العلمانية في منظور المفكرين الإسلاميين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العلمانية في منظور المفكرين الإسلاميين .. مناقشةٌ منهجية وردود علمية

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم/ محمد الصياد


علي عبد الرازق وكتابه الإسلام وأصول الحكم

لقد شهد تاريخ الإسلام أناسا هاجموا الإسلام السياسي وأرادوا فصل الدين عن السياسة وشئون الحكم .

وأخطر من هاجم الإسلام السياسي في العصر الحديث وأثار صخبا وضجيجا هو الشيخ علي عبد الرازق ابن الأزهر الذي صنف كتاب " الإسلام وأصول الحكم" الذي غبر الجو وكدره وقرت أعين العلمانيين به . وإنما كان كتابه كذلك لأن صاحبه من رجالات الأزهر وليس من الفلاسفة أو العقلانيين بل إن أخاه الفيلسوف مصطفي عبد الرازق لم يرتكب هذا الشطط .

أراد العلمانيون أن يقولوا: إن رجلا من رجال الأزهر له تلامذته ومدرسته ومريدوه والمؤمنون بفكره والمتشبعون بمنهجه هو من هاجم الإسلام السياسي وليس كما يزعم البعض أننا فقط من نهاجمه .

قلت : ولقد رجع علي عبد الرازق عن هذه الأفكار قبل موته وقال بأن هذه نفثة نفثها الشيطان في صدره . والرجل لم يرجع بسبب تكفير الإسلاميين له كما يزعم البعض ، فالرجل لم يرجع والقضية في عنفوانها ، والهجوم عليه من كل صوب ، لكن في آخر حياته والمسألة قد تنوسيت وأغلب الناس لا يعرفون أحي هو أم ميت إذا به يعلن البراءة والتوبة.

وعلي الرغم من رجوع الشيخ وأوبته فالعلمانيون لم يرجعوا بعد وهذا ما يجعلنا نقف مع كتاب الشيخ . يقول الشيخ علي عبد الرازق : ( إذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم قد أسس دولة سياسية أو شرع في تأسيسها ، فلماذا خلت دولته إذن من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم ولماذا لم يعرف نظامه في تعيين القضاة والولاة ولماذا لم يتحدث إلي رعيته في نظام الملك وفي قواعد الشورى ؟! ولماذا ترك العلماء في حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومي في زمنه لماذا ولماذا ؟

نريد أن نعرف منشأ ذلك الذي يبدو للناظر كأنه إبهام أو اضطراب أو نقص ، أو ما شئت فسمه في بناء الحكومة أيام النبي صلي الله عليه وسلم وكيف كان ذلك ؟ وما سره؟).

ولو كان الشارع ألزم ذاته بسوق الأدلة كلها مفصلة لا مجملة ومبينة لا مبهمة لصح زعم الرجل لكنه لم يلزم بذلك وإلا فأكثر الأدلة علي الإجمال وبعضها علي الإبهام وفي ذلك حكم سامية بينها العلماء في علم أصول الفقه وعلوم القرآن . فالرجل قصر نظره علي مسألة الحكم ونظام الدولة فقط وأمعن فيهما فأثار ضجيجا وقال بأن مسألة الحكم مجملة ومبهمة فبطل ما يُسمي بنظام الدولة في الإسلام وتناسي أن أسس الفقه الإسلامي مجملة ومن هنا نشأت بعض العلوم ليتم الاجتهاد تحت إطار هذه الأدلة المجملة التي اعتبرها الشيخ قصورا .

ولو سار الشيخ علي منهجه هذا في كل مسائل الفقه من عبادات ومعاملات وغيرها لخرج علينا وقد ظن نفسه أبا عذرة الفهم وابن بجدة العلم وقال بأن لا معاملات إسلامية من بيع وشراء وكراء وما أشبه ، فالإسلام أكبر من هذه التفهات التي تتم بين البشر ناهيك علي أن الشارع أجمل أدلتها ولم يبين ما المراد منها بالتفصيل ..،..!!

ولقال بأن الحضارة الحديثة تحتم علينا أن نواكب أوربا في تقييد الزواج ومنع الطلاق ولقال .. ولقال .. ولقال .. كما قال ابن أبي من قبل .

يقول محمد عمارة في كتابه " جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض ": ( فقط نريد أن نبه إلي أن الشورى الإسلامية كما جاءت في القرآن والسنة هي فلسفة حكم وليست نظاما مفصلا وجاهزا لكل زمان ومكان ، فأي سبيل يسلكه المسلمون لتحقيق الحد الأقصى من سيادة إرادة الأمة هو أقرب السبل إلي روح فلسفة الشورى التي دعا إليها الإسلام ) .

ويقول أديب الدعوة الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه "الإسلام والأوضاع الاقتصادية": (والإسلام لا يؤيد نظاما اقتصاديا – وسياسيا – بعينه ، ولا يخاصم نظاما بعينه . إنما يحارب ويسالم ، ما يكون من النظم ، بحسب ما يتولد منها ، وما ينشأ عنها ، وما يصيب الشعوب من خيرها أو شرها .

إن الدين كالنسيج الخام ، يلبس الناس منه ما يحفظ أجسامهم ، ويزين هيئاتهم . وقد تختلف طرائقهم في كيفية التفصيل وأسباب التزيين ، ولكن لا يجوز علي أية حال أن يعروا عنه )

وقد عرضنا لهذه المسألة أثناء الكلام عن الشورى والديمقراطية وذكرنا هناك زُبْدا قررها العلامة السلفي رشيد رضا تلميذ الأستاذ الإمام رحمهما الله .

وأعود للرد علي الشيخ علي عبد الرازق لأن زعمه تشبث به أقوام أرادوا أن يزحزحوا الإسلام ويطووا رايته .

قالوا بأن الإسلام السياسي سبب في انحطاط أمتنا ! قلنا : فالإسلام بعيد عن حياتنا السياسية منذ انهيار الخلافة وما قبلها فهل تقدمنا أم أن الاستبداد صار شنشنة وسجية ؟

ثم من هو المستبد الظالم الآن ؟ ومن الذي يمسك بزمام الحكم ويأبي أن يتركه حتى الممات؟ أهم الإسلاميون ؟ أم العلمانيون ومن تربوا في أحضان الغرب ؟ ومن الذي تحالف في الجزائر مع العسكر ضد إرادة الشعب لأن الشعب أتي بأولياء الله والعارفين به الذي يطمئن إليهم ؟ ومن الذي تحالف مع الطواغيت في بلادنا ضد الإسلاميين ؟ مع أن العلمانية من أُسسها الديمقراطيةُ وأن الشعب هو مصدر السلطات ، لكن الشعب إذا أتي بهم بثّوا هذه المعاني وتشدقوا بها ، وإذا أتي بغيرهم انقلبوا عليه وقالوا بأن شعوبنا غير ناضجة ونحن سنختار لهم من يحكمهم .

وردَّ العلامة البهي علي كلام علي عبد الرازق الذي نقلناه آنفا وقال: (إن الجهل بالشيء ليس دليلا علي عدم وجوده ، فقد نظم الرسول صلي الله عليه وسلم القضاء ، وبين الإجراءات التي يتبعها القاضي عندما ترفع إليه الخصومة فقال عليه الصلاة والسلام :" لو يعطي الناس بدعواهم لادعي ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين علي المدعي عليه" وقال صلي الله عليه وسلم لابن عمه علي كرم الله وجهه حينما ولاه قضاء اليمن :" فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحري أن يتبين لك القضاء ". وكان صلي الله عليه وسلم يختار للقضاء الفقهاء من صحابته ، وكان ممن ولاهم : عمر وعلي ومعاذ وغيرهم . فلا صحة لدعوي المؤلف التي يريد أن يثبت فيها أنّ النظام القضائي في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن واضح المعالم ، وأنه لم يستقض أحدا).

قلت : وقد رد عصبة من العلماء الفحول والأئمة الكبار علي الشيخ علي عبد الرازق ، وأحسن من رد عليه بتؤدة وتمهل وتأصيل ومنهجية العلامة الفقيه محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية في كتاب " حقيقة الإسلام وأصول الحكم " والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الخضر حسين التونسي في كتابه " نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" ، وشيخ الإسلام مصطفي صبري في كتابه "موقف العقل والعلم من رب العالمين" ، وفي عصرنا رد عليه آخرون أبرزهم المفكر الإسلامي محمد عمارة الذي نشر كتاب علي عبد الرازق وضمنه مقدمة طويلة في الرد عليه .


الإمام الشهيد حسن البنا وموقفه من العلمانية

الإمام حسن البنا

يقول الدكتور محمد عبد الله الخطيب : جاء في الأثر "مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ويقول الإمام البنا- رحمه الله-: "قلما تجد إنسانًا يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب، فهما عند بعض الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سُميت هذه جمعية إسلامية لا سياسية؛ وذلك اجتماع ديني لا سياسة فيه، ورأيت في صدر قوانين الجمعيات الإسلامية ومناهجها (لا تتعرض الجمعية للشئون السياسية)".

لكن نحب أن نُوضِّح للإخوة الأحباب من أين جاءت هذه الشبهة؟ وأين نبتت تلك الفرية؟

إن قصة العزلة بين الدين والدنيا أو بين الدين والسياسة لم تنبت أبدًا في بلاد العالم الإسلامي، ولم يعرفها الإسلام وعبارات تخدير الدين للمشاعر، والدين أفيون الشعوب أكاذيب لم تكن يومًا من الأيام وليدة هذا الدين أبدًا، ولم تعرفها نظمه أو طبيعته، لكنها من الأمور المستوردة والمسلمين لا يحاولون التفتيش عن أصلها والبحث عن مصدرها ونشأتها.

لقد نشأت هذه العزلة في الغرب، وانصرف رجال الدين إلى محاولات الإصلاح من جانب والتطهير الروحي والوجداني من جانبٍ آخر؛ أي أن قضية العزلة بين الدين والحياة أو بين الدين والسياسة بعيدة كل البعد عن الإسلام ونظامه.

يقول الإمام البنا في سبب العزلة بين الدين والسياسة: "إن غير المسلمين حينما جهلوا هذا الإسلام، أو حينما أعياهم أمره وثباته في نفوس أتباعه ورسوخه في قلوب المؤمنين به، واستعداد كل مسلم لتفديته بالنفس والمال، ولم يحاولوا أن يجرحوا في نفوس المسلمين اسم الإسلام ولا مظاهره وشكلياته ولكنهم حاولوا أن يحصروا معناه في دائرة ضيقة تذهب بكل ما فيه من نواحٍ قويةٍ عملية، وإن تُركت للمسلمين بعد ذلك قشورًا من الألقاب والأشكال والمظهريات لا تسمن ولا تغني من جوع.. فأفهموا المسلمين أن الإسلام شيء والاجتماع شيء آخر، وأن الإسلام شيء والقانون شيء آخر، وأن الإسلام شيء ومسائل الاقتصاد لا تتصل به، وأن الإسلام شيء والثقافة العامة سواه، وأن الإسلام شيء يجب أن يكون بعيدًا عن السياسة.

يقول الشاعر:

فقل لمَن ظنَّ أن الدينَ منفصلٌ .. عن السياسة خذيًا غِرّ برهانا

هل كان أحمد يومًا جِلْسَ صومعة .. أو كان أصحابه في الدين رهبانا

يرضى النبي أبا بكر لدينهمو .. فيعلن الجمع نرضاه لدنيانا

لقد رأى القوم في الغرب أن الدين لا يصلح للحياة فقالوا: الدين صلة بين العبد والرب، واتسعت هذه القضية فيما بينهم ما شاء لها أن تتسع، وهم أحرار في مفاهيمهم كما يشاءون، لكن ما بالنا نحن المسلمين وهذا كله، وحياتنا في ظلِّ الإسلام من أوله إلى آخره تقول غير هذا، وأيضًا طبيعة تاريخنا تقول إن طبيعة الإسلام وظروفه ليست في شيء من هذا جميعه، ولقد نشأ الإسلام بأرض وصحراء وبيداء لا سلطان لإمبراطوريات ولا لملوك عليها، نشأ الإسلام في مجتمعٍ بدوي قبلي ليست به أوضاع أو قوانين من نوعٍ ما كان في الإمبراطورية الرومانية مثلاً، وكان هذا أنسب وضع لهذا الدين في نشأته الأولى ليصنع المجتمع الحرَّ الذي يريده نموذجًا بلا ضغط ولا عوائق، ويصنعه صناعةً ربانيةً من نوعٍ جديدٍ في كل شيء يتولى القرآن ضميره وروحه، كما يتولى سلوكه ومعاملاته وقوانينه ونظمه.. مجتمع يجمع بين الدين والدنيا، وبين الدنيا والآخرة، في توجيهاته وتشريعاته، مجتمع قد قام على أساس توحيد عالم الأرض وعالم السماء في نظامٍ واحدٍ يعيش في ضمير الفرد، كما يعيش في واقع الحياة لا ينفصل فيه النشاط العملي عن الوازع الديني.

إن دين الإسلام العالمي الرباني لا يمكن أبدًا عزله عن الحياة، ووضعه في المتحف أو على الأرفف أو مطاردته ليدخل المسجد فقط، فلا يخرج منه وأحكامه وشرائعه ونظمه مبعدة عن الحياة.

يقول الإمام البنا: "وأعتقد أن أسلافنا- رضوان الله عليهم- ما فهموا للإسلام معنى غير هذا؛ فبه كانوا يحكمون، وله كانوا يجاهدون، وعلى قواعده كانوا يتعاملون، وفي حدوده كانوا يسيرون في كل شأن من شئون الحياة الدنيا العملية قبل شئون الآخرة الروحية، ورحم الله الخليفة الأول إذْ يقول: لو ضاع مني عقال بعيرٍ لوجدته في كتاب الله".

ويقول رحمه الله أيضًا: "بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية أستطيع أن أجهر في صراحةٍ بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا، بعيد النظر في شئون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها" ... (راجع نظرات في رسالة التعاليم صـ299).

إن الإسلام الحنيف يعتبر العبادة هي الحياة كلها خاضعة لشريعة الله متوجهًا بكل نشاط فيها إلى الله، ومن ثم يعد كل خدمة اجتماعية، وكل عمل من أعمال الخير فيه عبادة، يقول- صلى الله عليه وسلم-: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار" (رواه الشيخان).

والإسلام لا وساطةَ فيه بين الخلق والخالق، فكل مسلم في أطراف الأرض وفجاج البحر يستطيع بمفرده أن يتصل بربه، وأن يقف ببابه، وما عليه إلا أن يتوضأ ويتطهر ثم يقول: يا رب: يطلب ما يشاء بلا أي واسطة.. والإمام المسلم في نظام الإسلام لا يستمد ولايته من "الحق الإلهي"، ولا يكون أبدًا واسطة بين الله والناس إنما يستمد ولايته ووجوده من الأمة.

إذن ليس في الإسلام رجل دين ورجل دنيا، ورجل الدين بهذا المفهوم الخاطئ يراد به ألا يعرف شيئًا عن الدنيا أو أحوالها ولا يبدي رأيًّا فيها، وليس في الإسلام أيضًا رجل دنيا معفر بترابها غارق في شهواتها، لكن الإسلام يريده أن يعمل للدنيا ولا ينسى الآخرة.. قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)﴾ (النور).

لكن على وجه اليقين نقول: إن في الإسلام علماء بالدين يفسرونه ويبينونه للناس، وليس للعالم بهذا الدين حق خاص في رقاب المسلمين أو غيرهم، وليس للحاكم أو الأمير في رقابهم إلا تطبيق الشريعة والحكم بما أنزل الله وقيادتهم إلى مرضاة الله والسير بهم على الصراط المستقيم وحراستهم، ولله در القائل: "لو عثرة بغلة بشط العراق لسئلت عنها بين يدي الله لما لم أسو لها الطريق".

أرسلت امرأة من الجيزة بمصر تسمى (فرتونة السوداء) رسالة إلى عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- تقول له: إن حوائط بيتي قصيرة وإن دجاجي يقفز من فوقها، وأنا امرأة عجوز، وقرأ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الرسالة، وأرسل من فوره إلى والي مصر يقول له: إذا أتتك رسالتي فقم من فورك، واذهب إلى الجيزة وابحث عن (فرتونة السوداء)، فتعلى لها حوائطها وتخبرني بما فعلت: ووصلت الرسالة إلى واليه بمصر فقام من فوره وذهب إلى الجيزة، وسأل عن المرأة حتى وجدها؛ امرأة عجوز سوداء مسنة فأعلى لها حوائطها في الحال وحفظ لها دجاجها الذي يتفلت منها.

هذه صورة الحاكم في الإسلام فهو ولى الضعيف أولاً ونصير العاجز أولاً لا يرضى له إلا بالراحة والاطمئنان، وكان عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- يخرج متخفيًا، ويقابل الذين قدموا من الريف فيسألهم وهم لا يعرفونه يقول لهم: كيف حال البلاد والعباد؟ فيقولون تركناهم الظالم بها مقهور والمظلوم منصور والغني موفور والفقير مجبور.

فيلتفت عمر إلى مزاحم، ويقول له: هذه كلمات ما يسرني أن لي بها الدنيا"، وكان عمر يقف ومعه مزاحم هذا التابع وقريب منهم البرذون- الفرس- الذي يركبه عمر فقال عمر لمزاحم: كيف حال الناس؟ قال: يا أمير المؤمنين كل الناس في راحة واستقرار وطمأنينة إلا أنا وأنت، وهذا البرذون نتحمل المشقات والسهر.. فضحك عمر- رضي الله عنه-، وجاءته هدية يومًا من الأردن فسأل: على أي شيء حملتموها؟ قالوا: حملناها على دواب البريد. فقال: ليست هذه مهمتها لقد شققتم عليها، بيعوا هذه الهدية واشتروا بثمنها علفًا وأطعموا هذه الدواب التي حملتموها.

أرأيت إلى هذه العظمة؟! هل سمعت عن هذا العدل؟! هل اشتقت إليه؟ إنه الإسلام الذي شرفنا الله به وكرمنا به ورفع شأننا به.


الإمام البنا وموقفه من قضية الدين والسياسة

يقول الإمام البنا: يجب أن نعلم أن السياسة الإسلامية نفسها لا تنافي أبدًا الحكم الدستوري الشورى فهي واضعة أصله ومرشدة الناس إليه في قوله تعالى في أوصاف المؤمنين ﴿وَأَمرُهُم شُورَى بَينَهُم﴾ (الشورى: من الآية 38)، وقوله تعالى: ﴿وَشَاوِرهُم في الأَمرِ فَإِذَا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه وينزل على رأي الفرد منهم متى وضح له صوابه، كما فعل ذلك مع الحباب بن المنذر في غزوة بدر، ويقول لأبي بكر وعمر "لو اجتمعتما ما خالفتكما"، وكذلك ترك عمر الأمر شورى بين المسلمين، وما زال المسلمون بخير ما كان أمرهم شورى بينهم.

فلنحرص عليه جميعًا، ولنتفانى في تطبيقه وتنفيذه، ولنقف بباب الله نطرقه ونديم الطرق والرجاء والدعاء؛ لعل الحق تبارك وتعالى يرضى عنا وعنكم وعن جميع المسلمين على ظهر الأرض.. اللهم آمين . انتهي من كلام الدكتور الخطيب .


أحمد شاكر والعلمانية

العلامة أحمد شاكر


يقول العلامة المحدث السلفي الكبير أحمد محمد شاكر في كتابه " كلمة الحق ":

(فكل ما يفعل الناس وما يرون وما يعتقدون ، وما يأخذون وما يدعون ، داخل في حكم الإسلام وخاضع لسلطانه ، رضي هؤلاء وسادتهم من المستعمرين والمبشرين أم أبوا ، فالإسلام واضح بيّن لكل من أراد الهدي.


وهو كما قلت : لا يرضي من متبعيه إلا أن يأخذوه كله ، ويخضعوا لجميع أحكامه ، فمن أبي من الرضا ببعض أحكامه فقد أباه كله).


عباس العقاد والعلمانية

ويقول الأديب الكبير والكاتب الشهير عباس العقاد في كتابه " أفيون الشعوب ":

(إلا أن الشيوعية قد تصبر علي المسيحية ولا تطيق الصبر علي الإسلام إلا ريثما تتحفز له وتغل أيدي أتباعه عن المقاومة . لأن المسيحية دين العديد الأكبر من الروسيين والشعوب التي تدخل في حوزة الدولة الروسية ، ولأن المسيحية من الجهة الأخرى تدع شئون الدولة للدولة ولا تتعرض للنظم الاجتماعية أو لإقامة المجتمع علي أساس جديد .

وقد نشأت المسيحية كما هو معلوم في بلاد تخضع للسلطة الرومانية في الشئون الدنيوية ولسلطة الهيكل الإسرائيلي في الشئون الدينية فاجتنبت نقض " الناموس " وأوصت بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله .

أما الإسلام فهو نظام اجتماعي له منهجه في علاج المسائل التي تتصدي لها الشيوعية ، وهو يواجه مشكلة الفقر بحلوله المتعددة ولا يقصر مواجهتها علي فرض الزكاة لمستحقيها كما يسبق إلي الظن لأول وهلة . إذ هو ينكر الإسراف والترف والاحتكار ويأبي أن تكون الأموال " دولة بين الأغنياء " ولا يصدق عليه قولهم إنه أفيون الشعوب لأنه يأمر المسلم ألا ينسي نصيبه من الدنيا ويحثه علي دفع المظالم ومنع الشرور ، ويعلم المسلم أن يقدس الحرية ويثور علي المذلة والاستعباد فلا يتسنى للحاكم أن يخضعه لغير معتقده أو يسومه الهوان في أمور الدنيا والدين) .


جاد الحق والعلمانية


ويقول العلامة جاد الحق علي جاد الحق في كتابه " بيان للناس ":

(والمتتبع لآيات القرآن وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم يري صنوف السياسة وقواعدها في إدارة أمور الناس وحسن اختيار الحكام والقضاة ، كما يري أن الإسلام والسياسة متداخلان لا انفصام بينهما ، لأنه دين ودنيا ، يسوس نفس الإنسان ويهذبها بالعبادات وصالح العمل ، ويسوس علاقة الإنسان بزوجه وولده ووالديه والناس جميعا ، ويضع لكل علاقة حكما واحدا ولكل عمل مواصفات العامل الذي يقوم به ..


فالإسلام لا يفارق السياسة ، فهو عقيدة وشريعة ، لا ينفصل عن السياسة ولا تضربه ، لأنه صمام الأمن والأمان لها.

سليم العوا والعلمانية

ويقول المفكر الإسلامي محمد سليم العوا في كتابه " الأزمة السياسية والدستورية ": ( ليس بين أهل العلم بالإسلام خلاف حول أنه من مقتضي الإسلام أن يلتزم المسلمون بمبادئ الإسلام وقواعده المتصلة بشئون الدولة ونظام الحكم ، التزامهم بغيرها من مبادئ الإسلام وقواعده المحكمة لمختلف شئون الحياة .

وفي تعبير دقيق عن هذه الحقيقة يقول المفكر المسلم التركي تيلمان ناجل: إن الإسلام كدين أو كشكل من أشكال عبادة خالق هذا العالم ، الذي لا خالق سواه ، لا يمكن أن يترجم إلي حقيقة واقعة إلا إذا كان ذلك في إطار كيان سياسي يخضع لهدي الله . ولا يسع المسلمون أن يعبدوا الله وأن يقيموا الصلاة إلا حين يغدون رعايا مخلصين لدولة إسلامية ، ولن يتاح لهم أن يعيشوا بما يتفق مع أخلاقيات عقيدتهم إلا من خلال الانتماء إلي أمة المؤمنين ) .

ولو بسطنا القلم في الاقتباس من كلام علماء الأمة وفحولها لطال المقام فنكتفي بوشل من بحر وقليل من كثير .

وهؤلاء الذين يدعون للفصل بين الدين والدولة يقلدون الغرب وتناسوا أن الإسلام مغاير في منهجه وغايته ووسائله عن أي نظام آخر .

فمن المعلوم أن الحكومة الغربية في تطورها الأخير منتزعة من الصراع بين الكنيسة كسلطة إلهية حكمت وتحكم باسم الرب والإله ، وبين الجهة الأخرى المعادية لسلطان رجال الدين في مجالات الحياة المختلفة ، والتي حرصت علي أن تشق عصا الطاعة لهم ، جهة أصحاب السلطة من الأمراء وأصحاب النفوذ الفكري من الفلاسفة والأدباء والعلماء .

وعلي أساس من الفصل بين الكنيسة والحكومة حدد الغربيون معني الدين ، فأرادوا به : التوجيه الروحي للأفراد ، كما حددوا معني الدولة ، والحكومة ، فقصدوا بهما : تنظيم العلاقات بين الأفراد .

واستعانوا في هذا التحديد بموقف المسيح في قومه ، وبطابع رسالته إلي شعب إسرائيل ، وهي رسالة " المحبة بين ذوي القربى " وقد كانت هذه الرسالة تحمل الدعوة إلي إعادة الصفاء بين النفوس التي مزقت روح الحقد والاضطهاد . وبهذا كان الدين في تصور الغربيين مشتقا من طابع الرسالة التي جاء بها المسيح عيسي عليه السلام ومن الحال التي انتهي النزاع بين الكنيسة والحكومة الغربية ، وأصبحت الروحية أو الدعوة إلي صفاء النفوس كما يسمونها مجال اختصاص الدين ، وكل ما خرج عن نطاق هذه الدعوة فليس من شئون الدين .

وبناء علي ذلك قرر الغربيون المسيحيون أنه يجب لتحديد أي دين سابق علي المسيحية أو لاحق لها أن تؤخذ في مفهومه خصيصة المسحية وهي الوقوف عند حد الروحية وبهذا يخرج الإسلام عن طبيعة الدين – في زعمهم – لأنه ينظم العلاقات بين الأفراد ، ويدخل في مجال الإصلاح البشري عندهم .

وهذا الادعاء – بأن الإسلام دين لا دولة – تؤول إلي شيء واحد ، وهو إلغاء شخصية الجماعة الإسلامية التي يحددها دستورها الذي قامت عليه والذي يحتكم إليه أفرادها في شئونهم العامة والخاصة .


العلمانية في ميزان الشريعة الإسلامية

يقول السيد رشيد رضا القول في هذه المسألة: في تفسيره لقول الله تعالي (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . فقال رحمه الله : " وقد أوّل الخلود المفسرون لتتفق الآية مع المقرر في العقائد والفقه ومن كون المعاصي لا توجب الخلود في النار . فقال أكثرهم إن المراد : ومن عاد إلي تحليل الربا واستباحته اعتقادا ، ورده بعضهم بأن الكلام في أكل الربا وما ذكر عنهم من جعله كالبيع هو بيان لرأيهم فيه قبل التحريم فهو ليس بمعني استباحة المحرم ، فإذا كان الوعيد قاصرا علي الاعتقاد بحله لا يكون هناك وعيد علي أكله بالفعل .

والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلمون والفقهاء ، يجب إرجاع كل قول في الدين إليه ولا يجوز تأويل شيء منه ليوافق كلام الناس . وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود في آية قتل العمد ، وليس هناك شبهة في اللفظ علي إرادة الاستحلال . ومن العجيب أن يجعل الرازي الآية هنا حجة علي القائلين بخلود مرتكب الكبيرة في النار ، انتصارا لأصحابه الأشاعرة .

وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم للخلود بطول المكث . أما نحن فنقول : ليس كل ما يسمي إيمانا يعصم صاحبه من الخلود في النار ، الإيمان إيمانان / إيمان لا يعدو التسليم الإجمالي بالدين الذي نشأ فيه المرء أو نسب إليه ، ومجاراة أهله ولو بعدم معارضتهم فيما هم عليه ، وإيمان هو عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين بالإيمان ، متمكنة في العقل بالبرهان ، مؤثرة في النفس بمقتضي الإذعان ، حاكمة علي الإرادة المصرفة للجوارح في الأعمال ، بحيث يكون صاحبها خاضعا لسلطانها في كل حال ، إلا ما لا يخلو عنه الإنسان، من غلبة جهالة أو نسيان ، وليس الربا من المعاصي التي تنسي أو تغلب النفس عليها خفة الجهالة والطيش ، كالحدة وثورة الشهوة ، أو يقع صاحبها منها في غمرة النسيان كالغيبة والنظرة ، فهذا هو الإيمان الذي يعصم صاحبه بإذن الله ، من الخلود في سخط الله ، ولكنه لا يجتمع مع الإقدام علي كبائر الإثم والفواحش عمدا ، إيثارا لحب المال واللذة علي دين الله وما فيه من الحكم والمصالح. وأما الإيمان الأول فهو صوري فقط ، فلا قيمة له عند الله تعالي لأنه تعالي لا ينظر إلي الصور والأقوال ، ولكن ينظر إلي القلوب والأعمال ، كما ورد في الحديث .

والشواهد علي هذا الذي قررناه في كتاب الله تعالي كثيرة جدا وهو مذهب السلف الصالح ، وإن جهله كثير ممن يدعون اتباع السنة حتى جرءوا الناس علي هدم الدين ، بناء علي أن مدار السعادة علي الاعتراف بالدين وإن لم يعمل به حتى صار الناس يتبجحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرم كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال : إنني لا أنكر أنني آكل الربا ولكنني مسلم أعترف بأنه حرام . وقد فاته أنه يلزم بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل هذا الوعيد وبأنه يرضي أن يكون محاربا لله ولرسوله وظالما لنفسه وللناس كما سيأتي في آية أخري فهل يعترف بالملزوم أم ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ؟ نعوذ بالله من الخذلان".

ويقول السيد محمد رشيد رضا – في تفسيره: (وقد استحدث كثير من المسلمين من الشرائع والحكام نحو ما استحدث الذين من قبلهم . وتركوا بالحكم بها بعض ما أنزل الله عليهم . فالذين يتركون ما أنزل الله في كتابه من الأحكام من غير تأويل يعتقدون صحته فإنه يصدق عليهم ما قاله الله تعالي في الآيات الثلاث أو في بعضها ، كل بحسب حاله . فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزني غير مذعن له لاستقباحه إياه وتفضيل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعا) ( تفسير سورة المائدة 6/ 350 ط/ التوفيقية) .

وهذا الذي أصله السيدرشيد رضا وأجمله ، فصله الشيخ محمد الغزالي وبينه غاية البيان فلا تعقيب بعده لمتعقب إذا انضم إلي ماذكره السيد رشيد ، رحم الله الجميع .

يقول أديب الدعوة الشيخ محمد الغزالي – المتوفى سنة 1416 ه /1996م – في كتابه "الجانب العاطفي من الإسلام": ونحن بطول التأمل واستقراء التجارب لا نستطيع فك المعصية عن الحالات النفسية المصاحبة لها ، وعن الظروف الخارجية الواقعة فيها .

في هذه الأحوال والظروف فيصل التفرقة بين ألوان الخروج علي الدين ، فهناك اللمم المرتجي له العفو ، وهناك الإهمال الذي يستحق اللوم ، وهناك التفريط أو الانحلال اللذان يستوجبان العقوبة . وهناك أخيرا المروق الذي يحكم علي صاحبه بالارتداد ، والتفصى عن ربقة الإسلام .

فشرب الخمر مثلا جريمة ، ولها حد تواضع المسلمون علي إقامته .

وربما رأيت بعض واهني العزيمة من المدمنين الذين ألفوا الخمر في جاهليتهم لا يحسنون اجتنابها فيقعون فيها علي خزي ! وكان الحد قديما يُقام علي أحدهم فيتحمله راضيا !! مثل هذا المجرم لا نستطيع عده مرتدا عن الإسلام إنه مسلم مخطئ وحسب !

ولكن هناك من يفتتح معصرة لتقطير الخمور ، أو حانة لبيعها ، وهو يعلن عن بضائعه ، ويغري بتناولها ، ويجتهد في ترويجها هنا وهناك ، ويقيم حياته علي مكاسبه من هذا الاتجار الخبيث .

هذا الصنف لا يمكننا بأية حال من عده مسلما ، لقد كفر بلا ريب ، وانبت رباطه بالإسلام !.

لماذا ؟ لأن السكير الأول رجل وهت إرادته في الخير ، أما السكير الثاني فهو رجل قويت إرادته في الشر .

فالبون بينهما بعيد ، بعد الخضوع المضطرب عن التمرد العاتي .

ونية الخضوع لا تخرج صاحبها عن معني الإسلام ، أما نية التمرد ، والإصرار علي رفض الطاعة فلا يمكن بتة أن تسمي إسلاما ، بل إن ذلك عادة يصحبه استباحة الحرام وجحد الواجب وهما كفر باتفاق المسلمين . وفي أمثال هؤلاء المصرين المتمردين تُساق آيات التخليد في العذاب التي تهددت بعض العصاة : (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) . الجن 23 .

وهناك مثلا آخر : إن القاضي قد يميل عن الحق لشفاعة بعض ذوي الجاه وقد يميل عن الحق لهوي غلب عليه وجعله يحابي أحد الخصوم .

هذه معصية بلا ريب تستحق الويل والثبور ، وهي حكم بغير ما أنزل الله يعرض صاحبه لأشد العذاب ، ولكن هل ذلك كفر بالله وارتداد عن الملة ؟

أو بتعبير آخر هل يسوي هذا الآثم بصنف آخر من الناس يري الحكم بما أنزل الله بقية من مخلفات الماضي التي لا تستحق البقاء ، ويستبدل بها قانونا آخر يبيح ما حرم الله ويقترح عقوبات أفضل في نظره مما شرعت السماء من حدود وقصاص ؟! ويدرس ذلك ويدعو إليه ويوسع دائرته جهد الطاقة !!

إن العاصي الأول شخص طاش به نقع عاجل ، أو غلبته شهوة جارفة فحادت به عن طريق الواجب الذي يعرفه ويعترف به .

أما الآخر فهو يدع أمر الله رغبة عنه واتهاما له ، ويري أن يتقدم بين يدي الله ورسوله بأحسن مما أوحي الله وبلغ الرسول .

هذا إن كان في نفسه إقرار بأن النبوة حق ، وأن الله قائم بين عباده بالقسط .

إن الفارق بعيد جدا بين معصية تتم في الظلام ، ومعصية تقع في وضح النهار .

بين معصية يكون العقل فيها غافيا ، ومعصية تتم مع يقظة الفكر وإعمال الرأي .

بين معصية تمشي في الأرض علي استحياء ، ومعصية تتبجح كأنها فضيلة .

إن عزيمة تتعثر في طريق الخير غير عزيمة استحكمت في طريق الشر .

ويستحيل أن ينسب إلي الإسلام فرد أو مجتمع من ذلك النوع الفاجر بعصيانه ، السافر باعتداءه علي حدود الله ، واطراح فرائضه ، واستبقاء محارمه .

إن الدين كما أوضحنا إيمان بالله حق ، وإقرار بأن شرائعه واجبة النفاذ ، والسجود لها بالقلب والجوارح .

فمن استعلن بمسلك مضاد لما أمر الله به ونهي عنه ، واجتهد كي يرسي قواعد الشر مشاقا لله ورسوله فهو فاسق كفور ، ومن البلاهة وصفه بالإيمان .

(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ؟ لا يستوون . أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوي نزلا بما كانوا يعملون . وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها وقيل لهم : ذوقوا عذاب النار الذي كنت به تكذبون ) . السجدة 18- 20 .

والضابط الذي يطرد حكمه في كل شيء والذي لا نقلق في السير معه هو أنه حيث يُري أثر الخضوع لله ، والانقياد لأمره فالإسلام موجود . وإلا فلا إسلام .

أجل لا إسلام حين تجحد الفرائض ، وتموت الشرائع ، ويسود الهوى ، ويضيع هدي السماء .

ونري أن أديب الدعوة قد أبان عما نرمي إليه فلا حاجة للتدليل بكلام غيره من علماء الأمة ونبغتها ، ومن أراد التوسع فليرجع إلي المسألة في مظانها .

وأنا أقول بعد كلام أديب الدعوة الذي نقلناه آنفا بأن العلمانية التي تعطل شرع الله ، والعلمانيون الذين يولون وجوههم شطر البيت الأبيض ويسجدون تجاه تل أبيب هم مارقون خارجون عن الملة .

نعم .. العلمانيون الذين يهاجمون الحجاب ويريدونها أخلاقا متهتكة ، الذين ينكرون حكم الله في هذه الأزمان ويقولون بأن الركب تقدم والزمن تغير وحكم الله هذا لا يصلح للتطبيق في هذه العصور ..

الذين يفصلون الدين عن الدولة ومقاليد الحكم .. فليبقي الدين في أزقة الأديرة والكهوف لا يتعداها أما الدستور والقانون والقضاء فيجب أن تقنن كما هو الحال عند الغرب وأوربا لا عند محمد بن عبد الله الذي أرسله ربه إلي عصبة من البدو ..!!

هؤلاء كفرة لا محالة .

فما الحال لو انتقل هؤلاء من دائرة التنظير المجرد لأفكارهم الضحلة السمجة الباردة هذه إلي دوائر صنع القرار وحكم بلد إسلامي وإمساك زمامه والسيطرة علي إعلامه ومؤسساته وتطبيق منهجهم هذا عمليا؟!

وأظن الأمر جد خطير يحتاج إلي تفصيل :

يقول العلامة المحدث السلفي الكبير أحمد شاكر في كتابه "كلمة الحق": ( أيجوز في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس من تشريعات أوربا الوثنية الملحدة ، بل بتشريع لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها ؟

إن المسلمين لم يُبلوا بهذا قط ، فيما نعلم من تاريخهم ، إلا في عهد من أسوأ عهود الظلم والظلام ، في عهد التتار ، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له ، بل غلب الإسلام التتار ، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته ، وزال أثر ما صنعوا من سوء ، بثبات المسلمين علي دينهم وشريعتهم ، وبأن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك ، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة ، ولم يتعلموه ، ولم يعلموه أبنائهم ، فما أسرع ما زال أثره . ولذلك لا نجد في التاريخ الإسلامي – فيما أعلم أنا – أثرا مفصلا واضحا ، إلا إشارة عالية محكمة دقيقة ، من العلامة الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774 والحافظ ابن كثير من أجل تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ومن أعظمهم وقد ذكر ذلك في تفسيره عند تفسير قوله تعالي (أفحكم الجاهلية يبغون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ ) المائدة 50 .

وأري أن أذكر هنا الآيتين اللتين قبل هذه الآية ، وهي كلها متصلة في السياق :

(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون . وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون . أفحكم الجاهلية يبغون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) .

فقال الحافظ ابن كثير : ( ينكر تعالي علي من خرج عن حكم الله المشتمل علي كل خير ، الناهي عن كل شر ، وعدل إلي ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية ، المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان ، الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتي ، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه . فصارت في بنيه شرعا متبعا ، يقدمونها علي الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر ، يجب قتاله حتى يرجع إلي حكم الله ورسوله ، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير .

قال تعالي: أفحكم الجاهلية يبغون ؟! أي يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه ، وآمن به ، وعلم أن الله أحكم الحاكمين . اه من كلام ابن كثير .

قال أحمد شاكر: أرأيتم هذا الوصف القوي من ابن كثير في القرن الثامن ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد ، أشرنا إليه آنفا : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام ، أتي عليها الزمن سريعا ، فاندمجت في الأمة الإسلامية ، وزال أثر ما صنعت؟ .

ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا منهم ، لأن الأمة كلها تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة ، والتي هي أشبه شيء بالياسق الذي اصطنعه جنكيز خان ، يتعلمها أبناؤها ، ويفخرون بذلك آباء وأبناء ، ثم يجعلون مرد أمرهم إلي معتقي هذا الياسق العصري ويشجبون من عارضهم في ذلك ، حتى أدخلوا أيديهم في التشريع الإسلامي ، يريدون تحويله إلي " ياسقهم الجديد " بالهوينا واللين تارة ، وبالمكر والخدع تارة ، وبما ملكت أيديهم من السلطان في الدولة تارات . ويصرحون ولا يستحيون أنهم يعملون علي فصل الدولة عن الدين !! وأنتم ترون ذلك وتعلمون .

أفيجوز مع هذا لمسلم أن يعتنق هذا الدين الجديد ؟ أعني التشريع الجديد ! أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به ، ذكرا كان الابن أو أنثي ، عالما كان الأب أو جاهلا).

فها هو أحمد شاكر علامة العصر وحافظ الزمان يصف العلمانية بالدين الجديد ، ويكفر أتباعها والمؤمنين بها كما في عباراته التي أسلفنا لك ذكرها ولهج بها في غير موضع من كتابه المشار إليه فقال :( إن من قدم أي قانون أو أي رأي علي الحكم بكتاب الله وسنة رسوله فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلي حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير . وهذا شيء بدهي معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، لا يعذر بجهله أحد ، أيا كانت منزلته من العلم أو الجهل ، ومن الرقي أو الانحطاط .) اه وكان رحمه الله أشد وضوحا وصراحة حين قال في نفس الكتاب :( نري في بعض بلاد المسلمين قوانين ضربت عليها ، نقلت عن أوربة الوثنية الملحدة ، وهي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها ، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه ، وذلك أمر واضح بديهي ، لا يخالف فيه إلا من يغالط نفسه ، ويجهل دينه أو يعاديه من حيث لا يشعر ، وهي في كثير من أحكامها أيضا توافق التشريع الإسلامي ، أو لا تنافيه علي الأقل .

وإن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز ، حتى فيما وافق التشريع الإسلامي ، لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلي موافقتها للإسلام أو مخالفتها ، إنما نظر إلي موافقتها لقوانين أوربة أو لمبادئها وقواعدها ، وجعلها الأصل الذي يُرجع إليه ، فهو آثم مرتد بهذا ، سواء أوضع حكما موافقا للإسلام أم مخالفا .

وقد وضع الإمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا ، ولكنه لم يضعها في الذين يشرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية ، فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك بريئة من هذا العار ، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين ، الذين يستنبطون الأحكام قبل أن يتثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، ويقيسون ويجتهدون برأيهم علي غير أساس صحيح ، فقال في كتاب الرسالة بشرحنا وتحقيقنا :" ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة ، والله أعلم ، وكان بخطئه غير معذور إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه ." ... من كلام الشافعي .

ومعني هذا واضح : أن المجتهد في الفقه الإسلامي ، علي قواعد الإسلام ، لا يكون معذورا إذا ما كان اجتهاده علي غير أساس من معرفة وعن غير تثبت في البحث عن الأدلة من الكتاب والسنة ، حتى لو أصاب في الحكم ، إذ تكون إصابته مصادفة ، لم تبن علي دليل ، ولم تبن علي يقين ، ولم تبن علي اجتهاد صحيح .

أما الذي يجتهد ويتشرع !! علي قواعد خارجة عن قواعد الإسلام ، فإنه لا يكون مجتهدا ، ولا يكون مسلما ، إذا قصد إلي وضع ما يراه من الأحكام ، وافقت الإسلام أم خالفته ، فكانت موافقته للصواب ، إن وافقه من حيث لا يعرفه ، بل من حيث لا يقصده ، غير محمودة ، بل كانوا بها لا يقلون عن أنفسهم كفرا حين يخالفون ، وهذا بديهي .

وليس هذا موضع الإفاضة والتحقيق في هذه المسألة الدقيقة . وما كان هو المثل الذي نضربه ، ولكنه تمهيد .

والمثل : أنّا نري كثيرا من المسلمين الذين عهد إليهم بتنفيذ هذه القوانين والقيام عليها ، بالحكم بها أو بالشرح لها أو بالدفاع فيها ، نراهم مسلمين فيما يتبين لنا من أمرهم ، يصلون ويحرصون علي الصلاة ، ويصومون ويحرصون علي الصوم ، ويؤدون الزكاة ويجودون بالصدقات راضية نفوسهم مطمئنين ، ويحجون كأحسن ما يحج الرجل المسلم ، بل نري بعضهم يكاد يحج هو وأهله في كل عام ، ولن تستطيع أن تجد عليهم مغمزا في دينهم من خمر أو رقص أو فجور ، وهو فيما يفعلون مسلمون مطمئنون إلي الإسلام ، راضون معتقدون عن معرفة ويقين .

ولكنهم إذا مارسوا صناعتهم في القضاء أو التشريع أو الدفاع ، لبستهم هذه القوانين ، وجرت منهم كالشيطان مجري الدم ، فيتعصبون لها أشد العصبية ، ويحرصون علي تطبيق قواعدها والدفاع عنها ، كأشد ما يحرص الرجل العاقل المؤمن الموقن بشيء يري أنه هو الصواب ولا صواب غيره ، وينسون إذ ذاك كل شيء يتعلق بالإسلام في هذا التشريع ..

فهؤلاء الثلاثة الأنواع : المتشرع والمدافع والحاكم . يجتمعون في بعض هذا المعني ويفترقون ، والمآل واحد .

أما المتشرع: فإنه يضع هذه القوانين وهو يعتقد صحتها وصحة ما يعمل به ، فهذا أمره بين ،وإن صام وصلي وزعم أنه مسلم .

وأما المدافع : فإنه يدافع بالحق والباطل ، فإذا ما دافع بالباطل المخالف للإسلام معتقدا صحته ، فهو كزميله المتشرع . وإن كان غير ذلك كان منافقا خالصا ، مهما يعتذر بأنه يؤدي واجب الدفاع .

وأما الحاكم: فهو موضع البحث وموضع المثل . فقد يكون له في نفسه عذر حين يحكم بما يوافق الإسلام من هذه القوانين ، وإن كان التحقيق الدقيق لا يجعل لهذا العذر قيمة .

أما حين يحكم بما ينافي الإسلام ، مما نص عليه الكتاب أو السنة ، ومما تدل عليه الدلائل منهما ، فإنه علي اليقين ممن يدخل في هذا الحديث : قد أمر بمعصية القوانين التي يري أن عليه واجبا أن يطيعها أمرتْه بمعصية ، بل بما هو أشد من المعصية : أن يخالف كتاب الله وسنة رسوله ، فلا سمع ولا طاعة ، فإن سمع وأطاع كان عليه من الوزر ما كان علي آمره الذي وضع هذه القوانين ، وكان كمثله سواء) ..من كلام أحمد شاكر .

وليس معني أن العلمانيين الذين يصدون عن منهج الله مرتدون خائنون لأمتهم وتاريخهم وثقافتهم أن نثور عليهم ، فليس من لوازم كفر الكم الخروج عليه كما سنبين .

لكني أريد أن أقول بأن البعض قد يتهم القاضي والعلامة المحدث أحمد شاكر بالتشدد لأنه كبير السلفية في عصره ونقول لهم : الرجل كان قاضيا كبيرا ولا يتكلم إلا عن فطنة وفهم . ولا يوجد من علماء الإسلام حنبلي كان أو أشعري ، مالكي أو شافعي لم يكفر أولئك القوم الذين كفرهم شاكر.

فهم عندنا كالبهائيين والقرآنيين وأشد جرما ، ويا ليتهم حكموا بقوانين أوربا في كل شيء كالحرية وتداول الحكومات إذن لسقطوا في أول انتخابات نزيهة لكنهم أخذوا من أوربا بعدها عن الدين وعلمانيتها فقط وتركوا حريتها وتقدمها وحضارتها .

ويقول الشيخ محمد الغزالي - 1416ه / 1996م - في هذا السياق في كتابه " مشكلات في طريق الحياة الإسلامية ":( ذكر لي صديق ثقة أن رجلا أمريكيا دخل الإسلام بعد دراسة متعمقة ، ثم قادته الأيام إلي بلاد الإسلام في عمل ما ، وعاد الرجل مذعورا يقول : الحمد لله الذي عرفني الإسلام قبل أن أري المسلمين ..!

إنه توجد ردة جزئية في بعض بلاد المسلمين ، وفي بعض آخر تقصير مكشوف ، كما يوجد جهل فاضح في أرجاء كثيرة .

وهناك نهضة مخلصة ينقصها الفقه والتجربة ، ونهضات صادقة يخونها الرسميون من علماء الدين أو يتثاقلون في نصرتها .

وهناك نفر من الحكام يحبون الإسلام حبا جما ، ولا يدرون كيف يخدمونه !

وهناك حكام عالنوا بتأييدهم للعلمانية ، ولسياسة المرتد التركي مصطفي كمال ..! ) انتهي من كلام الشيخ الغزالي .

فالغزالي يصارح بردة أتاتورك والعلمانية من ورائه، وإنه لمن المحزن أن عصبة من حكام ديار الإسلام أشد بغضا للدين وطمسا لشعائره من أتاتورك هذا .

والعلامة المحدث عبد الفتاح أبو غدة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا كفر أتاتورك أيضا لعلمانيته فقال في كتابه " العلماء العزاب الذين آثروا العلم علي الزواج " ، وهو يترجم للشيخ سعيد النورسي : ( وله مواقف مشرفة باهرة مع الحكام والقضاة ومع الطاغوت مصطفي كمال ، انتصر فيها علي أعداء الدين ) اه ، ونقل كلام النورسى نفسه : ( فإنهم لو جندوا الدنيا بأسرها ضدنا ، فلن ننهزم ولن نغلب بعون الله وقوة القرآن ..، ولا يمكن أن نسلم القياد لأولئك المرتدين والملاحدة والزنادقة بأي حال من الأحوال ..)

ولقد وقفت للعلامة الخضر حسين التونسي شيخ الجامع الأزهر علي نحو هذا الكلام ، فقال في كتابه "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" : ( إن تصرف النبي صلي الله عليه وسلم في مثل الجهاد والزكاة والجزية والغنائم يستند إلي صريح القرآن ، فلا مفر لمنكره من الوقوع في حمأة الإلحاد . ولا أراني في حاجة إلي نقل شيء من نصوص الراسخين في علم الشريعة وفتواهم بأن من أنكر حقيقة معلومة من الدين بالضرورة فقد انقلب علي عقبه مدبرا عن الإسلام ، ولا يحق له بعد ذلك الإنكار أن يتأثم من المسلمين إذا طرحوه من حساب أولياء دينهم الحنيف .)

واعترض مفكر الإسلام محمد عمارة في كتابه "مسلمون ثوار" علي كلام الخضر حسين التونسي في تكفير علي عبد الرازق فقال :(والشيخ الخضر رغم مجيء كتابه نموذجا في أدب البحث والجدل والمناظرة ، وتميزه بالعفة والترفع عن إلقاء التهم جزافا إلا أنه استخدم عبارة " الوقوع في حمأة الإلحاد " علي نحو يوحي بأنه يتهم بها الشيخ علي عبد الرازق !..

ونحن رغم رفضنا للفكرة المحورية والجوهرية لكتاب " الإسلام وأصول الحكم " ، وإيماننا بخطر الكتاب علي التوجه الفكري للأمة الإسلامية ، ومعرفتنا بالتأثير الذي أحدثه في دعم العلمانية الغريبة عن المناخ الإسلامي والفكر الإسلامي .. رغم ذلك ، إلا أننا ننكر استخدام ألفاظ من مثل الكفر أو الإلحاد في وصف الاجتهادات الخاطئة بميدان الفكر السياسي الإسلامي بوجه عام .

لقد استقر الرأي في علم الكلام الإسلامي علي أن مباحث [ الخلافة – الإمامة – الدولة ] هي من الفروع ، وليست من عقائد الدين ولا أصوله ومن ثم فإن الخلاف والاختلاف فيها أليق به أوصاف : الخطأ والصواب ..) .

قلت : ومحمد عمارة لم يفهم كلام الخضر حسين ولم يع مراده ، ولم يفهم كذلك كلام علماء الأمة في كون الإمامة من الفروع الفقهية لا من الأصول العقدية .

ولكي يستبين الأمر أقول :

إنكار حديث من أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم من قبل المجتهد لأمر ظهر عنده كأن يكون حديث آحاد خالف نص قرآني لا يمكن معه الجمع ، أو أن هذا المجتهد يشترط اللقاء بين الراويين ليس مجرد المعاصرة كما هو مذهب مسلم ، أو أن الحديث انتفي فيه أي شرط من شروط الصحة التي اختلف فيها العلماء .

هذا المجتهد المنكر للحديث لا يجوز عده كافرا أو فاسقا وهذا أمر بديهي يعرفه طلبة العلم . ولكن إذا جاء رجل يدعي الاجتهاد وينكر السنة بكليتها والأحاديث بجملتها كما زعم القرآنيون فهو كافر لا ريب في كفره وهذا أمر مجمع عليه أيضا .

كذلك الإمامة أو الخلافة فمن اجتهد في كيفيتها وماهيتها والتماس الأصلح والصواب لها فلا ضير بل الأصل فيها ذلك كما قلنا وسنقول ، فالنصوص التي وردت فيها مجملة وللعلماء أن يستنبطوا منها حسب اختلاف العصر والمكان . ولكن إذا جاء رجل وأنكر الخلافة بالكلية ونفاها جملة وقال لا يوجد شيئا اسمه إمامة فهذا كافر لا شك في كفره أيضا حيث أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

وهكذا لم يخالف أحد من علماء الإسلام بكل طوائفهم ومشاربهم في كفر من اعتنق العلمانية أو آمن بها وعمل علي إذاعتها والدعوة إليها ، وكذلك كل من عمل علي فصل الدين عن الدولة فالقضية ليست قضية مصطلح إنما هي مضمون وجوهر . والله أعلم .

ولقد صنف شيخ الإسلام مصطفى صبري كتاب " النكير علي منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة ": يرد فيه علي الكماليين ومقتضي كلامه تكفيرهم . وهذا الكتاب نشره الدكتور مصطفي حلمي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة بعدما انتحله وغير عنوانه إلي " الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية " وطبعته دار الدعوة بالإسكندرية التابعة للإخوان المسلمين .


كما حدثني بذلك شيخنا الدكتور منشاوي عبد الرحمن أستاذ الفلسفة بدار العلوم وهو أقرب الناس إلي الدكتور مصطفي حلمي لأن مصطفي حلمي هذا أشرف علي رسالة منشاوي . وقال لي منشاوي بأنه أخبرمصطفي حلمي بجسامة ما فعله من تغيير عنوان كتاب شيخ الإسلام لكن مصطفي حلمي لم يتدارك الأمر في طبعات الكتاب اللاحقة . ولم أقف علي طبعة دار الدعوة لكني وقفت علي طبعة دار ابن الجوزى في القاهرة الذي قدم لها العلامة المحدث محمد بن إسماعيل المقدم صحبه الله .

الغرب يتخلي عن العلمانية

يقول الدكتور معتز سلامة وهو يحلل ميول جورج بوش الدينية: تمثل الميول الدينية للرئيس بوش أحد الأبعاد المهمة في تناول المؤثرات الرئيسية في شخصيته ، والمفاتيح التي يمكن من خلالها تناول إدارته . فلقد أثر الدين والإيمان في الرئيس بوش وإدارته من نواح عديدة وقد اعتبرت مجلة نيوزويك إدارة الرئيس بوش أكثر الإدارات القائمة علي الإيمان في العصور الحديثة . ويشار في هذا الصدد إلي فلسفته بشأن مبدأ المحافظية الرحيمة compassionate conservatism ، وتبنيه المستمر لما سُمي بالمبادرات العقائدية أو القائمة علي الإيمان

faith _ based initiatives ، والبرامج الإيمانية faith_based programes ، والجماعات العقائدية أو الإيمانية faith_based groups .

وهو أمر تواصل واستمر طوال مدتي إدارتيه .

وتعود جذور النزعة الدينية للرئيس بوش إلي عام 1986م حينما كان مبتدئا عهده كحاكم لولاية تكساس حيث جند إليه مستشاره السياسي كارل روف عددا من المفكرين الأكاديميين الذين أثروا فيه فلسفيا وأيديولوجيا منهم مارفين أولاسكي وميرون ماجنيت وستيفين جولد سميث وآخرون ، وهؤلاء هم الذين طرحوا أفكارا جديدة آثرت في التطور الأيديولوجي لبوش وقدموا استراتيجيات حيوية من أجل تحقيق المحافظية الرحيمة التي هي الأساس الفلسفي النهائي لسياسة عامة عرفت بسياسة المبادرات العقائدية أو القائمة علي الإيمان والتي اعتبرها بعضهم تحولا استراتيجيا في تفكير البيت الأبيض بشأن تحويلات العلاقة بين الكنيسة والدولة من علاقة تقليدية قائمة الفصل إلي علاقة جديدة تتسم بالتعاون ، ما يراه بعضهم علي أنه تعترضها مشكلات وصعوبات دستورية وقانونية حيث إنها تضع الكنيسة والدولة في مسار تصادمي وتنتهك حائط الفصل بينهما .

وكان بوش قد ارتبط بدوائر الدين المسيحي مبكرا من خلال القس بيلي جراهام مؤسس وزعيم منظمة شبان المسيح التي كان لها قصب السبق في صعود اليمين الديني ، ومن خلال صديقه القس توني إيفانز مؤسس المنظمة الأصولية المسماة حُفّاظ الوعد . وقد آمن بوش وإيفانز بعقيدة التدبيرية dispensationalism، بمعني أن التاريخ الإنساني يسير وفق تدبير إلهي ، وبفكرة التمكن (dominationism) ، بمعني أن يتمكن الأخيار – شعب الرب – من القوة علي الأرض لتخليص العالم من الأشرار .

وأصدر مذكرة في اليوم الأول لتوليه الإدارة في 20 يناير 2001م تعهد فيها بأن يُتيح للجماعات العقائدية القائمة علي الإيمان حرية الحركة من أجل تلبية الحاجات الاجتماعية وعلي الرغم من أنه تعهد بعدم تمويل المبادرات والأعمال والجماعات والبرامج العقائدية من الحكومة ، والتزام الدستور الأمريكي في ذلك ، فإنه أكد ضرورة عدم التمييز ضد هذه الأعمال مؤكدا أن الجماعات الدينية ستقف مع قاعدة متساوية مع المنظمات العلمانية ، وتعهد بسماع صوتها في المداولات وإشراكها في المناقشات . وعلي خلاف غيره من الرؤساء الأمريكيين لم يسع الرئيس بوش إلي إخفاء معتقداته ، فلم يترك مناسبة إلا وأبدي إشارات إلي إيمانه وتدينه ، وميزت سلوكياته الدينية مجمل إدارته ، وانعكست في الجلسات الرسمية والاجتماعات البينية التي كانت تبدأ بتراتيل من الكتاب المقدس بما فيها اجتماعات مجلس الأمن القومي. وكان أغرب ما كشف عن تفضيلاته الإيمانية ما أعلنه خلال المناظرة الرئاسية الجمهورية المتلفزة في "ديس موينز" ب "آيوا" في 13 ديسمبر 1999م حين طرح السؤال علي جميع المرشحين الرئاسيين المشاركين : من هو الفيلسوف أو المفكر السياسي المقرب إليك ، ولماذا ؟ وعلي خلاف أغلب المرشحين الآخرين ، الذين ذكروا رؤساء أمريكيين سابقين ورموزا سياسية أخري ، أجاب بوش أنه "المسيح" ، لأنه غير روحي وأشار إلي أنه يُعتقد أنه لكي يدخل الجنة يجب أن يكون مسيحيا .

ولا شك في أن التماس بوش للقيم الدينية ساعده في الإنتخابات العامة . وقد كشف استطلاع لمعهد جالوب عن أن الذين قالوا إنهم يأتون إلي الكنيسة أسبوعيا أعطوا 56% من أصواتهم للرئيس بوش في انتخابات عام 2000م وأنهم أعطوا 63% من أصواتهم في انتخابات عام 2004م ، وقد انعكست النزعة الإيمانية لبوش أيضا علي اختياراته طاقم البيت الأبيض وطاقمه الوزاري وأعضاء فريقه في البيت الأبيض ، حيث مضي الميل الديني له إلي ما وراء الخطابة والرمزية . فأي تدقيق من كثب يكشف عن التلوينة الدينية المميزة لكل من البيت الأبيض ومجلس الوزراء في ظل الرئيس بوش . وقد كان الدينيون التقليديون مسرورين باختيارات بوش . فكثير من فريق موظفيه في البيت الأبيض تمت مراقبتهم دينيا علي نحو تام ، فكاتب خطاباته السابق ، ديفيد فروم ، يهودي كندي ذو نزعة علمانية ، وكبير كاتبي الخطابات ، مايكل جيرسون ، إنجيلي بروتستانتي متدين ، وزوجة رئيس موظفي البيت الأبيض ، أندروكارد ، مسئولة في الكنيسة الميثودية ، والمستشارة الرئاسية ، كارين هيوز ، ناشطة في الكنيسة المشيخية ، ومستشارة الأمن القومي ، كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية فيما بعد ) هي ابنة راعي كنيسة ومسيحي متدين .. والقائمة طويلة . بل حتى أعضاء فريق بوش من الأقليات ، مثل اليهود ، مالوا لأن يكونوا متدينين .

ويتضمن مجلس الوزراء كل الجماعات المسيحية الأمريكية أيضا ، من وزير الخارجية ، كولن باول ، الأسقفي النشيط ، إلي وزير التعليم ، رود بياج ، المعلم في مدرسة الأحد المعمدانية ، وهو الشماس والكتابي ، إلي وزير التجارة ، دون إيفانز ، وهو ميثودي متدين وشريك قديم للرئيس بوش في دراسة الكتاب المقدس .

وعلاوة علي ذلك فإن بعض المعينين جذبوا الانتباه لهذا السبب علي وجه التحديد ، علي سبيل المثال أثار تعيين جون أشكروفت ، مدعيا عاما جدلا هائلا ، حيث شكك الليبراليون العلمانيون والدينيون فيما إذا كان متدينا خمسينيا يمكن أن يُطبق القوانين الفيدرالية ، بينما اعتبر الإنجليكانيون تعيينه اختبارا للالتزام الأخلاقي لبوش . كما عين الرئيس كاثوليكيين تقليديين في مناصب في مجلس الوزراء في الإسكان والتنمية الحضرية ، والصحة والخدمة الإنسانية ، وشئون المجندين المتقاعدين أيضا . وعلي الرغم من أن إدارة بوش تميزت بغياب اليهود من مجلس الوزراء ، فإن الجماعات اليهودية تمتعت بدرجة مثيرة من القدرة علي الوصول إلي البيت الأبيض في ظل إدارة بوش ، بسبب انفتاح أعضاء الفريق الإنجليكانيين الموجودين .

فلكل عاقل أن يتنبه أن المسلمين فقط مطلوب منهم التخلي عن دينهم ، وألا يحشروا الدين في السياسة بينما الغرب الذي زرع في أذناب عندنا هذه المفاهيم فلا .

وأذكر أن العلامة مفكر الإسلام الدكتور عبد الصبور مرزوق رحمه نشر في مجلة منبر الإسلام منذ برهة بعنوان أمريكا يحكمها اليهود فهل من مدكر ثم ساق براهينه وأدلته بأسلوب غاية في المتانة .

ولقد وقفت علي هذا المعني الذي سقناه للصحفي الأمريكي جون ستيل جوردون في كتابه إمبراطورية الثروة قال :" فإن معظم الذين وفدوا إلي ما يُسمي الآن بالولايات المتحدة وهم كلهم من الإنجليز قد جاءوا لتسيير شئون حياتهم الخاصة من دون قيود ، ليُمارسوا عباداتهم ويُحسنوا ظروفهم الاقتصادية معا في تلك البلاد التي اعتبرت علي مر القرون أرض الفرص . إذ ليس من قبيل المصادفة في هذا المقام أن تكون الولايات المتحدة أكثر الأمم تدينا علي وجه الأرض وأكثرها علمانية أيضا ، أكثرها تمسكا بالعقيدة وأكثرها حبا للتجارة .

وكذلك الكاتبة العلمانية الدكتورة نوال السعداوي بعدما تحدثت في جريدة المصري اليوم 14 / 9 / 2009م = 24 رمضان 1430 عن سيطرة رجال الدين علي الدولة – مصر – في منظورها قالت : وهذا ليس في مصر وحدها ، بل إن الولايات المتحدة نفسها تعاني من التيارات الأصولية المسيحية واليهودية ، والتي تسيطر علي الحياة السياسية الأمريكية .


مفكرو النصارى ينقدون العلمانية

وأنقل لك حوارا مع أحد رموز المفكرين الأقباط وهو ينقد العلمانية نقدا علميا هادئا قائما علي الحجة والبرهان ، ولترى كذلك كيف ينظر إلي المشروع الإسلامي ويعتبره البديل الوحيد لنهضة هذه الأمة:

  • لماذا يرى بعض الأقباط أن المشروع الحضاري الإسلامي تكريس للطائفية ؟
دعني أشير إلى أنه في مناخ الاندماج بين مكونات الجماعة الوطنية- مثل ما حدث في الفترة المزدهرة لحزب (الوفد)- لن تجد مثل هذا الانطباع، فمثلاً سنجد أن خطاب مكرم عبيد- السياسي القبطي- يؤكد الانتماء إلى العروبة والحضارة الإسلامية في خطابه السياسي، وعندما نلجأ إلى الحل الطائفي يكون مِن شأن ذلك شيوع التمييز بين الهويات.. الأمر الذي يدفع الأقباطَ للدِّين والكنيسة كحلٍّ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ لهم تكون فيه الثقافةُ الفرعيةُ الطائفيةُ هي الإطارَ الأخيرَ، مع إهدار الإطار الحضاري الجامع الذي ينظرون إليه بحسبان الانضواء تحت رايته انتقاصًا من هويتهم؛ لأنه يرى قيمة ما تعارض أن يذوب سياسيًّا مع المجتمع.
ولذلك هناك نوعٌ من الامتناع عن هذا الامتزاج والانضواء لدى عامة الأقباط، وربما هذا يدفعه لأن يرى المسلمون حضارتَهم تختلف عن حضارة القبط، وأن الدولة المصرية تحوي أكثر من حضارة؛ لذلك أنا أرى أن امتناع الأقباط عن الحوار حول المشروع الحضاري الإسلامي أمرٌ في منتهى الخطورة؛ لأننا قبل أن نشرع في تمييز هويتنا بهذا الشكل علينا أن نراجع تاريخَنا الحضاري الذي يؤكد أن قيمنا واحدةٌ، وبالتالي التمييز الحادث الآن يخضع لأسباب ليس لها علاقةٌ بأن هناك تمييزًا اجتماعيًّا فعليًّا في المجتمع، بل هو أمرٌ مختلقٌ؛ وذلك لأسباب اجتماعية وسياسية، ولا يوجد تمييز حقيقيٌّ في القيم الاجتماعية الحاكمة للمسلم والقبطي؛ ولهذا أرى أن ابتعاد الأقباط عن الحوار مع المشروع الحضاري الإسلامي وفي نفس الوقت محاولاتهم تأييد المشاريع العلمانية يعني أنهم يريدون الحفاظ على هوية مستقلة لهم، وهذا تكريسٌ لمسألة الطائفية.
  • لكنْ هل المشروع الحضاري الذي يقدمه الإخوان قادرٌ على استيعاب الأقباط ؟
بظهور المشروع الحضاري الإسلامي في تاريخ الحركات الإسلامية تستطيع أن تقول إنه تم تأسيس الإطار الجامع للمسلمين والأقباط، بالطبع إذا ما استثنينا الفترات التي كانت فيها الحركات الإسلامية تخص نفسَها بالدفاع عن الشريعة الإسلامية، وهذا حقُّها؛ لأن المشروع كان يخص شأنًا إسلاميًّا دينيًّا، وليس موجَّهًا ضد الأقباط ولا يخصهم، ولكن عندما توسع المشروع بكتابات كثيرة على المستوى الفكري والحركي لدى العديد من المفكِّرين الإسلاميين ولدى الإخوان المسلمين المشروعُ الحضاريُّ الإسلاميُّ باعتبارِه مشروعًا نهضويًّا؛ حيث صرنا نتكلم عن قيم الأمة وتقاليدها والاتجاه نحو تعميق هويتها الوطنية والحضارية، أي أننا نتكلم في واقع الأمر عن المسلمين والأقباط، والخصوصيات الثقافية والحضارية لكل منهما.
  • الحاصل عكس ذلك ؛ حيث يرى بعض الأقباط أن تغريب مصر وعلمنتها هو الوسيلة المثلى لحفظ كيانهم، وبالتالي لا يرون غضاضةً في أن يكونوا ورقةً في يد بعض العلمانيين لتحجيم المشروع الإسلامي؟!
من المهم تذكُّر أن التيار العلماني في مصر استخدم ورقةَ الأقباط عارضًا عليهم مناصرةً بلا شروط، واستجاب الأقباط والقيادة الكنسية، التي وجدت أنه من الممكن التعاون فيما بينهم .
التيار العلماني في مصر لم يدرك رؤية الأقباط لمفهوم ذلك التعاون، فالتيار العلماني ينادي بعلمنة مصر كلها، والأقباط يؤيدون فقط علمنة الدولة والنظام العام؛ بحيث لا تمتد العلمنة للكنيسة؛ حيث لا يمكن علمنة المؤسسة الدينية، والعلمانية على هذا النحو بالنسبة لهم حمايةٌ لهويتهم الطائفية مع ضمان نقاء المؤسسة الدينية الحاضنة لهم؛ لأنها غير قابلة في أصولها التراثية للعلمنة، إلا أن هذا التعاون في هذا السياق لا يمكنه الاستمرار، لا سيما مع ظهور إشكالياتٍ قبطيةٍ طائفيةٍ ودينيةٍ كما حدث في أزمة فيلم (بحب السيما)
وهي المواقف التي لا تعجب العلمانيين بطبيعة الحال؛ حيث شرعوا في الحديث عن التطرف داخل الأقباط، وبدا أن طرفي التعاون (العلمانيين والأقباط) لكل منهما مشروعٌ مغايرٌ، وبالتالي حتى في مسألة أن بعض الأقباط قد يؤيدون التدخل الخارجي سنجد أنهم غير مستعدين أن تتسرَّب لهم القيمُ الغربيةُ؛ لأنهم متدينون محافظون، ولديهم تقاليدهم الكنسية الخاصة، وبالتالي يتعاملون مع التدخل الخارجي بوصفه فقط عاملَ ضغط على الدولة لتحقيق مطالبهم، وهي رؤيةٌ قاصرةٌ غير مدركةٍ لخطورة هذا الأمر.
  • لمـــاذا؟
لأن التدخل الخارجي يهدف إلى تغريب مصر كلها، وإلى كسر المسيحية المصرية وفتحها للاختراق والتغلغل من قِبَل المسيحيةِ الغربية، وبالتالي لكل طرف أجندته الخاصة؛ فالغرب ليس قوات تحرير فقط إنما لديه مشروعٌ وفكرةٌ يتحدث عنهما دون مواربة، وعندها ستصبح علمنة الدولة المصرية بالضغط الخارجي مرحلةً أولى تعقبها علمنةُ باقي المؤسسات المصرية وعلى رأسها الكنيسة؛ حيث ستكسر بتقاليدها التاريخية والتراثية، فالتدخل سيَضرب مصر، أقباطَها قبل مسلميها، وإن التعاون الذي تبحث عنه بعضُ فئات الأقباط- أيًّا كان عددها- هو لصالح الغرب الأقوى والمتربِّص؛ حيث سيمكِّنه ذلك من التحكم في الجميع.


  • تبدو من وجهة نظرك أهمية الحفاظ على وجود الكنيسة المصرية بعيدًا عن التدخلات المذهبية الغربية؟
من مبادئ العمل السياسي في المشروع الحضاري الإسلامي عدم قبول أي هجوم على العقيدة المسيحية أو انتقاص لدور الكنيسة؛ لأن هذا المشروع أساسًا قائمٌ على حماية الدين .
  • ومع ذلك ثمة حساسية تبدو عند الأقباط من الإخوان؟
في مرحلة اللجوء إلى الدين وبداية الوعي عند الجماعة القبطية بشكلها الجامع والمانع للغير لاحَ لها أن كلَّ الحركات الإسلامية ستؤدِّي إلى "أسلمة" الدولة والوصول إلى الحكم، وهذا أمرٌ لا يمكن قبوله داخل مشروع طائفي يعتمد أصلاً على تعريف طائفي لمجموعةٍ من الناس والتأكيد على تميزه؛ حيث يصبح اتجاه هذه الفئة أميل لإظهاره، ومن ثَمَّ عندما يوجد في المقابل لها حركاتٌ إسلاميةٌ أو جماعاتٌ دينيةٌ حركيةٌ أو مؤسساتٌ ليس لديها مشروعٌ لتغيير نظام الحكم وليس لديها برنامج عمل سياسي سيكون تخوفها شبه منعدم وغير ذي بال؛ حيث سيكون هناك جماعتان: إحداهما تُعرِّف نفسها بأنها إسلاميةٌ وأخرى بأنها قبطيةٌ، وكل منهما تحاول تأكيد مكانتها، وأغلبية الأقباط - ولأكُنْ صريحًا- يرون أن المشاريع الإسلامية التي تتبنَّاها الحركاتُ الإسلامية تعني تغييرَ نظام الحكم وبصيغةٍ إسلاميةٍ، وهو ما يرونه مؤثرًا سلبيًّا على وجود الطائفة المسيحية، ومن ثَمَّ يرفضون أيَّ حوار أو تعامل معها بحجة أن هذه الحركات خطرٌ على هوية الجماعة القبطية .
  • وهل هذا الخوف يمتد إلى الشريعة كمطلب أساسي للحركات الإسلامية؟
الحقيقة أن الظروفَ الحاليةَ ومع اتجاهات الأقباط التي عرضناها وفي ظل دولة مستنيرة وحركات إسلامية وتدخل من الخارج ونزعة للتعصب من المسلمين والمسيحيين عامةً في مصر منذ زمن.. أدَّى كل ذلك إلى عدم وجود أي مساحة لإعادة تفهمات سابقة في الخبرات القبطية الإسلامية قامت في ظروف تاريخية معينة؛ حيث إن الشريعة الإسلامية ظلت مطبَّقةً في الفترة الأكبر تاريخيًّا ولم تهدر وجود الأقباط، ولكن الآن- ودعنا نعترف- يظن بعض الأقباط أن تطبيق الشريعة الإسلامية يهدر إيمانَهم بعقيدتهم، وعندما يستشري هذا الإحساسُ فمعنى ذلك أننا تركنا الخبرة التاريخية وانقسمنا في مناخ الاحتقان الطائفي.

قبطـي في ظل الشريعـة

  • وكيف ترى الشريعة وأنت المسيحي المخلص لعقيدته؟
القاعدة الأساسية في تطبيق الشريعة الإسلامية- وعلى مدى قرون طويلة استمرَّت- هو أنه لا يجوز تطبيقُها على المسيحيين فيما يتعارض مع عقيدتهم، وتُطبَّق عليهم فيما لا يتعارض مع عقيدتهم؛ لهذا يصبح موقف القبطي من الجوانب التي لا تتعارض مع العقيدة الإسلامية يماثل موقفه من أي قانون آخر؛ حيث يكون إقرار القانون بالأغلبية البرلمانية، أي من خلال الإجماع والاتفاق، ومن المهم أن تلاحظ مع ذلك أن هذه القاعدة تخص الشريعة الإسلامية والحضارة الإسلامية دون غيرها من القوانين والحضارات، وهذه هي المرجعية الوحيدة التي عرفها التاريخ البشري التي تسمح بالتعددية القانونية لأبناء دولة واحدة.
وعندما يؤيد الأقباط المشروعَ العلماني فمعنى ذلك عدم تطبيق تلك القاعدة الخاصة بالتعددية القانونية، فالنظرة العلمانية تؤكد المساواة التماثلية، وعليه فإن تطبيق النظام العلماني سيؤدِّي إلى تطبيق قانون واحد للزواج والطلاق، وهو ما يعني أن هذا القانون سيكون معبرًا عن عقيدة الأغلبية أو سيكون قانونًا علمانيًّا مدنيًّا لا يراعي القواعد الدينية، فقد تحقق للمسيحيين العرب تطبيق عقيدتهم في أمور الزواج والطلاق بفضل تطبيق الشريعة الإسلامية التي تقبل التعدد، وبالتالي تصبح مطالبة الأقباط للعلمنة بهذا الشكل كسرًا للعقيدة المسيحية.
  • بالطبع فالعلمانية الغربية لا تعرف المبدأ الأصولي "دعهم لما يدينون"؟
وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع؛ لأن المشروعَ العلماني لا يقبل أي تعددٍ قانوني، مهما كانت أي خصوصية ثقافية أو دينية لأي جماعة تعيش على أرض أي دولة غربية، ومسألة الحجاب في فرنسا من أبرز هذه المسائل، فأي فتاة مسلمة تحمل الجنسية- أي مواطنة- غير مسموح لها أن تلبس زيًّا تراه يناسبها؛ لأنه فقط يُظهر خصوصيتَها الثقافية أو الدينية، فما بالنا بتطبيق قانون خاص بأقلية موجودة على أرض فرنسا .
إن تراثنا القانوني الذي تنفرد به ثقافتنا حدَّد أنه في حالة اختلاف الطرفين فمردُّ كل طرف لعقيدته، وإذا تركنا نقاط الاختلاف الضيقة وتحركنا صوب الجانب الرحب من الشريعة ووقفنا أمام فقه المعاملات والبيوع والنظام الاقتصادي سنجد أنه لا فرقَ داخل هذه الجوانب بين مسلم ومسيحي، بالعكس فما أفرزته الذهنية الفقهية قدَّم قيمًا ومبادئَ تتجانس مع القيم الحضارية المصرية والعربية؛ لأنك عندما تتفرَّس قواعد المعاملات وضوابط البيع والشراء التي هي ضوابطُ إسلاميةٌ ستجدها في أصولها وجوهرها هي نفس القيم والضوابط التي كانت تحكم المسيحي المصري وهي أيضًا نفس القيم الممتدة المنتجة عبر حضارتنا على تاريخها الطويل، وهذا الاستمرار والتواصل في القيم هو سر هذه الأمة وهو منبع قوتها .
في البداية نؤكد على أن العلاقة بين الدين والسياسة لم تغِب في حضارتنا، بل تبدأ جذورُها من الحقبة الفرعونية، فالأصل في الحضارة العربية الإسلامية وفي الثقافة المصرية أن الحياة من خلال الإطار الحاكم للتعاليم الدينية؛ حيث يصبح الدين منظِّمًا للحياة وبالتالي منظمًا للسياسة، والعلاقة بين الدين والسياسة تقوم على انتظام السياسة في إطار القيم والعقائد والمبادئ والمقاصد الدينية، ونفس الأمر ينطبق على الحياة والنظام العام، حيث تنتظم حياة الجماعة المصرية في إطار القواعد والمبادئ الدينية .
لهذا نؤكد أن دور جماعة الإخوان تركَّز في مقاومة أي محاولة له لتهميش الدين في الحياة والنظام العام؛ ولهذا ظهرت الجماعة بعد إلغاء الخلافة الإسلامية، فهي محاولةٌ لاستعادة النظام التاريخي الحضاري للأمة، وعلينا أن نؤكد أن الوضعية المركزية للدين في الحياة والنظام العام تحافظ على دور الدين في حياة المسلم والمسيحي، فالعلمنة ستكون ضد مكانة الدين في حياتنا جميعًا القبطي والمسلم على حدٍّ سواء .
  • هل استطاع الإخوان أن يقدموا صِيَغًا مقبولةً تحدد سلوكَهم تجاه الأقباط ؟
تجربة الإخوان أثبتت أن الممارسة تتطوَّر لديهم أسرع من الفكر؛ لأن الجهد المبذول في الممارسة أكبر بحكم أنهم جماعةٌ حركيةٌ.. لكن أظن أنهم في العديد من القضايا ومنها هذه المسألة الإطار الفكري للجماعة هام، وبالتالي أرى أن الإخوان يحتاجون إلى مزيد من الجهد والعمل اللذين يظهران إطارها الفكري عامة، ويبلوران مشروعها في صورة أكثر وضوحًا، ومبادرة الإصلاح الأخيرة هي إعلان مبادئ، وكل جملة فيها تحتاج إلى جهد حقيقي لبيان أصولها وتأصيلها؛ مما يجعل المتلقِّي يرى كيف تتكامل هذه العناصر معًا وتمثل مشروعًا واحدًا؛ بحيث يكون هذا الجهد الفكري هو الأساس الذي يفسِّر التجربةَ السياسيةَ الحركيةَ للإخوان، وفي نفس الوقت يكون الإطار المنطقي النظري الحاكم للممارسات المتوقعة، فمن المهم أن يعرف الجميع كيف ستتصرف الجماعة في مواقفَ لم تأتِ بعد.

مدرسـة الإخـوان

  • الإخوان ليسوا فقط حركةً بل هم مدرسة ومصدر لتيارات وأفكار متنوعة ومفكرون غير تنظيميين.. أي أن المشروع الحضاري الإسلامي صار ملكًا للأمة لا لجماعة؟
وأنا أرى من المهم على جماعة الإخوان أن تعمل ليس فقط في إطار التنظيم بل في إطار الحركة والتيار، وأن تتفاعل مع المشروعات الحضارية الإسلامية، وأن تستوعب اجتهادات المفكرين التجديديين وتمتصها وتتبنَّاها، وأنا أعلم جيدًا مدى مساحة الاتفاق بين الإخوان وأطروحات العديد من المفكِّرين الإسلاميين؛ بناءً على خبرات شخصية واحتكاكات خاصة؛ لذا أرى أن على الإخوان ألا يكتفوا في الفترة الراهنة بإعلان البيانات والمواقف، سواءٌ من الديمقراطية أو الأقباط؛ حيث يجب أن يتحوَّل هذا الإعلان إلى برنامج تربوي داخل الجماعة حتى نلمسَ أن عضو الجماعة الفرد وليس القيادة يفهم هذه الأمور ثم يمارسها في حياته، وهذا أمرٌ مهمٌّ أيضًا .
  • لكنَّ داخل جماعة الإخوان تنويعاتٍ فكريةً قد تقبل أو ترفض مثل هذه التحولات.. الأمر الذي يفرض عليها- كما يرى البعض- خيارًا وسطيًّا وعدم الحسم حتى لا يحدث تصدعات تنظيمية ؟
التنويعات داخل جماعة الإخوان ثريةٌ ومهمةٌ، وللأسف الصحافة تستغلها لضرب الجماعة، إلا أنها في النهاية كانت سببًا في ظهور أفكارٍ جديدة ظهرت بشكل إعلامي وأمكنَ التعبيرُ عنها في الممارسة السياسية، ولكن لم تظهر داخل البيئة التربوية للجماعة، في حين أن بعض الأطروحات التاريخية هي المنطلق الأكبر لمقررات عمليات التربية، وأظن أن جماعة الإخوان بتاريخها العريض التنوع داخلها- سواءٌ كان فكريًّا أو عمريًّا- شيءٌ مهمٌّ، وكسر هذا التنوع سيجعلها ضيِّقةَ الأفق .

إدارة الأجيـال

  • إذن المحك كيف تدير الجماعة تنوعها الداخلي لا كيف تقضي عليه ؟
على الجماعة أن تخلق الآليات التي تستطيع عن طريقها إدارة هذا التنوع وكيف تضعه على مائدة الحوار، وعليها أن تُشرِك في هذا الحوار أطرافًا أخرى متعاطفةً مع الجماعة ومتقاطعةً مع مشروعها الفكري لنخرجَ في النهاية بثمرةٍ فكريةٍ تصير منهجًا ثابتًا ومَرِنًا وملهمًا لأطروحات التربية وإطارًا فكريًّا حاكمًا للحركة.
  • هل تلمِّح إلى ضرورة وجود أقباط فاعلين داخل مشروع النهضة الذي يقدمه الإخوان ؟
داخل المشروع الحضاري الإسلامي لا يوجد ما يمنع أن يكون هناك مفكرون من الأقباط يسهمون في المشروع، وأعتقد أن هذا ضرورة، وهو إسهامٌ مهمٌّ، ولي شخصيًّا خبرةٌ في هذا المجال، سواءٌ بالكتابة أو الممارسة أو الحوار، ووجدت أنني كقبطي تترآى أمامي جوانب في المشروع الإسلامي قد لا يراها المسلم؛ لأنني أستطيع أن أتعمَّق داخل الجوانب الاجتماعية والحضارية الخاصة بالقيم والتقاليد والعادات التي قد تغيْب عن المفكر الإسلامي المعنِي بتفسير النصوص الدينية، وما يخص الشريعة الإسلامية، وربما تغيب عنه أن هناك تفسيراتٍ اجتماعيةً مهمةً لإعادةِ تشكيلِ هذه الأمةِ ونهضتها، وهذا الجانب بالنسبة للقبطي ولي شخصيًّا كان شديدَ الوضوح؛ لأن هناك تنظيماتٍ وتشكيلاتٍ معينةً في الجانب المتغير من الحياة أرى أنها هي التي من خلالها يمكن أن تفيد النهضة الحضارية للأمة، وبالتالي فميدان المشاركة موجودٌ ورحبٌ بالنسبة للقبطي وإضافته ستكون ثريةً وتكسب المشروعَ تنوعًا وتعددًا يحتاجهما المشروع الحضاري الإسلامي، لا سيما أن العقائد للطرفين مصونة ولا تُمَس .
لكن عندما نتكلم عن جماعة الإخوان فهي بحكم تعريفها ذات نشاط ديني ولها مسئولية وضعتها لنفسها أيام الإمام حسن البنا، فلا يصح أن يكون داخلها عضوٌ غيرُ مسلم، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ لأنها جماعةٌ متعددةٌ أنشطتُها في المجال الديني بالأساس، ولكن تظل دائمًا هناك مساحةٌ لأن تتحاور الجماعة مع الأقباط، وهذا أمرٌ شديدُ الأهمية؛ لأنه ثبَتَ بالدليل العلمي في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية أن الجماعات الحركية- مثل الإخوان- تكتسب تطورًا متميزًا بالاحتكاك، إذن هناك حاجَةٌ ماسَّةٌ للإخوان للاحتكاك، والأقباط في حالة ماسَّة للحوار حتى يندمجوا داخل المشروع الحضاري الإسلامي .
  • وما بديل الحوار والتلاقي؟
خياران: الأول أن تكون لكل طائفة مشروعها، وهو أمرٌ نسأل الله ألا يحدث، والثاني أن تكون للأمة مشروعها، وعند ذلك لن نتكلم عن تعصب أو اضطهاد؛ لأن النضال المشترك يجعل الأقباط ليسوا أهل ذمة، بل يجعلهم مواطنين أصلاء، المسلمون في ذمتهم، كما أن الأقباط في ذمتهم؛ لأنه إذا كنت كقبطي لن أناضل في مشروع حضاري مشترك مع المسلمين إذن على المسلمين حمايتي لتتجلَّى فكرة الذمة مرةً أخرى .

وهكذا نجد أن العلمانية مذهب نقده العلماء وغيرهم من الساسة والمفكرين حتى في الغرب نفسه ، ناهيك علي أنه مذهب نشأ في بيئة غير بيئة الإسلام ، ولكل بيئة بذرتها وهويتها ما ينفعها.


للمزيد عن العلمانية وعلاقة الدين بالسياسة