حادث اغتيال الخازندار فى الميزان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حادث اغتيال الخازندار فى الميزان

موقع إخوان ويكي

مقدمة

المستشار أحمد بك الخازندار ، أحد القضاة المصريين فى النصف الأول من القرن العشرين ، عمل رئيسا لمحكمة استئناف الإسكندرية ثم رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة .

تم اغتياله فى يوم 22 /3 / 1948على يد حسن عبد الحافظ ومحمود سعيد زينهم من أعضاء النظام الخاص للإخوان المسلمين.

بداية نقرر أن هناك فرقا كبير بين الاغتيال السياسى التى قام به الوطنيون فى مصر بدوافع وطنية ضد المصرين الموالين للاحتلال وبين مسوغات القتل فى الشريعة الإسلامية ،

نظرا لأن الاغتيال السياسى يخضع للتقديرات الشخصية التى لا تخلو من الخطأ وسوء التقدير ،

وبالتالى يترتب عليه إزهاق نفس دون سبب شرعى ،أما القتل فى الشريعة الإسلامية فله ضوابط لا تقوم على أهواء الأشخاص وتفسيراتهم ، فلابد أن يقوم على الدليل القطعى لا شك فيه بإدانة الشخص بالفعل لا بالقول بتقديم الدعم الكامل ومساندته لأعداء الأمة الانجليز واليهود فى ذلك الوقت .

والإخوان المسلمون موقفهم واضح فى رفض الاغتيالات السياسية ؛ لأن القتل له أحكام فى الشريعة الإسلامية لا يجوز أن نتخطاها خاصة أن الإخوان يرفعون شعار تطبيق الشريعة الإسلامية ، فلابد من تحكيم شرع الله فى دماء الناس وعدم الانسياق وراء العواطف الوطنية فى قتل الناس لسوء الظن وسوء التفسير ، دون سبب شرعى .

واقرأما كتبه محمود الصباغ أحد قادة النظام الخاص للإخوان المسلمين فى( كتابه حقيقة النظام الخاص) عن قتل أحمد ماهر ورأى الإخوان فى ذلك :

وكان طبيعيًا أن تفكر الحركات الوطنية بأحزابها المختلفة في اغتيال أحمد ماهر باشا لهذه الفعلة الخرقاء ،أما الإخوان المسلمون بصفتهم ملتزمين بتطبيق شريعة الإسلام، فإنهم لم يجيزوا اغتيال أحمد ماهر باشا، إلا إذا أمر فعلاً القوات المصرية، بالاشتراك في الحرب مع أعداء الإسلام المحتلين لأرضه والمعاونين على اغتصاب بقعة من أطهر بقعه أرض فلسطين التي تضم المسجد الأقصى ثاني القبلتين،

وحينئذ فقط يكون أحمد ماهر باشا محاربًا للمسلمين منضمًا لأعدائهم، ويحل طبقًا للشريعة الإسلامية قتله، وقد يكون ما يعزم عليه مجرد مناورة سياسية ، فقد كان للإخوان رأي آخر لا يبيح قتله إلا إذا دخل في حرب فعلية بجانب الإنجليز بدلاً من أن يحاربهم .

ويقول كذلك محمود الصباغ موضحا رأى الإخوان فى قتل أمين عثمان الذى تباهى السادات بأنه كان من المدبرين اغتياله :

وهو من حوادث الاغتيالات السياسية التي أقدم عليها حسين توفيق وأصحابه بدافع سياسي هو الغضب لما أعلنه أمين عثمان باشا من أن زواج مصر وبريطانيا كان زواجًا كاثوليكيا، رغم أنه وزير مصري لا يستقيم من منصبه أن يعلن الرضا عن استمرار احتلال الإنجليز لمصر إلى الأبد،

وهو أمر وإن كان لا يقبله الإخوان المسلمون من وزير مصري إلا أن شريعتهم الإسلامية لا تحل لهم أن يرتكبوا مثل هذا الحادث، لسبب إعلان هذا الرأي ما لم ينضم عمليًا إلى صفوف الكفار لمحاربة المسلمين. وعن رأى الإخوان فى حوادث إلقاء القنابل على سينما مترو ، يقول محمود الصباغ موضحا رأى الإخوان :حوادث قنابل سينما مترو:ارتكب هذه الحوادث شباب من أصحاب الاتجاه اليساري وأدانهم فيها القضاء ومنهم المتهم سعد زغلول المحرر بجريدة الجمهورية.

وهي من حوادث الاغتيالات السياسية لأن الوازع عليها سياسي من ناحية هؤلاء الأفراد الذين قصدوا إرباك الأمن بهذه الحوادث، ولم يفكروا في الضحايا الأبرياء من أبناء الشعب الذين جاءوا إلى السينما لقضاء بعض الوقت للترفيه،

ولكنها في الحقيقة ليست من الأعمال الوطنية ولا الإسلامية، حيث لا يقبل أي حزب من الأحزاب الوطنية أن يقوم بمثل هذه الحوادث، كما أن الشريعة الإسلامية تمنع الإخوان المسلمين من مجرد التفكير فيها.وغير ذلك من الحوداث التى ارتكبت بدوافع وطنية لا يقرها الشرع ويرفضها الإخوان المسلمون ، وتم تمجيد أصحابها لدوافعهم الوطنية .

ويقول الدكتورمحمود عساف فى كتابه :

مع الإمام حسن البنا عن حادث قتل الخازندار: "إن الإخوان كجماعة إسلامية لا تقر الاغتيالات السياسية، وتنظيمهم الخاص كان مُخصصًا لأعمال الجهاد في سبيل الله فهو كتنظيم بريء كل البراءة من هذا الحادث الذي يقع وزره على رئيس النظام وحده، لهذا كان استنكار الإمام لهذا الحادث علنًا أمام إخوانه جميعًا".

والاغتيال السياسى الذى قام به الوطنيون ضد المصريين لا يعنى أنهم مدانون كذلك من الناحية الشرعية مما يستوجب قتلهم ، بل الإقدام على اغتيالهم يهدف إلى إبعادهم عن الوقوف فى وجه الحركة الوطنية التى تسعى إلى إضعاف العدو ، أى أن الهدف الأساسي إخلاء الطريق بينهم وبين العدو ، وبث الفزع والرعب بين جنوده بهدف الوصول إلى حق الأمة الذى يغتصبه العدو .وهى بمثابة رسالة للعدو أنه لن يستطيع أحد أن يحميه على أرض مصر.

الاغتيال السياسى فى مصر ودوافعه الوطنية

حقيقة من آفات الكتابة التاريخية التى تفقد مصداقيتها أن يتم عزل الأحداث عن عصرها وإصدار الأحكام عليها دون تفهم للدوافع إليها، فإن أى فعل لابد له من دوافع وارءه ،ونتائج مترتبة عليه ،ولكى نفهم الحادثة ونقيمة ،

فإننا لابد أن نضعه فى إطارعصره لا أن نحكم عليه اليوم بعد أن تغيرت الظروف ، وتبدلت الأحوال ، ونستمع إلى المشاركين فيه ومعرفة الأسباب التى دفعت إليه.لذلك يجب التعرف على العصر الذى تم فيه الحادث لكى نستطيع أن نضع الأمور فى نصابها .

بداية نؤكد سنة1948 التى تم فيها الحادث شهدت أعنف فترة اغتيال سواء ضد الانجليز أوالمتعاونيين معهم أو ضد المواليين للصهيونية لأهداف وطنية،فمنذ أوائل القرن العشرين قام الشباب الوطنى بعمليات اغتيال للشخصيات المتعاونة مع الاحتلال والمعادية للحركة الوطنية منطلقين فى ذلك من تفسيراتهم الشخصية وأحكامهم الخاصة على مختلف الشخصيات ،

وإذا نظرنا إلى الاغتيالات السياسية أومحاولات اغتيال المصريين المتعاونين مع الانجليز على أنهم خونة نجدها جميعا لا تستند إلا على الآراء الشخصية من وجهة نظرهم التى يعتقدون فى ظنهم تمام الاعتقاد أنهم على الحق.هذه وجهة نظرهم التى تحتمل الصواب والخطأ ،وإن أخطأوا ،فيترتب على هذا الخطأ قتل نفس بريئة لتفسيرات خاطئة ،

ولا يستطيع أحد الطعن فى وطنيتهم، خاصة وأنهم على يقين بأن إقدامهم على هذه الأعمال يكلفهم حياتهم ،وربما قد يكون رأيهم فى غير موضعه الصحيح، لكنه اجتهاد شباب يحب وطنه ويحاول تقديم كل ما يستطيع فى سبيله ،ومن ذلك مثلا :

محاولة الاعتداء الفاشلة على عبد الخالق ثروت .....وفي الوقت نفسه حاول طالب مصري فى الطب قتل رئيس الوزراء سعد زغلول في 12 يوليو 1924. وقال المهاجم كان ينوي اغتياله لمنعه من الانضواء تحت لواء البريطانيين. وكان حكم عليه بأنه مختل وأدخلوه مستشفى للأمراض العقلية ، ولكن الشك اقترب من الملك فؤاد بأنه وراء الحادث، نظرا لأنه كان يكره سعد زغلول .( )

There were also attacks on Egyptians , including an abortive attempt on 'Abdal-KhaliqTharwato……

amutuallyacceptablesettlementMeanwhileanEgyptianmedicalstudenttriedtokillPrimeinisterZaghlulon12July1924

.TheWatanistassailantsaidhehadintendedtopreventZagh

lulfromsellingouttotheBritish.Hewasjudgedderangedandhustledofftoamentalhospital ,butthesuspicionlingeredthatKingFu'ad,whohatedboth Zaghlul .

( )راجع Donald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954,627.-

وكان السادات ومجموعته يعتبرون النحاس خائنا يستحق القتل لقبوله الوزارة بناء على طلب الانجليز فى حادث 4 فبراير 1942، ودبروا محاولة اغتياله .

هل أخذ فتوى أو نال رأيه إجماع وطنى على خيانته وضرورة التخلص منه ؟إن هذا لم يحدث إطلاقا غير أنهم فسروا هذا التصرف على أنه خيانة عظمى يستحق القتل من أجلها .

ترى هل كان السادات ومجموعته على حق فى هذا الحكم ؟! ، إنهم اعتمدوا على رؤيتهم الشخصية وانطباعاتهم فى اتهام كل من يختلط بالاحتلال . ولم نجد أحدا يهاجم السادات ومجموعته ويتهمهم بالقيام بأعمال عنف أو الإرهاب ، وإن أخطأؤا فى حكمهم .

ولعل الأحداث التى تشدها البلاد لها أثر فى انفعال الشباب والتسرع فى الحكم على الشخصيات بعدم الوطنية أوالخيانة ، وبالتالى ضرورة التخلص منهم ،

لعل هناك عاملان يؤديان إلى الخطأ فى الحكم على الشخصيات بالخيانة :

الأول :اندفاع الشباب وراء العاطفة الوطنية تجعلهم لا يضعون الأمور فى نصابها الصحيح ويتسرعون فى الاتهام دون روية وتثبت.

الثانى :إعطاء أنفسهم الحق فى الحكم فى الدماء والتفسيرات الشخصية لتصرفات السياسيين أو الحكم على كل من يعرقل الحركة الوطنية وتحركات الشباب الوطنى من أجل مواجهة المحتل ،

فهم يعتبرون كل من يمنعهم من المحتل خائن مهدر الدم ،

وهذه قاعدةعامة صدرت عنها كل الاغتيالات التى تمت فى مصر بداية من اغتيال بطرس غالى سنة 1910 لاشتراكه فى الحكم على بعض المصريين بالإعدام فى حادثة دنشوى سنة 1906، وكان من المؤيدين لمد امتياز قناة السويس ، وكانت حوادث 1910-1915 تتم تحت شعار الوطنية

The 1910-1915 incidents had been the work of Watanists راجع : POLITICAL ASSASSINATION IN EGYPT, 1910-1954, p626*Donald M

.دفعت الشباب الوطنى للإقدام على التخلص من كل مصرى يحاول أن يمنعهم من المحتل أو يقف سدا بينهم وبينه .

وقد شهد عام 1948 اضطرابات كثيرة سواء فى القضية الفلسطينية أو قضية جلاء الانجليز عن وادى النيل ،لذلك نجد أن مصر مرت بكثير من الحوادث التى أثرت فيها تأثير مباشرا فى الأحداث على الساحة الفلسطنية والمصرية .

وخيم الاكتئاب في جميع أنحاء العالم ومصر ، ومشكلة الاستقلال لا تزال دون حل ،لذلك خاضت عصابات الشباب و استمرت في الشوارع وفى النضال في الصحافة والبرلمان بلا هوادة.


he world-widedepressionstruckEgypt

,theproblemofindependenceremainedunresolved ,youthgangsfoughteachotherinthestreets ,andthestruggleinpressandparliamentcontinuedunabated.

راجع Donald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954,628.- ولم يكن الإخوان بمعزل عن القضية الوطنية ،لذلك قرروا مواجة الاحتلال وتكبيده خسائر فى صفوفه وبث الرعب والفزع بين الجنود الانجليز ،

فقد كانت قضية الجلاء ووحدة وادى النيل تأخذ نصيبها من الاهتمام , بل كانت هى قضية البلاد يتصدرها الإخوان ويضغطون على الإنجليز للجلاء وعلى الحكومات المصرية الهزيلة ؛

ليكون لها موقفها الرسمى.وتحت هذا الضغط أعلن النقراشى أنه ذاهب إلى مجلس الأمن لعرض قضية مصر... وذهب.فى ذلك الوقت من عام 1947 كان قد ظهر جليا أن للإخوان المسلمين نظاما خاصا يقوم بعمليات خاصة.

لم يكن معروفا باسمه ولا بأشخاصه ولكن بأعماله, وربما أيضا بأعمال أتاها آخرون.

لم يكن رجل الشارع ليميز بين هذه وتلك, إنما بدأت تنشر حوادث التفجير والاغتيالات أو محاولاتها. ومن ذلك اغتيال أمين عثمان بيد حسين توفيق وأنور السادات, وغيرهما ومحاولة اغتيال النحاس باشا بتفجير سيارة أمام منزله بجاردن سيتى بيد رجال الملك...وهكذا.


وقد قام الإخوان بدورهم بأعمال وطنية ضد الانجليز ،فكان عندما يأتى الكريسماس

– عيد الميلاد عند المسيحيين الغربيين

– وفى هذا اليوم اعتاد جنود الجيش الإنجليزى بكل أجناسه أن يحتفلوا به على طريقتهم. هذه الطريقة كانت تقوم أساسا على السُّكْر والعربدة فى الحانات ودور المجون التى امتلأ بها وسط القاهرة, وكثير منها خصص لجنود " الحليفة" انجلترا فى ذلك الوقت, ثم يخرجون فى صخب شديد ليجتاحوا ما أمامهم.

كانوا ينهبون المحلات ويخطفون النساء ويستبيحون كل شىء.

لذلك رأي الإخوان أن يعملوا علي بث الخوف في قلوب الجنود الإنجليز العابثين الذين كانوا يقتلون الأبرياء ويهتكون الأعراض ويحطمون واجهات المحلات يوميا وهم سكاري، فقرر النظام الخاص مقابلة هؤلاء فى شوراع وسط القاهرة في ليلة عيد الميلاد ، وهي لا تقتل أحدا ولكن تبث في قلوب الإنجليز الرعب في هذا الوقت. .

وكان التوقيت المحدد للعملية من الساعة العاشرة إلى العاشرة وعشر دقائق ثم الرجوع. وكانت البارات والحانات التى تعج بهم ذات أبواب زجاجية بشدة بحيث تحطمه وتنفذ من خلاله فتنفجر بالداخل وسط الجنود.

وقد قام الإخوان إلقاء القنابل فى الوقت المحدد فيما اشتهر ب(قنابل عيد الميلاد ) ثم تم القبض على محمود نفيس حمدى وصديقى حسين عبد السميع ثم عبد المنعم عبد العال ، وقد كانت ثقة السفير بأن سلطات الأمن تحت قيادة النقراشى تبذل كل ما فى وسعها صحيحة ويعلمه السفير دون شك فإن الذى كان يقود تلك السلطات كان اللواء الإنجليزي الجنسية رسل باشا حكمدار بوليس القاهرة.

الدوافع وراء اغتيال الخازندار

كانت هناك فى الإسكندرية قضية مماثلة لعدد من الشبان الوطنيين اتهموا بالاعتداء على جنود الحليفة

،ونظرت القضية أمام محكمة جنايات الإسكندرية برئاسة أحمد بك الخازندار رئيس محكمة استئناف الإسكندرية. وصدر الحكم ضد الشباب الوطنى بأقصى عقوبة. ونظر الخازندار بك أيضا قضية أخرى شهيرة قتل فيها الجانى سبعة من الصغار بعد ممارسة الشذوذ الجنسى معهم.

وكانت من القضايا التى اجتذبت انتباه الرأى العام ومتابعته وصدر الحكم ضد الجانى بالحبس سبع سنوات, فكان حكما محيرا ، بل مثيرا بالنسبة لتفكيرنا نحن الشباب. إذا كان الجانى بريئا فكيف يحكم عليه, وإذا كان مذنبا فكيف يقتصر الحكم على سبع سنوات فى قتل سبعة لدوافع غير كريمة؟!

ثم صدر الأمر بنقل أحمد بك الخازندار من الإسكندرية ليشغل وظيفة رئيس محكمة استئناف القاهرة.

وقدمت إليه القضيتان . القضية المتهم فيها حسين ونفيس والقضية المتهم فيها عبد العال.

يقول أحمد عادل كمال :ولقد شهدتُ جلسات القضية الأولى . اعتمد الدفاع أساسا على نفى إتيان المتهمين لأى اعتداء على جنود الحلفاء,

ثم على طريقة المحامين ذهب الدفاع إلى أنه إذا افترضنا جدلا أن لهما شأنا فى ضرب الجنود الإنجليز السكارى بالقنابل , فأى دافع يكون وراء ذلك؟ لا شك أنه دافع وطنى يهدف إلى تحرير أرضنا من دنس الاحتلال...

وإذا بالخازندار بك ينتفض فوق منصته ويدقها بقبضته ويصيح فى الأستاذ المحامى الذى كان يترافع بذلك فقال له : " الذى تقوله يا أستاذ كلام فارغ ؟هؤلاء حلفاء موجودين هنا للدفاع عنا بموجب معاهدة الشرف والاستقلال...

تبقى فوضى لما نترك كل واحد يعطى أحكاما على هواه وينطلق الأولاد فى الشوارع بالقنابل والرصاص! لا هذا كلام فارغ لا نسمعه أبدا!!" من الناحية القانونية الصرفة التى لا شأن لها بأى اعتبار آخر، ربما كان كلامه سليما...

ولكن كان هذا الكلام صدمة لنا.

يقول محمود الصباغ فى كتابه حقيقة النظام الخاص معلقا على قتل الخازندار إن الظروف الملابسة لهذا الحادث كانت تثير الشعور الوطني ضد هذا القاضي من المصريين كافة، وهو ما يبرر أن يفكر بعض المتطرفين منهم في اغتياله إرضاءً لهذا الشعور،

حيث تزامن في هذا الوقت ثلاث قضايا نظرت أمام القاضي الخازندار، واحدة منها قضية وطنية هي إلقاء قنابل على الإنجليز في مدينة الإسكندرية، بأيدي مجموعة من شباب حزب مصر الفتاة،

فالأمر كما قلت كان هديرًا وطنيًا ضد الإنجليز في هذه الظروف من كافة أحزاب مصر وهيئاتها، ومن بينهم الإخوان المسلمون ، وقد أدانت الدائرة التي يرأسها الخازندار بك هؤلاء الشباب بالسجن عشر سنوات في نفس الوقت الذي قضت فيه دائرة يرأسها الخازندار بك على سفاح الإسكندرية الذي راح ضحيته سبعة قتلى، بدوافع جنسية قذرة،

نقلتها جميع الصحف إلى الشعب المصري بصورتها الواقعية التي تثير الذعر والاشمئزاز في نفس كل مصري ومصرية، حتى أن جميع أفراد شعب مصر وبدون أي مبالغة تمنوا أن يخلص القضاء المصري سمعة مصر وشرفها وحياءها من هذا الوحش الكاسر الدنيء،

وقد عبر الاتهام ممثلا في الأستاذ أنور حبيب وكيل النيابة عن هذه الرغبة الشعبية العارمة بطلب الإعدام، ولكن حكم هذه الدائرة الذي نطق به المستشار الخازندار بك كان مخيبًا لكل الآمال،

إذ قضى بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة، الأمر الذي أسعد المتهم أيما سعادة، وهو يسمع هذا الحكم مبتسمًا على النحو الذي نقلته الصحف لجميع أفراد الشعب في هذه الأيام ، وقد أجرى جميع أفراد الشعب مقارنة بين حكم الخازندار بك على الشباب الوطني الذي يلقي قنابل على الإنجليز بالسجن عشر سنوات،

وبين حكمه على هذا الوحش الدنيء بالسجن سبع سنوات، وخرج الجميع باستبعاد أن يكون هذا القاضي وطنيًا على أي صورة من الصور، وبل باتهامه بمولاة الإنجليز والقسوة على أعدائهم والرحمة بأعداء الشعب في كل ما يصدر عنه من أحكام.


إن هذا الحكم القاسي على الخازندار بك لم يخرج عليه أي مواطن، بل كان شبه حكم إجماعي من المصريين عامهم وخاصهم ، خاصة أن هذه المقارنة لم تقتصر على قضية حسن قناوي، بل أشيع أن دائرة برئاسة الخازندار بك أيضا حكمت وفي نفس الظروف على سيدة اتهمت بتعذيب خادمتها تعذيبًا وحشيا إلى حد إحماء عود من حديد وإدخاله في موضع العفة منها،

حتى أودي بحياتها، بالسجن عام واحد مع إيقاف التنفيذ، فكان التعليق على حكم الخازندار بك بسجن شباب مصر الفتاة بالغ القسوة لا من رجال مصر الفتاة وحدهم ، بل من رجال السياسة في مصر ومنهم الإمام الشهيد حسن البنا.

وتطوع بعضنا لتخليص الحركات التحررية منه فإن أمامنا منطلقا كبيرا وجهادا مريرا طويلا, فإذا سمحنا لهذا السيف أن يظل قائما يقتطع من أطرافنا وأعضائنا فأى خسارة سوف تصيبنا وأى تضحيات من ذواتنا سوف نقدمها على مذبح الحرية بدون مبرر.

تلك كانت النظرة عند شباب يتعجل تحرير وطنه. وعلمت أنه تم اختيار من يقوم بهذه المهمة.

ومن هنا امتلأ بعض شبابنا بأن القاضى أحمد بك الخازندار رئيس محكمة استئناف القاهرة كان يرى شرعية الوجود الإنجليزي فى مصر بموجب معاهدة 1936 وكشاب مشحون بالحماس فى الثانية والعشرين من عمرى رجعت من المحكمة أطالب برأس الخازندار حماية لنا فى عملياتنا المستقبلية, واعتبرت أن الرجل يصدر أحكامه والدفاع لم يتم مرافعته...

ولعله لم يكن أصدر أحكاما ويبنى هذه الأحكام على أن وجود جيش الاحتلال فى مصر وجود شرعى وأن جنوده حلفاء... وأن معاهدة الذل والاحتلال هى معاهدة شرف واستقلال, إنه من وجهة نظرنا رجل صفته كذا وكذا...

ولم تكن مفاجأة لى أن أعلم أنه لم يكن رأيى وحدى وأن هناك غيرى من تطوع لاغتيال الخازندار، وصدرت الأحكام. حكم على حسين عبد السميع بالحبس ثلاث سنوات وعلى عبد المنعم عبد العال بالسجن خمس سنوات.

وقع الاختيار على حسن عبد الحافظ ومحمود سعيد زينهم بالاتفاق مع عبدالرحمن السندي وتم مراقبة الرجل و دراسة الموضوع ،وقد أبانت الدراسة أن قسم بوليس حلوان لا تتبعه سيارات! وعلى ذلك وضعت الخطة أن ينتظر خروج الرجل من بيته...

فيغتاله حسن بالمسدس بينما يقف له محمود حارسا وحاميا لانسحابه بالمسدس وبقنابل يدوية صوتية, ثم ينسحبان ويمنعان تتبعهما من الجماهير بإطلاق الرصاص فى الهواء وإلقاء القنابل. ويكون انسحابهما فى غير تتبع من أحد إلى بيت عبد الرحمن. ولقد باتا ليلتهما عنده أيضا فى هذا البيت, بيت عبد الرحمن السندي.

يقول أحمد عادل كمال :وفى الصباح الباكر يوم 22/3 / 1948 وقبل الموعد المعتاد لخروج الخازندار من بيته كان حسن عبد الحافظ ومحمود سعيد زينهم فى انتظاره .

تقدم حسن وأطلق بضع طلقات لم تصب الهدف. ولم يضع محمود الفرصة فترك مكانه وتقدم نحو الخازندار ، وصوب إليه مسدسه فأفرغ فيه ماشاء, ثم تركه وانسحب بزميله .كان العجلاتى القريب من البيت يفتح محله حين سمع إطلاق الرصاص وصراخ الزوجة ونظر فوجد الخازندار ممددا على الأرض فى دمائه وانطلق العجلاتى بإحدى دراجاته إلى قسم البوليس.

وهنا كانت مفاجأة القسم الذى كان معلوما خلوه من السيارات تصادف أن جاءته من القاهرة سيارة فى تلك اللحظة لنقل بعض المحجوزين به. وانطلق الكونستابل الذى كان يصاحب السيارة بها فى أثر الفارين.

وتغير الموقف فاتجه محمود وحسن صوب الجبل بدلا من اتجاههما إلى بيت بحلوان والذى يعرف جبل المقطم يعلم أنه ليس مجالا مناسبا للفرار فى تلك المنطقة. واجتازا فى انسحابهما هذا بعض أسوار الحدائق والبيوت, وسقط حسن فجزعت قدمه, واضطر محمود أن يحمله أو يسنده بعض الوقت. وتوالت قوات البوليس من القسم نحو الجبل ثم لم يلبث الجبل أن ضرب عليه حصار من العباسية إلى حلوان على مسافة تزيد عن ثلاثين كيلو مترا, وتقدمت تلك القوات إلى داخل الجبل ؛

فقبض على محمود وحسن. وأنكرا كل صلة لهما بالحادث.

وجرى التحقيق ليلتها فى قسم حلوان بمعرفة النائب العام محمود منصور, ثم نقلا إلى القاهرة.

وطال التحقيق وكذلك المحاكمة, وتظاهر حسن بالمرض العصبى وأحيل إلى مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية وقدمت البحوث والتقارير والمناقشات حول مرضه ومدى مسئوليته الجنائية فى ظل الحالة التى تنتابه.وفى قضية مصرع الخازندار عمد الدفاع إلى تأجيل النظر بكافة الحجج, ومن المعلوم عن القضايا " الساخنة" أنها تبرد" بمضى الوقت, وكان هذا فى الواقع ما يهدف إليه الدفاع. وكان الأستاذ فتحي رضوان من هيئة الدفاع وقد بنى مرافعته أساسا على براءة المتهمين مما نسب إليهما من قتل القاضى الخازندار ثم لجأ إلى الدفاع الاحتياطي فقال...

ومع ذلك نفرض جدلا أنهما قاتلاه, فما الدافع لهما على ذلك؟ وذكر ما شاء تحت هذا العنوان ثم ختم مرافعته بتحذير... إنها نار فحذار أن تطفئوها بالبنزين! وأخيرا صدر الحكم فى 22 نوفمبر 1948 على محمود زينهم وحسن عبد الحافظ بالأشغال الشاقة المؤبدة.راجع :أحمد عادل كمال :النقط فوق الحروف نسخة الكترونية فى موقع إخوان ويكى ، مكتبة الدعوة .


هذه مبررات الشباب لارتكاب الحادث أن الخازندار يقف سدا أمام الشباب الوطنى فى مواجهة الانجليز يجب إزالته من أمامها لتتفرغ لمهمتها فى مواجهة الانجليز ، هذه وجهة نظرهم فى ذلك الوقت ، والتى لا تختلف عن وجهات النظر فى حوادث الاغتيال التى قام بها الشباب بدوافع وطنية كما سبق ،

وانطلقوا فى ذلك أيضا من تفسيرات شخصية من شباب متحمس للقضية الوطنية .

وهذه سمة عامة فى الحركة الوطنية فى مصر فى ذلك الوقت ، وهى التخلص من كل من يحمى الجنود الانجليز بأى وسيلة من الوسائل ،والمستشار الخازندار

ـ فى وجهة نظر الشباب ـ يساعد الانجليز بقسوته فى الحكم على من يقومون بأعمال وطنية ضد الانجليز.

اغتيال الخازندار حادث فردى

يقول محمود الصباغ فى كتابه حقيقة النظام الخاص: وأما وزر اشتراكه يقع على عبد الرحمن شخصيًا، فقد كلفه بالاشتراك فيها، وهو يعلم أن موقعه من النظام لا يسمح له بإصدار أمر إلا إذا كان صادرًا من المرشد، فسمع وأطاع دون أي نقاش، ظانًا أن أمر عبد الرحمن معتمد من المرشد العام في هذا القرار طرفة متعلقة بحياتنا في سجن مصر مع محمود سعيد زينهم:

ولقد حدث أن رجعت إلى القاهرة في زيارة خاطفة لإعداد بعض المعدات اللازمة، للمجاهدين، فأصبت بالأنفلونزا خلال هذه الزيارة ولازمت الفراش، فزارني الأخ حسن عبد الحافظ بمنزلي قبيل وقوع مقتل الخازندار بك، وصارحني بأن الأخ عبد الرحمن السندي اختاره مع أخ آخر لقتل الخازندار بك لما ظهر من جحوده للشعور الوطني وتعاطفه مع القتلة والسفاكين في أحكامه.

وقد ذهلت لهذا الخبر، وأصدرت أمرًا صريحًا إلى الأخ حسن عبد الحافظ باعتباري أمير مجموعته إلى ما قبل سفري إلى فلسطين أن لا ينفذ تعليمات عبد الرحمن في هذا الشأن؛ لأننا باعتبارنا جماعة الإخوان المسلمين ليس بيننا وبين المستشار الخازندار بك أي عداء،

فقد كان حكمه على الأخوين حسين عبد السميع، وعبد المنعم إبراهيم، المتهمين بإلقاء قنابل على الجنود الإنجليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد سنة 1946 بالسجن ثلاث سنوات هو حكم معقول لا تثريب عليه، فالفعل وإن كان وطنيًا خالصًا يتفق مع كل من الشرائع السماوية،

والدوافع الوطنية النبيلة، إلا أنه مخالف للقانون الوضعي الذي يحكم به القضاء المصري في ذلك الوقت، الأمر الذي يجعل في هذا الحكم مراعاة للدوافع النبيلة التي دفعت هذين الأخوين لهذا العمل الفدائي المرغوب من كل وطني مخلص، وكل مسلم صادق.

يقول أحمد عادل كمال فى كتابه النقط فوق الحروف  : ولقد شدت عملية الخازندار أعصابنا شدا عنيفا, وكان اهتمامنا بمحمود زينهم وحسن عبد الخافظ بالغا, لست أقصد مجال الدفاع فى القضية وتوكيل أفضل المحامين للدفاع عنهما. ولكننا كنا نعد لعملية أكبر, هى تهريبهما من السجن باقتحامه ليلا وإخراجهما منه.

وتمت دراسة العملية... مبانى السجن من الخارج ومسالكه من الداخل ونظام الحراسة فيه... وأعدت معدات الاقتحام...

سلالم من الخشب يمكن طيها وفردها. وسلالم من الحبال ذات عقد وذات عقل من الخشب... واختير مكان الاقتحام من سور السجن الخلفى الجنوبى...

ودرس كل ما سوف تقابله مجموعة الاقتحام, وتم اختيار هذه المجموعة ودربت على العمل الموكول إليها وانتخب السلاح المناسب وكان فى جملته من الرشاشات الصغيرة والمسدسات, ولم يكن مع الطرف الآخر من حراس السجن سوى بنادق قديمة الطراز مما يحشى طلقة طلقة يقدموا الأطعمة .

وتم استمالة بعض حرس السجن بالمال واعتاد الإخوان المسجونون أن يقدموا الأطعمة للحراس وكان مقررا أن تكون الأطعمة ليلة التنفيذ أطعمة مخدرة وشهية. وصنعت مفاتيح لأبواب السجن وزنازينه وتم تجربتها على أبوابها, وأعدت السيارات اللازمة للاختطاف كما أعد المخبأ الذى يلجأ إليه الهاربان... ودرس نظام الإنارة فى المنطقة لقطع التيار الكهربائى ساعتها.

وكان كل شىء يسير فى مساره المرسوم.

ولكن جاء حادث السيارة الجيب ومحنة 1948 وقبض على المخططين للعملية وعلى بعض المرشحين للاشتراك فيها قبل التنفيذ, وحتى مفس المفتاح الذى كان مقررا أن يفتح أبواب السجن سقط مع ما كان بالسيارة الجيب ولم يلتفت أحد من المحققين ولا من البوليس السياسى وفتها إلى أنه مفتاح" السجن".,

سجن مصر العمومى رغم تردد أعضاء النيابة على السجن عدة مرات خاصة محمد بك عبد السلام رئيس نيابة الاستئناف الذى كان يتولى التحقيق فى قضية السيارة الجيب والذى لا شك رأى المفتاح الكبير المميز ضمن أحراز القضية كما رأه أمثاله بأيدى جاويشية السجن, ولكنه لم يربط بين الاثنين. فلبث محمود زينهم وحسن عبد الحافظ بالسجن بضع سنين, خمسا أو ستا, إلى أن قامت الثورة فأصدرت عفوا خاصا عنهما.

الإخوان يستنكرون قتل الخازندار ويقرون بخطئه

هذه مبررات الاغتيال فى وقتها ، لكن وجهة نظر المشاركين فى الحادث اختلفت بعد تقادم الزمن وإعادة التفكير فيه بعقلانية ، يقول أحمد عادل كمال فى كتابه النقط فوق الحروف  :

كان للحادث ردود فعله السيئة فى كافة المجالات, فلدى القضاء كان الإستياء على أشده, فمن المعلوم أن الأحكام تصدر بأغلبية آراء أعضاء المحكمة وليس برأى رئيسها وحده. ومهما حدث... لم تجر العادة أبدا أن يعتدى على القضاة.

ولقد حاولت النيابة بعد ذلك فى بعض قضايانا اتخاذ الحادث كقميص عثمان لاستعداء القضاء علينا.

ومع ذلك فقبل أن يغتال أحمد الخازندار نظر النقض المقدم من حسين عبد السميع فى الحكم الصادر بحبسه ثلاث سنوات, ورفض النقض. ثم لقى الخازندار مصرعه, ونظر النقض المقدم من عبد المنعم عبد العال فى الحكم الصادر بسجنه خمس سنوات, وقبل النقض وأعيد نظر القضية إلى دائرة جنايات أخرى فحكمت ببراءته.

وربما كان فى القضية الثانية ما يرتكز عليه النقض بخلاف ما يرتكز عليه النقض بخلاف القضية الأولى... ولكن طبائع الشباب لا تحملها دائما على هذا المحمل.

لقد كان اغتيال الخازندار جريمة قتل جزاؤها الإعدام, ولكن عدم الحكم بالإعدام ربما يعكس أن رأى القضاء لم يبتعد عن الاعتبارات التى عرضناها.وكما ترك الحادث أثره فى دوائر القضاء كذلك استغلته الدعاية الحزبية المضادة ولا سيما حزب الوفد أسوأ استغلال لمهاجمة الإخوان فكان موضوعا ثانيا مع موضوع يحيى حميد الدين ومعاصرا له.

ورسم كاريكاتير صحافة الأحزاب الأستاذحسن البنا يلعب بالسكاكين والمسدسات ونال الإخوان من التشهير أكثر مما نال اليهود من حادث قتل لوردموين وما نال اسرائيل من فضيحة لافون!وفى الواقع أنه ولو أن اللذين قتلا أحمد كانا من الإخوان بل من إخوان النظام... ولو أن ذلك القتل تم بناء على تعليمات صدرت من رقم واحد فى النظام...

وبالرغم من أن تلك العملية كانت تجاوبا مع ما فى نفوس بعضنا إن لم يكن كثير منا... بالرغم من كل ذلك فقد كانت عملية فردية.

ذلك أن الوحيد الذى ينطق باسم الجماعة ويحدد اتجاهها هو المرشد العام. فماذا كان موقف المرشد العام؟ لقد كان الرجل رحمه الله أكثر الناس مفاجأة بهذا الحادث, فاللذان قتلا الرجل من جماعته ومع ذلك لم يؤخذ رأيه ولم يخبره أحد مسبقا...

وهذه هى الحقيقة. غضب الأستاذ " المرشد" غضبا شديدا وناقش عبد الرحمن الحساب وكان مما قال" أودى وشى فين من حسن بك الهضيبى؟" لم يكن اعتراض الأستاذ البنا مقصورا على تخطيط العملية وإنما انصب اعتراضه فى المقام الأول على شرعيتها. كان من رأيه أن من حق القاضى أن يخطىء وأن اغتياله غير جائز شرعا.

وهنا وبعد أن عرفنا هذا انتكست أحاسيسنا وارتد حماسنا لهذه العملية وأشفقنا أيما اشفاق على حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم. إننا نفعل ما نفعل – كل ما نفعل – جهادا فى سبيل الله ابتغاء رضاه ، فإذا انتهينا إلى أن العمل غير جائز شرعا فمن شأن هذا أن يضيبنا بصدمة. لست أدرى لماذا لم نحاول أن نعالج المشكلة معالجة شرعية؟! ولما لم نحاول أن نؤدى الدِّية إلى ورثة الخازندار، وأن نسترضيهم حتى يرضوا... ربما كانوا رضوا وربما كانوا رفضوا... ولكننا لم نحاول .

قد يذهب البعض إلى أنها سيئة للنظام الخاص باعتبار أن وجوده يحمل فى طياته احتمال مثل تلك الاندفاعات بما لا يمكن تجنبه وبما يعنى أن قيام النظام فى حد ذاته كان خطأ من هذا الوجه. وفى هذا مناقشة للموضوع فى غير إطاره.

فإننا إذا أرجعنا الأمور إلى مناخها العام لوجدنا أن النظام قد كبح جماع كثيرين من أن ينطلقوا بدافع الحماس الذى ساد تلك السنوات بكل مبرراته إلى أعمال لا حصر لها من مثل هذه.

فكم من أفراد أرادوا تنفيذ أشياء منعها النظام, فإذا أفلتت عملية أو عمليتان ولو من المسئولين فى النظام ففى موازين الإنصاف يمكن القول إن هذه مقابل تلك , ودون زعم أنه قياس بمعناه الشرعى نذكر أن سيف الله خالد بن الوليد قد قتل فى بعض سراياه من نطق بشهادة الإسلام باجتهاد خاطىء أنكره عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم حدث مثل ذلك مرة أخرى منه أيضا فى حروب الردة بما أنكره عليه أبو يكر وعمر.

لست أقصد بهذا السرد أنى أؤيد العملية وأدافع عنها, ولا يسعنى هذا بعد أن استبانت كافة جوانبها, إنما أردت أن أوضح أبعادها كما حدثت, أما الآن فلا يسعنى إلا أن أقر بخطئها.

لئن قلنا إنه كان بحسن قصد ، فإننا نقول أيضا إنه كان أمرا جسيما, وحين رفضه الأستاذ حسن البنا وأنكره ، فقد كان يقدره حق قدره.

يقول محمود الصباغ فى كتابه حقيقة النظام الخاص: أقرر بكل الصدق أن كلا من الإخوان المسلمين كجماعة إسلامية يرأسها المرشد العام للإخوان المسلمين والتنظيم الخاص للإخوان المسلمين كتنظيم عسكري سري، خصص لأعمال الجهاد في سبيل الإسلام برئ كل البراءة من هذا الحادث الذي يمكن أن يقع بدوافع وطنية، ولكنه مخالف ومستنكر من الشريعة الإسلامية التي اتخذها كل من الإخوان المسلمين وتنظيمهم السري أساسًا لكل عمل يقومون به،

ومن ثم يكون استنكار الإمام الشهيد له علنًا أمام إخوانه جميعهم، وإحساسهم جميعًا بآلام التي سببها له هذا الحادث، استنكارًا مصدره العقيدة الإسلامية التي يعتنقها الإمام الشهيد ويدعو لها بكل جهده وطاقاته، كما يكون استنكار النظام الخاص لهذا الحادث مستمد من نفس الأسباب التي استنكر الإمام الشهيد بها قتل الخازندار بك،

على الرغم من أن مرتكبي هذا الحادث هم ثلاثة أفراد من الإخوان المسلمين بصفتهم الشخصية، هم عبد الرحمن السندي، ومحمود سعيد زينهم، وحسن عبد الحافظ. ولقد استحل هؤلاء الإخوان الثلاثة لأنفسهم القيام بهذا العمل لدوافع وطنية اقتضتها ظروف هذا الحادث واستشعرها جميع شعب مصر في حينها، دون أن يكون لأحد من الإخوان المسلمين أو من قيادة النظام الخاص أمر أو إذن به. ولا يغير من هذه الحقيقة كون عبد الرحمن السندي رئيسًا للنظام الخاص ولا كون الأخوين محمود سعيد زينهم وحسن عبد الحافظ أعضاء في النظام الخاص، لأن النظام الخاص لا يمكن أن يتحمل إلا الأعمال التي تقرها قيادته مجتمعة، بأمر صريح من المرشد العام ،

وما لم يتحقق هذين الشرطين لأي عمل من أعمال النظام الخاص؛ فإن هذا العمل يكون عملاً فرديًا تقع مسئوليته كاملة على من قام به.

إن من المسلم به شرعًا وقانونًا في تحديد المسئولية أن تنحصر على من قام بالعمل أو أسهم فيه بالتوجيه لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].

هذا من ناحية الشريعة الإسلامية، أما من الناحية القانونية فإني أذكر القارئ الكريم بالمبدأ الذي نصت عليه حيثيات الحكم في قضية «السيارة الجيب» فيما بين الصفحات 193 إلى 103 من حيثيات المحكمة ما نصه:

" وحيث إن المحكمة ترى التفرقة بين الأمرين، فالنظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادًا عسكريًا تطبيقيًا لما دعا إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدًا لا هزلاً، وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي، وأنه لا بد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل،

وأن حركة الإخوان تمر بثلاث مراحل:

الأولى مرحلة التعريف بنشر الفكرة،

والثانية مرحلة التكوين، لاستخلاص العناصر الصالحة لأعباء الجهاد، ونظام الدعوة في هذا الطور مدني من الناحية الروحية وعسكري من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائما أمر وطاعة من غير بحث ولا مراجعة،

والمرحلة الثالثة مرحلة التنفيذ، وهذا الإعداد دائما قصد به تحقيق ما ورد صريحًا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية، وهذا النظام الخاص بحكم هذا التكوين لا يدعو إلى الجريمة ولا يعيبه أن فريقًا من أفراده كونوا من أنفسهم جماعة اتفقوا على أعمال القتل والتدمير."

إن هذه العبارات الشديدة الوضوح من حيثيات حكم المحكمة تبرئ النظام الخاص، ودعوة الإخوان المسلمين وفضيلة المرشد العام من أي عمل يقوم به فرد أو جماعة من هذا التنظيم يكون مناقضًا لأهدافه وغير معتمد من مرشده، وهذا ما ينطبق على حادث مقتل الخازندار بك.

لكي ندرك الدوافع الحقيقية لهؤلاء الأخوة الثلاثة، لارتكاب هذه الجريمة على الرغم من أنهم أعضاء في التنظيم السري للإخوان المسلمين، بل وأولهم هو رئيس هذا التنظيم، دون أن يكون لديهم أمر من القيادة بذلك، يجب أن نلقي بعض الضوء على ظروف كل منهم الشخصية:

الأخ عبد الرحمن السندي: وهو من إخوان مديرية أسيوط (صعيدي)، الذي تمكنت منهم الرغبة في التفرغ لأعمال الجهاد في سبيل الدعوة الإسلامية، فبلغت مبلغًا جعله يضحى بتعليمه العالي،

ويكتفي بوظيفة بشهادة البكالوريا في وزارة الزراعة على الرغم من تيسر حالته المادية، لكي لا يشغله تحصيل العلم عن إشباع هذه الرغبة المتمكنة منه، ولم يثن من عزيمته أو حتى يخفف من حدتها إصابته بمرض القلب منذ ريعان شبابه، وهو مرض يسلب العزيمة من كل مريض يشعر به،

لأنه اشتهر بأنه أقرب الأمراض إلى الموت، ورغم ذلك فقد اتخذ عبد الرحمن السندي مرضه هذا حجة تقوي حجته أمام الإمام الشهيد ليتفرغ لأعمال الجهاد،

قائلا: إن إخواني الأصحاء أجدر أن يخدموا الدعوة لصحتهم أكثر مني، وإن في موت أحدهم في إحدى العمليات خسارة، بينما لو كتب لي الله الاستشهاد في أي عملية من العمليات، فلست إلا رجلاً مريضًا بالقلب كان يمكن أن يوفيه الأجل في أي لحظة.

ولقد لمسنا من عبد الرحمن طوال فترة العمل معنا الصدق في اللقاء والصبر على العناء، والبذل بالمال والوقت دون حدود، مع صفاء في النفس، ورقة في الشعور، والتزام بأحكام الدين حتى أحببناه حبًا صادقًا من كل قلوبنا، لما جمع الله فيه كل هذه الصفات، ولعل هذا الإحساس المرهف، مع الطبيعة الصعيدية، هما القوة الدافعة لعبد الرحمن التي حولت مظاهر السخط البادية من كل الناس وهو واحد منهم،

وبخاصة من الإمام الشهيد على هذا الجور الذي ظهر من دائرة الخازندار بك ضد الشباب والوطنيين، مقارنا باللين المخل في أحكامها ضد المجرمين الحقيقيين، مثل وحش الإسكندرية والمرأة التي عذبت خادمتها إلى حد القتل، كما أشيع حينئذ،

فغلت الدماء في عروقه ظانًا أن عمله هذا سوف يلقى استحسان الجميع.

كانت غضبة قيادة النظام على تصرف عبد الرحمن عارمة، فليس من حقه على الإطلاق أن يأمر بمثل هذا العمل الذي لا تحله شريعة الإسلام وإن سمحت به المشاعر الوطنية، دون عرضه على قيادة النظام، والتحقق من صدور أمر من المرشد العام بتنفيذه.


ولما كان من الممكن أن يحكم القضاء في هذه القضية بإعدام هذين الأخوين نتيجة لهذا التصرف الذي لم يراع فيه عبد الرحمن موقعه من النظام كمسئول، فيعتبر الإخوان أوامره أوامر شرعية صادرة من المرشد العام دون نقاش، فلابد وأن يتحمل عبد الرحمن دم الثلاثة وحده.

وعقدت قيادة النظام الخاص محاكمة لعبد الرحمن على هذا الجرم المستنكر، وحضر المحاكمة كل من فضيلة المرشد العام الشهيدحسن البنا وباقي أفراد قيادة النظام بما في ذلك الأخوة صالح عشماوي، والشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة،

والدكتور عبد العزيز كامل، ومحمود الصباغ، ومصطفى مشهور، وأحمد زكي حسن، وأحمد حسنين، والدكتور محمود عساف، وقد أكد عبد الرحمن في المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التي سمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المستهجنة،

أنه سيرضى عن قتله لو أنه نفذ القتل فعلاً، وقد تأثر المرشد العام تأثرًا بالغًا لكلام عبد الرحمن لأنه يعلم صدقه في كل كلمة يقولها تعبيرًا عما يعتقد، وبلغ من تأثر فضيلة المرشد العام أنه أجهش بالبكاء ألمًا لهذا الحادث الأليم الذي يستوجب غضب الله، لأنه قتل لنفوس بريئة من غير نفس،

كما يعتبر مادة واسعة للتشهير بالدعوة ورسالتها في الجهاد من أجل إقامة شرع الله، وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبد الرحمن قد وقع في فهم خاطئ في ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان المسلمين، فرأوا أن يعتبر الحادث قتل خطأ، حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه،

سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك. يقول الدكتور محمود عساف:

"كنت مستشارًا لمجلس إدارة النظام الخاص منذ عام 1945م 1364هـ باعتباره أمينًا للمعلومات تابعًا للإمام حسن البنا، وكنا نحضر الاجتماعات، وعرض مقتل المستشار الخازندار،

وأنا مستشار لمجلس إدارة النظام، ولم يكن مجلس الإدارة يعلم شيئًا عن هذه الوقعة إلا بعد أن قرأناها في الصحف، وعرفنا أنه قد قُبض على اثنين من الإخوان قتلا الرجل في ضاحية حلوان، ومعهما دراجتان لم تتح لهما فرصة الهرب؛ حيث قَبَض الناس عليهما.

في ذات اليوم طلب الأستاذ الإمام عقد اجتماع لمجلس الإدارة بمنزل عبد الرحمن السندي وحضر الأستاذ بعد صلاة العشاء وبصحبته شخص آخر لا أذكر إن كان حسن كمال الدين المسئول عن الجوالة أو صلاح شادي رئيس نظام الوحدات الذي كان يضم ضباط وجنود البوليس (منزل عبد الرحمن السندي يقع في شارع جوهر بالدقي).

دخل الأستاذ وهو متجهم، وجلس غاضبًا، ثم سأل عبد الرحمن السندي قائلاً:أليست عندك تعليمات بألا تفعل شيئًا إلا بإذن صريح مني؟!.

قال: بلى!.

قال: كيف تسنَّى لك أن تفعل هذه الفعلة بغير إذن، وبغير عرض على مجلس إدارة النظام؟ هل أصرح لكم وأنا لا أدري؟!

قال عبد الرحمن: لقد كتبت إلى فضيلتكم أقول:

ما رأيكم دام فضلك في حاكم ظالم يحكم بغير ما أنزل الله، ويوقع الأذى بالمسلمين، ويمالئ الكفار والمشركين والمجرمين؟!.

فقلتم فضيلتكم:

﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ (المائدة: من الآية 33). فاعتبرت هذا إذنًا!!.

قال الإمام: إن طلبك الإذن كان تلاعبًا بالألفاظ ، لم يكن إلا مسألة عامة تطلب فيها فتوى عامة، أما موضوع الخازندار فهو موضوع محدد لا بد من الإذن الصريح فيه، ثم إنك ارتكبت عدة أخطاء: لم تعرض الأمر على مجلس النظام، ولم تطلب إذنًا صريحًا، وقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، واعتبرته يحكم بغير ما أنزل الله وهو يحكم بالقانون المفروض عليه من الدولة، ولو افترضنا أنه كان قاسيًا، فإن القسوة ليست مبررًا للقتل.

وقال: إن كان قتلك للخازندار تمَّ بحسن نية فإن الدية علينا!.

وتحت عنوان "أحداث 1948 م كتب صلاح شادي أحد قادة النظام الخاص في صفحة 92 من كتابه "صفحات من التاريخ حصاد العمر" يقول: "كانت هذه السنة حافلةً بالأحداث التي أثرت تأثيرًا كبيرًا على كيان الجماعة, ففي مارس سنة 1948 م اغتيل الخازندار بيد الأخوين محمود زينهم,

وحسن عبد الحافظ, وحُكِمَ عليهما بالسجن المؤبد في 20 من محرم 1368هـ = 22 من نوفمبر سنة 1948 م، وتم هذا الحادث بغير علم المرشد, وبغير إذنه ما أثَّر عليه تأثيرًا بالغًا, وأراد الأستاذ المرشد في بادئ الأمر أن يتحقق من أن هذا الحادث قد قام به السندي؛

حيث جرى في ظنه احتمال حدوثه من بعض الطلبة غير المسئولين, الذين يخضعون إلى قسم الطلاب, والذي كان مسئولاً عن العمل فيه في هذا الوقت الأستاذ محمد فريد عبد الخالق؛ ولذلك ما إن قرأ الأستاذ المرشد هذا النبأ في الصحف بعد فجر هذا اليوم,

حتى أرسل من يستدعي الأستاذ فريد عبد الخالق على عجل, ليقابله في منزله في صباح هذا اليوم الباكر فذهب إليه على التو، إذ كان يسكن في منزل قريب من منزل الأستاذ المرشد. وسأله المرشد عما إذا كان لقسم الطلاب دخل في هذا الحادث؟.

فأجابه بالنفي طبعًا، وأنه لا يمكن أن يصدر لأحد الطلاب أمر بهذا الخصوص، وأخذ الغضب والأسف من المرشد كل مأخذ وهو يقول:

إن هذا يعني تدمير الجماعة التي قضى عمره في بنائها!، وقال للأستاذ فريد: "أنا أبني وهم يهدمون". وقال: إن الرصاصات التي أُطلقت على الخازندار إنما أُطلقت على صدره هو!!.

ولم يخفف من هول الحادث ما تذرع به السندي عندما توجه برد الفعل هذا لدى المرشد، فادعى أن المرشد قال في مجلس عام:

إن القاضي "يستاهل القتل"؛ وذلك عندما سمع بالأحكام القاسية التي صدرت ضد أشخاص من الإخوان، (ضُبطوا في الإسكندرية أمام نادي الجيش الإنجليزي،

ومعهم قنابل لم تُفَجَّر بعد) فأصدر عليهم القاضي الخازندار أحكامًا قاسية، في نفس الوقت الذي حكم فيه على حسن قناوي سفاح الإسكندرية الذي ارتكب جنايات قتل وهتك عرض أثارت الفزع والغضب في الرأي العام والخاص في الإسكندرية، فقضى عليه بالسجن 7 سنوات! فاعتبر السندي أن هذه العبارة من المرشد إذنًا ضمنيًّا لقتل الخازندار!!.

وهذا تبرير غير معقول لحادث كهذا، ولكن الحقيقة كانت كامنة وراء شعور السندي في هذا الوقت باستقلاله هو، وبمن يتولى قيادتهم من إخوان النظام الخاص عن سلطان الجماعة وقائدها (حسن البنا)، الأمر الذي سهَّل له هذا السلوك،

لم يكن من حقِّ أحد إخوان النظام أن يتصل بالمرشد في شأن من شئون النظام الخاص إلا عن طريقه، وبهذا عزل إخوان النظام تمامًا عن قيادة الدعوة، وأصبح فهم السندي لدور المرشد هو أن يبحث له عن مخرج أمام الناس؛ لترميم الصدوع التي تحدثها أمثال هذه التصرفات غير المسئولة، وتكييف الرأي العام داخل الجماعة وخارجها لتقبُّل هذه الحوادث!.

أما أحمد عادل كمال أحد رجال النظام الخاص في ذلك الوقت، فيضيف أن الأستاذ البنا شدَّد عليهم في اجتماع خاص بقيادة النظام الخاص أنه لا شيء بعد ذلك يتم إلا بعد أمر كتابي منه فردَّ عليه الأستاذ مصطفى مشهور "إنهم خلاص قد فهموا الأمر، وأنهم لن يقوموا بأي شيء بعد ذلك إلا بعد موافقة صريحة منه، وأنه لا داعي للأمر الكتابي".

ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا على الإطلاق في حياتهم ليفكروا في مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق على الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة على القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة على إنقاذ حياة المتهمين البريئين من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة،

فدماء الإخوان ليست هدرًا يمكن أن يفرط فيه الإخوان في غير أداء فريضة واجبة يفرضها الإسلام، حيث تكون الشهادة أعظم من كل حياة.


ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءًا من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية إلى ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقى على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخرتين محمود زينهم، وحسن عبد الحافظ.

واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، بل إنه لقي موافقة إجماعية من كل الحضور بما في ذلك فضيلة الإمام الشهيد،

واعتبر هذا الخطأ الذي يقع لأول مرة في تاريخ الجماعة درسًا للأخ عبد الرحمن السندي، أن لا ينقل إلى التنفيذ إلا الأمر الصريح من الإمام الشهيد وأنه ليس للاجتهاد ولا للمفاهيم الضمنية في هذه الأمور الخطيرة مجال أو سبيل بأي شكل من الأشكال.

ولقد كانت براءة عبد الرحمن من القتل العمد إجماعية، ولا تحتمل أي شك أو تشكيك، فالجميع يثق في صدق عبد الرحمن ورجولته، ويقدر أن التجربة الأولى عرضة للخطأ،

وأن ظروف هذا الحادث النفسية كان تبرر مثل هذا الخطأ، فلم تتزعزع ثقة أحد بعبد الرحمن عقب هذا الحكم واستمر في موقعه مرضيًا عنه من الإمام الشهيد ومن جميع باقي أعضاء قيادة النظام الخاص كأحسن ما يكون الرضا وأتمه، حيث شرع الله ذلك للمؤمنين في قوله جل وعلا:

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92].

ولم يكن من المصلحة في شيء أن يعلن على الناس شيء عن هذا الموقف الذي واجه به النظام الخاص هذا الحادث الأليم، ولم يكن هذا القرار لينفي استمرار حزن فضيلة الإمام الشهيد لما أصاب الدعوة من آثاره وإعلان ذلك على كل الإخوان وعلى كل الناس بكل الوسائل والأسباب، فذلك هو الحق الذي لا مراء فيه.

كما أن بعض كبار الإخوان الذين يعلمون بوجود النظام الخاص في الجماعة، ولكن عدم انتمائهم إليه لم يسمح لهم بمعرفة شيء عن ظروف هذا الحادث، ولا عن الموقف الشرعي الذي وقفته قيادة النظام منه،

اتخذوا منه غضبة المرشد العام على هذا الحادث غضبة على النظام الخاص ككل، وعلى رئيسه عبد الرحمن السندي على وجه الخصوص، وأخذوا يروجون أن المرشد العام عزم على حل النظام الخاص أو على إقصاء عبد الرحمن السندي من رئاسته، ولكن الحقيقة أن شيئا من هذا لم يحدث، وأن فضيلة المرشد العام استمر على ثقته واعتماده على النظام الخاص وقيادته حتى لقي ربه راضيًا مرضيًا.

قتل الخازندار فى مسلسل الجماعة لوحيد حامد

هذه ملابسات حادث قتل الخازندارورأى الإخوان فيها: أنه اجتهاد فردى أخطأ من قاموا به ، وليست بأمر من المرشد ،وقد سبق أن ذكرنا أن المرشد والإخوان استنكرها ،

وإذا قارنا الحادث بالحوادث الأخرى التى تم فيها الاغتيال لأهداف وطنية كالتى قام بها مختلف الأحزاب نجدها استندت إلى مواقف ساء تفسيرها لا تستدعى الاغتيال ، ومع ذلك لم ينكرعليهم أحد خطأهم فى التفسير ، خذ مثلا قرار السادات ومجموعته اغتيال النحاس ؛ لقبوله الوزارة فى حادث 4 فبراير 1942 ، أليس السادات أخطأ فى إقدامه على اغتيال النحاس لهذا السبب ؟

ومن ناحية أخرى ، فقد سبق أن ذكرنا أن الاغتيال كان يتم وفقا للاجتهاد الشخصى فى ضوء تفسير الأحداث التى لا تكون دائما صواب ،

وفى حالة الخطأ يكون قد ارتكب جريمة قتل خطأ ، وقد حدث حوادث اغتيال أخطأ ، لكن لم يبدىء أحد اعتراضه أو استنكاره لهذا التصرف ، ومرت الحوادث بسلام ومُجد القائمون بها لأهدافهم الوطنية ؛ لكن هذا الميزان فى الحكم يختلف مع الإخوان ، فالأعمال المجيدة يتم غض الطرف عنها ،وإن اجتهدوا فأخطأوا، تكال لهم التهم .أهذا ميزان عدل يحكم به بين الجميع ؟! إنه عين الجور .

ولذلك نجد وحيد حامد يسلط الضوء على حادث قتل الخازندار مشوها ، فقد تعرضت الحلقة الخامسة والعشرون لمقتل المستشار أحمد الخازندار على يد محمود زينهم وحسن عبد الحافظ من شباب النظام الخاص، وبالرغم من أن الحادثة أثارت غضب الأستاذ البنا واستياءه الشديد، وإنكاره على السندي لسوء فهمه كما سبق إلا أن المؤلف لم يُظهر ذلك في المسلسل ،

بل أظهر ابتسامة رضا على وجه الشيخ البنا بعد فترة من التفكير، ركزت فيها الكاميرا على وجهه؛ ليشعر المشاهد أن الحادث تم بمباركة الأستاذ البنا ،

فليقل وحيد حامد ما يشاء فى ظل غياب المصداقية وانعدام العدل فى جو يصول فيه ويجول فى الميدان منفردا تسانده الحكومة المستفيد من هذا الكذب والتضليل فى سبيل تشويه تاريخ الإخوان المسلمين خصمهم العنيد .

وخلاصة القول :إن حادث قتل المستشار أحمد الخازندار حادث اغتيال سياسى بدوافع وطنية ، لكن الإخوان المسلمون لا يقرون الاغتيالات السياسية ،لذلك رفضه الإخوان واستنكروه ، وأقروا بأنه قتل خطأ يستوجب عليهم الدية لأهل القتيل كما عبر عن ذلك الإمام البنا فى مناقشته لقائد النظام الخاص عبد الرحمن السندى ، وكذلك أحمد عادل كمال فى ( النقط فوق الحروف ) ..