إغتيال أمين عثمان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اغتيال أمين عثمان

بقلم: عبد العظيم رمضان

تقديم

يسرنى أن أقدم للقارىء العزيز هذا الكتاب عن قضية اغتيال أمين عثمان , فى سلسلة قضايا الاغتيالات السياسية التى يقدمها مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر .

وقضية اغتيال أمين عثمان – بالذات – ذات أهمية خاصة , فقد حدثت الجريمة باسم مصر , وكانت مصر بعيدة عن هذا الاعتيال : فقد كان ارغتيال لخدمة مصالح القصر , وانتقاما من حادث 4 فبراير , الذى أجبر فيه فاروق على احترام الدستور والاذعان للارادة الشعبية , بعد أربعة أعوام كاملة من الحكم الاوتوقراطى الذى تجاهلت فيه ارادة الشعب وأبعد فيه حزب الأغلبية , وهو الوفد , عن الحكم . لم يكن تدخل بريطانيا لإجبار فاروق على احترام الدستور والإرادة الشعبية , نابعا من حرصها على ارساء الحكم الدستورى والارادة الشعبية , نابعا من حرصها على ارساء الحكم الدستورى فى مصر , فى تلك اللحظات المصيرية من الحرب العالمية الثانية , التى تهددت فيها الامبراطورية البريطانية بالانهيار على يد الفاشية والنازية .

ولم يكن تعاون الوفد مع بريطانيا فى تلك اللحظات المصيرية نابعا من تعاطف مع الدولة الاستعمارية , وانما كان نابعا من احساس بالخطر على مصير مصر لو وقعت فى قبضة النازية العنصرية , وهو نفس الاحساس بالخطر الذى دفع الاتحاد السوفيتى , وهو دولة شيوعية , الى التحالف مع الدول الرأسمالية لدحر النازية .

وقد استقبل الشعب المصرى التدخل البريطانى بترحاب , لأن قبضة الأوتوقراطية عليه كانت أشد وطأة من قبضة انجلترا , وكان الشعب المصرى يعرف جيدا أن الأوتوقراطية , ممثلة فى حكم فاروق , كانت تستند الى بريطانيا فى فرض حكمها على الشعب . ومن هنا فقد رحب بافتراق المصالح بين القصر وبريطانيا , ووصولها الى حد التناقض .

ولكن القوى المتحالفة مع القصر , أغضبها هذا التدخل البريطانى , بحجة رديئة هى أن الاعتداء وقع على رمز البلاد ؛دون أن تدرك أن رمز البلاد لو كان رمزا طاهرا يحترم ارادة الشعب لما تعرض لهذا الاعتداء . ولذلك لم تكد تنتهى الحرب العالمية الثانية حتى أخذت فى مناقشة من لعبوا دورا فى حادث 4 فبراير الحساب , وكان أمين عثمان هو الذى اختارته لتغتاله , وتثير من خلال هذا الاغتيال قضية حصار قصر عابدين على يد القوات البريطانية , وفرض حكومة الأغلبية عليه . وفرضت ستارا كثيفا على هذه الحقيقة , وهى أن حزب الوفد كان هو حزب الأغلبية الشعبية , ولم يكن حزبا من أحزاب الأقلية التى فرضت دكتاتوريتها على البلاد , وأن فرض الديموقراطية على القصر هو لمصلحة الشعب , سواء كان هذا الفرض من جانب بريطانيا أو من جانب الشعب .

كذلك فرضت ستارا كثيفا على هذه الحقيقة الأخرى , وهى أن مركز بريطانيا فى ذلك الوقت لم يكن مركز دولة محتلة , وانما كان مركز دولة حليفة وصديقة بمقتضى معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا التى عقدت عام 1936 , ووقعتها الاحزاب المصرية وعلى رأسها حزب الأغلبية الشعبية وهو الوفد .

وبالتالى فان أى اتصال بين أمين عثمان والسفارة البريطانية لا يدخل فى اطار الخيانة الوطنية ,وانما يدخل فى اطار العلاقات المصرية البريطانية الجديدة , ولوكان اتصال أمين عثمان بالسفارة البريطانية خيانة وطنية , لأنطبقت هذه الخيانة على جميع زعماء مصر بدون استثناء بعد المعاهدة , سواء منهم من ينتمى الى أحزاب الأقلية أو ينتمى الى حزب الوفد , سواء منهم من ينتمى الى القصر الملكى أو ينتمى الى أية فرقة سياسية أخرى .

ومن هنا كان حرصى , عندما عرض على الدكتاتور يواقيم رزق هذا الكتاب لمراجعته وليصدر فى سلسلة قضايا الاغتيالات السياسية من مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر , وعلى أن يكون هذا المفهوم بارزا فى الكتاب , وألا يسقط فى هوة حملة التضليل التى سادت المحاكمات , والتى قادها القصر بمهارة بعد أن مهد لها الطريق باقالة حكومة الوفد فى يوم 7 أكتوبر 1944 وأقام حكومة قصر برياسة أحمد ماهر باشا . وفى ظل هذا المد الرجعى العارم الذى يقوده , ثم اغتيال أمين عثمان عثمان فى يناير 1946 .

كما عهدت الى الاستاذ الدكتور أحمد زكريا . عضو اللجنة العلمية المشرفة على مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر , بمراجعة الكتاب من الناحية الفكرية , حتى لا يصدر وراء تضليلات القصر الملكى , وأعتقد أن الكتاب الآن يحمل انسياقا وراء تضليلات القصر الملكى . وأعتقد أن الكتاب الآن يحمل التوازن المطلوب , على نحو يجعلنى أشكر كلا من الدكتور نبيل عبد الحميد سيد أحمد , والدكتور يواقيم رزق مرقص على قيامهما بالاشراف على هذه الدراسة الجيدة .

كما أشكر السيدات الباحثات : أفكار راغب توفيق وحنان حسن جمعة وليلى بليغ الشواربى وناريمان اسماعيل يوسف وسناء محمود الجبرونى على ما بذلته من جهد فى جمع المادة العلمية من القضية والدوريات والمراجع , واعدادهن لأجزاء من الدراسة خضعت لقلم الاشراف العلمى عليها ليخرج العمل متناغما على النحو الموجود بين دفتى هذا الكتاب .

تحريرا فى 10 فبراير 1992
رئيس اللجنة العلمية المشرفة
على مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر
أ . د . عبد العظيم رمضان

مقدمة

الاغتيال السياسى هو قمة المظهر المتطرف للصراع بين الأفكار والآراء والاتجاهات المتباينة , وبه يظن مرتكبه أنه وضع حلا علميا لهذا الصراع , أو نهاية لمصدر الفكر والاتجاه المخالف , وسواء تمت عملية الاغتيال أو توقفت عند حد الشروع فيها . فان ذلك يثير ردود فعل متباينة , تختلف تبعا لموقف بقية الأطراف من الطرف الذى اقترف الاغتيال , أو اتجاه من وقع عليه الحادث .

وتختلف أهداف الاغتيال السياسى : فهو اما أن يكون بهدف القضاء على وضع عام يسىء الى حرية البلاد كالاستعمار أو الاحتلال , وأما أن يكون بغرض احلال شخصية سياسية محل أخرى يرى مقترف الاغتيال فيها حلا لمشكلة قومية , وربما لاشاعة حالة من الارهاب وتقويض شرعية الحكومة القائمة وتغيير نظام الحكم أو المذهب الفكرى .

وقد يقوم النظام السياسى القائم نفسه بالاغتيال السياسى مستهدفا ازاحة خصم , أو التخلص من صاحب اتجاه مخالف يخشى منه على سلامة هذا النظام .

ونخلص هنا أن الاغتيال السياسى – وهو أمر مرفوض – يكون المجنى عليه فيه شخصية سياسية , أو لها دور فيها , ويكون الهدف سياسيا , ويترتب على الحادث ردود فعل سياسية كذلك .

وحركة الاغتيال السياسى فى تاريخنا المعاصر بدأت منذ بواكير هذا القرن عندما بدأت باغتيال بطرس غالى رئيس مجلس النظار فى عام 1910 ثم توالت بعد ذلك , تيارا جرف الكثير من الضحايا سواء من المصريين أو من الانجليز .

ويمثل حادث اغتيال أمين عثمان , الذى ارتكب فى الخامس من يناير 1946 احدى هذا المسلسل الدموى المتطرف .

وأمين عثمان لم يكن زعيما أو رئيسا لحزب أو طرفا فيه وانما لعب دورا معينا من خلال وضعه بالنسبة لطرفين فى القضية الوطنية وهما الانجليز وحزب الوفد , هذا الدور اختلف فى تقييمه كثيرون فكان جزاؤه عند المتطرفين هو الاغتيال .

اذ كانت الخطوط التى رسمت صورته فى عصره قاتمة , وذلك فى ظل : كراهية المصريين للاحتلال البريطانى لبلادهم من ناحية وفوران بعض الاحزاب والجماعات المتطرفة التى ساقتها الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة من ناحية أخرى .

والأمر يحتاج الى رؤية وتأن فى الحكم عليه , نذكر ما له وما عليه , واستبيان للظروف التى أدت بمن تناولوه فى شهاداتهم أو كتاباتهم الى هذه الأقوال والأحكام , ونحن فى هذا لا ندافع عنه فنبرؤه , ولا نحن ضده فنبخسه حقه , آخذين فى الاعتبار أن من يشغل مناصب القيادة أو الراى أو حتى " الوساطة " بين أطراف , لا يكون مصيبا فى كل خطواته , وانما له أخطاؤه وسلبياته كذلك , تلك التى قد تزيد عند أحدهم وتقل عند الآخر .

ويجدر عند تناول مثل هذه الشخصيات أن يكون الحكم عليها من خلال المواقف والظروف التى كانوا يتعاملون فى ظلها , وليس من منظور اليوم , حيث تختلف الملابسات , ونبتعد عن مناخ الأحداث نفسها وظروف وقوعها .

فكان على راس الأسباب التى أدت الى اغتيال أمين عثمان أنه رجل عمل لمصالح الانجليز فى مصر أكثر مما عمل لمصالح مصر لدى الانجليز ...

الا أنه مما لا شك فيه أن لنشأته وتربيته دور مؤثر فى شخصيته , فكانت تربيته انجليزية وصداقاته فى غالبيتها كانت انجليزية لدرجة أن كان حديثه العادى يفضل يفضل أن يكون بالانجليزية , مما كان له أثره على ميوله وأساليبه فى التعامل , حتى أنه تزوج من انجليزية , مما أضاف عاملا آخركان سببا فى الأخذ بأسلوب معين فى التعامل مع الانجليز اختلف شيئا ما عن أسلوب المصريين الذين تعاملوا معهم , ولم تكن لديهم هذه السباب .

فكان كثير التردد على مجتمعات الانجليز شديد المرونه فى تعامله معهم , مجاملا لهم , فضلا عن مقابلاته مع السفير الانجليزى ولقاءاته مع أولى الأمر منهم , أما هو فكان يرى فى هذا طريقا للوصول الى تحقيق الأهداف الوطنية , فمصر كانت دولة محتلة من دولة قوية هى انجلترا , تلك التى كان بيدها الأمر والنهى فى البلاد , وأن أخذها بالعنف لم يكن أمرا يوصل الى تحقيق ذلك , وهو أسلوب كان له أثره فى انجاح مفاوضات 1936 .

فقد استفاد مصطفى النحاس من أمين عثمان فى هذا المنحى , واستخدم علاقته هذه حيث " كان يريد أن ينجح القضية " , ومن ثم كان دوره فى مفاوضات المعاهدة , حين اختاره سكرتيرا لها , والتى نجحت بعد تكرار فشلها وافرزت معاهدة 1936 التى كانت اقصى ما استطاع المفاوض المصرى الحصول عليها من انجلترا آنذاك , ووافق عليها معظم الأحزاب آنذاك , وان لم تكن محققة لكل آمال المصريين . أما أمين عثمان فقد حصل بسبب جهوده هذه على رتبة الباشوية عام 1937 من " مجلس الوصاية " المصرى فكان هذا دليل رضائه عن هذه الجهود .

وعن النقد الذى وجه اليه بسبب حادث 4 فبراير على أساس أنه وحده الذى كان يعلم بنية الانجليز فيه وسهل له , فقد ظهر أنه كانت هناك شخصيات أخرى – لها مكانتها – كانت تعلم به ...

ولم لا يقال أن سعيه – سواء عمدا أو عفوا – قد أسهم فى تفويت فرصة تنفيذ الانذار البريطانى فى ذلك الوقت والذى كان موجها فى الواقع ضد الملك نفسه , وهو رمز مصر (1) ؟

وهو ما نناقشه باستفاضة فى الدراسة . أما ما نسب اليه من سلبيات أخرى أضيفت الى قائمة أسباب اغتياله فانما تناقش فى مكانها من الدراسة , أخذا فى الاعتبار أن السيئات والسلبيات لم تكن قاصرة عليه وحده , وانما كانت سلوكيات تلك العهود تزيد عند واحد وتقل عند الآخر حسب ظروفه , وقد تناولنا هذا ايضا فى مكانه .

أما هو فكان شابا طموحا صعد السلم بسرعة حسد عليها ارتكب أحيانا فى سبيل ذلك بعض الأخطاء فى علاقاته وفى بعض صلاته بالقوى السياسية فى عصره .

ولقد قال فيه أنور حبيب – ممثل الادعاء فى القضية – " أن أمين باشا عثمان مهما اختلفت النظرة اليه , ومهما تباينت الآراء فيه , لم يكن رجلا عاديا , أو هملا من العامة , بل كان رحمة الله – من أصحاب الرأى , له عقيدته التى يؤمن بها , أو له مذهبه الذى يسير عليه ... لأنه اعتقد – ان خطأ أو صوابا – أن فى التزامه خير لمصر وبركة , وأنه وحده هو الطريق السوى الذى ينتهى الى تحقيق مجد مصر وعزتها " .كما عزز هذا القول محامى المدعين بالحق المدنى فى القضية , وهو قول اتسم بالصراحة " وهل حقيقة كان أمين عثمان يدا انجليزية أم أنه كان مصري صميما قدر عن عقيدة – اخطأ فيها أم أصاب – أن أنجح الطرق لخدمة قضية البلاد أن يأخذ المتحكم عن طريق الملاينة لتكسب لمصر ما لم تستطيع أن تأخذه بالقوة " . فضلا عن أنه لم ينتج عن أعماله أضرارا خطيرة على البلاد يمكن أن يوصف من أجلها بما وصف به , خصوصا وأن من نقدوه كانوا قد اختاروه للعمل معهم مثل مكرم عبيد باشا .

وتتناول هذه الدراسة فى قسمها الأول تقديما موجزا للمناخ العام فى مصر فبيل الحادث م أحوال اقتصادية واجتماعية , وكذلك الأحوال السياسية م خلال بعض مواقف الأحزاب صاحبة التحركات السياسية من خلال بعض مواقف الأحزاب صاحبة التحركات الديناميكية السياسية المؤثرة فى تلك الفترة , باعتبار أن هذا المناخ قد اسهم فى حالة قلق الشباب فى مصر , مما أدى بالبعض منه الى هذا الفكر المتطرف , ثم التكوينات الشبابية التى أفرزتها هذه المؤثرات , سواء كانت للأحزاب أوالجماعات المستقلة , سرا أو علنا , منتمين الى جماعة حسين توفيق – مرتكبة الحادث – متناولين تكوينها وأسلوبها والظروف النفسية والاجتماعية لأعضائها لتأثيرها فى فكرهم , وموقفهم من الزعماء وخاصة مصطفى النحاس وكذلك أمين عثمان باعتبار ان الأول كان هدفهم الرئيسى أما الثانى فكان الشرك الذى نصبوه لاصطياد ه, والأسباب التى تذرعوا بها لاغتياله , وبالتالى تناولنا أمين عثمان من حيث شخصيته وتربيته ومناقشة أهم أسباب اغتياله من سلبيات , وعلاقته بالانجليز وموقفه من حادث 4 فبراير , وتقييمه من خلال كل هذا والذى أشرنا الى بعض منه فيما تقدم من سطور .

أما القسم الثانى فقد تضمن الحادث وأصداؤه , واجراءات تحقيق النيابة واعترافات المتهمين والأحداث التى تفرعت عنه , وانتهاء التحقيق الى قرار الاتهام معطين بعض بيانات للتعرف على المتهمين .

ثم اجراءات المحاكمة ومرافعات الادعاء والدفاع – فيما يخص موضوع الدراسة , و حادث هروب حسين توفيق , وأخيرا موقف المحكمة من كل هذا وظروف الرأفة فى تقدير العقوبة منتهين الى نص الحكم فى القضية .

ونود أن ننوه بأن المادة التى عرضناها كانت فى حدود الحادث فقط , لأن القضية – كقضية سياسية – تناولت جوانب كثيرة أخرى تطرق اليها الدفاع , وكذلك أمورا فقهية وقانونية واقتصادية , مما رآه الدفاع من وسائل تعينه فى عمله .

وعرضنا فى اختصار – غير مخل – القضايا الهامة التى تفرعت عن القضية الأصلية ولها بها صلة , لتكون وحدة تاريخية متكاملة الموضوع .

ونشير الى أننا التزمنا بخط القضية فقط , تاركين كل قضية أخرى ارتكبها حسين توفيق – مرتب الحادث , أو القضايا التى ارتكبها المتهمون الآخرون , وان كانوا من جماعته , ما دامت ليس لها اتصال بالحادث بذاته – لأن موضوعنا هو حادث اغتيال أمين عثمان وليس نشاط حسين توفيق أو جماعته . و هى وان أوردنا فى منطوق الحكم فلكى نعرض الحكم كاملا بنصه ليكون وثيقة تاريخية كاملة ويقدم الشكر للسيدات الباحثات أفكار راغب توفيق وحنان حسن جمعة وليلى بليغ الشواربى وناريمان اسماعيل يوسف وسناء محمود الجبرونى , على ما قمن به من جمع المادة من القضية والدوريات وبعض المراجع .كما قامت السيدة حنان باعداد الفصلين الخاصين بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية والحالة السياسية وكذلك السيدة أفكار باعداد الجزء الخاص بحادث 4 فبراير والسيدة ليلى باعداد البيانات الخاصة بالمتهمين وكذلك السيدة ناريمان ببعض القضايا الفرعية وان كنا قد أخضعنا هذه الأعمال للتعديل والاضافة واعادة الصياغة لتتماشى مع سياق بقية الدراسة لتصل الى الشكل المتكامل الذى خرج به الموضوع .

وكذلك يقدم الشكر للجنة العلمية برئاسة الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان , وعضوية الأستاذ الدكتور صلاح العقاد , والأستاذ الدكتور أحمد زكريا الذى أسهم بجهده معنا فى هذا الكتاب .

واننا اذ نقدم هذا العمل انما نحاول الكشف عن أحوال تلك الفترة التى حكمتها ظروف الاحتلال البريطانى والفساد السياسى , والتى ظلت حتى قيام ثورة 1952 . والله المستعان .

المشرفان

القسم الأول :أحوال مصر قبيل الحادث

تعتبر قضية اغتيال أمين عثمان قضية سياسية بالدرجة الأولى , ترتبط بموقف الحركة الوطنية المصرية من الوجود البريطانى فى مصر بشتى صوره , فمن المعروف أنه كانت للحركة الوطنية مواقف مختلفة من هذا الوجود , وأن تيارا نشأ فى مطلع هذا القرن يدعوا للتعامل بواقعية مع هذا الوجود لتحقيق مطالب مصر , فقد اقتضى هذا التعامل وأحيانا التعاون مع السلطات البريطانية من منطلق وطنى , فهذه وجهة نظر تبناها حزب الأمة فى البداية , ثم بعده حزب الوفد , وقد نجح أنصار هذا الاتجاه فى تحقيق خطوات على سبيل استقلال مصر , كانت آخرها – فيما يتعلق ببحثنا – النتائج التى وصلت اليها معاهدة 1936 بالنسبة لمصر ..

وفى ضوء تحقيق هذه النتائج صار التعامل مع الوجود البريطانى بعد المعاهدة على نحو جديد , ومن ثم أصبح تعامل السياسيين المصريين وعلاقاتهم , بل وصداقاتهم لساسة الاحتلال فى مصر أمرا واردا من خلال فكرة الندية – الشكلية – التى أوجدتها معاهدة 1936 .

وقد أثارت هذه العلاقات – رغم شرعيتها – من خلال المعاهدة ردود فعل متباينة تجاه الحركة الجماهيرية سيما قطاع الشباب , لكننا نؤكد هنا أن تقييم ردود الفعل هذه ترتبط بحقيقة هامة هى أن الزعماء السياسيين المصريين على اختلاف مشاربهم – فيما عدا زعماء الحزب الوطني – قد تعاملو ا مع هذا الوضع بشكل عملى , مع تفاوت درجة علاقاتهم بالساسة البريطانيين فى مصر , ومن هنا كان اتهام رجل مثل عثمان أمين بأنه أكثر من غيره تعاملا مع السفارة البريطانية نتيجة لصداقاته الخاصة معهم , لكن ما ينبغى أن نشير اليه أن موقفه بشكل عام كان جزءا من تيار عملى فى السياسة المصرية آنذاك , برغم ردود الفعل تجاههم .

وربما تلقى دراسة قضية اغتيال أمين عثمان بجانبها السياسى والوطنى مزيدا من الضوء على تأكيد هذه الحقيقة , ومن هنا يصبح المدخل الرئيسى لنا دراسة تطور علاقة مصر ببريطانيا على ضوء معاهدة 1936 .

فلم يكن حادث اغتيال أمين عثمان أو غيره وليد الصدفة وانما كان افراز العلاقات المصرية البريطانية خصوصا بعد معاهدة 1936 , التى لم تأت بالثمر الذى كان يرجوه المصريون منها , فهى وان أعطت المصريين بعضا من حقوقهم الا أنها كانت تشكل جزءا من خطة بريطانية لتأمين مصالح انجلترا ومواصلاتها فى الشرق الأوسط فى حالة نشوب حرب بينها وبين ايطاليا وألمانيا , وهو شكل من أشكال استمرار نفوذها فى مصر – رغم سبق منحها ادارة شئونها منذ تصريح 28 فبراير عام 1922 .

ورغم أن فترة فعالية هذه المعاهدة كانت عشرين سنة – نظريا – الا أنها حملت فى خباياها امكانية تجديدها تلقائيا , ولذلك كانت أى مطالبة بعقد معاهدة معدلة لا تحوى نصا خاصا بسيطرة انجلترا عسكريا كان يعنى نقضا لشروط المعاهدة , ولهذا كان الوطنيون الذين حاولوا التخلص من هذه السيطرة يظهرون فى نظرهم معتدين على مصالح انجلترا الحيوية , وبذلك ضمنت فى نظرهم انجلترا الحق القانونى فى التدخل بالقوة المسلحة محافظة على هذه المصالح , وبذا أصبحت الحركات الوطنية التى تطالب بحق مصر المشروع فى الاستقلال معادية للمصالح البريطانية .

كما كانت انجلترا تسعى منذ معاهدة 1936 الى الزام رأس السلطة – الملك – بتعيين رؤساء وزارات يكونون موالين لها , مما نتج عنه ضرورة حشد برلمانات يدور أعضاؤها فى فلكها بدلا من المناداة بالاصلاح أو الاستقلال (1) هذا من الداخل , أما عن آثار المعاهدة فى الخارج فقد استغلت دول المحور لدى قيام الحرب العالمية الثانية الضغط العسكرى البريطانى على مصر واستمرار وجود القوات البريطانية فى داخل البلاد تحت ذريعة أن الحكومة المصرية لم تستكمل لها ثكانتها فى القناة طبقا للاتفاق بينهما وحاولت دول المحور كسب الرأى العام المصرى الذى استجاب فى بعض منه لهم , حيث لم تكن لمصر مصلحة فى معاداتهم , ومن ثم ظهرت سياسة تجنيب مصر ويلات الحرب .

فلما قامت الحرب وضعت موارد مصر تحت تصرف انجلترا دون أن تكون رسميا فى حالة حرب مع ألمانيا , و انتهت المناقشات الى مفترق طرق , فمن الوزراء من رأى عدم ربط مصر بعجلة الامبراطورية التى بسبيلها الى الهزيمة , على حين ذهب آخرون الى ضرورة اشتراك مصر فى الحرب الى جانب انجلترا حتى يتعود الشعب على المغامرة , بينما ذهب فريق ثالث الى ضرورة اجابة انجلترا الى كل ما تطلبه بحكم المعاهدة , متوقعين الا تبالغ انجلترا فى الالحاح على الوزارة باعلان الحرب ما دامت تقوم بمعاونتها خاصة وأن بين مصر وبين ميادين القتال مسافات طويلة , ونجح هذا الرأى ولم تلح انجلترا على مصر فى أن تعلن الحرب مكتفية بوعد من رئيس الوزراء أن يكون هذا الاعلان محل تقدير الوزراء اذا دخلت ايطاليا الحرب أو أصبحت مصر على مقربة من ميادينها (2) .

وهنا كانت فى مصر أصوات تنادى بأن تظل العلاقات طيبة بين مصر والألمان , وكان من المصريين – حتى المسئولين – من هم على علاقة طيبة بهم , ومن الشعب من بهروا بالألمان وهذا ما سنراه فى سلوك حسين توفيق وجماعته فى هذه القضية , خاصة وأن ايطاليا وألمانيا كانتا تعلنان أنهما لا تنويان الاعتداء على مصر أو المصريين .

وواصلت مصر كفاحها حتى اتخذ مجلس النواب فى 21 أغسطس 194- قرارا بالاجماع عبر فيه عن ثقته الكاملة فى الحكومة وأيدها حين أعلنت أن مصر فى الوقت الذى لا تكن فيه عداء أو كراهية لأية دولة لا يسعها الا أن تدافع عن نفسها بكل ما يمكنها من وسائل اذا تعرضت أراضيها للعدوان , الأمر الذى لم يرق فى عين انجلترا فتصيدت الأسباب لحكومة علي ماهر , خصوصا وأنه ضم فى وزارته أشخاصا لم تكن ترتاح اليهم كصالح حرب وعزيز المصري (3) الذى كان يميل كثيرا الى الألمان الذين كانت دائرة الحرب تدور فى صالحهم وعمل على تقويض مركز البعثة العسكرية البريطانية عمدا , وتشجيع رئيس الوزراء لحملة ضد الوضع الانجليزى فى السودان , وفى طرده لعدد من الموظفين المعروفين بميولهم الودية نحو الانجليز – وكان منهم أمين كما سنرى – وفى تشجيع النظمات الفاشية وبالذات جماعة " مصر الفتاة " والمعروفة باتجاهاتها المعادية للانجليز , فطالب الانجليز بتنحيته عن الحكم بحجة أنه " غير متعاون ولا يمكن الاعتماد عليه "(4)

فتقدم علي ماهر بالاستقالة عندما وجه السفير البريطانى انذارا الى الملك بضرورة ابعاده فقبل الملك الاستقالة , وتولى بعده حسن صبري , فأعلن بقاء مصر الدولة غير محاربة واقتنع الانجليز بذلك .

وكانت خطة التعاون التى التزم بها حيال الحليفة قد أدت الى تحسن الأمور بينهما ولكن أدى هذا الى التوتر فى العلاقات مع السعديين الذي كانوا يشكلون أهم المجموعات الحزبية التى تتألف منها وزارته , وزاد الموقف تعقيدا تقدم الايطاليين فى الأراضى المصرية مما دفع أحمد ماهر – رئيس الهيئة السعدية – الى اصدار عدة بيانات يستلزم أن تشترك مصر فى الدفاع عن أراضيها , واحتدم النزاع وخرج السعديون من الوزارة , فتدهور مواقفها لولا مساندة القصر لها , الا أن وفاة حسن صبري أنهى الموقف طبيعيا .

واستمرارا لسياسة بريطانيا فى مصر أن يتولى رئاسة الحكومة من يواليها أو ترتاح هى اليه فقد تولى حسين سري , وهو أيضا له ميوله نحو الانجليز , حيث شكل وزارة ائتلافية, وتولى الوزارة مرتين متتابعتين , وفى عهده ظهر تراكم الماضى وأزماته فى شكل أزمة تموينية حادة , مما أدى الى كارثة أخرى وهى اضطراب الأحوال الاقتصادية فى مصر والتى عانى منها الشعب وبخاصة الشباب منهم فانفجرت الاضطرابات والاضرابات , مما أدى الى اضعاف مركز الوزارة فى الوقت الذى كان فيه الألمان يتقدمون عبر الصحراء الغربية ويتوغلون داخل الحدود المصرية , كما دخلت اليابان الحرب ضد الحلفاء فزاد مركزهم سواءا . بالاضافة الى نشوب الأزمة السياسية حين استقالت وزارة حسين سري بسبب قطعها العلاقات مع حكومة فيشى الخاضعة لألمانيا فى الوقت الذى صفق الشعب المصرى لانتصارات اللمان , ومن هنا بدأت أزمة 4 فبراير التى سنفصلها داخل الدراسة والتى كانت سببا هاما فى حادث مقتل أمين عثمان .

تلك كانت عجالة فى الموقف السياسى الذى تفرع عنه الموقف الاقتصادى والاجتماعى والحزبى والتكوينات الشبابية التى خرجت منها مجموعة حسين توفيق التى ارتكبت الحادث , وهذا ما سنتناوله تباعا .

الفصل الأول : الأحوال الاقتصادية والاجتماعية

الحالة الاقتصادية

خلال الحرب العالمية الثانية قوى التسلط البريطانى على البلاد سياسيا واقتصاديا – وزاد التدخل السافر فى شئون البلاد مصر الداخلية ضمانا لسياسته الاستعمارية , فى هذه الظروف الصعبة , وشمل ربط السياسة المصرية ببريطانيا فيما شمل , و استغلال مصر اقتصاديا ليس من خلال المنشآت الاقتصادية للحكومة الخاضعة لنفوذ الاحتلال .

وتضخمت الآثار السيئة للارتباط القديم بين العملة المصرية والاسترلينى فزاد اصدار البنكنوت وارتفعت الأسعار ارتفاعا باهظا .

ففى عام 1940 اصدرت وزارة حسن صبري قانونا بمد امتياز البنك الأهلي – البريطانى النشأة والتكوين آنذاك – لمدة أربعين عاما , وهو امتياز يخول البنك اصدار أوراق النقد المصرية , وبذلك تكون اقتصاديات البلاد خاضعة له , ولقد كان هذا القانون فوزا كبيرا لسيطرة بريطانيا على الشئون المالية المصرية , ولقد أدى اطلاق يد البنك الأهلي فى اصدار أوراق النقد الى تضخم نقدى , أدى الى نتائج وخيمة على الاقتصاد المصرى . فى مختلف المجالات الصناعية والزراعية والتجارية .

التجارة :

ففى مجال التجارة : تحكمت بريطانيا أثناء هذه الفترة فى التجارة الخارجية , وحرمت على مصر الاتجار مع غيرها , كما تحكمت فى أسعار القطن والحاصلات الزراعية , و تكونت لجنة عرفت باللجنة المصرية البريطانية احتكرت محصول القطن , ومنعت التنافس على شرائه وبيع القطن المصرى بأقل من سعره العالمى بمبلغ خمسة عشر ريالا فى المتوسط , كما لم تكن بريطانيا تدفع ثمنا للمواد التموينية لجيوشها , وجيوش حلفائها , بل أن البنك الأهلي كان يصدر مقابل هذه المواد التموينية أوراق بنكنوت بقدر ما تطلب بريطانيا , وبذلك نشأ الدين البريطانى أو ( الأرصدة الاسترلينية ) التى بلغت حتى عام 1945 حوالى 450 مليون جنيها , وأدى هذا الدين الى مزيد من التضخم , وانخفاض القوة الشرائية للجنيه المصرى , مما ترتب عليه ارتفاع الأسعار كما تعذر أيضا استيراد بعض أنواع السلع بسبب استحالة الاستيراد من دول المحور والبلاد المحتلة , وتحول كثير من المصانع فى دول الحلفاء الى نتاج مستلزمات الحرب , وفرضت رقابة شديدة على التصدير , فأدى ذلك الى تحول الميزان التجارى فى غير صالح مصر , فقد كانت قيمة الصادرات أقل من قيمة الواردات , والسبب فى ذلك راجع الى عدم تصدير جزء كبير من محصول القطن , وارتفاع أسعار الواردات وازدياد نفقات الشحن والتأمين , كما وضعت الحكومة نظام ضرورة الحصول على ترخيص فى حالة تصدير أى نوع من السلع , محاولة منها لتوفير المواد الغذائية للاستهلاك المحلى .
ولم تلق مسئولية هذه المساوىء على الحكومة وحدها وانما ألقيت أيضا على بريطانيا , ففلى مجلس النواب أعلن إسماعيل صدقي أن وجود قوات الحلفاء هو أحد السباب الرئيسية للأزمة , وأن سبب النقص الشديد فى القمح الذى تعانى منه مصر انما يعود الى كميات القمح التى ووفق على تسليمها لقوات الاحتلال .
وأن الجنود البريطانيين يستهلكون فى اجلازتهم زيادة عن الكميات التى يستهلكونها فى الثكنات بما يقرب من 600 ألف أردب فى العام الواحد .
ورغم تكذيب رئيس الوزراء ذلك فقد انتشر هذا المضمون بسرعة , وتحدث الناس عن نهب مصر والمجاعة والفوضى يضاف الى ذلك التسلط السياسى مما جعل الأمة تدرك أن شقاء مصر هو التسلط البريطانى الذى يقف أمام طموحها وآمالها .

الصناعة :

خلال فترة الحرب العالمية الثانية , وبسبب ما نتج عن انقطاع المواصلات مع أوروبا , من حماية للمنتجات المحلية من المنافسة الأجنبية , وبسبب زيادة طلب الجيوش الأجنبية الموجودة فى مصر على هذه المنتجات حققت الرأسمالية المحلية تطورا كبيرا نسبيا , فأنشئت فى هذه الفترة نحو 375 شركة مساهمة بلغ مجموع رأسمالها حوالى 78 مليون جنيه , وزاد تركز الصناعة وارتفعت قيمة الانتاج من 100 مليون جنيه فى عام 1938 الى 350 مليون جنيه فى عام 1945 فتراكمت أرباحها وانتعشت الصناعة المصرية انتعاشا حقيقيا أثناء الحرب .
وخلال الحرب أيضا زادت الطبقة العاملة عددا ووعيا , فقد أدى نمو الرأسمالية , وزيادة المصانع الى نمو عدد العمال , كما اشتغل الكثير منهم فى معسكرات الجيوش الأجنبية أثناء الحرب . مما ساعد الكثير منهم على تحقيق مكاسب عمالية , فأصدرت الحكومة القانون رقم 85 عام 1942 , الذى يعطى الحق لعمال كل مهنة فى فى تكوين النقابات , كما صدرت عام 1944 القانون الخاص بمطالبة أصحاب المصانع التى يعمل بها 30 عاملا فأكثر بتعليمهم القراءة والكتابة , كما صدر قانون عقد العمل الفردى وذلك كجزء من سياسة التهدئة الاجتماعية التى اتبعتها الحكومة فى هذه المرحلة الخطيرة من الحرب العالمية , وكان الاضطراب قد تفجر سياسيا واجتماعيا قبل تولى هذه الوزارة بسبب قسوة ظروف المعيشة والعجز البالغ عن توفير المواد الضرورية , فسارت المظاهرات تطالب بالخبز .

الزراعة :

وفى مجال الزراعة أثرت الحرب على سياسة الزراعة فى مصر , فقد أدت قلة استيراد الحاصلات الزراعية الى أن تضع الحكومة خطة لتوجيه الانتاج الزراعى لسد هذا النقص , فقد تغيرت المساحة المزروعة وفقا للظروف , فزادت المساحة المنزرعة قمحا وشعيرا تلبية للأوامر العسكرية عام 1942 , والتى كانت تقضى بتحديد مساحات القمح والشعير بما لا يقل عن 50 بالمائة من أرض الدلتا , كما زادت مساحة الذرة والأرز نظرا لازدياد الطلب عليها , وفى الوقت نفسه نقصت مساحة الأراضى المزروعة قطنا , وقد تضاعفت القيمة الايجارية للأرض الزراعية فى فترة الحرب مرتين أو ثلاث واذا كان لم يلحظ أثر واضح لتحرك الفلاحين ضد الاحتلال خلال الفترة التالية للحرب , فذلك يرجع الى أن كبار الملاك الزراعيين كانوا فى غالبيتهم مصريين , ويشغل بعضهم مواقع قيادية فى الوفد , ولم يكن الفلاحون الصغار يصطدمون مباشرة بالمصالح الأجنبية ولكن الذى حدث أن البنوك والمؤسسات الأجنبية كانت تتعامل فى الأساس مع كبار الملاك دون الصغار , وقد وصفت نشرة ( داخل الامبراطورية البريطانية ) علاقة كبار الملاك بالاستعمار بقولها ( .. أن التهديد بعد شراء القطن سلاح فعال لوضع الطبقة الحاكمة فى مصر تحت كعب حذاء بريطانيا , هذه الطبقة التى ترتبط مصالحها الزراعية والصناعية ارتباطا وثيقا بالتصدير ) .
وهكذا فقد ترتب على هذا أن تمتعت طبقة كبار الملاك بسلطة سياسية أيضا من خلال السلطتين التنفيذية والتشريعية بل وصلت الى حد السيطرة على مجالس المديريات .
فسيطروا على البرلمان من خلال الانتخابات التى كانوا يكسبونها بطريقة أو بأخرى , وكذلك على كراسى الحكم فى الوزارات , فكان متوسط نسبة عدد كبار الملاك فى الوزارات من وزراة رشدى الى وزارة علي ماهر 1952 58 و35 من مائة بالمائة وكانوا بصفة عامة على علاقة بكل الأحزاب السياسية التى شهدتها مصر .
ففى وزارة الوفد 1942 بلغت نسبة كبار الملاك 7 وزراء من 11 وزيرا , كما كان الحزب ذاته يضم عددا كبيرا منهم , وكذلك بقية الأحزاب .

الحالة الاجتماعية

انتاب المجتمع المصرى قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعدها هزةاجتماعية عنيفة , وصراعات طبقية كان لها أثرها على الحياة العامة بشكل عام , وعلى فكر الشباب على وجه الخصوص , ولم يقتصر هذا الصراع على مجتمع المدن , وهو المجتمع الصناعى آنذاك , بل امتد الى مجتمع الريف أيضا .

ففى المدن , وهو أماكن انتشار النشاط الصناعى نجد أنه فى هذه الفترة انكمشت الصناعة , بعد أن كانت منتعشة لخدمة الجيش البريطانى وجيوش الحلفاء , فانخفض عدد المصانع الملحقة بالجيش كما أغلقت معظم المصانع الصغيرة التى كانت تعيش على امداده بما كان يطلب , وبذلك استغنت عن عدد كبير من العمال وصل الى 376 ألفا من العمال , دون أن يوجد لهم نظام يضمن حياتهم الاجتماعية .

يضاف الى ذلك أن صدر من تشريعات عمالية فى تلك الفترة لم يكن محققا لأهدافهم الاجتماعية , فلم تكن هناك نقابات صناعية , ولا نظام للتأمين الاجتماعى يضمن لهم أجرا يعيشون منه (1) عاصم محروس : المرجع السابق ص 446 . , فانتشرت البطالة بين قطاع خطير من المجتمع وهم العمال .

وفى الريف لم تكن الأحوال بأقل خطرا منه فى المدن , فالى جانب ذلك الانقسام الحاد فى مجتمع الريف , نجد أن 5 بالمائة كانوا يملكون حوالى 34 بالمائة , ونحو 11 مليونا من فقراء الفلاحين لا يملكون قوت يومهم , من خلال ملكيات مفتتة أو عمالة يومية بأجر زهيد يقارب نظام السخرة .(2) ونجد أن كبار الملاك , وهم فى نفس الوقت أصحاب القوة المؤثرة فى الأحزاب والسلطة يطاردون الفلاحين , بهدف الاستيلاء على ما بقى لهم من فتات الأرض ,اما بعرض أثمان مغرية تارة أو بالارهاب واستغلال أزماتهم تارة اخرى , فضلا عن استيلائهم على أراضى الدولة بأثمان بخسة (3) عاصم محروس : المرجع السابق 444.

وبذلك كانت الهوة تزداد اتساع بين كبار الملاك والمعدمين من الفلاحين المصريين وقد أدت الحرب العالمية الثانية الى زيادة أرباح هذه الطبقة لارتفاع سعر الغلات الزراعية سيما القطن , مما كانوا معه يصرفون أموالهم التى جمعوها من انتاج الفلاحين فى الترف .

كما سيطروا على منافذ السلطة فى البلاد مما ساعدهم على قهر الفلاحين لما يريدونه منهم , ومن الطبيعى أن ينعكس كل هذا على ممارسة البرجوازية للسلطة وموقفها تجاه التطورات الاجتماعية بشكل عام , فعندما تقدمت الحكومة عام 1940 الى مجلس النواب بقانون يقضى بعدم السماح بالحجز على الضروريات اللازمة للفلاح الصغير , ثار النواب – وهو بالطبع من كبار الملاك – عليه .

ورغم ثراء هذه الطبقة فلم تحاول اصلاح حال الفلاح , ولا حتى تطوير انتاجه الزراعى , بل استمرت فى استخدام الأساليب البدائية فى الزراعة ليظل الفلاح المصر على حاله , أما هم فأنفقوا أموالهم فى اللهو , الأمر الذى كان ضياعا للثروة الوطنية وهدرا لمجتمع الريف (4) عاصم محروس : المرجع السابق ص ص 443 , 444 . .

وكم عانت طبقات المجتمع من ارتفاع الاسعار , وحاولت الحكومة – عبثا – تخفيف حدته عن طريق صرف علاوات للموظفين أو فرض تسعيرة جرية على السلع , ولكن هذا لم يؤد الى النتائج المطلوبة لتلاعب التجار وضعف الرقابة .

رأينا أن هناك خطر البطالة فى المجتمع العمالى وانهدارا فى مجتمع الريف , ونعرض لمجتمع المثقفين وما ناله فى تلك الفترة .

فلم يكن شبح البطالة قاصرا على العمال , بل امتد الى مجتمع الخريجين , سواء أوساط الطلبة الذين شعروا بالقلق على مستقبلهم مما أدى الى اضرابهم وثورتهم .(5) عاصم الدسوقي : المرجع السابق ص 246 .

فأضرب طلبة قسم التاريخ بكلية الآداب لأن وزارة المعارف قررت ألا تعين غير الثلاثة الأول من الخريجين , أما من عداهم فعليهم بالعمل فى المدارس الحرة لمدة سنتين ثم يدخلون امتحان مسابقة لاختيار الأفضل , وهذا بالطبع أسلوب للتحكم فى التعيين عددا وفئات .

كما أضرب طلبة كلية الزراعة 1942 بسبب تعسر تعيينهم فى الدرجة السادسة وتبعهم طلبة كلية الحقوق .. وهكذا , مما يعكس الاضطراب وخشية المستقبل .

ولقد أدى وجود هذه الأزمات مع رخاء الرأسمالية وانتعاشها المتزايد الى الشعور لدى الشباب المتعلم بمدى الظلم الاجتماعى الواقع على طبقات المجتمع فأصبحوا أكثر تقبلا للأفكار الماركسية التى أخذت تنتشر بشدة خلال تلك الفترة , كما ابتعد البعض عن تأييد الأحزاب السياسية بعدما فقدت امكانياتها فى تقديم حلول للمشاكل الاجتماعية واجتذبتهم بعض التكوينات الى العمل السرى بدعوى تطهير البلاد من الزعماء السياسيين والمتعاونين مع الانجليز .

وظهرت بعض الجمعيات التى لها علاقة بهذه التكوينات تجتذب هؤلاء الشباب فى شكل تعاونى لحل مشكلاتهم مثل ( الجمعية الأهلية للباحثين عن العمل ) , ( جمعية نريد نعمل ) وغيرها . (6) عاصم محروس ص ص 445 , 446 .

وهكذا ساد القلق قطاعا كبيرا من المجتمع المصرى من الناحية الاقتصادية والتى انعكس أثرها على أحوالهم الاجتماعية , مما أضاف سببا آخر للتحرك فى اطار الاغتيالات السياسية .

الفصل الثانى : الأحوال السياسية

انتهت الحرب العالمية الثانية الى تغييرات كبيرة وهامة على مستوى العالم كله , فمع نهايتها اشتدت حركات التحرر الوطنى فى الدول المستعمرة والدول التابعة , ضد شبح الاستعمار , كما حدث فى مصر وسوريا وبقية الدول العربي التى ناءت تحت وطأة الاحتلال .

ففى مصر كان الاحتلال البريطانى لا يزال جاثما على صدر البلاد منذ عام 1882, وقد زادت قواته أثناء الحرب الثانية , وانتشرت معسكراته فى المدن والموانى وعلى ضفاف قناة السويس .

كما انتشرت جنود القوات الأجنبية المحاربة , من أمريكيين واستراليين وهنود ومن جنوب أفريقيا , ومن ثم كثرت حوادث هؤلاء الجنود الأجانب فى احتكاكهم بافراد الشعب , مما زاده بغضا للاحتلال , واستفز مشاعر الكبرياء الوطنى المصرى .(1) طارق البشري : المرجع السابق , ص 7 .

ويمكن تحديد القوى السياسية التى كانت تتصارع فى ذلك الوقت فى :

الانجليز

كما أوضحنا – وقد مثلهم فى مصر رجال سفارتهم , وقد سلكوا مع المصريين مسلك السيادة على الشعب المسالم , فطلبت السفارة البريطانية من الحكومة المصرية اعلان الأحكام العرفية – مثلا – كما وضعت المطبوعات تحت الرقابة , واستتبع ذلك حركة اعتقالات واسعة , وظلت هذه الحال طيلة الحرب العالمية الثانية التى انتهت فى أكتوبر 1945 .
وقد جعلت هذه الأحكام من الدستور خيالا غير ذى موضوع , اذ لا معنى للدستور فى ظل فرض نظام الأحكام العرفية التى تهدد مبادئه , وهكذا رسم الاحتلال احدى صوره الكثيرة للاستبداد والتسلط , مما كان مثارا لحفيظة الشعب ودافعا له للتململ والكفاح(2) عاصم الدسوقي : المرجع السابق ص-ص 34-37 .

القصر

وكان يمثله الملك فاروق فى تلك الفترة , ومعه حاشيته ومستشاروه , أولئك الذين لعبوا دورا هاما فى تكوينه السياسى , ولم يكن دور القصر واضحا , اذ استغل الشعب تارة ليضرب الانجليز كلما قلبوا له ظهر المجن , ثم لا يلبث أن يعود على الشعب بالضغط والتنكر عندما تفشل حيله مع الانجليز وأمام عصاهم الغليظة , وهو فى كلتا الحالتين كان يسعى وراء مصلحته الخاصة , محافظا على وجوده ولو بأى ثمن(3) عاصم الدسوقي : المرجع السابق ص , ص 88- 107 .
ونشير باختصار الى بعض مواقف الأحزاب التى كانت ذات أثر فى تحريك الأحداث فى هذه الفترة :

الوفد

وكان الملك على خلاف دائم معه , ويرجع ذلك الى العداء التقليدى بين القصر وبين حزب جماهيرى وطنى مناوىء دائما كان ينادى بأن تكون الأمة مصدر السلطات , وكان للطريقة التى فرضت بها حكومة الوفد على القصر فى 4 فبراير أثرها , ليس فقط فى تفاقم هذا العداء , ولكن فى ادراك القصر لما يمكن أن ينجم من خطر شديد على نفوذه من جراء سياسة تؤيد بها بريطانيا الوفد ذا العداء التقليدى للملك .
فبدأ الملك وبواسطةمستشاره السياسى أحمد حسنين باشا , رئيس الديوان الملكى آنئذ , يعد لأن يكون صاحب السلطان المطلق فى الحكم , واستندت سياسته فى ذلك الى تقدير خاطىء لقواه , اذ ظن أن تدخل السفير البريطانى لفرض وزارة الوفد عليه عام 1942 كفيل لقلب الصورة التقليدية , فيبدو هو بمظهر المناوىء للانجليز , بينما يبدو الوفد حليفهم , واعتمد القصر فى تنفيذ سياسته هذه على أحزاب الأقلية المعبرة عن مصالح كبار الرأسماليين وكبار ملاك الأرض .(4) محمد حسين هيكل : مذكرات فى السياسة المصرية ج 2 ص ص 290 – 295 .
وقد ترددت همسات فى الخفاء بعض الوقت عن خلع الملك واعلان الجمهورية , ويذكر محمود سليمان عنام ان مجلس الوزراء الوفدى قرر فعلا خلع الملك فى عام 1944 , وأنه التزم السرية المطلقة فى تدبير هذا الخلع خوفا من الجيش " واتفقا أن يتم هذا بقرار مسبب من مجلس الوزراء يبين فيه الأسباب الدستورية والخلقية التى تفرض خلعه " ويضيف " وفجأة قام أمين عثمان بزيارة مصطفى النحاس وقال له ان تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أبدى اعجابه بالقرار الخاص بخلع الملك وثار النحاس وقر العدول عن المشروع " (5) السيد محمد عشماوي تاريخ الفكر السياسى المصرى 19451952 . رسالة دكتوراه غير منشورة ص 77 .
وقد كان الوفد بتراثه النضالى أكثر الجماعات السياسية المصرية بمفهومها الليبرالى الغربى , وكان الشعار الذى رفعه الوفد فى ذلك الوقت هو " الاستقلال التام أوالموت الزؤام " ثم الجلاء , وأخيرا الكفاح المسلح , بمعنى الحرب الشعبية , وقد لجأت قيادة الوفد بعد الحرب العالمية الثانية الى المفاوضة فى سبيل حل القضية المصرية , وكا أقصى ما فعلته هذه القيادة فى صراعها مع الانجليز هوالدعوة الى الغاء اتفاقيتى 1899 وعلان سقوط معاهدة 1936 , وبذلك أعلن الوفد عدم شرعية وجود المحتل وافساح الطريق أمام الجماهير للنضال ضده .
وقد لاقى الوفد تحديات جديدة أثناء الحرب العالمية الثانية , ليس فقط من القوى المعادية له سياسيا , بل أيضا من العناصر التى انضمت اليه بين أجنحته اليمينية وبين أجنحته اليسارية , منذ ظهر الصراع بعد خروج مكرم عبيد من الوفد على مركز سكرتير الحزب , واختير صبرى أبو علم , وكان يمثل الاتجاه الراديكالى داخل الوفد , ولم يعط المنصب أهمية , مما جعل نجم فؤاد سراج الدين يأخذ فى الظهور . وكان يمثل الاتجاه المحافظ . (6) السيد محمد عشماوي المرجع نفسه صوص 80 , 83 , 84 .
وكان للوفد مواقفه المضادة من أية حكومة تتولى الحكم غيره , فظل طوال فترة الحرب الثانية شديد النقد لسياسة وزارة علي ماهر , ومعترضا على وزارتى حسن صبري وحسين سري .(7) عاصم الدسوقي المرجع السابق ص-ص 108 – 111 .

الأحرار الدستوريين

وهم الخارجون من التجمع الوفدى فى عام 1922 (8) عاصم الدسوقي المرجع نفسه ص 143 .
وكانوا يشكلون أقلية معارضة للاتجاهات الديمقراطية والشعبية , وكانوا يعتقدون أنهم هم القوة الاحتياطية التى تتسلم السلطة فى حالة اقالة حكومة الوفد , وقد أكد الأحرار الدستوريين على الولاء الكامل للجالس على العرش فى شكل مذكرة قدمها أحمد علي علوبة الى حسن يوسف رئيس الديوان الملكى . (9) السيد محمد عشماوي المرجع السابق صوص 99-100 .
ولقد مثل هذا الحزب الارستقراطية المصرية من كبار ملاك الأراضى الزراعية , والمتعلمين من ذوى الثقافات الأجنبية , وكان من مبادئه استقلال مصر استقلالا فعليا , وتأييد النظام الدستورى .
ومن ثم فكان يخدم مصالح كبار الملاك , و لذلك لم يكن عجيبا أن يقف الأحرار الدستوريين الى جانب بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية , وعارضوا أى اصلاح يمس توزيع الأراضى على الفقراء من الفلاحين أو تحديد الملكيات الزراعية . (10) السيد محمد عشماوي المرجع نفسه ص 104 .

السعديون : ( الهيئة السعدية )

كون هذا الحزب ممن انشقوا على الوفد أيضا مثل أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي (11) عاصم الدسوقي المرجع السابق ص 150 .

كما يمكن الرجوع الى الدراسة التى قدمها د. يونان لبيب الأحزاب المصرية قبل ثورة 1952 القاهرة 1977 ص-ص 59-62 .

وقد ضم هذا الحزب كبار رجال المال , ومن ثم كانت له السيطرة الاقتصادية , مما كان له أثره فى تحريك التيار السياسى كذلك , الا أنهم كانوا أكثر ولاء للقصر , بل كانوا – نكاية فى الوفد – يقومون بتدعيم موقف القصر , وكان أحمد ماهر يرجو أن يحل بحزبه محلا كبيرا فى ضمير الشعب المصرى بديلا للوفد .
دخل السعديون بهذا فى صراع عنيف مع مختلف الاتجاهات السياسية فى مصر , وفى عهدهم استمرت الأحكام العرفية , مما أعطاهم سلطات استثنائية للفتك بخصومهم وكبت الحريات , وضرب

الصحافة التى تعارضهم فى الرأى وكانت حالةالطوارىء التى فرضت على مصر أثناء الحرب العالمية الثانية قد هيأت الفرصة للنظام السعدى أن يرسل العديد من المناوئين له الى السجون , وأصبح النظام السعدى آلة طيعة فى يد القصر والانجليز وضربوا الحركة الوطنية مستخدمين القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارىء للضغط على الوطنيين , مما كان سببا فى ظهور حركات الارهاب الفردى والاغتيالات السياسية . (12) السيد محمد عشماوي المرجع السابق ص-ص 105 – 109 .

المستقلون

وهم مجموعة الشخصيات المستقلة عن الاحزاب السياسية وان كان معظمهم قد ارتبط بحزب أوبآخر فى البداية ثم رفضوا الحزبية فيما بعد . (13) عاصم الدسوقي المرجع السابق ص-ص 164 – 165 .
وكانوا فى معظمهم من كبار الاقتصاديي وأصحاب رؤوس الأموال المتصلين بالاحتكارات الأجنبية , وكان أبرزهم : علي ماهر باشا وعبد الفتاح يحيى باشا وحسين سري باشا وغيرهم من كبار رجال المال والاقتصاد المصرى , ومن الشخصيات العامة مثل : أحمد لطفى السيد , وكان إسماعيل صدقي رئيس الوزراء من هؤلاء المستقلين أيضا , ولم يعرف تاريخ مصر السياسى الحديث رئيس وزراء حاول القضاء على كل معارضة وكبت كل رأى معارض أو صوت حر مثل ما فعل إسماعيل صدقي هذا , فهو الذى بطش بالحركة الشعبية (14) محمد زكي عبد القادر أقدام على الطريق القاهرة 1967 ص 292 . , ولكن كانت ضغوطه ذات أثر عكسى اذ كانت سببا فى ظهور الجماعات الشبابية المناوئة الحاملة رأسها على كفها مثل أصحاب القمصان الخضراء .(15) عن هذا الموقف وتأسيس نظام القمصان الزرقاء يمكن الرجوع الى الدراسة التى قدمها د. يونان لبيب رزق : أصحاب القمصان الملونة المجلة التاريخية 1974 المجلد الحادى والعشرون – ص 195 وما بعدها .

الحزب الوطني

على النقيض من أحزاب الأقلية الأخرى التى تبنت فكرة التفاوض مع الانجليز كان الحزب الوطني يعتقد أن التفاوض مع وجود الاحتلال يسند المحتل سندا شرعيا ويحلل له اغتصابه الأرض , لذلك حدد الحزب الوطني سياسته الخارجية على اللعب على التناقضات الدولية لتحرير مصر , ومع فشل مفاوضات صدقى بيفن دعا الحزب الوطني الى مقاطعة الانجليز فى جميع النواحى الاقتصادية والسياسية ,وتنظيم وسائل عدم التعاون معهم .(16) اللواء الجديد 6 يناير 1947 .
ولقد مثل الحزب الوطني جبهة رفض فى تاريخ الحركة السياسية المصرية , وظل مناوئا سياسيا , ومقاوما بطريقة مشروعة أو غير أو غير مشروعة , ملتمسا طريق الارهاب والاغتيال السياسى , وقد وقع الانقسام فى الحزب الوطني بسبب اشتراك رئيسه حافظ رمضان فى وزارة حسن صبري .(17) عبد الرحمن الرافعي في أعقاب الثورة المصرية ج 3 , ص 50 .

الكتلة الوفدية

تكونت نتيجة خروج مكرم عبيد باشا من الوفد , و انضم اليه جماعة من الشبان المتعلمين الذين اعتقدوا أن النحاس ظلم مكرم عبيد بغير حق , وكانت سياسته تدور حول مهاجمة الوفد والتشهير به(18) عاصم الدسوقي المرجع السابق ص 164 .
ولعل الكتاب الأسود خير دليل على هذا الموقف (19) عالج هذا الموضوع د. يونان لبيب فى دراسته حول الوفد والكتاب الأسود القاهرة 1975 . . أما مبادئها فكانت باختصار : الاحتفاظ بالوفدية الأصلية والاستمساك بمبادىء الوفد الخالدة . (20) يونان لبيب الأحزاب المصرية قبل 1952 , ص 64 .

مصر الفتاة

استطاع هذا الحزب أن يستمر فى وجوده دون مصادرة لنشاطه طوال عامين تقريبا من قيام الحرب العالمية الأولى وذلك بسبب اعلانه موقفا خاصا , ينادى فيه باعلان الحرب الهجومية على ألمانيا , ثم بتخليه عن اسمه واستبداله باسم الحزب الوطني الإسلام ى , مما كان محل تقدير لدى الانجليز .
ولقد أشادت بذلك الصحف الانجليزية بعد عام من اندلاع الحرب للتدليل على ولاء الدول الإسلام ية لهد , مثال ذلك ما نشرته صحيفة " الايفننج نيور " من أنه " قد صرح زعماء جماعة مصر الفتاة بأنهم ضد النازى , وأنهم يؤيدون البريطانيين , وأن غرضهم اعزاز شأن الإسلام " كما أبرزت هذه الصحيفة كذلك أن هذه الجماعة " تضم أناسا من جميع الطبقات " .
ولكننا نجد أن هذا الحزب بعد أن مكن لنفسه بهذه الفكرة واستطاع أن يكسب ود الانجليز , جعل ينفذ خطته مستوحيا أهدافه , فنجده بدأ أن يعد نفسه للعمل ضد الانجليز بعد سقوط فرنسا فى يد الألمان , وبات معتقدا سقوط انجلترا ذاتها فى أيديهم .
وعلى هذا بدأ الحزب يجمع يجمع الأسلحة من كل مكان ويشتريها عن طريق الأعراب من القوات الانجليزية ويخزنها , كما جمع الأموال لتمويل أعماله العسكرية , ويدبر المخابىء ويعد المنشورات .
وكان يعتمد فى تمويله على مصدرين : أولهما تبرعات أنصاره ومؤيديه من المصريين , والثانى , ما يأتى عن طريق الاستيلاء من الانجليز أنفسهم .
وكانت حالة الرواج الاقتصادى النسبى التى عاشها العامل المصرى فى تلك الفترة من العمل فى كنف الانجليز عاملا مساعدا لهذا التمويل اذ استطاع العمال تزويد الحزب بتبرعات يقتطعونها من أجورهم دون أن يضاروا بشكل مؤثر .
فضلا عما استولوا عليه من أموال المخابرات البريطانية التى كانت تنثرها هنا وهناك بغية التحبب الى المصريين فنال منها هذا الحزب كثيرا وبعد أن تم للحزب التمويل الكافى , و المران على ما اشتروه من سلاح بدأوا أعمالهم ضد الانجليز وكان أول عمل أظهرهم على مسرح العمليات المسلحة تلك العملية التى قام بها الشيخ توفيق الملط , عندما توجه الى الصعيد لتنظيم المقاومة ضد الانجليز فى أسيوط , وقطع المواصلات عليهم , ولكنه ضبط فى محطة الجيزة مع ما كان معه من متفجرات , وقدم للمحاكمة بتهمة احراز ديناميت لأغراض ثورية .
وكانت هذه العملية بداية مخطط كبير كان أحمد حسين قد وضعه لينفذه ضد الانجليز , فى اللحظة التى يشرع فيها الألمان فى الهجوم على الجزر البريطانية ذاتها , تأسيسا على ما سينال الانجليز من صدمة نفسية , وما ستكون عليه حالة المصريين المعنوية من فرح يمكن أن يكون مساندا لهذه الحركة المسلحة , وذلك بأن يعبىء الشعور العام فى المدن والقرى , وبالاضافة الى توزيع السلاح عليهم ليقوموا قومة رجل واحد فيقضون عليهم , ويعلن الثوار بعد ذلك مباشرة السلطة باسم " قيادة الشعب الثورية " .
ونظرا لخطورة الخطة واتساع ميادينها رأى أحمد حسين , زعيم مصر الفتاة , تنسيق هذا العمل العسكرى مع قيادة الإخوان المسلمين للاستفادة بامكانياتهم الكبيرة فى هذا الشأن .
الا أن حسن البنا لم يوافق على هذه الخطة لسببين : عدم صلاحية السلاح الذى سيستعمل وان الخطة تفتقر الى المال الكافى , كما قال البنا أنهم لا يدخلون عملا يحتمل النجاح أو الفشل والوقت لا يحتمل هذه المقامرة التى قد تسىء الى العالم الإسلام ى كله . ثم فشلت الخطة كلها بالقبض على أحمد حسين وأعوانه وأودعوا المعتقل ولم يفرج عنهم الا فى نهاية الحرب فى عهد حكومة الوفد(21)د. عبد العظيم رمضان تطور الحركة الوطنية ج 2-ص-ص131-133 . .

الإخوان المسلمون

نشأت جماعة الإخوان المسلمون بمدينة الإسماعيلية عام 1927 على يد حسن البنا على أساس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وانحصر نشاطها أول الأمر فى الوعظ والارشاد والدعوة لاقامة المساجد , ثم ما لبثت دعوتها ان انتشرت خارج الإسماعيلية فى أبو صويرثم بور سعيد والسويس فالقاهرة فبقية مدن القطر المصرى . طارق البشري المرجع السابق ص-ص 43 – 44 .
كان ظهور جماعة الإخوان المسلمين فى وقت انتعشت فيه التجمعات الدينية , وتعثرت فيه الجماعات الديمقراطية الليبرالية , وقدمت نفسها على أنها قادرة على تقديم الحلول للقضايا والتناقضات الاجتماعية التى واجهت المجتمع المصرى مؤكدة أن القرآن الكريم هو الأساس , وكان ذلك منذ الثلاثينيات من ذها القرن خاصة بعد أن انضم اليها بعض سكان المناطق الفقيرة الذين كانوا يعانون الوحدة والغربة , ووجدوا الراحة النفسية فى اجتماعات فروع الجماعة , ونظر بعض الشباب الوطنى المثقف الى هذه الجماعة على أنها وريثة القيادة الوطنية فى وقت كان الوفد يتعامل بشكل ما مع الانجليز(2) السيد محمد العشماوى المرجع السابق ص 200 . .
وقد اختارت الجماعة لظهورها السياسى السافر عام 1938 , اذ كانت معاهدة 1936 قد أبرمت , وهزت شعبية حزب الوفد , الذى شارك فى ابرامها وكان الصراع محتدما بين الوفد وبين الملك وأحزاب الرجعية للقضاء على هذا الحزب , بعد أن أخذت منه الموافقة على المعاهدة , وأرادت الرجعية المحلية أن يخلو لها الجو السياسى من دونه , وظهر للسراى من تجربتى حزبى الاتحاد عام 1925 والشعب 1931 فشل محاولاتها انشاء حزب لها , فأصبح عليها أن تعتمد فى صراعها مع الوفد على العواطف الجماهيرية تجاه الملك الذى تولى العرش صبيا , وعلى حزب السعديين الذى انشق على الوفد ببعض قياداته الشعبية القديمة, كما رأت السراى الاقتراب من أى تنظيم جماهيرى – تام الاعداد – تمكن له من القوة لقاء استخدامها اياه , وفى هذا الوقت كانتالحرب العالمية تتجمع سحبها فى الأفق , ورأى القصر أن يوثق صلته بمن يحتمل أن يصبحوا سادة العالم الجدد , فظهرت ميوله نحودول المحور .(3)

الإخوان المسلمون خلال الحرب العالمية الثانية :

قبل تتبع تطور الجماعة ونشاطها خلال الحرب العالمية الثانية , ينبغى القاء الضوء على الأحداث السياسية العامة وموقف القوى السياسية فى مصر عند قيام هذه الحرب , فقد نشبت الحرب فى أول سبتمبر عام 1939 , أثر اجتياح الجيش الألمانى حدود بولندا , وفى 3 سبتمبر أعلنت انجلترا وفرنسا الحرب على ألمانيا , وانحصرت رغبة رجال السفارة البريطانية فى القاهرة فى جعل مصر جبهة متماسكة تناصر الحلفاء فى الحرب لضمان عدم استطاعة القوى المعادية لهم انتهاز الفرصة لاثارة القوى المصرية ضدهم , وكان حادث 4 فبراير أكبر دليل على هذا الحرص الشديد . (4) عاصم الدسوقي المرجع السابق ص 33 .
أما القصر فكان يتزعم تعبئة الشعور العام ضد بريطانيا , وتأييد المحور تأييدا معنويا عن طريق زيادة قوة مصر العسكرية وكانت هذه المحاولة من جانب القصر سببا فى استقالة وزارة محمود الذى كان معروفا بولائه للانجليز , وتولى الوزارة بعده علي ماهر (5) عاصم الدسوقي المرجع نفسه ص 38 .
وقد بادرت وزارة علي ماهر بناء على طلب السفارة البريطانية باعلان الأحكام العرفية , وصدر مرسوم بذلك فى أول سبتمبر 1939 وفرضت الرقابة على الصحف ووسائل الاعلام , ودعى البرلمان من عطلته الصيفية للتصديق على هذه المراسيم . (6) عبد الرحمن الرافعي فى أعقاب الثورة المصرية ج 3 ص ص 73- 74 .
وقد وافق حزب الأحرار الدستوريين الحكومة فى اعلانها للأحكام العرفية(7) محمد حسين هيكل المرجع السابق ص 172 .
بينما خضع حزب الوفد لهذه الأحكام تحاشيا للصدام مع الانجليز وكان السعديون والحزب الوطني قد أيدوا موقف الحكومة بحكم اشتراكهم فى الوزارة , كما كان الرأى العام فى مصر يرى الاكتفاء بما تم اتخاذه من اجراءات دون اعلان رسمى بدخول مصر الحرب (8) أحمد عبد الرحيم مصطفى [[العلاقات المصرية البريطانية 1936- 1956]]ص 51 .
وهنا كان رأى الإخوان المسلمين مسايرا لهذا الاتجاه حيث رأوا مساعدة مصر لانجلترا انما تكون داخل البلاد المصرية , وفى حدود معينة , وكل زيادة على ذلك فيها تفريط فى حقوق الوطن , وجناية على الأمة .(9) د. عبد العظيم رمضان تطور الحركة الوطنية 19371948 ج 2 ص ص 26 , 27 .
وفى 1940 طور الإخوان نظامهم , وزادت شعبيتهم , واتسع جناح الجوالة فيهم , وتشكل له مجلس أعلى يرأسه حسن البنا , وعين الصاغ محمود لبيب مفتشا عاما لهذه الجوالة . (10) محمد شوقي زكي الإخوان المسلمون والمجتمع المصرى القاهرة 1954 . ص ص 124- 127 .
وفى 20 مايو سنة 1941 تم نقل حسن البنا الى قنا , وكان ذلك بناء على ابلاغ بريطانيا لرئيس الوزراء أن البنا وجماعته يعملون لحساب ايطاليا (11) محمد حسين هيكل المرجع السابق ص ص 208 – 209 .
وقد أدى تراجع حسين سري فى قرار النقل الى أنه أشعر البنا بمدى قوته ومضاعفة نشاطه من غير أن يخشى من ذلك النشاط , وكان لذلك الشعور أثره فى تطور جماعة الإخوان وزيادة نشاطها(12) محمد حسين هيكل المرجع نفسه ص 209 ثم كان لاجراء الحكومة ضد الجماعة بضغط من السفارة البريطانية أيضا , و المتمثلة فى مصادرة مجلتى التعاون والشعاع ومجلة المنار , و منع طبع رسائلهم واغلاق مطبعتهم ومنع اجتماعاتهم كل ذلك أدى الى نتيجة عكسية حيث لفتت الأنظار اليهم وكسب للجماعة عديد من الأنصار والأعضاء .(13) د. زكريا سليمان المرجع السابق ص 99
وبعد حادث 4 فبراير 1942 , تشكلت وزارة وفدية برئاسة مصطفى النحاس , وقامت بحل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة , وكان المؤتمر السادس للإخوان المسلمين قد عقد فى مطلع 1941 وقرر امكانية دخول اعضاء الجماعة فى الانتخابات وأعلن حسن البنا عن رغبته فى ترشيح نفسه عن دائرة الإسماعيلية كممثل للاخوان , وفور تقدمه بأوراق ترشيحه , والبدء فى الدعاية الانتخابية , استدعاه رئيس الوزراء وطلب منه الانسحاب وقد استجاب البنا الى ذلك مقابل تنفيذ مطالب جماعته , ووافق النحاس عليها , وكانت تتمثل فى السماح للجماعة بعقد الاجتماعات واصدار المطبوعات والحصول على وعد من الحكومة باتخاذ اجراءات لمنع الدعارة وبيع المشروبات الكحولية .
وكان لذلك أثره فى بروز شخصية البنا ومكسب للجماعة أيضا (14) ريتشارد متشل الإخوان المسلمون القاهرة 1977 , ص 63 .
وبتوصية من السفارة البريطانية بدأت وزارة الوفد تضييق الخناق على الجماعة من جديد وعادت لاضطهادها خاصة وأن فاروق أخذ يدرك أن المستقبل للإخوان المسلمين الذين كانت الدلائل تشير الى أنهم سوف يصبحون تكتلا شعبيا من الدرجةالأولى يمكن استغلاله فى مقاومة الوفد (15) د. عبد العظيم رمضان تطور الحركة الوطنية 1937-1948 ج 2 ص 130 . , على العكس من حزب مصر الفتاة الذى أثخنته المعارك التى خاضها ضد جميع القوى السياسية فى مصر , وعلى أثر استقالة وزارة الوفد تشكلت وزارة برئاسة زعيم الحزب السعدى أحمد ماهر , وأغتيل بعد ذلك وتولى النقراشي الوزارة وفرض عليهم قيودا مشددة كانت بمثابة انذارا ربما ستلاقيه الجماعة فى ظل حكومة النقراشي . (16) ريتشارد متشل المرجع نفسه ص 72 .

التنظيم المسلح للاخوان :

اهتم الإخوان المسلمون بالنشاط الرياضى , فتألفت فرق الرحلات على نظام الكشافة , وكانت نواة فرق الجوالة سنة 1935 وفى الاحتفالات بتولى الملك فاروق عرش البلاد ظهر نشاطها فى الاشتراك فى حفظ الأمن .
اهتم الإخوان باللياقة البدنية والتدريب العنيف الى جانب دراسة النظم السياسية فى مصر كما درسوا الدكتاتورية والفاشية والإشتراكية والنازية ومقارنتها بالإسلام .
والذى يهمنا هو علاقة هذه الأنظمة بالطلبة , فالجوالة لم تكن بعيدة عن الطلبة , بل أنهم كانوا يسيطرون على هذا النوع من الأنشطة فى الجامعات والمدارس .
أما الجهاز السرى , فمن خلال القضايا العديدة التى تعرضت لهذا الجهاز – يتضح أن الطلبة كانوا يشكلون فيه ركنا أساسيا , فهم المنفذون لعمليات الاعتيال والتفجيرات , فقد قام الطالبان محمد نفيس حمدي وحسن محمد عبد السميع بالقاء القنابل عام 1946 فى نادى الاتحاد المصرى الانجليزى ومطعم كاليفورنيا وباربنكوك , وهى أماكن كان يغشاها الانجليز كما قام منهم من قتل الخازندار ( القاضى ) عام 1948 , النقراشي فيما بعد . (17) د. زكريا سليمان بيومي المرجع السابق ص – ص 127 ص 129 . عاصم محروس عبد المطلب مرجع سابق ص 645 .
وتشير بعض المراجع أن الجهاز السرى لهم نشأ قبل الحرب العالمية الثانية ويدلل على ذلم بقصة ذكرها الرئيس أنور السادات أن أحد رجال الإخوان المتطوعين دخل على حسن البنا ومعه صندوقا مملوءان بالسلاح . (18) أنور السادات اسرار الثورة المصرية بواعثها الخفية – سلسلة كتاب الهلال يوليو 1957 ص 61 .
ويذكر مرجع آخر نقلا عن الرئيس أنور السادات أن حسن البنا كان يجمع السلاح منذ عام 1940 ونجد أن تحديد ظهور الجهاز السرى عام 1942 هو أقرب الى الصواب .
وقد ظهر فى البداية كنظام للاستخبارات وجمع المعلومات عن التنظيمات الشيوعية , والاستعداد لمحاربتها , و لكن حسن البنا ذكر أنه كون للتخلص من الجيش البريطانى العائد من العلمين .

ويوجد عامل آخر هو أن البنا قد استغل شعور الاستياء العام فى الشعب المصرى بعد حادث 4 فبراير عام 1942 ليستقطب لجهازه بعض ضباط الجيش من بينهم جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين والبغدادى .

أما فكرة النظام فكانت قائمة على مبدأ الجهاد الذى يبدأ بجهاد النفس , ويهون الاستشهاد فى سبيل الله . وكان الجهاز مكونا من ثلاث شعب :

1- الجهاز المدنى
2- جهاز الجيش
3- جهاز البوليس
وكان لكل جهاز رئيس يتصل بالمرشد العام للجماعة الذى كان بمثابة الرئيس العام له , وينقسم كل جهاز من الأجهزة الثلاثة الى عدة شعب أو خلايا فى كل خلية خمسة أعضاء كانوا يختارون من شباب الصف الأول فى شعب كتائب ثم ينتقلون الى الجوالة لاستكمال تدريبهم حيث يتلقون تدريبا عسكريا عنيفا على استخدام البنادق والمسدسات والقنابل .. الخ .
ويشترط فى العضو أن يكون عاقلا تجاوز العشرين من عمره(19) زكريا سليمان المرجع السابق ص 127 – 129 . . الا أنه كان لوجود القوة المسلحة للاخولن بعد الحرب العالمية الثانية نتيجتان : الأولى : سلبية , لأن وجود هذه القوة المسلحة قد أغرى القيادة المشرفة على الجماعة باستخدامها ضد الخصوم , فقام التنظيم بعمليات اغتيال لهؤلاء الخصوم ثم حملة تفجير قنابل . وكان الطلبة يشكلون عنصرا أساسيا فى هذه التنظيمات (20) يونان لبيب الاحزاب قبل الثورة 1952 ص 89 .

التيار اليسارى فى مصر فى الأربعينات من القرن العشرين

يصعب على المهتم بالتاريخ المصرى الحديث , أن يجد الوثائق والمعلومات الدقيقة , الكافية التى تمكنه من دراسة التنظيمات اليسارية والماركسية بالذات دراسة منهجية من حيث النشأة والتطور , وعلاقة كل منهما بالأخرى ونواحى الخلاف وأسبابه ويرجع ذلك فى الأساس الى السيرية التى فرضها النظام القائم وقتذاك على الدعوةالإشتراكية بتنظيماتها ومطبوعاتها باعتبارها دعوة تحض على كراهية الحكومة والنظام القائم والطبقات الحاكمة وتروج للثورة . (1) طارق البشري المرجع السلبق ص 80 .
ولقد ظهرت بوادر الحركة الشيوعية خلال الحرب العالمية الثانية , فى شكل حركات ماركسية بين عامى 1940 , 1942 فى كل من القاهرة والأسكندرية وأسفرت هذه الحلقات عن تكوين منظمات يسارية سرية . (2) د. زكريا سليمان بيومي الإخوان المسلمون والجماعات الإسلام ية فى الحياة السياسية المصرية القاهرة 1979 ص 181 .
ويمكن القول بأن الحركة اليسارية التى وجدت فى الأربعينات لم توجد من فلااغ , فوجود هذه التنظيمات وتأثيرها فى الحركة الوطنية بعد الحرب لم يكن الا امتدادا للحركة الشيوعية فى مصر منذ بداية العشرينات وقد تكونت عدة جماعات منها ( الفن والحرية ) وكانت غالبيتها من المصريين ثم جماعة ( الخبز والحرية ) وكانت مصرية تماما كما كانت لها شعبية كبيرة فى أوساط العمال وخاصة عمال الطباعة والطلبة كتنظيم شيوعى .
وكان الاحتلال البريطانى لمصر والغلاء الفاحش سببا فى دفع الكثير من العمال والطلبة الى التعاطف مع الاتحاد السوفيتى والشيوعية , فظهرت ( جماعة ثقافة وفراغ ) وقد أنشأتها الجماعة السرية التى عرفت باسم ( تحرير الشعوب ) التى تكونت فى عام 1940 الى جانب جماعة ( الخبز والحرية ) الا أن البوليس أغلق الجماعتين فى منتصف عام (3) عاصم محروس عبد المطلب المصريون رسالة دكتوراه غير منشورة جامعة القاهرة ص ص 453 – 455 . 1941

وترجع ظاهرة وجود هذه الجماعات الى سببين :

أولا : عمليات القمع المستمرة التى وجهتها الحكومات على اختلافها ضد هذه الجماعات على اختلاف اتجاهاتها .
ثانيا : أن هذه الجماعات كانت قد نشطت فى المدينة المصرية , وسيطرت على شوارعها من خلال مجموعات عريضة من المثقفين , وفئات محدودة من العمال , غير أنها لم تنزل الى عمق مصر البشرى فى الريف , والحق أن التركيب الاقتصادى بالاضافة الى التشكيلات والقيم الاجتماعية , كانت تعوق انتشارها ...
وبسبب عمليات القمع المستمرة من جانب السلطة لجأت تلك الجماعات السياسية الى العمل السرى بكل ما نتج عن ذلك من مخاطر على التجربة الحزبية وعلى الحياة السياسية فى البلاد من انتشار أعمال الاغتيال الى تفجير المفرقعات فى المبانى الى حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 ولة توفر لأصحاب هذه الأيديولوجيات القنوات الشرعية والعلنية المناسبة للتعبير عن أنفسهم لما كان قد حدث منها ما حدث .
ثم يبقى أخيرا التوصيف الحزبى لتلك الجماعات , ولا يعنى أنها لم تسم نفسها بالأحزاب أنها لم تكن كذلك كما أنها لم تؤد سريتها الى نفس النتيجة , فالواقع أن تلك الجماعات العقائدية قد امتازت بتنظيم حزبى دقيق لم يتوفر لكثير من التنظيمات التى أسمت نفسها أحزابا , كما أنها وضعت لنفسها برامج ذات مبادىء محددة , وراءها فلسفات تاريخية , وهو شىء افتقدته بقية الأحزاب .
وقد أدت ظروف الحرب العالمية الثانية , بما ترتب عليها من ضعف الواردات وزيادة الاحتياجات السلعية , واتساع قاعدة الصناعات المحلية الى اتساع القاعدة العمالية(4) د. يونان لبيب رزق الأحزاب المصرية ص-ص 83 – 85 .
ويرجع النمو النسبى لليسار المصرى أثناء الحرب العالمية الثانية أن وجود الاتحاد السوفيتى كحليف لبريطانيا فى الحرب جعل السلطات البريطانية تغض الطرف عن الدعاية السوفيتية ونشاط اليسار المصرى فى هذه الفترة , بالاضافة الى سياسة الوفد بزعامة مصطفى النحاس تلك السياسة التى أدت الى تسر ب بعض العناصر اليسارية الى صفوف الحركة العمالية التى يقودها الوفد (5) عاصم الدسوقي المرجع السابق ص ص 322- 324 .
وكذلك كان لحادث 4 فبراير عام 1942 أثره فى فقد الوفد لبعض مؤيديه والتى استطاعت المنظمات اليسارية استثماره فى استقطاب بعضها , كذلك ساعد على نمو التيار اليسارى الدور السلبى الذى وقفه الأزهر واتباع التيار الدينى , حيث لم يقدموا نظرية اقتصادية اسلامية تلائم حالة البلاد فى ذلك الحين , وتتفق مع تطور الحالة الاقتصادية التى طرحها اليساريون للاسهام فى ايجاد حل للوضع الاقتصادى المتدهور والتى وجدت صدى عند الطبقات الكادحة وقلة من المثقفين المصريين من بينهم بعض من شباب الأزهر نفسه , حيث تشير المراجع الى وجود خلية شيوعية داخل الأزهر ذاته ,وكانت تضم 22 عضوا . (6) د. زكريا سليمان بيومي المرجع السابق ص 184 .
وفى عام 1942 تكونت (الحركة المصرية للتحرر الوطني) و (منظمة اسكرا )(7) اسكرا كلمة روسية تعنى الشرارة باللغة العربية وكان لينين قد أطلقها على صحيفة ثورية أصدرها الحزب البلشيفى فى أوائل هذا القرن وقد أخذها عن قصيدة لبوشكين قال فيها ومن الشرارة يندلع اللهب على أن تسمية تنظيم سياسى مصرى باسم أجنبى يدل على نزعة الاغتراب وروح الانعزال التى اتسم بها التنظيم .
حيث رأس الأولى هنرى كررييل ورأس الثانية هليل شفارتز , ولم يزد مجموع أعضائهما عن الثلاثين , وكان الخلاف الأساسى بينهما حول ما اذا كان الهدف العاجل للحركةالشيوعية أن تنتشر بين الجماهير , وتتوسع فى تجنيد المصريين فيها حتى على حساب درجة النضج السياسى للأعضاء , أم ينبغى أن توجه جهدها لتربية أعضائها المختارين بدقة , رأت الحركة المصرية أن خلية التنظيم هى وحدة النضال , ورأت تمصير التنظيم , وتدعيمه بعناصر من الطبقة العاملة , كما رأت ( اسكرا ) أن المهمة الأساسية للتنظيم هى اعداد التنظيم اعدادا قويا , وان يكونوا من المثقفين .
وفى سبتمبر 1942 انفصل عن الحركة المصرية بعض الأعضاء وأسسوا ( تحرير الشعوب ) كمنظمة تركز فى نشاطها على ضرورة تمصير الحزب كما أسسوا ( تحرير الشعوب ) كمنظمة تركز فى نشاطها على ضرورة تمصير الحزب , وخلال الفترة من 19431945 , ظهرت عدة جماعات شيوعية , وفى مقدمتها ( الطليعة ) التى تكونت من طلبة ومثقفين وجماعة ( الفجر الجديد ) .
وكان للحركة المصرية عضوان من الأربعة أعضاء الذين سافروا لحضور مؤتمر اتحاد العمال الذى عقد فى باريس 1945 , و كانت التنظيمات الرئيسية فى تلك الفترة قد تبلورت فى ثلاثة : الأولى : طليعة العمال الثانية : اسكرا , الثالثة : الحركة المصرية للتحرر الوطني . وكانت طليعة العمال هىالتنظيم السرى الذى يصدر مجلة ( الفجر الجديد ) وقد تشكل كمجموعة من الشباب المثقف الماركسى , ومن بعض القيادات العمالية , وكانت طليعة العمال تعمل بين العمال من خلال لجنة الطلبة التنفيذية العليا التى كانت تقودها عناصر كليعية من شباب الوفد .
وكان النشاط الأساسى لطليعة العمال يظهر فى صفوف الوفد ويقال أن بعض العناصر التى تكونت منها كانت ذات اتصال تنظيمى بالوفد , ولكن الطليعة كانت تنظيما مستقلا عن هذا الحزب . (8) طارق البشري المرجع السابق ص ص 82 , 83 .

ونجد أنه عند نهاية الحرب العالمية الثانية كانت هناك تنظيمات ماركسية أساسية هى :

أولا : طليعة العمال التى كانت تصدر مجلة ( الفجر الجديد)
ثانيا : الحركة المصرية للتحرر الوطني التى تكونت من تنظيمين هما : عصبة الماركسيين وشعوب وادى النيل , وقد أصدرت صحيفة ( أم درمان ) التى كان يشرف عليها الأعضاء السودانيون داخل الحركة , وكما أدت هذه النتيجة الى درجة أقل من التعنت , فقد استتبعها قيادات التنظيمات , يضاف الى كل ذلك أن تلك المجموعات قد شاركت مشاركة قوية فى احداث فبراير 1946 , والتى كانت من الأمور التى أدت الى استقالة حكومة النقراشي وتشكيل حكومة إسماعيل صدقي , التى مثلت مرحلة جديدة من مراحل العمل الماركسى , ففى تلك الفترة تمت الوحدة بين (الحركة المصرية للتحرر الوطني) و( اسكرا ) تحت اسم (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ) والتى حملت رموز ( حدتو ) على أساس أبعاد الأجانب فى قسم مستقل فيما عدا هنرى كورييل وهليل شولرتز .
وفى عام 1950 ابعد هنرى كورييل الى ايطاليا وسافر شوارتز الى فرنسا وتخلصت بذلك الحركة الشيوعية المصرية من الأجانب .
وعكذا يتضح من هذا العرض أنه عند انتهاء الحرب العالمية الثانية قد برزت حركة شيوعية مصرية على جانب كبير من القوة , وبرزت كوادر ماركسية مصرية هامة فى أوساط المثقفين والعمال , وكانت تمثل العمود الفقرى فى الحركة اليسارية .
واستطاعت هذه الكوادر الوطنية أن تتقدم باسهام له طابعه الفكرى المتميز فى الحركة الديمقراطية فى مصر وتصل أبعاد جديدة فى ميادين النضال ضد الاحتلال .

الفصل الثالث: التنظيمات الشبابية

عرفت الحياة السياسية فى مصر لنحو أربع سنوات بين 19331937 ظاهرة فريدة تتمثل فى تشكيل جماعات من الشباب على أسلوب شبه عسكرى عرفت بقمصانها الملونة , وكان أهم سماتها هى العلانية فى تشكيلاتها , وان كانت فى الحقيقة هناك جماعات سياسية معينة قد سعت الى تدريب مجموعاتها من الشباب عسكريا خلال الأربعينات ومطلع الخمسينات ( كالإخوان المسلمين ومصر الفتاة ) بشكل كان يتم بصورة سرية . (1) د. يونان لبيب رزق أصحاب القمصان الملونة فى مصر 19331937 . دراسة فى المجلة التاريخية العدد 21 عام 1974 ص 195 .
ويرجع الاهتمام بهذه التنظيمات المسلحة الفاشية الى انها كانت تضم بين صفوفها طلبة بنسب مختلفة , أولئك الذين كانوا يعيشون الأحداث , وقد سيطر عليهم الاعجاب بالتيار الفاشى الذى أوجده موسولينى حاكم ايطاليا آنئذ (2) فقد قام بتنظيم جماعة من الصبية تشرف عليها هيئة حملت اسم باليلا اهتمت بتدريبهم تدريبا بدنيا سلميا بالاضافة الى تعليمهمتعليما عسكريا وبدأت الاهتمام بهم من سن السادسة الى الحادية والعشرين وأعطوا كل سن ما يناسبه من التعليم والتدريب واختير لتعليمهم من الأكاديمية الفاشية وتزيوا بقميص أسود مقفل عند الرقبة وشارة من المعدن وحزام أبيض وبنطلون طويل .
وقد انتقلت هذه التعاليم الى معظم دول العالم فى الثلاثينات من هذا القرن حيث وجدت صدى طيبا فى المجتمعات التى كانت توجد فيها تناقضات طبقية – عاصم محروس المرجع السابق ص 641 . . كما كانت روح الكراهية للانجليز والاعجاب بالألمان تحرك نفرا آخر من هؤلاء الشبان مما كان دافعا لهم للانخراط فى مثل هذه التكوينات المسلحة (1) د. عبد العظيم رمضان تطور الحركة الوطنية ج 2 ص 133 .

أصحاب القمصان الخضراء

ان الفاشية التى حامت حول أصحاب هؤلاء القمصان بألوانها كانت أكثر تركيزا فى أصحاب القمصان الخضراء من رجال مصر الفتاة أكثر من رجال الوفد ممن تزيوا بالقمصان الزرقاء .
فصدرت أول دعوة لتشكيل جماعة " أصحاب القمصان الخضراء " فى جريدة الصرخة فى ديسمبر 1933 تحت عنوان " ذو القميص الأخضر أو جنود مصر الفتاة " معلنة أهدافها : وهو تجميع الشباب فى صعيد واحد .. وأن تعودهم على النظام والطاعة .. على أن يلبسوا زيا موحدا .. وينطقون بنشيد واحد .. وأن يكون لهم شعارا واضحا محددا , يملأ قلوبهم الايمان ..الايمان بقدرتهم على العمل بتحمل التقشف وكراهية اللهو والتخنث والتهتك , يعبدون الله ويموتون فى سبيل الوطن .
وان العضوية حق لكل مصرى يرغب فى تحقيق مبادىء مصر الفتاة , أما من يصل الى مرتبة " المجاهد " فهو " الشاب الذى قدم البرهان على أنه يعمل من أجل ربه ووطنه وملكه " . وكان زيهم موحدا يتكون من " قميص أخضر مصرى وبنطلون من القماش المصرى وحزام من الجلد المصرى . " أما هيكل التنظيم فكان من ست درجات : " القسم " ويضم 12 مجاهدا " الكتيبة " وتتكون من أربعة أقسام , " الفرقة " وتتشكل من أربع كتائب , ثم اللواء ويضم أربع فرق " الفيلق " ويتكون من أربعة ألوية وأخيرا " هيئة أركان الجهاد " التى تتكون من رؤساء الفيالق وقد انعقدت زعامة هذه الجماعة على صغار الشبان المتخرجين حديثا من كلية الحقوق , وعلى راسهم فتحى رضوان وأحمد حسين المرتبطين أنذاك ارتباطا قويا بكل من الحزب الوطني , وجماعة الشبان المسلمين التى كان يرأسها وقتذاك " عبد الرحمن السيد " النائب الوطنى .
وكان أهم أهدافها وأفكارها هو اجلاء البريطانيين عن مصر وعن قناة السويس والسودان , والغاء الامتيازات وعدم تجديد امتياز قناة السويس , والتوقف عن أسلوب المفاوضات طالما أنه لم يحقق الآمال الوطنية .

وكانت هذه الجماعة على علاقة وثيقة بالتنظيمات السياسية القديمة كالحزب الوطني والأحرار الدستوريين , ما أدى الى نتيجتين أضعفتاها فيما بعد .

النتيجة الأولى : انها أجبرت على مواجهة – فى غير صالحها – مع حزب الوفد الذى تشكك فى طبيعة علاقتهم مما دفعه الى السعى ضدهم وضربهم ونجح فى ذلك .
النتيجة الثانية : أنه قد نبع الاحساس بين شرائح اجتماعية مصرية معينة بطبيعة تلك العلاقات العزوف عن الانضمام للجماعة أوتشجيعها مما فقدت معه مكاسبها .
أما حزب الوفد فقد أزعجه محاولاتهم لاستقطاب الشباب من جانب احدى القوى السياسية المنافسة وكان من الطبيعى أن يبادر الى التحرك فى مواجهة تلك المحاولات .
وقد تمخض عن هذا التحرك ظهور جماعة مشابهة فى داخل حزب الوفد هم أصحاب القمصان الزرقاء(2) د. يونان لبيب رزق أصحاب القمصان الملونة المرجع السابق .

وهو التى نظمها حزب الوفد ردا على التنظيمات المشابهة الأخرى , ومن الملاحظ أن حزب الوفد لم يتحرك لمواجهة هذه التنظيمات العسكرية الا فى عام 1935 وذلك بسبب :

أولا : ان الوفد كان التنظيم السياسى الواضح حتى اوائل الثلاثينيات من هذا القرن , ومحل ثقة أغلبية الناخبين المصريين .
ثانيا : ان قيادته لم تكن تلتمس أسلوب العنف منذ عام 1924 وما بعده , وفضلت العمل من خلال النظام البرلمانى فى سبيل تحقيق أهدافها , و لقد حاول الوفد أن يمنع استمرار مثل هذه التنظيمات فى البداية , بل واستطاع النحاس باشا ان يقنع نسيم باشا رئيس مجلس الوزراء باصدار قانون يمنع هذه التنظيمات , ولكن عبد الحميد بدوى باشا اعترض عليه , فلم يقدر له الصدور .
وازاء تفاقم مسألة تكوين التنظيمات المسلحة لم يجد الوفد بدا من مسايرتها واتخاذ نفس أسلوبها , ومن ثم كان قرار تنظيم قطاع من شباب الحزب على نسق القمصان الملونة (3) عاصم محروس المرجع السابق ص 647 .
وفد من شعبية وانتشرت فى بقاع مصر كلها ,حيث تميزت بالرقابة الدقيقة على الأعضاء , ووضع العقوبات لما يرتكبوه من مخالفات , مثل ارتداء الزى دون مبرر ,او اساءة المعاملة أو استغلال النفوذ .
الا أن ظهور هذا التنظيم – كغيره من التنظيمات الشبابية المسلحة , سبب قلقا لدى السلطات البريطانية , ثم أن أحزاب الأقلية كانت أيضا تنظر بقلق مشابه لها , فالأحرار الدستوريون يعبر عنهم محمد حسين هيكل اعتبروا وجودهم واعتداءهم على الخصوم أمر لا يتفق ومبدأ تطبيق حرية الرأى اوالديمقراطية (4) محمد حسين هيكل مذكرات فى السياسة المصرية ج 1 – ص 431 .
كما كانت هذه الفرق مصدر خوف للقصر نفسه , فقد قيل للملك فاروق أن النحاس بتكوينه هذا انما يمهد لتطبيق نظام دكتاتورى يحكم به مصر كما يحكم موسولينى فى ايطاليا وهتلر فى ألمانيا . (5) محمد التابعي من أسرار السياسة والساسة مصر ما قبل الثورة القاهرة 1978 ص 161 .

وينبغى فى هذا الصدد تسجيل ملاحظتين حول هذه الجماعة .

الأولى : النمو السريع لتلك الجماعة وهو نمو طبيعى بحكم اتصالها العضوى بحزب الوفد , ففى غضون أسابيع قليلة فاق عدد أصحاب القمصان الزرقاء عدد أصحاب القمصان الخضراء اذ بلغ عددهم أكثر من ثمانية آلاف منها ألفان فى القاهرة وأكثر من خمسمائة فى الأسكندرية وفيما يتراوح بين خمسة آلاف وستة الاف فى الأقاليم .
كما أن هذا النمو لم يقتصر على جموع المنتمين وانما امتد ليشمل رقعة واسعة من بقاع القطر المصرى فى القاهرة والأسكندرية ومديريات الشرقية والغربية والبحيرة والمنوفية والمنيا وأسيوط بالاضافة الى محافظة قناة السويس .
ثانيا : ان ظاهرة الانقسام الى أجنحة الأمر الذى عرفه حزب الوفد على امتداد تاريخه قد عانى منها بدوره تنظيم القمصان الزرقاء خاصة مجموعات هذا ا لتنظيم الموجود فى المدن كالقاهرة والأسكندرية . وقد ترك التقسيم الى أجنحة آثاره السلبية على التنظيم كما ترك من قبل فى الحزب نفسه اذ بلغت الحدة بين هذه الأجنحة حد الاقتتال المسلح . (6) د. يونان لبيب أصحاب القمصان الملونة مرجع سابق ص ص 207 , 208 .

فرق البزاة

كونها الحزب الوطني لتربية الشباب تربية رياضية علمية أخلاقية , وكان شعارها طائر البازى المعروف بشجاعته ونشاطه وقوته , وعلى رأسه تاجا الوجهين البحرى والقبلى رمزا للوحدة بين المصريين وكان عملا قوميا ولم تفكر الحكومات فى مقاومته لأنهم لم يفكروا فى أن يكونوا أداة ارهاب أو وسيلة ضغط على غيرهم وكان شعارهم ( أد الواجب ودع ما يكون ) وكانت تدريباتهم فى وادى حوف ومنطقة الهرم (7) روزاليوسف 11 يناير 1936 وكان لباسهم قميصا أزرقا وبنطلون كاكى كما تدربوا على الرماية وركوب الخيل .
ونواة هذا التنظيم هى الوحدة التى تضم ثلاثة أفراد يرأسهم رابع يطلق عليه رئيس الوحدة وتضم أربع وحدات يراسها رئيس الفرقة , و تضم الشعبة فرقتين يراسها رئيس الشعبة أما الكتيبة فتتكون من شعبتين ومن الكتائب تألف " جيش البزاة " .
والأصل فى هذا التنظيم هو ما خطر ببال رجال الحزب الوطني من تربية الشباب المصرى تربية رياضية سليمة وتثقيفهم بالخلق الكريم والعلم النافع , وتعويدهم على حياة لقتصادية مفيدة(8) المصور 31 يناير 1936 .
ونتيجة لظهور هذه الفرق الشبابية المسلحة والتنظيمات التى أخذت بعض الوقت شكل السرية , اتخذ الصراع بي الأحزاب والهيئات شكلا عنيفا , حتى وصل الى حد التخريب والاغتيال .
حقيقة ان الصراع الحزبى كان موجودا قبل ظهور هذه التنظيمات المسلحة , وحدثت اشتباكات كتلك التى حدثت بين أنصار عدلى وأتباع سعد زغلزل , وكان أمرا يحدث عادة بين قواعد الأحزاب ولكن وجود هذه التشكيلات كان من شأنه أن يدعم العنف خاصة وانها اتخذت شكلا منظما زموجها بصفتها تنظيمات حزبية , كما هيأت المناخ المناسب لأعمال العنف التى شهدتها مصر فى أواخر الثلاثينيات قبل حلها فى عام 1938 ثم ظلت متسربة حتى الأربعينات على أيدى الإخوان المسلمين , وفى هذا لم يكن الطلبة ببعيدين عنها بل كان الشباب هو وقودها والطلبة على وجه الخصوص جذوتها المتقدة(9) عاصم محروس عبد المطلب المرجع السابق ص 655 .

الجماعات السرية

فى هذه الفترة كانت روح الكراهية للانجليز والاعجاب بالألمان تحرك نفرا من صغار الشباب البعيد عن الاحزاب التقليدية والفرق الفاشية الى العمل بشكل منفرد فى تكوينات مستقلة .
ومن هذه الجماعات جماعة كمال الدين رفعت التى كانت تضم كلا من : صلاح الدسوقي وحسن التهامي ومراد غالب وكمال حسنين وطلعت يوسف وأحمد الرزنامجي منذ كانوا طلبة فى المدرسة الثانوية عام 1938 , و كانت معاركهم صغيرة ومحدودة مع الانجليز كالشجار والاعتداء بالأيدى فى بعض مناطق من القاهرة .(10) كمال الدين رفعت [[حرب التحرير بعد الغاء معاهدة 1936 والغاء اتفاقية 1954]] .
كما حذت حذوها جماعات أخرى من طلبة المدارس الثانوية استولت على ألسلحة من الجيش الانجليزى . وكانت أهم هذه الجماعات عموما هى جماعة حسين توفيق التى نجحت فى أثناء الحرب فى اشعال الحرائق فى سيارات الجيش الانجليزى كما قتلت عددا من الجنود الانجليز (11) د. عبد العظيم رمضان المرجع السابق ص ص 133 – 134 . , وانتهت بحادث اغتيال أمين عثمان .

جماعة حسين توفيق

هو ابن توفيق أحمد – وكيل وزارة المواصلات فى ذلك الوقت ومن الذين اتهموا فى مقتل بطرس غالى وكان قد قبض عليه مع الوردانى ولكنه افرج عبه لأنه لم يكن قد ظهر بعد قانون الاتفاق الجنائى . جريدة المصري 27 فبراير 1947 .
استعرضنا بشكل عام الأحوال العامة لمصر قبيل حادث اغتيال أمين عثمان من النواحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتحرك الحزبى سلميا , ثم لجوئه الى السلاح – بعد أن أعيته الحيل ودفعته الظروف – من خلال التنظيمات المسلحة للأحزاب بقمصانهم الملونة , ليحملوا مسئولية الدفاع عن حقوق مصر تجاه من احتلوها أو تلاعبوا بمستقبل ابنائها .
ولقد كان للحرب العالمية الثانية اثرها فى تطور هذه الأفكار التى تبلورت فى النهاية الى حمل السلاح سرا وجهرا على أنه الطريق الأكثر فعالية لحل مشكلات البلد ككل سواء ضد المحتل أو ضد من استغله فى الداخل , وتأكد هذا السلوب فى ذهن معتنقيه من الطلبة ازاء عجز التنظيمات السياسية التى كانت قائمة فى ذلك الوقت عن الوصول الى حلول لكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فظهرت الجماعات السرية المسلحة – كما اسلفنا – ومنها جماعة حسين توفيق , التى ستدور الدراسة حول نشاطها .
تلك الجماعة التى خلع عليها مؤسسها – حسين توفيق اسم جماعة الشباب تارة والجمعية الوطنية تارة أخرى , وقد نشأت من فكرة بعيدة عن الأحزاب هدفها قتل الانجليز وكل الزعماء الذين يتصلون بهم على أساس ان كل الزعماء فى ذلك الوقت – فى نظره – يتصلون بالانجليز لتولى الوزارات والحكم .
واضفى حسين توفيق جوا من الشرعية على أعمال جماعته هذه تأسيسا على أن الانجليز قد احتلوا البلاد وان القيادة الحزبية كلها خائنة , وبذلك كانت الجماعة توجه عملها فى اتجاهين الأول : ضد قوات الاحتلال , والثانى : ضد الزعماء المصريين ممن اعتبروهم ذيولا لهم , وانتهوا الى ضرورة تخليص مصر منهم . (2) اعترافات حسين توفيق بجلسة تحقيق النيابة يوم 26 من فبراير 1946 المصرى 27 فبراير 1946 .
وتكونت هذه الجماعة فى حدود اقاربه وأصدقائه الذين آمنوا بفكره .

ولما كان حسين توفيق بعد طالبا فقد كانوا هم جميعا من الطلبة فى الجامعة والمدارس الثانوية وهم :

حسين توفيق أحمد جامعة فؤاد الأول
محمود يحيى مراد كلية الهندسة
محمود أحمد الجوهري جامعة فؤاد الأول
عبد العزيز خميس كلية الآداب
محجوب علي محجوب المدرسة السعيدية الثانوية
محمود محمد كريم كلية الهندسة
نجيب حسن فخري معهد العلوم المالية والتجارية
مدحت حسين فخري السعيدية الثانوية
سعد توفيق أحمد جامعة فؤاد الأول
أحمد وسيم خالد السعيدية الثانوية
مجدي عبد العزيز أبو سعد كلية الزراعة
مصطفى كمال حبيشة السعيدية الثانوية
محمد علي خليفة كلية الهندسة
محمد عبد الفتاح الشافعي كلية الهندسة
عباس محمد المرشدي كلية الهندسة
علي عزيز دياب مدرسة القبة الثانوية
أحمد خيري عباس كلية الهندسة
أحمد محمد خليل الملوانى مدرسة المعلمين
كامل محمد إبراهيمجامعة فؤاد الأول
عبد الهادى مسعود متخرج من الجامعة
سعد كامل متخرج من الجامعة
محمد ابراهيم كامل متخرج من الجامعة
جول اسود موظف
أنور فائق تاجر(3) عاصم محروس المرجع السابق ص 490 – 491 ومذكرات وسيم خالد ص 107 .
وواضح من هذه المجموعة أنها شباب .. مثقف .. معظمهم طلبة , أكثرهم من الجامعة ولذلك قسموا الى شعب معهدية – اى حسب كل معهد أو كلية ليكون التفاهم بينهم سهلا فكانت :
شعبة الهندسة – شعبة السعيدية – شعبة جامعة فؤاد الأول – ويقول وسيم خالد أن هذا التنظيم من الناحية النظرية كان ديمقراطيا لدرجة كبيرة , لفم يظهر له رئيس بالمعنى المتسلط المعروف , ولكن كان له مجلس تدارة , وكان من حق كل شعبة أن تناقش القرار الذى يقترح , ثم تناقش الشعب كلها – فى مجلس الادارة – أمور الجماعة , الا أن هذا كان يشوبه تدخل حسين توفيق , فيذكر " أن حسين توفيق كان يتدخل بشكل ما فى اختيار أعضاء مجلس الادارة بحيث كان اثنان منهم يؤيدانه على طول الخط وهما محمود يحيى مراد ومحمود الجوهرى , وهكذا كان يحصل على الأغلبية باستمرار مع الاحتفاظ بالشكل الديمقراطى والابتعاد عن لقب " رئيس "(4) عاصم محروس المرجع نفسه ص 491 – 492 وسيم خالد ص 107 .
ثم انضم اليهم بعد ذلك محمد أنور السادات باسم محمد أو الحاج محمد وكان وقتها فى السادسة والعشرين من عمره , هاربا من المعتقل , وكان انضمامه – كما يقول وسيم خالد – بالصدقة البحتة , عندما تقابل معه حسين توفيق فى شقة أحد أصدقائه البحتة , عندما تقابل معه معه حسين توفيق فى شقة أحد أصدقائه , وفى حديثه معه عرف منه انه يوزباشى هارب من المعتقل ومن تنظيم عزيز المصري , فأخبرة حسين انه عضو فى منظمة لقتل الانجليز , فوافق محمد على الانضمام اليهم والعمل معهم , ولما طرح حسين موضوع ضم محمد الى الجماعة وافقوا " وتم التحالف بيننا وبين بقايا تشكيل الفريق العجوز , على أساس وضع خطة شاملة للحوادث , و أن نتناوب القيام بها "(5) وسيم خالد ص 112 .
ولما كانتالجماعة تعتنق فكرة العمل المسلح فكان عليها أن تلفظ أسلوب التظاهر أن الاشتراك فى المظاهرات , وكان حسين توفيق يرى فيها " كلام فارغ " لأن تحريك الأحزاب لها لم يكن أمرا يروقه , و حتى أن البوليس لم يكن يتعرضون لها , واعتبر هذا دليلا على أنها نشاط مرضى عنه لم يكن يتعرض لها , و اعتبر هذا دليلا على أنها نشاط مرضى عنه أو مقصود من السلطة المخدرة من الانجليز , وأن الهدف منها مجرد مناورات تقيمها احدى الجهات لتحقيق سياستها .
وكان يرى أنه لا سبيل الى اخراج الانجليز الا بالمقاومة المسلحة ,والمقصود هو التنظيم الذى شكله واتسع بمرور الوقت وانتشرت خلاياه السرية لتكبيد الجيش البريطانى خسائر كبيرة ويثير فيه نوعا من القلق يتفاقم مع الزمن . (6) محمد أنور السادات صفحات مجهولة القاهرة 1954 ص 54 .

وكان أعضاء التنظيم ينقسمون بشكل آخر الى قسمين : أعضاء عاملون , وأعضاء غير عاملين , فالعضو العامل هو الذى كان يحمل السلاح ويستخدمه , فكان القوة الضاربة , أما غير العامل العنصر المعاون . ولم يكن التنظيم قاصرا على هذه المجموعة وانما – لما أرادوا له الاستمرار – جعلوا هناك أعضاء آخرين أصغر سنا , عاشوا معهم فكرهم ليكونوا امتدادا لهم اذ ما عصفت بهم الظروف , وسموا الكتاكيت وكان معظمهم من اخوتهم وأقربائهم فكان منهم سعيد توفيق شقيق حسين توفيق ومدحت فخري وعز الدين كامل شقيق سعد كامل , ومصطفى حبيشه ووسيم خالد ومجدي أبو سعده ومحجوب علي محجوب , وكان يرأس هذه المجموعة محمود أحمد الجوهري فى أول الأمر ثم حل محله مدحت حسن فخري بعد ذلك .

ولم يحرموا التدريب العملى على السلاح كمن كانهوا يكبرونهم , فدربوهم على حمل السلاح واستعماله , وتقدم فيهم مدحت فخرى وسعيد توفيق , بل قام حبيشة ووسيم خالد بمفردهما بتنفيذ بعض أعمال مسلحة فى منطقة الهرم حيث كانت تتم تدريباتهم فى الصحراء بين الأهرامات .
ويبدو من مجموع مذكراتهم وأقوالهم أن شخصية حسين توفيق كانت المسيطرة وكان يؤكد أن مسؤلياته أكبر من مسئولية أى فرد , كما كان حلقة الاتصال برؤساء الشعب , ومسئول عن السلاح والتدريب وجمع الاشتراكات , وبهذا أمكن القول بأنه كان القابض على زمام أمور الجماعة والمحرك لها .(7) عاصم محروس المرجع السابق ص ص 491 – 493 اعترافات سعيد توفيق ومدحت حسين فخري الواردة فى الحكم ص ص 272 – 276 .
هذا بالنسبة لشكل التنظيم , أما عن التمويل والتسليح فقد اعترفوا بأنهم كانوا يشترون السلاح من أموالهم الخاصة التى كانوا يدفعونها فى شكل اشتراكات من بستانى بالمعادى كان يدعى حنفى معاذ وكان هذا الشخص يسرقه من معسكرات الجيش البريطانى .
فضلا عن اشتراك أنور السادات فى امدادهم بالسلاح , الأمر الذى اعترف به حسين توفيق بجلسة تحقيق 26 فبراير عام 1946 من أنه أحضر له بعض القنابل اليدوية من ضابط طيار بالجيش المصري تبين أنه كان يدعى طلعت بن عبد الوهاب طلعت باشا , وان كان هذا الأخير قد أنكر ذلك لدى سؤاله أمام النيابة . (8) الحكم ص 269 .
أما الاشتراكات فكانت تجمع بشكل ميسر أى كانت حسب امكاناتهم المحدودة وكانوا كلما جمعوا مبلغا يكفى لشراء قطعة سلاح قاموا بشرائها , وكان تمرينهم على استعمال المسدسات وتركيب الزجاجات الحارقة والقائها يتم فى الصحراء بناحية الهرم أوفى صحراء المعادى .
وبالرغم من أن الوطنية كانت الدافع الأساسى , فانه كانت هناك بعض أمور نفسية واجتماعية حكمت تصرفاتهم ببعضهم من جهة , وجمعت بينهم على هذا الطريق الواحد من جهة أخرى , نرى أن نشير اليها , فهم بين شباب حديث السن وصبية فى التعليم الثانوى , ولم يدرسوا الأحداث بعمق , ولم يعركوا الحياة بشكل كاف , يكون لهم زادا يدفعهم الى التصدى لقوات الاحتلال , أو للسلطات المصرية بالشكل الذى سنراه .
وعلى هذا نعرض أمثلة من هذه الأحوال الاجتماعية والنفسية التى مر بها بعضهم حسب وصف أحدهم – وسيم خالد – ويظن فيه الصدق لأنه وصف نفسه هو بأوصاف فيها كثير من السلبيات .
فحسين توفيق رائد الجماعة كان من سكان المعادى , تربى فى بيت رجل – وهو أبوه – اشترك فى حادث اغتيال بطرس غالى وقبض عليه وحوكم وأفرج عنه وبالطبع كان يقص عليه هذا , وكان عنيفا حتى فى لعبه اذ فضل لعبة عسكر وحرامية ثم طورها فى شكل صراع بين فلاح مصرى لعب هو شخصيته وتركى متجبر .
وكانت تستهويه شخصية الفلاح رغم أن جده لأمه كان تركيا يدعى بايزيد وكان حسين يتعصب للفلاحين ويستعمل العنف مع الآخر التركى , وكان يشترك معه فى اللعب نجيب حسن فخري الذى كان يرفض أسلوبه فى العنف والتعصب .
وكما شهد أبوه فى التحقيقات بعد حادث اغتيال أمين عثمان بأنه كان شرسا فى تعامله مع الأولاد ومع الحيوانات الصغيرة , ميالا الى قتلها , وأن ضعف بصره كان يضيف الى آلامه النفسية كثيرا .
وهذا نجيب حسن فخرى الذى سبب له انفصال والديه المبكرنوعا مكن الهزات العاطفية التى أثرت على مداركه العقلية فى سن مبكرة , وكانت أمه التى رفضت الزواج تعطى أولادها كل حبها , وانصب منه القسط الأكبر على نجيب حتى امتصت حيويته بحيث كانت شخصيته – رغم استعداده الثقافى وذكاءه وتفتحه العقلى وذوقه – وهزوزة تماما تفتقد الى عناصر الثقة بالنفس .
أما محجوب علي محجوب فقد انحدر من أسرة بدوية نزحت من الغرب واستقرت فى نزلة السمان بالقرب من الأهرام فى الجيزة وحاول أبوه أن يدمج أولاده فى الحضر فكان ان استمع محجوب الى قصص المغامرات التى كانت تستهويه تماما , فجعل يعيش أخبا روأحداث القتل والتصدى للانجليز , وتعرض الانجليز للأهالى , واشتراك أخيه الأكبر فى هذه الاضطرابت وأصابته فى احداها , فكان منظره لا يفارق وجدانه لحظة فعرف الصراع والقتل والثأر كما صوره له أبوه .
ومنهم من تربى فى بيت صراع دموى مع القوى السياسية – مثل حسين توفيق – وهو محمود يحيى مراد , فكان أبوه زميل والد حسين توفيق فى قضية اغتيال بطرس غالي وأفرج عنه لنفس السبب(9) سبقت الاشارة اليه عند الحديث عن حسين توفيق , وفشل كثيرا فى حياته العملية بعد ذلك لدرجة أنه انعكس فشله هذا على تصرفاته الخاصة فى بيته والتى أحالت حياتهم جحيما خاصة بعد فصله من آخر عمل كان قد التحق به , وكان محمود أصغر أبنائه يشهد ما كان يدور فى البيت من قسوة وعنت وبذلك أصبح مشاكسا وكان وكأنه ينمو تحت ظل فكرة متسلطة بأن يكمل ما فعله والده , وأن يبدأ من حيث انتهى . على اعتبار أن الحادث الذى كان قد اشترك فيه هو سبب ما أصاب حياة الأسرة من انهيار .
أما أحمد وسيم خالد نفسه فيقول " كان راسى يزخر بآراء عجيبة جدا , كنت أعلن دائما أننى لا أريد أن أعيش أكثر من عشرين عاما , وكنت أرى والدى مشحونا بحيوية وطاقة عظيمتين , ويسهر فى عمله الصحفى الى الساعة الثانية والثالثة صباحا , لقد فهمت من هذه السن ان الحياة كفاح وحركة بينما كانت الرجال فوق الأربعين لا قدرة لهم على هذه الحياة ولا القتال " وكان زملاؤه يعيروه بأن والده ليس موظف حكومة , ويمكن فصله فى أى وقت , ولما لم يكونوا أغنياء " فكنت أحس بقلق شديد رغم طفولتى : ماذا نفعل لو فقد والدى عمله ؟ " .
وكان يقبل على قراءة الكتب الدينية , ولكن ذات الطابع الثورى , فكان يتخير الموضوعات المثيرة للثورة فى التاريخ الإسلامى . وكان يحجم عن الجنس الآخر لعدم خبرته بالأمور الجنسية أو العاطفية(10) مذكرات وسيم خالد ص ص 20 , 22 , 30 . . أما أنور السادات فكما رأينا كان هاربا من المعتقل , وبالطبع كان عليه أن يحاول استرداد حقه ويرد اعتبار بلاده من خلال الكفاح المسلح . وهذه أمثلة للأدوار النفسية والاجتماعية التى كان يعيشها شباب هذا التنظيم تعكس بلا شك الدافع النفسى والاجتماعى لأعمالهم بجانب الدافع الوطنى .

فكر الجماعة :

رأينا كيف كانت الناحيتان الاجتماعية والنفسية من دوافع هذه الجماعة كما يمكن أن تكونا مصدرا من مصادر فكرها , كما تخذ معظم أفرادها التثقيف والقراءة مصدرا هاما آخر لفكرها .
فقرأوا كتب التاريخ , تاريخ مصر وخصوصا كتب الرافعى , وقرأوا التاريخ الإسلامى خصوصا جوانبه الثورية , وتاريخ الثورة الفرنسية ونظم الجمعيات السرية الروسية والايرلندية , وخرجوا من هذا بضرورة الثورة ولكن أى ثورة , ومتى وكيف يقومون بها ؟
وخرجوا أيضا بأن شعب مصر شعب محارب عظيم , لا يستسلم أبدا للهزيمة(11) مذكرات وسيم خالد ص 130 , 140 اعترافات حسين توفيق بجلسة تحقيق 26 فبراير 1946 .
وأحسوا أن الهزيمة قد أتت من محتل غاصب , و من قوى انهزامية فى الداخل سهلت له الدلوف الى قلب البلاد , وقتل أبنائها , ومن ثم رأوا أن يقابلوا هذا العدوان الذى وصل الى حد الدم بالدم أيضا .
أحسوا كذلك بأن أسلوب التفاوض أو التهاون مع الانجليز أسلوب مرفوض يقوم به أذلاء – فى رأيهم – ابتداء من سعد زغلول , وأن ثورة 1919 خنقتها الفجوة بين ثورة القاعدة ومساومة القيادة , وأنهم قد عقدت لهم عمليات مناوأة الظلم المتمثل فى الاحتلال ومن يتعاونون معه من القصر والباشوات , وعملت فيهم هذه الدوافع حتى ذابوا فى حب الموت فداء للوطن من خلال ما رسموه من خطط الاغتيال , فيصف وسيم خالد جماح فكرهم فى قوله .
" لم نكن أشجع من غيرنا , ولم يكن تقبل فكرة الموت بأسهل علينا من غيرنا ولم يكن الخروج الى العمليات يخلو من الخوف الطاغى الذى يتحتم علينا أن نروضه وان نتحكم فيه , ولكن ربما كان معظمنا أكثر احساسا بالآم الغير واستجابة لها , واستيعابا لبؤس شعبنا كله , وهذه هى نقطة البداية التى ينطلق منها جميع القتلة السياسيين الذين يمكن أن يقترفوا أى شىء وهم فى منهتى الطمأنينة النفسية , لأن أعمالهم صدرت أساسا عن حب الخير للناس , ووضعنا لأنفسنا قيما خاصة بنا , ان الحياة تقاس بعمقها لا بطولها , وصرنا نتصور أنه بلغ واحد منا العشرين أو الخامسة والعشرين فلقد عمر طويلا , وصرنا نتصور حياة تنتهى فى سنه , و نضيف اليه سنة أو سنتين طبقا لمدى تفاؤله – كحياة مثالية . 012) وسيم خالد ص 143 .
ووجدنا أن البعض ممن دفعته الظروف كى يفرغ الرصاص فى البشر نوعامن التعويض النفسى فى العملية ذاتها وهناك خط واه جدا قد يتعذر الاحتفاظ به يفصل بين نفسية القاتل والسفاح الذى يمكن أن يتحول اليه , ومذاق دماء البشر انجليز كاوا أم اسكيمو مروع مرير .
كنا ندرك بكل بساطة أن نوعنا نادر , وأن ضغر سننا يحمينا ولا يوجه أنظار البوليس الينا مطلقا , ولذلك كنا نمتنع عن الاشتراك فى أية مناقشات أو اضرابات أو أى نوع من النشاط العلنى , وكنا نرى فى احتقارنا لكل " الجعجعة " التى لا تنتهى بشىء نوعا من التعويض يتمثل فى اعجابنا بشخصيتنا وشجاعتنا , وهكذا كان الغرور يتسلل الينا دون أن نعى .
كنا نحتقر تقبل نفس الطبقات المتوسطة – التى كنا نعرفها بحكم نشأتنا – لكل شىء , مما كان يزيد من وعينا بحدة الاحتكاك بين الجيلين , ولم يخل الأمر من نوع من الزهو والغرور القاتل الذى تغلب علينا لحظتها فى شكل جماعى . (13) وسيم خالد ص ص 126 , 127 .
كان هذا فكر الجماعة بشكل عام حتى انضم اليهم السادات , ذلك الشاب الذى استولى على ألبابهم وتمكن وجدانهم لدرجة أن أصبح مرشدا لهم , فبالاضافة الى ما سبق وما استغله السادات , أضاف اليه ضرورة تحالف الشعب مع الجيش , وكان هذا هو عمله داخل تشكيله , و نقل اليهم هذا الايمان وكان يردد " بكره العساكر تنزل مع الشعب وتقوم الثورة , الانجليز لما احتاجوا فبل الحرب أنهم يوسعوا الجيش المصري علشان يساعدهم اتخلوا عن شروط كشف الهيئة القديمة وبالشكل ده دخلنا احنا أولاد الشعب وما عدش أولاد شركس أو بهوات " .
ويضيف وسيم خالد قوة جذب السادات بأنه " كانت الأيام التى عاشرنا فيها محمد وهى بالفعل أبهج أيام حياتنا وأشدها اغراقا فى الآمال , وكان محمد يرى أنه حتى يجىء اليوم الذى يتلاحم الشعب مع الجيش لابد من معارك متواصلة لأنها ستقرب يوم الثورة " .(14) وسيم المرجع نفسه ص 137 .
كما ناقش معهم تقييما لعمليات الاغتيال , فلما عرضوا عليه اغتيال اليهود رفض البدء بهم , وكان يرى البدء بقوات الاحتلال الانجليزى يساوى 100 يهودى وأن قتل باشا واحد يتعاون معهم يساوى قتل 100 انجليزى , أما مسائل اليهود فلا يحلها القتل , انما حكومة وطنية تحجم نشاطهم ووجودهم , لأن قوتهم الحقيقية فى مصر تكمن فى رأسمالهم الذى يسيطر على تجارتنا وبورصتنا وساستنا وصحافتنا .(15) وسيم المرجع نفسه ص 115 .
كان هذا فكر هذه الجماعة , ظهر فيه العامل النفسى واضحا وكذا الاجتماعى والاحساس بالمعاناة والضياع وحب الثأر والمغامرة , الذى هانت أمامه حياتهم , كما ظهر أنهم لا ينتمون الى أحزاب أو تجمعات سياسية وذلك من نظرتهم وتقييمهم الخاص لها : فما هو موقفهم من هذه الأحزاب والتكوينات السياسية .
فعندما أحسوا بعجز هذه التنظيمات السياسية عن ايجاد حل لمشكلات البلاد رفعوا شعار " ابادة مدرسة ثورة 1919 " التى رأدوا أنها مدرسة المفاوضات والتخاذل , ورأوا فى سعد زغلول أنه عاد من منفاه ليوقف الكفاح المسلح وليبدأ سلسلة لم تنته من الاذعانات لم ينتج عنها سوى انقسامات داخلية (16) اعترافات سيد خميس فى التحقيقات ص 719 وما بعدها . .
وأعجب بعضهم أول الأمر بالحزب الوطني , وكان الحزب الأكثر تحركا وتطرفا – لدرجة أن فكر كل من حسين توفيق وسعيد توفيق ومصطفى كمال حبيشة الى اطلاق اسم الحزب على أساس تحديد هدفين للعمل السياسى : وهما الجلاء ووحدة وادى النيل , الا أن البعض الآخر من الجماعة , ومنهم وسيم خالد لم يتقبلوا فكر الحزب الوطني لتكاسله فى العمل المسلح ووصفوه " بأنه يريد أن يقاتل من تحت اللحاف "(17 ) وسيم خالد ص 131 .
كما لفظوا أسلوب مصر الفتاة الذى تحول الى الإشتراكية على أساس أنه تعبير عن الديماجوجية .
أما الإخوان المسلمون فكانوا فى نظرهم " رهبان مستشيخين " يدينون بالطاعة العمياء لقيادتهم(18) اعترافات عبد العزيز خميس فى القضية ص 191 وعاصم محروس المرجع السابق ص 486 الحكم ص ص 418- 419 .
وكانوا فى نظرهم متعصبون ضيقوا الأفق , انحصر تفكيرهم فيما هو حلال وما هو حرام كالسينما والتدخين واللباس .. الخ , وقد عقد وسيم خالد مناظرة بينهم وبين جماعته فقال " الإخوان يكمن ايمانهم كله خارج أنفسهم , انهم لا يقلون عنا شجاعة ولا تجلدا ازاء الخطر ولكن بينما تنبع شجاعتنا من وعينا الثورى , ومن مجرد استهانتنا بأى خطر , كانت شجاعتهم تنبع من ايمانهم بالجنة , فى حين كان بعضهم جهلة سياسيا تقريبا , مما جعلهم عرضة للتغرير بهم من جانب قيادتهم التى يمكن أن توحى لهؤلاء المريدين بأى شىء " .
كما رأى أن دعوة الإخوان غير محددة واضحة فى أذهان أعضائها مما قد يدفعهم تحت أى ضغط أو ظروف الى الانحراف عنها الى النقيض كالشيوعية .(19) وسيم خالد 128 .
أما الشيوعيون فكانوا فة نظرهم سلبيين اتجهوا من خلال ثقافتهم المستوردة من الخارج الى الإشتراكية الأوربية وكان الأجدى بهم أن يولوا وجوههم وجهودهم شطر الشعب المصرى , ومن ثم دعوا الى القضية المصرية عن طريق المنشورات , ورأوا ان يتجهوا بها الى المحافل الدولية واقناع أحزاب انجلترا والأحزاب الإشتراكية فى العالم بعدالتها " وهكذا كانوا ينخرون فكرة الكفاح المسلح " وأنه من العبث أن نعتمد على أوربا " بينما بهرتهم فى نفس الوقت حرب العصابات الشيوعية التى كانت فى جبال كربات .(20) وسيم خالد 131 , 132 .
ويأتى دور الوفد الذى رأوا أنه منذ عام 1936 قد سيطر عليه كبار الملاك ورجال الأعمال والأموال حريا وراء مصالحهم المادية , ومن ثم أصبح حزب الباشوات , وأن معاهدة 1936 ما هى الا باب المهانة والاستسلام .
ويقول خميس فى اعترافاته " اليس من حقى وأنا شاب لم أتجاوز الخامسة عشرة أن أتحسر على حال بلادى , فيجب على المصريين أن يرفضوا أى تفاوض طالما يوجد جندى بريطانى على أرض مصر "(21) اعترافات خميس ص 720 .
ورأت جماعة حسين توفيق فى طليعة الوفد شيئا من الأمل ما لبث أن اختفى " وكان الوفديون بطليعتهم هم الذين يتعذر فهمهم تماما , عندما أسمعهم يتكلومن عن الحياة النيابية وتزوير الانتخابات وحق الأغلبية , كنت أجد أنهم يريدون العمل خلال الأوضاع القائمة , لقد تجمدوا عند حد استمرار لعبة تبادل الحكم مع احزاب الأقلية التى نحررهم عقليا وهم غالبية الشباب , عندما نحطم هذه الأصنام التى تغرر بهم " (22) وسيم ص 134 .

وكانت الأصنام فى نظر هذه الجماعة هم زعماء الحزب الوفدى الذين لجأوا هم وغيرهم من الزعماء الى أسلوب التفاوض مع الاحتلال للوصول الى حل القضية والحصول على الجلاء , وكان أسلوب التفاوض مرفوضا لدى هذه الجماعة على أساسين :

أولهما : أنهم اسلوب خائر لجأت اليه مدرسة ثورة 1919 لتخدير الشعب وليحقق من خلاله الباشوات مصالحهم الخاصة ومن ثم كان عليهم القضاء على مدرسة ثورة 1919 والقضاء على هؤلاء الباشوات .
ثانيهما : أنه أسلوب طويل ممل يسوق الشعب الى الاذعان " كالخراف " وأن للشعب أن يفهم أن الحل يكمن فى المقاومة المسلحة .
ومن هنا تبلورت أفكار الجماعة فى مجال التنفيذ فى شيئين أولهما : مقاومة الانجليز باستعمال السلاح والقوة المسلحة المدربة وثانيهما : القضاء على الباشوات الذين استغلوا الموقف لصالحهم .(23) اعترافغات حسين توفيق بجلسة 26 فبراير 1946 وص 118 من كتاب وسيم خالد الحكم ص ص 232 , 238 , 239 .
من هذين المنطلقين بدأت الجماعة نشاطها العملى عام 1941 وذلك بسرقة المعدات ( الموتسيكلات ) الخاصة بالجيش الانجليزى ليس للاستيلاء عليها وانما لتعطيلها عن العمل , ثم تطور الأمر الى احراق عدد من لسيارات العسكرية الانجليزية باستعمال زجاجات ملؤوها بالبنزين .
ثم بدأوا بعد ذلك استعمال السلاح الذى راجت تجارته فى تلك الفترة فى منطقة المعادى بسبب ما كان يسرق من المعسكرات الانجليزية فى تلك المنطقة .
وكانت منطقة المعادى – حيث كان يقيم حسين توفيق عبارة عن معسكرات للقوات البريطانية , وكان الجنود الانجليز يأتون بتصرفات شخصية تسىء للمصريين مما كان يثير الشعب وخصوصا الشباب منهم الذين رأوا الانجليز كذلك يسيطرون على كل شىء فضلا عما سببوه من أزمات فى التموين وارتفاع الأسعار وقلة البضائع المستوردة, واضطرار الحكومة لمنع زراعة القطن لزيادة الرقعة المنزرعة قمحا لتوفير الخبز لجيوشهم , فكانت النفوس معبأة والمنطقة مهيأة لاجراء عملياتهم المسلحة(24) عاصم محروس المرجع السابق ص 487, 488 .
وكانت أهم العمليات التى قامت بها هذه الجماعة منذ نهاية 1941 وضع النار فى مدرسة القنصلية البريطانية فى المعادى واشعال النار فى سيارات الجيش الانجليزى , ومحاولات كثيرة لاغتيال بعض الضباط والجنود الانجليز أمثال يونج وميللر . كما اشتركوا فى حادث الاعتداء لأكثر من مرة على النحاس .
وكانوا يقسمون أنفسهم عند القيام بكل عملية , فبينما كان أحدهم يقوم باطلاق النار كان الآخرون يراقبون مسرح العملية , وبمرور الوقت تطورت الجماعة وأعيد تنظيمها فى عام 1944 برفع العمل فيها الى حد الاغتيال بدءا بالانجليز ومن يتعاونون معهم سواء سياسيا واقتصاديا , ووضح أثر التثقيف فى أعضائها , فأصبحوا يسيرون على نهج الجمعيات السرية التى شكلت فى فرنسا لمقاومة الألمان بينما كان اعجاب حسين توفيق بالألمان أنفسهم كعود صلب فى المعارك , وأعداء للانجليز فى الحرب , فكان يرسم اشارة " الصليب المعقوف " فى أرض شوارع المعادى لدرجة أنه قبض عليه بسبب هذا وأجبر على ازالة ما رسمه . (25) عاصم محروس 489 .
وبقى عليهم بعد أن دخلوا الصراع المسلح ضد الانجليز أن ينفذوا الشق الثانى من فكرهم وهوالقضاء على الباشوات , وأن يحدو ترتيب من سيقضون عليهم وكذلك وضع خطط اغتيالهم .
أولا : أنه الشخصية الوحيدة التى تستطيع أن تتقدم للشعب بمعاهدة جديدة لما يتمتع به من شعبية كبيرة , رغم أنهم كانوا معجبون به أول الأمر , ولكنهم – حسب اعترافاتهم – غجعوا فيه كغيرهم من شباب جيلهم , ورفضوا ما قيل دفاعا عن موقفه من أنه يلعب دور حزب المؤتمر فى الهند مع الانجليز , وهو التحالف معهم فى الاطار الخارجى ضد النازية مع الاحتفاظ بالمطالب القومية , وتأجيلها الى نهاية الحرب . (26) وسيم خالد ص ص 119 , 120 .
ثانيا : موقف الوفد يوم حادث 4 فبراير 1942 – فى نظرهم – حيث جلب النحاس العار على مصر بقبوله التعاون مع الانجليز وتوليه الحكم . (27) اعترافات حسين توفيق بجلسة تحقيق 26 فبراير 1946 والحكم 232 , 238 , 239 .
ثالثا : محاولات الملك فاروق اضعاف شعبية الوفد والتى ظهرت فى النشاط المتزايد الذى شهدته الشهور الأخيرة من عام 1943 بتنظيم الطلبة والعمال تحت راية القصر , وقام أحمد حسنين باقناعهم بأن النحاس باشا مصمم على سلب الملك سلطاته , وعلى وضع نفسه على رأس الدولة بدلا من أن يقنع بدوره فى زعامة حزب سياسى ورئاسة الوزارة .
وبذلك تحول فعلا عدد كبير من الطلبة عن الوفد الى الملك , كما شهد بذلك اللورد كيلرن – ومن ثم قامت مظاهرات كثيرة من الطلبة مالعمال معلنة الولاء للملك بعدما أصيب فى حادثة القصاصين فى نوفمبر 1943 .
ثم تحريك القصر للطلبة الذين قاموا بالمظاهرات ابتهاجا باقالة الوزراة الوفدية فى 8 أكتوبر 1944 (28) يونان لبيب دكتور تاريخ الوزارات المصرية ص ص 454 , 467 . .
فهذه الجماعة – جماعة حسين توفيق – وان لم تنخرط ضمن هؤلاء الطلبة الذين شجعهم القصر لأنهم آمنوا بالاستقلال عن كل هذه التكوينات الا أنهم رأوا من القصر الضوء الأخضر لما كان فى فكرهم من أحداث الاغتيالات .
ويؤكد حسين توفيق فى لقاء له مع أحد الباحثين وهو الدكتور عاصم محروس عدم وجود صلة بين جماعته وبين القصر وأن ما اثار هذه الشكوك هو أن السراى كانت ضد النحاس مما حدا بالبعض الى القول بأن الملك يشجع الحركات السرية المناوئة للوفد كتشجيعه لحسين توفيق ونفى أية صلة كانت بينه و بين القصر (29) عاصم محروس ص 495 . . )
وكانت قائمة الاغتيالات لديهم تتضمن : محمود فهمي النقراشي ومكرم عبيد الذى اشترك فى حكومة 4 فبراير , وعمر فتحي وعطا الله حارسي الملك فاروق , وحسن رفعت والغزالى جواسيس الانجليز فى البوليس المصرى وأمين عثمان الوسيط الذى يفاوض الوفد باسم الانجليز .
أما خطتهم فى ذلك فكانت أن ينتشروا ويشتركوا فى التجمعات التى تضم هذه الضحايا , فانضم بعضهم الى الاحزاب لجمع المعلومات عنها وعن تحركات زعمائهما , كما التحق سيد ومحجوب برابطة النهضة التى انشأها أمين عثمان لرصد تحركاته , والتحق وسيم خالد بشباب الحزب السعدى .

وبدأوا عملياتهم فى مجال الاغتيال بمحاولتين لاغتيال النحاس وفشلتا , ولاذ مرتكبوها بالفرار دون أن يقبض البوليس عليهم .

وفكروا بعدهما فى اغتيال النقراشي " باعتباره رئيس أحزاب الأقلية التى تساند القصر حتى يفهم الناس أن أعمالنا لا تستهدف القضاء على الوفد بالذات " ولكن مشروعهم هذا فشل لشدة الحراسة عليه .
أما مكرم عبيد فرأوا أن يتركوه مؤقتا لما يتظاهر به – فى نظرهم – من مواقف وطنية تعرقل بقية أعمالهم , ومن ثم عادوا الى التفكير جديا فى اغتيال النحاس مرة أخرى , وهداهم تفكيرهم الى اصطناع مصيدة له طالما شددت الحراسة عليه وحددت انتقالاته .
وكانت هذه المصيدة هى اغتيال أمين عثمان فيخرج النحاس فى جنازته فيلقى حتفه على أيديهم أثناء الجنازة , وكان حسين توفيق بالذات وراء هذا التصميم فى حين عارضه كثيرون من الجماعة لأن ثقل وزن النحاس كان يستثير خيالهم وكانوا يطمعون فى قتله أولا لأنهم لم يكونوا يضمنون نجاح هذه الخطة بالاضافة الى " أن أمين عثمان كان محل احتقار من الجميع الى الحد الذى يرون أنه لا يصلح لمجرد أن يكون هدفا ولا يستحق مجرد العناء , ولكن الطريقة التى عبر بها أمين عثمان عن أفكار أزعجت الجانب الأخلاقى فى شخصية حسين " . (30) وسيم ص 120 , 121 , 136 ,

بالاضافى الى ما وصف به أمين عثمان العلاقة بين مصر وبريطانيا بالزواج الكاثوليكى أى علاقة أبدية لا تنفصم أكده النص الثانى من مبادىء رابطة النهضة التى وضعها أمين عثمان , كان ينص على الصداقة والتحالف الأبدى بين مصر وبريطانيا , تلك الرابطة التى جمع فيها – حسب أقوال وسيم خالد – الانهزاميين والانتهازيين من الذين يرغبون فى ترقية أو علاوة بأى طريق وكان يبث فيهم مبادئه بلغة عربية انجليزية مما كان يثير سيد ومحجوب اللذين دسا لديه لتقصى أخباره , عندما كان يقول " أنا عايز أعمل منكم ليدرز , وانجلترا غلبت ألمانيا , لكن فيه مجانين بيحاربوهم " ويقصد المجانين هنا المصريين من المجاهدين والوطنيين . (31) وسيم ص 135 .

فضلا عن دوره فى حادث 4 فبراير الذى وصفوه بأنه – أضاف الخزى على مصر كلها وخصوصا حزب الوفد , وأكد الوجود البريطانى سيطرته على السلطة فى البلاد (32) أنور السادات مقدمة كتاب الكفاح السرى ضد الانجليز ص 4 . وأيضا البحث عن الذات ص ص 70 , 71 .

. وهذا ما اعترف به حسين توفيق فى التحقيقات عندما سئل :

  • س : من هم الذين اعتبرتموهم مسئولين عن حادث 4 فبراير ؟
ج: النحاس باشا وأمين عثمان لقبولهما تدخل الانجليز فى شئون المصريين , وكل الزعماء قالوا عليهم أنهم السبب فى تدخل الانجليز .
ج : فكرتى العملية أن يعتدى على الانجليز والمتعاونين معهم من المصريين .
ج: أيوه طبيعى كان يعاونهم لأنه كان انجليزى خالص(33) المحاكمة الكبرى ص ص 252 , 253 واعترافات حسين توفيق .
ومما لا شك فيه أن حادث 4 فبراير كان له كل الثر فى تفكير الجماعة كمبرر لاغتيال النحاس وأمين عثمان أيهما أولا .
ولكن اذا كان المتهمون قد ركزوا على حادث 4 فبراير باعتباره دافعا لأعمالهم الوطنية , وهو ما امتلأت به أوراق القضية , فان حسين توفيق – فى لقاء له مع أحد الباحثين – قرر أن الحادث لم يكن هو السبب الرئيسى وراء الاعتداء , ولكنهم استغلوه عند التحقيق معهم , وأبرزه هو بصورة كبيرة – كاعتداء على الملك رمز البلاد , لعله يجد عطفا أو متنفسا من ناحية السراى , بعد أن أطبقت عليه سلطات التحقيق ولم يستطع أن يثبت نفسه فى مكان آخر وقت ارتكاب الحادث .
ويضيف أن مسالة القرض الوطنى الذى اعتبره أمين عثمان خدمة للبلاد " كلام فارغ " وكان لازم ما ندفعش والمسألة بس علشان يوفر فلوس للانجليز " (34) عاصم محروس ص 491 , 492 . .
كما يوضح وسيم خالد أسبابا أخرى لارتكابهم الحادث : أن وصل اليهم فبيل ارتكابهم للحادث أن بدأت هناك مفاوضات سرية اضطلع فيها أمين عثمان بدور الوسيط بين الانجليز والسراى لتشكيل حكومة مؤقتة برئاسته " وهو المرضى عنه من السراى والوفد والانجليز للتغلب على الأشكال القائم , نتيجة لرفض السراى أن يتولى النحاس الوزراة , فى حين لن يرضى الانجليز بمعاهدة جديدة الا اذا بصم وختم عليها الوفد . (35) وسيم خالد ص 135 .
فبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدأ الملك يذكر الانجليز بأن يردوا لمصر ما قدمته لبريطانيا أثناء الحرب , وطلبت انجلترا من سفيرها فى مصر النصح بالتذكير على مزيد من التعاون , الأمر الذى وافق عليه الملك فى شكل تعديل للمعاهدة .
وبدأت مرحلة من غزل سياسى بين انجلترا والملك , حيث رات فيه المؤسسة الوحيدة التى لا زالت تمتلك المكانة والسلطة والاستمرارية , فبدأت تظهر له رغبتها فى التعاون معه على أت يغير النقراشي – رئيس الحكومة آنذاك – من سياسته تجاههم , فانصاع الملك لمطلبهم , وأفهم النقراشي بضرورة حسن التعامل مع السفارة البريطانية .
وبدأت مسألة تعديل المعاهدة تشغل الطرفين , فاشار السفير البريطانى على الملك باعادة النحاس للحكم على أسا أنه هو الذى وقع المعاهدة الأولى , ولكن لك يكن الطلب بشكل ملزم , خصوصا وانهم لمسوا فى الملك الرونة والتقبل وبدأ الملك يسرد للسفير أخطاء الوفد ومستوئه , فضلا عن رغبة النحاس فى الاطاحة به واعلان نفسه رئيسا للجمهورية , وضمن الانجليز فى نفس الوقت تأمين المصالح البريطانية والاحتفاظ بالعلاقات الودية بينهما .
وبذلك قرر السفير لحكومته أن العلاقة بينهم وبين الملك أصبحت ممتازة , وبذلك استطاع فاروق أن يفوت الفرصة على الوفد , والا يتكرر حادث 4 فبراير(36) لطيفة سالم : فاروق وسقوط الملكية القاهرة 1989 ص –ص 398 – 393 . .
أما السبب الثانى الذى ساقه وسيم خالد أن أمين عثمان كان عائدا لتوه وقتها من انجلترا بعد أن سلم تبرعا بمبلغ 100 ألف جنيه كان قد جمعها من تبرعات المصريين لبناء قرية انجليزية تخليدا لذكرى معركةالعلمين , وكان ابان وجوده فى لندن فى هذه الرحلة فى ضيافة اللورد كليرن بطل حادث 4 فبراير , وقدم المبلغ فى حفل عام مجد فيه بريطانيا وأعمالها أثناء الحرب , كما كان فى ضيافته بمنزله قبل وقوع حادث اغتياله بساعات .
(37) أنور السادات – مقدمة كتاب الكفاح السرى ص 4 المصرى يوم 10 يناير 1946 البحث عن الذات ص 72 .
وهكذا تجمعت الأسباب حول أمين عثمان وحكمت الجماعة بقتله , ولو أنه لم يكن حول أمين عثمان وحكمت الجماعة بقتله , ولو أنه لم يكن هدفا عنيا للجماعة أو مقصودا بذاته ولكن لكى يصيدوا به النحاس وهو هدفهم الأكبر .

الفصل الرابع : أمين عثمان وعلاقته بالانجليز

حول شخصية أمين عثمان

ولد أمين عثمان فى 28 نوفمبر عام 1898 بحة محرم بحى محرم بك فى الأسكندرية , وكان والده يعمل سكرتيرا عاما لبلدية الأسكندرية 01) ملف خدمة أمين عثمان دار المحفوظات بالقلعة ورقة 1, 2 . . تلقى تعليمه فى كلية فيكتوريا بالأسكندرية حيث كان متقدما فى دراسته بها فكان بارزا على أقرانه (2) وحصل على شهادة البكالوريا عام 1918 ثم حصل على شهادة الآداب مع درجة الشرف فى التشريع , وسافر بعدها الى انجلترا فى عام 1920 ليدرس القانون بجامعة اكسفورد .

وفى انجلترا تعرف على الليدى كاترين جريجورى البريطانية وتزوجها(3) عبد العزيز علي الثائر الصامت القاهرة 1980 , ص 193 . . وبعد أن أتم دراسته عاد الى مصر , وعين فى 13 يناير 1924 كاتبا مؤقتا بسكرتيرية اللجنة المالية فى وزارة الأشغال العمومية , ثم نقل الى قسم القضايا بنفس الوزارة , وتسلم عمله فيها بتاريخ 2 فبراير 1924 .

وفى نفس السنة تقدم للحصول على اجازة لمدة ثلاثة أشهر ليسافر خلالها الى باريس ليؤدى امتحانا للحصول على درجة الدكتوراه فى القانون , وقد تم له ذلك , وعاد فى العاشر من مايو عام 1924 ليعين محاميا فى قلم قضايا الحكومة , وظل يشغل هذه الوظيفة الى أن عين مفتشا للمالية فى 22 من يناير عام 1927 (4) ملف خدمته ورقة 13 . .

وفى 11 يناير 1930 اختاره مكرم عبيد – وزير المالية فى ذلك الوقت – مديرا لمكتبه ووافق مجلس الوزراء على ذلك وعلى منحه الدرجة الرابعة بجلسته التى عقدت بتاريخ 25 يناير 1930 برئاسة مصطفى النحاس , وقد صحب مكرم عبيد ضمن وفد مفاوضات النحاس الى لندن فى نفس العام كسكرتير له .

ندب أمين عثمان بعد ذلك ليعمل مفتشا للمالية فى الأسكندرية , وعضوا فى لجنة تحقيق وبحث نظام العمل بالبلدية بصفة مؤقتة اعتبارا من 25 يوليه عام 1934 الا أنه فى 24 يوليه 1935 فصل من وزارة المالية ليعين مراقبا عاما لايرادات ومصروفات بلدية الأسكندرية .

وفى 27 فبراير عام 1936 عين سكرتيرا لمجلس الشيوخ المصرى , وبعد أقل من شهر أى فلا 25 مارس من نفس السنة عينه النحاس سكرتيرا عاما لهيئة المفاوضات المصرية(5) ملف خدمته مرفق 28, 32 , 40 . نظرا لسعة اطلاعه وذكائه – كما وصفته الوثائق البريطانية .

وفى 27 مايو من نفس السنة عين مديرا عاما لمصلحة الأموال المقررة فوكيلا لوزارة المالية , وتذكر الوثائق البريطانية أنه قام فى هذه الفترة بدور ضابط الاتصال أو الوسيط بين النحاس والسفارة البريطانية حيث كان مستشارا للنحاس (6) foopcit فيما يتعلق بالمفاوضات .

ونظرا لجهوده فى الوساطة منحه مجلس الوصاية المصرى فى 15 فبراير عام 1937 رتبة الباشوية بمناسبة ابرام معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا المعروفة بمعاهدة 1936 ثم صدق مجلس الوصاية على منحه نيشان الصليب الأحمر الألمانى من الدرجة الأولى فى أبريل 1937 (7) ملف خدمته 40 .

وتصف الوثائق البريطانية أنه استمر خلال عام 1937 " يقوم بدور القناة التى تربط بين السفارة البريطانية والنحاس , فكانت أعماله المتعلقة بحل المشاكل التى نشأت عند تنفيذ المعاهدة ذات هيئة كبيرة , باعتباره كان " مواليا جدا للبريطانيين very pro british (8) f o o p cit

ولما تولى على ماهر رئاسة الوزارة عام 1939 صدر مرسوم ملكى باحالة أمين عثمان – وكان وكيلا لوزارة المالية آنذاك – الى المعاش بتاريخ 20 أغسطس 1939 (9) ملف خدمته مرفق 150 , وذلك ضمن مجموعة من وكلاء الوزارات , وكانت احالته الى المعاش احدى النقاط الهامة التى أثارتها المصادر البريطانية وحدث حولها الاحتكاك بين علي ماهر وبين السلطات البريطانية فى مصر سيما وهو الشخصية المصرية الموالية لبريطانيا (10) عبد العظيم رمضان (دكتور ) : تطور الحركة الوطنية فى مصر من 19371948 , ج 2 , ص 59 .

ولقد أوضح علي ماهر أسباب ذلك فى شهادته فى حادث اغتيال أمين عثمان عندما سئل عن ظروف وملابسات هذه الاحالة , أنه أحيل الى المعاش فى أول أو ثانى جلسة لمجلس الوزراء برئاسة علي ماهر للأسباب :

أولا : عدم رضاه عنه فى موقفه من مفاوضات معاهدة 1936 .

ثانيا : أنه عندما كان ( اى أمين عثمان ) وكيلا لوزارة المالية كان الوزراء يرتابون فى صلته بالانجليز , فكانوا يخشون بأسه نتيجة هذه الصلات .

ثالثا : وهى مسألة ادارية تتعلق بالعمل وجهده فيه , فيشهد علي ماهر بأنه لما كان وكيل الوزارة هو المحرك الأصلى للعمل , لأن الوزير ما هو الا موجه لسياسة الوزراة , فان أمين عثمان لم يكن كفؤا لهذا العمل , لأنه كثيرا ما كان يترك أعمالا دون انجاز وأمورا دون تصريف , نظرا لانشغال معظم وقته خارج الوزارة , خاصة عند الانجليز كالقيام بدور الوسيط لدى السفير البريطانى بل كان ضابط اتصال بين الوزارة والسفارة . (11) لطفى عثمان : المحاكمة الكبرى فى قضية الاغتيالات , القاهرة 1948 , ص 132 , أحمد قاسم جودة : مقال فى الكتلة بتاريخ 19 أغسطس 1945 تناول فيه اهمال أمين عثمان ( هذا هو الميدان ) .

فكل هذه الأمور تجمعت لدى علي ماهر مكونة أسباب ابعاده عن التعاون معه .

وبعد احالته الى المعاش عين عضوا فى مجلس ادارة البنك الأهلي وتنقل بعد ذلك بين عدة مجالس ادارات شركات تجارية أخرى (12) ملف خدمته .

وفى عام 1942 لعب أمين عثمان دورا كبيرا أبرزه على الساحة السياسية من جديد – وكان أبرز أسباب اغتياله – وسنتناوله فيما بعد .

ففى 4 فبراير 1942 تولت وزارة النحاس ناصية الحكم فى البلاد , بعد أن قام أمين عثمان بدور ابين السفير البريطانى والنحاس والملك فاروق (13) يونان لبيب (دكتور) تاريخ الوزارات المصرية , القاهرة 1975 , ص 442 .

وطلب من الملك بعد ذلك أن يصدر مرسوما ملكيا فى 15 من نفس الشهر بتعيين أمين عثمان رئيسا لديوان المحاسبة (14) ملف خدمته .

ثم صدر مرسوم ملكى آخر بتاريخ 2 يونيه 1943 بتعيينه وزيرا للمالية , ويعترف اللورد كيلرن السفير البريطانى فى القاهرة آنذاك بأن هذا كان بناء على طلبه لتوفير الكفاءة اللازمة وارضاء الجاليات الأجنبية فى البلاد , التى أزعجتها البيانات المثيرة التى أدلت بها الوزارة , وكان امر تغيير كامل صدقى وزير المالية الأسبق بأمين عثمان تحت دعوى " نقص كفاءة الأول " حسب تعبير السفير البريطانى (15) يونان لبيب , تاريخ الوزارات 453 .

وظل أمين عثمان وزيرا للمالية حتى أقيلت الوزارة فى أكتوبر 1944 وانصرف بعد ذلك الى أعماله المالية .

اسس فى عام 1945 ( رابطة النهضة ) التى كانت تضم خريجى كلية فيكتوريا التى تخرج منها , واتخذ مقرا لها 24 شارع عدلى بالقاهرة – مكان اغتياله .

وكان من أهم أغراض هذه الرابطة توثيق العلاقة بين البريطانيين والمصريين (16) الأهرام : قضية الاغتيالات , 2 ديسمبر 1947 .

ولعله كان لتربيته وتعليمه دور فى تشكيل شخصيته , فقد نشأ – كما رأينا – منذ صغره فى أحضان التعليم الانجليزى فى مصر , ثم أكمل تعليمه فى جامعات انجلترا , وتزوج من انجليزية , جعله يحظى فى جميع مراحل حياته بحب الانجليز .

ولقد أثارت نشأته الانجليزية هذه حوله النقد الكثير , ووضعته فى مواقف حرجة انتهت به الى اغتياله , هل كان يعمل لصالح الانجليز كلية , أم كان مصريا مرنا استغل مرونته أواستغل المسئولون مرونته لصالح مصر فأساء نقاده فهمه ؟ لدرجة أن وصفه بعضهم – ممن تولوا أمر الدفاع عن المتهمين فى قضية اغتياله بأنه " كان صاحب مدرسة اصطبغت فيها المعرفة بصبغة بريطانية بحتة " , وأنه فى مجمل أعماله وتصرفاته كان يسعى الى جعل مصر جزءا من بريطانيا , وأنه أصبح لا يجيد العربية بقدر ما كان يتقن اللغة الانجليزية التى كان حريصا أن يمزج عبارات حديثه بها (17) مذكرة علي الخشخاني فى الدفاع عن حسين توفيق فى قضية الجناية 1129 سنة 1946 (ج)عابدين , ص 73 .

ولعل هذا نقد موجه من خصم يتولى الدفاع عمن اقترفوا الجريمة , فهو وان كانت ثقافته انجليزية , فهذا مرجعه الى مساحة التعليم الانجليزى الذى حققها .

ولنعرض لبعض الأحداث والمواقف التى شارك فيها أمين عثمان والتى كانت محل حوار مع خصومه لتظهر شخصيته ان سلبا وايجابا .

فانتقدته صحيفة الكتلة فى عام 1945 – أى قبل حادث اغتياله – وهنا نراعى أمرين أولهما أن مكرم عبيد صاحب الكتلة كان قد خرج على الوفد ودخل معه فى خصومة , وكشف أسراره وسلبياته فى الكتاب الأسود , ومنها سلبيات أمين عثمان , رغم أن أمين عثمان عمل معه ردحا من الزمن بناء على موافقته – أى موافقة مكرم كما عرضنا عندما كان وزيرا للمالية .

ثانيهما أن أمين عثمان شغل منصب وزير المالية فى عام 1943 وكان هذا المنصب يعز على مكرم عبيد لأنه شغله فترات طويلة , فلعل عامل الغيرة والانتقام كان ضمن أسباب الحملة عليه .

فنشرت هذه الصحيفة عن أمين عثمان أنه أسس " الشركة المصرية للتجارة " واشترك هو بنصيب الأسد فيها , بعد أن أخفى ذلك فى أول الأمر حتى يتسنى له استصدار قرار انشائها من مجلس الوزراء , ولم يكن اشتراك المصريين فيها بنصيب كبير (18) الكتلة 2 يناير 1945 .

وتظهر الكتلة فى هذا المقال أنه استغل نفوذه الشخصى كوزير للمالية فى منح رخص أمور التصدير والاستيراد , وصرح لهذه الشركة برخص لهذا النوع من الاتجار (19) نفس المرجع : أمين عثمان وشريكه كاسترو وقد أوردت تفصيلات هذه التراخيص .

وأنه سافر بعدها الى فلسطين لتنظيم عملية الاستيراد والتصدير هناك , كان فى صحبته شريكه المستر " شارل كلسترو " الانجليزى , بعد أن أصدر له قرارا بتعيينه عضوا فى اللجنة الوزارية الخاصة بالتصدير والاستيراد , وأوصى له باعفائه ومن معه من التفتيش الجمركى (20) نفس المرجع : 18 يوليه 1945 وساعده على احتكار تجارة ( الكاوتش ) المستولى عليه من الجمارك , والتى أصدرت قرارا بمصادرته لمخالفته التعليمات أو عدم سداده له , ولما تخصص كاسترو بعد ذلك فى تجارة هذه السلعة الجبرية المخفضة , مما شجع على ظهور السوق السوداء بالنسبة لها .

ولم يكتف أمين عثمان بهذا , بل تحايل على منح كاسترو الجنسية المصرية عندما علت أصوات الاحتجاج عليه , ورغم اعتراض وزارة الخارجية المصرية وادارة الجوازات على ذلك (21) نفس المرجع : 27 يناير 1945 .

كما تناولت الكتلة كذلك مواقف المحسوبية بالنسبة له واستغلال النفوذ , واحصت مكافآت الانجليز له مما أظهره تدرجه الوظيفى السريع وتعيينه فى وظائف تستطيع منها انجلترا أن تستغله .

وحدث عندما كان رئيسا لديوان المحاسبة أن استغل نفوذه – كما قالت الكتلة – فى تعيين أتباعه , رغم اختلاف مؤهلاتهم عما هو مطلوب , ومنحهم درجات وعلاوات مالية استثنائية سريعة , حتى أنه منح أحدهم ست علاوات , فضلا عن لجوئه الى أسلوب نقل أتباعه أيضا من الوزارات الأخرى الى ديوانه فأحدث خللا بالهيكل الوظيفى والادارى فيه , وترتب على ذلك نقل درجات لهم من وزارات أخرى ليشغلوها فى الديوان , فكان ذلك سببا فى احالة الكثيرين من الموظفين الى المعاش قبل بلوغ السن القانونية توفيرا لدرجاتهم لمن يعينهم هو , ولما جأروا بشكواهم لجأ الى صرف الفرق بين مرتباتهم ومعاشاتهم نقدا , مما كان عبئا على ميزانية الدولة المثقلة فى ذلك الحين , ولقد اسمى مكرم هذا الديوان بديوان " المحسوبية " بدلا من المحاسبة .(22) نفس المرجع : 27 يناير 1945 .

وأنه عندما كان وكيلا لوزارة المالية فصل من منصبه بحجة أنه لا يصلح للعمل فيها – وهو ما سبقت الاشارة اليه – وقد اتخذ وزير المالية اجراء هو استقطاع نسبة الربع من معاشه نظير الأموال التى تسبب فى ضياعها وتعجب الكتلة أن تراه لا يلجأ الى الشكوى أو اظهرا الامتعاض .

وأنه أشاع ايامها أنه أكيبر من ذلك (23) الكتلة 19-7- 1945 مقال لقاسم جودة بعنوان ( هذا هو الميزان أيها الشجعان بمناسبة حديث للسير أمين عثمان .

كما أنه أصدر خطابات توصية خاصة بعملية تعلية خزان أسوان , كان يحملها أحمد عبود , كانت ذات أثر فى الاتفاقات التى عقدها عبود مع الشركات التى تجرى الأمور فى صالحها , دون اجراء مناقصة كما هو متبع (24) نفس المرجع 2-8-1945 . ولم توضح الكتلة تفاصيل هذا الادعاء .

وأنه عندما كان وزيرا للمالية قدم مذكرة فى 4 سبتمبر عام 1943 الى مجلس الوزراء لتحويل الدين العام من دين أجنبى دولى الى دين داخلى وطنى , وقال فى مذكرته " ان أول ما عنيت به منذ تقلدت وزارة المالية أن أبحث مع الاخصائيين عن خير طريقة لتحويل دين مصر من دين دولى أجنبى الى دين داخلى بحت , وبذلك نعدم الدين القديم ونعدم معه ذكرياته السيئة التى جرت على البلاد فى الماضى ويلات الاحتلال وساعدت على تدخل الدول الأجنبية فى أخص شئون مصر الداخلية " . (25) نبيل عبد الحميد (دكتور) : النشاط الاقتصادى للأجانب وأثره فى المجتمع المصرى القاهرة 1982 , ص 110 .

وبعرض الموضوع على مجلس النواب صدربشأنه مشروع بقانون رقم 95 لسنة 1943 بالاذن لوزير المالية فى تحويل الدين العام واصدار قروض محدودة الأجل قصيرة أو متوسطة أوطويلة بموافقة مجلس الوزراة .

وكان العلاج الذى اقترحه أمين عثمان فى مذكرته هو اصدار قروض محدودة الأجل ( قصيرة ومتوسطة وطويلة ) داخل مصر , وكان الخلاف أن هذا النظام يتيح الفرصة للمصريين والأجلانب فى الاكتتاب , وقد رحب أمين عثمان بكل مكتتب مصريا كان أم أجنبيا معتبرا أن كل أجنبى يعيش فى مصر مصريا , فكان هذا مدخلا للأجانب ليشتروا أكبر عدد من هذه السندات لأنه لم يكن بوسع عدد كبير من المصريين أن يسهموا فى هذا .

وأبدت المعرضة فى البرلمان أن هذا سيوقع البلاد فى مشكلة دولية بسبب مديونيه المكتتبين الأجانب لمصر , ورد أمين عثمان أن تحويل هذا الدين من قرض دولى الى قرض مصرى بالعملة المصرية ويدفع فى مصر يكون لمصلحة مصر, وهو على أى حال لا يقتصر على مصلحة مصر وانما لمصلحة انجلترا كذلك .

ووافق مجلس النواب بالأغلبية عليه بجلستى 15 , 16 سبتمبر 1943 (26) المرجع نفسه , ص 112 . وصرح بعد ذلك زكى ميخائيل وكيل مجلس الشيوخ فى يوليه 1945 بأن الديون حكومية وأهلية قد صارت بعد تحسن الحالة الاقتصادية والاجتماعية أخف مما كانت عليه بل قد صارت مصر دائنة لبريطانيا بأرصدة مقدارها 350 مليون جنيه (27) الكتلة 19 يوليه 1945 " مجلس الشيوخ يستأنف مناقشة السياسة المالية "

كما لا ينسى لأمين عثمان أنه أثناء فترة وجوده فى وزارة المالية أصدر قانون انصاف الموظفين , الذى كان له عائد مادى لقطاع كبير من العاملين فى الدولة .

تلك صفحات من أعمال أمين عثمان بسلبياتها وايجابياتها ولسنا فى مجال اتهامه أو الدفاع عنه , ولسنا نصدر أحكاما اخلاقية على أعماله وانما يمكن القول بأنه فى حدود هذا انما قد شارك فى أخطاء مالية مسلبيات ادارية كثيرا ما حدثت فى عصره فهوفى هذا كغيره من أصحاب المناصب العامة الذين كانت لهم مثل هذه السلبيات وله فى الكفة الأخرى ايجابياته كمسالة تحويل الدين المصرى والذى استخدم فى حل بعض الأزمات واقامة بعض المشروعات . (28) يرجع اليها فى كتاب نبيل عبد الحميد المرجع السابق ص 113 . وقانون انصاف الموظفين .

علاقة أمين عثمان بالانجليز

عندما اغتيل أمين عثمان فى الخامس من يناير 1946 ثارت التساؤلات حول أسباب اغتياله , ووضح من مجموع أقوال المتهمين والشهود والدفاع أن أهم هذه الأسباب هى علاقته بالانجليز بشكل عام – ثم دوره فى حاث4 فبراير عام 1942 على وجه الخصوص . لذلك سنلقى مزيدا من الضوء على هاتين النقطتين سيأتى :

ققففى مجال علاقته بالانجليز شهد مصطفى النحاس – وهو أبرز من عرفه واختاره صديقا وهمزة وصل بينه وبي الانجليز فى مواقف عدة – بانه كان على علاقة طيبة بالانجليز حيث كان من كبار " المجتمع الفيكتورى " وأنه قام بدور الوسيط بينه وبين السفارة البريطانية عندما اتخذه مستشارا له (1) المصرى 3 ديسمبر 1947 .

وفى هذا لقبه اللورد ويلسون " بالمفاوض لحساب السفارة البريطانية وقت الأزمات السياسية " ابان مفاوضات عام 1936 (2) محمد فريد عبد المجيد : حزب الوفد من 1936-1952 , رسالة ماجستير غير منشورة 1970 ص 2 , أنور السادات البحث عن الذات , القاهرة 1978 , ص 72 .

وقد كان أمين عثمان – نظرا لنشأته وتربيته الانجليزية كما اسلفنا – معجبا أكثر من غيره بالانجليز , مما ظهر من تعبيراته فى مجال تقييم العلاقة بين مصر وانجلترا , فهو صاحب التعبيرالخاص بزواج انجلترا من مصر زواجا كاثوليكيا وزواجا أبديا , مما جعله محل شك كان يصل أحيانا كثيرة الى حد اليقين فى موالاته للانجليز , وتغليب مصلحة انجلترا على مصلحة بلاده .

وفى هذا يشهد النحاس بانه " متخرج من كلية فيكتوريا , وهذه الكلية تعمل على بقاء الصلات الطيبة بين خريجيها ومنهم الانجليز , ومن مبادىء هذه الكلية فى التربية أن يغلب الشخص الدوافع الوطنية على الصداقة , وأنا أجل هذا , وقد حضرت بعض حفلاتهم ولمست هذه الروح فيها , وأعهد فى أمين باشا أنه يقدم الصالح الوطنى على الانجليز "

ويستطرد النحاس فى شهادته تعقيبا على خطاب أمين عثمان الذى ذكر فيه الزواج بأنه " كان يقصد التأثير على الانجليز بطريقته الجذابة , فقال أن الزوجة تستدرج الزوج حتى تنال منه مطالبها , وأن الروح الجامعية التى كان يتشبع بها أمين عثمان باشا وهو أحد خريجى كلية فيكتوريا كانت دائما تدعو الى تفضيل الصالح المصرى الوطنى على مودة الانجليز , وأنه معجب بهذا التشبيه . (1) المصرى 3-12-1947 المحاكمة الكبرى , شهادة مصطفى النحاس , ص 49 ولقد وردت أقوال أمين عثمان هذه فى الخطبة التى ألقاها فى حفل خريجى كلية فيكتوريا فلى 7 فبراير 1940 وحضره مصطفى النحاس ومحمد محمود وأحمد ماهر وغيرهم كما حضره السفير البريطانى فى القاهرة .

وكان أمين عثمان أول المتكلمين حيث تناول لعلاقة بين مصر وبيرطانيا فى شكل ثلاثة أنواع من الزيجات : زواج الغزو وزواج العقل وزواج الحب .

فقد أرادت انجلترا أولا أن تتزوج عن طريق الغزو " فلم تسعد الزوجة وكانت ثورة وطلاق " والثانى عن طريق العقل بمعاهدة 1936 " ولكن زواج العقل لم يعجبنا نحن خريجى كلية فيكتوريا , فنحن نؤمن بزواج الحب , ولعل بعضنا يغضب لأنى شبهت مصر بامرأة وانجلترا برجل , ولكنى أفضل هذا التشبيه , فالمرأة دائما تأخذ من الرجل خيرما عنده نحن وسطاء الغرام أن نقول للرجل قل لها أنك تحبها , ونحن نقول للانجليز نحن حلفاؤكم لا لأننا وقعنا المعاهدة , ولكن لأننا نعتقد أنكم تحاربون لنفس الغرض الذى نسعى اليه وهو تحقيق العدالة , بل اننى سأذهب الى أبعد من ذلك وأقول كنا سنؤيد الانجليز لو لم يحاربوا من أجل الحق لأن زواجنا بهم زواج كاثوليكى أى لا طلاق فيه يتهمنا بعض الناس أننا أصار الانجليز وأقول أننا نحن طلبة فيكتوريا القدماء نحب مصر أولا ونحب انجلترا ثانيا , ولكن اذا اختفت المصلحتان فمصلحة مصر أولا وأخيرا ولكن من حسن الحظ أن مصلحتنا واحدة , واننا نذكر أعمالكم فى مصر بالخير , وصحيح انكم ارتكبتم أخطاء , ولكن جل من لا يخطىء . الأهرام 8 فبراير 1940 ( فى حفلة خريجى كلية فيكتوريا )

ولقد بدأ ظهور أمين عثمان على المسرح السياسى ابان مفاوضات معاهدة 1936 حيث عمل " كضابط اتصال " بين السفير البريطانى من جهة وبين النحاس من جهة أخرى للتسهيل – حسب تعبير النحاس – لعقد هذه المعاهدة ولعله كان قد اختاره لهذا العمل فعلا , ومن ثم عينه " سكرتيرا عاما للجنة المفاوضات " .

ومن هنا توطدت علاقته بالنحاس , خاصة وأن الأخير كان يريد أن ينجح المفاوضات للوصول الى معاهدة تضمن استقلال البلاد , فانه كان يختار الأشخاص الذين يستطيعون معاونته فى هذا الصدد , ومن بينهم أمين عثمان , لأنه – كما شهد – كان على صلة بالسفارة البريطانية . (3) ذلك لأن أمين عثمان كان متخرجا من كلية فيكتوريا التى كانت تجذب المصريين بايجاد الصلات بينهم وبين الانجليز , كما كان متزوجا من سيدة قيل أنها " ظريفة الحديث " وأن السيد مايلز لامبسون كان يجد فى نكتتها القومية متعة . محمد حسين هيكل : مذكرات فى السياسة المصرية , ج 1 القاهرة 1951 , ص 412 . والمحاكمة الكبرى شهادة مصطفى النحاس ص 49 .

فقد كان أمين عثمان فعلا على صلة بالسير " مايلزلامبسون " السفير البريطانى فى القاهرة لدرجة أنه أصبح " موضع رعايته " مما سهل عليه أن يكون أشبه بضابط اتصال فى المفاوضات , ويقول هيكل فى مذكراته : " وقد أدت هذه الرعاية الى اجتماع الوفديين المتفاوضين ابتغاء التغلب على الصعوبات القائمة (4) محمد حسين هيكل : مذكرات فى السياسة المصرية ج 1 المرجع السابق 412 .

ولو أن علي ماهر فى شهادته – فى قضية مقتل أمين عثمان – نسب الى نفسه جهد ازالة هذه العقبات : وهى مكان اجارء المفاوضات فكانوا يريدون – الانجليز – أن تجرى فى دار السفارة وهذا يضفى شيئا من الضغط على المفاوض المصرى , كما لم يكونوا موافقين على اشتراك أحمد ماهر والنقراشي فى وفد المفاوضات , وقدموا انذارا بذلك مفاده أنه فى حالة اخفاق المفاوضات فانهم يستردون كامل حريتهم .

الا أن علي ماهر يقول أنه هو الذى توصل الى أت تعقد المفاوضات فى قصر الزعفران وأن يقبل كل من أحمد ماهر والنقراشي ضمن وفد المفاوضات , وانه نجح وسحب الانذار . (5) المرجع نفسه , ص 394 شهادة علي ماهر فى القضية الكبرى , ص 132 .

الا انه يظهر من شهادة علي ماهر عندما نسب الى أمين عثمان فى هذه الواقعة أنه " أتى مسألة لم تكن مشرفة " وهو انحيازه للانجليز عندما أفهمهم أن المفاوض المصرى – النحاس – يحاول التقليل من مطالب الانجليز , وأسدى لهم النصيحة هى فى الواقع ضد المصلحة المصرية , بأن يطلبوا 200 بالمائة مما يريدونه حتى اذا ساوم النحاس وخفض وصلوا الى 100 بالمائة من مطالبهم (6) ملف القضية شهادة حسين سري , ص 441 , 442 وشهادة علي ماهر فى المحاكمة الكبرى ص 133 .

فمن خلال هذه الشهادة يظهر أنه كان هناك جهد لأمين عثمان أخفاه علي ماهر لكراهيته له خصوصا وانه جرت بالفعل اتصالات بشأن حل هذه العقبات فى شكل عدة مكاتبات بين رئيس الوزراء المصرى – النحاس – والسفير البريطانى فى القاهرة وكان يحملها أمين عثمان الذى أسموه " رسول السلام " (7) ملف القضية شهادة علي ماهر , ص 436 .

ذلك كان جهد أمين عثمان فى عقد معاهدة 1936 بين رؤيتين أحداهما للوفد فى النحاس وبين علي ماهر الذى يمثل الرافضين لموقف أمين عثمان , ويصفونه بالانحياز للانجليز وتغليب مصلحتهم على مصلحة مصر .

وهنا يضيف حسين سري موقفا آخر يدلل به على هذا الانحياز عندما كلف مجلس الوزراء محمد محمود باشا بالمفاوضة مع الانجليز حول تعديل معاهدة 1936 فيما يختص بالثكنات , وكلف حسين سري بصفته الفنية ( وكان وزيرا للأشغال ) وعبد الحميد بدوى ( رئيس أقلام القضايا ) لوضع الصيغة القانونية لها فى المفاوضة الخاصة بهذه الثكنات ولم يكن سرى يعلم لدى سفره أن لأمين عثمان صلة بالموضوع .

وفى لند ن بعد أن قابل الوفد المستر تشمبرلن رئيس الحكومة البريطانية واتفقا معا على أسس تعديل المعاهدة , كانت دهشتهم كبير عندما وجدوا أمين عثمان فى وزارة الخارجية البريطانية , وأن علاقته طيبة برجال الخارجية البريطانية , وأنه يمكنه المساعدة لتسهيل مأمورية عد الحميد بدوى اذا كان هناك خلاف على النصوص ولكنه يضيف كانت دهشتى عندما علمت أن أمين عثمان هو المدافع عن الوجهة البريطانية من جهة النصوص , وكانت هذه أول علاقة بينى وبين أمين , ولم أهضمها كمصرى (8) شهادة حسين سري المحاكمة الكبرى , ص 165 .

من أجل هذا الحادث وما تركه من أحساس داخلى فيه يواصل شهادته " أنه فى عا 1939 كلفنى علي ماهر بتولى وزارة المالية وقال لة أن وكيل الوزارة هو أمين عثمان باشا , ووجوده غير مستحب , قلت له أن هذا الرجل لم أعمل معه الا فى تعديل المعاهدة فى الصيف الماضى , ولا أرى سؤال حول وقع اقالته على السفير البريطانى . ربما كان هذا بدء سوء العلاقة بينى وبين السفير " (9) شهادة حسين سري , ص 133 المرجع نفسه .

ولعل العلاقة بين أمين عثمان والسفير هى التى دفعته الى أن يتردد على علي ماهر عدة مرات بالقصر الأخضر , مستعينا أحيانا بمن لهم تأثير عليه من أصدقائه وأقاربه وحضر اليه مرة أخيرة فى بيته بالزمالك يقول فيها علي ماهر أخبرنى بأن سرى باشا عرض عليه وزارة المالية فى نهاية عهد وزارة حسين سري , فكان جوابى وهل استشرت السفير ؟ أم لا , فقال لستشرته وهو الآن فى الأقصر فقال لى لا تقبل الان لأن وزارة سرى على وشك الانهيار " (10) المرجع نفسه شهادة علي ماهر , ص 141 .

وهذا ان دل فانما يدل على العلاقة الوثيقة التى كانت تربطه بالسفارة البريطانية والتى كان يضعها بشكل أو بآخر فى خدمة أى من الطرفين بالقدر الذى لا يرى فيه تكدير للصفاء بينه وبين الانجليز ولا فقدان للصلة بالجانب الآخر هذا الجانب الأخير الذى قدر فيه هذا وأثابه على جهده فى مفاوضات 1936 بأن أنعم عليه مجلس الوصاية المصرى برتبة الباشوية فى 15 فبراير 1937 (11) نصها " قد تفضل مجلس الوصاية الموقر بالانعام فى 15 فبراير 1937 على حضرة السعادة أمين عثمان بك عثمان برتبة الباشوية , وذلك لمناسبة ابرام معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا العظمى " ملحق الوقائع المصرية العدد 21 فى 11 مار س 1937 . ومودع فى ملف بدار المحفوظات .

تلك كانت صلته بمن كرهوه بينما نرى النحاس يتخذ منه موقفا آخر يؤكد قبوله استمرار أمين عثمان ضابط اتصال بينه وبين الانجليز .

فنجد لامبسون يكتب لخارجية بلاده فى لندن فى 16 يونيه 1937 عندما سافر النحاس الى مونترييه ليوقع اتفاق الغاء الامتيازات الأجنبية , أن أبلغه أمين عثمان وهو بالطبع يأتى بمعلوماته من السفارة البريطانية " أنه فى الوقت الذى لا يصمم فيه النحاس على اخراج النقراشي من الوزارة , فانه قد يضطر الى ذلك , ما لم يغير النقراشي باشا موقفه المعطل والمعادى للبريطانيين , ويبدو أن النقراشي كان مصمما على ابعاد كل الموظفين الانجليز من ادارته وغيرها .

وهنا كان النقراشي يبدى عداءه للانجليز بشكل سافر وعنيف , أما النحاس فقد جعل التعاون الانجليزى المصرى بمثابة حجر الزاوية فى كل سياسته ويعلق السفير على هذا بقوله " وهكذا كان النحاس مهتما للغاية بالتعاون بكافة الطرق مع الحكومة صاحب الجلالة , وما لم يكن النقراشي مستعدا لأن ينتظم فى الخط فسيكون عليه أن يمضى "

وعندما عرض عليه أمين عثمان موافقة النحاس على ذلك قال لامبسون لأمين " ليس لى شىء أعترض عليه " (12) محسن محمد : سنة من عمر مصر , القاهرة 138 , ص 13 .

ولعل فى هذا معنى أن أمين عثمان كان يظهر عندما يلم بالانجليز شىء , وأنه كان فى صفهم –حسب رأى المتشددين ضده- يبلغ ما يدور حولهم فى وزارة المواصلات أو غيرها للسفير , أو أنه كان لا يريد أن تقف هذه الأمور عقبة فى سبيل حسن العلاقات بين دولة قوية لها يدها العليا ازاء دولة محتلة , فهل نسمى ذلك مرونة أم انحياز ؟

وفى اطار هذا " النوع من المرونة " مثل آخر , ذلك ما كتبه السفير البريطانى الى حكومته يوم 6 مارس 1945 برقية رقم 51 وفيها يحاول أمين عثمان التخفيف من أثر بيان الوفد ضد دخول مصر الحرب , هذا التخفيف الذى يتودد فيه أمين للانجليز .

يقول السفير " تحادثت طويلا مع أمين عثمان مساء اليوم بعد اجتماع لنادى العلمين الذى عقد بالسفارة , وأبلغنى أمين عثمان كلمة من النحاس الذى أخذته على غرة رسالتى المذاعة التى رفضت فيها البيان الذى أذاعه الوفد أخيرا .

وكان رد النحاس بأنه على حق فيما قاله بعد أن رأى الحكومة المصرية تتقاعس عن النشر والاعلام فيما يتعلق بالدوافع الكامنة وراء اعلان الحرب .

وقال النحاس بأنه لم يكن على علم بأسباب هذا البيان المشروع , وفضلا عن ذلك لم يكن من اللياقة فى سياق استشارة جميع الزعماء السياسيين الآخرين – استبعاد النحاس تماما وبشكل سافر من تلك المشاورات " ولم أجد صعوبة فى اثبات أنه برغم ما أبدته الحكومة من تقاعس باستبعاد النحاس من تلك المشاورات , فان البيان كان خطأ سياسيا كبيرا لأنه نشر أفكارا متطرفة كاذبة وضارة ببريطانيا , وهى أفكار يعلم النحاس نفسه أنها مضللة بشكل متعمد " .

قلت ( السفير ) لأمين عثمان : " ان المسألة قد تكون على ما يرام بالنسبة للسياسة الداخلية لكن البيان تجاوز الحدود المشروعة بخطوات كبيرة " (13) محسن محمد , المرجع نفسه , ص 39 و40 .

ان أمين عثمان عندما تحدث مع السفير حول هذا الموضوع بسط أمامه أحاديث أخرى ظهرت من خلالها نواياه . فيقول السفير " ان لقاء أمين عثمان كان فرصة يشكو فيها أمين هموم الوفد ومتاعبه مع النقراشي " وفى هذا تقوم السياسة البريطانية بدورها فى شق الصف الوطنى الا أن السفير يسترسل فى عرض ما قاله أمين عثمان " قال أمين عثمان أن استبعاد تمثيل الوفد فى مؤتمر سان فرنسسكو أمر خاطىء , والأفضل للحزب الا تطلب منه الحكومة الاشتراك فى المؤتمر , فالبلاد حافلة بالأفكار الحمقاء التى تقول بأن مؤتمر سان فرنسسكو هو الفرصة التالية لمندوب مصر ليعرض على الملأ ما تدعيه مصر منأضرار ألحقت بها على أيدينا , وأن النتيجة المحتومة لذلك أن هذه الشكاوى الصغيرة لن تلق آذانا صاغية وسط تجمع دولى يضع نظاما عالميا للسلام ومن هنا سيعود ممثل مصر خالى اليدين أمام شعب جاهل تحتل بلاده – بالنسبة له – مركز الكون , شعب لا يرى أبعد من طلمبة المياه فى القرية " .

وأضاف ان ذلك يضيف الى رصيد الوفد , اذ لا يستطيع أحد اتهام الوفديين بأنهم عملوا على تشجيع الآمال الكاذبة فى النفوس كما فعل خصومهم فى حين ان الحكومة تخسر حاليا بسبب النقص المتزايد فى الكساء والغذاء للشعب (14) المرجع نفسه 40, 41 .

ان هذا يكفى ليكشف أسلوب أمين عثمان فى التعامل مع الطرفين المتضادين ولعله كان يتخذ أسلوب اللف والدوران للحصول على أى نوع من المكاسب للوفد مستعملاالحديث الذى يروق للانجليز .

أمين عثمان وحادث 4 فبراير :

كان الشق الثانى من أسباب اغتيال أمين عثمان هو دوره فى حادث 4 فبراير 1942 . ذلك الحادث الذى كان ذا أثر كبير فى تدهور العلاقات المصرية البريطانية , والذى وصفه أنور حبيب , وكيل النيابة ممثل الادعاء فى القضية " بأنه سيظل وصمة فى جبين الامبراطورية , وسيظل دليلا صارخا على البربرية التى هوى اليها الانجليز فى ذلك اليوم الأغبر الكالح " (15) مرافعة النيابة فى القضية جلسة 10 أبريل 1948 المحاكمة الكبرى من 190 وما بعدها .
وكان من أهم نتائجه أن فقدت معاهدة 1936 مصداقيتها باعتداء بريطانيا على استقلال مصر الذى نصت عليه المعاهدة بتدخلها المسلح فى شئونها الداخلية , وتولى الوفد الحكم , مما أثار كثيرا من الغبار على موقف الحزب بصفة عامة ومصطفى النحاس بصفة خاصة من قبل خصومه وظل الوفد عقب هذا الحادث يتجنب الخوض فى تفاصيله ربما لاخفاء معالمه – كما ذهب بعض الباحثين – أوالتقليل من آلام ذكراه التى علقت بوجدان المصريين , وساعدت على ذلك الرقابة التى فرضت على الصحافة والاجتماعت ابان الحرب العالمية الثانية اذ ذاك " (16) محمد فريد حشيش : معاهدة 1936 وأثرها فى العلاقات المصرية البريطانية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 – رسالة دكتوراه غير منشورة 1975 .
والحادث فى حد ذاته تناولته أقلام ودراسات عديدة (17) أهمها رسالة د. محمد صابر عرب " حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية المصرية , القاهرة 1985 . وليس الحديث عنه مجاله هنا , وانما سنناقشما خص أمين عثمان منه , أو دوره فيه , وهو ما يشكل السبب الثانى من أسباب اغتياله .
فأمين عثمان كان باعتباره ضابط الاتصال بين الطرفين الانجليز والسلطات المصرية فى ذلك الوقت , تلك السلطات التى تمثلت فى هذا الحادث فى الملك وحزب الوفد برئيسه مصطفى النحاس , مما أكده السفير البريطانى آنذاك من البريطانية بل كان وسيطا ورسولا لمعظم الأحزاب الى هذه السفارة وذلك قبل 1942 ثم تفرغ بعد ذلك ليكون وسيط الوفد وحده " (18) محسن محمد : سنة من عمر مصر , ص 193 .
هذا الاتصال الذى حمل فى طياته معنى أن أمين عثمان كان على علم بما جرى , وأوصله الى النحاس , وبذلك اتهم الأخير بأنه كان يعلم به , وبذلك يصبح متهما بالمشاركة فيما نال مصر من جراء ما حدث , من أجل هذا نجد أن النحاس ينفى عن نفسه حدوث أى اتصال بينه وبين الانجليز فى بداية الأحداث وأن الأحداث فاجأته وهو فى الصعيد فى رحلة خاصة هو وأسرته , وأن الاتصال كان من القصر يستدعيه للحضور الى القاهرة عندما استقال حسين سري , وكانت الحالة مضطربة والمظاهرات تجتاح الشوارع (19) المحاكمة الكبرى شهادة مصطفى النحاس , ص 43 .
وقد أوضح الدكتور هيكل فى مذكراته شكه فلى أكثر من موضوع فى هذا , فهو عندما يصف جو الاجتماع الأول فى 4 فبراير , يذكر أنه حين انبرى النحاس ليقول أنه لم يكن يعلم بالانذار , وأنه يحتج على زج اسمه فيه , علت الابتسامة وجوه الحاضرين , كذلك من المعروف أن الملك حين اجتمع بالسفير فى ليلة 4 فبراير كانت الدبابات تحاصر القصر , ونظر الملك الى أحمد حسنين قائلا " يبدو أن النحاس كان واثقا من الأرض التى يقف عليها " (20) الأهرام : حادث فبراير 1942 للدكتور محمد أنيس 10 فبراير 1967 .
ويصل هيكل الى شك قريب من اليقين عندما أشار الى دور أمين عثمان , فذكر أنه كان فى استقبال النحاس فى محطة العاصمة حين عودته من الأقصر صباح يوم 3 فبراير 1942 , وقبل مقابلته للملك للتشاور فى الموقف الذى نشأ عن استقالة سرى ويتساءل هيكل عما اذا كان أمين عثمان قد أبلغ النحاس رسالة من السفير , هى التى دفعت النحاس للتشدد ورفض فكرة الوزارة القومية , كما أبدى شكه أيضا فى أن يكون النحاس قد علم بخطة السفارة وهو فى الأقصر (21) محمد فريد حشيش , المرجع السابق .
وازاء هذه الشكوك والتكهنات تضاربت الأقوال وظهرت الاتهامات , حتى بين رجال الوفد نفسه من أن أمين عثمان ربما أجرى بعض الاتصالات , من أجل هذا خرجت صحيفة الكتلة وهى لسان حال حزب الكتلة الوفدية ومكرم عبيد باتهام مصطفى النحاس بالاشتراك فى تدبير الحادث نتيجة اتصالات أمين عثمان به من قبل تليفونيا وهو فى الصعيد (22) الكتلة 23 نوفمبر 1945 " خطاب هام من الدكتور زكى ميخائيل وكيل مجلس الشيوخ . لكننا نستطيع أن نستنتج أنه ليس ثمة قرينة واضحة حول صحة هذه التكهنات .
ويظهر هذا التضارب أيضا فى شهادة علي ماهر فى قضية اغتيال أمين عثمان "أن هذا التدبير لم يكن من الانجليز وحدهم بل لابد من أن بعض المصريين قد اشتركوا فيه , كما أنه لا يمكن أن يكون النحاس وحده هو المسئول بل يرى أن أمين عثمان هو المسئول الأول (23) شهادة على متهر جلسة 13 يناير 1948 على لسان حمادة الناحل المحامى ص 437 المحاكمة الكبرى .
ويؤكد محمد التابعي فى مقال له فى آخر ساعة دور أمين عثمان فيقول " هناك حقيقة واحدة هى انه لا مصطفى النحاس ولا مكرم عبيد ولا أى عضو من أعضاء الوفد أيا كان فهناك رجل واحد لم يكن من أعضاء الوفد هو الذى كان على علم بحوادث ذلك اليوم هو أمين عثمان ,فقد كان النحاس يومها فى الصعيد .. وطلب منه أن يعود سريعا الى القاهرة " وأشار فى مقاله الى تفصيل الاتصال التليفونى الذى كان بين أمين عثمان والنحاس , الذى أكد له فيه أنه سيشكل الوزارة , وكان ذلك يوم 3 فبراير , وأن كل طلباته ستجاب , ويندهش التابعى ويقول " فكيف عرف أمين عثمان أن النحاس هو الذى سيشكل الوزارة وأن جميع طلباته سوف تجاب . (24) آخر ساعة : محمد التابعي : مقال 4 فبراير وأمين عثمان العدد 539 4 فبراير 1945 .
تلك كانت محاولات استجلاء الحقيقة فى سنوات لم تكن بعيدة عن الحادث , والآن وقد ظهرت الوثائق البريطانية التى القت أضواء جديدة على هذه المواقف , نحصر منها ما خص أمين عثمان وحده .
فقد كشفت الوثائق البريطانية أن النحاس كان يعلم بوجهة النظر البريطانية لتأليف وزارة قومية , وذلك فى يوم 3 فبراير , عندما حمل السفير السير ما يلز لامبسون أمين عثمان رسالة اليه ينصحه فيها بأن يبدى استعداده لبذل قصارى جهده لتأليف وزارة قومية , فهذه ستعزز مركزه لدى الرأى العام والانجليز .
وأنها برئاسته تعتبر فكرة مثالية على ألا يشترط اجراء انتخابات .زالخ (25) عبد العظيم رمضان د. تطور الحركة الوطنية فى مصر 19371948 ج 2 , ص ص 196, 197 .

ونلاحظ أن استهلال الوثيقة كالآتى :

" طلب أمين عثمان بشكل ملح جدا أن يقابلنى هذا الصباح , وكنت قد تجنبت – عن عمد- مقابلته خلال الأشهر الثلاثة الماضية , لأمنع أى أساس لشائعات التآمر مع السفارة , أما الآن فقد تغير الموقف تماما , وقد أصبح الآن من جديد ذا قيمة خاصة بوصفه موضع ثقة النحاس " .
وكان نهاية البرقية " أبلغنى أمين عثمان أن النحاس قد عقد العزم تماما فى حالة توليه السلطة على تطهير القصر ولا يسمح بعبث آخر من جانب الملك " (26) الأهرام 18 مايو 1973 برقية الملف السرى الكامل لحادث 4 فبراير 1942 .
ويظهر من هذه البرقية أولا : أن أمين عثمان كان متلهفا على مقابلة السفير بعد قطيعة متعمدة لمنع أية شائعات تآمر وكأنه يشير من طرف خفى الى جو من التآمر .
وعندما أصبح الموقف مناسبا ,وان أمين عثمان استعاد مصداقيته لدى النحاس بدأت الاتصالات , ثانيا : أن اتصالات ما تمت بين أمين عثمان والنحاس ظهر منها عزم الأخير على اجراء عملية تطهير فى القصر .
وقد ظلت المباحثات قائمة بين السفير والنحاس من خلال أمين عثمان فتقول البريقية التالية " عاد أمين عثمان من زيارته للنحاس ومعه الرسالة التالية : أن النحاس سيرفض فى مقابلة الملك تأليف وزارة ائتلافية – وقد كان من قبل محبذا لتشكيل وزارة محايدة , ولكنه يقف الآن ضد ذلك بسبب مرض أحمد ماهر ... أما بالنسبة للعمل معنا بكل جوارحه فقد فعل ذلك دائما من قبل وسيفعله دائما ... واذا كان حسين سري ذا فائدة بالنسبة لنا فى هذا الشأن فان النحاس باشا يشعر بأنه سيكون متعاونا أكثر من ذلك بعشر مرات " .
سألنى أمين عثمان عما اذا كنت أرغب فى الاصرار على قيام وزارة ائتلافية – وكبديل – تأليف مجلس استشارى يضم عناصر من سائر الأحزاب فأجبته بأن هذه مسألة لابد للنحاس نفسه أن يحكم فيها ..
وردا على سؤال لأمين عثمان فقد كررت أننى سأؤيد النحاس فى هذا الشأن وأساعده حتى النهاية (27) الأهرام المرجع نفسه برقية 463 فبراير 1942 .
ويظهر من روح هذه البرقية ارتياح السفير لموقف النحاس – بشكل واثق – فى اجتماع بعد ظهر يوم 3 فبراير والذى دعا اليه الملك – تاليف قومية واصراره على تأليف وزارة وفدية الى آخر ما حدث (28) يرجع الى تفصيل ما حدث الى د. عبد العظيم رمضان مرجع سابق ص 197 . د. لطيفة محمد سالم : المرجع السابق , ص 317 حيث أنه ليس موضوعنا .

وهو ما سبق أن تشكك فيه د. هيكل .

وقام أمين عثمان بنقل نتيجة المحادثات الى السفير البريطانى فأخطر رئيس الديوان فى المساء بتبليغ الملك لاستدعاء النحاس فورا , وتكليفه بتشكيل الوزراة , وانتهت صيغة الاستدعاء بعبارة " نحن فى حالة حرب , وسنعمل ما فيه مصلحتنا , وهى كلمة واحدة , يستدعى الملك النحاس باشا ويكلفه بتأليف الوزارة والا فستنصرف " . ثم تلاه بالانذار الشهير للملك من خلال أحمد حسنين " ان أعلم قبل الساعة السادسة مساء أن النحاس قد دعى لتأليف الوزارة فان الملك فاروق يجب أن يتحمل تبعة ما حدث " . (29) د. لطيفة سالم : المرجع نفسه , ص 318 .
وقد ترتب على هذا دعوة الملك لاجتماع ضم رؤساء الأحزاب ورؤساء الوزارات السابقين , وأعضاء هيئة المفاوضة فى معاهدة 1936 وغيرهمك وناقشوا الانذار وهل يعتبر قبول النحاس لتشكيل وزارة قومية أفضل أم لا , ورفض النحاس ذلك , واصر على طلبه وهو تشكيل وزارة وفدية ووافق الملك , الا أنه أحس بخطورة موقفه التى نقدها الدكتور النقيب الى أمين عثمان لينقلها الأخير الى السفير البريطانى لتظهر فى الوثيقة التالية :
" اتصل بى أمين عثمان للتو وأبلغنى أن الدكتور النقيب موفد القصرقد قابل النحاس باشا فى الثانية مساء وأبلغه أن الملك يحزم أمتعته بغية مغادرة البلاد , وأن الملك أرسل فى استدعاء النحاس فى الثالثة والنصف بعد الظهر مع سائر الزعماء , وأنه سيبلغهم بأن البريطانيين قد وجهوا اليه انذارا باستدعاء النحاس فى موعد أقصاه السادسة مساء وبأن يطلب اليه تشكيل وزارة , وأن الملك يعتبر ذلك تدخلا غير مسموح به , وأنه سيترك لهم تقدير الموقف " (30) الأهرام 25 مايو 1973 مايو الملف السرى وثيقة 483 .
ويظهر من نص ما أبلغ به أمين عثمان السفير أنه لم يكن فقط ضابط اتصال لتعسر الاتصال المباشر بين الطرفين , وانما كان حريصا على نقل الموقف بالتفصيل وأثره على الملك وأسماء من نقلوا اليه المعلومات .
وكانت آخر مواقف أمين عثمان فى هذا الحادث , هو أنه بعد أن حاصر الانجليز قصر عابدين بدباباتهم تهديدا بخلع الملك ان لزم الأمر , لأن لامبسون كان قد فقد الأمل فى تكليف الملك للنحاس بتأليف الوزارة ومحاولته المقاومة , ان سألا – هو ووزير الحرب : أمين عثمان عما اذا كان النحاس سوف يقبل تأليف الوزارة بعد عزل الملك " فأكد أمين بأغلظ الايمان بأن النحاس سيفعل ذلك " (31) الأهرام 25 مايو 1973 الملف السرى برقية 487 .
وكان الضغط على الملك قد وصل مداه لدرجة أن النحاس قرر فى شهادته أمام المحكمة فى هذه القضية " ان جلالة الملك قال لى لازم تقبل وتؤلفها الليلة وتذهب للسفير ... وقال أحمد ماهر ان قبل يكون على أسنة رماح الانجليز قلت اخرس انتم الذين جئتم على أسنة رماح الانجليز ووصلتم بالبلد الى هذه الحالة " . وبعد أن شكل الوزارة ذهب الى السفير محتجا على هذه الأعمال فاسترضاه السفير وسحب الانذار (32) شهادة مصطفى النحاس , ص 46 من المحاكمة الكبرى .
وقد قيم ابراهيم فرج الموقف العام بأن الفريقين قبلا تأليف وزارة قومية يكون رئيسها النحاس , وهذا الأمر فى حد ذاته تنفيذا للانذار البريطانى بمعنى أنه لم يكن لديهم مانع من أن يكونوا وزراء برئاسة النحاس فى ظل تلك الظروف .
ولسنا هنا فى مجال تفصيل حادث 4 فبراير ككل وانما اظهرا دور أمين عثمان – موضوع الدراسة – والذى انتهى عند الحد الذى أشرنا اليه .
وأراد النحاس أن يكافئه عن هذا الجهد فعرض عليه منصبا وزاريا , ولكن أمين عثمان بعد أن استشار السفير البريطانى فضل منصب السكرتير العام لرياسة مجلس الوزراء ليكون أكثر نفوذا ويحقق أكبر فائدة بوصفه " الظل المباشر لرئيس الوزراء " (33) مرافعة ابراهيم فرج المحاكمة الكبرى , ص 237 .
وبعد عشرة ايام استصدر النحاس مرسوما بتعيينه رئيسا لديوان المحاسبة بدرجة وزير , ولم يكن قانون انشاء هذا الديوان قد صدر بعد , فلم يقدم الى البرلمان الا فى 13 مايو1943 .
ثم فى التعديل الوزارى الذى تم فى 2 يونيه 1943 عين أمين عثمان وزيرا للمالية وهو المنصب الذى يلى فى الأهمية منصب رئيس الوزراء (34) حسن يوسف : القصر ودوره فى السياسة المصرية 19421952 , القاهرة 1982 , ص 125 والنظارات والوزارات المصرية , ص 418 .
هكذا كان دور أمين عثمان بين الانجليز والمصريين عرضناه قبل حادث 4 فبراير وأثناء الحادث , الذى وصل فيه الى أقصى قدر من السلطة وهو تعيينه وزيرا للمالية أثناء وزارة النحاس السادسة ( 26 مايو 1942 – 8 أكتوبر 1944 ) والذى اعتبر فى نظر الانجليز ضمن الكفاءات اللازمة ولارضاء الجاليات الأجنبية باعتبار أن من سبقه فى المنصب وهو كامل صدقى , ناقص الكفاءة – على حد تعبير السفير البريطانى آنذاك (35) يونان لبيب رزق ( دكتور ) تاريخ الوزارات المصرية , القاهرة 1975 , 453 .
وان كان أنور السادات – أحد المتهمين فى القضية – يقول " أنه لم يكن هذا هو السبب فى ادانتنا لأمين عثمان .. فلم يكن له أثر يذكر فى سياسة الوفد , وعلى النحاس نفسه ... ولكنه كان أكثر من صديق للانجليز ومساندا لبقائهم فى مصر بشكل لم يسبق له مثيل (36) أنور السادات البحث عن الذات , القاهرة 1978 , ص 72 .
وهذا يشدنا الى أنه كان هناك جانبان الأول يصف أمين عثمان بالميل الى الانجليز أكثر من الميل الى المصريين والجانب الآخر يصفه باستغلال معرفته بالانجليز " وعلاقته الطيبة بهم " لصالح المصريين , مقدرا المناخ العام الذى كانت تعيشه مصر فى تلك الفترة , وانه كان وحده الذى كان يلتمس هذا الأسلوب , وأن النحاس أحسن استغلال هذه الشخصية حتى لا ينقطع الخيط بين الدولة المحتلة وصاحبة السلطة فيها وبين السلطات المصرية .
ويستند الجانب الأول الى سلوك أمين عثمان نفسه بالنسبة للانجليز وتصريحاته لهم عن المصريين , ووصف الانجليز له بأنه لهم pro british كما سبق أن أشرنا ابتداء من تصريحه بأن العلاقة بين مصر وانجلترا يجب أن تكون زواجا كاثوليكيا لا انفصام فيه , بصرف النظر عن استحسان النحاس لهذا التعبير , وبذلك كان يسير دائما تحت العلم البريطانى أكثر من العلم المصرى , ويتواجد فى أماكن الانجليز وبين دهاليز السلطات البريطانية أكثر من تواجده بين المصريين , ومن ثم وصف بأنه تحت رعاية السفارة البريطانية فى القاهرة , وضابط الاتصال بين الانجليز والمصريين منذ مفاوضات عام 1936 لدرجة أن وصفه لورد ويلسون بأنه " المفاوض المصرى لحساب السفارة البريطانية وقت الأزمات " (37) محمد صابر عرب : حادث فبراير ص 181 .
وهو تعبير سبق أن أكد السفير البريطانى من قبل بأنه " المفاوض المصرى لصالح الانجليز " (38) المرجع نفسه , ص 148 .
وقد ثبت هذا من حادثة تواجده فى وزارة الخارجية البريطانية – والتى أشرنا اليها من قبل – عندما قابله حسين سري لدى اجراء المفاوضات بشأن الثكنات , ثم تصريحه للانجليز بأن النحاس يساوم كثيرا على الطلبات , ونصحهم بطلب أكثر مما ينبغى .
ثم ما وصف به المصريين من أنهم شعب جاهل محتل .. لا يرى أبعد من طلمبة المياه فى قريته – كما سبق وأشرنا , ولو أن هذا الوصف ورد فى وثيقة تحوى السفير ولم يكن أى ممن قيموه قد اطلع عليه , أو قد يكون من عنديات السفير .
أما الجانب الذى دافع عنه فقد ظهر فى دفاع الأستاذ محمد سليمان عنام المحامى عندما قال " ولعل ما أوجب القيل والقال عن الاتصال بالانجليز يرجع الى وجود أمين عثمان بالقرب من النحاس , اذ ظن أنه هو صاحب الاتصالات , وأستطيع – كمنصف لأمين عثمان – ألا أرميه بعدم الوطنية وانما كان يرغب لبلاده الخير , ولكن عن طريق التفاهم مع السلطات البريطانية , وما كان ذلك من عيب . " (39) محمد فريد حشيش حزب الوفد 19361952 رسالة ماجستير 1970 ص 201 203 ومرافعة الأستاذ سليمان غنام فى القضية .
ثم يدلى عبد اللطيف محمود المحامى فى القضية " وهل حقيقة كان أمين عثمان يدا انجليزية أم أنه كان مصريا صميما ووطنيا , قدر – عن عقيدة – أخطأ فيها أم أصاب – أن أنجح الطرق لخدمة قضية البلاد أن يأخذ القوى المتحكم عن طريق الملاينة والاقناع والتفاهم ليكسب لمصر ما لم تستطيع أن تأخذه قدرة واقتدارا .
وتساءل هل كان أمين عثمان هو المصرى الوحيد بين المصريين – وزراء وغير وزراء – الذى قام رأيه على حسن التفاهم مع الانجليز , وعلى الاتصال بالانجليز وعلى مصادقة الانجليز أملا فى الوصول الى حل تستقر عنده الأمور ؟
استعرضوا معى كل الوزراء الذين حكموا مصر فى هذه الفترة ثم قولوا لى اسما واحدا لم يصانع الانجليز , ولم يجامل الانجليز , أو رفض الحكم مع وجود الانجليز ؟ (40) المحاكمة الكبرى , ص 227 .

ثم هذه وجهة نظر ابراهيم فرج المحامى فى القضية يصف فيها شجاعة أمين عثمان بجهره بعلاقته بالانجليز " ان أمين عثمان لم ينكر ميله للانجليز بل كان يجهر به فى كل مناسبة وعلى رؤوس الأشهاد , فهو لم يغش أحدا فى طبيعته , ولم يخف عن أمته حقيقة عقيدته , شأن غيره ممن يجهرون بعدوانهم للانجليز فى العلن ويصانعونهم فى الخفاء وليس يضير شخصا أن يرى الخير فى توثيق العلاقات بين مصر وتلك الدولة وأنه يمكن لمصر أن تنال منها بالسياسة ما لم تنله بالشدة " (41) المحاكمة الكبرى 235 .

وازاء هذين الجانبين كانتهناك أصوات بين بين , ربما قدرت الظروف التى عاش فى ظلها هذا الرجل فنجد حسين سري عندما سئل فى المحكمة : هل يمكن أن تبين لنا مسلك أمين عثمان بصفته وطنيا مصريا فى سنتى 1941 , 1942 .

فأجاب : أتردد فى الرد على هذا السؤال , ولكنى أميل الى القول بأنى ماكنتش مرتاح كثير لأعمال أمين عثمان فى هذا الصدد , وهذا الوقت بالذات (42 ) المحاكمة الكبرى , ص 170 .

وفى الحقيقة يجب ألا نفصل – رغم ما قيل عن سلبيات – هذا الرجل عن المناخ العام للسياسة المصرية الذى لعب أمين عثمان دوره فى ظله , فمصر كانت محتلة من دولة قوية كانت فى تلك الفترة تمر بمرحلة حرجة ضد قوات المحور التى اقتربت من مصر فى الصحراء الغربية , وأصبح عليها أن تضرب بيد من حديد وبسرعة كل مقاومة مصرية , فلعل أسلوب من وجدوا فى أمين عثمان الشخصية القريبة جدا من هذه القوة والتى يمكن أن تكون عنصرا مخففا للصدمات , وهذا ما يظهر من اختيار النحاس له ومن قول الأميرال ويكلى عندما علم بوفاته " كانت مأساة حقيقية ومفجعة لا بالنسبة لمن عرفوا أمينا فحسب بل بالنسبة لبلدنا , وتنتابنى رعدة حين أتصور المشاكل التى تنتظرنا فى الأيام المقبلة .. فيما يتعلق بالمعاهدة .. وليس لدينا أمين يلعب دور الفرملة ومخفف الصدمات بيننا وبين الوفد " (43) محسن محمد : سنة من عمر مصر , ص 189 .

ونقول أيضا أنه فى ظل المناخ السياسى العام – كما قلنا – كان هناك من قاوموا الانجليز وكان الانجليز لا يرتاحون اليهم أمثال علي ماهر , وكان هناك أيضا من عرفوا بميولهم الانجليزية أمثال حسن صبري الذى رأس الوزراة 1940 بعد أن أجرى اتصالا بالسفير البريطانى وكانت بينهما مودة , ولم يؤلف وزارته الا بعد أن اطمان من ناحيته (44) أحمد عبد الرحيم مصطفى ( دكتور) المرجع السابق , ص ص 41 42, . دكتور عبد المنعم الجميعى : اغتيال أمين عثمان ودلالاته – المجلة التاريخية 1983 , 1984 . أما بالنسبة لدور أمين عثمان فى حادث 4 فبراير 1942 , فرغم كل ما قيل عنه فانهناك ملاحظات تؤخذ فى الاعتبار لدى الحكم عليه .

أولا : أن هذا العمل كان موجها من مغتصب لمغتصب آخر , وصراع بين استعمار أجنبى واستعمار محلى , والأخير هوالملك فاروق – بماضيه عام 1937 – والذى كان آنذاك يريد الضغط على الوفد ممثل الأغلبية مقابل مناصرته (الملك) لدول المحور , وهو الاتجاه الذى أحسه فيه الانجليز , ولذلك كان الانذار موجها ضده فى الحقيقة , وأن التحرك العسكرى حول القصر لم يكن لفرض حكومة جديدة وانما كان لخلع الملك (45) عبد العظيم رمضان (دكتور) : تطور الحركة الوطنية فى مصر , ج 2 , ص,ص207 , 213 .

ولم تكن فكرة خلع فاروق وليدة وقتها , وانما فكر فيها الانجليز فى عام 1937 أثناء الأزمة الدستورية , وكان أمين عثمان ضالعا فيها كذلك وكان مدافعا عن موقف الوفد فى نفس الوقت (46) عن تفاصيل هذا يرجع الى المرجع السابق نفسه , ج 1 , ص-ص 155 – 157 .

ثانيا : ان الانذار لم يكن عدوانا على حرية الشعب بقدر ما كان عدوانا على حرية القصر وارادته .

ثالثا : ان النحاس أعلن أنه لا يعبأ بما اذا كان البريطانيون قد ساعدوه أم لا ؟ وأنه ملتزم فقط , ومتمسك بالتزامه ومهمته بسيطة للغاية , وهى الدفاع عن الديمقراطية ومساعدة الديمقراطية .

رابعا :أم أمين عثمان لم يكن وحده الذى كان يعلم بما سيفعله الانجليز فى هذا الحادث , وانما كان أحمد حسنين والملك أيضا كانا يعلمان بذلك مسبقا (47) نفسه , ج 2 , ص , ص 213 , 216 .

وبهذا يمكن القول – وهذه وجهة نظر – أن دور أمين عثمان فى السعى لأن يقبل النحاس الوزارة قد فوت الفرصة على أى اجراء بريطانى من شأنه التعدى على السلطة المصرية أكثر .

فقد كان نهاية حدود الارغام هو الانذار الانجليزى الذى رفضه الزعماء ورفضه الملك , وجاءت الوزارة ليس على أسنة الرماح الانجليزية , وانما كانت الرماح الانجليزية موجهة أصلا الى الملك وخاب أثرها (48) المرجع السابق , ص ص 213, 216 .

ان أمين عثمان كانت له شخصية فيها شىء من الغموض ترى أكثر من منظر فى ظل ظروف تتغير من منظور لآخر . فكان أشد المعجبين بالانجليز , ومن ثم كانت تصرفاته تجاههم من هذا المنطلق , حتى كان يسره , على أساس أنهم قوم استطاعوا أن يخضعوا العالم لسيطرتهم فكان مبهورا .

وليس هناك شك فى أنه كان قديرا على القيام بدور الفرملة , لرأب ما كان يظهر من صدوع بين الانجليز والوفد أحيانا , كم كان مدفوعا بالطموح , وبذلك استطاع أن يصعد السلم قفزا الى آخر درجاته رغم ما وصف به (49) المصرى 16 يناير 1946 " قتلة اليمقراطية " .

وأن سياسته لم تؤسس على المغالاة فى المطالب والأطماع الوطنية , بل قد يوصف بالاعتدال فى لسياسة , فحاول التوفيق بين حقوق مصر فى الاستقلال وبين مركز انجلترا فى الشرق الأوسط , مما أوقعه فى خلاف سياسى مع كثير من الزعماء السياسيين فى عصره , لذا اتهم بالخيانة .

فلقد أدت سياسته أحيانا الى التوفيق بين الساسة المصريين والانجليز الأمر الذى مهد لنجاح مفاوضات معاهدة 1936 وكات أقصى ما كانت تسمح به انجلترا للمصريين حينئذ , ووافق عليها معظم الأحزاب آنذاك , وان لم تكن معبرة عن كل آمال المصريين فى ذلك الوقت .

ولقد قال فيه أنور حبيب وكيل النيابة فى هذه القضية " ان أمين عثمان , مهما اختلفت النظرة اليه , ومهما تباينت الآراء فيه , لم يكن رجلا عاديا , أو هملا من العامة , بل كان رحمه الله – من أصحاب الرأى , له عقيدته التى يؤمن بها , وله مذهبه الذى يسير عليه , وله نهجه الخاص الذى اتبعه واتزمه , لأنه اعتقد – ان خطأ وان صوابا- ان فى التزامه خير لمصر وبركة , وأنه وحده هو الطريق السوى الذى ينتهى الى تحقيق مجد مصر ةعزتها , وقد يكون أمين باشا محقا وقد يكون مخطئا , ليس هذا محل بحثى , ولكن الذى يعنينى هو تقرير الحقيقة التى لا يجب أن يختلف عليها اثنان , وهى أن لكل انسان أن ينتهج لنفسه من الطرق ما يراه ملائما له , وما يقتنع به أنه موصل الى خير خاص أو عام طالما أن ذلك لا يتعارض مع قانون أو نظام " (50) المحاكمة الكبرى , ص 193 .

القسم الثانى: الحادث

الفصل الأول : وصف الحادث وأصداؤه

بدأ التفكير فى تنفيذ اغتيال أمين عثمان , بانضمام عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب الى " رابطة النهضة " (1) كان اجتماع الأعضاء يتم يومى السبت والثلاثاء , الأهرام 2 ديسمبر 1947 . التى كان يرأسها أمين عثمان , وكان الغرض من انضمامها اليها هو رصد تحركات الفريسة , وتزويد أفراد الجمعية السرية بكافة المعلومات التى تتوافر عنه (2) جريدة البلاغ 7 مارس 1946 وسبق الحديث عن تنظيم هذه الجماعة على فصل التنظيمات السرية ( جماعة حسين توفيق ) .
وفى مساء يوم السبت الخامس من شهر يناير 1946 ذهب عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب فى الساعة السادسة والنصف الى نادى رابطة النهضة ةظلا فيه ( وذلك حسب الرواية التى نشرتها جريدة البلاغ ) بينما انتظر حسين توفيق ومحمود مراد أمام باب الرابطة فى انتظار قدوم سيارة أمين عثمان , وكان المتفق عليه بين أفراد الجمعية أن محمد أحمد الجوهري عند رؤيته للسيارة يعطى حسين توفيق ومحمود مراد اشارة ببطارية لاطلاق الرصاص .
وعند وصول السيارة دخل أمين عثمان " العمارة " وكان المصعد الكهربائى معطلا , فصعد درجات السلم , وما أن تخطى الدرجة الثالثة حتى لاحظ وجود شخص عارى الرأس يتتبعه ويناريه باسمه , فلم يكد يلتفت نحوه حتى أطلق عليه ثلاث طلقات نارية فاضطر الى الجلوس على السلم واستغاث (3) المرجع نفسه , وملف القضية ( الحكم , ص 16 ) , وخرج الجانى من باب العمارة , فارا فى شارع عدلى الى الجهة الشرقية ثم الى ميدان ابراهيم باشا فشارع الملكة فريدة وهو يطلق النار من مسدسين – كان يحملهمل – على الجماهير التى كانت مهرولة تتعقبه , حتى أفرغ ما فيهما من الرصاص , ثم القى نحو من كانوا يتعقبونه قنبلة يدوية (4)الأهرام 6 يناير 1946 , أنور السادات , البحث عن الذات , ص 72 . انفجرت فى منطقة بأول شارع الملكة فريدة , فتوقفوا عن تعقبه , وتمكن من الفرار من شارع البيدق واختفى بين المارة (5) قام الأستاذ محمد كامل القاويش وكيل النيابة وبصحبته الدكتور محمد توفيق الطبيب الشرعى بمعاينة مكان الانفجار , وتبين أن القنبلة انفجرت فى حفرة تلى سور الأوبرا من الداخل بنحو 60 سم , وتركت شظاياها آثارا فى شجيرة مجاورة للحفرة , وفى صندوق خشبى كغطاء لعداد المياه على مسافة نحو متر من الحفرة , كما تركت أثارا فى الأوبرا وفى أعمدة دار الأوبرا الخمسة الغربية , وفى مواجهة البناء القبلى لدار الأوبرا , وأحدثت كسرا فى زجاج نافذتين فى الدور العلوى منها , وقد اتضح أن هذه القنبلة يدوية انجليزية الصناعة وتستعمل فى كل من الجيشين المصرى والانجليزى وتسمى ... وقد انفجرت القنبلة فى أرض طينية لينة مما كان سببا فى عدم حدوث اصابا جسيمة . ( ملف القضية : تقرير الطبيب الشرعى ص 42 ) .
وقد حمل أمين عثمان بعد اصابته الى مكتب الأستاذين زكى عريبى وميخائيل غالى المحاميين , الموجود فى الدور الأول من نفس العمارة لاجراء الاسعافات اللازمة , ثم نقل بعد ذلك الى مستشفى مورو لاستكمال اسعافه .
وعند وصوله المستشفى طلب ابلاغ النحاس باشا بالحادث , فحضر مسرعا الى المستشفى , كما حضر فؤاد سراج الدين , وكبار رجال الوفد , وغيرهم من مختلف الهيئات , كما أوفد السفير البريطانى ( لورد كليرن ) ياوره الخاص للاستفسار عن صحته , بل اتصل بالمستشفى عدة مرات للاستفسار (6) الأخبار 19 يناير 1946 .

وقد بذل الدكتور عبد الوهاب مورو محاولات كثيرة لانقاذه , ولكن دون جدوى , وكان ضمن فريق الأطباء الذى بذل هذه المحاولات مع الدكتور مورو : الادميرال ( ويكلى ) والبريجادير ( اليوت سميث ) وهما م أكبر الجراحين الانجليز , وكذلك الدكتور ( كانز ) الألمانى وكان جراحا شهيرا فى الأسكندرية تصادف وجوده فى القاهرة كما أنه كان صديقا قديما لأمين عثمان .

ولقد قضى نحبه فى منتصف الليل (7) صحيفة المصري 6 يناير 1946 . , ومثلت حثته للتشريح بواسطة الطبيب الشرعى الذى أثبت فى تقريره : أنه بتشريح الجثة شوهد بها :

1- جرح نارى , فتحة دخول بالجهةاليسرى لأعلى الظهر أسفل النتوء الشوكى للوح الأيسر , دائرى الشكل , قطره نصف سم غير مصحوب بنمش أو اسوداد أواحتراق ويقابله بالجهة اليسرى مباشرةجرح فتحة خروج المقذوف دائرى الشكل قطره ثلاث أرباع سم .
2- جرح نارى فتحة دخول بالجهة اليمنى للظهر على مسافة نحو سنتيمتر من الخط فى المسافة الضلعية السابقة تقريبا , دائرى الشكل قطره نحو نصف سم , غير مصحوب بنمش أو اسوداد أو احتراق ولم توجد له فتحة خروج .
3- جرح نارى , فتحة دخول مقذوف ثالث يقع بمنتصف البطن بالجهة اليسرى قطره نصف سم , غير مصحوب بنمش أو اسوداد أو احتراق يقابله بجدار البطن بالجهة اليسرى أسفل الأضلاع مباشرة فى خط الثدى الأيسر جرح وجدت به رصاصة بارزة بقاعدتها .
كما شوهدت بالجاكتة والصديرى والقميص التى كان يرتديهما المجنى عليه ثقوب بالظهر مقابل فتحات الدخول السابق ذكرها . وتبين من الصفة التشريحية أن فروة الرأس خالية من الاصابات , وان الاصابة بالجهة اليسرى للظهر اخترقت جسم المجنى عليه من الخلف للأمام , ونفذت من أعلى الصدر أسفل منتصف الترقوة , وأصابت الرئة محدثة داخل تجويف الصدر .
وان الاصابة الثانية التى بالجهة اليمنى من الظهر فى المسافة الضلعية السابقة اخترقت الجسم أيضا من الخلف الى الأمام وأحدثت نزيفا داخليا , وسكت بعضلات الصدر أسفل الترقوة اليمنى , واستخرجت , وان اصابة الأمعاء الغلاظ والدقاق محدثة لنزيف البطن , وسكنت تحت جلد البطن محدثة فيه جرحا سطحيا وهى التى استخرجت بمعرفة الدكتور مورو .
وجاء فى نتيجة التقرير : انالاصابات النارية ناشئة من ثلاث أعيرة نارية ذات السرعة العالية , أطلقت جميعها من الخلف للأمام ويميل من أسفل لأعلى , ومن مسافة تزيد عن متر لخلوها من آثار قرب أو اطلاق , وأن الوفاة ناشئة عن اصابة الرئة اليسرى والأمعاء الغليظة والدقيقة وما ترتب على ذلك من النزيف والصدمة العصبية , وأن شكل المقذوفين المستخرجين من الجثة يشير الى أن السلاح المستعمل هو من عيار 38 بوصة (8) ملف القضية الصفة التشريحية , ص ص 38 , 39 من الحكم .

من أصداء الحادث

كان لوقوع حادث اغتيال أمين عثمان صداه فى عدد من المصادر تختلف حسب اعتبارها لشخصه . فتناولته الصحافة المصرية بشكل استنكارى وخصوصا صحيفة الوفد (المصرى) وكذلك صحيفة الكتلة .
فهذه صحيفة المصرى تستهل عددها الصادر فى اليوم التالى للحلدث بمقال ورد فيه " أفزع الحادث القطر المصرى بأسره , فقد ارتكبت الجريمة فى حى من أكبر أحياء القاهرة , وفى ساعة يتدفق فيها سيل من الناس , فقد هزت تلك الجريمة مشاعر الناس جميعا , من يعرفونه ومن لا يعرفونه .
وقد جاءت تلك الجريمة مؤيدة لقول القائلين , ان فى مصر عصابة اجرام سياسى غايتها الاعتداء , كما جاءت قاطعة بأن عهدا مشئوما فى الاجرام السياسى بدأ فى مصر من جديد ضد المصريين " (9) المصرى 6 يناير 1946 .
ونجد جريدة الكتلة تصف موكب الجنازة وما تخللته من هتافات معادية منظمة " وشتائم وقحة مرتبة " ضد الوزارة والوزراء وضد رئيس الوزراء ووزير المالية بالذات .
وقد كان استغلال الجنازة رغم ما للموت من حرمة ورهبة وجلال سببا فى انسحاب كثير من كبار المشيعين الذين أسفوا لاتخاذ الجنازة فرصةللتظاهر السياسى " (10) الكتلة 8 يناير 1946 .
وجريدة الاجبشيان جازيت علقت على ما دار فى الجنازة فذكرت " .. ان من سوء الحظ أن جنازة الأمس التى سار فيها كثيرون من ذوى الشخصيات البارزة قد قلبت الى مظاهرة سياسية , فقد جرت العادة فى مصر كما فى غيرها على اظهار الاحترام للموتى "
ثم تعود الكتلة فتعبر عن خطورة الموقف أثناء سير الجنازة وما شابها من أحداث واحتكاكات بقولها " كان مما يشبه المعجزات أن يكون قد أمكن تفادى بعض الحوادث السيئة عندما أخذت بعض العناصر غير المسئولة تهتف ضد رجال الحكومة الحاضرة , وان امثال هذه المظاهرات السياسية على كل حال لا يمكن الا تزيد فى خطورة موقف دقيق بالفعل , وتنتهى الى خطر الاغتيالات السياسية التى يندد الجميع بها بحق " (11)
وتلفت الكتلة – وهى خارجة على الوفد – النظر الى بعض هتافات بذاتها " الى أنه من بين الهتافات التى أثارت ثائرة بعض السائرين فى الجنازة " يحيا اللورد ولا وزير غير النحاس " (12) ولعل هذا كان تحديا من الوفديين ضد المعرضين أصحاب الاصبع فى الحادث مما أثار كثيرا من الأحداث المؤسفة .
ثم جعلت بعض الصحف المشايعة لليمين تناقش أسباب الحادث وتستنكره وتلقى باللائمة على ما اعتبرته يسارا متطرفا يستحق العقاب المبين وتشيرعلى الحكومة بتعقب المجرمين وعناصر الاجرام وعللت تسرب الأسلحة الى أيدى المتهمين بحالة الحرب التى كانت تعيشها اللاد حتى أصبحت فى أيدى العابثين بالأمن والنظام , وتسترسل التيمس المصرى فى تعليل الحادث وتحليل الموقف " بأن هذه الجرائم المنكرة تقع نتيجة الانحراف الذى نراه فى الخصومة الحزبية والمهاترات السياسية وسب الزعماء مما يؤدى الى تسمم أفكار الصغار فيصبح الزعماء جميعا فى نظرهم شياطين , فيقيمون من أنفسهم قضاة يحكمون عليهم بالاعدام , فاذا كان الزعماء السياسيون لا يعملون على قمع هذه الفتن من أجل قضية الوطن فليفعلوا ذلك من أجل أنفسهم (13) التيمس المصرى مقال " هذه الجرائم " الصادر فى 31 يناير 1946 .
وعلى الصعيد الرسمى المصرى فقد نعى مجلس الشيوخ أمين عثمان بجلسة 7 يناير1946 حيث قال سليمان السيد سليمان باشا رئيس المجلس " ان هذا المجلس يستنكر تلك الجريمة الوحشية الفظيعة , وقد قامت هيئة المكتب بالاشتراك رسميا فى تشييع الجنازة نيابة عن المجلس .
وانى باسم المجلس أعرب عن شديد الأسف على فقده وسأرسل كتاب تعزية باسم المجلس الى الأسرة الكريمة " (14) مضبطة مجلس الشيوخ 7 يناير 1946 .
ثم تكلم رئيس مجلس الوزراء فى نفس الجلسة فقال : " ان الحكومة تشاطر هيئة المجلس الموقر ابداء شديد الأسف والأسى لاغتيال المغفور له أمين عثمان باشا عضو المجلس ووزير المالية السابق وانا نستنكر أشد الاستنكار وسائل العنف والاغتيال – فهى شديدة الخطر على البلاد وأنها , ضارة بمصالحها وأهلها " .
كما رثاه صبرى أبو علم باشا بكلمة قصيرة ممثلا للمعارضة . وهكذا لم نر تعرضا لمناقب قد قدمها أو عمل وطنى اشترك فيه وهذا يعكس قدر أمين عثمان فى نظر الكثيرين .
ومن ناحية أخرى نجد راديو لندن يذيع بيانات منها " أن البوليس المصرى صرح بأن هذا الاعتقال قد يؤدى الى وضع اليد على العصابة التى ارتكبت الحوادث السياسية الأخيرة , ومن بينها الاعتداءات على جنود القوات البريطانية " (15) الكتلة 7 يناير 1946 .
ونرى من هذا التركيز لم يكن على مقتل شخص أمين عثمان ياعتباره صديقا لهم ومات , وانما كان أيضا على مقتل الجنود البريطانيين .

ثم نشرت جريدة التيمس اللندنية مقالا رثت فيه أمي عثمان جاء فيه :

جاءت أخبا راغتيال "السير " أمين عثمان الحائز لوسام الامبراطورية صدمة قاسية ليس فقط للذين عرفوه بل لكل من يثق فى الصداقة المصرية الانجليزية وهى الغاية التى وهب أمين عثمان حياته لخدمتها (16) لطفى عثمان – المرجع السابق , ص 182 .
كما أرسل أرنست بيفن وزير الخارجية البريطانية برقية تعزية الى اللورد كيلون السفير البريطانى فى القاهرة يبلغه تعازيه ويكلفه بتقديم العزاء لأسرة أمين عثمان .
كما تحدث البريجادير " جون كريستال " السكرتير البريطانى للجنة تخليد ذكرى العلمين الى وكالة الأنباء العربية فقال " ان هذا الحادث فجيعة لنا , ومصاب أليم , فقد كان السير أمين عثمان من أعظم أصدقاء بريطانيا فى مصر , وتكون وفاته نكبة كبرى على مشروع العلمين " (17) المصرى : الاغتيالات السياسية 10 يناير 1946 .
وقال اللورد مونسيتون نائب رئيس مؤسسة ( العلمين ) " أشاطر جميع عارفى فضل هذا الرجل العظيم وأصدقائه الحزن والفجيعة عليه , وقد خسرت مصر خادما شجاعا , لا يعرف الخوف ومخلصا متفانيا فى خدمتها , كما خسرت بريطانيا بموته صديقا عظيما , فقد أسدى أمين عثمان خدمات جليلة لبلاده ولقضية الوحدة المصرية البريطانية (18) الأهرام : قضية الاغتيالات السياسية 7 يناير 1946 .
كما شهد الدكتور محمد حسين هيكل أمام المحكمة أنه سمع السفير البريطانى –أثناء الجنازة – يقول له : انه من العبث أن أصدقاء انجلترا يعتدى عليهم مثل هذا الاعتداء الفظيع (19) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 182 .
أما فى سوريا ولبنان فقد كانت تعليقاتهم لا تخرج عن أسلوب المجاملة من أسف وتقديم عزاء واستنكار للقتل وطلب الرحمة للفقيد (20) النشرة الشرقيةصحيفة مصر والشرق 19 يناير 1946 .

الفصل الثانى : اجراء التحقيق

اجراء تحقيق النيابة (1) :ملخص عن الحكم فى القضية وقد اعتمدنا عليه على أساس أنه تلخيض صادق وقانونى لكل الوقائع .
انتقل لتحقيق الحادث الأستاذ " حسن أنور حبيب " وكيل النيابة حيث بدأ تحقيقه فى حوالى الساعة السابعة عقب الحادث مساء نفس اليوم , وأثبت فى محضره تفصيل ما سبق سرده من وصف للحادث , ووجد أن ممن تعقبوا الجانى منادى سيارات واحد رجال البوليس , فأمر بارسالهما الى قسم عابدين , بينما انتقل هو الى مستشفى مورو لاستجواب المجنى عليه , وهناك وافاه يحيى مسعود (بك) المحامى العام ( الأفوكاتو العمومى ) , وعلما من الدكتور مورو أنه لا يمكن استجوابه لخطورة حالته , وأن به ثلاث اصابات أحدهما تحت الضلع , ونفذت الأخرى فى المواجهة للبطن من الناحية اليمنى , وقد استقرت تحت الجلد وأمكن استخراجها , وكانت رصاصة مخروطية الشكل مدببة الى حد ما طولها سم وقطر القاعدة نصف سنتيمتر .
كما سلم مأمور قسم عابدين طلقة عثر عليها فى مكان الحادث الى وكيل النيابة المحقق ويشبه المظروف الذى سلمه اليه الدكتور مورو بعد استخراجه من جسد المجنى عليه , كما سلمه أيضا مسدسين أحدهما ماركة " انفلد " من الصلب الأسود مقبض من الخشب البنى ...تنبعث منه رائحة البارود , والمسدس الآخر له فةهتان قطر كل منهما نصف سنتيمتر ماركة " براوننج " وتنبعث منه رائحة البارود , وشظايا من القنبلة التى انجرت بجوار حديقة الأوبرا , ووقرر ضابط الحريق أنها لقنبلة يدوية انجليزية الصنع وتستعمل فى كل من الجيشين المصرى والانجليزى وتسمى mills hand grenade كما أشرف على تحقيق وكيل النيابة عبد الرحمن الرافعي (بك) رئيس نيابة جنوب القاهرة (2) وهو خلاف المؤرخ المعروف .
بناء على تعليمات النائب العام , واشترك فى اجراءات الضبط والاستجواب الأستاذ كامل القاويش وكيل النيابة .
وجعلت دوائر التحقيق تسأل شهود عيان الحادث , وكان أبرزهم عبد العزيز الشافعى , الذى قرر أنه حضر قبل الحادث بعشر دقائق ولاحظ وجود شخص بجوار شجرة أمام المبنى الذى كان مسرح للحادث , وأنه سبق أن لاحظ وجوده ثلاث مرات وتبين أنه ابن توفيق أحمد بك وكيل وزارة المواصلات , وله ابن عم يدعى سامى توفيق كان زميلا للشاهد بالوزارة .
وبعرض الأمر على النائب العام أمر بضبط كل من حسين توفيق وسعيد توفيق , وقام الاستاذ ( محمد كامل القاويش ) وكيل النيابة بتنفيذ أمر الضبط حيث عثر فى مسكنهما على مسدسين بساقية أحدهما مفكك ماركة انفلد وآخرر بنفس الصورة والماركة , كما ضبط فى غرفة حسين توفيق أحمد بعض الصحف منها " الاجبشيان جازيت " عدد 22 نوفمبر 1945 وجريدة المصري عدد 16 ديسمبر 1945 وبه عنوان " الأمة تهنىء الرئيس بالنجاة من الحادث وجريدة الكتلة الصادرة فى 17 ديسمبر 1945 وبها " وثيقة عثمانية لغوية "
كما عثر غى جيب ملابس حسين توفيق أيضا على ورقة يانصيب عليها عبارات ( هل قالت لأهلها س-أريد منك صورة – البيانى – أريد أن اراكى لأنى سأذهب الى مهمة خطيرة behind the front lint )وفى جيب سترته عثر على مفكرة مدون فى خانة يوم السبت 5 يناير ( الساعة 5 بالعتبة م.م.م.غ)وفى خانة الأحد 6 يناير ( الساعة 4 بالجيزة reunes )

أقوال شهود الحادث فى التحقيق والمحاكمة

سئل الشهود الذين تعقبوا الجانى عقب هروبه وتصادف وجودهم فى مكان الحادث أو على مقربة منه , فشهد عبد المنعم إبراهيم القباني الموظف بالمخازن الأميرية فى التحقيق والمحاكمة , أنه كان قادما من جهة ميدان الملكة فريدة حوالى الساعة السادسة والربع متجها الى ميدان الأوبرا , وشاهد القوم يجرون مستغيثين " حرامى حرامى " ثم سمع انفجارا شديدا , أصيب هو منه فى ذراعه , وشاهد شخصا يجرى من ميدان الأوبرا الى ميدان الملكة فريدة , وكان عارى الرأس , ولم يتمكن من تباين ملامحه , ثم علم أنه القى قنبلة عند الأوبرا .
كما شهد جمال الين عبد الشافى ( مكوجى بمحل جروبى ) أنه كان عائدا من عمله فى نفس الوقت عندما رأى جمهرة من الناس تتعقب شخصاث سمع صوت انفجار قنبلة أصيب من جرائها فى ساقه اليمنى وسمع أن الشخص الهارب هو الذى ألقاها .
كما شهد حسن محمود ( قائد جناح بسلاح الطيران الملكى ) أنه أثناء سيره بشارع عدلى شاهد أمين عثمان يدخل مسرعا الى المبنى الذى وقع فيه الحادث ثم سمع طلقات سمع بعدها صرخة استغاثة علم بعدها بالحادث وشاهد شخصا يخرج مسرعا فى نفس الصورة التى شهد بها الشهود السابقون .
وقد شهد عبد العزيز الشافعى أحد أعضاء رابطة النهضة التى كان يرأسها أمين عثمان والذى اعتاد الحضور اليها كل سبت وثلاثاء , وقد لفت نظره وقوف شابين لمدة ثلاثة أيام – سابق على يوم الحادث – أمام المبنى الذى قتل فيه أمين عثمان , أما يوم الحادث فقد حضر الشاهد وبعد وصوله الى النادى سمع صوت اطلاق أعيرة نارية فى مدخل المبنى , فتوجه صوب الصوت فوجد أمين عثمان وقد أصابته هذه الأعيرة , فجعل يصرخ ضاغطا بيديه على الجروح ليوقف النزيف , واضاف أنه تبين أن أحد هذين الشابين ابن توفيق أحمد بك وكيل وزارة المواصلات , لأنه سبق أن تعرف عليه منذ سنة سابقة على الحادث عن طريق ابن عمه سامى توفيق الذى كان موظفا بوزارة المواصلات ثم نقل الى هندسة الوابورات بالسكة الحديد وكان حسين يتردد كثيرا على ابن عمه فى عمله وأضاف أنه لاحظ عليه أنه "عبيط" من مظهره وملبسه , فأخبره ابن عمه أن هذا الذى يستهين به " شقى ويحرز قنابل ويتحرش بالانجليز " ووصفه يوم الحادث بشكل متطابق مع أوصاف بقية الشهود له . وقد أيده أحمد سامى توفيق ابن عم المتهم الأول فى شهادته .

عملية العرض القانونى

رأت النيابة العامة أما شهادة الشهود التى اتحدث حول وصف اشخاص المتهمين زيا وشكلالا , أن تقوم بعملية عرض قانونى عليهم حتى يمكنهم التعرف عليهم , فطلب رئيس النيابة احضار المتهمين فى عربة خاصة من السجن فأحضروا وأودعوا فى غرفة خاصة بمكتب المحامى العام الذى نزل الى فناء المحكمة ليأمر بايداع حسين توفيق وأخيه سعيد توفيق غرفة خاصة بهما حتى يتم الاعداد لعملية العرض , على ألا يتصل أحد بأى من المتهمين .
بدأ التحقيق باحضار ثمانية أشخاص متقاربين فى الشكل والجسم مع المتهمين , وأوقفوهم مع المتهمين فى شكل طابور وعرضوا على الشاهد حسين أحمد عبد السيد فلم يتعرف على أحد .
وبعرضهم على الشاهد حسن محمود أشار الى حسين توفيق قائلا أنه يشك فى أن يكون هو المتهم .
ثم أحضر الشاهد أبو بكر موسى وعرض المتهمين عليه فتعرف على حسين توفيق وجذبه الى الأمام عن سترته جازما أنه هو الذى قارف الجريمة .
وبتكرار عملية العرض على الشاهد عبد العزيز الشافعى تعرف عليه فورا ولما سئل حسين توفيق عن معرفته به نفى ذلك فجعل الشاهد يسرد عليه مناسبات اللقاء به فى وزارة المواصلات .
وبعد ذلك أمر المحقق بالقاء القبض على حسين توفيق وأخيه سعيد توفيق اللذين كان وكيل النيابة القاويش قد قبض عليهما فى منزلهما فى الواحدة صباح ثانى يوم الحادث .
كما تقدم فى نفس الوقت أحمد عبد الرحمن بك مفتش ضبط القاهرة بتقرير يشير فيه أنه سبق ضبط حسين توفيق فى حوادث مقتل هينز فى الجنايى رقم 175 سنة 1945 حلوان قسم المعادى فى ليلة 8 ديسمبر 1944 كما قدم الأميرالاى جايلز بك تقريرا ضد حسين توفيق وعمر بليغ وأنور فايق جرجس وجول اسود نعيم وضبطهم وتفتيش منازلهم يوم 13 ديسمبر 1945 وأنه حقق معهم وأخلى سبيلهم .
ثم أنه اتهم فى جناية الشروع فى قتل الأونباشى (يونج) فى الجناية رقم 1140 سنة 1945 مصر الجديدة , تم اتهامه فى جناية الشروع فى قتل العسكرى ميللر .
وبعد تسليم هذا التقرير ورد تقرير الطبيب بوفاة أمين عثمان . فاستمر التحقيق بسؤال الشهود " أرتو بازجيان والكونستابل محمد كامل مرسى الذى كان معينا لتنظيم المرور عند ملتقى شارعى عدلى وابراهيم باشا , الذى قرر أنه رأى المارة مقبلين عليه بسرعة مستغيثين , وشاهد شخصا بين تمثال ابراهيم باشا والفسقية يطلق النار عليهم واستمر فى اطلاق النار فقام هو بتتبعه حتى وصل الى ميدان الملكة فريدة فألقى المسدس على الأرض واستمر فى الجرى فتناول هو المسدس ثم سمع انفجار قنبلة فتوقف عن تعقبه فتمكن من الافلات تجاه شارع البيدق , ولم يتمكن من التعرف عليه .

استمرار اجراءات القبض والتحقيق

استدعت النيابة والد المتهم حسين توفيق فقرر أن ابنه فى السنة الرابعة الثانوية وأنه عقب حادث اغتيال أحمد ماهر باشا سمع ابنه حسين توفيق يحبذ التضحية , وضبط معه مسدسا غير صالح للاستعمال , وعلل وجوده معه بالدفاع عن نفسه ضد اللصوص , فنصحه بعدم حمل السلاح , كما أن ابنه كان يظهر كراهيته للانجليز , ويقول أن المتولين الحكم خدام لهم , وقال بأن حالة ابنه الصحية والنفسية غير طبيعية وأنه abnormal فهو مصاب بانفصام شبكى فى عينيه وان تصرفاته غير عادية , وأنه فى ليلة الحادث خرج حسين حوالى الساعة السادسة الا ربعا لزيارة خالته فى ضاحية منشية البكرى , أما هو (أى الأب ) فقصد نادى سليمان باشا حيث سمع بوقوع الحادث , وعاد الى المنزل حوالى الساعة السادسة والثلث وعلم من الخادمة ان ابنه حسين قد عاد قبل وصولهم بنصف ساعة , ولما قص ما سمعه على مسامع ابنه حسين أثناء اجتماعهم على مائدة العشاء من أنه سمع بالخبرمن وكيل وزارة الداخلية وان المتهم أطلق رصاصتين على القتيل , أضاف حسين أنه سمع من اصدقائه أن الاعتداء كان بقنبلة .
وانه بعد قليل حضر الأستاذ القاويش وكيل النيابة وقبض على المتهمين حسين وسعيد . وقد شهدت الخادمة بأن حسين حضر حوالى الساعة السابعة – بدء الاذاعة المسائية .
واستمرت النيابة فى استماع بقية شهود اثبات الحادث . وقد عرض المتهم مرة أخرى عرضا قانونيا على بقية الشهود فتعرفوا عليه من بين الأشخاص الذين تخللوا وجودهم .
وسئل حسين توفيق وقتها فرفض الاجابة بحجة أنه متعب وسئل محمد ابراهيم كامل فانكر ما نسب اليه وكذلك سعيد توفيق الذى قررأنه خرج وعاد وقت الحادث بصحبة والديه .
ولم يستمر حسين توفيق على رفضه تلاجابة أكثر من يوم واحد لجأ بعده وكيل النيابة الى الحيلة (3) أنور السادات : البحث عن الذات ص 73 , 74 , حيثيات الحكم فى القضية .
فأوعز الى الصحف بالاشارة الى أن الحادث وقع لأسباب نسائية وهنا انفجر حسين توفيق معترفا , وكان وكيل النيابة يعرف فيه حبه للبطولة , وكان اعترافه فى يوم 10 يناير 1946 , كما دل على أفراد الجماعة الذين اشتركوا معه ومخزن أسلحتهم فى جبل المقطم .
وبدأت عمليات القبض على من وردت أسماؤهم فى اعترافاته ومنهم أنور السادان الذى قبض عليه ليلة 12 يناير .

بقية اعترافات المتهمين فى الحادث

اعترف المتهمون فى الحادث (1) تقصر هنا الحديث على حادث أمين عثمان فقط دون بقية الأحداث التى تناولتها القضية حيث أنه موضوع دراستنا .
تفصيلا , وقد استمعنا باعترافاتهم فى عدة أماكن سبقت فى هذه الدراسة حسب الحاجة اليها , فقد أوردنا منهافى تصوير الحالة فى البلاد قبيل وقوع الحادث , وجزءا آخر عند الحديث عن تشكيل جماعة حسين توفيق وفى أسباب الحادث . وأخيرا فى تصوير كيفية وقوع الحادث .
والآن نعرض لما بقى من هذه الاعترافات , مستعينين فى ذلك بما ورد فى كتاب المحاكمة الكبرى للطفى عثمان وما ورد فى القسم الخاص , بالحكم فى القضية , حيث أن هذا ما أمكننا التوصل اليه .
فقد اعترف المتهم الأول : حسين توفيق أحمد بأن الجمعية التىكونها – والتى سبق لنا أن عرضنا تنظيمها – قد رأت قتل النحاس باشا يوم 5 ديسمبر 1945 وأنه كلف من قبلها للقيام بهذه المهمة , ولكن التدبير أخفق , فتقرر قتل أمين عثمان , ثم قتل النحاس أثناء سيره فى جنازته , الا ان ظروف القاء القبض عليه منعته من مواصلة تنفيذ الشطر الثانى من المخطط , وأن بقية أعضاء الجماعة لو علموا بهذا لقاموا هم بتنفيذه .
وأنه على سبيل تنفيذ خطة اغتيال أمين عثمان , عاين مكان رابطة النهضة والممرات التى تؤدى اليها ليرسم خطة الهرب ,ثم تربص له ساعة الحادث داخل المبنى , وقد رافقه الى باب العمارة محمود يحيى مراد أما الأربعة الآخرون عمر حسين أبو علي ومحمود الجوهري وسيد أحمد خميس ومحجوب علي محجوب فقد اتخذوا الأماكن المحددة لهم لمراقبة الطريق , واذ نادى عليه والتفت أمين عثمان اليه أطلق عليه ثلاث رصاصات فى مواجهته ثم هرب بعد اطلاق النار على النحو الذى سبق عند تصوير الحادث . وقال ان الجمعية تتكون من خمسين عضوا بعضهم عامل والبعض الآخر غير عامل وأنها مقسمة الى شعب وحلقات غير متصلة , وأنها تهدف الى استقلال البلد عن طريق القوة , أى طرد الانجليز بالقوة , وقتل من يعاونهم من المصريين الخونة ومن بينهم النحاس وأمين عثمان , وبذلك يخاف غيرهم فيعتزلوا السياسة أو يتركوا البلد , أو يبتعدوا عن الانجليز .
وبدأ يعترف أكثر اعترافه عن تفاصيل حادث الاعتداء على النحاس – وهذا يخرج عن موضوعنا – واعترف على محمود يحيى مراد الذى قبض عليه فور ذلك وفتش منزله .
ثم عاد حسين توفيق يوم 14 يناير 1946 واعترف اعترافا مفصلا أمام الأستاذ كامل القاويش وكيل النيابة فى سجن الأجانب , حيث ذكر بقية شركائه فى هذا الحادث ودور كل منهم.
وهم: عمر حسين أبو علي ومحمود الجوهري أحمد خميس ومحجوب علي محجوب ومحمود كريم .
وفى اعترافه تفصيلا يوم 14 يناير قال ان اختياره من الجمعية لتنفيذ اعتيال النحاس كان بطريق القرعة , على أن ينفذ هذا فى يوم 5 ديسمبر 1945 , وانه أخفق وكان عليه أن يعود لقتله فى جنازة أمين عثمان وقد حال القبض عليه دون استمرار التنفيذ .
وقد أشار حسين فى التحقيق أنه يعرف ان قتل أمين عثمان كان صوابا وليس خطأ , و لما سئل كيف يكون القتل صوابا , وقد حرم الله قتل النفس ؟ أجاب ان الله لا يحرم قتل كل نفس , بل هناك بعض النفوس مباح قتلها وان نفس أمين عثمان ومن على شاكلته التى تعيث فسادا فى الأرض حلل الله قتلها فى سبيل الشعب .
ولما سأله وكيل النيابة كيف يتهم شخصا ويحاكمه ويحكم عليه وينفذ فيه الحكم دون أن يعطيه فرصة للدفاع عن نفسه أجاب أنه سمعه وعرف وجهة نظره , حيث كان يحضر مع الناس فى نادى رابطة النهضة واستمع الى أقوال أمين باشا , ومن وجهة أخرى فان آراء أمين عثمان باشا معروفة للخاص والعام .
ولما سئل عما دعاه للاعتراف أجاب أنه ظن أن هذه الفرصة لتفهيم الناس المبادىء السامية والفكرة الجليلة التى يعمل من أجلها .
وان كان حسين قد ارتد عن هذا الاعتراف فى جلسة 11مارس 1946 مقدما عريضة ضمنها " أن ما أدلى به بعد عدة أيام من القبض عليه , وحوالى منتصف الليل تحت تأثير التهديد " ؟"وأنه عند نظر معارضة أمر حبسه أما القاضى أراد ان يدلى بأقواله فى محضر التحقيق لا أمام المحكمة فوعده وكيل النيابة بذلك ثم اعتذر بعد ذلك معللا تردده بقوله " لانقاذ ما يمكن انقاذه " .
وبضبط محمود يحيى مراد الذى اعترف حسين توفيق باشتراكه معه فى الحادث على أساس علمه بالمخطط فتش منزله حيث ضبط فيه أربع صحف تحتوى على تفاصيل مقتل أمين عثمان , وبعض أدوات للرماية .
ولما ووجه حسين توفيق به قال حسين أن محمودا كان يعلم أن هناك ثلاث محاولات بذلك فى سبيل قتل أمين عثمان وان محمودا كان يعلم أيضا أنه سيقوم بمأمورية خطيرة .
وقد أنكر محمود هذا أول الأمر لكنه عاد وعترف بأن حسين كان يدربه على اطلاق النار فى بدروم منزله , وانه اتصل بحسين وأخبره بمقتل أمين عثمان كما اعترف بأنه اشترك فى الحادث , حيث كانت مهمته مراقبة الطريق , وبذلك وجبت فى حقه تهمة الاتفاق والمساعدة .
كما اعترف محمود أحمد الجوهري فى جلسة نظر المعرضة فى أمر حبسه يوم 10 فبراير 1946 أمام الأستاذ أحمد الوشاحي رئيس محكمة مصر , بأنه عضو فى الجمعية التى يرأسها حسين توفيق , وأن غرض هذه الجمعية هو طرد الانجليز بالقوة وأنه لدى أفرادها أسلحة , وأن اشتراكه فى حادث أغتيال أمين عثمان كان فى شكل مراقبة قدوم سيارته من ناحية شارع عماد الدين .
كما عترف عمر حسين أبو علي على الجوهرى بأنه كان واسطة تعارف بينه وبين حسين توفيق . أما عمر أبو حسين فقد اعترف بعد وفاة والده أقام مع أخيه الأكبر أحمد سعودى – كما سبق وأوضحنا – الضابط بسلاح الطيران الملكى وهو صديق حميم لأنور السادات , وأنه من أفراد الجمعية التى يرأسها حسين توفيق .
سيد عبد العزيز خميس الطالب بالسنة الثالثة بكلية الآداب قسم التاريخ اعترف بصلته بحسين توفيق عن طريق محمد ابراهيم كامل ابن خالة حسين وانه كان عضو فى الجماعة وعضو رابطة النهضة , وأنه كان موجودا بها مساء مقتل أمين عثمان , وأنه اشترك فى نقله بعد اصابته مع من حملوه الى مكتب المحامى ليتمكن من التأكد من أن الجروح مميتة , ثم ذهب الى منزل أحمد وسيم خالد وأنبأه بالخبر الذى ذاع بعد ذلك بين أفراد الجماعة , وأضاف أنه هو الذى عرف موعد تردد أمين عثمان , فكان حلقة هامة من المخطط .
أما محجوب علي محجوب الذى كان زميلا لخميس فى المدرسة , فقد اعترف بما دار فى جمعيتهم من فكرة الاغتيالات السابقة , وأنه كان مع حسين توفيق ومحمود مراد والجوهرى وأنه قصد قبل الحادث الذهاب الى الرابطة مع خميس وأخبر حسين بموعد حضورأمين عثمان , وبالنسبة لأنور السادات فقد استرسل وكيل النيابة فى سرد حياته فى الجيش , وخروجه منه وحياته بعد ذلك , وقد تعرف عليه حسين توفيق وأنه شجع جماعة حسين توفيق على القيام بهذه الأحداث , و من ثم وجبت فى حقه تهمة الاشتراك والمساعدة .
وقد اعترف عليه حسين توفيق بالتفصيل , ولكنه عدل عن ذلك من باب الرأفة به – حسب قوله – لأنه رب أسرة وهذا التردد استغله الدفاع فيما بعد .
وعلى هذا فقد تم القبض عليه , وبتفتيشه ضبط فى جيب بيجامته ورقة فيها العبارة الآتية " التقرير رقم 1 فى 13 – 2 – التشكيل رقم 2 جمعية بلا عمل – التشكيل رقم 2 يتصل بى , ابتعدوا وأنا أتولى القيادة من هنا – التشكيل رقم 2 ينتظر الأوامر – أتعشم أن أصل الى الضربة الكبرى قريبا – يعتبروننى شخصا خطيرا ولكن الدليل ضعيف جدا – فى انتظار الأوامر الحمد لله وليحى رجالنا .." .
وبالنسبة لمحمد ابراهيم كامل وهو نجل أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف أسيوط فقد ظهر فى القضية عندما ضبط كتابه " علم الحيوان " على مكتب حسين توفيق , وانه كان عضوا فى جمعية حسين توفيق وفى مجلس ادارتها , كما اتهم كل من نجيب حسين فخري وسعد الدين كامل المحامى ومحمد محمود كريم بالاتفاق والمساعدة على أساس اشتراكهما فى التخطيط للاعتيال .

وعلى هذا فقد قسم وكيل النيابة المتهمين فى هذا الحادث الى ثلاث درجات :

أ-فاعل أصلى وهو حسين توفيق .
ب- شركاء بالاتفاق والمساعدة وهم : محمود يحيى مرادمحمود أحمد الجوهريعمر حسين أبو عليالسيد عبد العزيز خميسمحجوب علي محجوب .
ج- شركاء بالاتفاق فقط وهم : محمد أنور الساداتمحمد ابراهيم كاملسعد كاملنجيب فخرىمحمد محمود كريم . (2) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 195 .
أما بقية المتهمين فكانوا متهمين بالقضايا الفرعية .

أهم الأحداث الفرعية

نتناول هنا أهم الأحداث التى تفرعت عن القضية الأصلية , أى ما وقع أثناءها أو بسببها , وقد أشير أليها فى قائمة الاتهام , بادئين بحادث سجن الأجانب " وهو السجن الذى أودع فيه المتهمون رهن التحقيق والمحاكمة وكان مسرح الحادث هى الغرفة رقم 10 من هذا السجن حيث كان فيها كل من المتهمين : حسين توفيق أحمدمحمود يحيى مرادمحمود أحمد الجوهري – السيد عبد العزيز خميس – مدحت حسين فخرى –سعيد توفيق أحمد – أحمد خيري عباس .
وفى حوالى الساعة الواحدة من صباح يوم 26 فبراير 1946 سمع الحراس هياجا ونداءات من المتهمين , مطالبين الحراس بالتدخين , فأطلق الكونستابل فؤاد محمد حسن صفارته كتنبيه لنوبة الحراسة لما قد يحدث نتيجة هذا الهياج .
وفى نفس الوقت شكا بعض المسجونين المودعين فى غرفة مجاورة من وجود أقذار عندهم يريدون ازالتها , فذهب اليهم الجندى المرافق للكونستابل , فى الوقت الذى فتح الكونستابل الغرفة رقم 10 فجذبه المتهمون الى داخل الغرفة وشجوا رأسه بقلة كانت نعهم , فسقط مضرجا فى دمائه , وهنا حاول المتهمون الاستيلاء على مسدسه .
وقد حضر هذا الهرج القائم ابراهيم امام بك وانتزع المسدس من أيديهم , وهددهم باطلاق النار عليهم ان لم يمتثلوا للأمر برفع أيديهم , فاطاعوا الأمر وقد حضر فى هذه الآونة اليوزباشيان (النقيبان ) محمد الجزار ومحمد توفيق سعيد , ونقولا المصاب الى المستشفى لاجراء اللازم نحوه طبيا .
وقد انتقا الى مكان الحادث عبد الرحمن الرافعي رئيس النيابة ومحمد كامل القاويش وكيل النيابة . وتبين أن المتهمين كانوا يريدون بهذه المحاولة الهروب من السجن وهكذا تشكلت فى حقهم تهمة جديدة أضيفت الى قائمة الاتهام خاصة وانه قد عثر فى شبشب حسين توفيق عند تفتيشه على رسم تخطيطى لمحاولة الخروج من السجن .
وقد حدث فى أثناء المحاكمة , وعند مناقشة وقائع هذا الحادث طلب الأستاذ على الخشخشانى المحامى سماع أقوال كامل القاويش وكيل النيابة لأنه قرأ التحقيق ورأى أن هؤلاء الضباط الثلاثة قد اشتركوا فى التحقيق وقاموا بأعمال تتصل بصميم الدعوى واعترافات المتهمين سواء أمامهم أم أمام وكيل النيابة .
وقد أيد معظم المحامين هذا الطلب .
وعلى هذا فقد سمعت أقواله فطالب الدفاع برده عن الاستمرار فى الادعاء وفعى نحى عن مواصلة ادعائه بجلسة 24 ديسمبر 1946 .

حادث محاولة خطف ملفات القضية :

وهو كذلك حادث تفرع عن هذه القضية وتفصيله كالآتى :

تحددت الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم 20 أبريل 1946 موعدا للنظر فى أمر مد حبس المتهمين فى قضية اغتيال أمين عثمان , وبينما كانت الشرطة تتخذ استعداداتها للمحافظة على الأمن فى المحكمة وخارجها , وتستعد لاستقبال المتهمين , كان ساعى المحكمة ويدعى ( محمد عمران ) يحمل ملفات القضية على دراجته , من منزل قاضى الاحالة بعد أن اطلع عليها فى منزله فى الحلمية الجديدة , وكانت تبلغ خمسة ملفات , وبينما كان مارا بدراجته فى شارع محمد على أما جامع أيسون اذا بسيارة يقف على رفرفها شاب , وانحرفت صوبه وانحنى هذا الشاب واختطف أحد ملفات القضية , فصاح الساعى مستغيثا , وجرى خلف السيارة فنزل الشاب يجرى على قدميه فتبعه الساعى صائحا مستغيثا .
وتصادف مرور الاونباشى محمد مصطفى من قوة وزارة الداخلية فى هذه المنطقة , فأسرع خلف الشاب , مهددا اياه باطلاق رصاص مسدسه ان لم يقف فورا , وبهذا تمكن من القبض عليه , فى الوقت الذى تناثرت فيه أوراق القضية , فأسرع المارة وجمعوها وسلموها الى الساعى وأقتيد الشاب المتهم الى قسم البوليس , وأبلغت النيابة بالحادث .
حيث انتقل عبد الرحمن الرافعي رئيس النيابة والأميرالاى عبد الفتاح نصر ومأمور قسم الدرب الأحمر الى مكان الحادث , وشهدوا تمثيلية لما جرى وجمعوا الشهود لسؤالهم , كما حضر قاضى المعارضات وفحص الأوراق فوجدها كاملة .
وقد تبين من التحقيق أن الشاب المتهم من هواة الرياضة , وهو من فريق الرياضة بجمعية الشبان المسلمين ويدعى محمد عبد الفتاح فى السابعة والعشرين من عمره , وكان يعمل فى الجيش الانجليزى بمرتب 80 قرشا فى الشهر (1) البلاغ 21 أبريل 1946 .
وقد اتضح من شهادة الشهود ان السيارة الى اشتركت فى ارتكاب الحادث , سيارة مقفلة لونها أخضر قاتم (2) الأهرام 21 أبريل 1946 .
وقد اشترك فى تحقيق الحادث صادق الشبينى وعلى نور الدين وعصام الدين حسونة .
وقد أنكر المتهم ما نسب اليه وقام الأستاذ على نور الدين بتفتيش مسكنه بمنشية الصدر وعثر على طلقة رصاص وأوراق مختلفة منها ما كان مدونا عليها كلمة (.. جمعية ) وعادوا به الى مبنى قسم الدرب الأحمر , حيث باشروا التحقيق الذى انتهى فى ساعة متأخرة من الليل (3) الأهرام 22 أبريل 1946 .
وظل البوليس يبحث عن السيارة الخضراء التى استخدمت فى الحادث حيث أبلغ أيضا ان رصاصا أطلق على على أحد الجنود البريطانيين من سيارة خضراء مما أدى الى تكثيف البحث عنها .
وقد ترامى الى علم البوليس ان هذه السيارة مخبأة فى المقابر, وفعلا تم العثور عليها فى مكان مهجور فى المقابر مغطاة بالخيش , فقام الأميرالاى أحمد طلعت بضبطها وأبلغ النيابة بذلك .
فانتقل للتحقيق الأستاذ أنور حبيب وكيل النيابة ومعه الأستاذ مدحت نور وكيل النيابة واللواء سليم زكي وغيرهم من رجال البوليس , ونقلوا السيارة الى دار محافظة القاهرة وغطيت الى أن أجريت عليها عملية عرض قانونى مع سيارات مماثلة فى الشكل واللون وتعرف الشهود عليها وقد أمرت النيابة بتفتيش 15 منزلا اشتبه فى أصحابها (4) الأهرام 19, 20 مايو 1946 .

حادث طريق الهرم

عندما وقد حادث اغتيال أمين عثمان , أحس كل فرد له صلة بالحادث أو بمن ألقى القبض عليهم بضرورة قطع صلته بهم , فكان على كمال حبيشة وهو من أفراد ( الجمعية ) يحرز مسدسين أحدهما خاص بزوج خالته ( حسين فخرى ) وآخر ماركة براونج .
وأراد على حبيشة التخلص من المسدسين فخرج بالمسدسين ومعه وسيم خالد الى طريق الهرم ليلقيا السلاح بعيدا عن الأنظار , وبينما هما يسيران فى شارع الهرم شاهدا سيارة بداخلها رجل وفتاة , والفتاة هى التى تمسك بعجلة القيادة , فعاكساهما , فنزل الرجل منالسيارة ليتشاجر معهما فأطلق عليه حبيشة مسدسه فأصابه , وحاولا انزال الفتاة من السيارة وتولى قيادتها هو , فلم يستطع ذلك .
فتركا ساحة الجريمة وألقيا بما معهما من سلاح وجريا نحو الترام فاستقلاه , الى نقطة البوليس حيث أسلما تفسيهما هناك وقد تبين ان المجنى عليه يدعى محمد الشلقانى وكان فى صحبة احدى قريباته فى نزهة قريبة من مسكنهما . وقد اعترف أحمد وسيم بواقعة المشاجرة كما اعترف كمال حبيشة بواقعة اطلاق الرصاص عليه . وقدما للمحاكمة بتهمة الشروع فى القتل (5) ملف القضية والأهرام 5 ديسمبر 1946 .

اطلاق النار على الشاهد عبد العزيز الشافعي

عندما قتل أمين عثمان , اتخذت اجراءات القبض والتفتيش , تقدم الشاهد المهندس عبد العزيز الشافعى الى سلطات التحقيق وأرشدهم الى المتهم الأول حسين توفيق , وبناء على شهادته تم القبض عليه .
ولقد تعرض الشاهد لمحاولة اغتيال نتيجة هذا العمل , فعندما كان يجلس فى مقهى (رويال ) بشارع توفيق بالقاهرة مع بعض أصدقائه كما تعود , قابله أحد أصدقائه وهو المهندس على حسنين بشركة البواخر النيلية , وأبلغه بأنه سمع أن عدة أشخاص سيقومون باغتياله , وأوصاه بألا يبقى خارج منزله بعد الساعة العاشرة مساء . ثم تلقى عبد العزيز الشافعى نفسه خطاب تهديد بالقتل وأبلغ الأمر الى رجال الأمن العام .
وفى ليلة الحادث وأثناء جلوسه فى المقهى أطلق عليه مجهول الرصاص وهرب الى شارع الألفى , وكان يطلق الرصاص أثناء فراره للارهاب الى أن قابله أحد رجال المرور وقبض عليه وانتزع منه المسدس , واقتاده الى قسم بوليس الأزبكية حيث أبلغ بالحادث (6) الأهرام 2 يوليه 1946 .
فانتقل على الفور الأستاذ مختار قطب وكيل نيابة مصر واللواء سليم زكي , ونقل المصاب الى مستشفى الهلال الأحمر وقد أنكر المتهم محمود فهمى السيد ملكيته للمسدس وقرر أنه كان ثملا ولم يدر ماذا جرى .
وقد تبين ان المتهم عامل باليومية فى مصنع للزجاج التابع لوزراة المعارف العمومية وهو وان لم تكن له علاقة بحادث أمين عثمان الا انه كان له ملف بالقلم السياسى وسبق اتهامه فى قضايا سياسية سابقة (7) الأهرام 4 يوليه 1946 .
فمن هذه القضية وقضية محاولة خطف ملف القضية تبين ان المتهمين فيهما لم تثبت علاقتهما بالمتهمين , وانما يرجح أن يكون السبب هو تعاطف بعض الشباب مع لمتهمين , واعتبارهم مجاهدين وطنيين فى نظرهم , وعليهم أن يقدموا لهم هذه الخدمات .
وان كان بالنسبة لقضية خطف الأوراق الخاصة بالقضية فهناك من يرى ان الخطف كان بسبب اعادة التحقيق مرة أخرى لتستمر المحاكمة , وهنا كان المتهمون سيلتزمون جانب الانكار بعد اعترافهم أول الأمر (8) روزاليوسف العدد 1442 , 30 1956 مذكرات الجزار .

نظر القضية أمام القضاء

نظرت قضية اغتيال أمين عثمان بعد أن انتهت النيابة العامة من تحقيقاتها وذلك بجلسة 21 أبريل 1946 بمحكمة مصر بباب الخلق بالقاهرة بادئة بجلسات عديدة للمعارضة فى أوامر مد الحبس الاحتياطى التى أصدرتها النيابة العامة ضد المتهمين .
وكانت الجلسة برئاسة القاضى عطا الله إسماعيل , وقد أحضر المتهمون من السجن ومعهم المحامون الذين وكلوهم أو وكلوا عنهم وكان المتهمون هم (1) : هذه البيانات من واقع ملف القضية من ص 2 المحكمة حيثيات الحكم .
1- حسين توفيق أحمد 22 سنة طالب بمدرسة فؤاد الأول الثانوية وسكنه القاهرة .
2- محمود يحيى مراد 22 سنة طالب بكلية الهندسة – جامعة فؤاد الأول وسكنه القاهرة .
3- محمود أحمد الجوهري 19 سنة طالب بمدرسة فؤاد الأول وسكنه القاهرة .
4- عمر حسين أبو علي 25 سنة مدرس بمدرسة الأمير عمر طوسون الابتدائية بشبرا وسكنه بالقاهرة .
5- السيد عبد العزيز خميس 20 سنة طالب بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وسكنه بالقاهرة .
6-محجوب علي محجوب 20 سنة طالب بمدرسة الدواوين الثانوية وسكنه القاهرة .
7- محمد أنور السادات 28 سنة مقاول نقل بالسيارات وسكنه بالقاهرة .
8-محمد ابراهيم كامل 20 سنة طالب بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول .
9- سعد الدين كامل 22 سنة محام تحت التمرين ومقيم بشارع صبحى بالدقى .
10 – نجيب حسين فخري 22 سنة بالمعهد العالى للعلوم المالية والتجارية ومقيم بشارع فاروق الأول 18 بالأورمان بالجيزة .
11 – محمد محمود كريم 22 سنة طالب بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول وسكنه بالقاهرة .
12- مدحت حسين فخري 19 سنة طالب بالمدرسة السعيدية وسكنه القاهرة .
13- سعيد توفيق أحمد 17 سنة طالب بمدرسة فؤاد الأول الثانوية وسكنه القاهرة .
14 – مجدي عبد العزيز أبو سعدة 19 سنة طالب بالمدرسة السعيدية الثانوية ومقيم بشارع الخديوى اسماعيل 131 بالدقى .
15- أحمد وسيم خالد17 سنة طالب بالمدرسة السعيدية الثانوية وسكنه بالقاهرة .
16-مصطفي على كمال حبيشة 17 سنة طالب بالمدرسة السعيدية وسكنه بالقاهرة .
17 – محمد علي خليفة 22 سنة طالب بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول وسكنه بالقاهرة .
18- محمد عبد الفتاح الشافعي 24 سنة طالب بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول وسكنه بالقاهرة .

عباس محمود المرشدي 22 سنة بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول وسكنه بالقاهرة .

20 – علي عزيز دياب 20 سنة طالب بمدرسة القبة الثانوية وسكنه بالقاهرة .
21-أحمد خيري عباس 20 سنة طالب بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول وسكنه بالقاهرة .
22- أحمد محمد خليل الحلواني 20 سنة طالب وسكنه بالقاهرة .
23- كامل محمد إبراهيم الواحي 20 سنة طالب بمدرسة فؤاد الأول الثانوية وسكنه بالقاهرة .
24- عبد الهادي مسعود 22 سنة طالب بنادى وموظف بوزارة المعارف العمومية وسكنه بالقاهرة .
25- جول اسود نعيم 21 سنة كاتب بنادى سبورتنج كلوب وسكنه بالقاهرة .
26- أنور فائق جرجس 23 سنة شريك فى محل راديو هونولولو بالقاهرة وسكنه بالقاهرة .

هيئة الدفاع

وقد حضر للدفاع عن هؤلاء المتهمين المحامون :
الأستاذان أحمد رشدي بك وعلي الخشخاني عن المتهم الأول
الأستاذان حمادة الناحل وزكي عريبي عن المتهم الثانى
الدكتور محمد هاشم عن المتهم الثالث .
علي منصور ومنصور جنينية ولطفي المراغي نائبا عن إبراهيم رياض عن المتهم الرابع
شوكت التوني عن المتهم الخامس
وهيب دوس وبسطا شكري عن المتهم السادس
زهير جرانه ومحمود عبد المجيد عن المتهم السابع
توفيق دوس باشا وفتحي رضوان والظاهر حسن عن المتهم الثامن
فتحي رضوان عن المتهم التاسع
فتحي رضوان عن المتهم العاشر
مصطفى الشوربجي بك عن المتهم الحادى عشر
مصطفى الشوربجي بك عن المتهم الثانى عشر
مكرم عبيد باشا عن المتهم الثالث عشر
عبد المجيد الشرقاوي عن المتهم الرابع عشر
لطفى جمعة وعبد الرحمن البيلي وعلي أيوب وكرم تادرس عن المتهم الخامس عشر
على كمال حبيشة بك عن المتهم السادس عشر
زكى عريبى عن المتهم الثامن عشر
محمد أمين عامر عن المتهم الثامن عشر
زهير جرانه عبد الحكم ناصف عن المتهم التاسع عشر
محمود الحناوى عن المتهم العشرية
زكى عريبى عن المتهم الحادى والعشرين
محمد عرفه عن المتهم الثانى والعشرين
عبد الحميد يونس وابراهيم حسنين حلمي عن المتهم الثالث والعشرين
عبد الحميد يونس وحنفى حمادة الناحل عن المتهم الخامس والعشرين
فرج يوسف عن المتهم السادس والعشرين .

الادعاء بالحق المدنى

تمثل الادعاء بالحق المدنى (التعويض ) قبل المتهمين فى : مصطفى النحاس باشا بصفته وصيا على القاصرة عائشة أمين عثمان ابنة أمين عثمان المجنى عليه , وقد ادعى مدنيا فبل المتهمين من الأول الى الحادى عشر متضامنين , بمبلغ عشرين ألف جنيه تعويضا .
وقد حضر عنه الأستاذ عبد اللطيف محمود بك المحامى ومحمد ممدوح الشلقاني مدع بحق مدنى قبل المتهمين الخامس عش والسادس عشر ووالديهما محمد خالد بك وعلى كمال حبيشة بك بصفتيهما مسئولين بالحقوق المدنية , بأن يدفعوا جميعا متضامنين له مبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعوضا , وقد حضر عنه الستاذ محمد أبو العنين ابراهيم المحامى .
والليدى كاترين أرملة أمين عثمان باشا مدعية بحق مدنى قبل المتهمين من الأول الى الحادى عشر متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضا , وحضر عنها الأستاذ ابراهيم فرج المحامى .

قرار الاتهام (1) ارد فى حيثيات الحكم فى القضية. من ص4

أولا : المتهم الأول ( حسين توفيق أحمد ) فى مساء 5 يناير سنة 1946 الموافق أول صفر سنة 1365 بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة .
قتل حضرة صاحب السعادة أمين عثمان باشا عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك مسدسين وقنبلة يدوية وترصد له عند الباب الخارجى للمبنى المحتوى على نادى فيكتوريا ورابطة النهضة حتى اذا ما ظفر بع أطلق عليه ثلاث طلقات نارية قاصدا قتله , فأحدث به الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياته .
والمتهمون الثانى والثالث والرابع والخامس والسادس محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر حسين أبوعلى والسيد عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب اشتركوا مع المتهم الأول " حسين توفيق أحمد " فى ارتكاب هذه الجريمة بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفقوا معه على قتل المجنى عفليه السلف الذكر ووقف المتهم الثانى الى جوار المتهم الأول أثناء الحادث مسلحا بمسدسه لحمايته وليشد أزره ووقف المتهم الثالث عند ناصية شارعى عدلى ومحمد فريد لتنبيه المتهم الأول عند مقدم سيارة المجنى عليه ووقف المتهم الرابع عند ناصية شارع عدلى باشا وميدان ابراهيم باشا لنفس الغرض الذى وقف من أجله المتهم الثالث وقصد المتهمان الخامس والسادس الى دار رابطة النهضة لمعرفة ما اذا كان المجنى عليه قد قدم الى تلك الدار أم لا والاستيثاق من موعد مقدمه واخطار المتهم الأول بذلك , فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة .
والمتهمون السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادى عشر محمد أنور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل ونجيب حسين فخري ومحمد محمود كريم اشتركوا مع المتهم الأول فى ارتكاب هذه الجريمة بطريق الاتفاق بأن اتفقوا معه على ارتكابها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق .
ثانيا : المتهم الأول ( حسين توفيق أحمد ) فى الزمان السالف الذكر بدائرة قسم الموسكى بمحافظة القاهرة – شرع فى قتل عبد المنعم إبراهيم القباني وجمال الدين عبد الشافي وآخرين عمدا بأن ألقى صوبهم قنبلة يدوية بقصد قتل من كانوا يقتفون أثره للقبض عليه عقب ارتكاب حادث مقتل حضرة صاحب السعادة أمين عثمان باشا فأصابت شظايا القنبلة المجنى عليهما السالفى الذكر وأحدثت بهما الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبى وخاب أثر الجريمة لسببين لا دخل لارادة المتهم فيهما وهما اسعاف هذين المصابين بالعلاج وعدم وصول الشظايا الى الباقين , وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى وهى جناية قتل حضرة صاحب السعادة أمين عثمان باشا السالفة الذكر والمنطبقة على المواد 230 , 231 , 232 من قانون العقوبات .
والمتهمون الثانى والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والتاسع والعاشر والحادى عشر محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر حسين أبو علي والسيد عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب ومحمد أنور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل ونجيب حسين فخري ومحمد محمود كريم – اشتركوا مع المتهم الأول فى ارتكاب هذه الجريمة بأن اتفقوا معه على قتل حضرة صاحب السعادة أمين عثمان باشا فوقعت جريمة الشروع فى قتل عبد المنعم إبراهيم القباني وجمال الدين عبد الشافي نتيجة محتملة لذلك الاتفاق .
ثالثا : المتهم الأول ( حسين توفيق أحمد ) فى يوم 6 ديسمبر 1945 الموافق أول محرم 1365 بدائرة قسم السيدة زينب بمحافظة القاهرة .
شرع فى قتل حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا عمدا مع سبق الاصراروالترصد بأن عقد العزم على قتله وأعد لذلك مسدسين وقنبلتين يدويتين وترصد بهما للمجنى عليه فى طريقه بين منزله ودار النادى السعدى وألقى صوب سيارته قنبلة يدوية قاصدا بذلك قتله , وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادته فيه وهو أن سائق سيارة المجنى عليه كان مسرعا بها وقت الحادث فطاشت القنبلة ولم تصب شظاياها سوى الجانب الأيسر بسيارة المجنى عليه .
والمتهمون الرابع والسابع والثامن والتاسع عمر حسين أبو علي ومحمد أنور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل اشتركوا مع المتهم الأول فى ارتكاب هذه الجريمة بطريقتى الاتفاق والمساعدة بأن اتفقوا معه على ارتكابها وساعدوه فيها بأن وقف المتهم الرابع عمر حسين أبو علي الى جوار المتهم الأول يحمل مسدسا وقنبلة يدوية ليحميه شر الأذى ويؤازره وقت ارتكاب الجريمة ووقف المتهم السابع محمد أنور السادات على مقربة من مكان الحادث ومعه سيارة ليستقلها المتهمان الأول والرابع عقب الجريمة ووقف المتهمان الثامن والتاسع على مقربة من مكان الحادث وكل منهما مسلح بمسدس ليشد أزر المتهم الأول وليقوما بحمايته وقت ارتكاب الجريمة فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة والمتهمون الثانى والثالث والخامس والعاشر والحادى عشر , محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري والسيد عبد العزيز خميس ونجيب حسين فخري ومحمد محمود كريم اشتركوا مع المتهم الأول فى ارتكاب هذه الجريمة بطريق الاتفاق بأن اتفقوا معه على ارتكابها فوقعت بناء على ذلك .
رابعا : المتهم الأول ( حسين توفيق أحمد ) فى الزمان والمكان آنفى الذكر شرع فى قتل محمد الصاوي مرعي وفكري عبد العزيز صلاح وعبد الستار سليمان زهو وحسن متولي حسانين وفيكتور ابراموفتش وإنصاف حسن محمود وكونستاجامللى ولاشاتكوفسكى وروز شكري سليمان وصوفى عبد المسيح ميخائيل واعتدال أمين واليس فؤاد جرجس واليزابيث ميخائيل قسطندى وسبلتزا سيمون عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بأن بيت النية على قتل حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وترصد له فى الطريق وألقى على سيارته قنبلة يدوية قاصدا قتله فأصابت شظايا القنبلة المجنى عليهم سالفى الذكر وأحدثت بهم الاصابات الموصوفة بالتقارير الطبية – وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادة المتهم فيه وهو اسعافهم بالعلاج .
والمتهمون الثانى والثالث والرابع والخامس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادى عشر محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر حسين أبو علي والسيد عبد العزيز خميس ومحمد أنور السادات ومحمد أنور كامل وسعد الدين كامل ونجيب حسين فخري ومحمد محمود كريم اشتركوا مع المتهم الأول فى ارتكاب هذه الجريمة بأن اتفقوا معه على قتل حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وكانت جريمة الشروع فى قتل المجنى عليهم آنفى الذكر نتيجة محتملة لذلك الاتفاق .
خامسا : المتهمون الأول والثانى والثالث والرابع والخامس والسادس والحادى عشر والثانى عشر والرابع عشر والسادس عشر حسين توفيق أحمد ومحمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر سليمان أبو على والسيد عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب ومحمد محمود كريم ومدحت حسين فخرى ومجدى عبد العزيز أبو سعدة ومصطفى على كمال حبيشة فى يوم 27 ديسمبر 1945 الموافق 22 محرم 1365 بدائرتى محافظة القاهرة ومديرية الجيزة اشتركوا فى اتفاق جنائى الغرض منه ارتكاب جناية قتل بأن اتحدت ارادتهم وتوافقوا على قتل حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وذلك حالة كون الكتهمين الأول والثانى والثالث والخامس والحادى عشر قد تداخلوا فى ادارة حركة هذا الاتفاق .
سادسا : المتهمان الأول والثانى عشر حسين توفيق أحمد ومدحت حسين فخرى فى مساء يوم 20 نوفمبر 1945 الموافق 15 ذى الحجة 1364 بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة شرعا فى قتل وكيل الأمباشى البريطانى ولسلى ميللر عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بأن عقدا العزم على قتل من عساه يقابلهما من رجال الجيش البريطانى وأعد كل منهما لذلك مسدسا واستقلا سيارة للبحث عن ضالتهما حتى التقيا بالمجنى عليه فأطلق عليه كل منهما بضع طلقات نارية من مسدس قاصدين قتله فأحدثا به الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لاردادتهما فيه وهو اسعاف المجنى عليه بالعلاج .
والمتهمان الثانى والثالث عشر محمود يحيى مراد وسعيد توفيق أحمد اشتركا مع المتهمين الأول والثانى عشر فى ارتكاب هذه الجريمة بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفقا معهما على ارتكابها واستقلا معهما السيارة وتولى المتهم الثالث عشر قيادتها وسار بها للبحث عن الفريسة حتى اذا ما أبصر المجنى عليه لفت نظر المتهمين الأول والثانى عشر اليه وكان المتهم الثانى يحمل مسدسا ليؤازر به المتهمين الأول والثانى عشر فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة .
سابعا : المتهم الأول ( حسين توفيق أحمد ) فى مساء 23 ديسمبر 1945 الموافق 15 محرد 1365 بدائرة مصر الجديدة محافظة القاهرة شرع فى قتل الامباشى البريطانى يونج عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بأن انتوى قتل أحد رجال الجيش البريطانى وأعد لذلك مسدسا واستقل دراجة وطاف فى طرقات مصر الجديدة يبحث عن فريسته حتى ظفر بالمجنى عليه فأطلق عليه بضع طلقات نارية من مسدسه قاصدا قتله فأحدث به الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادة المتهم فيه وهو اسعاف المجنى عليه بالعلاج .
والمتهم الرابع عمر حسين أبو علي اشترك مع المتهم الأول فى ارتكاب هذه الجريمة بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معه على ارتكابها واستقل الدراجة مع المتهم الأول وهو يحمل مسدسا يعاضده به فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة .
ثامنا : المتهم الخامس عشر أحمد وسيم خالد فى مساء 28 يناير 1946 الموافق 24 صفر 1365 بدائرة بندر الجيزة بمديرية الجيزة شرع فى قتل محمد ممدوح الشلقاني أفندى عمدا بأن أطلق عليه طلقتين ناريين من مسدس قاصدا بذلك قتله فأحدث به الاصابات الموصوفة بالتقرير الطبى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادته فيه وهو اسعاف المجنى عليه بالعلاج وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى وهى ان المتهم المذكور والسادس عشر مصطفى على كمال حبيشة اشتركا فى اتفاق جنائى الغرض منه ارتكاب جناية قتل بأن اتحدت ارادتهما وتوافقا على قتل واحد أو أكثر من رجال الجيش البريطانى وهى الجناية المنطبقة على المادة 48 فقرة 1 , 2 .
والمتعهم السادس عشر مصطفى على كمال حبيشة اشترك مع المتهم الخامس عشر فى ارتكاب هذه الجريمة بأن اشترك معه فى اتفاق جنائى الغرض منه ارتكاب جناية قتل وذلك بأن اتحدا على قتل رجل أو أكثر من رجال الجيش البريطانى واتفقا على الحصول على سيارة لاستعمالها فى تنفيذ هذا الاتفاق فوقعت جريمة الشروع فى قتل محمد ممدوح الشلقاني نتيجة محتملة لجريمة الاتفاق الجنائى التى اتفق عليها ..
تاسعا : المتهمون الأربعة والعشرون والأول فى خلال السنوات 1944 , 1945 , 1946 ميلادية الموافقة للسنوات 1363 , 1364 , 1365 هجرية اشتركوا فى اتفاق جنائى الغرض منه ارتكاب جنايات قتل بأن اتحدوا وتوافقوا على قتل رجال الجيش البريطانى وفريق من رجالات مصر وقد تداخل المتهمون الأول والثانى والثالث والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادى عشر والثانى عشر فى ادراة حركة هذا الاتفاق الجنائى .
عاشرا : المتهم الأول ( حسين توفيق أحمد ) فى ليلية 14 يوليه 1941 الموافق 19 جمادى الثانى هجرية بالمعادى من أعمال قسم حلوان محافظة القاهرة وضع النار عمدا فى مبنى مدرسة القنصلية الانجليزية بأن صب بترولا على بابى تلك المدرسة وأشعل النار فيها .
والمتهم الثامن محمد ابراهيم كامل اشترك مع المتهم الأول فى ارتكاب الجريمة بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معه على ارتكابها ورافقه الى مكان الحادث ليساعده فلى ارتكابها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة .
حادى عشر : المتهمان الأول والسادس والعشرون حسين توفيق أحمد وأنور فايق جرجس فى ليلية 2 يوليو 1941 الموافق 17 جمادى الثانى 1360 هجرية بالمعادى من أعمال قسم حلوان محافظة القاهرة وضعا النار عمدا فى جاراج ملحق بمنزل مسكون للمستر جراهام بأن أشعلا النار بسيارة مملوكة للمستر شنتون وهى موضوعة بداخل هذا الجاراج .
ثانى عشر : المتهمون الأول والخامس والثامن والخامس والعشرون حسين توفيق أحمد والسيد عبد العزيز خميس ومحمد ابراهيم كامل وجول اسود نعيم فى خلال عام 1942 الموافق لعام 1361 هجرية بالمعادى من أعمال قسم حلوان محافظة القاهرة اشتركوا فى اتفاق جنائى الغرض منه ارتكاب جنايات قتل وسرقة باكراه بأن اتحدوا وتوافقوا على قتل رجال الجيش البريطانى وسرقة اسلحتهم بالاكراه وتداخل المتهم الأول فى ادارة حركة هذا الاتفاق الجنائى .
ثالث عشر : المتهمون الأول والثانى والثالث والخامس والثانى عشر والثالث عشر والحادى والعشرون حسين توفيق أحمد عبد العزيزومحمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري والسيد عبد العزيز خميس ومدحت حسين فخرى وسعيد توفيق أحمد وأحمد خيري عباس فى يوم 26 فبراير 1946 الموافق 24 ربيع أول 1365 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة شرعوا فى سرقة مسدس الكونستابل فؤاد محمد حسن بطريق الاكراه بأن اعتدوا عليه بالضرب وأوقعوه على الأرض لتعطيل قوة مقاومته والاستيلاء على مسدسه وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادتهم فيه وهو استغاثة المجنى عليه واغاثته .

بيانات حول المتهمين فى القضية

حسين توفيق :

هو الابن الأكبر لتوفيق أحمد باشا وكيل وزارة المواصلات ولد فى 27 ديسمبر 1925 , بدأ حياته الدراسية فى مدرسة الفرير بباب اللوق , ثم انتقل الى مدرسة سان مارك ثم الفرير بالخرنفش , وتلقى تعليمه الثانوى فى مدرسة فؤاد الأول الثانوية .
نشأ فى بيئة محافظة – أب مهندس مصرى تدرج فى سلك الوظائف الحكومية حتى بلغ أعلى رتبها , فارضا فى منزله صرامة الموظفين , الذين عاشوا مأساة جيل 19191935 , وأم تركية تفرط فى حب أولادها , ولكنها كانت من النوع القوى الذى يخفى مشاعره ويعتبر تدليل الأولاد مفسدة لهم .
وكان هذا هو أول خيط حدد شخصية حسين , فلقد حرم فعلا من الحنان فى طفولته , ولجأ الى الانطواء وخاصة بعد مجىء أخيه سعيد الى الدنيا , والذى نال قسطا أوفى من التدليل فى سنته الأولى , فحاول حسين بعد ذلك أن يضمه اليه , ولما جمدت عظامه حاول ضمه الى ( العمل السياسى الخطر ) ولم يكن بعد قد تجاوز الثانية عشرة فى حين كان حسين فى السادسة عشرة من عمره .
ولقد تضافرت عوامل أخرى على التأثير فى حياته , فلم يكن كجتمع أسرته يالمجتمع المقفل , اذ كانت له أربع خالات لهن عدد من الأبناء من سنه اختلطوا به , ولكنه كان يقبل فقط على نجيب ومدحت وابراهيم ومصطفى .
ثم كانت الحلقة الثالثة من مجتمع حسين توفيق فى طفولته وكان ميدانها نادى المعادى الذى انضم اليه والده أيضا بحكم وضعه الاجتماعى داخل طبقة كبار الموظفين .
وفى هذه الفترة ظهرت مشاعره العدائية ضد الانجليز عندما أحس داخل النادى بوجود عالمين : سادة ومستضعفين , انجليز ومصريين ,مجتمع انجليزى منعزل متكبر مستقل ومصؤيون يأخذون وضعا دونهم ويتذللون لهم , وكان معظم المصريين هناط بالطبع من الطبقات الغنية والراقية , والتى ارتبطت مصالحها بالوجود الانجليزى .
ولما بدأ حسين يخرج من عزلته , أخذ يتتبع أخبار الحرب , وأعجب بالألمان كمقاتلين , وبرجال العصابات الذين يقاتلون الألمان , فوجد فيهم بطولات استثارت خياله , ثم بدأ يدرس أحوال بلاده .. مصر .
فبدأ فى معاكسة الانجليز وظهر ذلك فى بداية احتكاكه بالبوليس , عندما سار فى شوارع المعادى وخلفه الجناينى الخاص بحديقتهم يحمل اناء به لون وأخذ يرسم على أرض الشوارع علامة ( الصليب المعقوف ) رمز الألمان وقبض البوليس عليه وأجبره على أن يمسح بنفسه ما رسمه .

بداية عمله السرى :

اشترك مع زميلين له فى المدرسة الداخلية وهما جول اسود نعيم وأنور فايق جرجس فى احراق عربات الانجليز فى المعادى , وقد بلغت حوادث السيارات هذه حوالى الثلاثين تقريبا , الا أن الغرور ما لبث أن تسلل الى شخصيته (1) لطفى عثمان , المرجع السابق , ص 54 . ومذكرات وسيم خالد : الكفاح السرى ضد الانجليز , ص 49 .

وقد ظهر من تحقيق قضية اشتراكه فى مقتل أمين عثمان أنه سبق له الاشتراك مع آخرين فى بعض قضايا الشروع فى القتل والتخريب .

- الشروع فى قتل مصطفى النحاس .
- - اشتراكه مع بعض المتهمين فى اتفاق جنائى الغرض منه قتل النحاس .
- شرع مع آخر فى قتل الاومباشى البريطانى ميللر .
- - شرع فى قتل الأومباشى يونج .
- - اشترك مع آخرين فى خلال الفترة من 1944 , 1945 , 1946 فى ارتكاب جنايات قتل رجال الجيش البريطانى وفريق من رجالات مصر .
- - فى 14 يوليه 1941 وضع النار عمدا فى القنصلية البريطانية بالمعادى .
- - وضع النار عمدا فى جراج ملحق بمنزل مستر جراهام .
- - اشترك مع آخرين سنة 1942 فى اتفاق جنائى بغرض ارتكاب جنايات قتل وسرقة بالاكراه من رجال الجيش البريطانى .
- - شرع فى سرقة مسدس الكونستابل فؤاد محمد حسن فى 26 فبراير 1946 .

محمود يحيى مراد  :

من مواليد 1925 , وهو ابن على مراد الذى كان يعمل خبيرا , ابن عمة حسين توفيق , بدأ حياته الدراسية فى مدرسة الزيتون الابتدائية ثم فى مدرسة القبة الثانوية , ثم دخل كلية الهندسة جامعة فؤاد الأول ( جامعة القاهرة الآن ) ولم يتخرج فيها نظرا لاتهامه فى هذه القضية .
ومما يذكر أن أباه كان قد اتهم فى شبابه فى قضية مقتل بطرس غالى الا أن قاضى الاحالة أفرج عنه وقرر بألا وجه لاقامة الدعوى قبله .

بداية عمله السرى :

اشترك مع جماعة تكونت من ثلاثة وعشرين شابا فى اتفاق كان الغرض منه قتل رجال الجيش :الانجليزى وبعض المشتبه فى اتصالهم بالانجليز من رجالات مصر فى تلك الفترة .
اشترك مع آخرين فى محاولة اغتيال النحاس واشترك فى محاولة قتل الامباشى ميللر الانجليزى .
واتهم فى هذه القضية باشتراكه مع آخرين فى قتل أمين عثمان بأن وقف الى جوار حسين توفيق أثناء ارتكابه الحادث مسلحا بمسدس لحمايته وشد أزره (2) لطفى عثمان : المصدر السابق , ص 20 . ملف القضية وقرار الاتهام .
ويصفه صديقه وسيم خالد بأنه كانت لد قدرة فائقة على اعطاء الحب رغم ماله من كبيعة انفعالية مندفعة , ولذلك تجاوب هو وحسين توفيق واحتل مكانا متميزا فى الجمعية السرية , واعتبر فيها كمصدر للاشعاع الروحى المشوش ببعض الصوفية الدينية , كما كام مصدر تشجيع لجميع أعضاء الجمعية (3) . وسيم خالد : المرجع السابق , ص 70 .

محمد أحمد الجوهري :

من مواليد أول مارس 1927 , كان والده يشتغل كاتبا بالمحاكم فى الأقاليم , بدأ حياته الدراسية فى مدرسة بنها الابتدائية , ثم فى مدرسة فؤاد الأول الثانوية , وكان يسكن حجرة فى شقة يسكنها الطلاب من بينهم عمر حسين أبو علي .
وقد تعرف على حسين توفيق فى مدرسة فؤاد الأول الثانوية فكانا زميلين , وتصادقا وكانا يتقابلان صباحا أمام المدرسة , ويذهبان الى مقهى متاتيا فى العتبة الخضراء فيودعان الكتب لدى الجرسون ثم ينصرفا الى سبيلهما ويعودا فى الظهر – موعد انتهاء الدراسة – ليأخذاها ويعودان الى منزليها .
وكان الجوهرى يتصف بالاستهتار فى تصرفاته , ونزعاته كانت اجرامية وكان الأوائل فى الجمعية , كما كان حلقة الاتصال بين هذه الجمعية والجمعيات المماثلة (4) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص ص 204 وما بعدها .

عمله السرى :

بدأ بالاشتراك فى الاتفاق مع آخرين فى الشروع فى قتل الجنود الانجليز والموالين لهم من المصريين , كذلك اشترك فى الشروع فى قتل مصطفى النحاس فى المرة الأولى وكذلك اشترك فى القاء القنبلة على سيارته مرة أخرى . كما اشترك فى حادث مقتل أمين عثمان وكان دوره هو المحافظة على المتهم الأول وقتل كل من يحاول القبض عليه (5) ملف القضية , ص 247 من الحكم .

عمر حسين أبو علي :

من مواليد عام 1922 – عمل مدرسا بمدرسة الأمير عمر طوسون الابتدائية بشبرا - القاهرة .

بدأ حياته الدراسية بمدرسة سعيد باشا الابتدائية بالأسكندرية ثم انتهى فى دراسته الى تخرجه فى مدرسة الهندسة التطبيقية العليا .

ولما توفى والده أقام مع أخيه الأكبر أحمد سعودى حسين , الذى كان ضابطا بسلاح الطيران الملكى وكان صديقا حميما لأنور السادات , وحسن عزت وكان ثلاثتهم متشيعين للألمان وانقطعت أخباره , وفى هذا العام ترك عمر حسين المنزل وسكن مع محمد أحمد الجوهري , ولما طرد أنور السادات من الجيش , قامت صداقة بينه وبين عمر على أساس وحدة الشعور بينهما فى كره الانجليز وعلى أساس صداقته لأخيه الكبير من قبل وقد اتهمته النيابة العامة بالاشتراك فى قتل الامباشى يونج , وفى محاولة قتل النحاس والاشتراك بطريق الاتفاق والمساعدة فى قتل أمين عثمان (6) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص ص 21 , 205 .

السيد عبد العزيز خميس :

ولد فى 29 مارس 1927 , بدأ حياته فى مدرسة المنصورة الابتدائية , ثم التحق بمدرسة السعيدية الثانوية , ثم كليم الآداب بجامعة فؤاد الأول فى قسم التاريخ وظل يدرس حتى وصل الى السنة الثالثة حيث قبض عليه .
وتعرف على حسين توفيق عن طريق محمد ابراهيم كامل – ابن خالة , حسين – الذى كان زميلا لعبد العزيز فى المدرسة السعيدية , وقد التحق أخيرا برابطة النهضة بوحى منحسين توفيق لرصد تحركات المجنى عليه واشترك فى حادث شروع فى قتل النحاس والجنود البريطانيين وبعض المصريين .
وأخيرا اتهم فى حادث اغتيال أمين عثمان , وقد ضبط فى منزله عدد من مجلة أخبار اليوم والمصرى اللتان حملتا صورة حسين توفيق – كما عثر على ورقة كتبت فيها أسماء أعضاء لجنة مؤلفة لمد يد المساعدة لمنكوبى " ستالينجراد " ومن بينها اسم أمين عثمان (7) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص ص 21 , 205 , 206 . ملف القضية , ص ص 251 , 252 من الحكم .

محجوب علي محجوب :

ولد فى 6 يناير 1926 بدوى الأصل , مما كان له أثره فى احتفاظه بأخلاق البدو , والتزم نوعا من الفكر الجامد الذى ارتكز على الخير والشر والحلال والحرام (8) وسيم خالد : المرجع السابق , ص 70 . وملف القضية .
حصل على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية من مدرسة الجيزة الابتدائية ثم التحق بالمدرسة السعيدية الثانوية , وكان زميل عبد العزيز خميس , واتهم فى الشروع فى قتل النحاس مرتين ومقتل الجنود الانجليز وبعض المصريين (9) لطفى عثمان : المرجع السابق ص 21 .
كما التحق بالرابطة الفيكتورية ليتعرف على تحركات أعضائها (10) لطفى عثمان : المرجع نفسه , ص 207 .

محمد أنور السادات :

كان يبلغ السابعة والعشرين وقت الحادث من مواليد قرية ميت أبوالكوم منوفية تربى فى كتاب القرية (11) ثم انتقل الى القاهرة مع اسرته حيث دخل مدرسة الجمعية الخيرية الإسلام ية بالزيتون ثم مدرسة السلطان حسين بمصر الجديدة وبعدها التحق بمدرسة فؤاد الاول الثانوية .
ثم التحق بالكلية الحربية وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية منها . والتحق بالجيش ولكن لشبهة تجسسه لحساب الألمان اعتقل فترة حوالى سنتين أو يزيد من عام 1942 هرب أثناءها من المعتقل وظل يهيم على وجهه الى أن الغيت الأحكام العرفية وسقطت أحكام الاعتقال بانتهاء الحرب العالمية الثانية فى 1945 .
كان من مريدى عزيز المصري ومعجبا بالألمان ومحيى نشاط الإخوان المسلمين وتردد كثيرا على الشيخ حسن البنا .
تعرف أنور السادات على حسين توفيق عند أحد أصدقائه , خاصة وأن تصرفات أنور السادات من اختفائه وظهوره أثناء هربه أثارت انتباهه , وعرف الأخير أنه هارب من المعتقل .
والتقت أهواؤهما على مناهضة الوجود البريطانى , فعلم من حسين أنه منضم الى جماعة تقتل الانجليز , فكان أن اطمأن كل منهما للآخر , وكان السادات يقوم بتدريب الجماعة على حمل السلاح واستعماله .
ويعترف أنور السادات فى كتابه البحث عن الذات بأنه كان ضمن من خططوا لمقتل أمين عثمان وأنه كان يرقب التنفيذ عن كثب (11مكرر) مكرر , ويمكن للقارىء أن يستزيد من هذا الموضوع فى كتاب البحث عن الذات الذى كتبه الرئيس السابق محمد أنور السادات عن حياته – القاهرة 1978 , ص 71 وما بعدها . ( الطبعة الثانية فى أكتوبر 1978 ) .

محمد ابراهيم كامل :

كانت سنه 20 سنة عند اتهامه فى هذا الحادث , تخرج فى كلية الحقوق أثناء نظر القضية , وعمل محاميا .
وهو ابن المستشار أحمد كامل بمحكمة الاستئناف , وقد استقال من منصبه بسبب اتهام ابنه وتولى الدفاع عنه .
وقد كون مع حسين توفيق – ابن خالته – جماعة الشباب المجاهد لمناهضة الانجليز , وكان هو وسعد كامل ونجيب فخرى يكونون المجلس الاستشارى للجماعة .
واشترك محمد ابراهيم فى حادث وضع النار فى دار القنصلية البريطانية فى المعادى .
وأخيرا اتهمته النيابة بنفس الاتهامات التى وجهتها الى محمد أنور السادات (12) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 22 .

سعد الدين كامل :

بلغ من السن 21 عاما عند القبض عليه واتهامه فى هذا الحادث , كان محاميا , وقد تعرف على حسين توفيق عن طريق ابراهيم كامل وقد التقت اهواؤهما نظرا لطبيعته العصبية , وبرغم نفوره الظاهرى من أعمال العنف واحتقاره للمفكرين فيه , وذلك لأن سعد الدين ولد فى وسط حزبى صرف , وتأثير بمناقشات الحزب الوطني لأن أحد اقاربه كان عضوا فيه , بل انضم اليه بعضا من الوقت حين احتدم الصراع فى الحزب حول محاولات حافظ رمضان السيطرة على الحزب .
كما قرأ الكثير من الكتب والمجلات , واتصل بالجماعات الحزبية السرية منها والعلنية .
وكان الكثير من الكتب والمجلات , واتصل بالجماعات الحزبية السرية منها والعلنية .
وكان ممن اشتركوا فى احداث النحاس ومحاولات الجنود الانجليز .
وأخيرا ضمته حلقة الاتهام فى قضية اغتيال أمين عثمان (13) وسيم خالد : المرجع السابق , ص 73

محمد محمود عبد الكريم :

ولد فى 24 أغسطس 1924 ببلدة ادفو , وتعلم فى مدرسة قنا الابتدائية ثم انتقل الى مدرسة اسوان الثانوية , ثم حضر الى القاهرة ليستكمل دراسته فى المدرسة الخيدوية الثانوية , ثم التحق بكلية الهندسة (14)لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 42 .
فهو فتى قروى من أعلى الصعيد ابن قروى بسيط , وقد حضر الى القاهرة ومعه شقيقه عندما لم يكن والدها يعطيهما قدرا كافيا من العناية , وقد اكتسب محمد محمود نتيجة ذلك الحرص فى الحياة والاعتماد على النفس .
وتعرف على حسين توفيق نتيجة زمالته له فى الفصل فى المدرسة الثانوية , ثم تعرف على محمود يحيى مراد فى كلية الهندسة وعرض عليه الانضمام الى الجمعية السرية فوافق وانضم الى الشعبية التى كان يرأسها محمود يحيى بل كان أمينا لصندوقها ثم ترقى حتى وصل الى منصب عضوية مجلس ادارة الجمعية .
اتهم فى الاتفاق الجنائى والشروع فى قتل النحاس وبعض الجنود الانجليز .
وأخيرا فى دائرة الاتهام فى مقتل أمين عثمان (15) وسيم خالد : المرجع السابق , ص 70 .

نجيب حسين فخري  :

ولد فى 29 مارس عام 1924 , ابن المستشار حسين فخري المستشار السابق , وكان طالبا بمعهد العلوم المالية والتجارية , كما كان أحد خريجى كلية فيكتوريا , وابن خالة حسين توفيق (16) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 23 .
وقد بز أقرانه فى تفتحه الذهنى وأصالة تفكيره , عطف على زملائه وخبأهم فى داره عندما طاردهم البوليس , ولم يشترك فى أعمال العنف التى ارتكبوها .
الا أنه ورد اسمه ضمن من اتهموا فى الشروع فى قتل النحاس والجنود الانجليز , ثم أخيرا اتهم فى هذا الحادث (17) وسيم خالد : المرجع السابق , ص 74 .

مدحت حسين فخرى :

شقيق نجيب حسين فخري من مواليد 1927 تلقى علومه فى الناصرية الابتدائية ثم مصر الجديدة .
واشترك مع شقيه وناله ما نال أخيه من الاتهامات (18) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 23 .

سعيد توفيق أحمد :

من مواليد 1929 – شقيق المتهم حسين توفيق , وكان لدى اتهامه طالبا بمدرسة فؤاد الأول الثانوية . واتهم بذات الاتهامات السابقة (19) المرجع نفسه ,ص 24 .

مجدي عبد العزيز أبو سعدة :

من مواليد 1928 وكان لدى اتهامه فى هذه القضية طالبا بكلية الزراعة بعد أن نال تعليمه الابتدائى فى مدرسة المنصورة الابتدائية ثم تعليمه الثانوى فى المدرسة السعيدية الثانوية .
وهو ابن عبد العزيز أبو سعدة عضو مجلس النواب وقد اتهم بنفس الاتهامات السابقة (20) المرجع نفسه , ص 24 .

أحمد وسيم خالد :

بلغ السادسة عشرة عند اتهامه فى الحادث وهو ابن خالد صاحب جريدة الدستور .
وكان طالبا بالمدرسة السعيدية الثانوية حيث تعرف بالمتهمين واندفع فى تيارهم .
واتهم فى حادث الهرم بأن شرع فى قتل محمد ممدوح الشلقاني , وقضايا أخرى لسرقة الأسلحة .

مصطفى كمال حبيشة :

كان فى السادسة عشرة من عمره لدى اتهامه فى الحادث وهو ابن كمال حبيشة المحامى والذى شغل منصب وكيل وزارة الداخلية من قبل . واتهم من قبل فى حادث الهرم والاتفاق الجنائى .

محمد علي خليفة :

كانت سنه 21 سنة عند اتهامه – طالب بكلية الهندسة , وقد دخل الجماعة عن طريق صديقه محمود يحيى مراد . واتهم من قبل بالاتفاق الجنائى .

محمد عبد الفتاح الشافعي :

سن 23 سنة طالب بكلية الهندسة – وصديق محمود يحيى مراد . اتهم بالاتفاق الجنائى على القتل (21 ) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 24 .

عباس محمود مرشدي :

سن 21 طالب بكلية الهندسة وهو ابن ناظر مدرسة الخديو اسماعيل وقد اتسم وخفة الروح , اتهم بالاتفاق الجنائى على القتل .

علي عزيز دياب :

سن 19 تلقى تعليمه الابتدائى بمدرسة الزيتون الابتدائية ثم أخيرا التحق بمدرسة القبة الثانوية حيث تم القبض عليه بتهمة الاتفاق الجنائى على القتل فى هذه القضية .
كان أبوه مفتشا بوزراة المعارف . وكان يتميز بالرجولة والصرامة .

أحمد خيري عباس :

كان فى التاسعة عشرة من عمره عند اتهامه فى هذه القضية بالاتفاق الجنائى على قتل أمين عثمان .

كان طالبا بالمدرسة السعيدية ثم التحق بكلية الهندسة .

أحمد محمد خليل الحلواني :

سن 19 طالبا بمدرسة المعلمين بعد أن أتم تعليمه الثانوى بمدرسة فؤاد الأول الثانوية . واتهم بالاتفاق الجنائى على القتل .

كامل محمد إبراهيم الواحى :

سن 19 طالب بمدرسة فؤاد الأول الثانوية (22) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 25 .
عبد الهادي محمد مسعود : سن 21 تخرج فى كلية الآداب وكان يعمل مدرسا ويصفه وسيم خالد بأنه " كان صورة متجمدة محنطة لطبقة الأفندية التى استفادت من ثورة 1919 .. مثقف ثقافة سطحية يقرأ كثيرا ولا يهضم شيئا " (23) وسيم خالد : المرجع السابق , ص 72 .

جول اسود نعيم :

سن 20 تخرج من مدرسة الفرير وعمل موظفا بشركة الواء السائل واتهم فى حادث سجن الأجانب . ثم اشترك مع حسين توفيق فى تأليف جمعية الشباب المجاهد .

أنور فائق جرجس :

سن 22 تخرج من مدرسة الفرير بالخرنفش ثم التحق بمعهد ماركونى للاسلكى , تطوع فى الجيش البريطانى واشترك فى معركة العلمين , ثم ترك الجيش واشتعل أخيرا فى تجارة أجهزة الراديو واصلاحها . اتهم بالاشتراك مع حسين توفيق بوضع النار عمدا فى سيارة مستر شنتون (24) لطفى عثمان : المرجع السابق , ص 25 .

الفصل الثالث : اجراءات المحاكمة

نوقشت فى هذه الجلسة (1) جلسة أول ديسمبر 1947 وتدوولت القضية فى الجلسات فى أيام متتالية بعد ذلك لطفى عثمان : المرجع السابق ص 29 .

قضية ارتفاق الجنائى التى أثارها كل من الأساتذة شوكت التوني ووهيب دوس عن موقف عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب ودارالنقاش محتدما حول ان القانون كان لا يعاقب على هذا الاتفاق فى عام 1910 , اما القانون الجديد فنص على معاقبة من يقارف هذا العمل والتمسوا تفسير الفقهاء والاختلاف بين النصوص بهدف الوصول الى ثغرة يخرجان منها المتهمين .

وفى هذه الجلسة كذلك طالب علي الخشخاني المحامى عن حسين توفيق وشقيقه ومحمد ابراهيم كامل ببطلان تحقيق النيابة , لأن اعترافات المتهمين كانت تحت تأثير مخدر أعطى للمتهمين , وأن النيابة عاملت المتهمين بقسوة ووضعتهم فى حجرات مظلمة , ومنعت عنهم الطعام وأن هذه الأساليب لا يقرها القانون .

وذكر الأستاذ الطاهر حسن المحامى عن محمد ابراهيم كامل ان رجال البوليس كانوا ينامون مع المتهمين ليحصلوا منهم على الاعترافات .

وقال حسين توفيق ان البوليس طلب منه أن يجمع أكبر عدد من المتهمين لاشراكهم فى الجريمة حتى تخفف المسئولية عنه , فلم يجد أمامه الا أصدقائه وأقاربه فاعترف عليهم , كما أن محمد ابراهيم كامل لم يشترك فى أى عمل .

ووقف الدفاع ككل فى وجه النيابة العامة على أنها لجأت الى الغش وتلفيق التهم واسنادها الى المتهمين – ودفعت النيابة ذلك بأن الدفاع انساق وراء أقوال المتهمين , ولم يطلع على أوراق التحقيق .

وفى نهاية الجلسة قرر القاضى تأجيل نظر المعرضة الى جلسة 26 مايو 1946 مع استمرار حبس المتهمين " (1) الأهرام : قضية الاعتداءات السياسية 21 أبريل 1946 .

وفى جلسة 26 مايو عرضت القضية وتقدم بعض المحامين من هيئة الدفاع بطلب الى القاضى يلتمسون فيه التأجيل لأن ملف القضية لم يكن قد تم طبعه الا منذ خمسة أيام مضت ولهذا لم يتمكنوا من الاطلاع على القضية , كما أنه كان مكونا من أربعة آلاف صفحة وطلبوا التأجيل لاستكمال الاطلاع (2) الأهرام : 21 أبريل 1946 قضية الاعتداءات السياسية .

وفى هذه الجلسة طلب المحامون عن المتهمين الطلبة السماح لهم بتأدية الامتحانات فوافق القاضى مبدئيا وطالب النيابة باتخاذ اجراءاتها نحو ذلك الطلب الا أن ادارة الأمن العام رفضت ذلك خشية هرب المتهمين .

وقد تقابل المحامون مع النائب العام حول هذا الموضوع فوعدهم بالاتصال بوزير الداخلية . وعليه قرر القاضى تأجيل نظر المعارضة لجلسة 15 سبتمبر 1946 مع استمرار حبسهم على أن تنظر طلبات الافراج فى جلسة خاصة (3) الأهرام 26 مايو 1946 قضية الاعتداءات السياسية .

وفى هذه الجلسة رفضت المحكمة مطلب الدفاع بدخول المتهمين الامتحانات استجابة لتوصية ادارة الأمن العام بوزراة الداخلية , وتأجلت لجلسة 10 يونيه 1946 مع استمرار حبس المتهمين ..

وفى هذه الجلسة تقدم الدفاع عن كل من أحمد وسيم ومحمد أنور السادات ومحمد إبراهيم كامل ومصطفى كامل حبيشة وعزيز دياب وعبد العزيز خميس وعباس المرشدى وعمر أبو على ومحمد الشافعى وجول اسود وكامل محمد إبراهيم بطلب للافراج عن المتهمين على أساس بطلان التحقيق بادعاء ان ارعترافات التى أدلوا بها كانت تملى عليهم , كما أن حسين توفيق لم يكن صادقا أو جادا فيما الصقه بهم من اتهامات .

واحتدم النقاش بين الدفاع وممثل الادعاء لفترة امتدت الى عصرذلك اليوم , وأخيرا صدر قرار قاضى المعارضة بالافراج عن ثلاثة من المتهمين هم : 1- محمد ابراهيم كامل . 2- علي عزيز دياب . 3- جول اسود .

بكفالة قدرها خمسين جنيها لكل منهم , واستمرار حبس بقية المتهمين (4) الأهرام 11 يونيه 1946 قضية الاعتداءات السياسية .

وتأجلت القضية بعد ذلك الى 15 سبتمبر لمرض الأستاذ مصطفي الشوربجي والأستاذ وهيب دوس المحاميان ثم تأجلت الى 29 سبتمبر سنة 1946 حيث عقدت برئاسة المام الخريبى القاضى وفى هذه الجلسة قرر حسين توفيق ان ما اعترف به كان تحت الضغط والارهاب الذى تعرض له ومن ثم فهو غير صحيح , لأنه منى بأنه اذا اعترف سيخرج من السجن , وان النحقق هو الذى أملى عليه هذه الاعترافات .

كما قرر المتهمين ان الاعترافات التى وردت على ألسنتهم كانت ملفقة بمعرفة النيابة . وطلب الأستاذ زكى عريبى المحامى الافراج عن محمود يحيى مراد ومحمد علي خليفة وأحمد خليل الحلوانى المتهمين بتهمة الاتفاق الجنائى .

كما قال الأستاذ زهير جرانة المحامى عن محمد أنور السادات ان حسين توفيق لم يتعرف عليه الا قبل الحادث بيومين وهذه الفترة لا تكفى لأن يعطيه ثقته فى الاشتراك معه فى مثل هذا الحادث (6) الأهرام 30 سبتمبر 1946 قضية الاعتداءات السياسية .

وذكر الأستاذ بسطا شكرى المحامى ان الاعتراف لا يكون دليلا الا اذا كان صادرا عن ارادة سلمية وفى ظروف عادية , وهذا لم يتوافر فى التحقيق .

وقال أمين عامر المحامى عن محمد عبد الفتاح الشافعي , أنه انضم الى جمعية سرية لم يعرف اسمها أو أغراضها ولم يكن يعرف أن من أغراضها القتل , كما أن اعترافات المتهمين عليه لا قيمة لها ما لم تتأيد بأدلة .

وطالب الدفاع عن كامل الواحى بالافراج عنه لأنه انضم الى جمعية سرية لطرد الانجليز وهى أمنية كل مصرى وطنى ولم يكن يعلم أن الأمر سيصل به الى هذا (7) الأهرام أول أكتوبر 1946 قضية الاعتداءات السياسية .

أما الأستاذ الشوربجى المحامى فاتهم النيابة بأنها اتخذت السرية التامة فى اجراء تحقيقاتها , ومنهعت المحامين الحضور مع موكليهم أثناء النحقيق معهم .

وشكا الأستاذ فتحى رضوان المحامى من استعمال القسوة مع المتهمين بايداع سبعة منهم حجرة واحدة وكان بينهم حسين توفيق , وطلب الاطلاع على دفتر السجن لمعرفة ما اذا كانت الحجرات قد ضاقت بالمسجونين أم أن الغرض من هذا هو وضع حسين توفيق مع المتهمين للتأثير عليهم وحملهم على الاعتراف .

وقال أنور السادات " اننا نعامل معاملة الحيوانات فى السجن , فضلا عن رداءة السجن من الناحية الصحية " (8) الأهرام 2 أكتوبر 1946 .

وبجلسة 2 أكتوبر 1946 قرر حسين توفيق أن جول اسود لم يشترك معهم فى جمعيتهم , وانهم اجتهدوا فى ابعاده , لأنهم لاحظوا أن ميوله ألمانية ( والدته كانت المانية الجنسية ) .

وتعرض عبد المجيد الشرقاوى المحامى عن عبد العزيز أبو سعدة لسرية التحقيق ومنع المحامين من الحضور بينما سمح للبوليس بذلك ( 9) الأهرام 3 أكتوبر 1946 .

وبعد سماع كل هذه المناقشات أصدرت المحكمة قرارها بالافراج عن كل من محمد كامل الواحى , ومحمد علي خليفة ومحمد عبد الفتاح الشافعي وعباس المرشدى وأحمد خيرى بكفالة مالية قدرها عشرين جنيها لكل منهم , واحالة القضية وباقى المتهمين الى محكمة الجنايات (10) الأهرام 8 أكتوبر 1946 .

ولقد بدأ تداول القضية فى جلسات المحاكمة اعتبارا من 22 ديسمبر 1946 , وفى هذه الجلسة تنحى رئيسها وهو المستشار حسن فهمى البسيوني عن نظر القضية , لأنه سبق أن عرضت عليه من قبل قضية اشعال النار فى جراج المستر جراهام وكان متهما فيها بعض المتهمين فى هذه القضية الا انها قيدت ضد مجهول , والقانون لا يسمح له بنظر هذه القضية فى ظل اشتراكه فى تحقيق السابقة , وبناء عليه أحيلت القضية الى دائرة أخرى (11) الأهرام 23 ديسمبر 1946 .

وبجلسة 12 فبراير 1947 رفض المتهمون الحضور بسبب تعديل قفص الاتهام ,واتصل حمادة الناحل المحامى بالمتهمين محاولا اقناعهم بالحضور ولكنهم أصروا على الرفض .

ثم دارت مناقشة طويلة بين الدفاع والنيابة حول احالة المتهم حسين توفيق الى مستشفى الأمراض العقلية لفحص قواه العقلية (12) الأهرام 13 فبراير 1947 . ولقد فحص حسين توفيق من حيث قواه العقلية ووصل تقرير الطب الشرعى عن حالته ووزع على هيئة الدفاع (13) الأهرام 10 أبريل 1947 .

وفى جلسة 16 أبريل رفض المتهمون مرة أخرى الوقوف داخل قفص الاتهام وقال حسين توفيق أنه لا يجوز معاملة المتهمين أمثاله هذه المعاملة الشاذة وحاول الدفاع اقناعهم بالعدول عن موقفهم , ولكنهم رفضوا , وعقدت الجلسة فى غرفة المداولة برئاسة المستشار عبد اللطيف محمد , وطلب الدفاع التأجيل لعدم استكمال اطلاع المحامين على ملف القضية , كما أن الدفاع لم يكن قد استكمل دراسة تقرير فحص حسين توفيق عقليا .

وطلب الدفاع الطبيب الشرعى لمناقشة ماورد فى هذا التقرير وبعد اعتراض المحكمة على هذا الطلب عادت ووافقت علة ندب الدكتور أحمد حسين سامى مدير مصلحة الطب الشرعى والدكتور محمد محمد عمارة أستاذ الطب الشرعى للاطلاع على التقرير , ومعرفة ما اذا كان حسين توفيق يعانى من ( السيكوباتية ) ومدى تأثير هذه الحالة على مسئولية تاجناية مع التأجيل لجلسة 17 أكتوبر 1947 على أن يقدم الطبيبان التقرير قبل نهاية شهر مايو 1947 (14) الأهرام 17 أبريل 1947 .

ومرت القضية بعدة جلسات نوقشت فيها أمور فقهية بحتة تخرج من موضوعنا :

مرافعة الاستاذ حسن أنور حبيب وكيل النيابة :

ظلت المحكمة مشكلة من الهيئة الآتية :

المستشار محمد صادق حمدي , والمستشار إبراهيم خليل المستشارين بمحكمة الاستئناف . ومثل الادعاء فيها الأستاذ عبد الرحمن يوسف حتى جلسة 15 يناير 1948 حيث أصيب وكيل النيابة بمرض كان عضالا قضى نحبه على أثره .

فأعيد تشكيل الهيئة بجلسة 4 فبراير 1948 على النحوالتالى : المستشارين محمد صادق حمدي وإبراهيم خليل ومثل الادعاء الأستاذ حسن أنور حبيب الذى أنيط به الادعاء (15) وفى هذه الجلسة حضر المتهمون ودفاعهم , وطلب ممثل النيابة وقتا كافيا للاطلاع على أوراق القضية بعد مقدمة استهلها بقوله " هذه أول مرة أحضر فيها ممثلا للنيابة العمومية فى هذه القضية , وقد أبت الظروف السيئة أن أتحمل هذا العبء الثقيل وهو عبء تنوء به الجبال فقد فوجئنا بمرض زميلى حضرة الأستاذ عبد الرحمن بك يوسف مرضا خطيرا أرجو له السلامة منه , فعهد لى سعادة النائب العام أن أمثل الاتهام فى هذه القضية , ولا أقصد بالاتهام أن النيابة تقف فقط ضد المتهمين , ولكنه الاتهام الذى ينزع الى اظهار الحقيقة فقط أمام القضاء , الذين نرجوالله أن يعينهم ويوفقهم الى اظهارها – وهو غاية ما تصبو اليه المحكمة , لهذا اتجه الى المحكمة بالرجاء أن تمكننى من الفرصة اللازمة لاستيعاب أوراق التحقيق , وقد طالت أوراقها وطالت واستيعاب ما دار بجلسات المحاكمة وهى عديدة وان هذه الفرصة انما لا يمكن أن تقل عن أربعة أشهر فى أقل القليل " .

وقد أجلت المحكمة بناء على طلبه القضية الى جلسة أول مارس 1948 وفى هذه الجلسة استعرضت الهيئة حالة المتهم حسين توفيق الذى أدخل المستشفى القبطى لاجراء عملية جراحية بتصريح منها وأجلت المرافعة لجلسة 27 مارس 1948 وبجلسة 27 مارس 1948 حضر المتهمون الا أن العمل فيها بدأ بنعى عبد الرحمن يوسف وكيل النيابة الذى كان قد قضى نحبه فنعاه رئيس الجلسة كما اشترك معه فى ذلك لفيف من المحامين الموجودين .

ومن الجدير بالذكر أن المتهمين أنفسهم نعوا الفقيد فقد وقف المتهم عبد الهادي محمد مسعود وقال " ان المتهمين جميعا يشاركون القضاء والنيابة والدفاع الحزن والأسى على هذا المصاب الأليم " .

وفى جلسة 10 أبريل 1948 بدأ ممثل النيابة الجديد حسن أنور طه حبيب مرافعته فقال " هذه القضية قيل ان من أهم بواعثها حادث يوم 4 فبراير عام 1942 ذلك الحادث المشئوم , والواقع وأنا ممثل النيابة العمومية ورجل مصرى أعتبر أن هذا اليوم وصمة فى جبين الامبراطورية الانجليزية , وسيظل دليلا صارخا على البربرية التى هوى اليها الانجليز فى ذلك اليوم الأغبر , لأنهم قابلوا الوفاء بالنكران , والاحسان بالاساءة , ولكن هذه القوة الغاشمة وقفت مدحورة أمام البسالة والاقدام والشجاعة التى لقيها ممثلوها فى رمز وادى النيل , ومناط أمله , ملكنا فاروق الأول حفظه الله , واننا سنظل نعلن الانجليز أبد الدهر ماداموا محتلين لبلادنا , ولو كانوا فى أجدب بقعة من بلادنا , وأنه ليخيل الى أن كل باب يغلق كأنما ينغلق فى وجوههم , وان كل كلب ينبح انما يصرخ فى وجوههم , اخرجوا من هذا البلد انجلاء ووحدة وادى النيل , ولكن كيف البلوغ الى ما نصبو اليه جميعا , وكيف السبيل اليه , أيكون بالتناحر والتنابز فيما بيننا أيكون بأن يهاجم بعضنا بعضا فننقسم شيعا وفرقا , ثم يقوم منا نفر من الشباب أعمام الغضب فتاه حكمه على الأمور , يقتل القادة منا والرجال , فيسود بلادنا جو من الفزع والتوتر والقلق والخوف كل يتوجس الشر أينما راح , وكل يخشى القدر أينما حل فتتبلبل الخواطر , ويفلت الزمام , فيذهلنا هذا عما ألم بوطننا , وننشغل بتطبيب جراحنا الداخلية عن مكافحة الأفعوان الأجنبى وعن مداواة جرح الوطن البالغ , فنعطى هذا الأفعوان فرصا يسمم بها جراحنا المرة بعد المرة , باشاعة الخلاف والتفرقة , ونزيد الأمر وبالا , فنثخن أنفسنا بجراح تصيب الصميم من وطننا , اللهم ان هذا منكر لا يرضيك فالهمنا ياربنا من أمرنا رشدا , فنحن أحوج ما نكون الى رحمتك والى عنايتك فلنتق الله فى أنفسنا , وليتق الله كل مصرى فى أخيه المصرى , ملتقين حول دستورنا السماوى الا وهو القرآن الكريم , وليس أكمل ولا أحسن من أن نعود الى حب الله والدين فتصفوا نفوس الشباب وتمتلىء صدورهم رحمة وبعدا عن الشر ومظاهره , وعن الرجس فى أى لون من ألوانه , وعن الدم واراقته ويفهم الشباب أن حب الوطن من الايمان , وان الله حرم قتل النفس الا بالحق وان الله فرض طاعة ولى الأمر " وأطيعوا الله وأطيعو الرسول وأولى الأمر منكم " .

وعاود حديثه بعد عدة مقاطعات من الدفاع كاثبات بعض الطلبات وطلب عرض بعض المتهمين على الأطباء , فقال : " حضرات المستشارين .. كان لابد لى أن أقدم بهذه المقدمة , وحسبى هذا لأنى لا أريد أن أخوض فى ذلك الحادث , ومن المسئول , لأن ذلك يقتضى تحقيقا ولأنه لا يجب أن نأخذ بظواهر الأمور .

يا حضرات المستشارين أعرض على عدالتكم اليوم قضية عصبة من المغرورين ساءت أغراضهم , وعميت أبصارهم , وأغواهم الشيطان .. ( أشار الى حسين توفيق ) هذا القاتل الذى بدأ حياته كما قال الحيوان , وانتهى الى قتل البشر .. هذا الفتى كما قال أهله وزوده معالجوه , لديه عريزة الاجرام التى تابعت نموه .. حتى بدأ فى هذه الصورة التى ترون , ألستم ترون معى من بروز جبهته وطول أطرافه أنه أشبه الى القرد خلقا وخلقا .. بدأت هذه العصبة أعمالها الاجرامية بمحاولات اغتيال بعض الأفراد الانجليز ثم بمحاولات أثيمة لاغتيال رفعه النحاس باشا وانتهت الى حادث مقتل أمين عثمان باشا ..

ان قتل أمين عثمان باشا وما سبقه من اغتيال الشهيد أحمد ماهر وما شابههما من الجرائم والاعتداء على القادة والزعماء كلها جرائم ذات حدين أحدهما صوب الى صدر القتيل والآخر صوب الى صدرالأمة والحرية .. حرية الرأى والعقيدة .. ان هذه الجرائم مهما كان الباعث عليها خلاف فى الرأى هو شر الجرائم .. فلو ان من برز من هؤلاء الزعماء أطاح برأسه من خالفه فى رأيه لأقفر المجتمع من المصلحين ..

وبعد فان أمين باشا مهما اختلف النظر اليه وتباينت الأراء فيه , لم يكن رجلا عاديا , أو هملا من العامة , بل كان من أصحاب الرأى , له عقيدته التى يؤمن بها ومذهبه الذى يسير عليه , لأنه يعتقد أن خطأ وان صوابا أن رأيه فيه الخير للوطن , وقد يكون محقا وقد يكون مخطئا .. وان أمين باشا أعرب عن رأيه وأبداه , فلن لم يناقشوه , ولم لم يحاربوه بنفس سلاحه وهو اتخذ مذهبا أذاعه بلسانه وعقله , فلم لم يذودوا هم بعقولهم وألسنتهم " .

ثم تناول وكيل النيابة بعد ذلك حرية الكلمة وحرية التعبير عن الرأى وانها أمور طبيعية كفلها القانون .

ثم تناولت موقف النيابة فى مباشرة متابعة دعواها ممثلة للمجتمع وبدأ سرد الأدلة على تهمة لكل متهم مبتدئا بحسين توفيق المتهم الأول والفاعل الأصلى محاولا الربط بين أوصاف الشهود له وبين الواقع بعد عملية العرض القانونى , ثم اعترافه أمام وكيل النيابة الأستاذ القاويش , وتصريحه بكراهيته للمجنى عليه وما ضبط معه من أوراق تحمل تاريخ وقوع الحادث " أنا ذاهب لمهمة خطيرة " وكان اعترافه بعد أربعة أيام من تاريخ الحادث وتحدث فى اعترافه " عن الجمعية وكيف رأت قتل النحاس باشا فلما فشلت المحاولة قررت الجمعية قتل أمين باشا وقال أنه أطلق على أمين باشا الجمعية وأفرادها وأغراضها كما هو موضح بالأوراق ومن أغراضها استقلال مصر , ومن الطبيعى أن الاستقلال أمنية الجميع , ولكن الطعن على انسان أنه خائن لوطنه أمر لا يقره انسان , ثم تحدث حسين أيضا عن الشروع فى قتل النحاس باشا , ثم عاد حسين توفيق وكرر هذا الاعتراف فى يوم 11 يناير وقد تقدم هذا الاعتراف اقرار بخط حسين توفيق يؤيد اعترافه السابق , وبحادثتى بونج وميللر , وسئل فأورد كل ما جاء بهذا الاعتراف ثم عاد فى يوم 13-1 وسئل فأقر بناء على اقرارموقع عليه منه يعترف على شريكه فى قتل أمين عثمان هو محمود مراد وواصل اعترافاته كتابة , على كل من اشتركوا معه .. واعترف محمد محمود الجوهري وخميس محجوب اعترافات مفصلة .. ان حسين ينكر هذه الاعترافات ويقول انها لم تصدر منه وقال أسباب كثيرة منها ما يرجع الى الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والخوف على أخيه وانه اندفع الى هذه الروايات فى هذا الجو وهو لا يزال شاب حدث .. وقد دفع ان حسين عنده اعتلال نسانى " .

ثم جعل وكيل النيابة يناقش مواقف بقية المتهمين . انتهت هذه الجلسة وتأجلت لليوم التالى لاستمرار المرافعة , ولكن حدث فى جلسة اليوم التالى أمر غريب هو حضور النائب العام , ووقف قبل أن يبدأ وكيل النيابة مواصلة مرافعته وقال : ان الكلمة التى قدم بها أمس زميلى الأستاذ حبيب لمرافعته كانت فيها تعبيرات وتشبيهات ومجازات لم أشك حين اطلعت عليها الصحف انها جاءت خلاف مراده ووقعت بعيد عن مقصوده نتيجة للتعرض لمخاطر الارتجال وأثرا عرضيا لجو القضية فى نفسه , على ان تلك العبارات بما حوت من شئون السياسة الخارجية يصعب فى الواقع تبرير ارسالها على هذا الجو , كما يصعب ربطها بظروف الدعوى , لذلك قد أستأذنت زميلى أنور بك فأذن لى أن أصرح بأن تلك العبارات لا تعبر بحال عن رأى للنيابة العامة " .

وهنا ثارت ضجة بين أرجاء القاعة وقال حسين توفيق " هذا قول لا يقوله الا الانجليز " وقال أنور السادات " كان أحرى بسعادة النائب العام أن يترك كرسيه ولا يقول هذا الكلام , وانى لأفضل أن اشنق ولا يقال ما قال سعادته , ان رئيس الحكومة قال فى مجلس الأمن , ان الانجليز عصبة لصوص فلا محل لسحب ما قاله حضرة وكيل النيابة " كما ورد بعض المتهمين ثائرين مثل هذه الأقوال , ومختلف العبارات حول هذا المعنى .

ثم عقب الأستاذ وهيب دوس المحامى بقوله " لى رجاء هو الا يثبت شىء مما قاله سعادة النائب العام .. ان سعادة أنور بك حبيب لم يكن مرتجلا بل كان محضرا لكلمته فى أوراق وهو ممثل النائب العام فى هذه القضية . وعقب كل من حمادة الناحلى المحامى بقوله يثبت هذا فى المحضر ليكون شهادة عليه وأحمد رشدى المحامى وانتهى الى قوله " نرجو ألا يكون صحيحا ان الحكومة حين قرأت الكلمة التى قالها أنور بك حبيب أرادت أن تتدخل فى الأمر , وذلك هو السبب فى كلمة سعادة النائب العام , ونرجو ألا يكون تدخل الحكومة صحيحا .

فرد النائب العام : أرجو أن يثبت فى المحضر ألا تدخل مطلقا من الحكومة وان النيابة العامة حرة مستقلة ولا سلطان عليها من الحكومة وان النيابة العامة حرة مستقلة ولا سلطان عليها من الحكومة ولا من جهة أخرى , وانما لاحظت ان عبارات وكيلى فى المرافعة كان يمكن أن يعبر عنها بما يتفق واللغة القضائية .

وصاح أنور السادات " ان كلمة أنور بك حبيب أمس قال عنها سعادة النائب أنها لا تعبر عن رأى النيابة ولكن أنور بك لم يصرح أمس الا بالجلاء ووحدة وادى النيل وهذه أمنية كل شخص فى الأمة " وكان تعقيب النائب العام " يخيل لى ان هذه العبارة جاءت من باب التحمس وأنا انما قصدت وقلت ما جاء بهذه المقدمة من عبارات ومجازات , وأما فيما يتعلق بالجلاء ووحدة وادى النيل فلا شأن لها بالقضية ولم تأت على لسان شاهد من الشهود , ولا شأن لها فى هذه القضية وللمرافعات آداب يجب أن تراعى "

وانتهى الموقف بالتفاتة من الأستاذ حمادة الناحل المحامى لهيئة المحكمة ألا تتأثر وجدانيا بما دار فيكون ذا أثر على أحكامها قبل المتهمين , وطلب رئيس الجلسة من ممثل النيابةمواصلة ادعائه , فتحدث عن موقف المتهم محمد أنور السادات وكانت تهمته الاشتراك مع المتهم الأول بطريق الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب هذه الجريمة ( مقتل أمين عثمان ) .

وكان حسن أنور حبيب وكيل النيابة كما سيبدو من مرافعته مقتنعا بموقف هذا المتهم , فسرد تاريخ حياته منذ كان ضابطا بالجيش المصري ووصل الى رتبة يوزباشى " والواقع أنه شاب بدأ حياته بنجاح كما يبدأها كل شاب مجد " .

ولكن يبدو أن لاحقه سوء الحظ فأشيع عنه أنه أيام كان ضابطا عام 1942 أنه يتآمر مع الألمان (16) ركزنا على موقف هذا المتهم لأنه كانت له مواقف بارزة أثناء سير المحاكمة وفى مرافعة النيابة العامة .

ورمى بانه يتجسس لحسابهم وأجرى معهم تحقيق فى عهد وزارة النحاس باشا هو وزميله حسين عزت , وانتهى التحقيق الى فصلهما من الجيش وفى نفس اليوم اعتقلا بأمر عسكرى " ثم يستمر فى سرد هروبه مع هذا الزميل وتسميته ( بالحاج ) وتأليفه شركة سيارات وجراج للسيارات " ويبدو ان سوء الحظ لازمه فلم يوفق فى أعمال الشركة .. ويبدو ان الانتقال والهرب وما تبع ذلك من الجهد , والفشل , كل هذا جعله يثور على الأوضاع الى أن وجهت اليه تهمة الاشتراك فى مقتل أمين عثمان باشا والحوادث الأخرى " .

وأضاف وكيل النيابة بالنسبة لظهور اسمه فى هذه القضية , ان هذا حدث فقط يوم 6 يناير 1946 أثناء سؤال نجيب فخرى الذى قرر ان اسم ( الحاج ) كان يتردد على لسان حسين توفيق على أساس أنه كان يعرفه " وكلمة الحاج كانت مفتاحا للبوليس دله على أنور السادات , فقام البوليس بتفتيش منزله ومن ذلك التاريخ 11 يناير 1946 اتصل أنور السادات بجو هذه لقضية ووجهت له التهمة وسئل فأنكر كل شىء وأنكر صلته بمقتل أمسن باشا " ويستطرد الادعاء بأن الأدلة التى تجمعت فى حقه تمثلت فى اعتراف حسين توفيق عليه بأنه اشترك معه فى حاث الشروع فى قتل النحاس باشا .

ثم بدأ يحدد الأدلة ثم العدول عنها : فكانت الأدلة اعتراف حسين توفيق عليه وورود ذكره فى اعترافات عمر حسين ومحمد على خليل التى لم تخرج فى فحواها عما اعترف به حسين توفيق .

أما العدول عنها فقد سردها وكيل النيابة فى اسهاب عندما ناقش عدول حسين توفيق نفسه عن أقواله بالنسبة له وذلك فى التحقيق يوم 24 فبراير 1946 " وقال ان سبب اتهامه له يرجع الى رغبته فى اظهار الجمعية (17) وهو الجمعية التى شكلها حسين توفيق لأغراض الاغتيال السياسى .

بمظهر أقوى مما هى عليه , وعندما عرض عليه أنور السادات لم يستغرف عليه , وفى نفس اليوم عدل خميس وقال ان اعترافه كان بايماء من حسين , وكذلك عدل الجوهرى , وفى يوم 29-2 عدل أيضا عمر حسين أبو علي وقال ان حسين توفيق أحمد هو الذى أوحى اليه أن يقول ما قال "

وبدأ يناقش هذا الموقف بالتعجب والتشكيك . وهكذا كان وكيل النيابة أقرب الى الدفاع عنه من الادعاء ضده , وهذا مرجعه لسببين , أولا أن النيابة العامة لا تسعى لالصاق الاتهام بقدر اماطة اللثام عن حقيقة الاتهام , وان مبدأها هو تبرئة عدد من المتهمين المشكوك اتهامهم خير من أن يزج ببرىء فى ساحة العقاب .

ثانيا : ان الاتهام لم يكن مقتنعا بما سيق من أدلة قبله , أو لم تكن هذه من القوة بمكان يستطيع بها الاتهام أن يسوقه الى ساحة العقاب , وبهذا تظهر نزاهة القضاء المصرى , حتى عند مروره فى أدق الظروف , كما ظهر فى هذه القضية , وفى موقف هذا الوكيل بالذات كما سبق وعرضنا , فموقف وطنى تحمل تبعته هو , فكان مثار اعجاب من خصومه – متهمين ودفاعهم – ومثار حقد من السلطة , تلك التى عادت فتوارت فى عجل كموقف النائب العام .

وهكذا كانت مصر أولا , مصر فى القضاء النزيه , ومصر فى وجه الاحتلال . ثم جعل وكيل النيابة يتنقل فى مرافعته وادعائه بين بقية المتهمين , فكان موقف محمد ابراهيم كامل , الذى كان أبوه من رجال القضاء وترافع أمامه هذا الوكيل مرات " واليوم أقف موقف الاتهام وابنه فى قفص الاتهام , ولكن كما قلت الواجب شىء والعاطفة شىء آخر " وكيف ان اسمه ورد فى اعترافات حسين توفيق ووجود كتابه " علم الحيوان " فى بيت حسين , وكيف ان تفتيش منزله لم يسفر عن شىء .

ثم مر بعد ذلك سريعا على مواقف بقية المتهمين , مناقشا موقفهم جميعا من تهمة الاتفاق الجنائى , وقد تداخل معه أكثر من مرة مكرم عبي باشا فى نقاش فقهى حول هذا الاتهام . وانتهت الجلسة فى ذلك اليوم قرابة الساعة الثالثة مساء .

مرافعة الادعاء بالحق المدنى (18) قصدنا عرض مرافعات بذاتها لأن لها وضعها المميز فى القضية : كمرافعة الادعاء ومرافعة , الادعاء بالحق المدنى , لأنها تعرضت لموضوعات القضية , وفتحت أبواب البحث فيها , كما أنها تعرضت لمواقف أبرزتها فى مكانها , أما المرافعات العامة فجاءت تغطية لما أثارته هذه المرافعات وردا على ما أوردتها من مواقف .

ان موقف المدافع عن أصحاب التعويض ( الحق المدنى ) يختلف عن كل من الادعاء والدفاع عن المتهمين , فاذا كان الادعاء ببحث الأدلة المقدمة ضد المتهمين مبرزا الدافع اليها , ومفوضا الأمر للمحكمة فيما يراه غير ذى قيمة , واذا كان الدفاع عن المتهمين يحاول جهده ابعاد الاتهام عن المتهمين , ومقدما المبررات لما يراه محيطا برقابهم , فان الدفاع عن المدعى بالحق المدنى انما يبرز بشاعة الجرم والآثار التى ترتبت على ارتكابه والقاء الضوء على مانال المجتمع ككل وأصحاب الحق فى التعويض بصفة خاصة من غرم على يد مقارف الجريمة .

ولذا بعد أن أوردنا مرافعة الادعاء ( النيابة العامة ) والتى كانت لها أبعادها الوطنية والنفسية , والتى أثارت موقفا عجيبا تفجر عن مقدمتها , ثم ابرزت نزاهة الادعاء فى اظهار مواقف بعض المتهمين _ (أنور السادات ) وكيف أثبتت ان الادعاء ليس خصما لدودا للمتهم بقدر ما هو خصم نزيه , يقرر ماله وما عليه بغير حرج أو حقد .

والآن نعرض لمرافعة الدفاع عن المدعين بالحق المدنى ونقصد من هذا :

أولا : اظهار رأى آخر فى أمين عثمان ثار بشأنه جدل ونقاش سياسى من أولى الأمر فى السياسة , ناقشه معهم جهابذة الدفاع فى ذلك الحين .
ثانيا : كشفت مواقف بعض الساسة المصريين فى علاقتهم بالانجليز .
ثالثا : قدم رأيا وناقش موقفه من أهم سبب فى اغتياله وهو حادث يوم 4 فبراير 1942 .

بدأ المرافع (19) المرافعات والرد على ما أوردتها من مواقف ص 713 من ملف قضية جلسة 14 أبريل 1948 فى هذا المجال الأستاذ عبد اللطيف بك محمود المحامى , مستهلا حديثه بالدفاع عن أمين عثمان كمصرى مبرئه مما وصفوه به , ولكنه وصفه بانه لم يكن منزها عن كل منزلق , بل أنه ككل ساسة مصر فى ذلم الحين يسعون تقربا وزلفى للانجليز , ولكن أمينا كان يقصد " تحقيق قصد السبيل " .

طرح تساؤلا فى قالب استنكار , " وهل كان أمين عثمان هذا المصرى الوحيد وزيرا أو غير وزير الذى سلك هذا الطريق على أنه هو الذى يوصله الى مصلحة بلاده " واستطرد قائلا " استعرضوا كل الوزراء والمشتركين فى الحكم الآن من الوفديين الذين قيل بتخوفهم من ممالأة الانجليز – قد كانوا الى الأمس القريب يصفقون لهم , وكانوا يلوحون لهم .. هل كان الوفد من سنة 1919 الى 1948 هو الذى يتعامل مع الانجليز , أرونى وزيرا واحدا لم يعمل على التفاهم معهم على أن يصل من وراء ذلك الى قصد السبيل , ان استطعتم ان تذكروا لى اسما لم يسع الى مفاوضة الانجليز , ولم يعمل على مصادقتهم , حق لكم أن تقولوا ان أمين عثمان صنيعة الانجليز , أما القول بأن رجلا قام فى اعتقاده أن هذا هو السبيل – فى نظره – فتحكمون عليه بالقتل , ثم تصادقون على هذا القتل , فليس هذا من العدل فى شىء " .

ان فى التمعن فى هذا النص من حديث المترافع تظهر عدة أمور :

أولا : تمييع الخطأ الذى ارتكبه أمين عثمان فى مصانعة الانجليز بشكل أكثر من أقرانه , وذلك بتوزيع التهمة على الجميع ليقل نصيبه منها .
ثانيا : تشتيت نظر الاتهام بين كل الوفديين .
ثالثا : تصويب مصانعة الانجليز والتزلف اليهم الى الوفد بذاته .
رابعا : ينتهى بأنه هو نفسه غير مقتنع فى داخله بموقف أمين عثمان من مصانعة الانجليز , وذلك فى عبارة " اما القول بأن رجلا قام فى اعتقاده ان هذا هو السبيل – فى نظره .. "
خامسا : انه مع النيابة فى مرافعتها بأنه يشتم منهما معا عدم اقتناعهما بموقف أمين عثمان السياسى تجاه الانجليز , ولكنهما يستنكران الجزاء وهو القتل .

ثم يفتح الباب – كما سبق وأشرنا – أمام قضية كانت لب الأسباب جميعا وهى قضية 4 فبراير 1942 فقال " أقول لحضراتكم ان المناقشات التى تناولت موقف النحاس باشا من الانجليز وكذلك أمين عثمان وحادث 4 فبراير وقصته , تلك القصة المزيفة المزورة التى قامت على قلب الأوضاع " وأشار الى أن زميله الأستاذ ابراهيم فرج المحامى سيتولى عرض هذه النقطة .

وهكذا فتح باب النقاش فى حادث 4 فبراير الذى استغرق مئات الصفحات من القضية ما بين شاهد اثبات وشاهد نفى , ومن موقف بين بين حتى لا تناله الأقلام والنقود , والذى لخصناه فى جزء سبق بعنوان " موقف أمين عثمان من الانجليز " .

هذا الحادث الذى كان سببا واضحا للاغتيال , وانتى ابراهيم فرج المحامى أيضا الى استنكار القتل كأسلوب للانتقام , وانما مقارعة الحجة بالحجة هو الأنسب فى تناول السياسة ومستقبل الأمة .

تدوولت القضية جلسات هددا من كانت آخرها جلسة الحكم بتاريخ 24 يوليه 1948 وكانت كلها مناقشات سياسية , وجدل فقهى حول نقاط قانونية بحتة .

تناولت الاتهامات التى قدم بها المتهمون للمحاكمة , سنلجأ الى تلخيصها , ومناقشة الأدلة التى تفيد التاريخ على وجه الخصوص – بعيدا عن :

1- الاتهامات أو الأحداث التى وقعت حلاف حادث اغتيال أمين عثمان باعتباره لب الدراسة .
2- المناقشات الفقهية والجدل حول النقاط القانونية البحتة لأنها تخرج عن نطاق دراستنا التاريخية (20) حوت أوراق القضية سؤال الساسة حول نقاط سياسية وأسهبت فى السؤال عنها فلم نوردها حتى لا تشتت القارىء سيما وانها تخرج عن موضوع القضية , كقضية الشروع فى قتل النحاس باشا وغيره , أما النقاش السياسى حول حادث 4 فبراير فقد أوردناه ضمن الفصل الرابع من القسم الأول .

2:- الأحداث الدقيقة والتقارير التى قد تذهب بالدارس للقضية بعيدا عنها وفى هذا سنعتمد كثيرا على حيثيات الحكم على أساس أنها :

أ- تحوى تلخيصا دقيقا وشاملا للأحداث .

ب- معايشة كاتبها لظروف المحاكمة بل ووقوع الأحداث مما يعطى الدراسة حيوية أكثر , فيعيش القارىء الأحداث ذاتها .

ج- أنه اذا كانت القضية هى المصدر الأساسى للدراسة فان حيثيات حكمها هى أدق ما فى هذا المصدر .

د- انها تحوى جدلا ونقاشا للأدلة وتصور الاحداث موضوعيا ووجدانيا , ومن هذا كله سيكون هذا الجزء من الدراسة قاصرا على الفاعلين الأصليين لحادث اغتيال أمين عثمان ومناقشة موقفهم , بما يخص دارس التاريخ وليس لدارس القانون .

بالنسبة للمتهم الأول حسين توفيق أحمد

فقد سبق تناوله قبل وكيف ارتكب الحادث , وقد حدث أن اعترف تفصيلا بذلك مشركا معه المتهمون : محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر حسين أبو علي والسيد عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب ومحمد أنور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل ونجيب حسين فخري ومحمد محمود كريم .
وقد لخص اعترافه بالنسبة لهم فيما ورد فى قائمة الاتهام التى قدموا بها الى المحاكمة . الا أنه عاد وأنكر ما اعترف به , معلللا اعترافه بأنه وقع تحت ضغط وتهديد سلطات التحقيق ( النيابة العامة ) , وان اعترافه جاء كما قال " لانقاذ ما يمكن انقاذه " الا ان الاتهام ثبت ضده من اعترافه وشهادة الشهود , ونتيجة تعرفهم عليه عندما عرض عليهم عرضا قانونيا , فقد تبين من كل هذا أنه ذهب لاغتيال أمين عثمان مسلحا بقنبلة ومسدس , واستعان بالمتهمين الخمسة التالين له فى قائمة الاتهام فأطلق هو المسدس فأصاب المجنى عليه وألقى القنبلة فأصابت من أصابت ممن ورد ذكرهم فى قرار الاتهام .
ونجد ان المتهم الذى نوقش موقفه بعد المتهم الأول ( حسين توفيق ) هو محمد أنور السادات ولذا أشرنا الى أن له وضعنا متميزا فى هذه القضية , ادعاء ومرافعة ثم حيثيات , وفى مساحات كبيرة من القضية .

فالمناسبات التى أوصلت اليه كانت :

أولا : ما ورد على لسان المتهم العاشر نجيب حسين فخري فى تحقيقات النيابة من أن المتهم الأول حسين توفيق كان على صلة به ( الحاج ) وهذا الحاج كان ضابطا فى الجيش المصري وفصل منه , وكانت هذه العلاقة وطيدة .
ثانيا : ما قرره حسين توفيق فى اعترافه عن ظروف تعرفه به عن طريق المتهم الرابع عمر حسين أبو علي وزرياته له ووصفه لمنزله , وأنه فهم منه – أى من السادات – أنه عضو فى جماعة تضم بعض العسكريين , وتعمل على مناهضة الانجليز , وانه انضم الى جمعية حسين توفيق , وكان يعلم ان أغراضها قتل الانجليز والزعماء المصريين الموالين لهم , وأنه كان متفقا معهم على قتل النحاس باشا وأمين عثمان .
ثالثا : اشتراكه فى حادث القاء القنبلة على سيارة النحاس باشا حسب اعترافات المتهم الأول (21) استبعدنا الحديث عن هذه القضايا لأنها خارجة عن موضوع الدراسة وعو اغتيال أمين عثمان .
رابعا : ما قرره المتهم الثانى محمود يحيى مراد فى تحقيقات النيابة من أنه علم من حسين توفيق أن المتهم السابع وهو المشهور باسم الحاج من أعضاء الجمعية وأنه رآه مع المتهم الأول واستعرف عليه .
خامسا : ما قرره المتهم الثالث محمود أحمد الجوهري فى تحقيقات النيابة من أن السادات كان يحضر اجتماع الجمعية, وأنه تكلم فى موضوع قتل النحاس باشا وطالب باتهامه لوجود أمور أخرى كان يرى وجوب الانتهاء منها , وأضاف أنه سمع من حسين توفيق أن السادات هو الذى أحضر القنبلة التى استعملت فى حادث النحاس وأنه أحضر كذلك قنابل أخرى .
سادسا : ما قرره عمر حسين أبو علي – المتهم الرابع – فى تحقيقات النيابة من أنه تعرف على السادات عن طريق صداقته لأخيه الطيار سعودى وأنه كان واسطة تعرفه على حسين توفيق , وكان من رأى السادات معاقبة كل من النحاس وأمين عثمان , باعتبارهما مسئولين عن حادث 4 فبراير 1942 .
سابعا : اعتراف المتهم الخامس السيد عبد العزيز خميس بتعرفه بالسادات , وانه فهم منه أنه عضو فى جماعة تعمل على مناهضة الانجليز , وأنه كان يجتمع به بعد مصرع أمين عثمان , وانه هو الذى أبلغه باعتراف المتهم الأول فى التحقيق أمام النيابة باقتراف الجريمة , وأنه كان من رايه استمرار قيام الجمعية بأعمالها .ثامنا : الورقة التى ضبطت فى 13 فبراير 1946 بملابس السادات المعدة لتسليمها لأهله لغسلها عند تفتيشها بمعرفة مأمور السجن ( سجن الأجانب ) والتى وجد مدونا عليها باللغة الانجليزية formation b touch with men واصطلاحات أخرى مريبة ظاهر منها ألمر والتدبير .

وأمام كل هذه الأدلة ظل السادات ينكر كل ما يسند أو ينسب اليه منها وقد سانده الدفاع على الأسس الآتية :

أولا : ان اعترافات بعض المتهمين عليه ان هى الا اقوال متهم على متهم , لا تنهض دليلا بذاتها عليه , فضلا عن ان مردها الى المتهم الأول حسين توفيق , وقد ذكرها الباقون نقلا عنه , وقد عدل بعض المتهمين عن أقوالهم .
ثانيا : أنه كذب واقعة مد الجمعية بالسلاح واستحضاره القنابل .
ثالثا : ضياع أصل الورقة التى وجدت فى ملابسه وعدم الاعتماد على الصورة الى غير ذلك من النقاط القانونية الأخرى , فضلا عن عدول حسين توفيق عن اعترافه على السادات بجلسة تحقيق النيابة يوم 23 فبراير 1946 .

وهكذا ضعفت الأدلة قبله – الأمر الذى أخذت به المحكمة فى أسبابها فبرأت ساحته .

المتهم محمد ابراهيم كامل :

قدمته النيابة العامة متهما مستندة الى :

1- أقوال حسين توفيق من أنه عضو معه فى الجمعية التى من أغراضها قتل الانجليز وفريق من رجالات مصر .
2- أقوال المتهمين : محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر حسين أبو علي والسيد عبد العزيزخميس بأنه عضو فى الجمعية ويعلم أغراضها .
3- العثور بمنزله على جراب مسدسين ووجود آثار مقذوفات نارية باحدى سطخ منزله نتيجة التمرين على استعمال المسدس .

الا أنه بعد مرافعة الدفاع لم تطمئن المحكمة الى هذه الأدلة ومن ثم برأت ساحته .

سعد الدين كامل :

كانت أدلة الاتهام قبله تنحصر فى الآتى :

1- اعترافات حسين توفيق من أنه كان عضوا فى الجمعية وأنه تعرف عليه عن طريق محمد ابراهيم كامل وأنه كان ضمن من اتفقوا على اغتيال أمين عثمان الا أنه عدل عن هذه الأقوال .
2- اعتراف كل من المتهمين محمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري على أنه اشترك فى حادث الشروع فى قتل النحاس وحادث اغتيال أمين عثمان .

الا أن المحكمة ازاء انكاره وما أثاره الدفاع عنه من شكوك حول أقوال المتهمين لم تطمئن الى سلامة هذه الأدلة فبرأته .

نجيب حسين فخري  :

كانت الأدلة محصورة فى الآتى :

أولا : أقوال حسين توفيق فى تحقيقات النيابة من انضمامه الى جمعيته لقتل الانجليز ومن والاهم من المصريين , وانه باعتباره من المجلس الاستشارى الذى كان مكونا منه وجيب فخرى كامل وسعد كامل , اتفق معه على قتل أمين عثمان .
ثانيا : اعتراف المتهم السيد عبد العزيز خميس عليه . الا أن عدول حسين توفيق عن اعترافاته , واضاف أن ما كان بينهما كان مجرد كلام لم يدخل الى حيز التنفيذ . خاصة وأن وضعه هو ومحمد كامل وسعد الدين كامل كأعضاء فى الحزب الوطني أمرا يتنافى ومبادىء الجمعية التى لم تكن توافق على ضم أعضاء حزبيين . كما تشككت المحكمة فى أن يكون ضمن اللجنة الاستشارية ومن ثم حكمت ببراءته .

محمد محمود كريم  :

لم يضبط فى أول الأمر , وانما عندما ورد ذكره فى اعترافات حسين توفيق يوم 16 يناير 1946 ضمن من اشتركوا فى حادث مقتل أمين عثمان , بأن كان ضمن أعضاء " الجمعية " ثم ورد ذكره كذلك فى اعترافات محمود يحيى مراد يوم 18 يناير 1946 , ثم اعترف عليه أيضا محمد محمود كريم . وعلى هذا القى القبض عليه ,وأنكر فى أول الأمر , ولكنه عندما علم باعترافات حسين توفيق أرسل خطابا الى النيابة العامة , يعرض فيه أنه لديه معلومات خطيرة يريد ابداءها .
وبدأ يعترف أمام التحقيق على تفصيلات تكوين " الجمعية " وأهدافها وشعبته هو وهى شعبة كليه الهندسة , وكان معظم أفرادها فى مجلس الادارة , ثم بدأ يعترف على تفاصيل حادث الشروع فى قتل النحاس .
وبالنسبة لحادث أمين عثمان فقد أقر بانه اجتمع هو ومراد وآخرون فى منزل مراد حيث عرضت فكرة اغتيال " الخائنين " ومنهم أمين عثمان ولم ينفذوها بل أجلوها , ولكن مجلس الادراة اتخذ قرار لميوله الانجليزية واشتراكه هو والنحاس فى حادث 4 فبراير 1942 بل ان المجلس قرر أيضا فى ذلك اليوم التخلص من مكرم عبيد لاشتراكه هو أيضا فى هذا الحادث .

من أجل ذلك قدمته النيابة بتهم هى :

1- تهمة الاشتراك مع حسين توفيق فى حادث اغتيال أمين عثمان بطريق الاتفاق .
2- الاشتراك فى جريمة " الشروع فى قتل " التى ترتبت على حادث اغتيال أمين عثمان .
3- الاشتراك مع حسين توفيق فى حادث النحاس باشا .
4- وبقية الاتهامات الت أسندت اليه .

وقد قضت المحكمة بادانته .

شهود المحاكمة ومناقشات الدفاع

اعتمدنا فى هذا على كتاب المحاكمة الكبرى للطفى عثمانوصحيفة المصري تلك الفترة .

نورد هنا تلخيصا لأهم ما ورد من نقاط دارت حولها شهادة أهم الشهود فى الحادث أمام المحكمة , وركزنا ما تناول أمين عثمان منها :

شهادة مصطفى النحاس :

تناول أول الأمر قضية الشروع فى قتله هو – وهذا خارج عن موضوع دراستنا – ثم سئل عن كيفية تشكيل الوزارة عقب حادث 4 فبريار 1942 , فبدأ حديثه عن تاريخ الوزارات منذ عام 1940 , 1941 , وأحوال البلاد ومقابلاته مع الملك ونصحه بضرورة الاصلاح , ثم انتقل الى الأحوال العامة فى وزارة حسين سري 1942 وسياحته فى الوجه القبلى قبيل الحادث , والاتصال به وهو فى قنا لطلبه للقصر , ثم عودته ومقابلته للملك , ووصف الجو العام والانذار الذى أرسله السفير البريطانى للملك – ومحاولات الخروج من الأزمة باستدعاء زعماء الأحزاب الى اجتماع فى القصر ودور أحمد حسنين فى هذا , ومناقشة رفض الانذار واصدار الاحتجاج عليه – ثم وصفه لمحاصرة القصر بالدبابات وطلبه مرة ثانية من القصر واصرار الملك على أ يؤلف هو الوزارة ورفض لهذا الطلب أول الأمر فقال له الملك "آمرك بهذا " وناقش معه الأمر على أسا سأن الزعماء اتحدوا على الرفض كشكل من أشكال الاحتجاج فقال " أنا صاحب الشأن . أنا آمرك لازم تقبل وتؤلفها الليلة وتذهب الى السفير لتخبره بذلك وطلب امهاله للغد وقال أحمد ماهر أنه ان قبل يكون على أسنة رماح الانجليز " فقلت اخرس انتم الذين جئتم على أسنة رماح الانجليز ووصلتم بالبلد الى هذه الحالة .
النحاس أشرف منكم كلكم " وحسم الملك الموقف وأمره بتأليف الوزراة , وانه فهم أن كلاما دار بين الملك والسفير يسترضيه ويسأله عن رغبته فطلب منه سحب الانذار فسحبه وأخبره السفير بأنه لم يختره لصفته الشخصية وانما كزعيم الأغلبية لأن الموقف الحربى خطير ويخشى الانجليز ان يطعنوا من الخلف , وناقش مع السفير مسألة سوء الحالة الاقتصادية للشعب نتيجة الصرف على جيش الاحتلال .
وردا على سؤال الأستاذ الخشخانى : قال أن الانذار كان تنفيذيا وليس تهديديا ولم يرض أن يأتى بتفاصيل أكثر حتى لا يدخل العرش فى الحديث والعرش فوق كل المنازعات , واستمر النحاس فى الحديث حول التفريق بين الحالة التهديدية الأخرى التنفيذية .
ونوقش فى مسالة الوزارة القومية والوفدية فقال محتدا : يستحيل على حكومة أن تمشى وبها أجناس مختلفة والسفينة تغرق , وذكر ان وزارته كانت على شقاق مستمر مع السفارة وحاكم عام السودان سواء فيما يتعلق بالتدخل أو غيره .
ولما سئل عن مدى تدخل الانجليز فيما بيم 19421944 أجاب أنه كان ضدهم وضد أى تدخل أجنبى أو من جانب السراى ولذلك ستءت الأحوال فى نهاية الفترة بينه وبينهم وسأله زكى عريبى المحامى عن أن قبول الحكم يوم 4 فبراير فيه تعدى على سلطة الملك فقال ان الملك هو الذى أمره بذلك .أما عن علاقته بأمين عثمان فقال ردا على هذا السؤال من حمادة الناحل المحامى انها بدأت سنة 1936 أثناء المفاوضات وأنه كان يريد أن ينجح المفاوضات فكان يختار الأشخاص الذين يستطيعون معاونته ومنهم أمين عثمان .
وساله وهيب دوس المحامى عن علاقة أمين عثمان بالانجليز وحاكم السودان فقال له انها علاقة طيبة وهو متخرج من كلية فيكتوريا التى تعمل على ايجاد صلات طيبة بين المصريين والانجليز وأنه يعتقد أن أمين عثمان كان يقدم الصالح الوطنى على الصداقة .
وساله عن رأيه فى خطبة أمين عثمان فقال أنه يعجب بتشبيه أمين عثمان , وعن اسناد الحكم الى أمين عثمان قبل 1942 عقب استقالة علي ماهر نفى ذلك .
ثم عاد فى جلسة اليوم التالى وقال أن أمين عثمان لم يكن معه فى رحلته الى الصعيد ولم يحضر اليه قط ولما اعترض على أيوب المحامى على موقفه يوم 4 فبراير وهو الذى كان ينادى بالاستقلال ووقع معاهدة 1946 , وأن هذا الانذار يسم الاستقلال والمعاهدة , أجابه لبأنه أجاب على هذا فى محضر الاجتماع , وكان ضد هذا التدخل , والقى بالائمة على الأحزاب الأخرى على أساس أن تفرقهم هو الذى تسبب فى حادث 4 فبراير .
وعاد الدفاع يناقشه حول قبوله الوزارة وأن ذلك بمساندة الانجليز ونفى ذلك , ووصفهم بأنهم هم الذين كانوا يريدون قبول الحكم فى ظل وزارة ائتلافية تحت هذه الظروف وأنه رفضهم وأن قبوله كان بالحاح الملك .
وبدأت المحكمة والدفاع مناقشته فى موضوع الكتاب الأسود وظروفه ومحاولة تقديمه للمحاكمة , وتدخل الانجليز فى ذلك .
أما عن أمين عثمان فقد ساله شوكت التوني المحامى حول خطابه الذى ذكر فيه الزواج الكاثوليكى , وهل وافق هو عليه قال نعم .

شهادة زكى علي باشا :

وهو محايد كان وكيلا لمحكمة النقض والابرام .
دارت شهادته حول حادث 4 فبراير وقال أن معلوماته تنحصر فيما قرره له صديق بالقصر وليس أحمد حسنين , ووصف حالة حصار القصر بالدبابات وأخبره أنه قال له هذا ليكون على علم ويتصرف اذا حدث أكثر من هذا وأن السبب هو تهديد الانجليز لتكليف النحاس بتأليف الوزارة .
ولما اتصل بالنحاس تليفونيا نفى علمه بالحادث وقال له أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا , واضاف أنه نبه الزعماء الآخرين بخطورة الموقف وأنه وقع معهم احتجاجا عليه .
وأجاب على سؤال حول علم أمين عثمان المسبق بالحادث بقوله ان أمين عثمان كان يعلم أن النحاس والوفد يجب أن يعود للحكم وذلك بناء على معلوماته وأضاف ان النحاس كان يزور أمين عثمان الذى كان متصلا بالسفارة فى هذا الشأن , ونفى معرفته ما اذا كان أمين عثمان يقوم بالدور ممثلا لنفسه أو ممثلا للوفد وشهد بأن النحاس كان يوفق بين مصلحة البلاد وبين ما هو مطلوب من السلطة غير الشرعية .
وردا على سؤال من فتحى رضوان عن موقف أمين عثمان فى حادث 4 فبراير قال أن أمين عثمان كان يرى أن الوفد يحب أن يعود للحكم أما أنه كان مدفوعا بهذه الفكرة أو غيره فلم يعرف .

شهادة علي ماهر :

بدأ شهادته بحديث مطول عن ضرورة توحيد القوى الوطنية كى تخرج مصر من محنتها , وأنه ينظر الى المستقبل ويتناسى الماضى لأن الماضى يؤثر فى الدعوة الى التعاون والوحدة التى تحتاجها البلاد .
وبالنسبة لأمين عثمان فسرد موقفه بأنه أحيل الى المعاش فى أول أو ثانى جلسة لمجلس وزارته لما علق فى نفسه منذ قيامه بدور الوسيط فى معاهدة 1936 ثم أن الوزراء كانوا يخشونه لصلته بالانجليز , كما أنه كام مهملا فى عمله كوكيل للوزراة ومسئولا عن أعمالها أكثر من الوزير فكان يترك عمله الى أعمال خارجية حيث كان يقضى معظم وقته لدى السفير الانجليزى فكان معطلا للعمل .
وبعد احالته للمعاش طلب تعيينه فى البنك الأهلي وقبل هناك , وزارة السفير البريطانى بعدها ولم يكن يعلم باحالته للمعاش وقال له " أتعشم أن تعتمد على أمين باشا فى المسائل الصغيرة منك الى ومن السفارة اليك "
وسئل عن ماهية هذه الأعمال فقال أنه كان يقوم بالوساطة أو ضابط اتصال بين الوزارة والسفارة , وأضاف أن أمين عثمان قام باشياء غير مشرفة فى مفاوضات 1936 – هى عملية التمهيد للمفاوضات والتى أشرنا اليها فى علاقة أمين عثمان بالانجليز – وأن احالته الى المعاش كانت بداية سوء العلاقات بين علي ماهر والانجليز .
ثم تناول بعد ذلك العلاقات التاريخية بينه وبين الحكومة البريطانية أثناء توليه الحكم كرد على سؤال من المحكمة واستغرق بقية الجلسة خصوصا مسألة دخول مصر الحرب وتجنيبها ويلاتها .
وفى جلسة اليوم التالى ناقشه حمادة الناحل المحامى فى معلوماته عن حادث 4 فبراير ووصفه بأنه اعتداء على رمز الدولة وعلى الشرف الوطنى وأن الأمر مدبر من الداخل ولم يأت به السفير وحده وألقى بالتدبير على أمين عثمان , وقال عنه رجل زكى فى الناحية التى كان يشتغل بها دائما , له من القدرة أن يتصل بخصومه وأعدائه ويتظاهر أنه صديق , أمين عثمان كان يريدأن يكون وزيرا ان طال عمره كان يطمع فى كراسى الرياسة وكان مستر ريد يشير اليه بأنه رئيس وزارةفى المستقبل .
وتحدث عن زيارته له فى القصر الأخضر وطلب أنه فى خدمته وكان يحدثه عن مصطفى النحاس كزعيم أغلبية خارج البرلمان وأن أحمد ماهر زعيم أغلبية داخل البرلمان .
وسرد بعد ذلك اجتماعت الملك بالنحاس ليلة الحادث وما دار بينهم فى اجتماع الزعماء , وتناول فى شهادته مسألة المعتقلين واعتقاله هو وأسلوب معاملته فى المعتقل , ثم سأله حمادة الناحل عن الموقف يوم 4 فبراير فكرر كثيرا مما قاله وجهل كل شىء يعرفه عن أمين عثمان بعد ذلك .

شهادة حافظ رمضان باشا :

دارت شهادته حول الوصف الدقيق لأحداث 4 فبراير منذ الانذار الانجليزى للملك بتشكيل النحاس للوزارة والا سيتحمل الملك التبعة , والمشاورات التى دارت حول اقناع النحاس بتشكيل حكومة قومية تجرى بعدها انتخابات ثم تشكيل حكومة بعدها حسبما تؤدى هذه الانتخابات .
وكان رأيه هو ازاء الانذار ألا تشكل حكومة الا بعد أن يسحب الانذار وهو عاد اليه المجتمعون لما رفض النحاس ما عرض عليه من حلول وأنه وقع مع الموجودين ورقة بأن الانذار اعتداء على سيادة البلاد , وكان النقاش بينه وبين فتحى رضوان المحامة حول موقف النحاس من الانذار وأنه لم يكن يعرف ملابسات موقف النحاس من هذا ثم تطرق النقاش الى الكتاب الأسود والمحاكمة التى كانت ستعقد للنحاس وتدخل لورد كيلرن فى الموضوع , ثم اشار الى موقف الحكومات التى توالت من اعلان مصر الحرب من أجل حضور مؤتمر السلام , واعترف بأنه يعرف أن النحاس وأمين عثمان منحا لقب " سير " ثم تناول العلاقات بين الحكومتين الوفدية والانجليزية .
وناقشه ابراهيم فرج المحامى حول نفس الموقف ليلة 4 فبراير ومنح الأوسمة للنحاس وأمين عثمان , وأنهم لم يكونوا وحدهم الذين نالوا هذه الأوسمة , وكان نصيب أمين عثمان فى هذه الشهادة أنه فى وزارة محمد محمود باشا رفض صدقى التعاون معه فى وزارته وطلب احالته للمعاش , وطلبه الى مكتبه مؤدبا وعرض عليه رغبة محمد محمود وحسم الموقف بأن يطلب اجازة ستة شهور .
وقال بالنسبة لخطبة أمين عثمان بزواج مصر من انجلترا , أنا قرأت سخافة بهذا المعنى وسأله مكرم عبيد حول تزوير الانتخابات بعد 1936 ضد الحزب الوطني والكتلة الوفدية فمنعت المحكمة الاجابة على هذا السؤال .

شهادة بركات باشا :

ناقشه زكى عريبى المحامى حول المعاملات المصرية بين مصر وانجلترا فى عهد تولى أمين عثمان وزارة المالية فأحاله الشاهد الى محاضر مجلس الشيوخ آنذاك فهى ثابتة فيها كما أحاله اليها ردا على سؤاله عن دفع مصر نفقات الجيش الانجليزى – كما تناول دين انجلترا لصالح مصر والذى قارب 500 مليون جنيه وأصر على احالته الى مضابط مجلس الشيوخ , وان كان قد أكد على ان انجلترا كانت تقترض من مصر دون أن يدرى الناس , مما أدى الى التضخم , وان أمين عثمان باشا كان على علم بذلك .
وناقشه الأستاذ لطفى جمعة المحامى حول أنها كانت فرصة لاجلاء الاحتلال بناء على هذا الدين بعكس أيام ان توطدت أقدامه عندما كانت مصر مدينة فرد بأنه أجريت مقاصة وأصبحت انجلترا مدينة بمبلغ 90 مليون جنيه وأنه اذا سوى الدين مرة أخرىفستكون انجلترا غير مدينة .
وساله أحمد رشدى المحامى حول أثر الغرض الوطنى من الناحية بأنه بين النفع والضررلأن الدين بعد أن كان دينا عاما له صفة دولية والبلاد غير ملزمة أصبح دينا خاصا بمصر وقد أسهم أمين عثمان فى اعادة جعله دينا دوليا ولم يعرف كيف حوله لأنه لم يكن فى الوزارة , كما لم يجب بصراحة عن سؤال زكى عريبى المحامى حول فوائد تمويل هذا الدين هل هو كسب سياسى أم لا ولما سئل عن موقف أمين عثمان من هذا الدين سنة 1944 نفى معرفته شيئا عنه فى ذلك الوقت وان المسائل الاقتصادية للبلاد لا تنفصل عن الاعتبارات السياسية وان السياسة المالية المصرية كتن فيها جانب التساهل والمجاملة مع انجلترا .
ثم أجاب عن أسئلة دارت دول ضبط ديوان المحاسبة لمخالفات مالية ارتكبت لصالح الانجليز فقال ان هناك مخالفات تبلغ عشرة مليون محل خلاف بين الحكومتين وانه لا يجزم بأن أمين عثمان له يد فيها .

شهادة حسين سري باشا :

ناقشه بسطا شكرى المحامى ودارت حول حادث 4 فبراير فكرر ما قاله حافظ رمضان وان انجلترا كان لها تأثيرها على استقالته ثم تناول بالتفصيل علاقته بانجلترا الا أنه لم يظهر من خلالها أى دور لأمين عثمان .
ولما سئل عن أمين عثمان قال بأنه قابله عند تعديل معاهدة 1936 بالنسبة لبند الثكنات العسكرية – وهو الموقف الذى ذكرناه فى علاقة أمين عثمان بالانجليز – ثم كيف أحاله الى المعاش وأنه زاره بعدها وطلب منه أن يكون همزة وصل بينه وبين الانجليز على أن يعينه مديرا لمكتبه ورفض وقال له كيف تطلب منى هذا الطلب وأنا الموقع على مرسوم احالتك الى المعاش وأنه بعد ذلك عندما قرأ فى الصحف " عن أنه –سرى – طلب أمين ليكون وزير مالية فى وزارته ونفى أن يكون السفير البريطانى هو الذى طلب منه هذا الطلب , وأنه لا توجد علاقة بينه وبين أمين عثمان خلاف هذا , ورفض الاجابة على سؤال عن دور أمين عثمان فى حادث 4 فبراير بحجة أنه كان وزيرا للداخلية ولا يمكن أن يصرح بشىء .
ثم دار النقاش بينه وبين أحمد رشدى المحامى حول طبيعة العلاقات المصرية البريطانية على ضوء معاهدة 1936 فسرد العلاقات الاقتصادية ومشكلة تحديد زراعة القطن 1942 واستيراد غلال من الخارج وتقدمه بمشروع قانون خاص بتحديد زراعة القطن ومساحة زراعة الحبوب .
أما عن أثر حادث 4 فبراير فى نفسه فأجاب أنه كان يرجو ألا يكون – كأى مصرى ديست كرامته " لأنها نكبة كبيرة " ونفى ما ألقاه النحاس من مسئولية على حكومته وساله حمادة الناحل عن المشتركين فى الحادث , فلم يعرض أمورا جديدة , كما نفى ادعاء النحاس بأن مراسيم القطن كانت سبب استقالة حكومته .
أما عن المظاهرات التى حدثت فى يوم 2 فبراير فعللها بأنه متنفس للناس طالما لم يحدث عنها ضرر وأنه لا أثر لها على الحادث . كما نفى تسبب أمين عثمان فى استقالة وزارته , كما نفى اتصال السفير البريطانى به قبيل استقالته .
وعن علاقة الوفد بالانجليز ذكر ان الوفد القى ثلاث خطب ضد الانجليز فى فبراير 1942 أما عن السياسة الداخلية بينهما فرقض الاجابة عليها , وأن تدخل السفير فى تعيين وزارة أمر ليس غريبا " وأن السياسة البريطانية عودتنا كده " ورفض الاشارة أو تعليل دور أمين عثمان فى ذلك .
أما عن مسلك أمين عثمان فقال " أتردد فى الرد على هذا السؤال ولكنى أميل الى القول بأنى ماكنتش مرتاح كثيرا لأعمال أمين عثمان فى هذا الصدد . "

شهادة هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ :

سأله على أيوب المحامى عن حادث 4 فبراير فقال أنه يذكر أنه أثناء تشييع جنازة أمين عثمان سمع السفير يقول له ولحسين سري من العبث أن أصدقاء بريطانيا يعتدى عليهم مثل هذا الاعتداء الفظيع , ودارت المناقشات حول ما قيل من ان الانجليز طلبوا من محمد محمود أن يكون الحكام العسكريون من الانجليز وخاصة فى الصحراء الغربية ونفى كل هذا .
وانتقلت المناقشة الى حادث 4 فبراير فسرد التفاصيل مطابقة تقريبا لما شهد به حافظ رمضان , ورفض الاجابة على ما اذا كان هناك أحد من المصريين قد ساعد الانجليز على الحادث , أما دور القصر فى الحادث فذكر أن حسنين كان همزة الوصل فى الاتصال بين الزعماء . وعندما سأله الظاهر حسن المحامى عن معلوماته عن مقابلات أمين عثمان لعلي ماهر أثناء وزارة حسين سري فقال ان معلوماته عن أمين عثمان قليلة جدا وأنه لم يعرفه الا فى عام 1937 وسمع أنه يتردد على محمد محمود وعلي ماهر وأحمد ماهر .
أما عن تدخل أمين عثمان فى تعيين بعض الوزراء فنفى علمه بشىء , كما نفى علمه بأن أمين عثمان قال أنا ممثل بريطانيا فى مصر , وتناول استقالة وزارة حسين سري ومشكلة صليب سامى .
نفى علمه بسبب مظاهرات 2 فبراير , أما عن تقييمه لأمين عثمان كرجل وطنى قال أن مثل هذه لمسائل لا يستطيع الاجابة عليها .

مرافعات الدفاع

مرافعة الاستاذ أحمد رشدي المحامى : عن المتهم حسين توفيق

قسم دفاعه الى شقين الأول : خاص بتحليل شخصيته وحالته العقلية ومدى مسئوليته عن الحادث الثانى : خاص بتحليل الباعث على الجريمة .
وبهذا تنعدم مسئوليته عن الحادث .
وطلب مناقشة الدكتور الخولى فى المحكمة فردد ما سبق من أوصاف وأنه مصاب منذ صغره بقلق سبب متاعبا لوالديه لأنه قابل للاقتناع ومغرم بالتدبير والتآنر ويعاكس الخدم ويقسو على الحيوانات , خلص الى أ،ه خلال أدوار التحقيق كان انفعاليا متقلبا قليل الاتزان , وأنه لم يكتم شعوره نحو المجنى عليه ولم يحتفظ بآرائه المتطرفة ولذلك عاد الى الاعتراف بعد الانكار حتى على جرائم أخرى نسب بعضها الى نفسه واعترف على بقية المتهمين .
وكان يعترف على بعضهم ثم يعود الى ادعاء عدم التعرف عليهم بحجة " انقاذ ما يمكن انقاذه من أعضاء الجمعية " وقد استمر على خطته هذه فى التحقيق من اتهام ثم تراجع معللا اعترافاته وتراجعه بأقوال تنطوى علىالغرور والتفاخر وحب الظهور , ويلاحظ أنه أثناء وجوده بالمستشفى كان تارة هادئا نظيفا ينام جيدا وأخرى متقلبا قليل التبصر وكان يميل الى سماع الحكايات أو النكات المبتذلة وكان الجو العائلى فى نظره مضطربا أحيان بسبب تقييد والده لحريته وأن والده فى نظره كان من جيل قديم نشأ فى ظل الاحتلال الأجنبى , وانه سوف يعمل أولا على تحرير مصر وتولى زعامتها ثم يوجه اهتمامه بعد ذلك الى تحرير بلاد الشرق .
أما الشق لثانى فاشار الدفاع الى حادث 4 فبراير مستندا الى ما نشرته جريدة الكتلة بعنوان " مأساة الايام الثلاثة " مركزا على اتهام النحاس به بأنه ارتكب خيانة عظمى وأنه أتى الى الحكم على أسنة الرماح البريطانية , وخلص من هذا الى القول بأن المتهمين لم يقولوا هذا الكلام وحدهم بل قاله قبلهم الأستاذ العقاد ومجلس النواب فى جلسة 4 فبراير 1947 , تلى أقوال المتهم فى تحقيقات النيابة الى أكد فيها أن أمين عثمان كان متعاونا مع الانجليز , وأن أغراض جماعته هى طرد الانجليز بالقوة وقتل الخونة من المصريين الذين يتعاونون معهم مبتدئا بالنحاس وأمين عثمان على أنهما هما سبب الحادث .
كما أشار الى خطاب أمين عثمان حول الزواج الكاثوليكى , وناقش تكوين الجماعة وتمويلها وتسليحها على النحو الذى ذكرناه فى أسباب الحادث , وطلب مراعاة أحوالهم وأحوال أسرهم حتى لا تقتل المحكمة روح الجهاد فى الأمة .

مرافعة الأستاذ علي الخشخاني : عن حسين توفيق .

ردد ما قاله زميله السابق عن أحوال المتهم النفسية والعقلية , وعرض لتاريخ الجريمة السياسية فى مصر والعالم , وناقش النقاط الفقهية فيها على مدى طويل منتهيا الى أن الباعث على هذه الجريمة باعث سياسى وأن تصرفات المجنى عليهم كانت تتعارض مع مصالح البلاد ومستقبلها , مما أثار هؤلاء الشبان فارتكبوا جريمتهم , ودخل فى نقاش فقهى حول بعض النقاط القانونية .
وانتقل الى تاريخ الاحتلال والحروب التركية البريطانية وما نال مصر من جرائها ووصل الى معاهدة 1936 وناقشها تاريخيا وسياسيا .
اتهم الانجليز بارتكاب جرائم فى حق مصر والمصريين مثل جريمة 4 فبراير, وتناولها من الجانب السياسى مظهرا الوقوف ضدها لكن ليس بالاغتيال .
ثم تحدث عن تاريخ الوفد المصرى منذ قيام سعد زغلول حتى وقت ارتكاب الحادث ناقدا مواقف النحاس ووصفه بأنه كان حاكما بأمره مطلق السلطة فى حكمه دون رقيب من فبراير 1942 حتى أكتوبر 1944 , مستندا الى وقائع الكتاب الأسود .
أما عن أمين عثمان فوصفه بأنه القتيل القاتل , عرض لنشأته وحياته الانجليزية ودوره فى مفاوضات 1936 وعلاقته بالنحاس وانشائه رابطة النهضة وسماه " سمسارا سياسيا كان يعمل لصالح الامبراطورية البريطانية ولذات نفسه " وشرح موقفه من حادث 4 فبراير .
وأخيرا اعترض على اعتراف المتهمين لأنه أتى عن طريق القهر والعنف من ضابط القسم السياسى , وطعن على الاعترافات المنسوبة الى حسين توفيق على أساس أنها أخذت بوسائل الاكراه والتعذيب والتجويع والترغيب .

مرافعة الأستاذ زكى عريبي المحامى : عن كل من المتهمين محمود يحيى مراد ومحمد علي خليفة وأحمد خيري عباس .

حمل على الانجليز والصهيونيه واستهل مرافعته بكلمة عاطفية عن الشباب وراء القضبان فانها قضية شائكة وانسانية , فهى قضية يتردد فيها ذكر الانجليز وكراهية البلد لهم , وأن المصريين جميعا يكرهونهم ليس لجنسهم أودينهم بل اننا نعجب بهم ونشيد بفضائل كامنة فيهم , وانما يكره الشعب صلفهم وكبرياءهم واحتلالهم , وأننا فى بلد ديمقراطى فلهم أن يعلنوا رأيهم ويروجوا له بكل الوسائل , واسترسل فى عرض الجهاد الوطنى فى أحقاب متعددة منذ ايام الرسول الى أسلوب الجهاد فى أوربا , ثم انتقل الى مناقشة موضوعات فقهية حول قانون تحقيق الجنايان , وانتهى الى طلب براءة موكليه .

مرافعة مصطفي الشوربجي المحامى : عن مدحت حسين فخري ومحمد محمود كريم

مؤسسا دفاعه على بطلان الاعترافات , وأنهم يحسون بالندم على أى خطأ آخر يكون قد ارتكبوه , وناقش أسلوب أخذ الاعترافات مقارنا بما حدث فى ألمانيا والدول الأوربية فى هذا الشأن .
وعرض فى اسهاب كيفية تعذيبهم وارهابهم متهما وكيل النيابة " القاويش " بذلك حتى لقبه ( بالشاويش كامل ) وطعن على كل هذه الاعترافات خاصة وأن منهم حديثى السن , وخلص من سرد القضية الى التدليل على أهمية الاعتراف لكن ليس الاعتراف تحت هذه الظروف وندد بأعمال البوليس السياسى وطالب بعزله ورفض أسلوبه فى الحصول على مثل هذه الاعترافات .

مرافعة بسطا شكرى المحامى : عن محجوب علي محجوب .

بدأ عن حوادث فلسطين وحاجتها الى سواعد هؤلاء الشبان ثم تناول مبدأ الاتفاق الجنائى متعجبا من أن الجهاد فى بلادنا يعتبر جريمة , وانه يتساوى القتل فى سبيل الوطن بالقتل فى سبيل الأحقاد , وتكلم عن الجهاد ضد الاحتلال فى التاريخ مستندا الى انكار المتهم لما نسب اليه والاختلاف فى الأقوال بين الاعترافات , مناقشا هذه النقطة من الناحية الفقهية , وطعن بالبطلان على الاعترافات لنفس الأسباب الذى ذكرها سابقا .
ثم تناول أمورا فقهية حول الأعمال التحضيرية للجريمة والقصد الجنائى وتداخل الاتهامات بين الشروع فى قتل النحاس ومقتل أمين عثمان , وخلص الى طلب تخفيف العقوبة نسبة لسن المتهم وضعفه العقلى وعامل الاستفزاز الباعث , متعرضا لقضية الباعث فى الفقه الفرنسى والمصرى , وأسند الاستفزاز المباشر الى أمين عثمان نفسه فى خطبته ومجاهرته بصداقة الانجليز ومصاهرتهم واشتراكه فى حادث 4 فبراير وأخطائه الواردة فى لكتاب الأسود .
وختم دفاعه بقوله " لقد توسلت الى قلوبكم عن طريق القانون ومن السهل أن أتوسل اليها عن طريق العاطفة لأنها لغةالقلوب .. فأنتم مصريون قبل كل شىء .. وأنتم أباء وأول قضاه فى عهدنا الحديث " .

مرافعة الستاذ وهيب دوس المحامى :عن محجوب علي محجوب ومحمد ابراهيم كامل .

بدأ كلامه عن الاحتلال الانجليزى وأدواره ودور تركيا واعلان الحماية ثم تناول الجوانب السلبية فى أمين عثمان وما وجه اليه من نقد حول حادث 4 فبراير وما نسب اليه فى الكتاب الاسود مرددا مثيرا مما قاله سابقوه وتلى مقالات ضد أمين عثمان فى الصحف والمجلات طالبا منهيئة المحكمة عدم الفصل فى حادث 4 فبراير لأنه ليس اختصاصها وانما يدخل فى تقديرها كباعث فى أنفس المتهمين .
وناقش حادث 4 فبرايروعقد مناظرة بين الملك وبين الخديوى عباس وانتى كسابقه الى أن عامل الاثارة لهؤلاء الشبان هو أمين عثمان نفسه وردد فى ذلك ما قاله سابقوه عنه , واستنكر موقف البوليس والنيابة من اعترافت المتهمين , وأنهم قاموا بدور قام به النقراشي من قبل فى مقتل السردار .
وانتهى الى قوله أنه هو شخصيا يستحق المحاكمة معهم بل ووكيل النيابة المترافع أيضا لأنهم يفكرون كتفكيرهم الوطنى .

مرافعة فتحى رضوان المحامى : عن المتهمين محمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل ونجيب حسين فخري .

ودارت مرافعته حول شذوذ حسين توفيق وتناقضه فى أقواله وعدوله عن اعترافاته ثم اقرار ما عدل عنه , وطعن على هذه الاعترافات بسبب فساد أسلوب القسم السياسى ووصفهم بانهم ملفقون وطغاة وأنهم أوجدوا حالة من الانفصام العقلى عند المتهمين – كما اعتبر حادث الهروب من سجن الأجانب من تدبير البوليس السياسى وحسين توفيق وذلك لتشجيع باقى المتهمين على الهروب , وأن النيابة قبضت على موكليه بلا دليل أو شبهة وبذلك وقعت فى مخالفات قانونية بدأ بشرحها فقهيا .

مرافعة الدكتور محمد زهير جرانة : عن المتهمين محمد أنور السادات وعباس محمود المرشدي .

وطعن على اعترافات حسين توفيق ضدهم بأنه شخص شاذ متناقض فى أقواله بينما وصف كوكله أنور السادان بالصراحة والشجاعة وأشار الى غضبه أمام النائب العام حين أراد سحب أقوال ممثل الاتهام الخاصة بالانجليز ونفى عنه نشاطه السياسى كما شهد بذلك عزيز المصري , وأن كل ما هنالك أنه شخص يكره الانجليز ويريد تحرير مصر , وشكك المحكمة فى الورقة التى ضبطت معه وأنها خدعة من البوليس السياسى فتش بيته مرتين ولم يجد شيئا ثم يقرر أنه عثر على هذه الورقة .

مرافعة شوكت التوني المحامى : عن المتهم عبد العزيز خميس .

ناقش الاتفاق الجنائى فقهيا وفكرة تكوين الجماعة وقال ان المصريين جميعا منضون اليها ما دام الهدف خير مصر لأن اتفاق المثل الأعلى عقد لتحقيق فكرة الحرية فهو اتفاق مشروع لا عقاب عليه وطلب استبعاد التهمة الرابعة المسندة الى المتهم مؤسسا دفاعه على أبحاث قانونية وفقهية فى هذا الشأن .

مرافعة الدكتور محمد هاشم : عن محمود أحمد الجوهري .

شاجبا ظروف اعترافه وناقش الاعتراف من الناحية الفقهية والعملية .

مرافعة الأستاذ عبد الرحمن البيلي : عن أحمد وسيم خالد

وقد قصر دفاعه على تهمة الشروع فى القتل فنفاها لأن النيابة لم تقدم الدليل على نية القتل وذهب مشوارا طويلا حول النية فى الفقه والقانونيين الفرنسى والمصرى , ووصف الواقعة بأنها لعب عيال وشكك فى صحتها .
أما الأستاذ على أيوب المحامى فقد تناول التهمة الثانية ونفى اى اعتراف صدر عن موكله وندد بالأساليب الشاذة فى التحقيق والاعتراف .

مرافعة علي كمال حبيشة : عن ولده مصطفى كمال حبيشة

وكانت مرافعة عاطفية كأب يترافع عن ابنه وتناول الاعتراف مشككا فيه وكذلك الاتفاق الجنائى واستند الى التقارب بين أقوال شهود الحادث وأن ابنه كان قاصرا ( 15سنة ) عند ارتكاب الحادث .

مرافعة مكرم عبيد :

استغرقت مرافعته عن سعيد توفيق خمسة أيام وتناول تهمتى الاتفاق الجنائى والاشتراك فى الشروع فى قتل مللر طالبا البراءة من تهمة الاتفاق الجنائى كما اثار وجود تزييف خطير فى كتابة أوراق القضية أدى الى اختلاف بين روايتين لسعيد حول الاعتراف مما دعا المحكمة الى سؤال النيابة عن هذا الاختلاف الذى علله أنور حبيب وكيا النيابة بأن الكاتب انتهى منه الحبر فاستعمل حبرا آخر ولم يفسر مسألة الكشط فارتكن مكرم عبيد على هذا التزوير وندد بالسلطة المخول اليها التحقيق , و تناول بعد ذلك العوامل العاطفية والوطنية ومعاناة المصريين من الاحتلال الاجنبى , وما القضية الا مأساة وطنية ضحاياها هؤلاء المتهمين وتحدث عن حادث 4 فبراير ودافع عن موقفه وموقف الوفد آنذاك وحمل على وهيب دوس على حملته ضد الوفد .

وانتهى الى طلب البراءة لموكله .

حادث هروب حسين توفيق

ظلت المحكمة تعقد جلساتها عدة شهور , وقبل أن تصدر أحكامها نجح حسين توفيق وهو المتهم الأول فى القضية فى أن يهرب بعد ظهر الأربعاء 9 يونيه 1948 , وقد أخطرت المحكمة فى جلسة 10 يونيه 1948 بهروبه .
والسؤال الذى يطرح نفسه هو كيف حدث ذلك الهروب , وهل كان مدبرا ومحددا له هذا اليوم بالذات , أن أنه كان انتهازا لفرصة سنحت , وأين ذهب حسين توفيق بعد هروبه .
فحدث أن وافقت ادارة السجن – بعد موافقة النيابة – على السماح لحسين توفيق بالتردد على عيادة الدكتور جورج بطرس طبيب الأذن والأنف والحنجرة بشارع ابراهيم باشا للعلاج , على أن يرافقه حرس خاص , وفى يوم الأربعاء 9 يونيه 1948 وفى نحو الساعة التاسعة والثلث صباحا قصد الملازم أول كمال الدين عرفة وجنديان أحدهما مسلح الى سجن مصر لاصطحابه الى العيادة وخرج الجميع فى تمام الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم من عيادة الدكتور جورج وفى الساعة الخامسة مساء تلقت وزارة الداخلية أول بلاغ عن هروب حسين توفيق .
وترددت روايتان فى التحقيق , تذكر الأولى أنه عقب خروجهم من العيادة بعث الضابط أحد الجنديين لاحضار سيارة أجرة لنقل حسين توفيق الى السجن وفيما هو واقف ينتظر السيارة لمح شبحا يعبر شارع ابراهيم باشا الى الافريز الآخر بين السيارات الرائحة والغادية , وعندما تبينه عرف أنه حسين توفيق ولما هم بملاحقته واعتقاله كان قد اختفى عن ناظريه .
بينما تذكر الرواية الثانية أنهم عقب خروجهم من العيادة وجد الضابط سيارة والد المتهم تنتظرهم فترجاه حسين توفيق بأن يسمح بتناول الغذاء مع أسرته فقبل الضابط رجاءه وركب الجميع السيارة الى مصر الجديدة حيث منزل والد المتهم , ثم جلس الضابط مع المتهم وبعض أفراد أسرته فى حجرة المكتب بينما انتظر الجنديان فى حديقة المنزل , ثم ما لبثت السيدة سميرة عزمى ابنة شقيقة توفيق أحمد باشا ان دعتهما داخل المنزل , وكان والد المتهم غائبا عن المنزل , وفى أثناء جلوسهم فى حجرة المكتب عرضت والدة المتهم صور ابنها عندما كان طفلا على الضابط , وفى تلك اللحظة دق جرس التليفون فخرجت السيدة سميرة للرد عليه , واستأذن حسين الضابط لكى يدخل دورة المياه فسمح له , وعندئذ فتح حسين بابا صغيرا على أنه باب دورة المياه , ومضت فترة دون أن يعود , فبدأت الشكوك تنتاب الضابط , فقام وفتح الباب الذى دخل فيه المتهم فوجده يوصل الى " فرندة " , وعندئذ أحس الضابط بالخدعة فجن جنونه , وأخذ يبحث عن المتهم فى كافى أرجاء المنزل ولكن دون جدوى فقد هرب حسين توفيق من المنزل .
ونظرا لخطورة ما حدث على الضابط حاول الانتحار بأن أخرج مسدسه وصوبه نحو رأسه , وصاح ان لم تحضروا حسين فسأطلق الرصاص وانتحر .
فسارعت والدة المتهم تهدىء من روعه واتصلت تليفونيا بزوجها تطالبه بالحضور على عجل , فحضر وأخذ فى اقناع الضابط بالعدول عن الانتحار , واتفق معه على أن يذكر أثناء التحقيق معه أن الهرب حدث فى العيادة وليس فى المنزل ولما خرج الضابط ليبلغ عن الحادث الجهات المختصة اتصل توفيق باشا بوكيل وزارة الداخلية وأبلغه بالحادث على حقيقته , ونتيجة لذلك أصدرت وزارة الداخلية قرارا بمنح مكافأة قدرها خمسة آلاف جنيه لكل من يضبط حسين توفيق ويسلمه للحكومة , كما هددت بعقوبات رادعة لكل من يخفيه أو يساعده على الهرب (2) لطفى عثمان المحاكمة الكبرى , ص ص 298 – 300 .
وأثناء التحقيق فى هذا الحادث وفى يوم 11 يونيه تلقى احسان عبد القدوس خطابا من حسين توفيق يخبره فيه بأنه فى طريقه الى فلسطين ليساهم فى تطهيرها من الصهيونيه وهو هدفه من الفرار (3) روز اليوسف 20 فبراير 1956 .
وقد تأكد للنيابة أن الخطاب بخط حسين توفيق فعلا , وقد ظل مختفيا حتى قبض عليه بعد ذلك بسنتين فى سوريا واعتبر هناك لاجئا سياسيا للحكومة الحق فى تسليمه (4) روزاليوسف 15 نوفمبر 1949 .
ويتضح أن هروب حسين توفيق قبل صدور الحكم عليه وخروجه الى سوريا كان مخططا له (5) المحاكمة الكبرى , ص 301 .

ويظهر هذا مما يأتى :

1- التساهل فى أمر اخراجه من السجن لمرض يمكن أن يعالجه طبيب السجن أوادخال الطبيب المعالج اليه وليس العكس .
2- تحركات والدى المتهم فما بين أب ينتظره بالسيارة وليس فى ذلك صدفة وأن تعرض صورا لتصرف انتباه الضابط حتى يتم الهروب من المنزل .
3- أنه دخل أمام أمه الى فرندة دون أن تبدى أى اشارة الى أنه دخل خطأ .
4- ترك الوالد المنزل قبل الهروب ولعله كان فى انتظاره فى الخارج ليكمل الخطة .
5- عدم وجود قيود حديدية كما هو متبع فى يده وهو متهم فى قضية سياسية خطيرة .
6- التباطؤ فى التبليغ عن هروبه لمدة تزيد عن الأربع ساعات تمكن خلالها من الهروب تماما .
بقى سؤال هلى كانت جهة معينة تسعى لتمييع هذه القضية .
فانه لم يكن حسين منتميا لأى حزب فلا مصلحة للأحزاب فى تهريبه , وكذلك لم يكن للانجليز يد فى هذا على أساس أن أمين عثمان كان صديقا لهم , فلم يكن سوى القصر صاحب المصلحة فى هذا باعتبار أنه لم ينس ما حدث له من مهانة فى 4 فبراير , وأنه كان ينتهز كل فرصة لتذكير الشعب بتواطؤ الوفد مع الانجليز وتوليه الحكم عن طريقهم من خلال أمين عثمان .
أو أن تكون فكرة حسن توفيق التى قالها عن تكبير حادث 4 فبراير باعتباره اعتداء على الملك قد أتت أكلها وتحرك القصر , وخاصة وأن أمين عثمان لم يكن يلقى قبولا لدى الملك الا من قبل 4 فبراير ةبعده (6) التابعى أسرار الساسة والسياسة . ص 235 .
على أن الأوراق لم تثبت بالقطع وجود صلة بين القصر وعملية تهريبه وقد شكلت محكمة عسكرية لمحاكمة الضابط .
وظل حسين توفيق هاربا وصدر الحكم فى غيابه , ولكن نلاحظ أن منطوق الحكم حضوريا , وفى هذا قالت المحكمة : " وحيث أن المتهم ودفاعه كانا قد استنفذا قبل ذلك جميع أوجه الدفاع ولم يرد فى الاجراءات بعد ذلك أى قول أو دفع له مؤثر على مركز هذا المتهم , بل كان كل من تناوله الدفاع بعده عن المتهمين الآخرين يعرج بالعطف على الآخرين .
قد أجمع الشراح على أنه وقد انتهت النيابة والمدعى بالحق المدنى من طلباتهم ولم يعطفوا بالقول على ذلك فان الحكم يعتبر حضوريا بالنسبة للمتهم " (7) حيثيات الحكم , ص 476 .

موقف المحكمة

لم تكن المحكمة بعيدة عن الشعور الوطنى الذى غشى البلاد آنذاك وأن كان على القضاء الا يشترك فى عمل ثورى , فان له أن يظهر مشاعره من خلال عمله , وتقدير ظروف مقترفى الجرائم فى سبيل تحقيق أهدافهم .
فحقيقة ان العنف منبوذ واللجوء الى الارهاب والى القوة لا يسانده أى سند منالمجتمع أو القانون , ولكن فى هذه القضية أظهر القضاء وطنيته من خلال تلقيه لزوايا الدفاع ونقاط المرافعة وليس تصفيقا لمن أسالوا الدماء .

ونسوق هنا جانبا من نصوص الحيثيات التى تظهر هذا فتحت عنوان :

ظروف وملابسات القضية (1) ص 417 وما بعدها من الحيثيات حيث يوجد النص .

" لظروف وملابسات القضية أثرها على العقوبة الواجب توقيعها على من ثبتت عليهم التهمة من المتهمين , فلها وقعها فى تقدير العقوبة وصداها , والقدر الذى يتلاءم مع تلك الظروف , والعوامل المحيطة بها , ولتحليل هذا تتناول :

1- الباعث على جنايتى القتل والشروع فيه .
2- حادث 4 فبراير .
3- حملات الاستنكار من هذا الحادث والمسئولين عنه .

الباعث على جنايتى القتل والشروع فيه :

أفضى المتهمون فى أكثر من موضع عن البواعث التى حملتهم على تكوين الجمعية , ثم كشف التحقيق عن الدافع لارتكاب جنايتى القتل والشروع فيه .
ويجب عرض هذه الصفحة كما أخرجتها قريحة كل متهم وأوحت بها نفسه .

1- قال المتهم حسين توفيق أحمد  :

كونت الجمعية أول ما كونت عام 1947 للحصول على السلاح (ص 184) (1) هذه الأرقام هى أرقام صفحات التحقيق التى وردت فيها هذه الأقوال وان هذا الجزء هو بالنص من حيثيات الحكم فى القضية .
وفى عام 1944 تجددت الفكرة على أساس قتل الانجليز والزعماء ومن يتعاون مع الانجليز سياسيا واقتصاديا (ص 568 ) وان الأحزاب أضرت بالبلد , والمفاوضات غير مجدية , والوفد خان فى حادث 4 فبراير , والجيل القديم لا يصلح ( ص 196, 197 ) .
وذكر عن أمين عثمان فى أول أقواله ليلة ضبطه أنه يكره أمين عثمان لأنه ( موال للانجليز ويعتبر نفسه انجليزى أكثر منه مصرى ) وانه سمع أمين عثمان يقول فى نادى الرابطة أنه ( اذا اجتمع حوله " 500" من الشبان الكويسين يقدرينهض بالبلد ) ص 33 , 39 .
وقال فى محضر 10 يناير فى أول اعتراف ( ان سبب جناية النحاس باشا هو حادث 4 فبراير واتهامه بالخيانة العظمى وعدم المقدرة على محاكمة الخائنين (ص 184 ) .
وعقب على اتصال الجوهرى به ةاخباره اياه تليفونيا بحادث أمين عثمان ( بأنه يهتم بهذه الطريقة وتعجبه ) وفسر ذلك بأنه ( يرى الضغط على المعونين للانجليز ى الانجليز فقط , وذلك بطريقة عملية كالرصاص ) (: ص 107 )
وذكر أن أغراض الجمعية طرد الانجليز بالقوة والاعتداء على الخونة من المصريين لمنع التعاون وبدىء بالنحاس باشا وأمين عثمان باشا ( ص 180 )

2- محمود يحيى مراد

وذكر مراد أن مبدأ الجمعية هو الاستقلال عن طريق الثورة , ووقع الاختيار على النحاس وأمين عثمان باشا بسبب الانجليز ( ص 386 – 391 )
وان حسين فكر فى حادث أمين عثمان بسبب 4 فبراير وقرر مجلس الادارة اغتيال النحاس باشا لنفس السبب ( ص 918 ) .

3- محمود أحمد الجوهري  :

وقرر محمود أحمد الجوهري أن السبب هو أن النحاس كان أصله كويس ولكن فى الأيام الأخيرة فسد وغير مسار خطته فى الاصلاح التى كان يسير فيه كزعيم وظهر أنه مال الى الانجليز , وانكشف ذلك فى حادث 4 فبراير , ويعتبر أمين عثمان انجليزى صرف , السبب المباشر هو 4 فبراير . ( ص 633 ) .

4- عمر حسين أبو علي :

قال ان حسين كان يندب حادث 4 فبراير والعار الذى لحق المصريين منه وعرض قبلها فكرة معاقبة من كان أساسييها وهما النحاس باشا وأمين عثمان باشا بقبولهما هذا التدخل وهما النحاس باشا وأمين عثمان باشا بقبولهما هذا التدخل .. واجماع الزعماء على أنهما السبب ( ص 228 ) .

5- السيد عبد العزيز خميس :

وعندما بدأ خميس الافضاء باعترافه , أخذ يفيض ببيان جامع شامل عن العوامل المختلفة التى دفعت بهم الى جريمتى الشروع فى قتل النحاس باشا وقتل أمين عثمان , فأشار الى نفوذ الانجليز وجشعهم واشباعهم بطونهم على حساب البلد وجوع البلد , وأكاذيبهم السياسية , ثم أشار الى انقسام البلد وحادث 4 فبراير , التهجم الذى حصل , وان الكل يعجب كيف يعيش رجل يقبل الوزارة على اسنة رماح الانجليز وان خير سبيل هو ابعاد أحد الطرفين المتشاحنين عن المسرح السياسى , واختار حسين توفيق والجوهرى الرأس الكبرى أى النحاس باشا وأصر مجلس الخمسة بالاجماع على قراره على التخلص منه ( ص 707 ) .
ولما رأوا أنه محال تنفيذ ذلك اتجهوا الى " المتجلنز " أمين عثمان وقرر مجلس الادارة قتله بالاجماع (ص 720 ) .

6- محجوب علي محجوب :

قال ان الجمعية فكرت فى قتل بعض الزعماء ومنهم النحاس باشا ثم أمين عثمان (ص 639 ) .
وذكر ان غرض الجمعية اخراج الانجليز بالقوة واصلاح الزعماء (ص 647 ) .

7- محمود محمد كريم :

ذكر ان المجلس قرر قتل أمين عثمان لميوله الانجليزية ( ص 499 ) ولأنه سبب معاهدة 1936 ( ص 303 ) وأنه فاتح الشافعى فى أن أغراضها قتل الانجليز والحصول على الاستقلال ( ص 857 ) وقال فى موضع آخر عن النحاس باشا – لاهانته مصر يوم 4 فبراير .

8- مدحت حسين فخرى :

قال ان غرض الجمعية تخليص النيل نت الانجليز وأنصارهم من المصريين الخونة , وكل عضو يعرف أن هذا هو غرضها ( ص 745 ) .

9- مصطفى كمال حبيشة :

ذكر أن مبادىء الجمعية قتل الانجليز والخونة من المصريين ( 771)
تعقيب المحكمة (*)ص 421 من الحيثيات .
جميع ما سبق عرضه يحصر بواعث الجريمة فى الحدود الموضحة , وهو يعطى صفحة كاملة مما أثار المتهمين , وحفز كلا الى ما ثبت قبله من الجرائم المسندة اليه , وكل ما عدا ذلك مما تناوله الدفاع يعتبر افخاما ولا محل لتناوله بالبحث أو التقدير .
وواضح أن المتهمين الذين ارتكبوا جرائم القتل ولشروع فيها , انما كانوا فى معرض التعلل بما يقرب من الخيانة العظمى – فى زعمهم – وأرادوا به تبرير ما اقترفوه من جريمة ,فلا محل لتناولهم ما عدا ذلك مما يصغر ويهون أمامه .

حادث 4 فبراير 1942

تناول الدفاع هذا الحادث , واجمع على استنكاره " وهذا العدوان يضطرب له كل مصرى وسبق أن اعلنت المحكمة فى جلسة 4 فبراير 1948 استنكارها لهذا الحادث لذاته – فهذا ليس موضع خلاف , بل الكل يتسابق الى نهى ما وقع فى هذا اليوم والفجيعة له " (1) ينتهى النص الى هذا ليبدأ صفحات عديد ة فى سرد وقائع 4 فبراير التى وردت فى مئات الصفحات على لسان الدفاع , وليس هذا مكانه ويمكن للباحث أن يستزيد من حيثيات الحكم .
3- عوالم الاستفزاز وحملات الصحف عن المسئولية عن حادث 4 فبراير واستنكاره ( 2) تفصيلاتها تبدأ من ص 450 من الحيثيات .
وتحفل صفحات عديدة من حيثيات الحكم بنصوص ما قدمه الدفاع من قصاصات صحف تحمل هذا المعنى .
كان قدم الأستاذ أحمد رشدى المحامى قصاصات من الأهرام يوم 8 فبراير 1940 تدور حول فكرة الزواج بين مصر وبريطانيا , ولكن فى شكل غزل وحب من يتزوجان .
وقصاصة أخرى من نفس الجرية بتاريخ 18 نوفمبر 1945 وبها خبر لمراسل الأهرام من لندن بعنوان " مأدبة العلمين " وجريدة الكتلة فى 19 نوفمبر 1945 , بعنوان " شهادة المحايد المرفق " ويقصد محمد محمود خليل وان يوم 4 فبراير يوم كارثة , الى غير ذلك من القصاصات .
وكذلك فعل الأستاذ علي الخشخاني المحامى فقدم قصاصات احتجاج من الكتلة ( نوفمبر 1945 ) والدستور 14 نوفمبر 1944 ) وغيرها .
وقدم الاستاذ وهيب دوس المحامى ما نشرته مجلة الاثنين بتاريخ 28 سبتمبر 1942 يدافع فيها أمين عثمان عما نسب اليه من " محسوبيات " .

ظروف الرأفة فى تقدير العقوبة (3) عن نص الحكم , ص 469 فى ملف القضية ( الحيثيات ) .

بالنسبة للمتهم حسين توفيق .

تضافرت عدة عوامل على حمل المحكمة على تخفيف العقوبة بالنسبة له , رغم ثبوتهافى حقه من اعترافه واعتراف المتهمين عليه , وقد أبرزها الدفاع كذلك :
أولا : حالته العقلية , وقد تناولها الأطباء الفنيون , وقد أشاروا الى ضعف قواه العقلية فى تقاريرهم وقد اعتبرتها المحكمة مسئولة جزئية , الا ان هذا السبب يرفع عنه المسئولية كلية , بل نظرت اليه كعامل مخفف .
ثانيا : سن المتهم فقد ولد فى 27 ديسمبر 1925 أى أنه فى أول دور من أدوار الشباب الذى لا يكمل فيه الادراك ولا التقدير .
ثالثا : عوامل الاستفزاز : تلك العوامل التى أحاطت بحادث 4 فبراير عام 1942 , والذى كان له أثره حتى على ممثل النيابة فى مرافعته وموقف النائب العام منه .
رابعا : أنه لا يرجى من مثل المتهم أن يزن ويقدر عوامل الاستفزازبل انه قرأها ووعاها على أنه قضايا مسلم بها , وانها تعتبر خيانة كبرى موجهة نحو البلاد فى شخص مليكها , وان من وراء هذا كله النحاس وأمين عثمان .
بالاضافة الى ما اعتبر عوامل تحد , وذلك فى خطب أمين عثمان ومواقفه بالنسبة للانجليز .
خامسا : الانجليز وموقفهم من الشعب وموقف الشعب منهم , والعداء القديم بينهما .

أما بالنسبة لبقية المتهمين :

فان تحمل حسين توفيق التبعة وحده باعترافه كان عاملا مخففا لهم :

أولا : قرر حسين توفيق أنه هو نفسه صاحب الفكرة فى أول تكوين الجمعية التى اشترك فيها المتهمون, وبدأت بغرض الحصول على السلاح من الانجليز , ثم فى سنتى 1943 , 1944 تجددت الفكرة وتطورت الى قتل الانجليز ومن يتعاون معهم سياسيا واقتصاديا وانه بعد تكوين شعبة محمود يحيى مراد أصبح هو بلا شعبة لأنه كان يعتبر نفسه مشرفا على جميع الشعب .

وأنه صاحب فكرة اختيار الضحايا النحاس وأمين عثمان وان الجماعة كانت تطيع أمره ثم كانت اعترافات المتهمين مؤيدة لهذه الأقوال .
ثانيا : أنه هو الذى كان يقوم بتنفيذ هذه الجرائم واعترف بنفسه أنه عزم على ارتكاب حادث النحاس لم يقل أحد ( عنك ) فضلا عن ميله الغريزى للشر , وعقده النفسية .
ثالثا : كان الدور الذى قام به المتهمون الخمسة الذين اشتركوا مع حسين توفيق فى جناية قتل أمين عثمان دورا متواضعا , اقتصر على المرافعة , فبالنسبة لمحجوب وخميس كان تواجدهم فى نادى الرابطة , وكان على الآخرين الوقوف فى أماكن متفرقة للمراقبة , ومع هذا لم يتقدم أحدهم بفعل مادى , بل انفرد\ حسين توفيق بكل العبء وبكل المهمة حتى فى هربه لم يتقدم أحدهم لمناصرته .
رابعا : عوامل الاستفزاز السابق الحديث عنها .

خامسا : سن المتهمين الصغير .

سادسا : ان خمسة من المتهمين تربطهم صلة قرابة وثيقة والمصاب مصاب عائلة واحدة ورزء بين واحد .
تلك كانت الأعذار المخففة والتى خرجت الأحكام على هذا النحو رغم ثبوت الاتهام . الا ان هناك حادثا أثر مرة أخرى على مركز حسين توفيق بالذات وهو حادث هروبه ( 1) عن ملف القضية , ص 476 من الحكم والمقطم يومى 14 أغسطس . 28 أغسطس 1948 .

نص الحكم

فى القضية 1129 لسنة 1946 عابدين ( 202 كلى 1946 )

بعد الاطلاع على المواد سالفة الذكر : حكمت المحكمة حضوريا :

أولا : بمعاقبة المتهم الأول " حسين توفيق أحمد " بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات .
ثانيا : بمعاقبة كل من المتهمين محمود يحيى مراد , ومحمود محمد الجوهري , وعمر حسين أبو علي والسيد عبد العزيز خميس بالسجن لمدة خمس سنين , وببراءة المتهم محمود يحيى مراد من تهمة الشروع فى سرقة المسدس .
ثالثا : بمعاقبة محجوب علي محجوب ومدحت حسين فخرى وسعيد توفيق أحمد وأحمد وسيم خالد ومصطفى كمال حبيشة بالسجن لمدة ثلاث سنوات وببراءة كل من مدحت حسين فخرى وسعيد توفيق أحمد من تهمة الشروع فى سرقة المسدس , وببراءة مصطفى حبيشة من تهمة الاشتراك فى الشروع فى قتل محمد ممدوح الشلقاني .
رابعا : بمعاقبة المتهم محمد محمود كريم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عن تهمة الاتفاق الجنائى باعتبارهما تهمة واحدة وببراءته من تهمة الاشتراك فى قتل أمين عثمان والاشتراك فى الشروع فى قتل رفعة النحاس , ومن جناية الشروع فى القتل التى تلت كلا منهما .
خامسا : بمعاقبة كل من المتهمين محمد علي خليفة ومحمد عبد الفتاح الشافعي بالحبس مع الشغل لمدة سنة .
سادسا : بمعاقبة المتهم أحمد خيري عباس بالحبس مع الشغل لمدة شهر عن تهمة التعدى وبراءته من تهمة الاتفاق الجنائى .
سابعا : براءة باقى المتهمين وهم محمد أنور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل , ونجيب حسين فخري وعباس محمود الرشدى وعلي عزيز دياب وأحمد محمد خليل الحلواني وكامل ابراهيم الواحى وعبد الهادي محمد مسعود وجول اسود نعيم وأنور جرجس مما أسند الى كل منهم الافراج عنهم ما لم يكونوا محبوسين لسبب آخر .
ثامنا : بالزام كل من المتهمين الأول والثانى والثالث والرابع والخامس والسادس والحادى عشر : حسين توفيق أحمد , ومحمود يحيى مراد ومحمود أحمد الجوهري وعمر حسين أبو علي والسيد عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب ومحمد محمود كريم متضامنين بأن يدفعوا لرفعة النحاس باشا بصفته وصيا على القاصر السيدة عائشة أمين عثمان مبلغ خمسة آلاف جنيه , وبالزامهم أيضا بان يدفعوا مبلغ خمسة آلاف جنيه الى السيدة كاترين أرملة أمين عثمان , مع الزامهم متضامنين بالمصاريف وعشرين جنيها اتعابا للمحاماة عن كل من الطلبين , ورفض الدعوتين المدنيتين قبل المتهمين محمد أنور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعد الدين كامل ونجيب حسين فخري .
وبالزام كل من المتهمين أحمد وسيم خالد ومصطفى على كمال حبيشة متضامنين بأن يدفعا الى المدعى بالحق المدنى محمد ممدوح الشلقاني مبلغ 500 جنيها خمسمائة جنيه والمصاريف ومبلغ خمسمائة قرش أتعابا للمحاماة ورفض الدعوى المدنية قبل كل من الأستاذ محمد خالد وعلى كمال حبيشة .
صدر الحكم وتلى علنا بجلسة يوم السبت 24 يوليه 1948 الموافق 17 رمضان 1367 هجرية .

رئيس المحكمة

وقد صدرهذا الحكم من محكمة جنايات مصر – باب الخلق بالقاهرة وكانت هيئة المحكمة مشكلة من :
المستشارين محمد صادق حمدي بك , إبراهيم خليل بك بمحكمة استئناف مصر .
ومثل الادعاء الأستاذ حسن أنور طه حبيب وكيل النيابة وسكرتارية محمد أحمد الجمال كاتب المحكمة وقد حضر وكيل النيابة خصيصا من الأسكندرية حيث كان يقضى أجازته الصيفية وقد هتف المتهمون والحاضرون فى قاعة الجلسة بحياة العدالة وحياة مصر وأطلقت الزغاريد .
وأخذت والدة حسين توفيق وأمهات وأقارب المتهمين فى توزيع النقود لصدور الأحكام مخففة , وبالبراءة , وكان محمد أنور السادات أكثر المتعهمين حماسة حين سمع الحكم ببراءته .
وكان المتهمون قد أحضروا الى قفص الاتهام بدون أوامر حبسهم , فأعيدوا الى السجن ثم الى قلم التنفيذ بالمحكمة بأوراقهم لتنفيذ الأحكام باخلاء سبيل من حكم عليهم بالبراءة , وحساب مدة الحبس لمن قضى بحبسهم (1) المصرى يوم 25 يوليه 1948 .
وقد وجدت بيانات فى نهاية الحكم من المقطوع به أنها أضيفت فى تاريخ لاحق نصها " صدر أمر ملكى 28 لسنة 1952 فى 12-10-1952 بالعفو عن المتهمين الثانى والثالث والرابع والخامس والسادس والحادى عشر والثانى عشر ولثالث عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والحادى والعشرين .
وعن الآثار الجنائية للثانى والثالث والرابع والخامس والسادس – وكتب للشخصية فى 18- 10-1952 لسحب الصحف من 6139 الى 6151 لسنة 1948 ولادارة الأمن العام بالعفو عن الآثار الجنائية , والغاء أثر الحكم فيما يخص المراقبة (2) ص 492 من الحيثيات . . 21-10-1952 .

الخاتمة

... وبعد هذا العرض التاريخى لحادث اغتيال أمين عثمان نعرض لأهم المؤشرات التى ظهرت منه .

أولا : الظلال القاتمة التى ألقتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المجتمع فى مصر قبيل وقوع الحادث , والتى تكاتفت على ظهور الاحساس بالظلم وخصوصا لدى الشباب الذى بات وقتذاك قلقا على مستقبله , وأحس ازاءه بالضياع , كما وصل أنين المجتمع ككل الى ذروته عندما فقدوا الثقة فى السلطة وفقدت فى حل المشكلات , ومن ثم بدأت بعض هذه التجمعات تتحرك بشكل مسلح .

وبينما بدأت تظهر الآراء والأفكار لتخليص البلاد من الاحتلال كانت هناك شخصيات أحست بمصالحها فى وجوده فهادنت الانجليز , ثم ما لبثت أن دانت لهم بالولاء , كما كانت هناك شخصيات وجدت فى المرونة مسلكا حسنا للوصول الى الحقوق الوطنية من دولة لها اليد العليا فى البلاد فأسىء فهمها .

ومن هنا بدأ التفكير العصبى للشباب الذى أسرع الى الاحتكام الى السلاح كحل سريع يتفق مع تكوينه , بعكس الكبار الذين كانوا يحبذون أسلوب المفاوضات كحل سلمى يجنب البلاد ويلات العنف .

ثانيا : بالنسبة لهذه القضية فانه باستعراض ظروفها وملابستها لا نستطيع أن نعتبر الوطنية هة الدافع الوحيد لما ارتكبه متهموها , لأن الوطنية تختفى عند استخدان القتل كوسيلة لترجمتها , وانما الجدل بالحسنى بهدف الوصول الى الاصلاح الوطنى العام بدون عنف , ومن خلال القنوات الشرعية فى البلاد .

فقد اتضح أن هناك اسباب شخصية ساهمت فى الدافع لارتكاب الحادث وهى أسباب اجتماعية ونفسية سيطرت على المتهمين , فقد عاش معظم مرتكبى الحادث فى ظروف اجتماعية معقدة وقاسية , فشكلت فيه الكراهية وجسدت روح الانتقام , فاذا ما اضفنا اليها الأمراض النفسية التى أصيب بعضهم بها وخصوصا حسين توفيق رئيس الجماعة فانه يتضح لنا الدوافع الأخرى التى وجدت فى الوطنية – التى تصوروها- غلافا لهذا العمل , الذى اقنعوا أنفسهم بانه خدمة للبلاد .

وكم عكست التقارير النفسية أحوال مثل هؤلاء , خصوصا المتهم الأول حسين توفيق , التى زخرت القضية بتقارير طبية ونفسية وعقلية أثبتت ذلك , وكانت محل اعتبار لدى المحكمة فى تقديرها للحكم عليه .

ثالثا : كانت جماعة حسين توفيق عائلية فى بدايتها ضمت شقيقه وأولاد خالته ولم تبدأ تحت تاثير تيار فكرى معين , أو بتخطيط شخصية كبيرة , ثم بدأ يستقطب زملاءه فى المدرسة السعيدية , واقاربه بدورهم يجذبون أقرانهم فى مدارسهم وكلياتهم , ومن الملاحظ أن جل أعضاء الجمعية كانوا صغار السن قليلى الدراية بالأمور السياسية فى عمقها , وان فترة انتمائهم للجماعة لم تعطهم الجرعات السياسية الكافية للاقتناع بالاقدام على مثل هذا العمل الدرامى .

ولعل حسين توفيق يسوق أمامهم مناظر وأفكار زينت لهم العمل , بالاضافة الى فارق السن بينه وبينهم مما مكنه من السيطرة عليهم .

رابعا : لم يظهر من الدراسة انتماء جماعة حسين توفيق – مقترفة الحادث – الى اى حزب أو تكوين سياسى أو دينى , بل كانت جماعة مستقلة فى التكوين والتفكير والتخطيط , ناقشوا ظروف ومبادىء الأحزاب والتكوينات الأخرى فلم يقتنعوا بها , بل نقدوها ولم تعجبهم أساليبها وأنشطتها حتى المسلحة منها . كما لم تظهر من الأوراق أى صلة لهم بالقصر , وان كانوا قد استشفوا – من تشجيعه لبعض الجماعات الطلابية للقيام بنشاط معاد لبعض الأوضاع السياسية – الضوء الأخضر لهم لتنفيذ أعمالهم , أما هم فلم يتصلوا بمن يمتون بصلة للقصر , ولم يتصل القصر بهم مباشرة , وانما لعله قدم لهم فيما بعد بأن سهل لحسين توفيق هروبه .

وللعجب أن نرى حسين توفيق يعلل – فيما بعد – ارتكانهم على حادث 4 فبراير كسبب رئيسى لاغتيالهم أمين عثمان وتضخيمهم له فى التحقيق والمحاكمة واظهارهم له كاعتداء على الملك رمز الدولة , على أنه أسلوب لاستدرار عطف القصر على موقفهم , فيقدم لهم عون ما , عندما أقفلت دونهم الأبواب فى الدفاع عنهم بفعل سلطات التحقيق من بوليس سياسى ونيابة عامة .

ولعله قد حدثت استجابة ما من القصر ظهرت فى حادثة هرو بحسين توفيق التى خرج فيها من البلاد جميعا رغم الظروف المشددة وان كان حسين توفيق – فى لقائه أخيرا مع أحد الباحثين كما أشرنا – نفى تماما وجود صلة بينه وبين القصر , فلعله يقول هذا ليظل لابسا ثوب البطولة , عندما استطاع ان يهرب رغم كل القوى والحراسات التى أحاطت به .

خامسا : لم يكن أمين عثمان هو الهدف الأصلى للاغتيال بل ظهر من التحقيق أن النحاس كان هو الصيد الثمين , ولما لم يستطيعوا الحصول عليه وفشلوا فى ذلك مرتين , غيروا خطتهم باغتيال أمين عثمان صديقه وصديق الوفد ليغتالوا النحاس وهو يسير فى جنازته , الا أنهم نفذوا الشق الأول وفشلوا فى الثانى عندما قبض عليهم لأنهم كانوا يظنون أنهم سوف لا يقبض عليهم كالموتين السابقتين اللتين اعتدوا فيها على النحاس .

كما صرحوا بأن أمين عثمان كان أقل من أن يشغلهم اغتياله , اوأن يكون لهم هدفا أصيلا .

سادسا : ثبت أن أنور السادات كان عنصرا معضدا لهم , لكبر سنه عنهم , واستيلائه على البابهم بحديثه وثقافته , لدرجة أن وصفوا الأيام التى قضاها معهم بأنها أعظم أيامهم .

قدم لهم العون المادى فى شكل تسهيل وصول السلاح اليهم سواء بثمن أو بغير ثمن – وكضابط – استطاع أن يدربهم على استعماله , وشجعهم بقرب اندلاع ثورة شعبية يشترك فيها الجيش , فأحسوا بقؤبهم من ذوى البزة الصفراء , بل وقربهم الى القيادة فى البلاد يوما ما , مما يتماشى وطموحاتهم وأحلامهم , ولم يتهم الا على أساس اعتراف حسين توفيق عليه , ثم تراجعه عن ذلك بحجة الرأفة به , الأمر الذى لم تأبه المحكمة به , على أساس المبدأ القانونى اعتراف متهم على متهم لا ينهض دليلا الا اذا سانده اعتراف الثانى أة أدلة أقوى , وهكذا برىء السادات مما أسند اليه .

سابعا : ظهر شىء غريب فى موقف الادعاء من أنور السادات فالذى يقرأ مرافعة أنور حبيب وكيل النيابة يبدو له وكأنها مرافعة دفاع ةليست ادعاء , ويبدو أنه كان مقتنعا بموقفه , أو لم يجد دليلا قبله .

ثامنا : ظهرت فى القضية أثناء المحاكمة عدة مواقف وطنية تشهد بنزاهة القضاء وان المصرى هو هو فى أى مكان سواء فى السلطة أو فى الشارع المصرى فعندما ترافع أنور حبيب ضد السادات ذكر موقفه ومدى ما تحمله كرجل مصرى من أجل مصر , ثم عندما بدأ مرافعته – والتى أوردنا معظمها أثناء عرض الدراسة – بالحديث عن مصر وحب مصر وموقف الاحتلال , تحدث من كرسيه وسلطته كمصرى يلعن الاحتلال وموقف انجلترا من بلاده , وكان أمر ذا بال ’ لدرجة أن ارتجت السلطة وحضر النائب العام شخصيا الى الجلسة فى اليوم التالى , وبدأ يخفف الوقع , بل وظهر فى صورة المعتذر عن هذا الحديث , ولما وجد حرجا بدأ يفصل بين أنور حبيب الشاب المصرى وبين أنور حبيب ممثل النيابة والادعاء .

وهكذا لموقفه ردود فعل كبيرو فى المحكمة وأوراق القضية , اذ جار المتهمون فى قفص الاتهام مشيدين بموقف ممثل الادعاء – وهو خصمهم – وشجبوا موقف النائب العام مستعملين اقسى العبارات غير عابئين بالنتيجة وهم تحت وطأة السلطة .

وهذه هيئة الدفاع وقفت وقفة وطنية منددة بموقف النائب العام ومشيدة بكلمات ممثل الادعاء , وهذا يعطى فى اجماله صورة المصرية عندما يتحدثون عن مصر حتى فى أحلك الظروف فانهم يتحدثون حديث الوطنية والصدق .

تاسعا : غلب على القضية اللون السياسى أكثر من القانونى , فحقيقة كانت جلساتها تحوى أبحاثا فقهية وقانونية حول رد الادعاء عندما يشترك فى الشهادة أمام المحكمة فى ذات القضية و والاتفاق الجنائى وأصوله ومدى الأخذ بالأعذار المخففة والى أى حد يؤخذ بها .

ولكن الطابع السياسى كان الغالب , فاستطلعت المحكمة مواقف وآراء كثير من رجالات السياسة فى تلك الفترة , لأن أحداث القضية قد تشابكت فشملت موقف الأحزاب والقصر والمستقلين .

وكانت حادثة 4 فبراير على رأس القضايا السياسية التى غطت مساحة كبيرة من الجهد فى القضية , لدرجة ان كان نصيب الحادث نفسه أقل من الموضوعات السياسية التى نوقشت .

عاشرا : لقيت الأحكام ارتياحا من الرأى العام بقدر ما لقيت من أسرالمتهمين , فلم يكن هناك تعليق واضح أو نقد لها , وقد انطلقت زغاريد أهالى المتهمين حتى والدة حسين توفيق لأنها يبدو لم تكن تتوقع أخذ المحكمة بالأعذار المخففة بالنسبة لابنها .

مصادر البحث

أولا :أوراق غير منشورة :

- صورة ملف القضية 1129 سنة 1946 جنايات عابدين , وهى غير كاملة رديئة التصوير , عسرة القراءة , ولاحظنا أن كل مجموعة تحقيقات لها أرقام مسلسلة خاصة , وتربو على الألف صفحة (1) ولما حاولنا الرجوع الى أصل القضية فى المركز القومى للدراسات القضائية أفاد السيد الأستاذ المستشار أمين عام المركز كتابة أن القضية ليست من بين القضايا المتوفرة حاليا بالمتحف القضائى بالمركز .
- فاعتمدنا على صورة حيثيات الحكم 492 صفحة والذى اشتملت على تلخيص واف بالاضافة الى آراء المحكمة ذات الأهمية .
- ملف خدمة أمين عثمان –دار المحفوظات

ثانيا مراجع باللغة العربية

- أحمد عبد الرحيم مصطفى :

العلاقات المصرية البريطانية 1936 – 1956 القاهرة 1968 .

- جان ليجول : ترجمة عبد الرحمن فهمي :

مصر والحرب العالمية الثانية القاهرة 1950 .

- حسن يوسف :

القصر ودوره فى السياسة المصرية 1922 –1952 القاهرة 1982 .

- ريتشارد متشيل :

الإخوان المسلمون مترجم القاهرة 1977

- زكريا سليمان بيومي (دكتور) :

الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية فى الحياة السياسية المصرية 1928-1948 القاهرة 1979 .

- طارق البشري :

الحركة السياسية فى مصر -1952 -1945 القاهرة 1972.

- عاصم أحمد الدسوقي (دكتور ) :

مصر فى الحر ب العالمية الثانية القاهرة 1972

- عبد الرحمن الرافعي :

فى أعقاب الثورة المصرية ج 3 القاهرة 1951

- عبد العزيز علي :

"الثائر الصامت القاهرة 1980

- عبد العظيم رمضان (دكتور ) :

الفكر الثورى فى مصر قبل ثورة 1952
تطور الحركةالوطنية فى مصر القاهرة 1973

- لطفى عثمان :

المحاكمة الكبرى فى قضية الاغتيالات السياسية القاهرة 1948

- محسن محمد :

التاريخ السري لمصر الأسكندرية 1973
سنة من عمر مصر القاهرة 1983

- محمد التابعي :

من أسرار السياسة والساسة مصر ما قبل الثورة القاهرة 1978

- محمد أنور السادات :

أسرار الثورة المصرية – بواعثها الخفية ( كتاب الهلال ) يوليه 1957

صفحات مجهوله القاهرة 1954

البحث عن الذات القاهرة 1978

- محمد حسين هيكل (دكتور ):

مذكرات فى السياسة المصرية ج 2 القاهرة 1951

- محمد زكي عبد القادر :

أقدام على الطريق القاهرة 1967

- محمد شوقي زكي :

الإخوان المسلمون والمجتمع المصري القاهرة 1954

- محمد صابر عرب (دكتور):

حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية فى مصر القاهرة 1985

-نبيل عبد الحميد (دكتور) :

النشاط الاقتصادى للأجانب واثره فى المجتمع المصري القاهرة 1982

- وسيم خالد :

الكفاح السرى ضد الانجليز القاهرة د. ت.

- يونان لبين رزق (دكتور) :

تاريخ الوزارات المصرية القاهرة 1975
الأحزاب السياسية المصرية قبل ثورة 1952 القاهرة 1977
الوفد والكتاب الأسود القاهرة 1975

ثالثا:رسائل جامعية غير منشورة

- السيد محمد عشماوي :
تاريخ الفكر السياسى المصرى 1945 –1952
دكتوراه غير منشورة – جامعة القاهرة

-عاصم محروس عبد المطلب :

دور الطلبة المصريين فى الحركة الوطنية
دكتوراه غير منشورة – جامعة القاهرة 1975

- محمد فريد حشيش :

معاهدة 1936 وأثرها على العلاقات المصرية البريطانية فى نهاية عام 1945-1975

دكتوراه غير منشورة – جامعة عين شمس

- محمد فريد عبد المجيد :

حزب الوفد من 1936 –1952
ماجستير غير منشورة – 1970

رابعا : مراجع باللغة الانجليزية

خامسا : الدوريات

- الأهرام
- الأخبار
- اللواء الجديد
- الكتلة
- آخر ساعة
- المصرى
- البلاغ
- النشرة الشرقية ( وزارة الداخلية المصرية )
- المجلة التاريخية