الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العيب فينا وليس في أمريكا»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط (حمى "العيب فينا وليس في أمريكا" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''<center> العيب فينا وليس في أمريكا</center>'''
'''<center><font color="blue"><font size=5>العيب فينا وليس في أمريكا</font></font></center>'''


[[ملف:صوبع.jpg|left|220px]]
'''بقلم : الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]]'''


'''بقلم : الدكتور [[عبد العزيز الرنتيسي]] '''
[[ملف:صوبع.jpg|تصغير|250px|يسار|'''<center>د.[[عبد العزيز الرنتيسي]]</center>''']]


لقد اعتمدت أمريكا سياسة خطيرة في تعاملها مع شعوبنا العربية، إنها سياسة استغباء الشعوب وقهرها بهدف المحافظة على المصالح الأمريكية والتي على رأسها المحافظة على أمن واستقرار وتفوق العدو الصهيوني عسكريا كما وكيفا على الأمة بكاملها، وكل ذلك بالطبع على حساب أمن واستقرار ورفاهية وحقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ولقد اعتمدت أمريكا في قهر شعوبنا العربية سياسة تحريض الأنظمة على شعوبها، وتعتمد في التعامل مع الأنظمة سياسة الترغيب والترهيب، والمراجع للأرشيف الإعلامي سيجد أن أكثر المصطلحات تداولا في الإعلام عند الحديث عن منطقتنا العربية والعلاقة مع أمريكا هو مصطلح الضغط الأمريكي، وإذا سألت لماذا يأتي "باول" إلى المنطقة؟ ستجد أن الجواب لممارسة الضغط على الحكومة الفلسطينية الجديدة وعلى الدول العربية، وكأننا أمة لم تعد لها كرامة ولا حتى وجود، أمة مهمتها الأولى والأخيرة أن تعمل دوما على أقلمة سياساتها الداخلية والخارجية وفق الرؤية الأمريكية أو وفق الضغوط الأمريكية، وإذا ما ظهر فحل واحد في الأمة يرفض الهيمنة الأمريكية سيجد نفسه مجلودا من البقية الغثائية دفاعا منها عن مكانتها، وسيتهم بتهم عدة أقلها الغباء لأنه من وجهة نظرهم لا يقرأ الواقع جيدا.
لقد اعتمدت أمريكا سياسة خطيرة في تعاملها مع شعوبنا العربية، إنها سياسة استغباء الشعوب وقهرها بهدف المحافظة على المصالح الأمريكية والتي على رأسها المحافظة على أمن واستقرار وتفوق العدو الصهيوني عسكريا كما وكيفا على الأمة بكاملها،.  


وإن المتأمل في انتقاء "باول" لألفاظه لن تخفى عليه سياسة الاستغباء الأمريكية، فعندما يقول "باول" (يجب وقف العنف الآن، يجب وقف العمليات الآن) فإنه لا يعتبر احتلال فلسطين أمرا خطيرا، ولا يعتبر سفك الدم الفلسطيني أمرا يستحق الاهتمام به، فالأمر الوحيد الذي يجب أن يتوقف من وجهة نظر "باول" هو المقاومة الفلسطينية المشروعة، ليصبح المشروع غير مشروع، وليصبح اللامشروع مشروعا، فأي استغباء للأمة أكبر من ذلك، وإمعانا في الاستغباء والاستخفاف معا يضيف "باول"  قائلا (إن ما يريده شارون الآن هو بذل جهود لمحاربة الإرهاب)، أي أن "باول" يعلن بوضوح أن موقفه نابع من رؤية "شارون"، فالرأي الوحيد الذي له قيمة وينبغي أن يعتد به من وجهة نظر "باول" هو رأي "شارون".
وكل ذلك بالطبع على حساب أمن واستقرار ورفاهية وحقوق الشعب ال[[فلسطين]] ي والشعوب العربية، ولقد اعتمدت أمريكا في قهر شعوبنا العربية سياسة تحريض الأنظمة على شعوبها، وتعتمد في التعامل مع الأنظمة سياسة الترغيب والترهيب، والمراجع للأرشيف الإعلامي سيجد أن أكثر المصطلحات تداولا في الإعلام عند الحديث عن منطقتنا العربية والعلاقة مع أمريكا هو مصطلح الضغط الأمريكي، وإذا سألت لماذا يأتي "باول" إلى المنطقة؟


ويمعن "باول" في سياسة الاستغباء فيقول بأنه (سيضغط على شارون إدخال تسهيلات للفلسطينيين وسيقول له إنه يجب معالجة قضية المستوطنات)، إذن هاهو سيمارس ضغوطا على شارون وليس على العرب وحدهم، فهاهو سيضغط على شارون من أجل رفع حاجز هنا وهناك، أو السماح للفلسطينين بالتنقل بين المدن، أو السماح لبعض العمال بالعمل، وكأن الشعب الفلسطيني دفع آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى، ودفع بالآلاف من خيرة أبنائه ليصبحوا رهائن في المعتقلات الصهيونية فقط من أجل تسهيل حياة المواطنين، ولكن باول في قوله هذا إنما كان يعزف على الوتر الصهيوني فهاهو وزير خارجية العدو الصهيوني "شالوم" يقول : (إسرائيل مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين إذا أوقفوا العمليات) مضيفا (على القيادة الفلسطينية الجديدة أن تتخذ إجراءات ضد المنظمات المتطرفة التي تخطط عمليات معادية)، والتسهيلات التي يتحدثون عنها هي جزء من المؤامرة التي تدبر للنيل من المقاومة، فهم يريدون استثمار معاناة الشعب الفلسطيني كي يحرضوه على المقاومة عبر تخفيف المعاناة الحياتية مع بقاء الاحتلال واستقراره.
ستجد أن الجواب لممارسة الضغط على الحكومة ال[[فلسطين]] ية الجديدة وعلى الدول العربية، وكأننا أمة لم تعد لها كرامة ولا حتى وجود، أمة مهمتها الأولى والأخيرة أن تعمل دوما على أقلمة سياساتها الداخلية والخارجية وفق الرؤية الأمريكية أو وفق الضغوط الأمريكية، وإذا ما ظهر فحل واحد في الأمة يرفض الهيمنة الأمريكية سيجد نفسه مجلودا من البقية الغثائية دفاعا منها عن مكانتها، وسيتهم بتهم عدة أقلها الغباء لأنه من وجهة نظرهم لا يقرأ الواقع جيدا.


إن "باول" يريد أن يخلق معادلة جديدة مفادها التسهيلات مقابل وقف المقاومة، بدلا من المعادلة التي صاغتها المقاومة بدمائها والتي تقول نهاية الاحتلال مقابل وقف المقاومة، بل هذه المعادلة هي المعادلة الدولية التي تتبناها الأمم المتحدة نفسها عندما أضفت الشرعية على مقاومة الاحتلال، وأما قضية المستوطنات فيحرص "باول" حرصا شديدأ ألا يتجاوز حدوده وهو يتطرق لها فلا يقول يجب إزالة المستوطنات، ولا حتى تجميد الاستيطان، ولكنه ينتقي العبارات بحذر شديد فيقول (يجب معالجة قضية الاستيطانأما كيف تعالج فالأمر بالتأكيد منوط بالمفاوضات التي أثبتت أنها خير مظلة توفر المناخ المناسب للتمدد السرطاني الاستيطاني، وعندما سئل عن ذلك في مؤتمره الصحفي مع "شارون" قال (لقد ناقشنا الاستيطان وسنناقشه في المستقبل)، وواضح أنه يراوغ فقط وفي نفس الوقت يؤيد الموقف الصهيوني من قضية الاستيطان.
وإن المتأمل في انتقاء "باول" لألفاظه لن تخفى عليه سياسة الاستغباء الأمريكية، فعندما يقول "باول" (يجب وقف العنف الآن، يجب وقف العمليات الآن) فإنه لا يعتبر احتلال [[فلسطين]]  أمرا خطيرا، ولا يعتبر سفك الدم ال[[فلسطين]] ي أمرا يستحق الاهتمام به، فالأمر الوحيد الذي يجب أن يتوقف من وجهة نظر "باول" هو المقاومة ال[[فلسطين]] ية المشروعة، ليصبح المشروع غير مشروع، وليصبح اللامشروع مشروعا، فأي استغباء للأمة أكبر من ذلك، وإمعانا في الاستغباء والاستخفاف معا يضيف "باول" قائلا (إن ما يريده شارون الآن هو بذل جهود لمحاربة الإرهابأي أن "باول" يعلن بوضوح أن موقفه نابع من رؤية "شارون"، فالرأي الوحيد الذي له قيمة وينبغي أن يعتد به من وجهة نظر "باول" هو رأي "شارون".


وعندما يسأل "باول" فيما إذا كان على الفلسطينيين أن يعلنوا تنازلهم الآن عن حق العودة، كما يطلب الكيان [[الصهيوني]]، يجيب قائلا (إن حق العودة هي قضية معقدة ويجب على الأطراف بحثها في المستقبلوهكذا يقف دائما مع العدوان والبلطجة الصهيونية، ويتحدث بحذر شديد خشية أن يسيء للعدوان [[الصهيوني]]، ولا يهمه أبدا أن يجرح مشاعر الملايين من الفلسطينيين الذين حرموا من وطنهم وعاشوا مأساة إنسانية لم تعرف لها البشرية نظيرا، لقد أثبت "باول بكل وضوح أنه يستغبي الأمة العربية والإسلامية، ولا يقيم لها وزنا، بينما يراعي مشاعر المجرمين الإرهابيين الذين يمارسون العدوان على شعب أعزل.
ويمعن "باول" في سياسة الاستغباء فيقول بأنه (سيضغط على شارون إدخال تسهيلات لل[[فلسطين]] يين وسيقول له إنه يجب معالجة قضية المستوطناتإذن هاهو سيمارس ضغوطا على شارون وليس على العرب وحدهم، فهاهو سيضغط على شارون من أجل رفع حاجز هنا وهناك، أو السماح لل[[فلسطين]] ين بالتنقل بين المدن، أو السماح لبعض العمال بالعمل، وكأن الشعب ال[[فلسطين]] ي دفع آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى، ودفع بالآلاف من خيرة أبنائه ليصبحوا رهائن في المعتقلات [[الصهيونية]]  فقط من أجل تسهيل حياة المواطنين، .


وإن المتدبر في قول "باول" (والتغيير الإستراتيجي الآخر هو وجود قيادة فلسطينية جديدة في السلطة الفلسطينية، مستعدة للعمل مع إسرائيل، والولايات المتحدة واللجنة الرباعية باتجاه السلام)، يرى كم هو مناف للحقيقية هذا القول الذي ينضح استخفافا بالعقول، فهو يبرئ الكيان [[الصهيوني]] من أي اتهام، ولا يعتبره مذنبا أو مناقضا للسلام باحتلاله[[ فلسطين]]، وذبحه للأطفال والشيوخ والنساء، وهدمه للبيوت، وتجريفه للأراضي الزراعية، وحصاره، وتهويده للمقدسات،
ولكن باول في قوله هذا إنما كان يعزف على الوتر [[الصهيونية|الصهيوني]] فهاهو وزير خارجية العدو الصهيوني "شالوم" يقول : (إسرائيل مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية لل[[فلسطين]] يين إذا أوقفوا العمليات) مضيفا (على القيادة ال[[فلسطين]] ية الجديدة أن تتخذ إجراءات ضد المنظمات المتطرفة التي تخطط عمليات معادية)، والتسهيلات التي يتحدثون عنها هي جزء من المؤامرة التي تدبر للنيل من المقاومة، فهم يريدون استثمار معاناة الشعب ال[[فلسطين]] ي كي يحرضوه على المقاومة عبر تخفيف المعاناة الحياتية مع بقاء الاحتلال واستقراره.


ولذلك نراه بكل خبث يضع معالم الصورة القائمة على شكل معسكرين، المعسكر الذي يحرص على السلام ويضم الكيان [[الصهيوني]] وأمريكا، والرباعية، والمعسكر المناهض للسلام ويضم الفلسطينيين قبل تشكيل هذه الحكومة الجديدة، أي أن الجانب الفلسطيني أخيرا بدأ يسير باتجاه السلام الذي يمثله الجانب [[الصهيوني]]، وإذا سألنا أنفسنا ما الذي يجعل "باول" يستخف بنا إلى هذا الحد يأتينا الجواب على لسان "باول" نفسه في قوله (إن "الـ "CIA" على اتصال بقادة فلسطينيين كبار من أجل تنسيق إجراءات تتعلق بمحاربة العمليات)، فإذا وجدت حكومة فلسطينية من وجهة نظره مستعدة للعمل مع العدو [[الصهيوني]]، وهي على استعداد أن تنسق أمنيا من أجل محاربة الظاهرة الإيجابية الوحيدة في الصف الفلسطيني وهي المقاومة، فعندئذ يمكن أن يقال أن الجانب الفلسطيني قد بدأ بالعمل من أجل السلام، فأي استخفاف بالعقول واستغباء للأمة أكبر من هذا.
إن "باول" يريد أن يخلق معادلة جديدة مفادها التسهيلات مقابل وقف المقاومة، بدلا من المعادلة التي صاغتها المقاومة بدمائها والتي تقول نهاية الاحتلال مقابل وقف المقاومة، بل هذه المعادلة هي المعادلة الدولية التي تتبناها الأمم المتحدة نفسها عندما أضفت الشرعية على مقاومة الاحتلال، وأما قضية المستوطنات فيحرص "باول" حرصا شديدأ ألا يتجاوز حدوده وهو يتطرق لها فلا يقول يجب إزالة المستوطنات، ولا حتى تجميد الاستيطان، ولكنه ينتقي العبارات بحذر شديد فيقول (يجب معالجة قضية الاستيطان)، أما كيف تعالج فالأمر بالتأكيد منوط بالمفاوضات التي أثبتت أنها خير مظلة توفر المناخ المناسب للتمدد السرطاني الاستيطاني، وعندما سئل عن ذلك في مؤتمره الصحفي مع "شارون" قال (لقد ناقشنا الاستيطان وسنناقشه في المستقبل)، وواضح أنه يراوغ فقط وفي نفس الوقت يؤيد الموقف [[الصهيونية|الصهيوني]] من قضية الاستيطان.
 
وعندما يسأل "باول" فيما إذا كان على ال[[فلسطين]] يين أن يعلنوا تنازلهم الآن عن حق العودة، كما يطلب الكيان ا[[الصهيونية|الصهيوني]]، يجيب قائلا (إن حق العودة هي قضية معقدة ويجب على الأطراف بحثها في المستقبل)، وهكذا يقف دائما مع العدوان والبلطجة [[الصهيونية]] ، ويتحدث بحذر شديد خشية أن يسيء للعدوان [[الصهيونية|الصهيوني]]، ولا يهمه أبدا أن يجرح مشاعر الملايين من ال[[فلسطين]] يين الذين حرموا من وطنهم وعاشوا مأساة إنسانية لم تعرف لها البشرية نظيرا، لقد أثبت "باول بكل وضوح أنه يستغبي الأمة العربية والإسلامية، ولا يقيم لها وزنا، بينما يراعي مشاعر المجرمين الإرهابيين الذين يمارسون العدوان على شعب أعزل.
 
وإن المتدبر في قول "باول" (والتغيير الإستراتيجي الآخر هو وجود قيادة [[فلسطين]] ية جديدة في السلطة ال[[فلسطين]] ية، مستعدة للعمل مع إسرائيل، والولايات المتحدة واللجنة الرباعية باتجاه السلام)، يرى كم هو مناف للحقيقية هذا القول الذي ينضح استخفافا بالعقول، فهو يبرئ الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]]  من أي اتهام، ولا يعتبره مذنبا أو مناقضا للسلام باحتلاله [[فلسطين]] ، وذبحه للأطفال والشيوخ والنساء، وهدمه للبيوت، وتجريفه للأراضي الزراعية، وحصاره، وتهويده للمقدسات،
 
ولذلك نراه بكل خبث يضع معالم الصورة القائمة على شكل معسكرين، المعسكر الذي يحرص على السلام ويضم الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] وأمريكا، والرباعية، والمعسكر المناهض للسلام ويضم ال[[فلسطين]] يين قبل تشكيل هذه الحكومة الجديدة، أي أن الجانب ال[[فلسطين]] ي أخيرا بدأ يسير باتجاه السلام الذي يمثله الجانب [[الصهيونية|الصهيوني]]، وإذا سألنا أنفسنا ما الذي يجعل "باول" يستخف بنا إلى هذا الحد يأتينا الجواب على لسان "باول" نفسه في قوله (إن "الـ "CIA" على اتصال بقادة [[فلسطين]] يين كبار من أجل تنسيق إجراءات تتعلق بمحاربة العمليات)، فإذا وجدت حكومة [[فلسطين]] ية من وجهة نظره مستعدة للعمل مع العدو [[الصهيونية|الصهيوني]]، وهي على استعداد أن تنسق أمنيا من أجل محاربة الظاهرة الإيجابية الوحيدة في الصف ال[[فلسطين]] ي وهي المقاومة، فعندئذ يمكن أن يقال أن الجانب ال[[فلسطين]] ي قد بدأ بالعمل من أجل السلام، فأي استخفاف بالعقول واستغباء للأمة أكبر من هذا.


إذا كانت أمريكا بهذا الوضوح في استغباء الأمة والاستخفاف بها فالعيب ليس إذن فيها، بل العيب كل العيب فينا نحن إن وجد من بيننا من يقبل بالتساوق مع هذا الاستخفاف والاستغباء.
إذا كانت أمريكا بهذا الوضوح في استغباء الأمة والاستخفاف بها فالعيب ليس إذن فيها، بل العيب كل العيب فينا نحن إن وجد من بيننا من يقبل بالتساوق مع هذا الاستخفاف والاستغباء.

مراجعة ٠٩:٤٧، ٢ يونيو ٢٠١٤

العيب فينا وليس في أمريكا

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

لقد اعتمدت أمريكا سياسة خطيرة في تعاملها مع شعوبنا العربية، إنها سياسة استغباء الشعوب وقهرها بهدف المحافظة على المصالح الأمريكية والتي على رأسها المحافظة على أمن واستقرار وتفوق العدو الصهيوني عسكريا كما وكيفا على الأمة بكاملها،. 

وكل ذلك بالطبع على حساب أمن واستقرار ورفاهية وحقوق الشعب الفلسطين ي والشعوب العربية، ولقد اعتمدت أمريكا في قهر شعوبنا العربية سياسة تحريض الأنظمة على شعوبها، وتعتمد في التعامل مع الأنظمة سياسة الترغيب والترهيب، والمراجع للأرشيف الإعلامي سيجد أن أكثر المصطلحات تداولا في الإعلام عند الحديث عن منطقتنا العربية والعلاقة مع أمريكا هو مصطلح الضغط الأمريكي، وإذا سألت لماذا يأتي "باول" إلى المنطقة؟

ستجد أن الجواب لممارسة الضغط على الحكومة الفلسطين ية الجديدة وعلى الدول العربية، وكأننا أمة لم تعد لها كرامة ولا حتى وجود، أمة مهمتها الأولى والأخيرة أن تعمل دوما على أقلمة سياساتها الداخلية والخارجية وفق الرؤية الأمريكية أو وفق الضغوط الأمريكية، وإذا ما ظهر فحل واحد في الأمة يرفض الهيمنة الأمريكية سيجد نفسه مجلودا من البقية الغثائية دفاعا منها عن مكانتها، وسيتهم بتهم عدة أقلها الغباء لأنه من وجهة نظرهم لا يقرأ الواقع جيدا.

وإن المتأمل في انتقاء "باول" لألفاظه لن تخفى عليه سياسة الاستغباء الأمريكية، فعندما يقول "باول" (يجب وقف العنف الآن، يجب وقف العمليات الآن) فإنه لا يعتبر احتلال فلسطين أمرا خطيرا، ولا يعتبر سفك الدم الفلسطين ي أمرا يستحق الاهتمام به، فالأمر الوحيد الذي يجب أن يتوقف من وجهة نظر "باول" هو المقاومة الفلسطين ية المشروعة، ليصبح المشروع غير مشروع، وليصبح اللامشروع مشروعا، فأي استغباء للأمة أكبر من ذلك، وإمعانا في الاستغباء والاستخفاف معا يضيف "باول" قائلا (إن ما يريده شارون الآن هو بذل جهود لمحاربة الإرهاب)، أي أن "باول" يعلن بوضوح أن موقفه نابع من رؤية "شارون"، فالرأي الوحيد الذي له قيمة وينبغي أن يعتد به من وجهة نظر "باول" هو رأي "شارون".

ويمعن "باول" في سياسة الاستغباء فيقول بأنه (سيضغط على شارون إدخال تسهيلات للفلسطين يين وسيقول له إنه يجب معالجة قضية المستوطنات)، إذن هاهو سيمارس ضغوطا على شارون وليس على العرب وحدهم، فهاهو سيضغط على شارون من أجل رفع حاجز هنا وهناك، أو السماح للفلسطين ين بالتنقل بين المدن، أو السماح لبعض العمال بالعمل، وكأن الشعب الفلسطين ي دفع آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى، ودفع بالآلاف من خيرة أبنائه ليصبحوا رهائن في المعتقلات الصهيونية فقط من أجل تسهيل حياة المواطنين، .

ولكن باول في قوله هذا إنما كان يعزف على الوتر الصهيوني فهاهو وزير خارجية العدو الصهيوني "شالوم" يقول : (إسرائيل مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية للفلسطين يين إذا أوقفوا العمليات) مضيفا (على القيادة الفلسطين ية الجديدة أن تتخذ إجراءات ضد المنظمات المتطرفة التي تخطط عمليات معادية)، والتسهيلات التي يتحدثون عنها هي جزء من المؤامرة التي تدبر للنيل من المقاومة، فهم يريدون استثمار معاناة الشعب الفلسطين ي كي يحرضوه على المقاومة عبر تخفيف المعاناة الحياتية مع بقاء الاحتلال واستقراره.

إن "باول" يريد أن يخلق معادلة جديدة مفادها التسهيلات مقابل وقف المقاومة، بدلا من المعادلة التي صاغتها المقاومة بدمائها والتي تقول نهاية الاحتلال مقابل وقف المقاومة، بل هذه المعادلة هي المعادلة الدولية التي تتبناها الأمم المتحدة نفسها عندما أضفت الشرعية على مقاومة الاحتلال، وأما قضية المستوطنات فيحرص "باول" حرصا شديدأ ألا يتجاوز حدوده وهو يتطرق لها فلا يقول يجب إزالة المستوطنات، ولا حتى تجميد الاستيطان، ولكنه ينتقي العبارات بحذر شديد فيقول (يجب معالجة قضية الاستيطان)، أما كيف تعالج فالأمر بالتأكيد منوط بالمفاوضات التي أثبتت أنها خير مظلة توفر المناخ المناسب للتمدد السرطاني الاستيطاني، وعندما سئل عن ذلك في مؤتمره الصحفي مع "شارون" قال (لقد ناقشنا الاستيطان وسنناقشه في المستقبل)، وواضح أنه يراوغ فقط وفي نفس الوقت يؤيد الموقف الصهيوني من قضية الاستيطان.

وعندما يسأل "باول" فيما إذا كان على الفلسطين يين أن يعلنوا تنازلهم الآن عن حق العودة، كما يطلب الكيان االصهيوني، يجيب قائلا (إن حق العودة هي قضية معقدة ويجب على الأطراف بحثها في المستقبل)، وهكذا يقف دائما مع العدوان والبلطجة الصهيونية ، ويتحدث بحذر شديد خشية أن يسيء للعدوان الصهيوني، ولا يهمه أبدا أن يجرح مشاعر الملايين من الفلسطين يين الذين حرموا من وطنهم وعاشوا مأساة إنسانية لم تعرف لها البشرية نظيرا، لقد أثبت "باول بكل وضوح أنه يستغبي الأمة العربية والإسلامية، ولا يقيم لها وزنا، بينما يراعي مشاعر المجرمين الإرهابيين الذين يمارسون العدوان على شعب أعزل.

وإن المتدبر في قول "باول" (والتغيير الإستراتيجي الآخر هو وجود قيادة فلسطين ية جديدة في السلطة الفلسطين ية، مستعدة للعمل مع إسرائيل، والولايات المتحدة واللجنة الرباعية باتجاه السلام)، يرى كم هو مناف للحقيقية هذا القول الذي ينضح استخفافا بالعقول، فهو يبرئ الكيان الصهيوني من أي اتهام، ولا يعتبره مذنبا أو مناقضا للسلام باحتلاله فلسطين ، وذبحه للأطفال والشيوخ والنساء، وهدمه للبيوت، وتجريفه للأراضي الزراعية، وحصاره، وتهويده للمقدسات،

ولذلك نراه بكل خبث يضع معالم الصورة القائمة على شكل معسكرين، المعسكر الذي يحرص على السلام ويضم الكيان الصهيوني وأمريكا، والرباعية، والمعسكر المناهض للسلام ويضم الفلسطين يين قبل تشكيل هذه الحكومة الجديدة، أي أن الجانب الفلسطين ي أخيرا بدأ يسير باتجاه السلام الذي يمثله الجانب الصهيوني، وإذا سألنا أنفسنا ما الذي يجعل "باول" يستخف بنا إلى هذا الحد يأتينا الجواب على لسان "باول" نفسه في قوله (إن "الـ "CIA" على اتصال بقادة فلسطين يين كبار من أجل تنسيق إجراءات تتعلق بمحاربة العمليات)، فإذا وجدت حكومة فلسطين ية من وجهة نظره مستعدة للعمل مع العدو الصهيوني، وهي على استعداد أن تنسق أمنيا من أجل محاربة الظاهرة الإيجابية الوحيدة في الصف الفلسطين ي وهي المقاومة، فعندئذ يمكن أن يقال أن الجانب الفلسطين ي قد بدأ بالعمل من أجل السلام، فأي استخفاف بالعقول واستغباء للأمة أكبر من هذا.

إذا كانت أمريكا بهذا الوضوح في استغباء الأمة والاستخفاف بها فالعيب ليس إذن فيها، بل العيب كل العيب فينا نحن إن وجد من بيننا من يقبل بالتساوق مع هذا الاستخفاف والاستغباء.

المصدر


للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.