محمد أنور السادات وعلاقته بالإخوان المسلمين
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
بقلم/ أحمد سلامة
تمهيد
محمد أنور السادات الرئيس الثالث لجمهورية مصر العربية بعد كلا من اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر ، كان الرئيس محمد أنور السادات موضع اختلاف بين كثير من الباحثين والكتاب والمؤلفين فكثيرا منهم وصفه بعدائه للإخوان المسلمين وكراهيته الشديدة لهم ، ثم يأتي آخرون يؤكدون أنه كان محبا ومتعاطفا مع الإخوان المسلمين ، ومن الغريب أن يأتي فريق ثالث يؤكد أن محمد أنور السادات عاش ومات وهو يؤمن بأفكار الإخوان المسلمين بل أنه كان واحدا من الإخوان المسلمين ، فأين هى الحقيقة إذن ، هذا بإذن الله تعالى ما سوف نستوضحه فى هذا البحث .
لنا فى البداية أن نستوضح بعض الأمور عن الرئيس محمد أنور السادات ، مثل نشأته وظروف حياته ، فلربما قادنا هذا التوضيح إلى التعرف بدقه على شخصية الرئيس محمد أنور السادات .
محمد أنور السادات فى سطور
- ولد بقرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية سنة 1918، وتلقى تعليمه الأول في كتاب القرية على يد الشيخ عبد الحميد عيسى، ثم انتقل إلى مدرسة الأقباط الابتدائية بطوخ دلكا وحصل منها على الشهادة الابتدائية. وفي عام 1935 التحق بالمدرسة الحربية لاستكمال دراساته العليا، وتخرج من الكلية الحربية بعام 1938 ضابطاً برتبة ملازم ثان وتم تعيينه في مدينة منقباد جنوب مصر. وقد تأثر في مطلع حياته بعدد من الشخصيات السياسية والشعبية في مصر.
- كان زواجه تقليديا حيث تقدم للسيدة (إقبال عفيفي) التي تنتمي إلى أصول تركية، وكانت تربطها قرابة قريبة بينها وبين الخديوي عباس، كما كانت أسرتها تمتلك بعض الأراضي بقرية ميت أبو الكوم والقليوبية أيضا، وهذا ما جعل عائلة إقبال تعارض زواج أنور السادات لها، لكنه بعد أن أتم السادات دراسته بالأكاديمية العسكرية تغير الحال وتم الزواج واستمر لمدة عشر سنوات، وأنجبا خلالها ثلاثة بنات هم رقية، وراوية، كاميليا.
- تزوج للمرة الثانية من السيدة جيهان رؤوف صفوت التي أنجب منها 3 بنات وولدًا هم لبنى ونهى وجيهان وجمال.
- السؤال الذى يتبادر الآن إلى أذهاننا هو كيف بدأت حياته السياسية؟ هل قبل التحاقه بالجيش أم بعد التحاقه بالجيش ؟
هذا ما سوف تجيب عنه السطور القادمه بأذن الله تعالى...(1)
بداية حياة السادات السياسية
شغل الاحتلال البريطاني لمصر بال السادات، كما شعر بالنفور من أن مصر محكومة بواسطة عائلة ملكية ليست مصرية، كذلك كان يشعر بالخزي والعار من أن الساسة المصريين يساعدون في ترسيخ شرعية الاحتلال البريطاني، فتمنى أن يبنى تنظيمات ثورية بالجيش تقوم بطرد الاحتلال البريطاني من مصر، فقام بعقد اجتماعات مع الضباط في حجرته الخاصة بوحدته العسكرية بمنقباد وذلك عام 1938، وكان تركيزه في أحاديثه على البعثة العسكرية البريطانية ومالها من سلطات مطلقة وأيضا على كبار ضباط الجيش من المصريين وانسياقهم الأعمى إلى ما يأمر به الإنجليز، كما شهدت هذه الحجرة أول لقاء بين السادات وكل من جمال عبد الناصر، وخالد محي الدين، ورغم إعجاب السادات بغاندي إلا أنه لم يكن مثله الأعلى بل كان المحارب السياسي التركي مصطفى كمال أتاتورك، حيث شعر السادات بأن القوة وحدها هي التي يمكن من خلالها إخراج البريطانيين من مصر وتغيير النظام الفاسد والتعامل مع الساسة الفاسدة، كما فعل أتاتورك في اقتلاع الحكام السابقين لتركيا.
ولكن كيف يتحقق ذلك وهو في وحدته بمنقباد، وفى أوائل 1939 اختارته القيادة للحصول على فرقة إشارة بمدرسة الإشارة بالمعادي هو ومجموعة أخرى كان منهم جمال عبد الناصر، لم يكن عنده أمل في العمل بسلاح الإشارة الذي أنشأ حديثًا في الجيش حيث كان من أهم أسلحة الجيش في ذلك الوقت، ولابد لوجود واسطة كبيرة لدخوله، وفى نهاية الفرقة كان عليه إلقاء كلمة نيابة عن زملائه قام هو بإعدادها، وكانت كلمة هادفة ذات معنى علاوة على بلاغته وقدرته في إلقاءها دون الاستعانة كثيرا للورق المكتوب، وذلك ما لفت نظر الأمير الاى إسكندر فهمي أبو السعد، وبعدها مباشرا تم نقله للعمل بسلاح الإشارة، وكانت تلك النقلة هي الفرصة التي كان السادات ينتظرها لتتسع دائرة نشاطه من خلال سهولة اتصاله بكل أسلحة الجيش، كانت الاتصالات في أول الأمر قاصرة على زملاء السلاح والسن المقربين، ولكن سرعان ما اتسعت دائرة الاتصالات بعد انتصارات "الألمان" هتلر عام 39، 40، 41 وهزائم الإنجليز.
في هذه الأثناء تم نقل السادات كضابط إشارة إلى مرسى مطروح، كان الإنجليز في تلك الأثناء يريدون من الجيش المصري أن يساندهم في معركتهم مع الألمان، ولكن الشعب المصري ثار لذلك مما أضطر علي ماهر رئيس الوزراء في ذلك الوقت إلى إعلان تجنيب مصر ويلات الحرب كما أقر ذلك البرلمان بالإجماع وبناء على ذلك صدرت الأوامر بنزول الضباط المصريين من مرسى مطروح وبذلك سوف يتولى الإنجليز وحدهم الدفاع، وذلك ما أغضب الإنجليز فطلبوا من كل الضباط المصريين تسليم أسلحتهم قبل أنسحابهم من مواقعهم، وثارت ثورة الضباط وكان إجماعهم على عدم التخلي عن سلاحهم إطلاقا حتى لو أدى ذلك للقتال مع الإنجليز لأن مثل هذا الفعل يعتبر إهانة عسكرية، وذلك ما جعل الجيش الإنجليزي يستجيب للضباط المصريين.
وفى صيف 1941 قام السادات بمحاولته الأولى للثورة في مصر، وبدت السذاجة لخطة الثورة فقد كانت معلنة، حيث كانت تقضى بأن كل القوات المنسحبة من مرسى مطروح سوف تتقابل بفندق مينا هاوس بالقرب من الأهرامات، وفعلا وصلت مجموعة السادات الخاصة إلى الفندق وانتظرت الآخرين للحاق بهم، حيث كان مقررًا أن يمشى الجميع إلى القاهرة لإخراج البريطانيين ومعاونيهم من المصريين، وبعد أن انتظرت مجموعة السادات دون جدوى، رأى السادات أن عملية التجميع فاشلة ولم تنجح الثورة.
وطبعا كان نتيجة ذلك القبض على محمد أنور السادات وسجنه فتم طرد السادات من الجيش واعتقاله وإيداعه سجن الأجانب عدة مرات، حيث قام بالاستيلاء على جهاز لاسلكي من بعض الجواسيس الألمان "ضد الإنجليز" وذلك لاستغلال ذلك الجهاز لخدمة قضية الكفاح من أجل حرية مصر، وفى السجن حاول السادات أن يبحث عن معاني حياته بصورة أعمق وبعد أن مضى عامين (1942 : 1944) في السجن قام بالهرب منه حتى سبتمبر 1945 حين ألغيت الأحكام العرفية، وبالتالي انتهى اعتقاله وفقا للقانون، وفى فترة هروبه هذه قام بتغيير ملامحه وأطلق على نفسه اسم الحاج محمد، وعمل تباعا على عربة تابعة لصديقه الحميم حسن عزت، ومع نهاية الحرب وانتهاء العمل بقانون الأحوال العسكرية عام 1945 عاد السادات إلى طريقة حياته الطبيعية، حيث عاد إلى منزله وأسرته بعد أن قضى ثلاث سنوات بلا مأوى.
عقد السادات ومعاونيه العزم على قتل أمين عثمان باشا، وزير المالية في مجلس وزراء النحاس باشا لأنه كان صديقا لبريطانيا وكان من اشد المطالبين ببقاء القوات الإنجليزية في مصر، وكان له قول مشهور يشرح فيه العلاقة بين مصر وبريطانيا واصفًا إياها بأنها "زواج كاثوليكي" بين مصر وبريطانيا لا طلاق فيه، وتمت العملية بنجاح في السادس من يناير عام 1946 على يد حسين توفيق، وتم الزج بأنور السادات إلى سجن الأجانب دون اتهام رسمي له، وفى الزنزانة 54 تعلم السادات الصبر والقدرة على الخداع، حيث كانت تتصف هذه الزنزانة بأنها قذرة لا تحتوى على شيء إلا بطانية غير آدمية، وتعتبر تجارب السادات بالسجون هذه أكبر دافع لاتجاهه إلى تدمير كل هذه السجون بعدما تولى الحكم وذلك عام 1975 وقال حين ذاك: إن أي سجن من هذا القبيل يجب أن يدمر ويستبدل بآخر يكون مناسبا لآدمية الإنسان.
كما أدى حبس السادات في الزنزانة 54 بسجن القاهرة المركزي إلى التفكير في حياته الشخصية ومعتقداته السياسية والدينية، كما بنى السادات في سجنه علاقة روحانية مع ربه؛ لأنه رأى أن الاتجاه إلى الله أفضل شيء لأن الله سبحانه وتعالى لن يخذله أبدا. وأثناء وجوده بالسجن قامت حرب فلسطين في منتصف عام 1948، التي أثرت كثيرا في نفسه حيث شعر بالعجز التام وهو بين أربعة جدران حين علم بالنصر المؤكد للعرب لولا عقد الهدنة الذي عقده الملك عبد الله ملك الأردن وقت ذلك، والذي أنقذ به رقبة إسرائيل وذلك بالاتفاق مع الإنجليز، وفى أغسطس 1948 تم الحكم ببراءة السادات من مقتل أمين عثمان وتم الإفراج عنه، بعد ذلك أقام السادات في بنسيون بحلوان لكي يتمكن من علاج معدته من آثار السجن بمياه حلوان المعدنية.
في عام 1941 دخل السجن لأول مرة أثناء خدمته العسكرية وذلك إثر لقاءاته المتكررة بعزيز باشا المصري الذي طلب منه مساعدته للهروب إلى العراق، بعدها طلبت منه المخابرات العسكرية قطع صلته بالمصري لميوله المحورية غير أنه لم يعبأ بهذا الإنذار فدخل على إثر ذلك سجن الأجانب في فبراير عام 1942. وقد خرج من سجن الأجانب في وقت كانت فيه عمليات الحرب العالمية الثانية على أشدها، وعلى أمل إخراج الإنجليز من مصر كثف اتصالاته ببعض الضباط الألمان الذين نزلوا مصر خفية فاكتشف الإنجليز هذه الصلة مع الألمان فدخل المعتقل سجيناً للمرة الثانية عام 1943 لكنه استطاع الهرب من المعتقل، ورافقه في رحلة الهروب صديقه حسن عزت وعمل أثناء فترة هروبه من السجن عتالاً على سيارة نقل تحت اسم مستعار هو الحاج محمد وفى أواخر عام 1944 انتقل إلى بلدة أبو كبير بالشرقية ليعمل فاعلاً في مشروع ترعة ري.
وفي عام 1945 ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية سقطت الأحكام العرفية، وبسقوط الأحكام العرفية عاد إلى بيته بعد ثلاث سنوات من المطاردة والحرمان.
وكان قد التقى في تلك الفترة بالجمعية السرية التي قررت اغتيال أمين عثمان وزير المالية في حكومة الوفد ورئيس جمعية الصداقة المصرية البريطانية لتعاطفه الشديد مع الإنجليز.
وعلى أثر اغتيال أمين عثمان عاد مرة أخرى وأخيرة إلى السجن. وقد واجه في سجن قرميدان أصعب محن السجن بحبسه انفراديًا، غير إنه هرب المتهم الأول في قضية حسين توفيق. وبعدم ثبوت الأدلة الجنائية سقطت التهمة عنه فأفرج عنه.
بعد خروجه من السجن عمل مراجعًا صحفيًا بمجلة المصور حتى ديسمبر 1948 وعمل بعدها بالأعمال الحرة مع صديقة حسن عزت. وفي عام 1950 عاد إلى عمله بالجيش بمساعدة زميله القديم الدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص بالملك فاروق.
وفي عام 1951 تكونت الهيئة التأسيسية للتنظيم السري في الجيش والذي عرف فيما بعد بتنظيم الضباط الأحرار فانضم إليها، وتطورت الأحداث في مصر بسرعة فائقة بين عامي 1951 - 1952، فألغت حكومة الوفد معاهدة 1936 وبعدها اندلع حريق القاهرة الشهير في يناير 1952 وأقال الملك وزارة النحاس الأخيرة.
وفي ربيع عام [1952] أعدت قيادة تنظيم الضباط الأحرار للثورة، وفي 21 يوليو أرسل جمال عبد الناصر إليه في مقر وحدته بالعريش يطلب منه الحضور إلى القاهرة للمساهمة في ثورة الجيش على الملك والإنجليز. وقامت الثورة، وأذاع بصوته بيان الثورة، وقد أسند إليه مهمة حمل وثيقة التنازل عن العرش إلى الملك فاروق...(2)
ونريد أن نستوضح دور محمد أنور السادات بعد الثورة ، وهل كان هذا الدور ذو فاعلية أم أنه كان دورا روتينيا يستطيع أى فرد من أفراد مجلس قيادة الثورة القيام به ؟
هذا ما سوف تجيب عنه السطور القادمة بأذن الله تعالى
السادات بعد الثورة والسادات رئيسا للجمهورية
- في عام 1953 أنشأ مجلس قيادة الثورة جريدة الجمهورية وأسند إليه رئاسة تحرير هذه الجريدة. وفي عام 1954 ومع أول تشكيل وزاري لحكومة الثورة تولى منصب وزير دولة وكان ذلك في سبتمبر 1954.
- وانتخب عضواً بمجلس الأمة عن دائرة تلا ولمدة ثلاث دورات ابتداءً من عام 1957. وكان قد انتخب في عام 1960 أنتخب رئيساً لمجلس الأمة وكان ذلك بالفترة من 21 يوليو 1960 ولغاية 27 سبتمبر 1961، كما أنتخب رئيساً لمجلس الأمة للفترة الثانية من 29 مارس 1964 إلى 12 نوفمبر 1968.
- كما أنه في عام 1961 عين رئيساً لمجلس التضامن الأفرو – آسيوي.
- في عام 1969 اختاره جمال عبد الناصر نائباً له، وظل بالمنصب حتى يوم 28 سبتمبر 1970.
- بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 وكونه كان نائباً للرئيس أصبح رئيساً للجمهورية. وقد اتخذ في 15 مايو 1971 قراراً حاسماً بالقضاء على مراكز القوى في مصر وهو ما عرف بثورة التصحيح، وفي نفس العام أصدر دستورًا جديدًا لمصر.
- وقام في عام 1972 بالاستغناء عن ما يقرب من 17000 خبير روسي في أسبوع واحد في خطأ استراتيجي كلف مصر الكثير إذ كان السوفييت محور دعم كبير للجيش المصري وكان الطيارين السوفييت يدافعون عن سماء مصر التي كان الطيران الإسرائيلي يمرح فيها كيفما شاء ومكن هؤلاء الخبراء مصر من بناء منظومة الدفاع الجوي الصاروخي لكن السادات حاول التقرب لأمريكا فأقدم على خطوة كهذه بينما يؤمن الكثيرون بأن إقدام السادات على هذا التخلي كان من خطوات حرب أكتوبر، حيث أراد السادات عدم نسب الانتصار إلى السوفيت.
- وكذلك من أهم الأسباب التي جعلته يقدم على هذه الخطوة هو أن الاتحاد السوفياتي أراد تزويد مصر بالأسلحة بشرط عدم استعمالها إلا بأمر منه، حيث أجابهم السادات بكلمة: (أسف) فلا اقبل فرض قرار على مصر إلا بقراري وقرار الشعب المصري، وقد أقدم على اتخاذ قرار مصيري له لمصر وهو قرار الحرب ضد إسرائيل التي بدأت في 6 أكتوبر 1973 عندما استطاع الجيش كسر خط بارليف وعبور قناة السويس فقاد مصر إلى أول انتصار عسكري على إسرائيل...(3)
وهنا نود أن نستوضح حقيقة العلاقة بين محمد أنور السادات والإخوان المسلمون لأنها لطالما كانت موضع جدل بين الباحثين .
علاقة محمد أنو السادات بالإخوان المسلمين
يكشف لنا حقيقة هذه العلاقة ثلاثة محاور متزامنة والمفاجئة أن جميع هذه المحاور أكددت أن محمد أنور السادات لم يكن محبا للإخوان فقط بل كان واحدا منهم !!
المحور الأول: المفاجئة التي كانت من العيار الثقيل التى أعلنتها السيدة/ رقية السادات نجلة الرئيس السابق محمد أنور السادات وكاتمة أسراره في حوارها مع (ولاد البلد) تكشف رقية السادات أشياء في حياة أبيها، وكذلك تتحدث عن مذكراتها التي تكتبها منذ ربع قرن وتؤكد فى هذه المذكرات أن والدها محمد أنور السادات كان من الإخوان المسلمين .
تقول السيدة/ رقية السادات: فارق السن كان بسيطا بيننا ولم يتعد 23 عاما، ولذلك فالعلاقة التي نشأت بيني وبين والدي كانت حميمة للغاية، وكأنني اخترته واختارني، فالعلاقة ليست بنوة وفقط، وإنما كانت علاقة إخوة وصداقة، كما كان لي بمثابة الأخ والصديق والابن والحبيب، وكنت في كثير من الأحيان أشعر بأنني أمه وتوأم روحه، حيث كان يجمعنا التصاق روحي عجيب.
ومذكراتي سوف تكشف المستور في حياة الرئيس وفي مماته، وإلا كيف تكون مذكرات وهي لن تسرد جديدا؟، حياة الرئيس فيها الكثير مما لا يعلمه الناس خلاف ما ذكرت، وقد بدأت في كتابتها عندما استشهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومازلت أدون فيها حتى هذا الوقت، وسوف تصدر قريبا في السوق وأتوقع أن ُتحدث ضجيجا فور صدورها فهذه المذكرات سوف تحمل الكثير عن علاقات والدي بالقوي السياسية الموجودة آنذاك أو ما يسمي بالجبهة الداخلية، وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين.
وتقول السيدة / رقية السادات: كما أفرد في هذه المذكرات جزء كبيرا عن الرئيس المؤمن في تدينه وصومه الثلاثة أشهر الحرم، واعتكافه في مسقط رأسه بميت أبو الكوم طوال شهر رمضان، وتسجيله للقرآن الكريم بصوته علي شرائط كاسيت، علاوة عن الحديث عن انضمامه لإحدى شعب الإخوان المسلمين وحديثة بأنه كان واحدا من الإخوان المسلمين ...(4)
المحور الثاني: ما رواه الأستاذ/ محمد حامد أبو النصر المرشد العام الرابع لجماعة الإخوان المسلمين من تعاطف السادات مع قضية الإخوان المسلمين وأوامره للحرس فى المعتقلات بالمعاملة الكريمة معهم وقراره بعد ذلك بالإفراج عنهم ،حيث قال الأستاذ المرشد /محمد حامد أبو النصر: ومما يجدر ذكره، أن السادة الضباط كانوا يعاملوننا معاملة طيبة مليئة بالرأفة والرحمة، منذ أول يوم تولى فيه الرئيس محمد أنور السادات مقاليد الحكم .
ثم يقول الأستاذ المرشد العام الرابع لجماعة الإخوان المسلمين/ محمد حامد أبو النصر: في عام 1970 أمر السادات بالإفراج عنا حيث تم ترحيلنا على دفعات إلى سجن مزرعة طرة،توطئة للإفراج عنا، وهذا السجن، كانت حجراته واسعة، تسع أكثر من عشرين سجيناً، وكانت المعاملة لا بأس بها وفي هذا السجن تم لقاء بين مجموعة من ضباط المخابرات وبين جميع الإخوان المسلمين المسجونين في هذا السجن، وكان لقاءً أشبه بالحوار المفتوح بين الإخوان، وضباط المباحث، فقد عرض الإخوان أفكارهم ودافعوا عن دعوتهم وجماعتهم بصراحة ووضوح، ولم يجعلوا من أسوار السجن حائلاً دون توضيح موقفهم، وشرح رسالتهم من يوم أن أسست جماعتهم، وأنهم سيظلون حاملين راية الإسلام، ويدافعون عنها، ويحمونها بأكرم ما يملكون من أعز المهج والأرواح، وكان هذا الوضوح والبيان دون لف أو دوران محل إعجاب واستغراب ضباط المباحث وغرابتهم وانتهى اللقاء، وبدأ الإفراج عنا على دفعات بأوامر من السادات الذى كان مقتنعا بقضيتنا ونبل غايتنا...(5)
هكذا يكون السادات قد أفرج عن جميع كوادر وقيادات الإخوان المسلمين ، والغريب أن هذا الإفراج جاء مع أول عام لتولية الحكم ، مما يؤكد عند غالبية الباحثين أن السادات كان مقتنعا بقضية الإخوان قبل توليته الحكم وهذا الإفراج السريع عن الإخوان المسلمين فى أول عام لتولى محمد أنور السادات الحكم كان علامة استفهام كبيرة عند باحثين آخرين.
المحور الثالث: ما أعلنه السادات شخصيا في مقاله الذي يحمل عنوان "نحن والإخوان المسلمون" وأعلن بوضوح الرئيس السادات: أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سامية الأهداف نبيلة الأعراض!
ويقول محمد أنور السادات أيضا فى هذا المقال: "ونحن كمسلمين نفهم ديننا على حقيقته، وندرك حدود تعاليمه، نرى الإسلام مجموعة من الفضائل لا يكمل الدين الحق إلا بها جميعًا، وتنطوي تحت لواء هذه المجموعة من الفضائل؛ الفدائية والصدق والاستقامة والوطنية والنأي بالوطن عما يفرق كلمة بنيه، ويعرضه لنيران الفتن، ولهذا كنا أحرص الناس على بقاء جماعة الإخوان المُسلمين لاعتقادنا أنها جماعة صالحة تدعو لدين الله ولما رسمه الإسلام من أخلاق كريمة ترفع شأن المسلمين وتعزز مجدهم وهي نفس المبادئ التي اعتنقاها عن إيمان ويقين؛ لا لأنها مبادئ الإخوان المسلمين، بل لأنها مبادئ الإسلام نفسه التي يجب أن يتمسك بها كل مسلم، فإذا جاء اليوم هذا النفر الذي أراد أن ينحرف بهذه الجماعة الصالحة عن أهدافها الصالحة، وزعم أننا نحارب الإسلام حين نحاربها، فلن يجدوا من يصدق زعمهم، فنحن لسنا الذين نبيع ديننا بدنيانا، ونحن لسنا الذين نحرص على جاه أو منصب، بعد أن قدمنا رؤوسنا وأعناقنا نفتدي بها مصر.
واستطرد السادات في مقاله قائلاً: "إن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة سامية الأهداف نبيلة الأغراض ولكنها ــ ككل هيئة أو جماعة ــ تضم بين صفوفها بعض من تنطوي نفوسهم على دخل وليس عجبًا أن يظهر أمثال هؤلاء في هذه الجماعة الصالحة، فقد ابتلي الإسلام بمثلهم في مستهل دعوته، وأبتلي الرسول بمثلهم من الموهنين وضعاف العزائم والناكصين على الأعقاب ومُحبي الجاه والسلطان أمثال أبي سفيان، فليس عجبًا أن بين هذه الجماعة المؤمنة بعض ضعاف الإيمان أو بعض الساعين إلى الجاه والسلطان وحين يطغى الغرض الذاتي على الهدف النبيل، فمن الواجب على كل مسلم أن يجنب المسلمين شر هذه الفتنة وهذا ما فعلناه لا لحماية أنفسنا بل لحماية الدعوة النبيلة والقصد والكريم، بل ولحماية الإخوان أنفسهم ممن فرضوا عليهم "السمع والطاعة" هذا هو رأينا فليجادلنا فيه من يؤمن بقوله تعالى :"إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" (صدق الله العظيم)
يتبادر الى أذهان غالبية الباحثين صدق كون السادات واحد من تنظيم الإخوان ، وخصوصا أن ما جاء فى هذا السياق من معلومات جاء من مصادر مقربة جدا من السادات ، خصوصا أبنته السيدة / رقية السادات وما صدر على لسانه هو شخصيا ، وما جاء به من أفعال مثل الإفراج عن الإخوان المسلمين من سجونهم ومعتقلاتهم ، لذلك يرى معظم الباحثين أن الرئيس السابق / محمد أنور السادات إن لم يكن من الإخوان المسلمين فهو من أكثر الناس إيماننا بقضيتهم ونبل غايتهم.
يتبقى لنا أن نعرف كيف مات محمد أنور السادات وهل كانت علاقته بالإخوان المسلمين سببا فى موته ، هذا ما سوف نستوضحه بإذن الله تعالى.
أمريكا تغتال السادات لعلاقته بالإخوان
أغلب الكتب التي صدرت عن عملية اغتيال أنور السادات ركزت على الأسباب الظاهرة التي تتلخص فى عوامل الاحتقان السياسي الداخلي، خصوصا من جانب الجماعات الإسلامية المتطرفة التي يرجع الفضل له هو فى إطلاق سراحها من القمقم، ثم انقلب السحر على الساحر وخرجت هذه الجماعات لكي تغتال أنور السادات فى النهاية فى يوم 6 أكتوبر 1981 المشهود.
هناك عدد قليل من الكتب تعرض لحقيقة اغتيال أنور السادات، ولكن كلها لم تتمكن من رسم صورة كاملة لعملية اغتياله. إلا أن السوق الأمريكي شهد مؤخرا صدور كتابين من أهم الكتب التي تمكنت بصورة كبيرة من رسم صورة شبه كاملة لعلاقة السادات بالدوائر الأمريكية وللدور الذى لعبته فى اغتيال أنور السادات فى 6 أكتوبر 1981.
الكتاب الأول هو: كتاب "لعبة الشيطان" الذي كتبه الخبير "روبرت دريفوس" وهو المحلل السياسي الأمريكي المعروف فى شئون الإرهاب الديني فى العالم الإسلامي.
أما الكتاب الثانى فهو من أخطر الكتب التي صدرت مؤخرا فى السوق الأمريكي منذ شهر واحد فقط وانفردت بكشف أسرار مثيرة حول مشاركة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى اغتيال أنور السادات.
اسم الكتاب هو: "مقدمة للإرهاب:أدوين ويلسون وميراث شبكات المخابرات الخاصة الأمريكية"، ومؤلف الكتاب هو "جوزيف جي ترينتو" الذى سبق له وألف واحدا من أكبر وأهم الكتب عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهو كتاب -التاريخ السرى لل سى. آى. إيه-. وكان المؤلف -ترينتو- يعمل قبل 35 عاما ضابطا فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلا أنه استقال وعمل محققا خاصا وتزوج من محامية متخصصة فى شئون قضايا هذه الوكالة.
ويرى هؤلاء الباحثين فى مؤلفاتهم أن المخابرات الامريكية تخلصت من السادات لسببين:
السبب الاول:
بصراحة يقول جوزيف ترينتو فى كتابه "مقدمة للإرهاب" إن السادات راح ضحية تحالف حفنة من أكبر السياسيين المصريين الفاسدين الذي التفوا حوله منذ منتصف السبعينيات وقربهم إليه، إلا أنهم استغلوا هذه العلاقة وكونوا شبكة فساد ونفوذ وبيزنس مع شبكة خاصة داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وكان قد كشف عن هذه المجموعة الفاسدة الإخوان المسلمون.
وكان اكتشاف السادات لهذه العلاقات قبل بضعة أيام من اغتياله قد أصابه بالذهول وكان ينوى التخلص من هذه الشبكة المصرية الأمريكية، إلا أنها تغدت به فى ظهيرة 6 أكتوبر 1981 قبل أن يتعشى هو بها بعد مرور هذا اليوم أو حتى فى ساعات مسائه بعد انتهاء العرض العسكري.
ويذكر جوزيف ترينتو فى كتابه أسماء مذهلة عن السياسيين الفاسدين المحيطين ب أنور السادات- ويذكر تحالفهم المشبوه مع الشبكة الخاصة التى تكونت داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتي كشفها للسادات الإخوان المسلمون وقد كانت ويا للعجب هذه المجموعة من الفاسدين هي المسئولة عن النظام الأمني الخاص الذي وضعته لأنور السادات كانت هذه الشبكة ومعها السياسيون المصريون الفاسدون تعرف بخطة جماعة الجهاد لقتل السادات، فقررت استغلالها حتى تتخلص من السادات الذي كان قد أصبح فى ذلك الوقت عبئا على جهات عديدة، ويبدو أن قرار موته والتخلص منه كان قد أصبح مطروحا بقوة على أجندة عدد من العواصم العالمية فى هذه الفترة العصيبة المعقدة.
إلا أن ال -سى. آى. إيه- لم تلتفت إلى الجن الذى كانت قد أخرجته من القمقم بمعرفة أنور السادات وهو جن الأصولية الإسلامية، كان كل هم الأمريكان هو استخدام السادات كرأس حربة فى حربهم الباردة ضد السوفييت، وقد حقق لهم ما أرادوه ولكن بعد إخراج جن الأصولية الإسلامية من القمقم، وهو ما قاده إلى المنصة الدامية...(7)
السبب الثاني:
خوف ال-سى. آى. إيه- المخابرات المركزية الأمريكية صراحة من تتطور علاقة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بجماعة الإخوان المسلمين .
حيث تم كشف الكثير من اللقاءات التي كانت تتم بين كلا من السادات وأعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الأستاذ / محمد حامد أبو النصر وهذه اللقاءات تم رصدها من جانب المخابرات الأمريكية .
كما تم الكشف عن أن السادات قام باتخاذ الإخوان المسلمين سفراء له يقومون بدور إيجابي فى حل مشكلة العزله التى فرضها العرب على مصر بعد معاهدة كامب ديفيد فكان الإخوان يحركون المياه الراكدة بين السادات والكثير من الدول العربية والإسلامية وكانت لمساعيهم نتائج إيجابية كثيرة ، كادت أن تحقق المصالحة بين كلا من مصر والعرب ، وهو ما خشيته الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تم الكشف عن الكثير من دراسات الجدوى لمشاريع دستورية واقتصادية كان يتبناها الإخوان المسلمون فى برنامجهم للإصلاح ، كان السادات مقتنعا بها ويريد تنفيذها مثل مشروع تعمير الصحراء .
وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة للتخلص من الرئيس السابق محمد أنور السادات.
وفي 6 أكتوبر من العام 1981م ، تم اغتياله في عرض عسكري كان يقام بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، وقام بقيادة عملية الاغتيال خالد الإسلامبولي التابع لمنظمة الجهاد الإسلامي التي كانت تعارض بشدة اتفاقية السلام مع إسرائيل ولم يرق لها حملة القمع المنظمة التي قامت بها الحكومة في شهر سبتمبر .
يذكر المؤلف أن المملكة العربية السعودية ممثلة فى كمال أدهم رئيس المخابرات العامة السعودية كان يقوم بدور الوسيط مابين المخابرات المركزية الأمريكية وبين جماعة الجهاد المصرية دون علم جماعة الجهاد بأن كمال أدهم عميلا للمخابرات المركزية الأمريكية ، وقد قامت جماعة الجهاد باغتيال السادات وهى لا تدرى بالدور الامريكى !!..(8)
المراجع
1-كتاب البحث عن الذات (للسادات).
2-كتاب قصة الثورة كاملة (للسادات).
3-كتاب ثورة على النيل (للسادات).
4-شبكة إ ب الخضراء (بقلم /رضا الباشا).
5-كتاب حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر.
6-صحيفة الجمهورية الصادرة بتاريخ 19 /1/ 1954م .
7-كتاب مقدمة للإرهاب:أودين ولسون وميراث شبكات المخابرات الخاصة الأمريكية للمؤلف جوزيف جي ترينتو (مكتبة الإسكندرية).
8-كتاب لعبة الشيطان (تأليف / الخبير/ روبرت دريفوس / وهو محلل سياسى أمريكي معروف فى شئون الإرهاب الديني فى العالم الإسلامي (مكتبة الإسكندرية).