هذا الشهيد دليل براءة الإخوان
الحارس الخاص لجمال عبد الناصر
هل فكر الإخوان في قتل شادية وأم كلثوم وإسماعيل ياسين وشكوكو؟ كما روَّج الإعلام الناصري وبلغ بذلك ذروة السقوط والإسفاف؟
هناك دليل تاريخي دامغ ينفي تلك الأكاذيب والدعاية السوداء التي أرادوا بها تشويه صورة دعوة الإخوان؟
هذا الدليل هو شهيدنا الذي نروي سيرته وقصة استشهاده
هو الشهيد إسماعيل الفيومي الحارس الخاص لجمال عبد الناصر
وهو أيضًا أحد أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين، ولو أراد الإخوان قتل جمال لما أفلت من يد إسماعيل الفيومي.
لقد بقى إسماعيل الفيومي يحرس جمال عبد الناصر حتى بعد عمليات القبض على الإخوان المسلمين ولو فكَّر إسماعيل الفيومي في اغتيال جمال عبد الناصر لاغتاله بعد القبض على الشهيد سيد قطب يوم 9 أغسطس سنة 1965م.. ولكن لم يحدث؛ لأن اغتيال عبد الناصر لم يكن هدفًا من أهداف الإخوان.
الاسم: إسماعيل محمد عبد المجيد الفيومي
مواليد: أكتوبر 1933م- ببلدة عرب الحصن
الحالة الاجتماعية: متزوج وله ستة أبناء (محمد وكان عمره 12 عامًا وسمية 10 سنوات وفاطمة 6 سنوات وآمنة 4 سنوات وزينب سنتان وخديجة عدة أشهر).
تاريخ الاعتقال: 19/8/1965م
مكان الاعتقال: السجن الحربي- زنزانة 144.
تاريخ الاستشهاد (الهروب): 12/9/1965م.
الحكم الصادر ضده: المؤبد غيابيًّا.
ثماني سنوات في الحرس الجمهوري
يذكر الأستاذ جابر رزق شهادات زملائه فيقول: " قال لي زميل للشهيد واسمه عبد المنعم وكان يعمل معه في حرس جمال عبدالناصر منذ عام 1958م حتى يوم القبض عليه:
أنا زميل الشهيد إسماعيل الفيومي.. كان تجنيدنا واحدًا، وبعد أن قضينا فترة الجيش، التحقنا بالبوليس وخدمنا معًا في قسم الخليفة لمدة ثمانية أشهر، ثم طلبنا إلى رئاسة الجمهورية، وأُجري لنا اختبار مع أكثر من 150 فردًا ونجحنا مع عشرين، وكان إسماعيل الفيومي الأول وكنت أنا الثاني.
دربونا ستة أشهر على ضرب النار، وكان إسماعيل الفيومي ممتازًا فعينوه معلمًا في مدرسة ضرب النار، وأخذوني أنا حراسة في داخل منزل عبد الناصر، وكانت أي سفرية للرئيس نطلع أنا وإسماعيل، وأثناء وجود الرئيس عبد الناصر في الإسكندرية نبقى معه والشهيد إسماعيل طوال الشهر، وكنتُ أزامل إسماعيل لأنه كان رجلاً ممتازًا في خلقه، فطرته طيبة.. مؤمنًا.. متدينًا، وكنا طوال النهار نقرأ القرآن ونتدارسه.
قبل القبض على إسماعيل الفيومي بيومين كنا في القطار الخصوصي في عربة الرئيس عبد الناصر، وكان في القطار جميع الوزراء.. ثاني يوم قالوا قبضوا على إسماعيل الفيومي؛ لأنه من الإخوان المسلمين.
وعجبتُ كيف خَفِيَ عنهم أنه من الإخوان المسلمين طوال السنوات الثماني التي كان يعمل فيها حارسًا خاصًا لعبد الناصر، والمفروض أن المخابرات تكتب عن كل واحد من الحرس تقريرًا كل ستة أشهر.
لقد نشرت الصحف أن إسماعيل الفيومي كان سيغتال عبدالناصر، قلتُ في نفسي لو أن إسماعيل الفيومي كان ينوي قتل جمال عبد الناصر لقتله قبل القبض عليه بيومين فقط؛ حيث كنت أنا وهو في القطار المخصوص، وكان معي طبنجة، وكان مع إسماعيل طبنجة، وكان بالقطار جميع الوزراء، وكان بالإمكان القضاء على جمال عبد الناصر وجميع مَن معه!!.
ولما نشرت الجرائد أن إسماعيل كان سيضرب عبدالناصر من الخلف أنا كنت في ذهول؛ لأن عبد الناصر كان أمامنا قبل يومين من القبض عليه، وكان إسماعيل يستطيع أن يقتله ببساطة.. لقد كنت أنا وإسماعيل ملازمين لجمال عبد الناصر في الحراسة، وكنا نجلس في الصف الثاني ونقف منه على بعد خطوات!!.
وبعد القبض على إسماعيل انتظرت القبض عليَّ أنا أيضًا؛ لأني كنتُ أقرب الناس لإسماعيل، وأول مَن يقبض عليه بعد القبض على إسماعيل.
نزلتُ مصر وذهبت إلى الرئاسة، وجدت الجوَّ متغيرًا ورأيت وجوهًا غريبة تتعقبني، عرفتُ أنهم من المخابرات.. كان لي زميل اسمه (حجازي) يردد دائمًا أن إسماعيل لن يعترف على أحد غيري، بعد أيام قُبض على حجازي هذا ولم يُقبض عليَّ، في هذه الفترة أشيعَ أن إسماعيل هرب من السجن الحربي.. لم أصدق كيف يهرب إسماعيل من السجن الحربي.. أنا قلتُ إسماعيل لم يهرب.. إسماعيل مات من التعذيب.. كل زملائي الذين أثق فيهم آمنوا على كلامي، وقالوا إنه مستحيل أن يهرب أحدٌ من السجن الحربي!!
وفي يوم جاء أمر بالقبض على كل واحد في الحرس الجمهوري اسمه "عبدالمنعم" أخذوا كل مَن اسمه "عبد المنعم"، وجمعونا في عربة، وأمرونا أن نرتدي الملابس المدنية ثم ذهبوا بنا إلى السجن الحربي، وعرضونا على أحد بلديات إسماعيل المقبوض عليهم في السجن الحربي- كنتُ أظن أني أنا المقصود والمطلوب التعرف عليه.. ولكن لم يتعرف على أحد منا.. وفي اليوم التالي أحضرونا أيضًا، ولكن بالملابس الرسمية وحققوا معي:
- أنت تعرف إسماعيل الفيومي؟
قلتُ: الله يرحمه!! ولم أكمل العبارة حتى انهالوا عليَّ بالضرب، وقالوا لي:
- كيف عرفتَ أنه مات؟!
قلتُ: كل الناس يقولون إنه مات.
حذروني من التحدث بهذا الكلام.. وقتها أيقنت أن إسماعيل قد مات!!
سألوني: هل إسماعيل كان من الإخوان المسلمين؟!
قلتُ: المخابرات أولى منِّي بمعرفة ذلك؛ لأنها تكتب عن كل واحد منا تقريرًا كل ستة أشهر وتعرف عنَّا كل صغيرة وكبيرة!!
ويضيف "عبدالمنعم": بعد القبض على إسماعيل الفيومي غيَّر عبدالناصر عددًا كبيرًا من حرسه فعزل 300 عسكري من الحرس؛ لأنهم متدينون.. كل إنسان كان يشعر أنه على قدرٍ من التدين أو حتى مجرد أن يذهب إلى المسجد يعزله".
كيف قتلوه
عُلِّق الشهيد إسماعيل الفيومي في "الفلقة"، وأخذ الزبانية يضربون ويستريحون.. اشترك في ضربه أربعة من جزاري السجن الحربي هم:
1- صفوت الروبي.
2- محمد رجب محمد بكر.
3- سعيد بدوي.
4- نجم الدين مشهور.
اثنان يتبادلان الضرب واثنان يستريحان.. واستمر التعذيب من الصباح.. حتى هتف المؤذن "الله أكبر" لصلاة العصر.. عندها لفظ الشهيد البطل إسماعيل الفيومي آخر أنفاسه، وصعدت روح البطل إلى بارئها وهو معلق على "الفلقة".. وفي هذه الأثناء.. مرَّ اللواء حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وكبير الجلادين فيه، ونظر في رأس الضحية ورقبته مدلاة من الفلقة، فقال: الواد مات.. خلاص.. بلغوا عنه فرار.
شهود على قتل الشهيد بالسجن الحربي
قال سليم العفيفي صديق إسماعيل الفيومي وبلدياته:
"إسماعيل ابن بلدي عشنا حياتنا مع بعض، وعندما قبضوا عليَّ سألوني عن إسماعيل وذهبوا ليحضروه.. ثم التقيت به في السجن الحربي، وكان يرتدي بنطلون والتعذيب ظاهرًا عليه وبعد أيام وكان الوقت ليلاً رأيت الأمباشي محمد المراكبي، ورأيتُ معه عسكريين يحملان جردلين وقطعة من القماش ودخلوا زنزانة إسماعيل الفيومي، وبعد فترة خرجوا منها وأطفئت أنوار السجن وأنزلوا إسماعيلَ ملفوفًا في بطانية وحملوه في عربة، وسمعتُ صفوت الروبي بأشجاويش السجن وسفاحه يقول: "جهزوه لأجل نخرجه في العتمة".
ويقول علي عبد الحميد عفيفي بلديات إسماعيل:
"قابلتُ إسماعيل في دورة المياه وسلمتُ عليه، وكان سلامًا أسودَ أخذتُ بسببه علقة ساخنة، وفي اليوم التالي رأيتهم يأخذونه إلى المكاتب للتحقيق، وفي آخر اليوم أحضروه مضروبًا ممزقًا لكنه كان يسير على رجليه، ورأيته مرة ثانية محمولاً على النقالة يحمله الأمباشي المراكبي والعسكري رشاد مفراكه، وتكرر نزوله على النقالة ورجوعه، وكنتُ دائمًا أنتظره على باب زنزانتي؛ حيث كنتُ أسكن في الزنزانة رقم 140، وكنت أراه في ذهابه وإيابه.
وآخر مرة رأيته فيها وهو ميت كان ذلك بعد العشاء.. طلع الأمباشي محمد المراكبي مع عساكر آخرين من أجل أن يغسلوا الدماء من على أرضية الزنزانة، ولفوا إسماعيل في لفافة بيضاء وحملوه.. وكان صفوت الروبي سفاح السجن الحربي يستعجلهم من تحت.. نزلوا بإسماعيل ووضعوه في المخزن بجوار باب السجن الكبير ثم أُطفئت الأنوار وسمعتُ صوتَ عربة دخلت إلى حوش السجن، ووضعوه فيها وخرجت العربة وخرج معها عدد من الحرس يحملون كوريك وفأسًا، ولكن العربة توقفت فجأةً وأُضيئت الأنوار خطأً فرأيت العربة، وفي الصباح رأيت الزنزانة خالية من سكانها، وأيقنت أن إسماعيل الفيومي قد استشهد".
تمثيلية أخبار الهروب الملفقة
خبران.. أحدهما من مكتب شمس بدران إلى مكتب الرقابة على الصحف المصرية كي يُوزَّع عليها لتنشره.
ومفاد الخبر الأول هو أن الشرطي إسماعيل الفيومي قد هرب من السجن الحربي، وكان متهمًا في قضايا الإخوان المسلمين.. والغريب أن خبر هروب الفيومي نُشر بالصحف ومعه الجملة التالية "مكافأة مالية لِمَن يُرشد عنه".
والخبر الثاني:
نشرته جريدة الأهرام أيضًا على أنه وارد من جميع وكالات الأنباء مفاده "أن الشرطي إسماعيل الفيومي قد تمكَّن من الهرب إلى سويسرا"، ولم تكتفِ الصحيفة التي كان يرأس تحريرها الصحفي الأوحد محمد حسنين هيكل بهذا الشق من الخبر.. بل أوردت أن الشرطي المصري المسكين عقد مؤتمرًا صحفيًّا "بالفرنسية" في جنيف العاصمة السويسرية، وهاجم في المؤتمر المزعوم نظام الحكم في مصر في ذلك الحين".
محاكمة الجلادين وشهادة شهود الإثبات
وبعد أكثر من عشرة أعوام، انعقدت محكمة جنايات القاهرة يوم 2 إبريل عام 1977م لمحاكمة المتهمين بتعذيب الإخوان المسلمين بالسجن الحربي عام 1965م.. وكانت القضية الأولى التي نظرتها المحكمة هي قضية تعذيب إسماعيل الفيومي حتى الموت بالسجن الحربي والمتهم فيها:
1- شمس بدران وزير الحربية السابق.
2- العقيد متقاعد حسن خليل مدير المباحث الجنائية العسكرية السابق.
3- الرائد متقاعد حسن كفافي.
4- العقيد محمد عبد المقصود الجنزوري.
5- هاني محمد إبراهيم المقدم السابق بالدفاع الشعبي.
6- الملازم شرف صفوت الروبي.
7- الملازم محمد رجب بكر.
8- الملازم شرف سعيد محمود بدوي .
9- الجندي نجم الدين حلمي مشهور.
لأنهم خلال شهر أغسطس عام 1965م بالسجن الحربي بدائرة قسم مدينة نصر، بصفتهم موظفين عموميين، أمر الخمسة الأوائل الضباط بالقوات المسلحة باقي المتهمين من ضباط الصف بتعذيب إسماعيل محمد عبد المجيد الفيومي، بأن شدوا وثاق يديه وقدميه، وكان ذلك بقصد حمله على الاعتراف بارتكاب جناية محاولة تغيير دستور الدولة، وشكل الحكومة بالقوة، والاشتراك مع آخرين في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب هذه الجناية.. وقد مات المجني عليه من شدة التعذيب.
وفي بداية الجلسة قالت النيابة: إن المتهمين أهدروا كرامة الإنسان المصري، وسلبوه شرفه، وأسقطوا القانون، وأهدروا سيادته، وإن السجن الحربي تحوَّل إلى باستيل جديد.
وأضافت النيابة بأن أحد المتهمين في قضايا تعذيب الإخوان المسلمين واسمه محمد علي المراكبي اعترف بأنه قام "بتغسيل" إسماعيل الفيومي قبل دفنه في الجبل بعد موته من التعذيب.
وفي الرابع من إبريل.. أي بعد يومين من بداية نظر القضية وقف شاهدا الإثبات ليدليا بشهادتهما.. فماذا قالا..؟
- قال الشاهد الأول مجدي عبد العزيز: إنه رأى المجني عليه إسماعيل الفيومي ملقى داخل السجن الحربي وجسده كله ينزف دمًا، ولم يكن قادرًا على الحركة.. وإن شمس بدران كان يأمر بتعذيبه.. وإنه بعد ذلك بربع ساعة، سمع بأن واحدًا من الحرس الجمهوري هرب، ولأنه "أي الشاهد" يعرف أنه لا يوجد بالسجن الحربي سوى "إسماعيل الفيومي" من الحرس الجمهوري.. فإنه على حد قوله استعجب الأمر؛ لأن إسماعيل الفيومي كان ملطخًا بالدماء ولا يستطيع التقاط أنفاسه فكيف يهرب؟!
ويقرر الشاهد الثاني علي عبده عفيفي أنه رأى المجني عليه محمولاً على نقالة، وأنهم "المعذبين" وضعوه في عربة ركبها بعض الجنود الذين كانوا يحملون الفئوس.. وكان صفوت الروبي يستعجلهم.
ويستطرد الشاهد قائلاً: إنه عرف بعد ذلك أنهم دفنوا الجثة في صحراء مدينة نصر.