عبد الناصر الحقيقة والأسطورة (الثانية والأخيرة)
هشام حتاته
(2016-04-14)
ما زال الحديث موصول حول موضوع عبد الناصر الحقيقة والأسطورة ونقول الآتي
تنويه: اعتقد البعض انثنى احمل حقدا وكراهية شخصية لعبد الناصر ، والحق أقول لكم: أنا وعائلتي كلها من المستفيدين من عصر عبد الناصر ، كان شقيق والدي هو اللواء صلاح حتاتة صديقا شخصيا لعبد الناصر وان لم يكن ضمن تنظيم الضباط الأحرار لأنه كان اكبر في الرتبة منهم ، وعين مديرا لسلاح المشاة وهو برتبه عميد وكانت السابقة الأولى والأخيرة في مصر
وجاء عبد الناصرالى بلدتنا فى ضيافة والدي هو وجميع أعضاء مجلس قيادة الثورة عام 1954 ، وتم تعيينه عمى رئيس الدائرة الأولى في محكمة الشعب التي حاكمت الإخوان المسلمين ـ واختلف عمى مع عبد الحكيم عامر وترك الجيش فقام عبد الناصر بتعيينه قائدا عاما للدفاع الشعبي ، وتعيينه عضوا منتدبا من مجلس قيادة الثورة في أربع شركات كبرى ، وعندما دخل انتخابات مجلس الشعب أغلق له الدائرة حتى لا ينافسه احد ، وأصبح رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي فى المجلس وعندما مات عام 1963 أطلق اسمه على المدرسة الثانوية بالمركز وعمل له تمثال نصفى في مدخل قريتنا
علاوة على العديد من المراكز الهامة التي شغلها عددا من أفراد العائلة في الشرطة والجيش والقضاء ولهذا فمعظم عائلتنا تدين لعبد الناصر بالولاء ، وورثت عنهم حبي له حتى جاءت هزيمة 1967 فاهتزت قناعاتي ومع تداعيات الهزيمة تركت عواطفي جانبا وبدأت أفكر بطريقة نقدية ، لانثنى اكتب للتاريخ بمنتهى الحيادية
انتهينا في المقالة السابقة بطرح سؤالين في منتهى الأهمية:
- لماذا لم تتدخل القوات الانجليزية المودة في القناه لحماية الملك
- ولماذا بدأت الثورة بالغربة في تطهير الجيش قم انتهت في رحيل الملك
وقلنا ان هناك معامل آخر خارج الصورة كان العم سام العلاقة بين ضباط الثورة وأمريكا معروفة للمتابعين وذكرها كل من هيكل ومصطفى أمين في عدة كتب ومقالات ، وجلال كشك نشرها بالإضافة إلى توثيقة للعلاقات المصرية الأمريكية في بدايات الثورة في كتابه الضخم (ثورة يوليو الأمريكية)
وأيضا كتاب لعبة الأمم لرجل المخابرات الأمريكية فى مصر (مايلز كوبلاند) الذي تواجد بمصر في بدايات الثور، وتعاونه الوثيق مع عبد الناصر
والكتاب موجود أيضا على النت لمن يريد تنزيله على الرابط:
http://www.4shared.com/office/TtQoy_B0html
ويمكنني ان الخص العلاقات الأمريكية مع عبد الناصر بالتالي:
خرجت أمريكا منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية في وقت حل الدمار بمعظم أوروبا ، وكان من الطبيعي للمنتصر وصاحب القوة العسكرة الأكبر في العالم ان يكون له مناطق نفوذ ، ولما كانت انجلترا وفرنسا يقتسمون العالم تقريبا فكان من الطبيعي ان تكون مناطق نفوذ أمريكا على حساب أيهما او كلاهما .
فى بداية أربعينيات القرن الماضي انتشر الفكر الماركسي بين معظم المثقفين المصريين لما يحمله من قيم العدالة الاجتماعية فى وقت كان كل فلاحى مصر وعمالها يعملون لدى كبار الملاك وأصحاب المصانع بالحد الأدنى من الكفاف ، كان كل فلاحى مصر حفاه ، مما دعي مصطفى وعلى أمين باقتراح على الملك فاروق بحملة (محاربة الحفاء) والتي تعنى حذاء لكل فلاح .
كانت مصر مقبلة على ثورة ماركسية، وكانت ثورة 1952 هي طوق النجاة من هذه الثورة ، فلهذا لا نستغرب ان تهتم بها أمريكا وتعمل على دعمها فوجود 50 ألف جندي بريطاني غربي قناة السويس وتدخلهم لصالح الملك قد يكرر ماساه ثورة عرابي ، وعبد الناصر يعي هذا جيدا ، وكان منع تدخلهم هو مهمة أمريكا
ولكن هيكل يقول قولا لا يصدقة عاقل:
- ان عبد الناصر قابله يوم 18 يوليو قبل الثورة بخمسة أيام وابدي مخاوفه من تدخل الانجليز إلا ان هيكل طمأنه بان الانجليز ليس لديهم القدرة على التدخل السريع (وكان الضابط عبد الناصر لا يعرف هذه الحقيقة التي يعرفها هيكل) فمعنى هذا عبد الناصر لم يبدى مخاوفة من تدخل الانجليز الا قبل الثورة بخمسة أيام وفى حديث عابر مع هيكل شفتوا الاستخفاف بالعقول
أما الحكاية الكوميدية التي يقولها هيكل أيضا هي اختيار على صبري للذهاب إلى الملحق الجوى الامريكى ليله الثورة ليبلغه بقيامها ويطلب منه بصفه العلاقات الشخصية بين زوجتيهما ان يمنع التدخل البريطاني ، فيقوم الملحق بمخاطبة السفير الامريكى الذي يقوم بدورة بمخاطبة وزاره الخارجية الأمريكية التي تبلغ الأمر للرئيس الامريكى فيتصل برئيس الوزراء البريطاني يحذره من التدخل !!
كل هذا من اجل عيون صداقة زوجتيهما إنها إحدى استخفافات هيكل بالعقل المصري عبد الناصر يخشى تدخل الانجليز قبل الثورة بخمسة أيام فيقوم هيكل بطمانته ، ثم ينتظر حتى ليلة قيام الثورة ويرسل لهم مبعوثا كل مؤهلاته ان زوجته صديقة الملحق الجوى الامريكى ؟؟؟؟
ولكن على صبري أكثر وضوحا من هيكل ، ففي حديث صحفي له في نوفمبر 1986 نراه يقول حرفيا
- "اعتقد ان الأمريكان وجدوا في الثورة فرصة ، فهم بمساندتهم لها يستطيعوا ان يقلصوا النفوذ الانجليزي وتحل أمريكا محلهم ، وكان هذا هدفا استراتيجيا لأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية ، ومصر مفتاح الشرق الأوسط
- وإذا استطاع الأمريكان ان يزعزوا النفوذ البريطاني فى مصر وبالتالي المنطقة العربية ، وكانت هذه هي الأرضية المشتركة التي عمل عبد الناصر على اللعب بها ، فهناك تناقض بين الإستراتيجية الأمريكية والإستراتيجية البريطانية ، وهذا لا يعنى ان تاييد الأمريكان للثورة كان تاييدا مطلقا ، ولكنه بهدف تثبيت أوضاع الثورة ثم الانطلاق منه الى تقليص النفوذ البريطاني تمهيدا للسيطرة" انتهى ، ص 32 ثورية يوليو الأمريكية لمحمد جلال كشك
وفى النسخة الانجليزية من كتاب هيكل
(قصه السويس) والتي عنونها بـ (قطع ذيل الأسد) نراه يكتب على الغلاف (الناصرية ليست الا فصل من قصة إحلال أمريكا وسيطرتها وهيمنتها مكان الاستعمار القديم) هذا هو الفارق بين ان يتحدث للغرب الذي يعي الحقيقة والشرق المغيب إعلاميا
وهناك الكثير عن علاقة عبد الناصر بأمريكا قبل الثورة يمكن ان يروى ، ولكنه خارج عن سياق المقالة وظلت هذه العلاقة قائمة بل ان أمريكا اقترحت على عبد الناصر تحالف مع السعودية لتكون الضلع الثالث في المثلث الامريكى (مصر- السعودية – إسرائيل)
إلا ان عبد الناصر كانت تحركه عقدة الفالوجا ، لم تستجيب أمريكا لكل طلباته من السلاح حتى تحفظ لإسرائيل التفوق الكيفي ، فكانت صفقة الأسلحة الروسية مع روسيا تحت الغطاء التشيكي ورغم هذا بقيت العلاقة بين عبد الناصر وأمريكا من قبل قيام الثورة حتى بعد العدوان الثلاثي على مصر الذي أرغمت فيه أمريكا كل من انجلترا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب من مصر ، لترث الإمبراطورية الأمريكية الصاعدة مكان الإمبراطوريات القديمة
ونعود إلى بداية الثورة ومنع أمريكا انجلترا من التدخل لحماية الملك ، لنعرف ما جرى في الغرف المغلقة بين عبد الناصر وأمريكا في الأيام الثلاثة الأولى من الثورة والتي أدت في النهاية إلى ارتفاع سقف المطالب من تطهير الجيش الى رحيل الملك ، واذا قارنا ذلك بما حدث في الأيام الثلاثة الأولى من ثورة 25 يناير 2011 سنعرف السبب فبعد ان تم إسقاط جهاز الشرطة والضغط على رئيس الأركان وقتها المتواجد في أمريكا
(الفريق سامي عنان) لعدم تدخل الجيش لصالح مبارك أعطت أمريكا الضوء الأخضر للإخوان للنزول إلى ميدان التحرير وقيادة الجماهير المحيشية دينيا والمعبأ بكراهية الشرطة إلى مهاجمة كل المرافق الشرطية والسجون نفس ما حدث في الأيام الثلاثة الأولى من ثورة 23 يوليو 1952 ، فبعد ان ضمنت أمريكا عدم تدخل انجلترا ، ورأت الشارع المصري يتجاوب من الثورة ، أعطت الضوء الأخضر للضباط بالمطالبة بطرد الملك
ونجح الانقلاب أو ما أطلق عليه (الحركة) وأصبح فيما بعد (الثورة) ولكن في الوقت الذي تعاملت فيه إسرائيل مع الراى العام الامريكى ، تعامل عبد الناصر معها بصفة تكوينه التآمري عن طريق قناة المخابرات وعميلها في مصر مايلز كوبلاند
بعد العدوان الثلاثي بدأت الطرق تختلف عبد الناصر تدفعه عقدة الفالوجا ويريد الثأر من إسرائيل وأمريكا لن توافق ، وبعقدة الفقر أراد عبد الناصر الاتجاه إلى الاشتراكية التي ترفضها أمريكا وكان الفراق والباقي معروف
الانقلاب على الغرب وأمريكا وصناعه الكراهية وتأصيل فكر المؤامرة وأخذت الدائرة تتسع بعد هزائم عبد الناصر في اليمن وحرب يونيو وإفشال الوحدة مع سوريا وبدأت اكبر عملية غسيل دماغ للمصريين التي استمرت تداعياتها إلى اليوم مع الناصريين
- غسيل الدماغ
هو استخدام أي طريقة للتحكم في فكر شخص واتجاهاته دون رغبة أو إرادة منه، ويسمى أيضا غسيل المخ أو لحس المخ (أو الدماغ) أو التفكيك النفسي. بغلق كل نوافذ الراى الآخر ليصبح الدماغ أسيرا لمقولة واحدة وفكر واحد يترسخ لديه في اللاشعور واستعمال مقولة جوبلز (اكذب اكذب فسوف يصدقك الناس يوما)
بدأت بتأميم الصحافة وقصرها على هيكل ، وإسكات اى معارضة بالاعتقال والسحل والتعذيب ليبقى في النهاية صوت واحد للزعيم وكاهنه الأكبر (هيكل) وقيل وقتها : تستطيع ان تقرا بداية الخبر فى صحيفة الأهرام ونصفه في صحيفة الأخبار ونهايته في صحيفة الجمهورية
غلق كل الأبواب إلا صوت الزعيم وأفكار الزعيم وانتصارات الزعيم وتبرير كل هزائم الزعيم ، حتى أطلق هيكل على الهزيمة المدوية في الخامس من يونيو 1067 اسم (نكسة) وعلى انفصال سوريا وهزيمة حرب اليمن مؤامرة ، حتى ان الخروج من مصر لم يكن إلا بتأشيرة خروج أغلقت كل أبواب الفكر الآخر والراى الآخر وانطلق صلاح جاهين يكتب وعبد الحليم يغنى حتى أم كلثوم اجبروها ان تغنى لناصر
(ثوار مع البطل اللى جابه القدر رفع رايتنا لفوق لما ظهر الخ) ، واذاعه صوت العرب تدوي بانتصارات الزعيم وانطلاقا من عقدة الفقر اصدر القوانين الاشتراكية والقطاع العام الذي أصبح فيما بعد وبالا على مصر ولم ينتج لنا إلا ذوى الإعاقة الفكرية
وانطلاقا من عقدة الفقر وعقدة الفالوجا بدأ انتفاخ الذات للتعويض النفسي فاصح الزعيم قائد الثورية فى العالم ومحرر الشعوب حتى كان الهزيمة المروعة والتي عشتها واكتويت بنارها في بداية شبابي فكفرت بالزعيم والى اللقاء في موضوع آخر
بقلم هشام حتاتة
كاتب وباحث مصري
المصدر
- مقال: عبد الناصر الحقيقة والأسطورة (الثانية والأخيرة) شباب مصر