حسن جوده

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن جوده والعمل الدعوي ببني سويف

مقدمة

حسن-جوده.4.jpg

تنبع أهمية العلم كونه الأصل لكل شيء؛ حيث يساعد العلم على إيقاظ الناس من غفلتها، وتحرير عقولهم من القيود والخرافات التي لا فائدة منها، كما يؤدي العلم إلى تطور وتقدم الشعوب، كما أنه أساس كل عبادة تُؤدّى. وتناول حياة الرجال العظماء الذين رسخوا قواعد دعوة الإسلام المعاصرة، ليست مادة تطرح من أجل الإطلاع أو التسلية بل إن مراجعة تلك الحيوات والأحداث والتصرفات هي مادة للتأمل والتعلم.


وموت العلماء خطب جلل ورزية عظيمة وبلاء كبير إذ الأشخاص كلما كان دورهم عظيماً وأثرهم كبيراً كانت المصيبة بفقدهم أشد. ومن هؤلاء العلماء الأستاذ حسن جوده عبدالحافظ عويس أحد مؤسسي الدعوة في السبعينيات ببني سويف.


بداية حياته

حسن-جوده.7.jpg

في صعيد مصر حيث الألفة والتلاحم واحترام العادات والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من هوية المواطنين المصريين، ولد الأستاذ حسن جوده عبدالحافظ عويس في قرية تل كفر منصور التابعة لمركز ببا بمحافظة بني سويف بجمهورية مصر العربية وذلك في 6 فبراير 1929م، وكان والده يعمل جنديا في البوليس فعمل على تحفيظه القرآن الكريم والذي أصبح زاد له خلال رحلة عمره.


بين العلم والعمل

التحق بمدرسة بني سويف الأبتدائية وحصل عليها عام 1940م، وواصل تعليمه حتى تخرج عام 1951م من كلية العلوم بتقدير ممتاز. بعدما تخرج من كلية العلوم انتقل إلى بورسعيد ليعمل بمعهد المعلمين الخاص هناك مدرسا للرياضيات حتى اعتقاله. وحينما خرج بعد عامين عاد لعمله مرة أخرى، حيث عمل بمدرسة النيل الثانوية، والثانوية العسكرية ، ليرُقي بعد ذلك إلى مدرس أول بالأقصر الثانوية، ثم يعود ثانية إلى مدرسة النيل الثانوية بالقاهرة حتى أعيد اعتقاله.


بعدما خرج من السجن للمرة الثانية أُعير للعمل بالسعودية للعمل بمدرسة ثقيف بالطائف من عام 1971 م وحتى عام 1977م. وحينما عاد إلى مصر عمل موجها لمادة الرياضيات ببني سويف حتى خرج على المعاش عام 1989م.


بداية معرفته بالإخوان

كانت بني سويف من المحافظات القريبة للقاهرة والتي زارها الإمام البنا كثيرا وانتشرت الدعوة فيها وكان لها صدى طيب عند الناس، حيث تأثر حسن جوده بما سمع وما رأى من الإخوان في مدينته.


وحينما انتقل للدراسة في جامعة إبراهيم باشا (عين شمس حاليا) كانت الجماعة تعيش طور المحنة، لكن قرار حلها ألغاه القضاء عام 1951م وعادت لنشاطها حيث تعرف على طلبة الإخوان بالجامعة، وشاهد معسكراتهم التدريبية لحرب القنال داخل الجامعة والتي كان يقودها الأستاذ محمد مهدي عاكف عام 1951م (وهو العام الذي تخرج فيه).


تعرف على طلاب الإخوان حتى إذا انتقل للعمل ببورسعيد تعرف على الأستاذ أحمد المصري مسئول الإخوان ببورسعيد وعمل وسط إخوانه فيها حتى وقعت أحداث المنشية يوم 26 أكتوبر 1954م حينما زج به في السجن.


نزيل السجن في محنة 1954م

لم يكن الأستاذ حسن جوده قد لمع نجمه في هذا الوقت لكنه كان معروف من قبل الأمن كواحد من طلاب الإخوان المسلمين النشطين في الجامعة، ولذا ما إن وقعت أحداث 1954م حتى تم اقتياده من بورسعيد للقاهرة حيث زج به في السجن الحربي ونال قسطا من التعذيب داخله على يدي حمزة البسيوني وزبانيته، إلا أنه لم يقدم للمحاكمة مع كثير من الإخوان الذين تم الإفراج عنهم أواخر عام 1956م، ليعود لعمله.


وعادت المحنة عام 1965م

وضع حسن جوده تحت مراقبة البوليس كغيره من المفرج عنهم، لكنه كان حريص من خلال عمله في التدريس على تجلية الحقائق عن الإسلام وحقيقته للشباب والطلبة، حيث استطاع أن يكون عدد من الشباب عمل على تربيتهم وربطهم بالمسجد على خوف من أن يسمع بهم المباحث، وظل كذلك حتى صدر قرار عبدالناصر باعتقال كل من سبق اعتقاله.


فوجيء بالقبض عليه رغم أنه لم يكن ضمن تنظيم 1965م لكن كان قرار عبدالناصر باعتقال كل من سبق اعتقاله منذ عام 1948م فأصابه الاعتقال، لكن هذا الاجراء لم يقدمه للمحاكمة وظل معتقلا حتى خرج أواخر عام 1968م بعدما حلت النكسة على مصر.


خلال هذه الفترة تعرض للتعذيب الشديد ونقل من سجن لأخر حيث رحل من القلعة إلى سجن أبي زعبل فطره. وتم نقله إلى المنيا للعمل في التوجيه عام 1969م وظل به حتى سافر للسعودية.


تأسيس الدعوة ببني سويف

حينما خرج الإخوان أوائل ووسط السبعينيات من السجون توحدت جهودهم ووضعوا خططهم للانتشار بين الناس حيث أعادوا الوجه الإسلامي للحياة وللجامعة. وما إن عاد الأستاذ حسن جوده حتى كان أحد هؤلاء الذين انتشروا في كل مكان لإعادة الوجه الإسلامي للطلبة وللحياة، وتعاون مع الأستاذ التلمساني وإخوانه في تصحيح المفاهيم حيث كان يجوب القرى والمدن شارحا مفهوم الإسلام بمعناه الشامل، وحقيقة التمسك بالإسلام، فكان له أثر كبير (خاصة في بني سويف) في إعادة الناس إلى حاضنة الإسلام.


وكان مما يحاول تبليغه للناس:


(كلما زاد الالتزام في أفراد الأمة بالإسلام الشامل (القيم والمبادىء والعقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة والمعاملات الطيبة) زادت الأمة قوةً وتماسكًا وارتفاعًا، وتحققت السعادة، وانتشر الأمن في الأمم وبين الشعوب.. لذلك فالالتزام ضروري للفرد والأسرة والمجتمع).


(ولابد أن يصبح الفرد نموذجًا قائمًا لما يريده الإسلام، فالإسلام يريد في الفرد وجدانًا شاعرًا يتذوق الجمال والقبح، وإدراكًا صحيحًا يتصور الخطأ والصواب، وإرادةً حازمةً لا تضعُف ولا تلين في مواقف الحق، وجسمًا سليمًا يقوم بأعباء الواجبات الإنسانية حقَّ القيام، ويصبح أداةً صالحةً لتحقيق الإرادة الصالحة، ونصر الحق والخير).


عمل على غرس جوانب متعددة لمعنى الألتزام في نفوس الناس مثل الالتزام العقدي، والالتزام التعبدي، والالتزام الأخلاقي، والالتزام الاجتماعي، والالتزام الدعوي.


بين أروقة البرلمان

حسن-جوده.17.jpg

حينما عاد إلى بني سويف أرسى قواعد جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف في عام 1977م، ورأس مجلس إدارتها.وفي عام 1978م أنشأ حضانة الدعوة الإسلامية ، وكذلك مدارس الدعوة الابتدائية ببني سويف والفشن وغيرها. وبعد ذلك تم إنشاء مستوصفات ببا وناصر ومستشفى الدعوة الإسلامية.


ظل مع إخوانه عاملا مجاهدا حتى تم اختياره عضوا بمكتب الإرشاد عام 1985م وظل فيه حتى وفاته، كما رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب لعام 1984م ليفوز بالعضوية حتى عام 1987م. كما رشح نفسه في انتخابات 1987م غير أن التزوير كان سمة المشهد.


اعتقال ومرض

ما كان لمثل هذا المربي أن تتركه قوى البغي التي تحارب كل ما هو إسلامي، حينما غضب السادات على التيارات المعارضة لمعاهدة كامب ديفيد حتى أصدر قرارات سبتمبر 1981م الشهيرة باعتقال العديد من المعارضين وعلى رأسهم رجال وشباب الإخوان المسلمين فتم اعتقال الأستاذ حسن جوده ضمن المعتقلين حتى أفرج عن الجميع عام 1982م.


وحينما قامت جماعة الإخوان المسلمين باجتماع مجلس الشورى العام وأجرت انتخابات مكتب الإرشاد ومجلس الشورى عام 1995م تم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة العسكرية على خلفية قضية حزب الوسط، حيث رأت المحكمة إخلاء سبيله لمرضه الشديد، لكن تم القبض عليه وأدع السجن حينما صدر حكم بحبسه ثلاث سنوات قضاها كاملة.


وفاته

ظل الأستاذ حسن جودة عاملا من أجل دينه ودعوته والقرب من الله بالمحافظة على عبادته رغم مرضه الشديد، لدرجة حرصه على صلاة الفجر حيث استيقظ مبكرا استعدادا لصلاة الفجر حيث صلى ركعات قيام الليل وتسحر وبدأ يتجهز لصلاة الفجر يوم الخميس 13 نوفمبر 2003م الموافق 19 رمضان 1424ه، إلا أنه روحه صعدت أثناء نزوله للمسجد، حيث شيعته آلاف الجماهير وتقدمهم المرشد العام المستشار المأمون الهضيبي والكثير من قيادات الإخوان المسلمين.


وقد شيعه الآلاف من أبناء محافظته "بني سويف" بعد صلاة ظهر يوم الخميس إلى (سنور)؛ حيث تقع مدافن عائلة الفقيد. وحضر الجنازة عددٌ من أعضاء مكتب إرشاد الجماعة منهم:


المهندس "خيرت الشاطر"، والدكتور "محمود عزت"، والدكتور "رشاد البيومي"، والدكتور "محمد بديع"." كما شارك في الجنازة عدد من قيادات الجماعة بمختلف المحافظات، مثل الشيخ "عبدالعزيز عشري" من الفيوم، والدكتور "جمال عبدالهادي" والشيخ "خيري ركوة"، والأستاذ "محمد بدوي" من القاهرة، وعدد من قيادات الإخوان بالمنيا والمنوفية.


الحكومة في عزائه

وكان لحسن سيرة الرجل وبلوغه بخلقه ودعوته قلوب الجميع أثر حتى على الحكومة والتي أرسلت برقية عزاء فيه ممثله في الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء والدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والدكتور ممدوح رياض وزير البيئة والسيد راشد رئيس اتحاد عمال مصر. حتى الكنيسة حضر وفد يمثلها في اليومين الأول والثاني لتقديم واجب العزاء.


قالوا عنه

كان الأستاذ حسن جوده نموذجا للثبات على الحق حيث ما زال شباب الدعوة ورجالاتها يتذكرون روحه المرحة وثباته رغم ما لاقاه من عنت واضطهاد وتعذيب.


ماذا قال المرشد العام المأمون؟

شارك المستشار المأمون الهضيبي في تشيع جنازته حيث أثنى عليه قائلا:


""إن وفاة الفقيد جاءت في أيام مباركة وبشارة له، وندعو الله أن يميتنا في مثل هذه الأيام المباركة". وقال أيضا: "إن الفقيد- رحمه الله- كان من "الذين ضحوا وبذلوا وعملوا من أجل إسلامهم وأمتهم ووطنهم، وكانوا النموذج والمثل في القدوة والعطاء وحمْل وأداء الأمانة."


وأضاف:


"إن الخَطب جَلَل لكنَّ الله أجلُّ، والمصيبة كبرى لكن الله أكبر، وأملنا في الله أن يتقبل فقيدنا الكريم في أعلى درجات الجنة.. فقد فقدت دعوة (الإخوان) ركنًا من أركانها الهامة، ورجلاً من خِيرة رجالها الذين عاصروا مراحلها جميعًا؛ فنشأ وتربَّى وعمل فيها بإخلاص وإيمان


ولا نُزكي على الله أحدًا، وبذل جهده وماله ونفسه في سبيل الدعوة وتربية النشء والأجيال؛ حيث أسس جمعية (الدعوة الإسلامية) بمدارسها وحضاناتها ومستشفاها؛ لتُخرج أجيالاً تعرف جيدًا كيف تعبد ربها، وتُراعي حرماته، ونسأل الله أن يجعل ذلك كله في ميزان حسناته



وأن يغفر له ويرحمه، وأن ينقيه من ذنوبه كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد، وأن يبارِك له في حسناته، كما نسأله تعالى أن يخلف دعوة (الإخوان) في مصيبتها خيرًا، ولا يسعني في هذا المقام الجلَل إلا أن أتقدم بخالص العزاء لأسرة الفقيد ولجموع شعب بني سويف الكريم."


الأستاذ "مسعود السبحي" سكرتير المرشد العام

الأستاذ "مسعود السبحي" سكرتير المرشد العام قائلاً:


وداعًا لأخ مجاهد أمضى شبابه وشيخوخته وكهولته يدعو إلى الله، مُحبًا لدعوة الإسلام ودعوة الإخوان، بذل نفسه ونفيسه في سبيل الله، وكم أُوذي أكثر من مرة فكان صابرًا محتسبًا ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص: 30)


الأستاذ محمد بدوي (مسئول مكتب شرق القاهرة)

الأستاذ محمد بدوي (مسئول مكتب شرق القاهرة) قال:


"﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23) ونحسب أن الحاج "حسن جودة" كان من هذا الصنف الذي قضى نحبه في سبيل الله فلم يغير ولم يفرط ولم يُهادن في حياته كلها، التي أشهد وقد تعرفت عليه في السجن عامي 1981 و 1996م،أنه عاشها لله، فقد رأيته كالجبل الشامخ الصامد الأشم لا يضعُف ولا يلين في وجه الظالمين الطغاة


بل كان رحمه الله عامل تثبيت لمن حوله حين تنزل المصائب، ويحل الخطب، فكان قدوةً عمليةً وأسوةً رأينا فيه الثبات واليقين الذي لا يتذبذب، فكان رحمه الله رجلاً قويًا في وقت عزت فيه القوة وقل فيه الرجال وكثر أشباه الرجال، فكان رحمه الله خدومًا لوطنه وأهله وناسه، وكان نموذجًا عمليًا لخدمه المجتمع حينما كان عضوًا في البرلمان عام 1987م.


وأضاف الأستاذ "بدوي":


ستظل هذه الدعوة المباركة ولودًا تخرج الأجيال جيلاً بعد جيل، ويحمل رايتَها رجال بعد رجال.


الشيخ خيري ركوة

الشيخ خيري ركوة قال:


ثم تحدث الشيخ "خيري ركوة" فقال: نحمد الله على ما ابتَلى وعلى ما قَضى وعلى كل شيء، ولا شك أننا معشرَ الإخوان نستشعر هذا الابتلاء في فقد أخ كريم عزيز ومعلم في وقت ما أشد حاجة الساحات إلى أمثاله يسد ثغورًا، ويحمي قيمًا، ويؤدي أمانةً ويبلغ رسالةً، ونحسب أن هذا الحسن رحمه الله.. رحمةً واسعةً وأجزل له العطاء.. وأحسن له الثواب


كان كذلك، فالناس صنفان حي ميت، وميت حي، ما أكثر مَن يوصفون بالحياة يدبون على الأرض!! لكن أين أثرهم؟ وأين عملهم؟ وأين نتاجهم؟ وأين ما قدموا من نفع وخير؟ ومن الناس الذي يعد ميتًا حيًا، حيًا بما ترك وبما قدم من حسن عطاء ومن كرم سيرة.


فعندما يذكر "حسن جودة" تذكر معه دعوة الإخوان، ورسالة الإسلام، وشباب هذا البلد الذي نأمل أن يتمثل خلق الراحل، ويسد الثغرة أبناؤه الذين نهلوا من خيره وتعلموا على يديه، وساروا بهذه الدعوة، وأحسب أن في أعناقهم أمانةً وبيعةً لهذا الفقيد العظيم على أن يواصلوا المسيرة ويقيموا هذه الدعوة، وأن تنتشر بين أبنائهم وبيوتهم؛ فإن الدعوة ولود، ونأمل أن يكون هذا الشباب خلفًا لهذه المسيرة وعِوضًا عنها، وأن تعرف هذه الأجيال الناشئة قيم الرجال وتقدر حملة الدعوة فيهرعون على طريقهم ويسيرون على منوالهم.


فيا أخي حسن، يرحمك الله.. كن مطمئنًا على ما بذرت في هذه الحياة الدنيا.. فقد تركت خلفك ألسنةً لاهجةً بشكرك، والدعاء لك أن يجزيك الله خيرًا على ما قدمت، وأن يجعل عملك وجهادك في ميزان حسناتك، وأن يكون شاهدًا لك لا عليك، ويا إخواني في بني سويف، إن فقدكم هذا الرجل ليس مصيبةً بالنسبة لكم فحسب.. لكن هو ذلك بالنسبة لنا جميعًا معشرَ الإخوان فإننا في وقت في أشد الحاجة لهذه الأمثال العظيمة تقف في الصف، وتشد من عضده؛


حتى يتم زحف الدعوة إلى غايتها، وتصل لآمالها، وكلنا أمل في الله أن يخلفنا فيه خيرًا، وأن يربط على قلوب أبنائه نسبًا ودعوةً، فما أكثرهم! وما أشدهم حزنًا عليه! ولكننا لا نحزن كثيرًا على الدعاة؛ لأننا نطمئن بأنهم مغادرون لرحمة واسعة ورضوان كبير، وإلى ما هو أفضل وأحسن مما نحن عليه ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ (القمر:54، 55).


نحسبه كذلك من الذين يكرمهم الله ويرفع درجاتهم ويعلي مكانتهم ويحشرهم مع ﴿النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء:69) رحمك الله يا أخ حسن، وعوضنا خيرًا، وربط على قلوبنا، وألهم هذه المحافظة الصبر والسلوان، وكان لك عند الله الأجر الجزيل.


الشيخ عبدالخالق الشريف

وقال الشيخ عبدالخالق الشريف:


ما رأيت منه إلا الخير خارج وداخل الأسوار، ومنذ أن عُين مدرسًا في بور سعيد، والتحق هناك بدعوة الإخوان ثم أُعتقل في أعوام 1954 و1965 و1981 و1996م وهو يحمل اللواء.. فكان له السبق في بناء جمعية (الدعوة الإسلامية) التي تعد أكبر جمعية للدعوة في المحافظة والتي ما تركت قريةً ولا مدينةً إلا ووصلت إليها برًا وإحسانًا وتعليمًا للنشء وكفالةً للأيتام وبناءً للمساجد


وكان رحمه الله والدًا رحيمًا.. كم من أناس انفعلوا عليه كثيرًا! وكم من أناس أخطأوا في حقه مرارًا.. فما كان منه إلا أن يبتسم! دعاء الدكتور "جمال عبدالهادي" فأمن الحاضرون وراءه، مودعين فقيدهم وفقيد الإخوان وفقيد الأمة "حسن جودة"، فلله ما أعطى، ولله ما أخذ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أخ "حسن" لمحزونون."


الدكتور عصام العريان

وكتب الدكتور عصام العريان مقالا عنه جاء فيه:


هناك علامات مضيئة في تاريخ الدعوة، ورجال تركوا بصماتهم على من حولهم، وهناك أتقياء أنقياء يمرون ولا يشعر بهم أحد. من هؤلاء وهؤلاء كان الحاج "حسن جودة عبد الحافظ" (عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين).. كان الأستاذ "حسن جودة"، أو الحاج "حسن" كما عرفه من حوله أستاذًا للرياضيات بالتربية والتعليم، ونذر نفسه، لا ليعلم الرياضيات فقط، ولكن ليعلم الناس الخير


ويربيهم على الدعوة إلى الله، ويحضهم على قيم الإسلام وسلوكياته، ولم يكتف الحاج "حسن" بالجانب النظري فقط، لكنه أسس وأدار لفترة طويلة (جمعية الدعوة الإسلامية) ببني سويف، وكان أبرز نشاط الجمعية هي (مدراس الدعوة)، التي تفوقت على مستوى المحافظة، بل مستوى الجمهورية كلها، وحازت المركز الأول لسنوات على بني سويف، وحقق تلاميذها مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة.


كان الحاج "حسن" من رجال العمل الاجتماعي المبرزين في بني سويف، وكان الناس يلتفون حوله، يستفتونه في شئون دينهم، كما يسألونه العون على شئون دنياهم، ولم يبخل بوقت أو جهد، بل نذر نفسه لله، وللدعوة في سبيل الله.


انتخبت مدينة بني سويف الحاج "حسن" مرتين لعضوية مجلس الشعب، ففاز في الأولى عام 1984م في أول تجربة للإخوان المسلمين بالتنسيق مع حزب الوفد، وتم تزوير الثانية عام 1987م عندما تحالفت (الإخوان) مع حزبي العمل والأحرار، ونقلت وزارة الداخلية عشرات الآلاف من الأصوات التي حصلت عليها القائمة التي يتصدرها الحاج "حسن" إلى حزب الوفد


فكان مقعد القائمة من نصيب مرشح العمال الأخ "يس عبد العليم"، وحرمنا من صحبة الحاج "حسن" تحت قبة البرلمان في دورة (1987م- 1990م)، وقدَّر الله لي ألا أصحبه في هذه الدورة، ولا في التي سبقتها، وإذا كنت حرمت صحبته في البرلمان، فقد أنعم الله علينا بصحبته في الليمان، وبين البرلمان والليمان فروق كبيرة، وبينهما ينتقل الإخوان!


لقد ألقي القبض على الحاج "حسن" مع عدد من كبار الإخوان وشبابهم في القضية الشهيرة بـ (حزب الوسط) عام 1996م، بعد أن تمت محاكمتنا عسكريًّا، وحُكم علينا بخمس سنوات عام 1995م، وحُوكم الحاج وإخوانه عسكريًّا، وحُكم عليه بـ 3 سنوات، قضاها كاملة خلف القضبان صابرًا محتسبًا رغم كبر السن ووهن العظم وقائمة الأمراض.


كان دائمًا بشوشًا مبتسمًا، يعيش مع القرآن، ولا يختلف عن خدمة إخوانه، ويشارك رغم السن والمرض في تحمل الأعباء والمسئوليات، وخرج من السجن إلى ساحة العمل والجهاد، لم يتوانَ أو يتخلف أو يتراجع، فعاد إلى ممارسة مسئوليته في مكتب الإرشاد ممثلاً لشمال الصعيد.



عرفت بيت الحاج "حسن" رحمه لله بيتًا للإسلام والدعوة، فكان الرجل قدوة بين الإخوان؛ حيث بدأ بعشيرته الأقربين، وربى أولاده وبناته السبعة على طاعة الله ودعوة الإسلام، وساعده على ذلك زوجٌ وفية مخلصة، نسأل الله أن يرزقهم جميعًا الصبر والسلوان، وأن ينعم عليهم بالرضا والعرفان، وأن يلهمهم حسن العزاء.


كانت الحاجة "أم حسام" تزوره في سجنه رغم سنها وتعبها، ومشقات الطريق، وسخافة الإجراءات، فكانت زيارتها رحمة لنا جميعًا بدعواتها وتثبيتها للأخوات؛ حيث كانت أمًّا للجميع، وكانت بسمتها الراضية تبعث الأمل في قلوب الأخوات والإخوان .. انتظم أولاده وأحفاده في ركب الدعوة، فأعطى القدوة والمثال لرجل الدعوة الذي لا يشغله شأن عن شأن، بل يعطي كل ذي حق حقه.


لقد ربى الحاج "حسن" جيلاً طوال هذه السنوات، استطاع أن يحمل أعباء الدعوة بصدق وإخلاص، ولا أظن أن في بني سويف أحدًا لم يترك الحاج "حسن" بصمته عليه.


إننا نتعلم من الراحل الكريم دروسًا عالية في طريق الدعوة إلى الله تعالى:


لقد كان رجلَ عملٍ، يحبه كل من يلقاه، ويؤثر بِسَمْتِهِ وطريقته في كل من عايشه أو احتك به، يحب الخدمة العامة لكل الناس. لقد كان رجلَ عملٍ اجتماعي من الطراز الأول، يؤمن بتقديم الإسلام في صورة عملية إلى الناس، و"جمعية الدعوة" خير شاهد على ذلك.


لقد كان محبوبًا بين الناس، يعطونه ثقتهم، ويمنحونه أصواتهم، لما يسريه إليهم من خدمات، قد لا يكون خطيبًا مفوهًا أو برلمانيًّا قديرًا، ولكنه حاز ثقة الناس بعطائه وإخلاصه، ولا نزكيه على الله.


لقد كان مربيًا مؤثرًا، ناجحًا في محيطه الدعوي، تاركًا بصماته على من حوله. لقد كان أبًا رحيمًا وزوجًا مخلصًا، ورب أسرة صالحة، عاشت- ولا تزال- للدعوة وعمل الخير. لقد كان معلمًا لأجيال، قضى حياته الوظيفية مدرسًا وموجهًا، وربط حياته الدعوية بين وظيفته وبين دعوته.


انتقل الحاج "حسن جودة" إلى رحمة الله تعالى عن عمر ناهز الـ 75 عامًا، عاش معظمها في رحاب الدعوة.. نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، وأن يجزيه جزيل الثواب، وأن يجعله من أهل الجنة، وأن يغفر له الزلات والهفوات والسيئات.


وعاجل بشرى المؤمن أن يلقى ربه في رمضان؛ حيث ترحب به الملائكة من باب "الريان" .. وهو يلقى ربه بعد عام من انتقال مرشدنا الراحل "مصطفى مشهور"ر إلى رحاب الله، وبينهما صلة الدعوة وصلة الأرحام. رحم الله الحاج "حسن جودة"، ورحم أمواتنا وأموات المسلمين، ونسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا جميعًا، وأن يثبتنا على طريق الدعوة حتى نلقاه. وخالص العزاء إلى الأسرة الكريمة، وإلى إخوان بني سويف ومصر جميعًا " .


الأستاذ بدر مرزوق

وكتب عنه الأستاذ بدر مرزوق تحت عنوان (أسد الدعوة):


(مَا يَفْتَحْ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (فاطر: 2) .. أول سورة فاطر تلاوةً شاءت إرادة الله العلى أن تفتح أبوابًا للرحمة على بني سويف، فخرج من أهلها نفر حملوا همَّ النصح والإرشاد والدعوة العملية، فضلاً عن الإصلاح والبعد عن مزالق الحديث وكثرة الكلام، فشمَّروا وجدُّوا، وتحرَّكت معهم بيئة صالحة مهيأة بالفطرة للعمل في سبيل الله.


وانطلقت مسيرة الدعوة فكانت آيةً في ذاتها آتت ثمارها، فشربنا جميعًا من ينابيعها الصافية، وقطفنا من ثمارها الطيبة، تخرَّجت فيها أجيال، وبُنيَت أسر وعائلات، وتكافل المجتمع بشكلٍ لم يُعهَد في التاريخ الحديث.


قاد المسيرةَ رجلٌ تعوَّدنا منه على العطاء لا الأخذ، والبذل لا الطمع؛ حُبسَ واعتُقل، حوكم عسكريًّا وغُيِّب خلف قضبان الظلم، إلا أنه لم يَغِبْ ولو للحظة واحدة من وجدان مجتمعٍ اتخذه أبًا له. كان إذا تحدث سُمِعَ له زئير، وإذا تحرَّك أحاطته مهابة المؤمنين، وحتى موته كان عجيبًا؛ مات واقفًا، وهكذا تموت الأسود.


ومن يكون أسد بني سويف إلا الأستاذ حسن جودة عليه رحمة الله، والذي انتقل إلى جوار ربه وهو يتحرَّك لصلاة الفجر يوم 18 رمضان منذ سنوات قليلة، ولكن عزاؤنا فيه أنه ترك من خلفه ذرية دعوية، ورجالاً أطهارًا فقهوا مهمتهم، وآمنوا بقضيتهم؛ واصلوا الليل بالنهار حتى يُتمُّوا مهمةً بدأها المخلصون، فكانوا خير خلف لخير سلف.


ولأن أحلام الأمس حقائق الغد، والعواطف تدفع أصحابها إلى العمل الجاد، فقد اندفع ثلة من أهل بني سويف مع قائد الدعوة فيها لإنشاء فصولٍ للتقوية بمدرسة الإعدادية الحديثة بنين عام 1977م، وبدأ حلم الإصلاح يدور بعقول ذلك الرعيل الأول من خلال إصبع للطباشير جاء به أسد الدعوة الأستاذ حسن جودة - عليه رحمة الله- ليكون بدايةً للعمل، وكأنه يعيد كرَّة قديمة ويقول للشعب "اقرأ.. اقرأ باسم ربك الذي خلق".


ودارت عجلة العمل في سبيل الله، وولد عملاق اسمه "الإصلاح والنهضة"، وتطوَّر العمل وصدح بالآذان معلنًا عن إسلامية الرسالة، وفرضية العمل من مسجدَي الحاج ناصف والأسيوطي، وتجمَّع فيهما الشباب، فصلُّوا وتعلموا، وصاموا واعتكفوا، وقرءوا وحفظوا، ونهلوا من كتاب الله واقتدوا بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.


ثم تبرَّع المرحوم الأستاذ بكري عسقلاني بأرضٍ ورثها لبناء مسجد الدعوة الأول، فحفر الشباب القواعد بسواعدهم، وتجمَّعت الجهود وشُيِّد المسجد وأُسِّست جمعية الدعوة الإسلامية، والتي ضربت أروع المثل في العمل الاجتماعي الذي يبني ويعمر ويعلم ويصلح.


تجمَّع أبناء بني سويف تحت الراية الغالية، وقد أعدوا العدة لعمل جاد، ولأن النوايا كانت خالصة، وهب الله بني سويف مجموعةً من المحافظين الجادِّين: المرحوم المحافظ محمد عثمان إسماعيل، والمرحوم المحافظ عبد المنصف حزين، وقد لمسوا صدق العمل بعدما زاروا أول صرحٍ تعليمي للأطفال (حضانة الدعوة الإسلامية) ؛ تعلَّم الأطفال حبَّ الله والوطن واحترم الأنبياء كلهم، ولا تعلِّم الحضانة إلا الحبَّ لأطفالٍ لا يعرفون إلا البراءة، فوجدوا نتائج مذهلة: أبناء حضانة الدعوة أطفالٌ في أحجامهم، ورجال في إيجابيتهم.


نعم.. لمس كل زائرٍ لحضانة الدعوة يومئذ أطفالاً أطهارًا مُقبلين على التعليم، مُحبِّين له، لم يجد الزائر للحضانة المعلَّم التقليدي ولا التلميذ المتلقِّي وفقط، ولكن وجد آباءً وأمهات يعلمون ويربون ويدربون، كما وجد أبناءً ينهلون بحبٍّ من ضرعٍ للعلم عاد بعد طول غياب.


وهنا.. طلب رجال الدعوة أرضًا لتأسيس مدارس تعلِّم النهج القويم وتقدِّمه لمجتمعٍ فقَدَ بوصلة توجُّهه، فكانت منة الله يومئذٍ، والتي جاءت على يد السيد المحافظ عبد المنصف حزين رحمه الله؛ وذلك باقتطاعه جزءًا كبيرًا من مشتل محافظة بني سويف، وخصَّصه لبناء مدارس الدعوة، وعادت طيورٌ هاجرت لتساعد في ذلك الصرح الضخم، فإذا بأعمال التصميم يقدِّمها المرحوم الأستاذ عباس صفي الدين هدية، وجُمعت التبرعات وظهر البناء، وجاء أول أتوبيس ينقل أبناء الدعوة، وكان مشهد فرح ميَّزه صوت "سارينة" سيارة المدرسة إذا ما طرقت أسماع البيوت لتنقل الأبناء من وإلى المدارس.


كبرت المدارس وانتشرت وتنوعت: ابتدائي.. وإعدادي.. وثانوي، ثم فروع منتشرة في ربوع المحافظة (مركز ناصر- الواسطى- الفشن)، ونالت المدارس أعلى الدرجات حتى تفوَّقت، وأصبح من ديدنها أن تحجز أكثر من 7 أماكن من العشرة الأوائل على المحافظة في كل عام، فضلاً عن أن الرسوب لم يعرف لأبناء الدعوة طريقًا.


تنوَّعت المسيرة وخاضت الدعوة غمار المجال الطبي، وأُنشئ مستوصف طبي لخدمة أبناء بني سويف وبأسعار خدمية لدعم أبناء بلدة معدودة بين البلدان الفقيرة، ونما النشاط كذلك في هذا المجال، وافتُتحَت مستوصفات جديدة في مراكز ناصر وببا ومعمل للتحاليل وعيادات للأسنان.


ثم أُنشئت مستشفى الدعوة الإسلامية بتبرع كريم من المرحوم المهندس حسين حافظ، وكانت أول مستشفى في المحافظة يقدم خدماته الصحية بأسعار تناسب المستهلك، ولم تَنْسَ الدعوة حصة الفقراء؛ فقد وفَّرت لهم الجراحات والأسرِّة بالمجان.


كل ما سبق ثمار لعمل متواصل وجهد وعرق قام به رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وتكوَّنت نتيجةً لهذه الجهود شعبية جارفة وحب صادق وثقة متبادلة بين العاملين في الدعوة وأبناء محافظة عرفوا حقوقهم وبدءوا بالمطالبة بها.


والتقت مطالبات الجماهير مع رغبة المصلحين من الإخوان المسلمين، فترشح أسد الدعوة الأستاذ حسن جودة في انتخابات البرلمان عام 1984م على قائمة حزب الوفد، ودخل البرلمان ممثلاً عن محافظة بني سويف، ثم خاض الإخوان انتخابات 1987م على قائمة حزب العمل، وتوالت محاولات الإصلاح الديمقراطي السلمي الواعي من خلال دخول الانتخابات النيابية والمحلية؛


وذلك حتى المرحلة الأولى من انتخابات 2005م والتي حقَّق فيها الإخوان نجاحًا لم يتوقَّعه الجميع، ودخل أربعة من الإخوان البرلمان ليمثلوا شعب بني سويف تمثيلاً حقيقيًّا ينادي بصوت الفقير ويرفع صوت المقهور ويحاسب كلَّ من لم يُحاسَب من قبل، على الرغم من كم الزيف وظلام الكيد المحيط بهم.


وإذا بشياطين الإنس قد تآمروا وصوَّبوا سهام نفاقهم، وقذائف طمعهم، وأكاذيب حقدهم، فصنعوا المحاكم العسكرية لفئةٍ آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، ووقف أبناء مصر الأطهار أمام محاكم دنشواي العصر؛ المحاكم العسكرية، وظلموا وظُلم معهم الطهر والإخلاص؛ وذلك في سياسة مُبيَّتة بليلٍ، وقد سمَّوها (تجفيف المنابع) ؛ وذلك حتى تجف ينابيع إصلاح المجتمع ومنابع الإصلاح الذي يُراد وأده، وحل مجلس إدارة جمعية الدعوة وأرادوا بها كيدًا، وحرم الإخوان من ارتقاء المنابر، وإذا فكروا في خوض غمار أي انتخابات كانت أبواب السجون منتظرةً إياهم.


إلا أن الشعب الأصيل الذي ارتوى من ينابيع الدين والقرآن، وذاق وعرف الطهر ووعاه من أبناء حركة إسلامية خالصة، ما زال باقيًا على العهد، وفيًّا لقيادته الشرعية المنتخبة، مبايعًا إياها في هتاف تغنت به مصر: "الإسلام هو الحل".


وذلك بعدما عاينوا حزبًا يحكم ويجلس فيه فاسدون ومرتشون ومحتكرون، وصار شعب مصر لهم سلعةً لا تُباع ولو بثمن بخس، ولكنها سلعة تُوهب لبطونِ أسماك البحر في عبَّارة ممدوح إسماعيل، والتي اختزلت مشهد فساد نظام مع شعبٍ مغلوب، وكذلك في حرائق للقطارات وقصر الثقافة وحوادث طرق وأدوية ليست فعَّالة، وكيماويات مسرطنة، وسلع إستراتيجية محتكرة، ورغيف خبز تنأى عنه الدواب، وغلاء فاحش ومرتبات ضئيلة


ويوم أن فكر النظام في رفع الأجور في صورة منحة تحوَّلت بقدرة الفساد إلى محنة للشعب المطحون، فتضاعفت الأسعار وزادت فواتير المياه والكهرباء والتليفونات، في الوقت الذي يباع فيه الغاز الطبيعي لدولة الاحتلال اليهودية بثمن بخس، وكانت خاتمة المصائب حريق مجلس الشورى الذي لم يجد من يبكيه، وصرخ الناس، وتألم الشعب، ولكن "قد أسمعت لو ناديت حيًّا".


نعم.. ماتت قلوب المزوِّرين، وقُتل إيمان المفسدين، وأصبحت صفة الوطني سبةً في وجه من يحملها؛ لأنها أصبحت تعني المتاجرة بالوطن وأبنائه، ولم يَبْقَ للشعب الجريح بعد الله إلا الإصلاح والاعتماد على ذاته والالتفاف حول الإخوان المسلمين وبعضٍ من التيارات السياسية المخلصة لتراب وطن مقهور.


وأضحى شعار الفساد "أخرجوا آل الإصلاح من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" ، إلا أن الشعب الحر ما زال دمُ الحرية ينبض بين ضلوعه الكسيرة، ومسيرة الإصلاح فيه ماضية ما دامت السماوات والأرض، وسيظل شعاره الذي آمن به مرفوعًا مهما أقصوه "الإسلام هو الحل".



﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227)، وما زال الشعب ينتظر عودة جمعية الدعوة وأملاكها (الحضانات والمدارس والمستوصفات والمستشفيات فضلاً عن المساجد) إلى من أنشئوها وعمَّروها وبذلوا فيها الدماء والأرواح لله، ثم إصلاح مجتمع أكله سوس الفساد.


المصادر

  1. حسن جودة والدعوة في بني سويف: ويكيبيديا الإخوان المسلمون
  1. برقيات عزاء من الوزراء ومجلس الشعب في وفاة الأستاذ حسن جودة
  1. تشييع جنازة "حسن جودة" و"الهضيبي" يؤم المصلين
  1. بدر مرزوق: أسد الدعوة، 3 ديسمبر 2008