محمود الجوهري
بقلم / الأستاذ عمرو عبدالكريم
إهداء
إهــداء إلى اثنين :
أولهما : تلك الشجرة الباسقة التى أثمرت آلاف النماذج الصالحة والقدوات الطيبة
ثانيهما :روح جدى الحبيب محمود الجوهرى .. وفاء وعرفانا ببعض الفضل
مقدمة
هذه الدعوة المباركة كتب تاريخها بدماء الشهداء ومداد العلماء وسير الصالحين وهذا هو شأن الدعوات المجددة فى تاريخ الإسلام, ولا تزال هذه الدعوة المباركة حتى يرث الله الأرض ومن عليها تقدم فى مسيرتها الطويلة المباركة الشهيد تلو الشهيد والصالحون فى إثر بعض وكأنه صف طويل يقف فى ألوانه النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقا.
هذه الدعوة شجرتها باسقة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها, وهى كلمة صدق صدق وعدل نطق بها مجدد الإسلام فى القرن الرابع عشر الإمام الشهيد " حسن البنا" عليه رحمة الله ورضوانه, وهو رجل عالم مجدد شهد بصدقه القريب والبعيد – ولا نزكى على الله أحد – فتبعه الناس على اختلاف مشاربهم, العالم الأمى, والمدرس والمهندس والمزارع والطبيب, العربى والعجمى – ولعل هذا من علامات الصدق مع الله – وتعرضوا لأبشع ما عرف العصر الحديث من محن وابتلاءات فثبت الكثير منهم, بحيث يمكن القول بكثير من الاطمئنان أن الخط الثابت فى هذه الدعوة هو خط الثبات والاستمرار, وصدق فى التيار العام من هذه الدعوة قول الله عزوجل [من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا]
والأستاذ محمود الجوهرى (1913 -2004) من أعلام الرعيل الأول فى هذه الدعوة المباركة عرفناه عن قرب فما وجدنا مثله: سره خير من علانيته ثباتا ووفاء وبرا بدعوته وولاء لها – ولا نقول إلا ما يرضى ربنا.
ولم يكن الأستاذ محمود الجوهرى مجرد داعية فلقد استطاع خلال سنى عمره التى تجاوزت التسعين عاما أن يسطر موسوعة دعوية من طراز فريد حملت فى جوانبها أبوابا شتى من الأخوة الصادقة, والجهاد الحق والصبر عند الشدة والابتلاء والاجتهاد فى التحصيل والتعليم.
وكانت حياته رحمه الله حافلة بكل معانى الدعوة متعايشة مع مفرادتها حتى كان جنديا حريصا على حماية الثغرة التى يقف عندها وتراه مربيا حانيا على أبنائه وبناته ورب أسرة يسهر على صلاح حالها.
وهذه الصفحات ليسا تاريخا , فأحسب أن تاريخ الرجل أعظم من ذلك ولكن لمسة حب ووفاء لرجل صاحب فضل على أجيال بكاملها لعمله على ثغرة من أخطر ثغرات العمل الإسلامى المعاصر, وأحسب أن فى ميزان حسناته يوم القيامة كل الداعين إلى تحرير المرأة المسلمة على أساس من الإسلام وتحت مظلة مرجعيته فى وقت تزاحمت فيه دعوات تحرير المرأة بين الغلو والجفاء, وهى دعوات فى مجملها تنحو منحى تغريب المرأة المسلمة, تغريب: إما فى الزمان ( لعصر غير عصرنا وواقع غير واقعنا) وإما تغريب فى المكان ( لبلاد وحضارات موغلة فى ماديتها)أو بفرض منظمومة أفكار لمجتمعات قطعت فى الضلال أشواطا بعيدة فحولت ( المنظومة الفكرية لهذه المجتمعات ) المرأى بداية إلى أداة ترويج للسلع والأشياء ثم حولت المرأة نفسها إلى سلعة وشىء يجرى تسويفه وترويجه.
والأستاذ محمود الجوهرى هو أحد أركان كتيبة الإصلاح المجتمع المصرى على مدى سنوات طويلة أمضى فيها حياة ثابتا على مبدئه فما غير وما بدل وترك الأمانة ومات - رحمه الله – قابضا على دينه وعلى دعوته يعض عليها بالنواجذ يرى أنها سفينة النجاة فى وقت تضطرم فيها الحياة بالفتن.
وقف الأستاذ محمود الجوهرى فى كتيبة الإصلاح على ثغرة الأسرة فكان النموذج الصالح الذى أنجبته تلك الدعوات الطيبة نعم الزوج لزوجته ونعم الأب لأبنائه ونعم الجد لأحفاده ونعم الداعى فى طريق الله. رحم الله أستاذنا وشيخنا محمود الجوهرى وأسكنه فسيح جناته ورزق دعوة الحق .
ليس رثاء, بل ألم الفراق
ما أقسى على النفس من رثاء من تعلقت بهم وارتبطت وجدانيا بسيرهم وأعمالهم وعاشرتهم فلم تر منهم إلا كل خير ولم تسمح منهم إلا خيرا فكانوا قدوة تمشى على الأرض.
فقدت دعوة الإخوان المسلمين ورقة من أوراق شجرتها الباسقة وهى الشجرة التى رواها الشهداء بدمائهم والعلماء بمدادهم والصالحون بسيرهم وتاريخهم.
رحم الله الأستاذ محمد الجوهرى فلقد أعاد بسيرته العطرة سير الصالحين من علماء الأمة والمجاهدين من رجالات السلف الصالح ممن ملأوا طباق الأرض علما وعملا وصلاحا وإصلاحا تعرفت عليه عن قرب منذ ما يزيد على الثلاث سنوات فكنت دائم الاتصال به والتواصل معه ولقاءه فلا يمر يوم إلا وبيننا اتصال تليفونى على الأقل ولا يمر أسبوع إلا وأراه.
عاشرته عن قرب فكان دائما ما يحكى لى عن قصص الإخوان المسلمين وذكرياته مع الإمام الشهيد حسن البنا وأسفاره معه وكان يتمتع رحمه الله بذاكرة قوية فيدقق فى التفاصيل كأن الأحداث بنت الساعة ويصورها فكأنى أراها ويذكر السماء بكاملها والتواريخ ومواقع الأحداث.
كان أكثر ما يحكى لى عنه قصة الأخوات المسلمات ( وهو رحمه أكثر من يعرفها خاصة فى مراحلها الأولى) وكيف تكونت أول لجنة تنفيذية لقسم الأخوات المسلمات فى محاولة لاستئناف نشاط القسم بعد أن فتر بسفر السيد " لبيبة أحمد" عليها رحمة الله إلى الأراضى الحجازية واختيارها الإقامة هناك.
وكانت زوجة الأستاذ " محمود الجوهرى" السيدة أمينة على" هى أمينة الصندوق وكان هو عليه رحمة الله سكرتير قسم الأخوات المسلمات ورئيسه هو الإمام البنا عليه رحمه الله والرضوان.
ما أجمل سير الصالحين والباذلين نفوسهم فى سبيل الله والمرابطين على ثغرة العمل فى مجال الأسرة وقضايا المجتمع الحيوية أو إن شئنا الدقة لقلنا المجتمع النابض: الأسرة ( علاقات زوجية ونساء وأبناء) فالأسرة هى قلب الأمة التى إن صلحت صلح سائر الأمة وإن فسدت فسدت الأمة كلها.
وقصة الأخوات المسلمات من قصص حركات الإصلاح التى ظلمت ظلما بينا فى تاريخنا المصرى المعاصر, فبأثر من غلبة بعض التيارات الفكرية التى لا ترى تحريرا للمرأة إلا من شعائر الإسلام ظلمت هذه الحركة, وروادها فنشأت أجيال بكاملها لا تسمع عن الأستاذ محمود الجوهرى ولا تسمع عن السيدة لبيبة أحمد ولا الأخت آمال عشماوى والأخت فاطمة عبد الهادى ولا الطود الأشم الأخت فاطمة عبيد ( الشهيرة بأم أحمد) ولا أمينة على وغيرهن كثير ممن بذلوا النفس والنفيس فى سبيل دعوة الله.
ربما سمعت الأجيال عن الحاجة زينب الغزالي ( رمز جيل الثبات) وإن لم تأخذ حقها كاملا, وكثير من الأخوات المسلمات فى تاريخ الحركة النسائية الإسلامية المعاصرة هن أشبه بصاحب النقب" لا يعلمهن إلا الله ويكفيهن أن الله يعلمهن.
من العسير أن تفصل بين الذاتى والموضوعى عندما تتعرض لأحد أعلام سير الجيل الأول من دعاة الإخوان المسلمين – حتى لو كان هذا التعرض فى كل رثاء يقوم على تذكر العلاقة الشخصية وما تركه من أثر فى نفس الكاتب – فهذا الجيل الربانى الذى ملكت عليه الدعوة كيانه حتى سار هو الدعوة والدعوة هو لكن هذا الجيل ما كان يفكر فى شىء إلا من منظور الدعوة والإسلام كل شىء عنده لابد أن يمر بهذا الطريقة فهو الأمر الذى ملك عليه لبه وعقله وتكوينه حتى إن نظرته لكل حدث حتى لو كان بعيدا لا يفهمه إلا من هذا المنظور: صلة هذا الأمر بالدعوة يفيدها أو يضرها بفتح لها مجالات أوسع أو يضيق عليها.
والأستاذ محمود الجوهرى اسم ارتبط بعمل الأخوات المسلمات فكان من المرابطين على ثغرة الأسرة المسلمة منذ أن ارتبط بدعوة الإخوان المسلمين عام 1940م.
دائما كان يقول لى : إن ولادتى الحقيقية عندما دخلت هذه الدعوة المباركة فعرفت أن للحياة معنى أكثر من تعيش للتتزوج وتبنى بيتا وتعمل العمل المعيشى الذى يدر عليك دخلا مناسبا. دخل الإخوان عام 1940 ومن يومها دعوة الإخوان فيها وبها ولها.
رحم الله أستاذى محمود الجوهرى:
علمنى أكثر ما علمنى احترام القيادة وتوقيرها وإنزالها متر لها المناسب ليس لاعتبارات شخصية أو ذاتية بل لاعتبارات دعوية ودينية بحتة.
وكان دائما ما يقول : هذا القائد هو من يمثلنا أما الغير أفرادا وجماعات ويجب أن نحله المحل المناسب لدعوة الإخوان المسلمين فكان لا يذكر اسم الأستاذ الكريم الراحل مصطفي مشهور مجردا أبدا فلا يقول إلا الأستاذ مصطفى أو الحاج مصطفى, وأحيانا عندما يتكلم فى التليفون يقول : السيد الوالد مع أن الأستاذ محمود ولد قبل مرشدنا ومعلمنا الأستاذ مصطفي مشهور عليه رحمه الله.
ولما تولى المسؤولية المستشار مأمون الهضيبى عليه رحمه الله كان دائم الدعاء له وكان يقول : ربنا يشد أزره, ويقوى صلبه ما أعظم المسؤولية! إنها تهد الجبال.
وعندما تولى فضيلة الأستاذ مهدى عاكف المسئولية عقب رحيل المستشار مأمون الهضيبى قال لى : لابد أن اذهب إليه وأجدد معه البيعة.
فكنت أقول له لأخفف عنه: أحسب أن بيعتك للأستاذ البنا هى بيعة لكل من ابتلاه الله بهذا الأمر فهى بيعة مع الله وفى بسيل الله وليسا لأشخاص.
فيقول لى: لابد أن أذهب الأستاذ المرشد وأجدد معه البيعة كان رحمه الله يعتبر أن عمله الأساسى هو الدعوة إلى الله وكان رحمه الله حريصا دائما على اللقاءات والدروس الدعوية مع الإخوة والأخوات, حتى عندما كانت حالته الصحية لا تسمح له ببذل مجهود, حتى كنت أحسب أن تنفسه وغذاءه الروحى هو فى الدعوة إلى الله بحيث لو وقفت هذه الأوقات التى يلتقى فيها بالشباب والأخوات لفقدت الحياة معناها بالنسبة له.
وفى الأيام الأخيرة كان يشكو أن صحته لا تساعده على مسك القلم للكتابة ولا على القراءة فكان فى غاية الضيق وكنت أحاول التخفيف عنه أوقول: أحسب أن صحيفتك ممتلئة بما يسره الله لك من الحسنات وعمل الخير وأرجوك أن تدعو لى أن أرافقك فى الجنة إن شاء الله.
فيقول : يجب على الإنسان أن يعمل حتى يلقى الله ويموت وهو فى طريق الدعوة فلا ييأس.
رحم الله أستاذى محمود الجوهرى:
كان أشد ما يميزه العفة عما فى أيدى الناس فلا يرجو من أحد شيئا , ولا يقبل من أحد شيئا ويرى الدعوة بذلا دائم وتضحية دائمة لا مكان فيها للأخذ ولو كانت كلمة شكر وكان دائما أما يذكر : لا شكر على واجب.
رحمه الله فقد كنت أعتبره نموذجا للشخصية المصرية المتدينة المتسامحة دائم العفو عمن ظلمه أو أساء إليه وينسى المظلمة, وهو أمر يحتاج إلى طاقات وقدرات نفسية عالية تسمو فوق الصغائر ولا تعيش هموم الدنيا العاجلة بل تعيش هموم الآخرة الباقية.
كان أشد ما يميز أستاذى محمود الجوهرى أنه كان كالنسمة لا يشعر أحد به وكان حمالا صبورا له مقدرة غريبة على كظم غيظه, ثم العفو والمسامحة ونسيان الأمر كأن لم يحدث شىء ومن خلال معايشتى فترات طويلة للأستاذ محمود الجوهرى رأيت أنه كان يمقت بشدة أى محاولة للخروج على وحدة صف العمل الإسلامى ويراها مدخلا من مداخل الشيطان, وبينما كنت أدافع عن حرية القرار الشخصى وتقديره – مع التزام الوفاء وحسن العهد والناس معادن – وأتكلم معه من منطلق عقلى وأن الخلاف شىء طبيعى وهو من علامات الصحة فى بناء الجماعات كان – رحمه الله – يرى أن العمل الجماعى فريضة محكمة وأن جماعة الإخوان المسلمين هى أقرب الجماعات لتطبيق منهج الإسلام الكامل ومن ثم ينبغى الصبر على ما يعترى الطريق من عقبات ولابد من احتواء أى خلاف, وعلى الأخ المخالف أن يهضم حق نفسه لله وألا يترك الحبل للنفس على غاربه لتقرر المفارقة وكان يمقت المفارقين ويراهم يضعفون متانة البناء رحمه الله كان طبعه التسامح إلا فيما يراه يمس دعوته.
من أهم معالم برنامج الأستاذ محمود الجوهرى اليومى هو الحرص على:
- صلاة الفجر فى وقتها وإن كانت ظروفه الصحية فى أواخر حياته لم تسمح له بأن يصليها فى المسجد.
- قراءة ورده اليومى من القرآن فكان رحمه الله لا يختم فى أكثر من شهر ولعل هذا من أهم دروس مصاحبته نسأل الله أن نكون مثله وألا يجعل مصاحبته حجة علينا.
- متابعة أخبار المسلمين فى العالم وأحوال العالم الإسلامى وكم كان يتألم رحمه الله كلما سمع ما يسوء المسلمين على كثرته.
الناس نوعان: موتى فى حياتهم ونوع وهم ببطن الأرض أحياء وأحسب أن أستاذى محمود الجوهرى من هذا الصنف.
الصنف الثانى ولعل هذا هو العزاء بفقده.
رحم الله أستاذى " محمود الجوهرى":
وأسكنه فسيح جناته وألحقه بإخوانه من الشهداء والصالحون فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يأ أستاذنا لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضى ربنا نلقاك فى جنة الخلد يا شيخنا مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره واغفر لنا وله.
السيرة الذاتية للأستاذ محمود الجوهرى
هذه السيرة الذاتية تعتمد بشكل أساسى على حوارات طويلة مع أستاذنا الراحل محمود الجوهرى عليه رحمه الله وعلى ما كان يقوله فى دروسه التى لم تنقطع حتى وفاته وعلى ما كتب من كبت يحدثنا الأستاذ محمود الجوهرى عن نفسه فيقول:
اسمى محمود محمد الجوهرى, ولدت فى يوم السبت 8 من شعبان " كفر إيبرى" وهى إحدى قرى مراكز زفتى مديرية الغربية وعمرى ينقسم إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الحياة قبل أن أتشرف بدعوة الإخوان العظيمة, وكانت حياتى فيها كحياة كل شاب عادى إلا أنها تتميز بالوسط الذى ولدت ونشأت فيه وهو على شىء من التدين ويمكن أن تكون هذه البيئة التى نشأت فيها لها التأثير فيما بعد فى اختيار طريق الإخوان المسلمين, فقد حفظت القرآن وأنا فى سن الثانية عشرة فى كتاب القرية, وأخذت أحكامه وتلاوته على يد أحد الشيوخ الأزهر وقتذاك وهو الشيخ سالم على شهيب, وكان والدى رحمه الله أكثر من قام بتحفيظى القرآن وذلك لحفظه الجيد للقرآن الكريم وإحكامه لأحكام التجويد.
ثم التحقت بمدرسة زفتى الإلزامية سنة 1927م وكانت ثلاث سنوات وظللت فيها عامين وكان ترتيبى فى السنة الأولى والثانية الأول باستمرار على الفرقة.
ثم التحقت بمدرسة تحضيرية المعلمين بطنطا ومدتها عامان, ثم التحقت بمدرسة المعلمين بطنطا وكانت السنة الأولى حتى عام 1929م ثم تحويلى إلى مدرسة المعلمين بالسيدة زينب وكنت مع أخى الأكبر فى القاهرة ثم انتهيت من مدرسة المعلمين سنة 1933م.
وفى هذا الوقت كانت الأزمة الاقتصادية محتكمة وليست هناك تعيينات وظهر فى هذه الفترة التدريس فى التربية الرياضية حيث يمكث المتخرج من مدرسة المعلمين سنة تدريبية للتربية الرياضية ثم يعين مدرسا للتربية الرياضية, وقد تدربت على هذا فى مدرسة اسمها الشيخ نصر فى مصر القديمة وكانت الدفعة التى تخرجت فيها أول دفعى مؤهلة تدرس التربية الرياضية وكان هذا فى السنة 1933م-1934م حيث عينت بعد هذه السنة مدرسا للتربية الرياضية فى مدرسة بقرية من قرى بني سويف ( قرية دلاص) ثم انتدبت لمدينة بني سويف مدرسا فى مدرسة القاضى وذلك فى عام 1934 وقد مكثت فى بني سويف حتى تزوجت من السيدة أمينة على فى سنة فبراير 1935م.
مكثنا فى بني سويف حتى عام 1937/ بعدها طلبت نقلى إلى القاهرة حيث نقلت فى نهاية 1938 إلى مدرسة القايتباى الابتدائية بحارة الروم فى الغورية حيث مكثت فيها سنة دراسية كاملة , ثم بعدها طلبت إلغاء تدريسى للتربية الرياضية وإعادتى للتدريس فى مادتى التخصصية فأجيب لطلبى فى سنة 1939م, ونقلت إلى مدرسة زين العابدين بالسيدة زينب مدرسا للغة العربية والدين وقد رزقت فى تلك السنة بأول مولود لى فى شهر نوفمبر وسميته محمدا.
التعرف على دعوة الإخوان المسلمين
يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
والمرحلة الثانية : تبدأ بعد عام 1940م بعد أن أكرمنى الله تبارك وتعالى بسلوك دعوة الإخوان المسلمين والسير فى طريق أصحاب الدعوات ( وكان دائما ما يسمى الأستاذ محمود الجوهرى هذه المرحلة بالحياة الحقيقية) وكان بداية التحاقى فى شعبة السيدة زينب فقد حدثت مشاجرة بينى وبين جار لى كان يتردد على شعبة الإخوان بالسيدة , ذهب للشعبة وقص لهم ما حدث بيننا فقال له لعض أعضاء الشعبة: تعالى نصلح بينكما و فحضروا عنده فى البيت وأرسلوا إلىّ لأحضر مجلس الصلح بين وبين هذا الجار , وبعد الصلح أردت الانصراف فقال من كان يقوم بالصلح وهما الشيخ محمود سعيد وأخذه عبد الرحيم سعيد عليهما رحمة الله : إلى أين؟
قلت: إلى البيت.
فقالوا: نريدك معنا فى الشعبة.
فقلت: آتيكم غدا.
فقالوا: بل الآن فذهبت معهم وكان بعد صلاة المغرب بقليل وفى شعبة السيدة زينب تعرفت على الأعضاء الموجودين هناك ومن هذه اللحظة أصبحت أتردد على الشعبة كل يوم بعد صلاة المغرب وباعتباري كنت مدرسا فقد كانت مهمتي فى الشعبة أن أقوم بمحو الأمية.
وبعد شهر – من وجودى معهم – كان عندهم فى الشعبة انتخابات لمجلس الإدارة فكان من نصيبى أن أكون سكرتيرا للشعبة وبعدها كان هناك حفلة لا أذكر هل هى الهجرة أم المولد البنوى وأقمنا هذا الحفل فى مسجد فى شارع المدرسة كان اسمه شارع الوابور وحضر وحضر الإمام الشهيد الحفل عام 1940 وكان العدد لم يزل قليلا وكان انتشار الإخوان محدودا.
وبعد الحفل جاء الإمام الشهيد إلى الشعبة وتعرف على أعضاء مجلس الإدارة وكنت موجودا فقالوا له: هذا هو الأستاذ محمود الجوهرى عضو مجلس إدارة وسكرتير الشعبة ويسكن بجوار الشعبة وهو مدرس فى مدرسة زين العابدين فرحب بى, وقال لى إن شاء الله يكون على يديك خير كثير ونأمل بإذن الله أن تؤدى كل جهد ممكن لشعبة الإخوان ودعا لى فقلت له : حاضر يافندم إن شاء الله, وكان عدد الشعب وقت دخولى لصف الجماعة 40 أو 50 شعبة فى القاهرة.
وفى عام 1944 تكون قسم الأخوات المسلمات واختارنى الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمه الله ورضوانه سكرتيرا للقسم ( ولعل ذلك هو الذى استوعب جل نشاط الأستاذ محمود الجوهرى فصار تاريخه جزءا أصيلا من تاريخ الأخوات المسلمات وصار من الصعب فصل تاريخ الأستاذ محمود الجوهرى عن تاريخ قسم الأخوات المسلمات) وصحبت الإمام حتى استشهاده فى 2 فبراير 1949م.
بدايات المنح
فى نهاية سنة 1949 اعتقل الأستاذ محمود الجوهرى فى معتقل الطور أى دخل محنة الإخوان الأولى لمدة سبعة أشهر ثم أفرج عنه بعد أن انجلت الأزمة.
وبعد الخروج من المعتقل واختيار الأستاذ حسن الهضيبي كلف هو والأستاذ سعد الوليلى عليه رحمه الله بالمرور على أعضاء الهيئة التأسيسية لجمع التوقيع بالموافقة على اختيار الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا لأنه اجتماعهم فى ذلك الوقت كان ممنوع قانونا وجمعا التوقيعات ابتداء من الإسكندرية حتى أسوان حيث كان أعضاء الهيئة التأسيسية فى المحافظات وكان عددهم ما بين 100 أو 120 واستغرقت هذه العملية أسبوعين من بلد إلى بلد لكى يتمكنا من إنهاء هذا الأمر سريعا,كان هذا الأمر فى وقت الصيف كما يقول الأستاذ محمود الجوهرى.
وفى سنة 1952 م أجرى عملية استئصال للزائدة وعندما أعطاه طبيب التخدير حقنة " بنج" فى العمود الفقرى فى الظهر وخدشت الحقنى الغضروف وبعد عرضه على الأطباء تقرر عمل " جاكيت جبس" على النصف العلوى وكان المفترض أن تكون مدة الجبس سنتين لا يتحرك وشاء الله أن انتهت آلام الغضروف بعد خمسة أشهر, ولعل ذلك كان السبب فى عدم اعتقاله فى محنته الثانية 1954م.
واعتقل فى عام 1965م واعتقلت بعده بشهرين زوجته الحاجة أمينة على.
واعترفت أنها كانت تقوم بمساعدة أسر زوجات الإخوان.المعتقلين وقالت للمحققين: لو خرجت الآن سأقوم بما كنت أقوم به, فلا يمكن أن نترك أسر الإخوان وبيوتهم.
وفى التحقيق طلب المحقق من الأستاذ محمود الجوهرى أن يعترف هو على نفسه ويفدى الحاجة أمينة لأنها أقرت على نفسها وشهد عليها الشهود أنها كانت تجمع تبرعات وتوزعها على بيوت الإخوان, ولأنها مريضة فإن صحتها لا تتحمل يوما واحدا فى السجن, فاعترف الأستاذ محمود الجوهرى على نفسه ووقع على محضر يثبت مسئوليته عن جمع تبرعات لبيوت المعتقلين من الإخوان وخرجت الحاجة أمينة من القضية.
وفى الحكمة عرف القاضى أن الأستاذ محمود الجوهرى يلبس حزاما على ظهره لمرضه بالغضروف فأجلسه وقال له :
تكلم فقال الأستاذ محمود الجوهرى: الحكومة تخلت عن بيوت المسجونين فلا يمكن أن نتركهم وكنا نقوم بمساعدتهم على قدر المستطاع هذا حق هذه الأسر علينا حين تخلت عنهم الحكومة, فلم يرض القاضى لسكرتير الجلسة أن يكتب هذا الكلام, وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات يحول بعدها للمعتقل واستمر حبسه لمدة سبع سنوات إلى أن هلك الطاغية وأذن الله للمؤمنين بالفرج .
تجديد البيعة
يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
بعد خروجى من المعتقل فى أكتوبر 1971 م ذهبت لمقر الإخوان المسلمين فى التوفيقية لأجدد البيعة لقادة الجماعة وأعاهدهم على الاستمرار فى العمل على نصرة دين الله والتمكين له فى الأرض, وكان رحمه الله يرى أن الدعوة دين ولا ينبغى للإنسان أن يموت إلا وهو قابض على دعوته عاضا عليها بالنواجذ.
السفر إلى اليمن والسعودية
وبعد وفاة الحاجة أمينة سافر الأستاذ محمود الجوهرى لليمن للقيام بالوعظ فى الجيش ومكث فى اليمن ما يقرب من سنة, ثم رجع من اليمن عام 1981, ثم سافر محرما لابنته الحاجة عائشة إلى المدينة المنورة عام 1984 ثم رجع من المدينة 1978,وفى البلدين لم يكف الأستاذ محمود الجوهرى عن الدعوة إلى الله فكان دائم الحركة يعظ الناس رجالا ونساء ويعرفهم دعوة الإسلام فلم ينقطع فى حله وترحاله عن الدعوة ولم ير نفسه خارج دائرتها أبدا فهو فى كل مكان جندى فكرة وعقيدة أينما حل كان الخير والتذكير بآيات الله ودعوة الناس إلى الخير وخاصة النساء أن يكن زوجات صالحات وأمهات وقدوات وداعيات لدينهن.
الثبات على الدعوة
عاد الأستاذ محمد الجوهرى إلى مصر واستمر فى القيام بواجب الدعوة إلى الله فلم يخلد إلى الراحة التى كان سنه يستحقها بل تكيف مغ أمراض شيخوخته واصل العمل فى سبيل الله وكان يرى راحته فى بذل الجهد, وتبليغ الدعوة وتذكير الناس فكان يلقى الدروس والمحاضرات فى كل الأماكن التى يدعى إليها ولا يرد فى ذلك طلبا لأحد ويستقبل فى بيته راغبى التعليم وراغبى التعرف على تاريخ هذه الدعوة المباركة.
أبناؤه
كان له رحمه الله ثلاثة أبناء استشهد أحدهم ( حامد) فى حرب العاشر من رمضان ( السادس من أكتوبر 1973) وكان يقيم فى أواخر حياته مع ابنته الحاجة عائشة فى منزله بالمنيرة حتى توفاه الله عزوجل.
وفاة الأستاذ محمود الجوهرى
أصيب رحمه الله بأزمة قلبية دخل على إثرها المستشفى وطلب قبل وفاته بيومين رؤية فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف" – المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين – ونائبه الثانى المهندس " خيرت الشاطر – والدكتور محمود عزت" عضو مكتب الإرشاد, وقام الثلاثة بزيارته بعد ظهر الثلاثاء .
وفى فجر يوم الأربعاء الموافق 31 مارس انتقل الى رحمة الله الأستاذ محمود الجوهرى وحضر جنازته فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين وصلى عليه صلاة الجنازة كما حضر كثير من رموز الحركة الإسلامية, فلا يعرف الفضل لذوى الفضل إلا ذووه, واقتصر عزاء الفقيد على تشييع جنازته من المسجد فقط تنفيذا لما جاء بوصيته, رحم الله فقيد دعوة الإخوان المسلمين: الأستاذ محمود الجوهرى وأسكنه محمود الجوهرى وأسكنه فسيح جناته وألحقنا به على خير غير خزايا ولا مفتونين.
الأستاذ محمود الجوهرى والأخوات المسلمات
الأستاذ محمود الجوهرى نموذج لشخصية عملت على ثغرة قضايا النساء منذ أن التحق بدعوة الإخوان المسلمين عام 1940م وكان مشاركا فى التأسيس الثانى لعمل الأخوات المسلمات بعد فترة توقف بسبب سفر الحاجة لبيبة أحمد الأراضى الحجازية واختيارها الإقامة هناك.
يقول الأستاذ محمد الجوهرى:
أعيد نشاط قسم الأخوات المسلمات بعدما توقف بعد سفر الحاجة لبيبة أحمد إلى السعودية فتوقف منذ عام 1937 ولإعادة نشاط هذا القسم قصة: وهى أنه كان لى زميل فى المدرسة اسمه الأستاذ هاشم العمري يسكن فى حى طولون وكان يسبقنى فى الانتساب إلى دعوة الإخوان المسلمين بفترة ولأن منزله فى حى طولون فقد طلبت منه بعض السيدات أن يعطيهن درسا فى الدين فى مكان أثرى وواسع بالقرب من مسجد أحمد بن طولون وهو كان يرى نشاطى ويرى أننى كنت أقوم فى المدرسة بجمع الأولاد فى فترة الظهر وهى فترة بين فترة الصباح وفترة المساء وكانت الساعة حوالى الواحدة ظهرا فكنت أذهب إلى المنزل أتناول الغذاء ثم أرجع إلى المدرسة أجمع الأولاد وأعلمهم أولا كيفية الموضوع ثم أعلمهم كيفية أداء الصلاة وكانت الاستجابة من التلاميذ استجابة طيبة وكان العدد كبيرا.
وفى هذه الأثناء طلب منى زميلى الأستاذ هاشم العمري أن ألقى درسا للسيدات فى هذا المكان الأثرى الذى كان يلقى فيه هو درسا للسيدات وبالفعل ذهبت ولكنى أخذت معى زوجتى الحاجة أمين على وعندما ذهبنا إلى المكان جعلت الحاجة أمينة تتكلم وتعطى الدرس وكان ذلك فى عام 1942م.
وبعد إلقاءها الدرس طلبت الحاضرات معادوة ترددها على المكان مرة أخرى وجاءت لى أمينة وقالت : تريد بعض السيدات درسا فى أماكن أخرى.
فقلت لها: انتظرى حتى اسأل.
وذهبت إلى الإمام الشهيد حسن البنا وقلت له الموضوع كله وقت له: هناك ثلاثة أو أربعة مساجد مفتوحة ونحتاج وعاظا فقال : الحمد لله هذا عظيم, وقال لى: لا ترد طلبا.. فقلت : نريد وعاظا وكلم الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي.
فكان يعطى الدروس الشيخ عبد اللطيف والأستاذ محمود سعيد والحاجة زينب عبد المجيد "زوجة الشيخ عبد اللطيف " والحاجة أمينة على كل واحد فيهم درسا.
وفى حوالى العام 1943م سألنى الأستاذ البنا: كيف الحال عندك؟ فقلت له: عندنا عدد كبير فى درس شعبة السيدة وفى حى السيدة فسألنى: هل هناك متعلمات؟ فقلت : نعم هناك حوالى ما يقرب من مائة أخت ابتداء من التعليم الابتدائى حتى الجامعة, فقال : عظيم اجمع لى هذا العدد واتفق معهن على الوقت والمكان الذى يناسبهن وأخطرنى به.
واختير لهذا الموضوع مكانا فى مدرسة من المدارس الخاصة ( مدرسة أمير الصعيد فى السيدة زينب) وكان صاحبها رجلا صالحا رضى أن يكون وقت الدرس فى المدرسة بعد الظهر.
فتولى الإمام التدريس لهن أسبوعيا, وكان عددهن بين 100و120 أختا وكان هذا فى أوائل 1943 م وظل المرشد العام الإمام حسن البنا يلقى عليهن درسا أسبوعيا لمدة عام, لأنه بدأ من العقيدة بحيث إن الأخوات أخذن قسطا وافرا فى كل شىء وكان الدرس لمدة ساعة وكان الذى دون هذه المحاضرات لمدة عام أخت من أخوات شبرا عليها رحمة الله اسمها ( الأخت هانم صالح) وكانت مدرسة ولكن – للأسف – لم يفطن أحد إلى طبع هذه المحاضرات.
واستمرت دروس الأخوات تنتشر فى المساجد حتى زاد عدد الأخوات وطلبن أن يكون لهن مكان منفصل عن الشعبة وعرضت الأمر على الإمام الشهيد فوافق وتم البحث عن المكان الجديد وكان شرط الإمام أن يكون قريبا من المركز العام, واتخذ المكان 17 شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة ب]]القاهرة]] فى 14 إبريل 1944 – 14 ربيع الآخر 1363 هـ وتكونت أول لجنة تنفيذية للأخوات واختيرت لجنة تسمى لجنة الإرشاد العامة من 12 أختا انتخبهن الأخوات المائة اللاتي خصهن الإمام البنا بالدرس الأسبوعى , وكان المنهج فيما بعد هو المذكور فى كتابى:" الأخوات المسلمات", وأصبحت من هذا التاريخ سكرتيرا رسميا لقسم الأخوات.
أما ال12 أختا أعضاء لجنة الإرشاد العامة للأخوات فى سنة 1944 فهن:
- رئيسة لجنة الإرشاد العامة للأخوات المسلمات : آمال عشماوي.
- الوكيلة: فاطمة عبدالهادي
- أمينة الصندوق : أمينة علي
- السكرتيرة الأولى: فاطمة توفيق
- السكرتيرة الثانية: منيرة محمد نصر
- واعظ : زينب عبدالمجيد " زوجة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعى والشهيرة بـ" زينب الشعشاعى"
- واعظ : فاطمة البدري
- سنية الوشاحي" زوجة الأستاذ عبد الحليم الوشاحى" فاطمة عبيد( الشهيرة باسم أم أحمد)
- زهرة السنانيري ( أخت الشهيد كمال السنانيرى)
نشاط قسم الأخوات المسلمات
يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
كانت هناك أنشطة متعددة منها رعاية الأيتام فقد كان هناك مدرسة اليتيمات " دار التربية الإسلامية للفتاة" وكانت الناظرة الأخت فاطمة عبد الهادي( زوجة الشهيد محمد يوسف هواش عليه رحمة الله) وكانت رئيسة مجلس الإدارة الأخت آمال العشماوي زوجة المستشار الأخ منير دلة.
أما عن مساعدة الأسر الفقيرة فقد برز دور الأخوات عندما اعتقل كثير من الإخوان فى حادث السيارة الجيب 1948 وهى قضية الإخوان المسلمين التى كانت فى المحاكم المصرية وقامت الأخوات بجهد خارق للعادة حيث نظمن القيام بشئون المسجونين من الإخوان فى سجن طره فى هذا الوقت والمسجونين على ذمة القضية واستأجرت الأخوات شقة قريبة من السجن وشكلن لجنة من عدد معين بحيث يكون فى هذه الشقة يوميا اثنين أو ثلاثة منهن لتجهيز الأدوية أو بعض الطعام والملابس وغسلها وتنظيفها يوميا بعد أن تنتقل من السجن إلى الشقة المؤجرة لهذا الغرض.
وكان القائم بهذا الجهد:
الأخت أمينة علي, والأخت فاطمة عبد الهادى, والأخت فاطمة توفيق , والأخت سنية الوشاحي, والأخت زهرة السنانيري والأخت فاطمة عبيد (الشهيرة بأم أحمد وإن كان صعب عليها الحضور للشقة لأنها بعيد عنها).
ومن أنشطة قسم الأخوات كذلك يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
فتحنا " مستوصفا" فى إمبابة بعد 1954م فى أيام الأستاذ حسن الهضيبي واقتصر العمل على المتطوعين وكان من ضمن الفريق المتطوع د. أحمد الملط رحمه الله.
وكان ضمن نشاط قسم الأخوات: حل مشاكل الأسر, وكانت أى مشكلة يعرف بها الإمام الشهيد فى بيت من البيوت الإخوان كان يرسل إلىّ أو إذا كنت موجودا.
كان يقول: اذهب أنت والحاجة أمينة بيت فلان فى المكان الفلانى, وحلوا المشكلة وكنا نذهب نسهر فى بعض الأوقات مدة طويلة حتى تحل المشكلة.
ومع مرور الأيام واستمرار العمل فى قسم الأخوات وزيادة الأعباء لم أعد أتحمل أعباء العمل فى قسم الأخوات فذهبت إلى الإمام الشهيد حسن البنا وطلبت منه تغيير نشاطى إلى قسم آخر مع الرجال فكتبت طلبا بالإعفاء من العمل مع الأخوات وتوجيهى إلى نشاط آخر من فروع الإخوان المسلمين وأعطيته الطلب فقرأه ثم نظر إلىّ وقال : حاضر وبإبتسامة لطيفة كتب بالقلم الأحمر:
الأستاذ محمود الجوهرى سكرتير قسم الأخوات حتى الممات:
وكنت داخل نشاط الأخوات منقطعا عن كل شىء يخص الإخوان فلا كتيبة ولا درسا فكل يوم أذهب إلى مقر الأخوات وكان لا يخلو الحال من وجود عمل.
وظل مقر الأخوات فى شارع سنجر فترة حوالى سنة ونصف ثم نقل إلى منزل المستشار منير دلة.
نشاط قسم الأخوات المسلمات وقت الشدة والضيق
يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
بعد الحل الأول قامت مجموعة من الأخوات سلمهم الإمام الشهيد مذكرة" تفند مبررات حل الإخوان" بالطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكى ورئاسة الوزراء ومن ضمن المكاتب التى مرت عليها هذه المجموعة مكتب وزير من وزراء الوزارة السعدية فى هذا الوقت وهو على أيوب وهو كان شديد الكراهية كباقى أعضاء الوزارة السعدية للإخوان وما يقوم به الإخوان فلما عرف أن هذه العريضة من المرشد العام ومن الأخوات هاج هياج الثائر فى الحرب وهدد وصاح ولكن الأخوات كن فى ثبات, فردت عليه إحداهن: هذا ما نسلمه لك هو رأى الإخوان قبلته أم لم تقبله.
وانصرفن من عنده إلى القصر الملكى فى عابدين لتبليغ هذه العريضة للملك عن طريق لقائهن بالملكة واستقبلتهن كبيرة الوصيفات بكلام لطيف.
وأذكر من هذه اللجنة أمينة علي وفاطمة عبد الهادي وزينب عبد المجيد وفاطمة توفيق وكن مجموعة حوالى سبع أو ثمان.
مواقف للأستاذ محمود الجوهرى مع الإمام الشهيد حسن البنا
الأستاذ محمود الجوهرى حارس خاص للإمام الشهيد:
بالإضافة إلى أن الأستاذ محمود الجوهرى كان سكرتير قسم الأخوات فى إحدى الفترات كان حارسا خاصا يلازم الإمام البنا وكان فى أواخر حياة الإمام الشهيد وكان ذلك بتكليف له من النظام الخاص وكان معه فى الحراسة الأستاذ سعد الوليلي عليه رحمه الله.
ويحكى الأستاذ محمود الجوهرى هذا الموقف قائلا:
كان عملى فى قسم الأخوات وكنت – بقدر الإمكان – أوفق بين عملى مع الأخوات ومصاحبتى للأستاذ الإمام البنا, والإمام فى هذا الوقت كان قد أنشأ مجلة اسمها " الشهاب" وكانت قريبة من المركز العام وكان العمل ينتهى فى المركز العام بعد صلاة العشاء فكان بعد المركز العام يذهب إلى مقر مجلة الشهاب فكنت أصحبه فى المجلة حتى الفجر يجهز مقاله ويراجع شيئا ويطلع على أحوال هذه الشعبة أو تلك.
وعندما سئل ومتى كنت تنام؟
قال : بعد صلاة الفجر أوصله إلى البيت ثم اذهب إلى بيتى ثم أنام حوالى ساعتين أو ثلاثة وأذهب للمدرسة الساعة الثامنة صباحا, حتى حوالى 2,30 أو3 بعد الظهر وإذا كان هناك شىء فى مركز الأخوات أذهب إليه إلى المركز العام لمرافقة الإمام الشهيد.
هذا غير المرافقة للذهاب لمكان كذا أو محاضرة فى مكان كذا وفى فترة الشتاء كان يذهب شهرا لمختلف محافظات الوجه البحرى لزيارة شعب الإخوان فى هذه المحافظات فكنت أصحبه فى هذه الرحلات جميعا, دكرنس, والدقهلية, وبنها ودمنهور والإسماعيلية.
والإسماعيلية ذهبتها معه وذهبتها مرة أخرى ولم أكن معه وذلك وقت ترشيحه لمجلس النواب لأنه كان معروفا هناك وفى الجولة الأولى تساوى مع أحد مرشحى الوفد فى الأصوات وفى المرة الثانية حصل تزوير بناء على الأمر من انجلترا إلى القاهرة.
هذا النظام انتهى , وسيأتى نظام جديد:
كانت هناك موقف بعد الحل سنة 1948/, وجاء فى هذا الوقت الإمام البنا والأخ المسئول عن الأخوات فى [[سوريا]ي الدكتور مصطفي السباعي عليه رحمه الله وجاءوا واجتمعوا عندى فى البيت فى السيدة زينب هو والإمام الشهيد حسن البنا و وذلك تحت حراسة مشددة وفى وقت متأخر من الليل.
وكان عندى بعض الأوراق التى استطعنا أن نأخذها من المركز العام بعد الحل, وكان من ضمنها استمارات التحاق بالأخوات واستمارات تنظيمية, المهم بعض الأوراق الخاصة بالعمل فعرضتها على الإمام البنا وقلت : هذه الأوراق أمكن أن نأخذها : فقال لا داعى لها كل شىء سوف يتغير وسوف يأتى بعد ذلك أنظمة جديدة... وهذا انتهى, وسيأتى نظام جديد إلى ما يشاء الله.
أى يومىّ من الموت افر؟
يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
كنا فى لقاء فى القاهرة وتصادف أن عدنا أنا وهو فقط حتى البيت وكان فى الحلمية, وقبل البيت بقليل وجدته يقول لى يعنى يا محمود ماذا يمكن أن تعمل ثم أمسك يدى وقال بيتين من الشعر هما:
أى يومىّ من الموت أفرّ
- يوم لا يقدر أو يوم قــــــدر
يوم لا يقدر لايؤتى به
- ومن المقدور لا ينجو الحذر
وقال: سلام يا شيخ محمود, اذهب إلى بيتك
يكفيك ( قسم الأخوات المسلمات) جهادا :
يحكى الأستاذ محمود الجوهرى:
عندما فتح باب التطوع فى 1948 م لجهاد فى فلسطين وقتها كنت فى سن الشباب حوالى 35 سنة ودخلت الصف الذى سيعرض على الإمام الشهيد حسن البنا لتسجيل الأسماء والأمر بالذهاب بهم إلى معسكر التدريب ثم الذهاب لفلسطين.
فلما رآنى قال : ماذا تريد؟
فقلت : التطوع فى فلسطين
فقال : اركن بجوارى هنا...
وكثت حتى أنهى فرز كل الموجودين
وسألته : لماذا لا اذهب؟
فقال ك أحسن عملك الذى أنت فيه وهذا نوع من الجهاد ويكفيك قسم الأخوات المسلمات جهاد) وطبعا اكتفيت بهذا التوجيه الكريم واحتسبت هذا عند الله.
مؤلفات الأستاذ محمود الجوهرى
بحكم تكوين الأستاذ محمود الجوهرى على القرآن وحفظه له وهو فى سن صغير كل ذلك أدى إلى أن يكون له بيان قوى وأسلوب بليغ فى التعبير والمطلع على سيرة الأستاذ محمود الجوهرى يجد أنه من كتاب الإخوان المسلمين فى مجلاتهم وصحفهم وإن غلب عليه فى الفترة الأولى من حياته الجانب العملى.
لكن فى فترة مرض الحاجة أمينة وجلوسه بجوارها فى العام 1978/ فكر فى كتاب يسجل فيه تاريخ الأخوات المسلمات فكتب " المسلمات وبناء الأسرة القرآنية".
يقول الأستاذ محمود الجوهرى:
فى عام 1978م وعندما كانت الحاجة أمينة مريضة فكرت فى كتابة كتاب يضم ما نريد تربية الأخوات المسلمات عليه, فبدأت أكتب وأجمع المراجع وكان عندى ما يقرب من 150 مرجعا أحيانا كنت أجلس ساعتين أو ثلاثة أو أربع بالقرب من السرير الذى كانت جالسة عليه وهى تطلب منى الكف عن القراءة والكتابة للراحة حتى جاءت الفرصة لطبع الكتاب وجاء الأخ محمد عبد الحكيم الخيال وأخذه وطبعه: كتاب " الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية".
وبعد ذلك عملت كتاب " الأخت المسلمة أساس المجتمع الفاضل" وقدم له الدكتور محمد السيد مرزوق عميد كلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر.
وبعد ذلك الكتاب كتبت كتاب " أواصر المجتمع المسلم ومسئولية الشباب نحوها".
ثم كتاب :" ماذا قدم الإسلام للمرأة" وقدم له الشيخ " محمد عبد الله الخطيب" من علماء الأزهر الشريف. ومؤلفات الأستاذ محمود الجوهرى تجمع بين سلاسة الأسلوب وعمق الفكرة وصدق العاطفة, فهو ليس كاتبا محترفا بالمفهوم المعاصر لكنه صاحب دعوة ملكت عليه كيانه يعبر عنها بما يملك من أسلوب وعاطفة جياشة تراها على ألفاظه وتعبيراته وتتفاعل معها وتوقن بصدق كاتبها وحرارة عاطفته نحو الإسلام وإصلاح مجتمعه
رحم الله أستاذنا محمود الجوهرى.
قالوا عنه
قال الدكتور "محمد حبيب" - النائب الأول للمرشد العام لجماعة (الإخوان المسلمون)- لموقع (إخوان أون لاين): "الحاج "محمود الجوهري" أحد أعلام الدعوة، ومن الرعيل الأول لجماعة (الإخوان المسلمون) ، فهو ممن صاحبوا الإمام الشهيد "حسن البنا" عن قُرب، وجاهد معه منذ أن انضم إلى جماعة (الإخوان) في عام 1940 م، ولم يدَّخِر وسعًا وجهدًا- رحمه الله- في العمل على بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وإعداد المرأة المسلمة؛ لتكون جديرة بتربية أجيال تفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وتلتزم بتعاليمه، وتعمل جاهدة على نشر دعوته".
وفاته
تُوفي في وقتٍ متأخر من مساء الثلاثاء 30/3/2004 م، وتم تشييع جنازة الفقيد الراحل بعد صلاة ظهر يوم الأربعاء 31/3/2004 م من مسجد الشيخ "علي يوسف" بحي (المنيرة) بالقاهرة.
كان الفقيد قد أُصيب بأزمة قلبية دخل على أثرها المستشفى، وقد طلب قبل وفاته بيومين رؤيةَ فضيلة الأستاذ "محمد مهدي عاكف" - المرشد العام لجماعة (الإخوان المسلمون)- ونائبه الثاني المهندس "خيرت الشاطر" ، والدكتور "محمود عزت" عضو مكتب الإرشاد ، وقام الثلاثة بزيارته بعد ظهر أمس الثلاثاء، واقتصر عزاء الفقيد على تشييع جنازته من المسجد فقط؛ تنفيذًا لما جاء بوصيته.
خاتمة
ليست هذه الصفحات تعريفا بالأستاذ محمود الجوهرى ولا تاريخا له ولكنها حق مركب من جهتين:
الجهة الأولى:
أنها حق الرجل على تلاميذه ومحبيه أن يعرفوا بعضا من سيرته التى كان حريصا طوال حياته ألا يتكلم فيها بل إنه كان يعتبر تضحياته وما قدم فى سبيل نصرة دين الله وإعلاء شأن تلك الدعوة الصادقة شيئا عاديا وكان – رحمه الله- يقول لى عندما ألح عليه فى تسجيل ما وعته ذاكرته وهى تحمل الكثير : ليس فى سيرتى شيئا يستحق الذكر أو التسجيل.
الجهة الثانية:
هو حق الأجيال القادمة فى أن تعرف أعلام الدعوة وسيرهم وما قدموا فداء لتلك الدعوة فيوقنوا أنهم على الحق وأن دعوتهم أشرف الدعوات وأن فكرتهم أسمى الفكر ويدركوا حجم التضحيات والدماء والأعمار التى فى سبيل دعوة الله فيعضوا عليها بالنواجذ ولا يعظم عندهم شىء فى سبيل الله تبقى كلمة هى فى حق كل من يقوم على ثغر من ثغور الدعوة وهى أن الشجرة الباسقة وارفة الظلال التى رواها الإمام الشهيد بدمائه فى أول العهد ثم سار على دربه أناس صالحون – نحسبهم كذلك ولا نزكى على الله أحدا – توشك أن تسقط ورقاتها أو تذبل فما أحرانا أن ننشر سير الصالحين ونشيعها بين الناس.
وهذا الأمر يحقق للدعوة عدة فوائد:
أولها: ضرب المثل والقدوة فما أحوج الأجيال إلى أن ترى النماذج أو تسمع عنها.
ثانيها: أن يظل مشعل الحق مرفوعا, علما يلتف الناس حوله وهاديا يهديهم الطريق.
ثالثها: لابد من كفة حق تواجه كفة الباطل, على مستوى الأفكار وعلى مستوى الرموز فكما أن للباطل رموزا, فلابد أن يكون للحق رموزا, وأعجب أن شذاذ الآفاق من علمانى مجتمعاتنا وهم من يصدق فيهم قول الشاعر :" معور ينافح عن معور" يشهرون بعضهم بعضا, ويدافع بعضهم عن بعض ولا نقوم نحن حملة الحق وأصحابه ببيان ما فى حقنا من خير ونفع للعالمين ونشر نماذجه البشرية وقدوتنا الصالحة ولعل هذه دعوة إلى نشر سير الصالحين وإشاعتها بين الناس.