محمد نجيب
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
بقلم: أحمد سلامة
تمهيد
اللواء أركان حرب محمد نجيب (1901 - 1984) سياسي وعسكري مصري، هو أول رئيس لمصر الجمهورية، لم يستمر في سدة الحكم سوى فترة قليلة بعد إعلان الجمهورية (يونيو 1953 - نوفمبر 1954) حتى عزله مجلس قيادة الثورة ووضعه تحت الإقامة الجبرية بعيداً عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة، مع منعه تمامًا من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته، حتى إنه ظل لسنوات عديدة يغسل ملابسه بنفسه، وشطبوا اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية، وفي سنواته الأخيرة نسي كثير من المصريين أنه لا يزال على قيد الحياة حتى فوجئوا بوفاته. ولنا هنا سؤال هل كانت علاقة محمد نجيب بالإخوان وتعاطفه معهم سببا مباشرا فيما حدث لمحمد نجيب ؟ وهل كان محمد نجيب يخطط للتعاون مع الإخوان من أجل بناء المجتمع الديموقراطى الذى كان يحلم به محمد نجيب ؟ وهل وجد محمد نجيب فى برنامج الإخوان المسلمين ضالته المنشودة فى بناء مجتمع حر ؟
هذا ما سوف تجيب عنه السطور القادمة بإذن الله تعالى، وقد كان محمد نجيب أول حاكم مصري يحكم مصر حكماً جمهورياً بعد أن كان ملكياً بعد قيادته ثورة 23 يوليو الذي انتهت بخلع الملك فاروق. أعلن مبادئ الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية. وكان له شخصيته وشعبيته المحببة في صفوف الجيش المصري والشعب المصري. حتي قبل الثورة لدوره البطولي في حرب فلسطين.
وقبل أن نبدأ الحديث عن محمد نجيب كان لزاما علينا أن نعرف من هو محمد نجيب لكى نكون عنه انطباعا عاما متكاملا ، ولتكتمل الصورة فى أذهاننا .
مولد محمد نجيب ونشأته
ولد محمد نجيب بالسودان بساقية أبو العلا بالخرطوم، لأب مصري وأم سودانية المنشأ مصرية الأصل اسمها "زهرة احمد عثمان"، اسمه بالكامل محمد نجيب يوسف قطب القشلان، يوجد تضارب حول تاريخ ميلاده، حيث أن التاريخ الرسمي لدى التسنين الذي قام به الجيش هو 19 فبراير 1901، وعادة لا يكون دقيقا، أما في مذكراته، فقد ذكر أن أحد كبار عائلته قال له أنه ولد قبل أحد أقربائه بأربعين يوما، وبالحساب وجد أن تاريخه ميلاده هو 7 يوليو 1902.
بدأ والده يوسف نجيب حياته مزارعا في قريته النحارية مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية في مصر، وهى بجوار قرية إبيار الشهيرة ثم التحق بالمدرسة الحربية وتفوق فيها, وبعد تخرجه شارك في حملات استرجاع السودان 1898, تزوج يوسف نجيب من سودانية وأنجب منها ابنه الأول عباس لكنها توفيت, فتزوج من السيدة "زهرة" ابنة الأميرالاي محمد بك عثمان في عام 1900, والأميرالاي محمد هو ضابط مصري تعيش أسرته في أم درمان واستشهد في أحدي المعارك ضد الثورة المهدية, وقد أنجب يوسف من السيدة زهرة ثلاثة أبناء هم محمد نجيب وعلي نجيب ومحمود نجيب, وأنجب أيضا ستة بنات. عندما بلغ محمد نجيب 13 عاما توفي والده, تاركا وراءه أسرة مكونة من عشرة أفراد، فأحس بالمسئولية مبكرا, ولم يكن أمامه إلا الاجتهاد في كلية جوردن حتى يتخرج سريعا.. (1)
تلقى محمد نجيب تعليمه بكتّاب وادي مدني عام 1905 حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، انتقل والده إلى وادي حلفا عام 1908 فالتحق بالمدرسة الابتدائية هناك، ثم انتقل مع والده عام 1917 لضواحي بلدة وادي مدني بمديرية النيل الأزرق وأكمل تعليمة الابتدائي وحصل على الشهادة الابتدائية فيها، ثم التحق بكلية الغوردون ،ثم التحق بالكلية الحربية في مصر في أبريل عام 1917 وتخرج فيها في 23 يناير 1918، ثم سافر إلى السودان في 19 فبراير 1918 والتحق بذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده ليبدأ حياته كضابط في الجيش المصري بالكتيبة 17 مشاة، ومع قيام ثورة 1919 أصر علي المشاركة فيها علي الرغم من مخالفة ذلك لقواعد الجيش، فيسافر إلي القاهرة ويجلس علي سلالم بيت الأمة حاملا علم مصر وبجواره مجموعة من الضباط الصغار. ثم انتقل إلى سلاح الفرسان في شندي. وقد ألغيت الكتيبة التي يخدم فيها، فانتقل إلى فرقة العربة الغربية بالقاهرة .
انتقل بعد ذلك إلى الحرس الملكي بالقاهرة في 28 أبريل 1923، ثم انتقل إلى الفرقة الثامنة بالمعادي بسبب تأييده للمناضلين السودانيين. حصل على شهادة الباكلوريا عام 1923، والتحق بكلية الحقوق، ورقي إلى رتبة ملازم أول عام 1924، وكان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية، ورغم مسؤوليته فقد كان شغوفا بالعلم.
تزوج من زينب أحمد وأنجب منها بنته سميحه التي توفيت وهي بالسنة النهائية بكلية الحقوق عام 1950 وبعد طلاقه منها تزوج من عائشة محمد لبيب عام 1934 وأنجب منها ثلاث أبناء فاروق وعلي ويوسف.
كان علي الابن الثاني لمحمد نجيب يدرس في ألمانيا وكان له نشاط واسع ضد اليهود هناك كان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر والثورة وعن حق الفلسطينيين ولم يعجب هذا الكلام، المخابرات المصرية الذين رؤوا في نشاطه إحياء للكلام عن أبيه وفي ليلة كان يوصل زميلا له فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وامرأة تهجم عليه وتحاول قتله، وعندما هرب جرت وراءه السيارة وحشرته بينها وبين الحائط نزل الرجال الثلاث وأخذوا يضربونه حتي خارت قواه ونزف حتي الموت، ونقل جثمانه إلي مصر فطلب اللواء نجيب أن يخرج من معتقله ليستقبل نعش ابنه ويشارك في دفنه لكنهم رفضوا كان هذا في عام 1968.
ولم يسلم فاروق الابن الأول من نفس المصير، فقد استفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه وقال له: ماذا فعل أبوك للثورة.. لا شيء.. أنه لم يكن أكثر من خيال مآتة ديكور واجهة لا أكثر ولا اقل.
فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر، ويومها لم ينم فاروق في البيت فقد دخل ليمان طره وبقي هناك خمسة أشهر ونصف خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب وبعد فترة قليلة مات.
أما الابن الثالث يوسف فقد كان أكثر حظا, فقد صدر قرار جمهوري بفصله من احدي شركات الدولة فعمل سائقا في شركة المقاولون العرب بالإسكندرية في الصباح وعلي تاكسي أجرة اشتراه بالتقسيط في المساء.. (2)
رقي محمد نجيب إلى رتبة اللواء في 9 ديسمبر 1950، وأصطدم بالملك فاروق عام 1951 حين طلب منه ترقية حسين سري وكيل سلاح الحدود الذي يرأسه محمد نجيب فرفض ترقيته، فامتعض الملك منه، وقام بتعين حسين سري مديراً لسلاح الحدود بدلاً منه، وعين محمد نجيب مديراً لسلاح المشاة.
أنتخب محمد نجيب رئيسا لمجلس إدارة نادي الضباط في 1 يناير 1952 بأغلبية الأصوات ولكن الملك فاروق أمر بحل المجلس.
قاد ثورة 23 يوليو 1952 وعرض عليه الملك فاروق منصب وزير الحربية ومنحه رتبة فريق مع مرتب وزير لكنه تنازل عنهم بعد خروج الملك فاروق إلى المنفى
شكل أول وزارة بعد استقالة علي ماهر باشا عام 1952، تولى رئاسة الجمهورية عام 1953م أقيل من جميع مناصبه في 14 نوفمبر 1954 ووضع تحت الإقامة الجبرية.. (3)
وهنا نتسأل ما هو الدور الذي لعبه محمد نجيب فى ثورة يوليو ، وكيف قامت الثورة وكيف لعب محمد نجيب دور القائد فيها .
محمد نجيب قائداً للثورة
في ليلة لن ينساها تاريخ مصر والمنطقة, وقع في القاهرة حدث غير تاريخها جذرياً ومازلنا نشهد آثاره إلى اليوم، إنها ليلة 23 يوليو حينما خرج الجيش من ثكناته معلنا غضبه عما يحدث في البلاد.. وتصدرت صورة اللواء محمد نجيب الصفحة الأولي لجريدة "المصري" وفوقها مانشيت: اللواء نجيب يقوم بحركة تطهيرية في الجيش.
كانت ثورة يوليو في بدايتها حركة، مجرد حركة عسكرية, لكنها لاقت قبول الشعب المصري واستقبلتها الجماهير بحفاوة بالغة وأطلقت عليها "ثورة".. فقد كان قائدها رجل شهد له الكل بالشجاعة وكان محمد نجيب هو سر نجاح الثورة.. فقد كان برتبة لواء..أما باقي الضباط الأحرار، فلم يتجاوز أكبرهم سناً رتبة بكباشي... وبفضل نجيب تحولت الحركة إلي ثورة، وإذا كان قد قدر لثورة يوليو أن تفشل لكان جزاء محمد نجيب الإعدام رميا بالرصاص طبقا لتقاليد الجيش.
في ليلة 23 يوليو لعب محمد نجيب أخطر دور في نجاح الحركة, فقد انكشف سر الثورة الساعة 9:30 مساءا، وعرف أن مؤتمراً لرئيس الأركان الفريق حسين فريد سيعقد في الساعة العاشرة في مقر القيادة لترتيب القبض علي الضباط الأحرار، فقام علي الفور بإبلاغ يوسف صديق بالتحرك قبل ساعة الصفر بساعة، وبالفعل تحرك يوسف صديق ونجح في اقتحام مركز القيادة.. ولولا هذا التحرك لفشلت الثورة ولقضي عليها قبل أن تبدأ .
بالرغم من خطورة الدور الذي قام به اللواء محمد نجيب في نجاح الثورة إلا أن البعض حاول أن يقلل من دوره..وحاولوا أن يصوروا انه لم يكن له علم بالثورة وإنما هو ركب الموجة والبعض حاول ادعاء أن الضباط الأحرار استخدموا نجيب مجرد واجهة لإنجاح الثورة .. بل وصل الأمر ببعضهم أن يدعي أن محمد نجيب يوم الثورة كان مريضا في منزله وليس في ذهنه شيء عن أيه ثورة.. وربما كان أمله الوحيد في شهر يوليو أن يغادر فراشه إلي عمله في سلاح الفرسان, حتى استيقظ علي تليفون من الضباط الأحرار يقولون له : تفضل لقد قمنا بثورة واخترناك زعيما لها... وقد نتعجب حينما نعلم أن قائل هذا الكلام هو أنور السادات في كتابه "[قصة الثورة كاملة]" والذي كتبه في عهد عبد الناصر.
وبينما كان جزء يقول أن محمد نجيب هو المحرك الرسمي للثورة لعلو رتبته ومكانته لدى الجيش، إلا أن هذا لا ينفي دوره الكبير في التخطيط والإعداد للثورة، وهو من حدد أهدافها الأساسية والتي تدرس في المدارس حتى الآن، بالرغم من استغلال رجال الثورة لتلك المبادئ لتحقيق مصالح شخصية في الخفاء، ونسب مفاضلها في العلن لأنفسهم.
وفي الواقع أن نجيب أراد بالثورة أن يطهر الجيش ونظام الحكم من المسئولين الفاسدين، ثم إقامة حكومة مدنية برلمانية جديدة وإعادة الجيش لثكناته، ولكنه اضطر لتأجيل تلك الخطوة مرارا تحت ضغوط زملاؤه في مجلس قيادة الثورة والذين أرادوا الاستمرار، حتى بات رفضه لهذا الوضع واضحا وعلنيا، فقاموا بعزله شيئا فشيئا من دائرة اتخاذ القرار، وحاولوا إقالته مرة فباءت المحاولة بالفشل لغضب الشعب، ثم استقال هو بنفسه لغضبه تجاه تصرفات رجال الثورة، فقاموا باعتقاله وتحديد إقامته في فيلا بحي المرج.. (4)
وهنا نريد أن نستوضح الأسباب التي أدت بمحمد نجيب إلى تقديم استقالته ، وهل كان لتعاطفه مع الإخوان المسلمين دور فى تقديم هذه الاستقالة ، هذا ما سوف نستوضحه بأذن الله .
استقالة محمد نجيب
كانت استقالة محمد نجيب في فبراير 1954 لسببين:
الأول: قرار مجلس قيادة الثورة بسحب الجنسية المصرية من ستة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ، وكما ذكر فى مذكراته أنهم كانوا يبتون للإخوان المسلمين بأنهم سحبوا الجنسية من ستة من الضباط داخل الجيش وهذا الإجراء تم بدون علم محمد نجيب كما أورد فى مذكراته ، كما أن محمد نجيب أضاف فى مذكراته أنهم أيضا وبدون علمه قاموا بنقل كل من يشكون فى انتمائه للإخوان المسلمين إلى أماكن بعيدة وهو ما وصفة محمد نجيب بالنفي وقال أنهم كانوا يفعلون ذلك دون العودة الية أو مشورته كما رفض زكريا محي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه بعد تعيينه وزيرا للداخلية وكذلك رفض جمال سالم.
وذكر في مذكراته أنه اكتشف أن رجال الثورة كانوا قد عقدوا العديد من الاجتماعات بدونه، كل هذه الأمور دفعته لكي يفكر جدياً في تقديم استقالته.. (5)
الثاني: كان السبب الثاني للاستقالة محمد نجيب هو صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين وكان من بينهم مصطفى النحاس، فرفض اعتقال النحاس باشا, لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس, وأصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة ومنها مصادرة 322 فدانا من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا, كما حكمت علي أربعة من الصحفيين بالمؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية.
هذه الاستقالة أدت الى ظهور أزمة تم تسميتها تاريخيا بأزمة مارس 1954 ، وقد ذكر الأستاذ إبراهيم قاعود فى كتابه (الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة) أن السبب الرئيسي وراء هذة الأزمة هى العلاقة الحميمة والطيبة التى كانت تربط اللواء محمد نجيب بالإخوان المسلمين ،كما ذكر الأستاذ عمر التلمساني نقلا عن الأستاذ إبراهيم قاعود فى نفس الكتاب أن محمد نجيب كان معجبا جدا بالنموذج الفكري للإخوان وأنه كان يريد تطبيقه على أرض الواقع .
ولم تغفل المخابرات عن اللقاءات التى كانت تتم ما بين اللواء محمد نجيب والأستاذ عمر التلمساني وغيرة من قيادات الإخوان مما جعل جمال عبد الناصر يقدم على اتهام اللواء محمد نجيب،وكان اتهامه للواء محمد نجيب صراحة بتواطئه مع الإخوان المسلمين .
محمد نجيب والإخوان وأزمة مارس 1954
فور إعلان محمد نجيب استقالته خرج الآلاف من الجماهير الى الشوارع للمطالبة بعودة محمد نجيب الى الحكم ، وكان الإخوان المسلمون بقيادة المرحوم الشهيد عبد القادر عودة هم من يقودون هذه المظاهرات ويحشدون لها ، مم جعل جمال عبد الناصر يحس بمنتهى الخطورة وأن هناك تعاون يدور ما بين محمد نجيب والإخوان المسلمين ، ظهرت تجلياته بوضوح فى أزمة مارس.
هذا ما جعل جمال عبد الناصر يفكر بجديه كيف يقضى على محمد نجيب وعلى مصدر قوتة الكامنة فى علاقته بالإخوان المسلمين ، فقام بتدبير حادث المنشية للقضاء على الشهيد عبد القادر عودة ، وللقضاء على محمد نجيب فى نفس الوقت .
يقول الأستاذ إبراهيم قاعود فى كتابة (الإخوان المسلمون فى دائرة الحقيقة الغائبة):
لقد ألمح عبد الناصر واتهم نجيب صراحة بتواطئه مع الإخوان المسلمين وحقيقة علاقة محمد نجيب بالإخوان كما يقول الأستاذ عمر التلمسانى : محمد نجيب كان على علاقة طيبة بالإخوان وكان فى تقديرنا أنه ليس بالشخص الذي يصلح للعمل مع جمال عبد الناصر لأن عبد الناصر يخطط ويبنى منذ زمن طويل.
وكان محمد نجيب رجلا خالص النية تولى قيادة الانقلاب لإصلاح البلاد فكانت علاقتنا به طيبة وحتى علاقته بالنحاس باشا علاقة طيبة .. وعلاقاته أيضا مع كل الناس طيبة وقد قام الأستاذ الهضيبى بواسطة الصلح بينه وبين جمال عبد الناصر لكيلا يحدث صدام فى الجيش لا تؤمن عواقبه.
كما يذكر الأستاذ إبراهيم قاعود فى نفس الكتاب السابق أن محمد نجيب كان متعاطفا الى أبعد الحدود مع ما يحدث من انتهاكات وتعذيب للإخوان المسلمين فيقول :
وقد علم محمد نجيب بواقعة تعذيب عبد القادر عودة وزملائه وقال فى تصريح للأخبار لا يوجد مسئول يوافق على ارتكاب هذا الجرم إن صح ولا بد أن يحاسب مرتكبه بمنتهى الشدة إذا ثبت الاعتداء ولقد جرى التحقيق فور التبليغ عنه وكان بودى لو اتسع وقتى لأحضره بنفسى وهو يسير بسرعة وبكل دقة.
ويقول الأستاذ عمر التلمسانى : " لقد وقف عبد القادر عودة الى جانب حركة 23 يوليو 1952 ظنا منه أن رئيسها سيحقق الخير الذى أعلنه على الناس ولكنه لما اكتشف أمامه النوايا وبدأت تظهر الحقائق سلك الطريق الذى ألزم به نفسه فى حياته .. طريق الحق والصدق .. قال له رئيس الجمهورية السابق ـ جمال عبد الناصر ـ إنه سيقضى بدوره على الطغاة الظالمين .. وقدم عبد القادر عودة فى تهمة لا صلة له بها ولا علم وحكموا على الشهيد بالإعدام ـ فى تمثيلية المنشية .
ثم توالت الأحداث واشتعل الصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر وصدر قرار بحل مجلس قيادة الثورة وعودة الأحزاب وأفرج عن الأستاذ حسن الهضيبي وأحمد حسين و200 معتقلا وقرر جمال عبد الناصر كنوع من الدهاء أن يعود للجيش وأن مجلس قيادة الثورة يعلن انتهاءها ثم كانت مظاهرات التأييد المفتعلة التى حركتها هيئة التحرير حامية عبد الناصر وأنه لا بد أن تستمر الثورة وما حدث من إصرار لعمال النقل وخروج المظاهرات وكانت اتحادات النقل تسيطر عليها الحكومة سيطرة كاملة وبحركة تمثيلية بارعة واستجابة لرغبة الجماهير أو " الإرادة الشعبية " عاد مجلس قيادة الثورة وألغى كل قراراته السابقة وإلغاء الأحزاب عدا الإخوان المسلمين .. وقد أوضح الأستاذ الهضيبى موقف الجماعة مما حدث قائلا : * " إن الإخوان يريدون أن يكون هناك حياة برلمانية ونحن ساعون فى ذلك وسنجلس مع أولى الأمر لنقول لهم هذا خطأ وهذا صواب فإن الله قد أمر بالشورى.
ويستطرد المؤلف قائلا وهكذا يتضح مما سبق التناقضات الواضحة التى كان يعيشها عبد الناصر ونواياه تجاه معارضيه وخصومه والأكاذيب التى ظلت الصحف تنشرها فى حملات تمهيدية لحل جماعة الإخوان المسلمين ثم حملات بعد الحل والتى تمثلت فى محاولة التأثير على الرأى العام وتحويل اتجاهاته الى تأييد عبد الناصر وكانت كل لقاءات عبد الناصر مع الإخوان تتسم بنوع من الدهاء والحيلة أو ما يسمونه " التكتيك السياسى " فقد كان يتظاهر بالحرص على مطالبهم وتطبيقها بينما كان يضمر لهم كل سوء ووجد عبد الناصر أن ´محمد نجيب " بدأ برفض منطق الواجهة ليكون له دور فعال فة تسيير دفة الأمور فكانت تكتلاته داخل مجلس قيادة الثورة وأحس عبد الناصر بالضغط الشعبى بعد استقالة نجيب والتأييد الجارف له بعد عودته للحكم فعقد النية والعزم أن يتخلص من آخر أقوى الأطراف المواجهة لطموحاته ونواياه وهم : محمد نجيب ـ والإخوان المسلمون .. وقد كان!!. (6)
ونريد أن نستوضح النتائج التى حدثت من جراء أزمة مارس 1954 مابين جمال عبد الناصر ومحمد نجيب وخصوصا بعد بيان الدور الإيجابى ما بين كلا من اللواء محمد نجيب والإخوان المسلمون ، وما هى الإجراءات الاحترازية التى أخذها جمال عبد الناصر ضد محمد نجيب .
نتائج تعاطف محمد نجيب مع الإخوان المسلمين
يوم 14 نوفمبر 1954 توجه محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية، وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و١٠ جنود يحملون الرشاشات يحيطون به، فصرخ في وجه حسين عرفة طالباً منه الابتعاد حتي لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي.
لاحظ نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران، فاتصل هاتفياً بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث، فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته.
وجاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل " أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية فرد عليهم "أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسئولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا".. وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته, لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما.
خرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء وصمت حاملا المصحف مع حسن إبراهيم في سيارة إلي معتقل المرج. وحزن علي الطريقة التي خرج بها فلم تؤدي له التحية العسكرية ولم يطلق البروجي لتحيته، وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه.
فعندما وصل إلي فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج بدأ يذوق من ألوان العذاب مما لا يستطيع أن يوصف, فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة.. وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها عارية الأرض والجدران, وكما صادروا أثاث فيلا زينب الوكيل صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته.. ومنعه تماماً من الخروج أو من مقابلة أياً من كان حتى عائلته.
وأقيمت حول الفيلا حراسة مشددة، كان علي من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلي الشروق، وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه الجنود، اعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر، كانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلي المدرسة فيصلون إليهم متأخرين ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من المدرسة فيعودون إلي المنزل مرهقين غير قادرين علي المذاكرة.
كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه، وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ، ويقول محمد نجيب: هذا ما تبقي لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة.. (7)
وأخيرا نريد أن نعرف كيف مات اللواء محمد نجيب .
وفاة محمد نجيب
رحل محمد نجيب في هدوء عن عمر يناهز 83 عاما بتاريخ 28 أغسطس 1984 في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، لم يكن يعاني من أمراض خطيرة، لكنها كانت أمراض الشيخوخة. بعد أن كتب مذكراته شملها كتابه كنت رئيساً لمصر، ويشهد له أن كتابه خلا من أي اتهام لأي ممن عزلوه.
رحل بعد أن عاصر أهم الأحداث التي مرت على تاريخ مصر الحديث من جلاء القوات البريطانية عن مصر عام 1954 وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي عام 1956 إلى الوحدة مع سوريا عام 1958، ومشاركة القوات المصرية في حرب اليمن عام 1962، ومروراً بالنكسة ووفاة عبد الحكيم عامر عام 1967، ووفاة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970، وحرب أكتوبر عام 1973، ومعاهدة كامب ديفيد عام 1978، واغتيال الرئيس السادات عام 1981.
على الرغم من رغبة محمد نجيب في وصيته أن يدفن في السودان بجانب أبيه، إلا أنه دفن في مصر في جنازة عسكرية مهيبة، وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين على قيد الحياة لتطوى صفحة رجل قاد أهم نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث.
في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بدأ اسمه يظهر في الكتب المدرسية على انه أول رئيس لجمهورية مصر العربية كما أطلق اسمه على إحدى الميادين في مدينة كفر الزيات بالغربية ومدرستان بالإسكندرية بسيدى بشر والأخرى بالهانوفيل، وأطلق اسمه على إحدى محطات القطارات في القاهرة (مترو محمد نجيب).
في 24 سبتمبر 2007 تم افتتاح متحف خاص لمحمد نجيب في القرية الفرعونية تضم مقتنياته وعدد كبير من الصور. رئيس من مصر عنوان الفيلم المزمع تصويره عن قصة حياة الرئيس محمد نجيب.. (8)
وثائق متعلقة بالرئيس محمد نجيب
ألبوم صور
|
المراجع
1- جريدة الأهرام عدد 7 يوليو عام 2002م.
2- جريدة الأهرام عدد7 يوليو عام 2002م.
3- جريدة الأهرام عدد 27 يوليو 1952.
4- مذكرات محمد نجيب (كنت رئيسا لمصر).
5- السيد حامد (كتاب محمد نجيب حلم مصر الذى لم يكتمل).
6- إبراهيم قاعود (كتاب الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة).
7- كتاب (محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة).
8- إبراهيم قاعود (كتاب الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة).
للمزيد عن الرئيس محمد نجيب
وصلات داخلية كتب متعلقة
مقالات وأخبار متعلقة
|
متعلقات أخرى
وصلات فيديو |