عندما يبلغ الانحطاط مداه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عندما يبلغ الانحطاط مداه
(ربّ انصرني على القوم المفسِدين)

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ما كنت يوماً أظن أن الانحطاط البشري يمكِن أن يصل إلى هذه الدرجة من الإسفاف التي صيغ بها البيان المشبوه بتوقيع "شرفاء حماس " ، هذا البيان قد عكس بلا شكٍ مستوى الانحدار القيمي و الأخلاقي الذي انحطّ إليها كاتبوا هذا البيان المشبوه و ناشروه ، بل إن أسوأ العملاء أخلاقاً لا يمكن في تصوّري أن يصِلوا في مستوى انحدارهم إلى هذا السفح الوضيع ، .

و لكن الهزيمة إذا أخذت بتلابيب النفوس تفعل بها أكثر من ذلك ، فالعميل و المهزوم كلاهما في النهاية يصبح أداة في يدِ سيّده يسيره كيف يشاء ، حيث تعمى بصيرته فلا يرى إلا بعين سيده ، أتدرون من سيّد كاتب ذلك البيان المشبوه ؟ إنه شارون .

أنا لا أريد أن أتهم كاتب ذلك البيان بالعمالة حتى و إن تبيّن يوماً أن الأمر كذلك ، و لكن مما لا أشكّ فيه أن كاتب البيان ، و من أعطاه الأمر بكتابته ، و من أشرَف على نشره و توزيعه ، هم ثلة ممن باعوا ضمائرهم لليهود بسبب الهزيمة التي يعيشونها سواء كانوا عملاء أم لم يكونوا ، فلا فرق عندئذ .

إن هذه المقدّمة التي اضطررت إليها إنما جاءت عملاً بقول الله عز و جل (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم) ، و عملاً بقوله سبحانه (و الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) ، و لكن يبقى السؤال لماذا جاء هذا البيان المشبوه في هذا الوقت بالذات ؟ و جرحنا الراعف في الدكتور إبراهيم المقادمة لم يندمِل بعد ؟ هذا الشهيد الذي ذاق في سجون السلطة أضعاف ما ذاق في سجون الاحتلال ، مع أن العذاب الذي تعذّبه في سجون الاحتلال تقشعر من هوله الأبدان ، لماذا تحرّك السمّ في قلب كاتب هذا البيان المشبوه فلم يستطع إلا أن ينفثه ؟ أنا لا أرى جواباً لهذا السؤال إلا ما يلي :

- إن كاتب هذا البيان المشبوه ، عميلاً كان أم لم يكن إنما يريد جرّ الشارع الفلسطيني إلى معركة داخلية تصرِفه عن مقاومة الاحتلال ، و بهذا فهو يحقّق ما يريده الصهاينة علم أم لم يعلم ، و أغلب الظن أنه يعلم .

- إن كاتب هذا البيان المشبوه لم يجد حجة يدافع بها عن نفسه في ما أطلقته من تصريحاتٍ موضوعية عندما قلت إن الحواجز الأمنية إنما توضَع لاعتراض المجاهدين ، و ترفع عند الاجتياحات و دخول المستعربين ، إن كان هذا القول قد آلم السلطة فلتتوقّف إذن عن أفعالها تلك ، لأن أطفال فلسطين يعلمون أن ما جاء في تصريحي هو ما حدث في الضفة الغربية عند اجتياحها ، و هذا ما يحدث اليوم في قطاع غزة ، بل حدَث في الضفة ما هو أسوأ من ذلك عندما قامت السلطة بتسليم المجاهدين للعدو الصهيوني في بيتونيا ، و عندما قبِلت باعتقال الفلسطينيين في "جوانتينامو" أريحا ، و شاركت في إبعاد الفلسطينيين عن وطنهم .

- إن كاتب هذا البيان المشبوه قد أذهله خروج مئات الآلاف في قطاع غزة يشيّعون الدكتور المقادمة ، و أذهله أيضاً أنهم في مدينة غزة قد أعطوا بيعةً لله أن يكونوا مع خيار الجهاد و الاستشهاد ، و ألا يقبَلوا بالحلول التصفوية ، أي ألا يقبَلوا بالتنازل عن شبرٍ من فلسطين ، و ألا يقبَلوا بالمساومة و التفاوض على الوطن ، و ألا يعترِفوا بما يسمى "إسرائيل" ، فبدلاً من أن يلتحق مروّجو الفتن بالجماهير الفلسطينية المجاهدة أكل الحقد قلوبهم كما أكل الحقد قلب شارون تماماً و هو يشاهد تلك المشاهد فلم يجِدوا من وسيلة يعبرون بها عن غيظهم إلا كيلَ الشتائم و السباب و الاتهامات علّها تروي غليلهم ليس من اليهود و لكن من "الرنتيسي" المستعين بالله على المفسدين ، و المتضرّع إليه ألا يمكّن للمفرطين .

- و بعد أن اتضح أن الجهة التي صاغت هذا البيان المشبوه و وزّعته بكثافة هي المباحث العامة ، حيث نملك الدليل على ذلك ، لأن المباحث العامة التي خانها ذكاؤها إن كان عندها ذكاء تركت بصماتها على مسرح الجريمة البشعة ، حيث ظهر رقم هاتفها على البيانات التي وزّعت عبر الفاكس ليفتضح أمر هذه الأجهزة ، و لتشهد على نفسِها أنها غارقة في أوحال الفساد إلى أحطّ الدركات ، ناهيك عن أن الذين قاموا بتوزيع البيان المشبوه هم من المباحث العامة ، إن هذا العمل المخجِل من قبل أحد أجهزة السلطة يبشّر بأن القادم من الفساد أسوأ بكثير مما مضى ، فهؤلاء هم الذين يحفظون أمن المواطن ، و هم الذين يحفظون القانون ، و هم الذين يقيمون العدالة ، إنهم مزوّرون ينتحِلون التواقيع المزيّفة ، و هم فاحشون ينتقون الألفاظ البذيئة ، و هم واهمون يظنون أن بهذه الطريقة يمكنهم أن يفقِدوا حماس تأييد و دعم هذا الشعب الذي أغرقته الأجهزة الأمنية في الفقر ، و لا أدلّ على ذلك من أن هذا البيان المشبوه تمت طباعته على حساب الشعب الفلسطيني ، و الموظفون الذين قاموا بطباعته و توزيعه يتقاضون رواتبهم من دماء هذا الشعب المرابط ، ليس لتقديم الخدمة لهذا الشعب و لكن لإشعال نار الفتنة .

- إن اختباء المباحث العامة خلف توقيعٍ مزور ليدلّ على درجة الخوف التي وصل إليها القائمون على هذه الفعلة المشينة ، لا أعني الخوف من اليهود و لكن من الشعب الفلسطيني الذي بات يغلي كالمرجل من شدة الغضب .

- إن هذا البيان المشبوه يأتي متزامنا مع تهديد الصهاينة لقادة الحركة و عناصرها ، و متزامناً مع الحملة الصهيونية المسعورة التي تستهدف البنية التحتية ل حركة المقاومة الإسلامية حماس ، و متزامناً أيضاً مع الضربات القوية التي يسدّدها مجاهدونا للصهاينة في حيفا و الخليل و غزة و بيت حانون و جباليا و البريج و خانيونس و رفح ، فهل هذا التزامن جاء مصادفة ؟!!!!

إن كاتب هذا البيان المشبوه فاته أن حماس كلّها شرفاء و الحمد لله ، و لذا فهي لا تستخدم مثل هذا التوقيع الذي ينتقص من قدرها و قدر مجاهديها الكرام .

و أخيراً لا يفوتني أن أذكّر الذين صاغوا بيان الانحطاط بآيات من كتاب الله سبحانه و تعالى :

(إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكلّ امرئ منهم ما اكتسب من الإثم و الذي تولىّ كبره منهم له عذاب عظيم) ....

(و من يكسِب خطيئة أو إثماً ثم يرمِ به بريئاً فقد احتمل بهتاناً و إثماً مبيناً) ....

(إن الله لا يصلِح عمل المفسدين) .... (إن الله لا يهدي كيد الخائنين) ..

و أخيراً فإني أشكو إلى الله كلّ من ساهم في ارتكاب هذه الجريمة التي تسيء إلى سمعة هذا الشعب الفلسطيني المجاهد ، و أعاهد الله على مواصلة فضح المتآمرين على فلسطين .

المصدر


للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.