هذا البراء فأين الولاء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

لا أدري لماذا أشعر كثيراً بأننا شطرنا تلك القضية في واقعنا الإسلامي إلي شطرين أحدهما فاعل حي والثاني خامل ضامر، أعني بذلك أن مسائل الولاء لم تحظ - دعوياً وعلمياَ بذلك الاهتمام التي نالته مسائل البراء بل تكاد قضايا الولاء الشرعي للمؤمنين بأحكامه ومسائله تذوب وتتواري خلف قضايا البراء الشرعية من الكافرين مع أن هذه لا تقل أهمية عن تلك ولهذا اقترنت هذه دائماَ بتلك، فهل السبب في ذلك هو أن الأعداء أفلحوا في إحياء مشاعرنا في البراء منهم بكثرة اعتدائهم وكشفهم عن أحقادهم ؟


الحقيقية وسط ذلك هي أن البراء بلا ولاء لن يجدي كثيراَ في إنهاضنا من كبوتنا، فقضية الولاء ليست ذات بعد عقدي فقط، ولكن لها أيضاً بعد واقعي نحياه منذ عهود طويلة فأنا أزعم بل دعني أقول أجزم بأن التفريط في أسباب الولاء والإخاء بين المسلمين هو تفريط في رأس مالنا وفي أكبر استجلاب أسباب النصر لنا. فعندما امتن الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم بأن أمده بالنصر، من تنزيل الملائكة وتثبيت الإقدام وإنزال الغيث، وتنزل السكينة في قلوب المؤمنين مع إلقاء الرعب في قلوب الكافرين جعل ذلك كله في كفه وتأييده بالمؤمنين المتآخين في كفة أخري فقال سبحانه "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " قال الشيخ السعدي في تفسيره: " أي أعانك بمعونة سماوية وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك " وألف بين قلوبهم " فاجتمعوا وائتلفوا وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم ".


إن شيوع روح التحقير و التنفير بين المسلمين من شأنه أن يفجر أكبر مستودعات القوة لدي المسلمين ويبعث عوامل الفتنة فيهم، مهما كان المسمى الذي تتسمى به تلك الروح. قال ابن تيمية - رحمه الله -: " كل ما أوجب فتنة وفرقة، فليس من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً ". كما إن الذين يطوّلون ذيل البراء ويمدونه إلى ساحة الولاء وبيت الإخاء بذرائع خلافية وفي مسائل قد تكون اجتهادية، هؤلاء في حقيقة الأمر يزرعون ويبعثون روح الفتنة والعداوة والبغضاء بين المسلمين مع أن المسلم ليس حراَ في حبه وبغضه بل متعبد بأن لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله. وتعدي الحدود الشرعية في ذلك وبخاصة في المسائل الاجتهادية لون من ألوان البغي وصنف من العدوان. قال ابن تيمية - رحمه الله -: " الاجتهاد السئغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي لا لمجرد الاجتهاد، كما قال تعالى: " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ".


وقد أرسى شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة ذهبية في التعامل بين المسلمين علي أساس مراعاة المولاة الإيمانية التي عقدها الله سبحانه وتعالي بينهم في قوله:" إنما المؤمنون أخوة " وقول الرسول صلي الله عليه وسلم:" وكونوا عباد الله إخواناً " فقال عليه رحمة الله: " علي المؤمن أن يعادي في الله ويوالي في الله فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية قال تعالي " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما " فجعلهم أخوة مع وجود القتال والبغي وأمر بالإصلاح بينهم فليتدبر المؤمن: أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدي عليك، والكافر يجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك فان الله سبحانه وتعالي - بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والالتزام والثواب لأوليائه والإهانة والعقاب لأعدائه، وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ".


وقد حرص رحمه الله علي بيان الفصل التام بين طبيعة التعامل مع الكافرين بمقتضى عقيدة البراء والتعامل مع المؤمنين بمقتضى عقيدة الولاء، مبيناَ أنه لا تنقطع الموالاة عن مؤمن أبداَ فقال رحمه الله: " الحمد والذم، والحب والبغض، والمولاة والمعاداة إنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها من سلطانه وسلطانه كتابه فمن كان مؤمناَ وجبت موالاته من أي صنف كان ومن كان كافراَ وجبت معاداته من أي صنف كان ". وهكذا فإن الحب والبغض أمران لا يخضعان للهوى بقدر خضوعهما لضابط الشرع من الكتاب والسنة.


إن إحياء المولاة بين المؤمنين هو استدعاء لموجبات ولاية الله وولاية الله موجبة لرحمته ونصرته وفي الوقت نفسه فان التنكر لتك المولاة للمؤمنين والتماسها عند غير أهلها من موجبات الحرمان من الولاية الإلهية. قال تعالي:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )(المائدة:54)


قال حبر الأمة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: " من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون ذلك وقد صارت مؤاخاة الناس علي أمر الدنيا وذلك لا يجدي علي أهله شيئاَ "؟.


فيا أخي المسلم أقدم ولا تردد وشارك بعقلك وروحك وقلبك وكل ما تملك في إشاعة ثقافة الاخوة وفقه الوفاق وأعط ولاءك وابذله لكل مسلم موحد يعمل للإسلام علي هذه الأرض ولا تلتفت في ذلك لنوع أو اسم التجمع الذي يعمل من خلاله هذا الشخص ما دامت عقيدته صحيحة وفقهه سليم. واعلم أخي المسلم أن هذا العمل في هذه المرحلة من تاريخ الأمة التي مزقتها الإحن وتكالبت عليها الأمم من أعظم فروض الكفاية مع العلم أن مثل هذا العمل لا يحتاج ألي تنظيم أو جماعة أو تنظير فالأمر في غاية البساطة "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره ". فاعمل أخي المسلم لهذه الغاية وادع من حولك إلي إحياء ذلك الهدي النبوي لعلك تكون من الذين يساهمون في جمع الأمة ومن ثم جلب النصر المبين لها بإذن الله، والذي لا يأتي إلا من خلال الاعتصام بكتابه لقوله تعالى: " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا " (آل عمران: من الآية103) .