أسرار إستشهاد المشير أحمد بدوي ولا يزال الغموض مستمر
أحمد تيمور
مقدمة
كان يوم الاثنين 2 مارس 1981 يوما حزينا فى كل أرجاء مصر والأمة العربية فبعد يوم حافل بالعمل الشاق والمرور على الوحدات والتشكيلات فى المنطقة الغربية توجه الفريق أحمد بدوى ورفاقه ثلاثة عشر من كبار قادة القوات المسلحة إلى أرض الهبوط بمنطقة سيوة وفى تمام الساعة الرابعة والربع عصرا قام الشهيد بمصافحة مودعيه ثم استقل الطائرة وتبعه كبار القادة وما هى إلا لحظات حتى صعدت الطائرة العمودية ..وما هى إلا لحظات أيضا حتى سقطت الطائرة حطاما على نفس أرض الهبوط فى منطقة سيوة، بالمنطقة العسكرية الغربية، بمطروح ورستشهد هو ورفاقه ونجا طاقم الطائرة!
كانت الطائرة المنكوبة من طراز (س- 8 هيل) وهو طراز عتيق ولا يعلم أحد لماذا لم يتم تخصيص طائرة أخري من طراز الكوماندوز للقيام بتلك المهمة فهذه كانت أولي علامات الاستفهام. أيضا لماذا ركب جميع القادة في طائرة واحدة مع أنه كان مقررا تخصيص طائرتين للرحلة وكيف يتم السماح لهؤلاء القادة بركوب طائرة واحدة مع ان هذا ممنوع عسكريا لكن علي ما يبدو أن أصابع القدر كانت تتحرك بسرعة فلم تدع اي فرصة للتفكير او المراجعة.
المكان كان عبارة عن ملعب كرة قدم تحيطه بعض أسلاك وأعمدة الإنارة وقد تم تخصيصه لصعود الطائرة المنكوبة. ركب المشير ورفاقه معا بينما كانوا يتبادلون أطراف الحديث الأخير قبيل استشهادهم وبعد لحظات انطلقت الطائرة يقودها طاقم مكون من أربعة يقودهم المقدم طيار سمير غيث وعلي ارتفاع نحو 5 أمتار عن الأرض اختل توازن الطائرة ثم سقطت وبعد دقائق اشتعلت بها النيران ومن قلب الدخان خرج الطاقم فقط بينما تحولت جثامين المشير ورفاقه إلي كتل ملتهبة من الفحم.
كان المشهد مذهلا وخارج نطاق التصور وقد انقلبت القاهرة رأسا علي عقب وانطلقت طائرة عسكرية من العاصمة لنقل ما تبقي من جثامين الشهداء الأبطال. بينما تم نقل الطاقم الناجي إلي المستشفي في حالة إعياء وجروح بسيطة.
الطيار سمير غريب أفاق واستعاد نشاطه سريعا وقد حكي لجلال دويدار في الأخبار في لقاء إعلامي له ما حدث قائلا:
- "المحرك الرئيسي انهار وفقد قوته فور عبور الطائرة لمنطقة الأعمدة ثم انحرفت الطائرة ناحية اليسار بسرعة وبدأت تندفع بقوة تجاه الأرض لتصطدم بها ولم أشعر أن ذيل الطائرة قد اصطدم بعمود نور ولكني أتوقع ان يكون شيء ما قد دخل في المحرك وهو الذي أدي للكارثة هذا علي الرغم من أن كل شيء بالطائرة كان علي ما يرام ولم يكن هناك ما يشير إلي أي أعطال فنية".
اما عن كيفية نجاة الطاقم فيحكي الطيار أن الصدفة وحدها وأن اختيار القدر هو الذي كان يقف وراء نجاتهم ومن هنا بدأت الروايات تبدو متناقضة تماما فبينما اكدوا انهم لم يخرجوا بانفسهم من الطائرة حيث فقدوا الوعي وان احدا ما أخرجهم دون غيرهم فإن أحدهم قال ان مقبض نافذة الطواريء انفتح بالصدفة فخرجوا.
شهود العيان أكدوا أن الحادث لم يستغرق أكثر من 5 دقائق وأن السبب هو أن مروحة ذيل الطائرة تعلقت بأحد أسلاك الكهرباء فاختل توازن الطائرة لتندفع نحو عمود نور فاصطدمت به ثم هوت إلي الأرض. ورغم أن هذه الرواية قد تسببت في قذف التهمة إلي القدر وإلي اتهام "عمود النور" في الجريمة إلا أن هذه الرواية رغم بساطتها كانت أول خيط للكشف عن المؤامرة التي تم تدبيرها بذكاء خارق حسب وصف الخبراء في ذلك الوقت
فالواقع أنه تم ربط ذيل الطائرة بسلك كهربائي مثبت بأحد أعمدة الإنارة دون أن يراه احد بحيث ترتفع الطائرة إلي خمسة أمتار فقط ثم يجذبها السلك نظرا لمتانته لتصطدم بالعمود مرة أخري!! هذا التفسير تم تجاهله وأغلق المحضر في ساعته وتاريخه باثبات التهمة علي عمود النور ولم تستغر التحقيقات سوي أسبوعين فقط وأغلق ملف القضية.
اللافت للنظر والغريب في الموضوع أن يكون من نجا من الحادث 5 أفراد فقط منهم 4 هما طاقم الطائرة وسكرتير وزير الدفاع..و يوجد الكثير من علامات الاستفهام حول نجاة طاقم الطائرة حيث طراز الطائرة كان من النوع الذي يجب أن يفتح بابه من الخارج ولا توجد فتحة إلى قمرة القيادة أي أن من في الداخل محبوس أى هناك أيدى خفيه أو شبهة تواطئ ..
خاصة بعد ان تم اغتيال قائد الطائرة والشاهد الوحيد علي الحادث بعدما لم يستطع أن يلجم لسانه..فقد تم اغتياله هو الاخر بعد ذلك بفترة علي يد مجهول - بلا سبب - أطلق عليه رصاصات قاتلة أمام منزله بالعجوزة وقيل أنه قتل في حادث هجوم على مسكنه كان هدفه السرقة ؟! ، بينما توفي سكرتير وزير الدفاع في حادث آخر !!..ليتم التأكد ان سقوط الطائرة كان حادثاً مدبراً وليس قضاءً وقدراً..ليطمس بعدها الحادث وتطوي صفحة الفريق في قبور الذاكرة.
أدى غياب الشفافية في التحقيقات حول مقتل المشير أحمد بدوي الى تزايد الشكوك وظهرت أسباب أخرى تقوي هذه الشكوك، منها اختلاف المشير بدوي مع السادات قبيل أيام قليلة من وفاته بعدما رفض بدوي أوامر الرئيس فيما يتعلق بتوجيه ضربة عسكرية الى ليبيا، وتفاصيل الخلاف تشير الى ان الصدام بين بدوي والسادات بدأ مبكرا عندما كلف السادات المشير أحمد بدوي بالقيام بمهمة تفتيشية في سيوة ومرسي مطروح وكان السادات يفكر في توجيه ضربة عسكرية ضد ليبيا لخلافه الشهير مع معمر القذافي لكن أحمد بدوي أبدي اعتراضه على مخطط السادات مما ساهم في تأجيج الخلاف بين الرجلين.
واذا بحثنا في التعتيم على تاريخ هذا الرجل لأعطانا مؤشر على وجود فعل فاعل، حيث لم يأخذ المشير بدوي حظه من الافتخار ببطولة القادة العظام أمثال عبدالمنعم رياض مثلا. ويضاف الى ماسبق ملابسات الحادث التي تبدو واهية ومنها لماذا نجا الطيار وحده مالم يكن عامل حسابه؟ ولم تكن هناك مفاجأة بالنسبة له ؟ خاصة مسؤولية قيادة طائرة عليها قيادة جيش مصر؟
وذكر علوي حافظ في كتابه "الفساد" علاقاته بالفريق أحمد بدوي وأن بدوي ذكر له قبل أيام من مصرعه انه تقابل مع السادات وأبدي له اعتراضه على صفقة طائرات حاملة جنود قادمة من خلال المعونة العسكرية الأميركية، وعندما سأله السادات عن سبب اعتراضه على تلك الصفقة قال له بدوي لأن وراءها استغلالا وأن هناك اناسا حولك يستغلون الصفقات العسكرية للاثراء منها وتحولوا الى مافيا داخل الجيش ان وذكر له تفاصيل شركة الأجنحة البيضاء التي تأسست في أميركا للحصول على العمولات من تجارة توريد السلاح لمصر والمنطقة العربية..
ويقول علوي حافظ في كتابه انه طلب من السادات وضع قواعد جديدة وأسلوب جديد للحصول على السلاح للقوات المسلحة وأن هناك رائحة فساد بدأت تتسلل الى الجيش، ويقول علوي حافظ ان الفريق بدوي اشتكي له أيضا من ان الملتفين حول السادات يتربحون أيضا من صفقات لتغيير الزي الرسمي للجيش وتحويله من زيتي الى كاكي، ويختتم علوي كلامه منوها بأن أحمد بدوي قتل بعد 15 يوما من حديثه مع حافظ.
من هو أحمد بدوي ؟
ولد أحمد بدوي سيد أحمد في الإسكندرية في عام 1927 بحي محرم بك،والتحق بالكلية الحربية وتخرج بها عام 1948 فشارك في حرب 1948 بفلسطين فكان محاربا من أول حياته،ترقي تدريجيا حتي وصلنا لسنة 1967 حيث كان ضحية تصفية حسابات كونه دفعة شمس بدران وزير الحربية ابان النكسة
فتمت إحالته للمعاش واعتقاله خوفا من ولائه لشمس بدران وخرج من المعتقل في يونيو 1968 وخارج القوات المسلحة فاتجه للدراسة وحصل علي بكالوريوس التجارة ولكن أثناء ذلك أعاده السادات للخدمة بعد تصفية مراكز القوي في مايو 1971،أثبت أحمد بدوي أنه مقاتل شديد المراس وقاتل بشجاعة مع فرقته في مواقع سيناء المواجهة للثغرة
حتي عينه السادات قائدا للجيش الثالث الميداني وهو تحت الحصار في ديسمبر 1973 وتم تكريمه مع أبطال حرب أكتوبر ورقي لرتبة اللواء في مجلس الشعب عام 1974 وصل لمنصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة عام 1978 وظل بها حتي مايو 1980 حيث عينه السادات وزيرا للدفاع خلفا لكمال حسن علي وظل وزيرا للدفاع
دوره فى حرب أكتوبر 1973
لقد دخل أحمد بدوى حرب أكتوبر وهو ضمن تشكيل الجيش الثالث الميدانى … وله معارك كثيرة ومتنوعة نذكر منها معركة النقطة القوية جنوب البحيرات المرة ومعركة تقاطع طريق الجدى مع طريق الشط لمنع تدخل احتياطات العدو، ومعركة النقطتين القويتين الملاحظة والمسحورة ومعارك الدبابات الكبرى والتى بدأت 15 أكتوبر ، ومعركة الصمود فى كبريت ثم معارك غرب القناة..كل هذه المعارك كانت بقيادة العميد أركان حرب أحمد بدوى وأضاءت بها محراب العسكرية المصرية وزادته فخرا ومجدا..واقترنت باسمه رحمه الله تعالى..
إن اسم أحمد بدوى سيرتبط للأبد بعملية الصمود فى كبريت وبالصمود فى المعركة التى قاد خلالها الجيش الثالث وقام بتحسين أوضاعه القتالية والأهم من ذلك كله الحفاظ على الروح المعنوية للقوات كان أحمد بدوى حريص على أن يأكل الجنود قبل الضباط وأن ينام القادة بعد الضباط والجنود..
وعلى ألا يشمل موقع قيادته أى علامة تشير إلى أى درجة من درجات الترفيه، بطانية واحدة كان يلتحف بها وكان لكل جندى بطانيتين أو ثلاث، كان حريصا على المرور اليومى على كافة القطاعات ومخاطبة الجنود والتحدث إليهم وتسهيل عملية اتصالهم بأسرهم فى القاهرة وبقية المحافظات.
ويقول أحمد بدوى عن حرب أكتوبر
- " إن حرب السادس من أكتوبر لم تقف عند حد تحقيق هدفها العسكرى الاستراتيجى فحسب لكنها بادرت لتحقيق هدفها السياسى الحضارى المتمثل فى تحقيق السلام وإرساء دعائم الحق والحرية لكل شعوب المنطقة"
وقد شيعت جنازة المشير أحمد بدوى وزملائه، يوم الثلاثاء 3 مارس سنة 1981، من مقر وزارة الدفاع، فى جنازة عسكرية يتقدمها الرئيس محمد أنور السادات ورئيس مصر السابق اللواء محمد نجيب ونائب الرئيس حسني مبارك والمشير أبوغزالة.
جنازة المشير أحمد بدوى |
---|
المصدر
- مقال: أسرار إستشهاد المشير أحمد بدوي ولا يزال الغموض مستمر موقع أرشيف مصر