسطينيين، وقد أعلن التلفزيون الإسرائيلي في 4 نوفمبر 2004 نبأ موت الرئيس عرفات سريرياً وأن أجهزة عرفات الحيوية تعمل عن طريق الأجهزة الإلكترونية لا عن طريق الدماغ.
وبعد مرور عدة أيام من النفي والتأكيد على الخبر من مختلف وسائل الإعلام، تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر تشرين الثاني 2004. وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبه عرفات قبل وفاته.
موت طبيعي أم اغتيال
تضاربت الأقوال كثيرا في وفاة ياسر عرفات، ؟إذ يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب بأن وفاته كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، فيقول طبيبه الخاص الدكتور أشرف الكردي أن إمكانية تسميمه.
هذا مع العلم أن أن الأطباء الفرنسيين بحثوا عن سموم في جثة عرفات بعد مماته في باريس، وبحسب التقرير الطبي الفرنسي فقد وردت به أنه بعد الفحوصات الطبية الشاملة التي كانت سلبية بما فيها دخول سموم للجسم .
كذلك رجح بعض الاطباء من عاينوا فحوصاته الطبية ومنهم الاطباء التونسيين واطباء مستشفى بيرس المتخصصون بأمراض الدم ان يكون عرفات مصابا بمرض تفكك صفائح الدم وتجدر الإشارة أن زوجة الرئيس الفلسطيني السيدة سها عرفات هي المخولة الوحيدة بحسب القانون الفرنسي بالافصاح عن المعلومات الطبية التي وردتها من مستشفى بيرسي والاطباء الفرنسيين وهي لا زالت ترفض إعطاء اية معلومات لاية جهة حول هذا الموضوع. ربما دخل السم عن طريق الشمعه التي استعملها وقت الحصار
ياسر عرفات في السياسة العربية
تبنت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات سياسة استقلال القرار الفلسطيني ،وكسب التعاطف العربي والدولي مع القضية الفلسطينية ،والوقوف بخط متوازي، من الدول العربية والإسلامية ،في المقابل الدول العربية بشكل رسمي ،كانت تعلن ،دعمها الكامل للشعب الفلسطيني.على الرغم من ذلك، كان لياسر عرفات في حياته، محطات من الخلافات والعداءات، بينه وبين بعض الأنظمة، والتينظيمات المدعومة من قبلها، وصلت حد الدخول معه في معارك وحروب دامية.
في بداية انطلاقة حركة فتح ،تبنى جمال عبد الناصر الحركة الوليدة ،وقدم لها كل دعم ممكن وقد ربطت ياسر عرفات علاقات متينة مع عبد الناصر ،وعندما نشبت الحرب بين التنظيمات الفلسطينية ،والجيش الأردني قام عبد الناصر بعقد الوساطات، لحل النزاع بين الطرفين في هذه الأثناء ،ضيق الملك الحسين الخناق العسكري على عرفات ،ومنعه من الخروج من الأردن..
لكن عرفات ،استطاع الخروج بمساعدة مصرية وسودانية ،على الرغم من القصف الذي كاد أن يقتل فيه، وظهر فجأة في القاهرة لحضور مؤتمر القمة، الذي عقد عام 1970 وسط دهشة واستغراب من الملك حسين ،الذي كان حاضرا في تلك القمة .
وعندما توفي جمال عبد الناصر حزن علية عرفات، لدرجة ان وجهه امتقع وتغير لونه . في الساحة اللبنانية ،استعر أوار الحرب الاهلية تحت مختلف المسميات السياسية والطائفية ،وبدأت تعبث بلبنان قوى خارجية ،ووجد ياسر عرفات نفسه متعاطفا مع قوى اليسار اللبناني؛
وأخذت قوة المنظمة في التنامي في لبنان ،وقد جلب هذا مع عداء بعض القوى الوطنية للتوجد الفلسطيني وتمسك عرفات باستقلال القرار الفلسطيني ،وعداء سوريا لعرفات التي كانت تخشى على نفوذها في لبنان الوبال على المنظمة وقواتها؛
وقد توافق ذلك مع إرسال قوات عربية في يوليو عام 1976، سميت بقوات الردع العربية كان على رأسها القوات السورية وكان غرضها كبح جماح الحرب الاهلية في تلك الفترة خاض عرفات ضد قوى لبنانية وأخرى فلسطينية معارضة ،كانت مدعومة من سوريا برئاسة حافظ الاسد ،حروبا طاحنة على الأرض اللبنانية، بدأت بمذبحة تل الزعتر التي ارتكبتها قوى يمينية لبنانية، ومن ثم الحرب التي شنتها فتح الانتفاضة لطرد القوات الموالية لعرفات من طرابلس والبقاع ،وأخيرا حرب المخيمات.
كذلك وقف عرفات على عداء مع النظام المصري في عهد السادات ،بعد أن اعلن السادات في البرلمان وأمام ياسر عرفات ،عن استعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي ،للتفاوض مع الإسرائيليين ،هذا الخطاب احدث شرخ في العالم العربي؛
وكان ياسر عرفات من ضمن المعارضين لاتفاقيات كامب ديفد التي تمخضت فيما بعد ،وعندما خرج أبو عمار من لبنان ،وعند مرور سفينته من قناة السويس نزل عرفات إلى الاراضي المصرية واستقبله الرئيس المصري حسني مبارك وهو بذلك، يكون قد فتح فصلا جديدا من العلاقات مع مصر، التي عانت من المقاطعة العربية على أثر ،توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.
في عام 1990 عندما غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت ،حدث شرخ في السياسة العربية ،شبيه بما أحدثه خطاب السادات ،و اتخذ عرفات موقفا مؤيدا لصدام حسين ،في حرب الخليج الأولى ،وهو الموقف ،الذي جعل المنظمة، تخسر كثيرأعلى الصعيد العربي والدولي، وتعتذر عنه للحكومة والشعب الكويتي ،بعد وفاة ياسر عرفات.
إجمالا في هذا الباب يمكن القول ان السياسة العربية عموما تعاطت بشكل ايجابي مع القضية الفلسطينية سيما بعد خروج ياسر عرفات من لبنان فمكن ذلك ياسر عرفات من عقد سلسلة من المؤتمرات والخطابات والقرارات التي ايدتها الدول العربية وان كان ذلك بتحفظ البعض منها
ياسر عرفات والإسرائيليين
إعتبرت إسرائيل ياسر عرفات عدوا لدودا سيما بعد تطاير صيته كقائد فلسطيني على المستوى العالمي في أعقاب معركة الكرامة .وقد قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة عرفات لمدة عشرة أسابيع في بيروت الغربية ظل خلالاها عرفات يقاتل مع قواته بشجاعة وبروح معنوية عالية وفي تشرين الأول من عام 1985 تعرض مقر عرفات في تونس للقصف الإسرائيلي ونجا عرفات لانه خرج من مكتبه قبيل حدوث الغارة بوقت قليل .
بعد قبول عرفات بفكرة الدولتين وقرار 242 وبدء محادثات السلام بين إسرائيل والمنظمة بدأ الكثير من الإسرائيليين يبدون اهتمامهم بعرفات سيما السياسيين والباحثين الاكاديميين وغيرهم البعض منهم ينطلق من معاداته والتشكيك في توجهاته نحو السلام والبعض الآخر ينطلق من توجهات يسارية ترى في عرفات شريك جيد لارساء السلام في الشرق الأوسط وخلال ذلك كتب الإسرائيليين أعداد لا تحصى من المقالات والكثير من الكتب التي تتناول حياة ياسر عرفات وتبحث في نواياه السياسية وخبايا شخصيته ،وطباعه.
كذلك وجد عرفات له بعض المؤيدين المتحمسين من اوساط الإسرائيليين فالصحفي أوري أفنيري قام بالدخول على بيروت الغربية ومقابلة عرفات أثناء الحصار وقد الف كتابا بعنوان (عدوي أخي) أبدى فيه تأييده للطروحات السياسية لعرفات .
كذلك بدا عرفات غريبا في تصريحاته السياسية أحيانا من وجهة نظر الإسرائيليين بعد اتفاقيات أوسلو خصوصا حينما أخرج في أحد التصريحات قطعة نقدية إسرائيلية وقال ان ما هو مصبوب على ارضيتها ما هي الا خريطة إسرائيل الكبرى.كذلك تسلل عرفات للحياة الثقافية والادبية للإسرائيليين عبر الكثير من البرامج التلفزيونية الكوميدية ومجلات الفكاهة والكاريكاتور .
ياسر عرفات في السياسة الدولية
أصبح ياسر عرفات سياسي معروف على مستوى العالم في نهاية الستينات وبداية السبعينات سيما بعد أن اجرت معه مجلة التايم سلسلة من اللقاءات الصحفية أثر معركة الكرامة.وعندما ألقى خطابه أمام الجمعية العامة للامم المتحدة لم يقتصر عرفات في خطابه على الحديث عن القضية الفلسطينية وانما تعداه إلى الحديث عن الشعوب الأخرى الواقعة تحت الاحتلال معلنا دعمه لها ولحركات التحرر التي تمثلها فأضفى بذلك على نفسه صفة الثوري العالمي.
في أواخر الستينات وخلال السبعينات كانت الغرب ينظر لعرفات كقائد لحركة ارهابية وليس حركة تحرر ولكن عرفات شأنه في ذلك شأن كثير من زعماء ما كان يعرف في تلك الحقبة ببلدان العالم الثالث استفاد من حالة الحرب الباردة والصراع بين الشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي والغرب بزعامة الولايات المتحدة فوطد عرفات علاقات المنظمة مع بعض البلدان الشرقية مثل ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا على صعيد العسكري والسياسي.
بعد انهيار الشيوعية أصبحت الويات المتحدة هي البلد المؤثر على سياسات كثير من دول الشرق الأوسط وفي تلك الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وبعد الموقف الذي اتخذه عرفات من حرب الخليج الأولى تعرضت المنظمة لحالة من العزلة السياسية من بعض البلدان الغربية والبلدان العربية سيما بلدان الخليج؛
وبدأت المنظمة تعاني أزمة مالية خانقة على الرغم من ذلك لم تنل تلك الازمة من نشاط عرفات على الصعيد طرح القضية الفلسطينية على الصعد المؤتمرات الدولية سيما البلدان الغربية التي تبدي تعاطف مع القضية الفلسطينية مثل فرنسا وإيطاليا واليونان
حياة ياسر عرفات الشخصية
اتخذ ياسر عرفات لنفسه، صورة الاب الحامل على كاهله مسؤولية القضية الفلسطينية وهمومها، لذلك كان عرفات، يعامل أبناء الشعب الفلسطيني ،معاملة أبوية. من هنا اكتسب أبو عمار وهو اللقب الذي اختاره لنفسه بعد تأسيس حركة فتح رمزية القائد؛
سيما أنه، كان يتمتع بكاريزما وجاذبية شخصية وكان يواضب على ارتداء الزي العسكري والتمنطق بمسدس هذا مع اعتمار الكوفية الفلسطينية بشكل شبه دائم، لذلك حاز عرفات على شعبية جارفة، في أوساط الاطفال والشباب الفلسطينين، بما أنه كان أيضا يلاطفهم بعطف وحنان ،ولا ينكف حتى عن مواساتهم وتقبيل أياديهم إذا حدث لأحدهم مكروه وعندما بدت على عرفات علائم الكبر في السن أطلق عليه الفلسطينيين لقب "الختيار".
وطوال سنوات كثيرة رفض عرفات الزواج، بدعوى تكريس وقته للثورة الفلسطينية وهمومها لدرجة أنه قيل انه كان ينام بجواربه .على الرغم من ذلك، فاجأ عرفات الكثيرين، وتزوج عام 1990 بسكرتيرة مكتبه السيدة سها الطويل ،وهي سيدة مسيحية من آل الطويل الثرية.
عندما تزوج عرفات، كان يبلغ من العمر 61 عاما، بينما كانت سها في 27 من عمرها ،وكان ثمرة هذا الزواج، أن ولدت لهم ابنة سماها عرفات زهوة، على اسم أمه ومن الناحية الدينية واظب عرفات كمسلم على أداء الصلوات المفروضة..
ولم يبدي خلال حياته تمظهرا دينيا باستثناء استشهاده ببعض آيات القرآن الكريم في بعض خطبه وتصريحاته وذلك مرده على ما يبدو إلى رغبته بالظهور كزعيم لعموم الشعب الفلسطيني الذي يشتمل في تركيبته على أقليات دينية.
وعلى الرغم من ظهور عرفات بمظهر الرجل المتواضع والمتقشف إلا أن الكثير من اللغط أثير من قبل أوساط إسرائيلية وغربية حول ثروته وأرصدته في البنوك مع ذلك يُعتقد أن معظم هذه الاموال كان من اموال الدول المانحة التي كان يستخدمها في مصاريف تخص السلطة.
وعندما توفي عرفات أوصى بأن تعطى زوجته سها الطويل التي كانت قد غادرت قطاع غزة لتعيش في الخارج حصة من هذه الاموال.
يتواجد اليوم، قبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في رام الله على الرغم من رغبته في أن يدفن في القدس،وهو اليوم مزار ،لكثير من الفلسطينيين والاجانب ،الذين احبو عرفات خلال حياته وسحرو بشخصيته، ولكثير من ضيوف السلطة الوطنية الفلسطينية، من الزعماء الذين يبدون رغبتهم بزيارة قبر الراحل عرفات. مقالات ذات صلة
المراجع
- مصطفى حميدو "ياسر عرفات ...الثائر الغامض" موقع الحوار المتمدن
- (مبادئ وأهداف وأسلوب حركة فتح)
- عرفات زارع الفوضى في حقل السياسة الشرق الأوسط
- الدور الفلسطيني في الحرب الأهلية اللبنانية موقع المقاتل
- مستشفى بيرسي الأشهر في علاج أمراض الدم موقع الجزيرة نت
- مقال من BBC موقع BBC
- الموقع الرسمي للرئيس ياسر عرفات
- نظرة للوراء على حياة ياسر عرفات مجلة التايم
- سيرة عرفات موقع جائزة نوبل
- عرفات يفتقر إلى الاستراتيجية ويعتمد على مجموعة محدودة من المستشارين العائدين من تونس "الشرق الأوسط"
- الدور الفلسطيني في الحرب الاهلية في لبنان موقع المقاتل
- خطاب الاستقلال الفلسطيني في الجزائر على موقع «يوتيوب»
- ما هي خارطة الطريق بي بي سي موقع البي بي سي
- كلوفيس مقصود أقوال عن عرفات الشرق الأوسط
- لقاء مع قائد قوات الردع موقع مجلة عربيات الدولية
- حماس اتفاقيات اوسلو موقع مفكرة الإسلام
- خطاب ياسر عرفات امام الجمعية العامة للامم المتحدة في 13/11/1974 موقع مؤسسة ياسر عرفات
المصدر
- مقال ياسر عرفات موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة