جمال عبد الناصر
موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)
مقدمة
لم تشهد أى علاقة تاريخية بهذا الكم من الإلتباسات والأحداث كما شهدت علاقة الرئيس السابق جمال عبدالناصر بالإخوان المسلمين فمن عضو مبايع لها إلى أشد من هاجمها وعذب واعتقل بل وأعدم قادتها.
وظلت هذه العلاقة مثار اهتمام العديد ليس الباحثين والكتاب وفقط بل وعموم الناس أيضاً وكتب العديد من الكتب والدراسات التي تتناول هذه العلاقة التاريخية بين منكر لهذه العلاقة أو متحامل على طرف دون الآخر ونحن سنحاول قدر الإمكان في عرضنا لهذه العلاقة الحيادية وطرح العلاقة كما تداولنها بعض القيادات التاريخية دون ترجيح رأى هذا أو ذاك.
وبداية نبدأ بالسيرة الذاتية للرئيس السابق جمال عبد الناصر وهى مقتطفات من سيرته الذاتية والتي كتبتها ابنته د/ هدى جمال عبد الناصر.
السيرة الذاتية لجمال عبد الناصر
- ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .
- كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة .
جمال عبد الناصر فى المرحلة الابتدائية
- التحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه في عامي ١٩٢٣ ، ١٩٢٤ .
- وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداى تايمز" – ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين ".
- وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية .
جمال عبد الناصر فى المرحلة الثانوية
- التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .
- وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.
- ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.
- ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات؛ حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وإني لأذكر أنى – في محاولة يائسة – ألقيت حجراً، لكنهم أدركونا في لمح البصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية.
- ولما كنت في قسم البوليس، وأخذوا يعالجون جراح رأسي؛ سألت عن سبب المظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت للاحتجاج على سياسة الحكومة.
- وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب".. (حديث عبد الناصر مع "دافيد مورجان" مندوب "صحيفة الصنداى تايمز" ١٨/٦/١٩٦٢) .
- وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.
- وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.
- وقد كتب جمال في فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢ سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: يقول الله تعالى:"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، فأين تلك القوة التي نستعد بها لهم؛ إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق...".
- ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب "فلسفة الثورة " فقال: "وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور".
- وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذه الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع ناظر المدرسة في قراره.
جمال عبد الناصر ضابطاً
- لما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.
- تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.
- ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.
- تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي في يوليو ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.
- التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيي الدين وأنور السادات.
- وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيي الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو ١٩٤٠ رقى إلى رتبة الملازم أول.
- وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.
- رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في ٩ سبتمبر ١٩٤٢. وفى ٧ فبراير ١٩٤٣ عين مدرساً بالكلية الحربية. ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال "ليدل هارت" و"كلاوزفيتز"، كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل "كرومويل" و"تشرشل". وفى هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب.
- وفى ٢٩ يونيو ١٩٤٤ تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم. لعبت تحية دوراً هاماً في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في ١٩٥١، ١٩٥٢.
تنظيم الضباط الأحرار
- شهد عام ١٩٤٥ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، ويقول جمال عبد الناصر في حديثة إلى "دافيد مورجان": "وقد ركزت حتى ١٩٤٨ على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".
- وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٧ عقد الضباط الأحرار اجتماعاً واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.
- وجاءت القطرة الأخيرة التي طفح بعدها الكيل حين صدرت الأوامر إلىّ بأن أقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، وقبل أن أبدأ في التحرك نشرت تحركاتنا كاملة في صحف القاهرة. ثم كان حصار الفالوجا الذي عشت معاركه؛ حيث ظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيراً من ناحية العدد حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة " في ٢٤ فبراير ١٩٤٩.
- وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرساً في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في ١٢ مايو ١٩٤٨. وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيي الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيي الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام ١٩٥٠، ١٩٥١.
- وفى ٨ مايو ١٩٥١ رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى (مقدم) وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سراً في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية ١٩٥٢، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.
- وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام ١٩٥٢ اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلاً بدئوا باللواء حسين سرى عامر - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.
- ثم حدث حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢ بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجاً على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها ٤٦ شرطياً وجرح ٧٢. لقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت ١٢ ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر ٢٢ مليون جنيهاً.
- وفى ذلك الوقت كان يجرى صراعاً سافراً بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء حسين سري عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرياسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر – رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة التي كان محدداً لها قبل ذلك عام ١٩٥٥، وتحرك الجيش ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها .
- وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة - وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢ عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.
تعيين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة
- وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء.
- وقد تجلى الصراع داخل مجلس قيادة الثورة في هذه الفترة في القرارات التي صدرت عنه وفيها تراجعاً عن المضى في الثورة، فأولاً ألغيت الفترة الانتقالية التي حددت بثلاث سنوات، وتقرر في ٥ مارس ١٩٥٤ اتخاذ الإجراءات فوراً لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المباشر على أن تجتمع في يوليو ١٩٥٤ وتقوم بمناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقاً لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية. وفى نفس الوقت تقرر إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحافة والنشر.
- وثانياً: قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيساً للمجلس ورئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.
- وأخيراً قرر مجلس قيادة الثورة في ٢٥ مارس ١٩٥٤ السماح بقيام الأحزاب وحل مجلس قيادة الثورة يوم ٢٤ يوليو ١٩٥٤ أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية. (قرار المجلس بالسماح بقيام أحزاب).
إرجاء تنفيذ قرارات المجلس التى صدرت فى ٢٥ مارس ١٩٥٤:
- وبالرغم من إلغاء مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات في ٢٩ مارس ١٩٥٤ (قرار المجلس بإرجاء تنفيذ قرارات ٢٥ مارس ١٩٥٤) إلا أن الأزمة التي حدثت في مجلس قيادة الثورة أحدثت انقساماً داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيي الدين وبين جمال عبد الناصر وباقي الأعضاء.
- وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت حادثة المنشية.
- وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.
- وفى ٢٤ يونيو ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثورة.
- وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.
بداية علاقة عبد الناصر بالإخوان
تمكن عبد المنعم عبد الرءوف من تجنيد جمال عبد الناصر وضمه "للجمعية السرية لضباط الجيش" عام 1944 ، وظل عبد الرءوف طيلة المدة من 1944 وحتى 15 مايو 1948 هو المسؤول عن التنظيم السري داخل الجيش ،متعاونا مع الفريق عزيز المصري والشيخ حسن البنا والصاغ محمود لبيب ،وهناك بعض المصادر التي تشير إلى أن ارتباط عبد الناصر بالإخوان كانت عن طريق الشيخ الباقوريٍ.
في هذه الفترة أعجب بعض ضباط الجيش بما كانت تتميز به جماعة الإخوان من الإنضباط والروح المحاربة ،وقد استجاب الإخوان وألحقوا الضباط الذين تجاوبوا معهم بالنظام الخاص، وتم اتصالهم بعبد الرحمن السندي في سرية مطلقة حيث ،وتم تخصيص الشيخ سيد سابق ليعطيهم دروسا في الفقه والثقافة الإسلامية عوضا لهم عن عدم حضورهم محاضرات الإخوان العامة.
ولما كثر عدد المنتسبين من الضباط في النظام الخاص وضاقت قدرات عبد الرحمن السندي وثقافته عن تلبية نوازعهم الفكرية وأشواقهم إلى العمل الجدي، أفرد لهم حسن البنا قسما خاصا يرأسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان وقتئذ . وأطلق محمود لبيب اسم الضباط الأحرار على هذا القسم التابع للإخوان داخل الجيش..
عبد الناصر والاستقلال بالتنظيم
ولكن ما لبث حماس الضباط للإخوان أن فتر سنة 1946 فقرروا البعد بحركتهم عن أية صلة بالإخوان وأن تقتصر على الجيش وتولدت لديهم الرغبة في التحرر من ارتباطهم بالإخوان وبدأ عبد الناصر في تحويل ولاء الضباط له دون علم الصاغ محمود لبيب خاصة بعدما ضاق الضباط حين وجدوا أنفسهم وقد سجلت أسماؤهم في فصول لتعليمهم –بواسطة مدنيين- كيفية استخدام البندقية وفكها ،مع أنهم كانوا يتوقعون أن يستعان بهم في التدريب العسكري لأعضاء الجماعة ، كما وجد هؤلاء الضباط مشاكل تنظيمية داخل الجماعة يستحيل معها اختراق حاجز التدرج الهرمي للمراتب .
وفي عام 1945 بدا أن لجمال عبد الناصر اعتراضات جوهرية على أسلوب الإخوان ومنهجهم في نشر الفكر الإسلامي عن طريق التربية والتعليم حتى تصبح له أغلبية شعبية تضغط على الحكومة لتنفيذه وإلا قاموا بالمظاهرات والإضرابات والعصيان المدني، ورأى عبد الناصر" أن هذا الأسلوب سيطول جدا وربما يتعذر تنفيذه ولا يجعل لنا نحن ضباط الجيش دورا ملموسا وسنكون تابعين لا متبوعين".
وابتداء من عام 1950 بدأ عبد الناصر في إعادة التنظيم السري لضباط الجيش والذي توقف عام 1948 وبدأ يضم عناصر أخرى من غير الضباط الإخوان ،وخاصة الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا وغيرهم ممن يلمس فيهم الشجاعة والكتمان . وبموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان بضباط الجيش وبدأ عبد الناصر يستقل بالتنظيم.
وقد حدث خلاف بين عبد المنعم عبد الرءوف وجمال عبد الناصر حول تبعية تنظيم الضباط الأحرار للإخوان المسلمين .. وقد بدأ ذلك منذ عام 1943 .. وتدريجيا رفض عبد الناصر وبقية الضباط هذه التبعية فانسحب عبد المنعم عبد الرءوف من لجنة قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة ،وكان لهذا الخلاف جذور ،ومن مظاهره ما حدث عندما قام جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف وأبو المكارم عبد الحي وكمال الدين حسينال بزيارة السندي بمستشفى قصر العيني – وكان محبوسا في قضية السيارة الجيب - وكان بين الزائرين خلاف كبير في الرأي .. فجمال عبد الناصر يقول إن منهج الإخوان طويل ولا يوصل إلى شيء ،فما جدوى أن تجمع الضباط في مجموعات لحفظ القرآن والحديث ودراسة السيرة ..إلخ ،وما ضرنا لو انضم إلينا ضابط وطني من غير دين الإسلام؟ وهكذا أصبح جمال عبد الناصر – وباعتراف قادة الإخوان – هو الشخص الوحيد الذي أشرف على تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين عام 1948 وكان يعرف الضباط كلهم واحدا واحدا وفي يده كل خيوط التنظيم.
وأمسك عبد الناصر في يده منذ عام 1950 بكل أمور التنظيم السري واستطاع ابتداء من هذا التاريخ إقناع الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الاتصال بالإخوان خشية اكتشاف الحركة.
عبد الناصر عضو بالإخوان المسلمين
يقول المستشار الدمرداش العقالي فى مذكراته والتي نشرت جريدة العرب اليوم بعضها:
- الصحيح أن جمال عبد الناصر حسين لم يكن فقط جزءا من حركة الإخوان المسلمين من حيث العمل الثوري, بل هو نبتة إخوانية منذ الأساس, ولدي على ما أقوله أكثر من دليل.. وعندما أحس الضباط المصريون بالرغبة في التغيير عام 1942 كان منطقيا أن ينصرفوا بأذهانهم إلى أكثر الحركات قدرة على معاونتهم لإحداث التغيير, ولهذا فإنه من الثابت أن اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين قد إنخرط في صفوف الإخوان المسلمين عام 1942 مشكلا مع عبد المنعم عبد الرؤوف, وأبو المكارم عبد الحي,ومحمود لبيب, الجهاز الخاص للإخوان المسلمين في الجيش, ولم يكن إسم الضباط الأحرار قد ظهر بعد, فكان هذا التشكيل السري في الجيش الذي إنخرط فيه عبد الناصر مجرد فرع للجهاز الخاص الذي أسسه حسن البنا عام 1938 وقد بايع جمال عبد الناصر حسن البنا المرشد العام للحركة بنفس الطريقة التي بايعه بها أي عضو آخر في التنظيم أو الحركة, وأصبح جمال عبد الناصر منذ ذلك الوقت من عام 1942 عضوا عاملا في جماعة الإخوان المسلمين, وقد ظلت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا وعبد الرحمن السندي في القطاع المدني,وجمال عبد الناصر في القطاع العسكري, تعمل لتغيير الأوضاع في مصر والاستيلاء على السلطة, كما كان مقدرا لها في عام ,1955 فقد قدرت قيادة الإخوان أنه في هذا العام يكون قد توافر لها من الإمكانات المادية والبشرية والحركية ما يمكنها من الاستيلاء على السلطة في مصر.
ويضيف المستشار العقالى:
- وعندما صدر قرار بحل الحركة في 8/12/,1948 واعتقل جميع قيادة الإخوان ماعدا حسن البنا المرشد العام للحركة ورأسها المدبر, حينئذ أيقن الرجل أنه استبقى ليصفى, لأنه لا معنى لأن يعتقل جميع قيادات الإخوان وهم دونه, إلا أن يكون ذلك الأمر يدبر له خاصة, فأعد وصيته وذهب بها ليسلمها إلى صالح حرب باشا في جمعية الشبان المسلمين في الليلة التي قتل فيها.
- وقد كتب البنا موصيا بأن يكون المسؤول عن جماعة الإخوان المسلمين في حالة اغتياله أو غيابه هو عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز الخاص أو التنظيم السري للإخوان المسلمين, وإذا لم يكن السندي موجودا يصبح جمال عبد الناصر حسين هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين,وبعد اغتيال حسن البنا بأيام معدودة ضبط عبد الرحمن السندي في القضية المشهورة باسم سيارة الجيب التي كانت تحمل الوثائق الخاصة بالأسماء الحركية لجميع أعضاء التنظيم السري لحركة الإخوان المسلمين.. وبعد دخول عبد الرحمن السندي السجن, إنصرفت الأنظار إلى جمال عبد الناصر حسين ليقود الإخوان المسلمين كما جاء في وصية المرشد العام..(2)
وفى موضع آخر يؤكد المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد السابق للإخوان المسلمين في تصريح صحفي له نشر بجريدة الشرق الأوسط عام 2002 يقول الخبر:
- قال المستشار مأمون الهضيبي نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو (تموز) حلف على المصحف والسيف لمبايعة الإخوان بشهادة خالد محيي الدين رفيقه في تنظيم الضباط الأحرار.
- وأشار في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» الى أن خالد محيي الدين قال في مذكراته «الآن أتكلم»: انه ذهب مع جمال عبد الناصر الى مكان ما بحي السيدة زينب (حي شعبي شهير في القاهرة) قبل سنة 49 وحلف على المصحف والسيف أي انه من الإخوان ولا أتصور أن خالد محيي الدين سيكذب على نفسه وعلى عبد الناصر.
- وتأتي تصريحات الهضيبي لتحسم جدلا أثير خلال الندوات التي أقيمت ضمن الاحتفال باليوبيل الذهبي لثورة 23 يوليو وكان قد جرى نقاش بين استاذ التاريخ جمال شقرة والدكتورة هدى جمال عبد الناصر ابنة الرئيس الراحل حول عضوية ناصر في جماعة الإخوان المسلمين، وقد اكد الباحث عضوية عبد الناصر بينما نفت هدى ذلك.
- وقد عدد الهضيبي مجموعة من الشواهد التي تؤكد علاقة عبد الناصر بالإخوان منها انه لجأ الى منير دلة وحسن العشماوي وهما من الإخوان عند حدوث حريق القاهرة حيث كانت لديه اسلحة وخشي ان يتعرض بيته للتفتيش فأخفى هذه الاسلحة لدى الإخوان في عزبة بالشرقية.
- وأضاف أن عبد الناصر كان يبيت احيانا عند صلاح شادي عضو الإخوان فضلا عن أن بد اللطيف البغدادي عوحسين الشافعي من قادة ثورة يوليو قالا أن الإخوان كانوا يعلمون بموعد الثورة وانهم لم يبلغوا عنها وان قائد القوات التي حاصرت قصر عابدين يوم 26 يوليو هو الضابط أبو المكارم عبد الحي، وكان من بين الضباط الذين حاصروا قصر رأس التين الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف وهما من الإخوان ووجدوهما في اللحظات الحاسمة في الثورة وفي هذه المواقع الحساسة يؤكد علاقة عبد الناصر بالإخوان وكشف الهضيبي في ختام تصريحاته عن حادثة زيارة المرشد العام للإخوان المسلمين الى عبد الناصر وقتئذ المستشار حسن الهضيبي يوم 26 يوليو 1952 أي بعد قيام الثورة بثلاثة ايام ويوم خروج الملك، وحين عاد قال ان عبد الناصر يشعر انه الملك الجديد وهو يعمل مستقلا وحاول ان يقنع الإخوان أن عبد الناصر لم يعد منهم..(3)
ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته (أرغمت فاروق على التنازل عن العرش) تفاصيل انضمام عبد الناصر للإخوان المسلمين فيقول:
- استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 ان أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين, وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين, ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذي نقل على قوة الكتيبة, ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية, وكان منزله قريبا من منزلي بحى السيدة زينب, وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا ( الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا. ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة( توفى إلى رحمة الله عام 1962), وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين , واكتمل عددنا سبعة عام 1944, وواظبنا على اللقاء أسبوعيا في بيت هذا مرة, وفى منزل ذاك مرة أخرى, وهكذا, ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.
- وكانت أحاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة, وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطنيين, وتكالب الأحزاب على الحكم, وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.
ويضيف عبد الرؤوف فيقول:
- واتفقنا على دفع اشتراك شهرى قدره خمسون قرشا, وتكوين مكتبة إسلامية للضباط الإخوان, وكانت أمانة الصندوق طرف الصاغ محمود لبيب, وكان المسئول عن المكتبة الملازم أول حسين حمودة وكنا كلما حل مساء الثلاثاء التقينا لنستمع إلى رأى الإخوان المسلمين فى مشكلات الساعة داخليا وخارجيا, أو نستمع إلى محاضرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بين هتافات الإخوان التى تهز وجدان كل مسلم. وكنا حريصين على أن يكون ذهابنا إلى درس الثلاثاء, وجلوسنا وعودتنا متفرقين, اتقاء لعيون المخابرات.
- وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش, فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفى ومصطفى بهجت, ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضري وعبد الرحمن محمد أمين ومجدي حسنين وإبراهيم الطحاوي, ومن المشاة فؤاد جاسر وجمال ربيع وأحمد حمدي عبيد ومحمد أمين هويدي. ومحمد كمال محجوب ووجيه خليل, ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان.
بيعة عبد الناصر للإخوان
ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف تفاصيل بيعة جمال عبد الناصر للمرشد الامام حسن البنا فيقول:
- استدعانى وصلاح خليفة الصاغ محمود لبيب, وعرفنا بالمرحوم عبد الرحمن السندي الذى شرح لنا متى وكيف سيتم أخذ العهد وحلف اليمين, وقد تم ذلك على النحو الآتى:
- ذهبنا نحن السبعة فى ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق , وبعد أن تكامل عددنا قادنا صلاح خليفة إلى منزل فى حى الصليبة بجوار سبيل أم عباس, حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض, ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسأل: الحاج موجود؟
- وكانت هذه هى كلمة السر ففتح الباب, ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدا مفروشة بالحصير, وفيها مكتب موضوع على الأرض ليست له ارجل, فجلسنا على الحصير ثم قادنا صلاح واحدا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين فى حجرة مظلمة تماما, يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تعرف شخصيته, وكان سؤال الشخص المتخفى الذى يأخذ العهد: هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية؟
- فكان الجواب من كل منا: نعم.
- فقال : امدد يدك لتبايعنى على كتاب الله وعلى المسدس.
- ثم قال الرجل المتخفى: إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة.
- وبعد أن أعطى كل منا البيعة, عدنا إلى الحجرة الأولى ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصا عرفنا بنفسه, وذكر أن اسمه عبد الرحمن السندى, وقال : إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين, وهو تنظيم سرى مسلح يضم رجالا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت فى سبيل الحق والحرية.
وكان الذين بايعوا على فداء الدعوة الإسلامية فى هذه الليلة حب الأقدمية فى كشوف الجيش:
- النقيب عبد المنعم عبد الرءوف من الكتيبة الثالثة مشاة (طيار سابق).
- النقيب جمال عبد الناصر حسين من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة, ورئيس الجمهورية فيما بعد.
- الملازم أول كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد.
- الملازم أول سعد حسن توفيق (توفى إلى رحمة الله عام 1963).
- الملازم أول خالد محيي الدين من سلاح الفرسان وعضو مجلس قيادة الثورة. فيما بعد ورئيس حزب التجمع الوحدوى الآن.
- الملازم أول حسين محمد أحمد حمودة من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
- الملازم أول صلاح الدين خليفة من سلاح الفرسان وهو يعمل الأن مديرا لشئون العاملين بمحافظة الجيزة..(1)
كما يضيف حسين حمودة فى كتابه (أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين) فيقول:
- كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرءوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد توفيق وخالد محي الدين وحسين حمودة وصلاح خليفة.
- وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتى 15 مايو 1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلى صفوف هذا التنظيم السري. واتسع نطاق هذا التنظيم وتكونت خلايا جديدة فرعية منبثقة من الخلية الرئيسية فشكل كل فرد من أفراد الخلية الرئيسية خلية فرعية وكل خلية فرعية لا تزيد عن سبعة أفراد على ألا يخطر أي واحد منا الآخرين بأسماء المنضمين معه في هذه الخلايا السرية مراعاة لأمن الحركة.
- وكان محمود لبيب يحضر الاجتماع الأسبوعي للخلية الرئيسية ويحضر أيضاً الاجتماعات نصف الشهرية للخلايا الفرعية المنبثقة من الخلية الرئيسية.
- وأصبح بذلك محمود لبيب هو الشخص الوحيد في هذا التنظيم السري الذي يعرف جميع المشتركين فيه.. وصار محمود لبيب هو حلقة الاتصال بين الضباط المنضمين للتنظيم ليس في الجيش فقط بل وفي الطيران أيضاً.
- وكان محمود لبيب بالنسبة لنا جميعاً في منزلة الوالد أو أكثر يحاول ربط أكبر عدد من ضباط القوات المسلحة على فكرة العمل بشريعة الإسلام..(15)
بعض أنشطة عبد الناصر فى تنظيم الإخوان
يروى عبدالمنعم عبد الرؤوف بعض الأدوار التي قامت بها مجموعة ضباط الإخوان فى الجيش والتى كان ينتمى لها جمال عبد الناصر فيقول:
- 1. ترجم لنا أحد الإخوان الضالعين فى اللغة الإنجليزية كتيبا عن تنظيمات رجال حرب العصابات والدروس الواجب معرفتها, وقد حصلت على هذا الكتيب من أحد ضباط الكتيبة الهندية التى دربت فيها فى مدرسة الشرق الأوسط البريطانية فى لبنان.
- 2. اخترنا سطح احد المنازل المملوكة لحد الإخوان بعيدا عن العيون والأرصاد, لالقاء المحاضرات.
- 3. أعددنا (تختة رمل) وجميع لوازمها من رمال وهياكل للجنود والسيارات والدبابات والطائرات ومبان وأ‘مدة وبيارق لشرح المسائل التكتيكية.
- 4. وزعنا المحاضرات علينا نحن السبعة والإخوان المدنيين فى النظام الخاص. قضيت عام 1946و1947 وبضعة أشهر من 1948 فى التدريس للضباط والصف ضباط نهارا وليلا ولمنتظمين من جماعة الإخوان المسلمين من مختلف الأعمار, وكان إقبال الإخوان المسلمين على خفظ واستيعاب المحاضرات عظيما. وظهر ذكاؤهم فى أثناء الإجابة عن أسئلة المشروعات التكتيكية واضحا.
- وقد بذلنا نحن السبعة (جماعة الإخوان الضباط) ومن انضم إلى خلايانا بعد ذلك جهودا كبيرة فى تدريب الإخوان..(6)
نشأة تنظيم الضباط الأحرار كما يرويه عبدالرؤوف
نقلت من الكتيبة الرابعة مشاة بعد تمضية عدة شهور فيها بمركز شرطة عراق سويدان الذى اتخذته الكتيبة مركزا لقيادتها, وخلال المدة ما بين عامى 1949, 1950 رقيت إلى رتبة رائد ثم مقدم وخدمت فى كتبتين هما الكتيبة العاشرة والكتيبة الثالثة عشرة متنقلا بين غزة ورفح والعريش والشط( شرقى السويس) وأبو عجيلة وكانت خدمتي طيلة هذه السنوات شرق القناة بعيدا عن القاهرة وعن قيادة تنظيم الإخوان الضباط التابع لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش, وكنت أمنح سبعة أيام أجازة كل ثلاثين يوما.
وقد وقعت عدة حوادث خلال تلك السنوات أثرت تأثيرا كبيرا على تنظيم الإخوان الضباط بالجيش, وعلى مصر بصفة خاصة, ففى عام 1949 اغتيل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين , وظهرت حركة عصيان وتفكك فى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة عبد الرحمن السندي, وعادت قواتنا المحاصرة فى الفالوجا يوم 11/3/ 1949 إلى القاهرة حاقدة على الملك فاروق وحاشيته هيئة أركان حربه, وكان المقدم أركان حرب جمال عبد الناصر حسين وبعض الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من بين المحاصرين العائدين الثائرين فعقدنا عدة اجتماعات برئاسة الصاغ محمود لبيب انتهينا فيها إلى النتائج الآتية:
- أولا: الثأر لمقتل الشهيد حسن البنا بعد التأكد من معرفة القتلة .
- ثانيا: الحذر من أفراد الحرس الحديدى, وبذل الجهود لمعرفة كل شىء عن أفراده
- ثالثا: التخلص من النظام الملكى واستبداله بنظام إسلامى.
- رابعا: الاستمرار فى تدريب ومد الإخوان المسلمين بالذخائر والأسلحة والمفرقعات لطرد الإنجليز من بلادنا.
وفى 25 من مايو 1949 استدعى جمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بحضور رئيس هيئة أركان حرب الجيش عثمان المهدي, ووجهت إلى جمال عبد الناصر تهمة الإنتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم, ولكنه استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه.
وأسرع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر , وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق وأنهم لن يتخلوا عنه, مما أثبت قوة ارتباطنا ماديا.
وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم(الضباط الأحرار) لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز..(7)
ويؤكد الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام السابق للإخوان المسلمين هذه المعلومات عن انتماء جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين وكواليس أحداث مادار بعد الثورة بين عبدالناصر وبين الإخوان فيقول فى كتابه (حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر) فبداية يتحدث عن نشأة تنظيم الضباط الأحرار وبدء العلاقة بين الإخوان وعبدالناصر فيقول:
- في أواخر الثلاثينيات حيث كانت تلقي الدروس في دار المركز العام للإخوان المسلمين كان يحضرها خليط من أفراد الشعب ومن هؤلاء الكثير من جنود الجيش الذين تأثروا بمعاني الدروس والتوجيهات التربوية التي تدعو إلي الإقدام والتضحية في سبيل العقيدة والوطن ، وكان هؤلاء الجنود توزع عليهم مجلة الإخوان المسلمين التي – كان يحملونها بدورهم إلي داخل الوحدات فكان يطلع عليها بعض الضباط الذين أعجبوا بما ينشر فيها من مقالات وما تناقشه من قضايا تمس الوطن كالاحتلال البريطاني لمصر والبلاد العربية فتغرس في نفوس الضباط والجنود معاني التضحية والفداء وحفظ الكرامة وما إلي ذلك من فضائل الأخلاق التي يجب أن يتحلي بها الجندي ، ولما كانت الوحدات العسكرية تحتفل بالمناسبات الدينية مثل ذكرى الهجرة ، والمولد النبوي الشريف وغيرها من المناسبات التي كان يحتفل بها والتي كان يدعي لها العلماء والوعاظ من رجال الدين ومن بينهم الإمام الشهيد / حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين الذي تميز بأسلوبه العذب وطريقته السهلة في تناول الموضوعات وتوجيهاته الرقيقة في علاج النفوس وجمع القلوب علي الخير ومكارم الأخلاق ، ومن ثم برزت العناصر المتحمسة والتي تمثلت في كثير من الجنود والضباط الذين حرص الإمام الشهيد علي إلحاقهم بجماعة الإخوان المسلمين وضمهم في تنظيمات الجماعة الخاصة تحت إشراف الأخ المرحوم الصاغ / محمود لبيب – الذي تعرف بالإمام الشهيد حوالي سنة 1936 وهو محارب قديم اشترك مع المرحومين اللواء / صالح حرب باشا – وعبد الرحمن عزام باشا في قتال الاستعمار الايطالي علي أرض ليبيا .
- ومما يذكر أن الأخ المرحوم الصاغ محمود لبيب كان يوالي أنشطة نشر الدعوة داخل صفوف الجيش ويغذيها بالمنشورات التي كان يقوم علي تحريرها الإخوان المسلمون والتي كانت تناهض الاستعمار وتبث في الجنود روح اليقظة والشجاعة ، وكانت تصدر أولا تحت اسم (الجنود الأحرار) ثم تغيرت إلي إخفاء دورهم ونشاطهم داخل الجيش . ومن أسبق الإخوان الضباط الذين اندمجوا في صفوف الجماعة الأخ اللواء / أبو المكارم عبد الحي متعه الله بالصحة والعافية وهو يمتاز بقدرته العلمية وكفاءته العسكرية وكذلك الأخ اللواء طيار / عبد المنعم عبد الرءوف رحمه الله الذي ضبط في أثناء هروبه مع القائد الفريق عزيز المصري قبيل واقعة العلمين فحكم عليه ثم أفرج عنه بعد انقضاء مدة الحكم ، وهذا الحادث ألقي ضوءا قويا علي شخصية الطيار كشاب وطني جرئ . وعلي أثر ذلك في أوائل سنة 1945 التقي بالإمام الشهيد / حسن البنا في المركز العام للإخوان المسلمين بحضور الأخ المرحوم الصاغ / محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين العسكري ، وقد كان استعداد الأخ الطيار لاستقبال دعوة الإخوان المسلمين طيبا كريما وأخذ علي عاتقه أن يجمع عليها الضباط ، وقد بايع الإمام الشهيد وصدق بيعته وبر بها والحمد لله ، وبعد فترة استطاع الأخ اللواء طيار عبد المنعم عبد الرءوف أن يكون أسرة من الإخوة الضباط: جمال عبد الناصر – وصلاح خليفة – وحسين حمودة – وخالد محيي الدين – وكمال الدين حسين – وعبد الحكيم عامر – وسعد توفيق .
- وهؤلاء الضباط كثيرا ما كانوا يلتقون بالإمام الشهيد حسن البنا جماعات وأفرادا بحضور الأخ الصاغ / محمود لبيب . ولما رأي فضيلة الإمام الشهيد في هؤلاء الضباط من حماس وتطلع للاستعداد أن يؤدوا البيعة فتوجهوا إلي منزل الأستاذ / صالح عشماوي بالصليبة بحي الخليفة بالقاهرة فأخذوا منه البيعة الخاصة نيابة عن الإمام الشهيد ثم استقبلهم الأستاذ / عبد الرحمن السندي المسئول عن النظام الخاص للجماعة وهنأهم لعقد البيعة . ومن الضباط الذين انضموا وبايعوا علي دعوة الإخوان المسلمين علي فترات مختلفة الإخوة : حسن إبراهيم – وحسين الشافعي – وصلاح سالم – وعبد اللطيف البغدادي – وفؤاد جاسر – وجمال ربيع – والإخوان الأخيران ومعهما الأخ / حسين حمودة حكم عليهم في قضايا الإخوان سنة 1954 وأمضوا فترة طويلة في السجن تحملوا فيها كثيرا من الشدائد والمحن .
- أما " الضابط أنور السادات " فلم يكن معروفا في صفوف الإخوان ومبلغ صلته بالإخوان المسلمين نشأت عندما أتهم في اشتراكه في اغتيال أمين عثمان فقد ذهبت السيدة حرمه الأولي إلي فضيلة الإمام الشهيد في المركز العام للإخوان المسلمين وقدمت إليه أسورتها الذهبية وطلبت منه أن يقرضها مبلغا من المال ، لكن فضيلته رحمه الله رد إليها أسورتها وأعطاها المبلغ المطلوب وقدره سبعون جنيها ، وقرر لها ولأبنائها راتبا شهريا من خزينة المركز العام للإخوان المسلمين ، وقد بدأ نشاط بعض هؤلاء الضباط مع قسم الوحدات العسكرية بقيادة الأخ الضابط الأستاذ / صلاح شادي بالقيام بسلسلة من الأعمال الفدائية قصد منها إقلاق المستعمر وإعلان البغض والكراهية له فقد نفذ هؤلاء الإخوان بعض العمليات نذكر منها :
- حادث تفجير فندق الملك جورج في الإسماعيلية .
- حادث القطار الانجليزي الذي كان يحمل الجنود البريطانيين من مصر إلي فلسطين .
- حادث محاولة تفجير اللغم في قناة السويس)..(8)
عبد الناصر والإخوان .. بداية الإختلاف
يروى عبد المنعم عبدالرؤوف فى مذكراته بداية اختلاف وجهات النظر بين جمال عبدالناصر والإخوان المسلمين او لنقل مجموعة ضباط الإخوان داخل الجيش قيقول عبدالرؤوف:
- وفى شهر سبتمبر 1949 أبلغنى جمال عبد الناصر عقب حضوره إلى القاهرة فى إجازة ميدان أنه يريد عمل انقلاب, ولا يستطيع تجميع الضباط حول مبادىء جماعة الإخوان المسلمين واتباع هذا الأسلوب المتزمت فى اختيارهم المتمثل فى أن يشترط, فى الضباط الذى يراد ضمه للتنظيم اجتناب الخمر والميسر والنساء الساقطات, وضرورة المواظبة على الصلاة ومحبة الجنود له.
- والتزام النساء من أهله بالزى الإسلامى, والطاعة لقرارات مكتب الإرشاد وضرب لى مثلا بقوله: إن خالد محيى الدين تركنا عام 1947 واعتنق المبادىء الماركسية, وانضم إلى منظمة أسكرا الشيوعية.
- وطال الجدال بينى وبين جمال عبد الناصر, واستغرق عدة ساعات, وظل كل منا متمسكا برأيه, جمال عبد الناصر يريد ضم أكبر عدد من الضباط بصرف النظر عن التسيب الخلقى والتحلل من الزى الإسلامى لنساء عائلة الضابط, كما عارض بقوة طاعة الضباط لمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ووصفهم بالتزمت.
- قلت له: إن التسيب فى اختيار الضباط سيوقعنا في يد المخابرات, كما أن عدم ارتداء زوجاتنا للزى الإسلامى سيجعلنا أضحوكة أمام جنودنا فى المناسبات الدينية والوطنية والطريق العام.
- وأما قرارات مكتب الإرشاد فلا تصدر إلا بعد تمحيص من خبراء الجماعة , وقد أثبتت الحوادث صحة قرارات مكتب الإرشاد, كما أن تاريخ الجماعة الإخوان المسلمين ناصع من جميع الوجوه السياسية والاجتماعية والعسكرية, فمبدأ التكافل يطبق على كل أخ محتاج يقع فى ورطة وللجماعة أربعمائة شعبة فى أنحاء القطر, يجد فيها الأخ علاجا ورياضة.
- وقد انتهى النقاش بينى وبين جمال عبد الناصر بأن نستنير برأى الفريق عزيز المصرى, وأبلغت وجهة نظر جمال عبد الناصر للصاغ محمود لبيب.
- ثم ذهبت أنا وجمال عبد الناصر إلى الفريق المصري, وبعد أن استمع لكل منا قال: اعملا معا لطرد الإنجليز من مصر, ثم تابعا الكفاح لإلغاء النظام الملكى وإياكما والخصام لنه يشتت قواكما, وإذا لم تستطيعا العمل معا, فسيرا نحو الهدف متوازيين كقضيبى السكة الحديد.
- قلت: إننى سأعمل بهذه النصيحة فى إطار ما تسمح بع أوامر قيادة الإخوان المسلمين .
- وقال جمال عبد الناصر: إن هدفى الأول هو إلغاء النظام الملكى وقد انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ضباط حوصروا معى فى الفالوجا, مثل صلاح سالم, ويعمل معنا عبد الحكيم عامر, وخالد محيي الدين
- وبعد ذلك ذهبت إلى الصاغ محمود لبيب وحدثته بكل ما قاله جمال عبد الناصر وعزيز المصري وما قلته أنا فقال: قل لجمال إن الجماعة الإخوان المسلمين متزمتة متزمتة!!
- وبعد بضعة أشهر أصيب الأخ الكبير الصاغ محمود لبيب بالفالوجه ولزم الفراش وبد عليه الهزال, وكانت شقيقته تقوم بخدمته وتمريضه, وكان يستخدم الإشارة فى طلب ما يريد.
- وقد أنهيت آخر زيارة بأن قبلته على جبينه وكانت قبلة الوداع فبعدها بأيأم قرأت خبر وفاته فى نعى نشر بالصحف وكنت فى الشط عام 1950 رحمه الله رحمة واسعة.
عبد الناصر يستولى على أسرار التنظيم
يضيف عبدالرؤوف:
قرأت فى مذكرات الرائد أركان حرب حسين حمودة وهو أحد الضباط السبعة الذين أسسوا تنظيم جماعة الإخوان الضباط وهى بخط يده يقول:
- فى عام 1949 وقبل وفاة الصاغ محمود لبيب, وكان قد داهمه المرض, فزرته أثناء إجازتى الميدانية فوجدت عنده جمال عبد الناصر حسين, وكانت حالة الصاغ محمود لبيب متأخرة ولكنه كان صافى الذهن, وكان راقدا على فراشه وقال لنا: إنى سأموت وسأكتب مذكرة بأسماء الضباط الذين يشملهم تنظيم الإخوان الضباط, والمبالغ المتقية من الاشتراكات وسأسلمها لجمال عبد الناصر لتستمروا فى تحقيق الرسالة من بعدى.
- وطلب منى أن نكون يدا واحدة وأن يتعاون جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف.
- ونظرا لانشغالي بموعد آخر فقد انصرفت وتركت جمال عبد الناصر مع الصاغ محمود لبيب ولما توفى الصاغ محمود لبيب شاركت فى جنازته وشارك فيها أيضا جمال عبد الناصر, وبعد انتهاء الجنازة سألت جمال عبد الناصر: هل سلمك المرحوم الصاغ محمود لبيب ورقة الأسماء والنقود؟
- فأجابني جمال عبد الناصر بأنه لم يخرج من بيته يومها إلا ومعه الورقة بالأسماء والنقود. وفى عام 1950 أفهمني جمال عبد الناصر أنه سيعيد التنظيم السري لضباط الجيش الذى بدأه عبد المنعم عبد الرءوف ومحمود لبيب عام 1944 وتوقف فى مايو 1948 بسبب حرب فلسطين.
- وقال عبد الناصر: إنه سيضم إلى هذا التنظيم عناصر أخرى من غير الضباط الإخوان, وخاصة الذين قاسموه محنة الفالوجا وغيرهم ممن يلتمس فيهم صفتي الشجاعة والكتمان, وقال جمال لى فى هذه الجلسة:إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان الضباط بضباط الجيش, وأنه يرى لدواعي الأمن قطع الصلة بعبد الرحمن السندي رئيس الجهاز السرى المدنى للإخوان, وخاصة بعد الحديث الذى دار بين عبد الناصر ورئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي , فلما حذرت عبد الناصر من أن إدخال عناصر في تنظيمنا السرى غير متدينة قد يجر علينا ويلات لا يعلم مداها إلا الله, أجابنى: أن التدين الكامل غير متوافر حاليا فى أغلب الضباط بالجيش, وكانت الحالة السياسية فى مصر خطيرة ولابد من عمل إيجابى فى القريب ,وإذا دققنا الاختيار بمواصفات الإخوان المسلمين فسيتأخر تنفيذ الثورة, وربما لا تحدث على الإطلاق.
- وقال عبد الناصر: يكفى فى العناصر عند تنظيمها للتنظيم صفتى الشجاعة والكتمان وهى كافية فى نظرى للقيام بالثورة على أساس أن زمام الأمور سيكون فى يده بعد نجاح الثورة, وهو مقتنع بأن الحكم بالقرآن هو الحق وأنه ينوى أن يكون العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم... انتهى كلام حسين حمودة..(9)
ويكشف اللواء صلاح شادي جانب من تفاصيل علاقة الإخوان بعبد الناصر فيقول:
- "كان اسم " الضباط الأحرار " هو الاسم الظاهر الذي اختاره الصاغ محمود لبيب لحركة الإخوان المسلمين داخل الجيش .. . ".... لواء طيار عبد المنعم عبد الرءوف.
- لم يجمعني بأحد من ضباط هذه الحركة لقاء منتظم لعمل فى نشاط الجماعة قبل سنة 1948م ، بل إن لقاء بعبد المنعم عبد الرءوف ، لأول مرة ، كان قبل قيام الحركة بأيام قلائل .
- وأما عبد الناصر فإن معرفتي به ترجع إلى الوقت الذي طلب صلاح سالم من اليوزباشى (شرطه ) عبد الفتاح غنيم تعريفه بى فى منتصف سنة 1950 وكان فى هذا الوقت يعمل مأمورا لقنطرة شرق . فالتقي بى في القاهرة ليبلغني برغبة صلاح سالم فى مقابلتي تمهيدا لعودته ومن معه إلى سابق صلتهم بالإخوان بعد سقوط وزارة إبراهيم عبد الهادي سنة 1949 وأبلغت المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة بهذا الآمر ، وكان وكيلا للمرشد العام حينذاك حيث لم يكن الأستاذ حسن الهضيبي قد تولى بعد رسميا منصب الإرشاد. فكلفني بالاتصال بهم وإعادة رباطهم بالجماعة . والتقيت بصلاح سالم فى مقهى " البوسفور " في محطة مصر الذي أبلغني حينذاك برغبته في إعادة مجموعة في الجيش إلى صفوف الجماعة ، وأن المسئول عنهم هو البكباشي جمال عبد الناصر ، وطلب منى تحديد موعد للقائه فحددت موعدا له .بمكتب الأستاذ حسن العشماوي بمكتب والده المرحوم [محمد العشماوي] وزير المعارف الأسبق .
- والتقيت فى الموعد المحدد بجمال عبد الناصر وعرفنى بنفسه وصلته بالصاغ محمود لبيب وأنه منتظم فئ تشكيلات ضباط الإخوان ، وكنت أعلم مسبقا من المرحوم الصاغ محمود لبيب بعض المعلومات عن جمال عبد الناصر الذي كان يثق فيه كثيرا ! .
- وكان محمود لبيب في مرضه الأخير لا يستطيع أن يحرك لسانه بالكلام مما أعجزني عن سؤاله فى شأن هؤلاء الضباط وأخبرني عبد الناصر أنه يود أن يصل ما انقطع من العلاقات التى تربطه ومن معه من الضباط بتشكيل الجماعة بعد الانقطاع الذي اضطروا إليه في أثناء حكم إبراهيم عبد الهادي . وأخبرني ضمنا بواقعة استدعاء إبراهيم عبد الهادي له ، ،وإبلاغه بان الحكومة تعرف أنه كان يدرب الإخوان المسلمين ، وأنه معرض للقبض عليه واعتقاله إذا عاد لذلك مرة أخرى، كما أبلغني بسابق صلاته بعبد الرحمن السندي وأن صورة نشاطه معه - على حد تعبيره - لم تكن تعدو فك المسدس وإعادة تركيبه ، !
- ولم يكن هناك شك فى حديث جمال عبد الناصر بأن ارفي اطه ومن معه من الضباط إنما جرى في ظل الجماعة باعتباره أحد الذين بايعوا حسن البنا على السمع والطاعة كما ذكر في حديثه معي !
- وكنت أعرف قصة تعرفه ومن معه ، بالمرحوم محمود لبيب من المرشد أيضا الذي أخبرني أنه نظرأ لتكاثر عدد ضباط الجيش الملحقين بالنظام الخاص ،فإنه أفرد الصاغ محمود لبيب وكيل الجماعة - باعتباره ضابطا سابقا فى الجيش وخاض عمليات حربية في السلوم وغيرها - للإشراف على هذا النظام وتوجيهه .
- واجتمعت مع بعضهم فى حدود ضيقة في أثناء ارتباطهم بالمرحوم محمود لبيب . بمنزل حسين عبد الرازق أحد أعيان الصعيد ، وكان منضما للإخوان وقتذاك ، واجتمعنا! مع المرشد والصاغ محمود لبيب وبايعوا المرشد هناك على حكم هذا البلد بكتاب الله وكان هذا جوهر اللقاء وموضوعه .
- وكان محمود لبيب رحمه الله يحدثني عن تشكيل هؤلاء الضباط في مختلف المناسبات و أن اسم الضباط الأحرار هو الاسم الظاهر الذي اختاره لحركة الإخوان داخل الجيش فسماهم بهذا الاسم حتى يتوافر لحركة الإخوان نوع من الحرية داخل الجيش ، وليرح من كاهل الجماعة ما يمكن أن يلاحقها من عدوان اختلف الحكومات ، وكنت أعرف جمال عبد الناصر كأحد الضباط من بين تشكيل الإخوان الذين يثق بهم محمود لبيب رحمه الله وإن لم ألتق به من قبل كما ذكرت سابقأ .
- وكان انطباع جمال عبد الناصر عندي في أول لقاء معه أنه رجل قليل الكلام جاء لهدف واضح وهو إعادة صلته بالجماعة بعد أن قطعت الأحداث ما بينه وبينها وانه يرغب فئ النهوض بحركة الإخوان فى الجيش ، وأن كثير من الضباط فئ حاجة إلى الزاد الثقافي والتربوي بما يتفق والمستوى الفكري والنفسي الذى يعيشون فيه تحت ضغط الأحداث وصرامة النظام العسكري ، وأن السندي لا يقدم لهم الغناء فئ هذا الشأن.
- ووجدت أنه من المتسحسن أن أحتاط للأمر بشأن هذا الإلقاء الجديد الذي سعى إلى فيه صلاح سالم " أولا من ناحية أمنى الشخص ، فقد كنت متأكدا من شخص القادم ، وإنما كنت أريد ان أحتاط لهذه العلاقة التي تجددت بعد انقطاع طويل . . هل تغيرت الأهداف ؟ أم أن الأمر متعلق بظروف الجماعة وانقطاع برجالها .
- ولذلك حرصت على أن أذكر لعبد الناصر أن لقاءنا هذا إنما يجرى تحت مظلة الجماعة ويواكب سيرها الحثيث نحو أهدافها أن تحمى الحكم بكتاب الله ، فهذه هى حدود تفويضي من وكيل الجماعة ، فأمن على هذا القول وأكده وطلب منى أن أقدم له برنامجا ثقافيا وتربويآ . . يتفق خ ما ة أمله فيما أشار إليه من التصور الفكري ني التربوي لضباط الذين معه . وفعلا طلبت من المرحوم حسن العشماوي أن يقوم على إنفاذ ومتابعة هذا البرنامج ومعه من يشاء من الإخوان اختير الأخ رشاد المنيسي للنهوض بهذه التبعة معه داخل أسر ضباط الجيش .
- وعرفت جمال عبد الناصر بالأخ حسن العشماوي فى اللقاء الثاني : بينى وبينه ، ثم شاء قضاء الله أن يختار محمود لبيب إلى جواره فى يناير سنة 1951 بعد أشهر من اللقاء الأول . . حضر كلانا تشيع جنازته ، ن جواره يستطع أحد منا فيه .أن يحي الآخر ! مخافة أعين . أجهزة الأمن التى كانت ترصد فى هذا الوقت مثل هذه الصلات .
- وزادت الصلة قربا حيث لم يكن هناك بد من الارتباط به بعد وفاة المرحوم- محمود لبيب ، وجرى االتعاون بيننا فى مجالات شراء الأسلحة والمعدات العسكرية التى كنا نجهزها لمواجهة الإنجليز . كواقع لابد من مواجهته يومأ ما ، فكان لابد لنا أن أهدى لهم ما استطعنا..(10)
ألبوم صوره
جمال عبد الناصر
جاسم-الجامع-عاشور-الناصر-عبد-الله-العقيل-عبد-الكريم-المشرف-محمد-الخضيري-عبد-العزيز-الربيعة(حيث-يشير-السهم-)عبد-الجبار-المال-الله
جمال عبد الناصر
جاسم-الجامع-–-عاشور-الناصر--عبد-الله-العقيل-–-عبد-الكريم-المشرف-–-محمد-الخضيري-–-عبد-العزيز-الربيعة-(حيث-يشير-السهم-)-عبد-الجبار-المال-الله
جمال عبد الناصر
صورة-للشهيد-عبد-القادر-عودة-مع-الإمام-الهضيبي-وعبد-الناصر-وبعض-قيادات-مجلس-قيادة-الثورة-
المراجع والمصادر
- (1) موقع الرئيس جمال عبدالناصر
- (2)جريدة العرب اليوم 2010/10/13
- (3)جريدة الشرق الأوسط الاربعـاء 15 جمـادى الاولـى 1423 هـ 24 يوليو 2002 العدد 8639
- (4) كتاب:أرغمت فاروق على التنازل عن العرش ،مذكرات عبد المنعم عبدالرؤوف.
- (5) كتاب أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين ،للأستاذ حسين حمودة.
- (6) كتاب:أرغمت فاروق على التنازل عن العرش ، مذكرات عبد المنعم عبدالرؤوف (مصدر سابق).
- (7) المصدر السابق.
- (8) كتاب:حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمون وعبد الناصر ،للاستاذ محمد حامد أبو النصر.
- (9) كتاب:أرغمت فاروق على التنازل عن العرش ،مذكرات عبد المنعم عبدالرؤوف (مصدر سابق)
- (10) كتاب: صفحات من التاريخ الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد ،للأستاذ/ صلاح شادي.