الحلقة الأولى
مكثتُ في المنزل نهار الثلاثاء 25/1 يوم بداية الثورة أتابع الأحداث، وعندما شعرتُ أن الأمور مختلفة، وأنها تتطور إلى حدثٍ جللٍ عظيم سيكون له شأن في مستقبل البلاد، خاصةً بعد اتصالات تليفونية معتادة من مراسلي الصحافة والفضائيات أدركتُ أنه لا بد من الانتقال إلى غرفة عمليات لمتابعة التطورات على الأرض مع إخواني.
بادرتُ بالاتصال بالدكتور محمد مرسي ود. محمود أبو زيد، وتداعينا للحضور إلى المكتب، ومعنا فريق عمل من الموظفين.
وصلتُ إلى المكتب قُبيل صلاة المغرب، وأديتُ الصلاةَ بالمسجد، وتوافد الإخوان وسهرنا ليلتنا نتابع الموقف، ونرصد الأحداث ولم تتوقف الاتصالات.
أدركنا قبيل منتصف الليل أننا أمام حدث جلل سيغير التاريخ وسيكون له ما بعده.
لقد نجح الشباب، وفي القلب منهم شباب الإخوان، في كسر حاجز الخوف من جديد، ولم ترهبهم جحافل الأمن ولا المطاردات، وكانت بؤرة الحدث في ميدان التحرير الذي انتقل إليه المتظاهرون من أمام دار القضاء العالي الذين شاركوا النواب من جميع الاتجاهات في وقفتهم، وبدأت تطورات جديدة لم تقتصر على مجرد الوقفات الاحتجاجية التي كانت تقوم بها حركة كفاية أو الاحتجاجات العمالية والوظيفية المطلبية... إلخ.
التطور الجديد كان هو المسيرات والمظاهرات كحقٍّ أصيل ينتزعه المصريون الآن، ثم الاعتصام المفتوح في الشوارع والميادين لتحقيق هدف محدد جاء الإلهام به من الشعب التونسي الذي نجح قبل أيامٍ في تحقيق هدفه العظيم بإسقاط نظام بن علي وطرد طاغية تونس الذي فرَّ مذعورًا يبحث عن ملجأ يلوذ به في الدنيا، فذهب إلى "جدة"، وبدأت مطاردة بقايا نظام بن علي وعملية بناء نظام جديد في تونس (راجع مقالات: فرار طاغية، الدرس التونسي).
عدتُ إلى البيت مع منتصف الليل، وطالبتُ زوجتي بإعداد حقيبة السجن بملابس بيضاء والحاجات المعتادة لتلك الظروف، وجلستُ معها أفكر هل أبيتُ في منزلي أم بالخارج؟ تحسبًا للقبض المتوقع (الذى حدث بالفعل بعد 48 ساعة)، وهذه هي المرة الأولى في حياتي التي أتحسب فيها لهذا الأمر، فغالبًا ما كانت السكينة تنزل على نفسي وبيتي ونتهيأ دومًا لاعتقالات متكررة ومحاكمات متوقعة: لماذا؟
شعرتُ يومها بأن وجودي حرًّا طليقًا هذه المرة أمرٌ ضروري جدًّا ولم يفارقني أنا وبعض إخواني هذا الشعور ونحن داخل السجن عندما بدأت جمعة الغضب، وكان البعض الآخر يقول: الإخوان بالخارج كثيرون ويستطيعون إدارة الموقف، بينما كان شعوري ومعي د. محمد مرسي وآخرون أن الإخوان يحتاجون هذه اللحظات إلى كل جهدٍ، وأن موقعنا يجب أن يكون بالخارج.
حسمتُ أمري وقررتُ المبيت خارج البيت، فإلى أين أذهب؟
بعد تفكيرٍ قليل، أحسستُ أن المكان الأكثر أمنًا هو المكتب، فقررتُ الذهاب إليه، وفوجئ العمال بحضوري على غير استعداد، وعندما تمددت على إحدى الكنبات بالصالة أصرَّ أحدهم على إحضار سرير خفيف وبطانية، وقضيتُ ليلتي هناك.
وفي الصباح كان اجتماعنا لمكتب الإرشاد الذي قررنا فيه إصدار بيان يدعو الإخوان إلى المشاركة الفعَّالة في مظاهرات يوم "جمعة الغضب" 28/1/2011م بعد أن كان صدر 3 بياناتٍ عن الإخوان تمهيدًا لمظاهرات 25/1 كان الأول منها في 19/1/2011م تحت عنوان "الإخوان المسلمون والأحداث الجارية انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصرى "، والثانى كان رفضًا للتهديدات الأمنية الرامية إلى منع الإخوان من المشاركة في يوم 25/1/2011م.
أعلن الإخوان في بيان 19/1 تحليلاً سياسيًّا لثورة الشعب التونسي التي نجحت في التغيير، وقلنا فيه بوضوح شديد: "إن ما حدث وما زال يحدث في تونس الشقيق يمثل حالةً واقعيةً وعمليةً لما يعرفه أهل القانون والساسة، يمثل الشرعية الشعبية التي هي فوق الشرعية الدستورية، وهو في نفس الوقت يمثل رسالةً واضحةً لا لبسَ فيها إلى كل الجهات في الخارج والداخل.
- إلى الشعوب المقهورة والصابرة.
- إلى الحكام الظالمين والأنظمة الفاسدة المستبدة.
- إلى القوى الكبرى الظالمة الباطشة بالقوة والجبروت.
وقلنا: ولأننا ومن منطلق الواجب- نحرص على الاستقرار والسلم المجتمعي في كل الظروف والأحوال؛ لأننا نؤمن بأن النضال الدستوري هو المسار الطبيعي لحركة المجتمع نحو الإصلاح المنشود في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية.
وطالبنا النظام القائم (نظام مبارك) الذي يملك القدرة على هذا الإصلاح والتغيير إذا كانت لديه الإرادة والرغبة في ذلك".
وحذرنا بقولنا: "إذا لم يتحرك هذا النظام وبسرعة نحو تحمل المسئولية والأخذ بزمام المبادرة لبدء مسيرة إصلاح جاد، فإن كفة الاستقرار لن تدوم طويلاً".
ثم كانت المطالب العشر التي قلنا في مقدمتها:
وحرصًا منا على تجنب أثر الغضب- غير المحسوب- الذي قد يحدث من هذا الخلل، وقيامًا بواجبنا الشرعي والوطني فإننا نوجه النظر ونطالب بالبدء فورًا في الإجراءات التالية:
- أولاً: إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على المصريين منذ ثلاثين عامًا، خاصةً أنها لم تحقق الأمن ولم تمنع الجريمة طوال هذه السنين.
- ثانيًا: حل مجلس الشعب المزور بإصدار قرار جمهوري من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لتكوين مجلس جديد يُعبِّر عن إرادة الأمة ويحقق آمال وطموحات المصريين، وتحت إشراف قضائي كامل.
- ثالثًا: إجراء تعديلات دستورية لازمة وسريعة للمواد 5، 76، 77، 88، 179 لضمان حرية الترشح وديمقراطية الاختيار في الانتخابات الرئاسية القادمة تحت الإشراف القضائي الكامل، وإلغاء التعارض الدستوري، وتحقيق التوافق مع ثوابت وتاريخ وثقافة وحضارة هذا البلد العظيم.
- رابعًا: العمل السريع والفعَّال على حلِّ مشكلات المواطنين الحرجة كبدايةٍ لمسيرة إصلاح اقتصادي حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية بتوفير السلع الضرورية والدواء خاصةً، وإصلاح منظومة التعليم والصحة مع إمكانية توفر الموازنات اللازمة لذلك عبر:
- 1- فوائض الصناديق الخاصة التي تبلغ ميزانيتها أكثر من 1200 مليار جنيه ويتحكم فيها الفساد.
- 2- مخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة.
- 3- وقف ضخ الغاز والبترول المصدر للصهاينة وإعادة النظر في سعره وتصديره إلى دول أخرى.
- 4- إعادة النظر في أسعار الأراضي التي تم تخصيصها لبعض رجال الأعمال وللفاسدين وسدنة النظام، وهذه تُقدَّر بمئات المليارات وبيع ما لم يستخدم منها بالمزاد العلني لصالح الشعب.
- خامسًا: إعادة النظر وفورًا في السياسة الخارجية المصرية، وخاصةً بالنسبة للصهاينة، وضرورة قطع العلاقات معهم، مع دعم الجهاد الفلسطيني، وعلى رأسه المقاومة الباسلة لتحرير أرض فلسطين أرض العروبة والإسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية عليها وعاصمتها القدس.
- سادسًا: الإفراج والعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين وعن كل الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن من محاكم استثنائية غير مختصة بمحاكمة المدنيين كمحاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية.
- سابعًا: الاستجابة الفورية للمطالب الفئوية التي أعلنها ويطالب بها أصحابها منذ سنوات طويلة.
- ثامنًا: حرية تكوين الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار وإلغاء القيود على إصدار الصحف وعلى كل وسائل الإعلام.
- تاسعًا: محاكمة المفسدين الذين تضخمت ثرواتهم بصورة غير طبيعية خلال السنوات الماضية.
- عاشرًا: إعادة الحيوية إلى المجتمع الأهلي المصري وإلغاء تدخل الجهات الأمنية في كل الشئون الداخلية في الجامعات والمدارس والنقابات والأوقاف والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية.
هذا ما طالبنا به في 19/1/2011م، وها نحن الآن وقد بدأ تحقق معظم هذه الأهداف على أرض الواقع، بل تحقق ما هو أعظم منها وأكبر، ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: من الآية 17).
وقد سبق اجتماع مكتب الإرشاد، وفي هيئة المكتب يوم السبت 21/1 أن أصدرنا بيانًا نرد به على التهديدات الأمنية والتحذيرات التي وصلت إلى جميع مسئولي المكاتب الإدارية برفض قاطع لتلك التهديدات، وأوضحنا أننا نشارك في يوم الثلاثاء 25/1، ولن نمنع شبابنا ورجالنا من شرف المشاركة في تلك الفعاليات والانتفاضة التي شاء الله لها أن تتحول إلى ثورة مباركة لكل شعب مصر.
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58)، صدق الله العظيم.
الحلقة الثانية
كانت وقائع يوم الثلاثاء العظيم 25/1 معبرة عن تحول خطير فى الحالة المصرية، وتنبئ عن مخزون هائل من الغضب النبيل الذى يملأ صدور المصريين بسبب الاستبداد والفساد وتزاوج الثروة والسلطة ومشروع التوريث، وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير هى تزوير انتخابات مجلس الشعب التى تمت فى 28/11/2010م ولنتوقف قليلا أمام هذا الحدث للتأمل فيه .
كان قرار مجلس الشورى للإخوان بالمشاركة فى انتخابات مجلس الشعب والشورى محل دراسة متعمقة داخل القسم السياسى والمكاتب الإدارية ومكتب الإرشاد ، ثم مجلس الشورى فى صورة قطاعات وتم الموافقة على المشاركة بنفس الاستراتيجية القائمة وعدم الانسحاب من الحياة السياسية فأصبح محل انتقاد الكثيرين من خارج الإخوان وبعض الإخوان الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات لنزع الشرعية عن النظام السابق وسخر البعض من نسبة المؤيدين للمشاركة فى الانتخابات وصُدم البعض من المراقبين الذين توقعوا من المرشد الجديد الأستاذ الدكتور محمد بديع الانسحاب من الحياة السياسية وكالوا له ولبعض أعضاء المكتب اتهامات باطلة فى الفكر والرؤية والانتماء لمدرسة فكرية معنية تصفها الأدبيات بالتطرف والعنف .
عقب تزوير الانتخابات وإعلان الإخوان عدم الاستمرار فى الجولة الثانية قوبل القرار بترحيب شديد رغم أن هناك نسبة فى مجلس الشورى (25%) ونسبة أكبر فى مكتب الإرشاد كانت مع الاستمرار، وحاول الإخوان إقناع قواعدهم بالاحتجاج لمدة طويلة على تزوير الانتخابات إلا أن الإجهاد وعدم توقع استجابة شعبية للاحتجاج الطويل أجلّ تنفيذ الاحتجاج المدنى المتواصل .
وعندما جاء الوقت الذى اختاره الله للاعتصام والتظاهر والاحتجاج كانت استجابة الإخوان رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، مع الشعب العظيم الذى فاقت استجابته كل التوقعات، وكان أداء الإخوان راقيا ورفيع المستوى كقيادة عليا، وقيادات وسطى، وعموم الإخوان، بل قيادات ميدانية فى اللجان المختلفة فى الثورة لم يحن الوقت بعد للإفصاح عنهم وعن أسمائهم وأدوارهم : فى الاتصالات والتقارير السياسية، والإعلام والإعاشة والحماية والتنظيم والتواصل مع القوى السياسية، وإدارة الثورة على المستوى العام .
وأتوقف هنا أمام قرار الإخوان بالمشاركة فى الثورة التى بدأت بالتظاهر ثم الاعتصامات ثم المظاهرات المليونية حتى قرر الجيش الضغط على مبارك للتخلى عن السلطة، ومازالت الثورة مستمرة لتحقيق أهدافها بالتخلص من بقايا النظام القديم : حكومة (التى استقالت بالفعل) وجهاز أمن الدولة، والإفراج عن المعتقلين والعفو العام عن المسجونين السياسيين، ثم بناء النظام الجديد الديمقراطى .
أمامى الآن وأنا أكتب ما نقله موقع اليوم السابع يوم الأحد 23 يناير قبل اندلاع الثورة بيومين :
كتبت الأستاذة رباب فتحى الساعة 15.21 (3 وثلث عصرا) نقلا عن النيويورك تايمز (الأستاذ منى النجار التى هاتفتنى طويلا) أن الإخوان يقاطعون الإضراب احتفالا بعيد الشرطة وقد خلصت الجريدة الشهيرة إلى أن دلالة ذلك هى أن دعوات التغيير باتت غير مرتبطة بأيديولوجية معينة مثل "الأسلمة" وأن القوة الرئيسية خلف نزول الشباب المصري إلى الشوارع كانت المطالبة بوضع نهاية لنظام حكومى فاسد، وتخفيف المعاناة الاقتصادية واحترام سيادة القانون (دوما حديثى وخطابى واحد داخل الإخوان وخارج الإخوان ومع الناس ، إلا أن طبيعة الجريدة أو القناة الفضائية تملى على أحيانا التريكز على جانب مع عدم إغفال الجوانب الأخرى)
ونقلت عنى – وهو ما نفيته بعد ذلك للمحررة بنيويورك تايمز – ينبغى علينا أن نحتفل معا .
وقال مجاهد مليجي (عضو قديم فى الإخوان استقال قبل 3 أعوام) "الأيديولوجية تراجعت الآن حتى نتمكن من التخلص من هذا الكابوس الذى يواجه الجميع"
فى نفس الوقت 15.22 عصرا كتب شعبان هدية فى نفس الموقع "اليوم السابع" أن الإخوان يدعون إلى حوار وطنى شامل، ونقل دعوة الإخوان للمسئولين إلى التعامل مع الاحتقان الشعبى بالحكمة المطلوبة والاستجابة لمطالب الأمة والبدء فى تطبيقها فورا بدلا من إحالة كل الملفات إلى الجهات الأمنية التى تتعامل بمنهج التهديد والوعيد والاعتقال والتعذيب والسجن مما لا يحقق عدلا ولا يعالج قضية .
وأعلن الإخوان فى بيانهم : أنهم دائما وسط الشعب يشاركونه همومه وآمال ويعملوا لتحقيق حريته وكرامته .
وأرجع الإخوان موقفهم إلى رغبتهم فى الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وأرواح المواطنين وممتلكات الشعب ومكانة مصر .
وشدد الإخوان على رفضهم التهديدات الأمنية وإرهاب الدولة بعد استدعاء جميع مسئولى الجماعة بالمحافظات .
ثم كتب شعبان هدية الساعة 18.59 (الساعة مساء) تحت عنوان : الإخوان تحدد 3 ضوابط للمشاركة بمظاهرات 25 يناير يوم الأحد 23/1/2011م
"أعلنت جماعة الإخوان مشاركتهم فى مظاهرات 25 يناير على مستويين وحددت الجماعة 3 ضوابط لشبابها المشاركين فى المظاهرات، وأكدت احترامها للشرطة كهيئة وطنية، وحذرت من التخريب أو أعمال الشغب ونفت الجماعة دعوتها للحشد فى موقع معين، لكنها أكدت على عدم منع الشباب من المشاركة"
وتابع الأستاذ شعبان فى الخبر "وأكد د. عصام العريان أنهم سيشاركون فى الوقفات الاحتجاجية التى دعت لها بعض المنظمات الشعبية من خلال مستويين من المشاركة، أولهما : أعضاء الجماعة الممثلين فى الجمعية الوطنية للتغيير والبرلمان الشعبى، وكذلك عرض المطالب التى أعلنتها الجماعة (وهى التى تضمنها المقال (1)) ضمن مطالب الجمعية الوطنية للتغيير أمام دار القضاء العالى .
وأوضح العريان أن المستوى الثانى للمشاركة هم الشباب فى مختلف المحافظات بضوابط ثلاثة :
- 1) عدم تجريح المؤسسات ولا الهيئات .
- 2) الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة .
- 3) أن يستوعب شبابنا المطالب العشرة التى أعلنتها الجماعة وأن يبذلوا جهدهم فى كل مكان لتوضيح تلك المطالب وتضمينها فى أى تحرك ولأى فئة .
وأوضحت فى تصريحى للأستاذ شعبان أننا لم ندع للحشد فى موقع أو مكان معين، وأن الدعوة جاءت من المواقع على الشبكة العنكبوتية والصفحات على الفيس بوك .
كما أوضحت أننا كإخوان لسنا ضد مؤسسة الشرطة بل يكنون لها الاحترام والتقدير كمؤسسة وكنية وقفت ضد الإنجليز والاحتلال وطالبت الشرطة أن تقف ضد الفساد والظلم وألا يكونوا أداة فى يد النظام ضد الشعب، ودعوت الشرطة أن تتعامل مع الشباب بالحكمة وأن يقلدوا على الأقل الشرطة الأردنية التى وزعت المياة على المحتجين ضد غلاء الأسعار قبل أيام .
كما أوضحت أن قرار الجماعة هو عدم الخضوع لإرهاب الأمن للقيادات الإخوانية .
لقد أطلت النقل عن موقع إخبارى محايد تماما، بل متهم بالانحياز أحيانا، عن موقف الإخوان المسلمين ليتضح للكافة الموقف التاريخى الذى اتخذه الإخوان المسلمون والذى عبرت عنه بياناتهم الرسمية ووثائقهم الثابتة، وصرحت شخصيا بمضمونه ونصوصه تماما .
قضية ليلة 26/1 نائما على سرير متنقل بالمكتب بالروضة لأن زوجتى رأت قبل أيام مناما – وغالبا تتحقق منامتها فى الواقع – أن حجابها قد طار بعيدا عنها ولكن لم يبتعد كثيرا، وهو ما تحقق فى الحياة بعد ذلك (الحجاب فى الرؤية غاليا للمرأة هو الزوج ، والثوب للرجل هو الدين)
وحضرت اجتماع مكتب الإرشاد صباحا لنستمع طويلا إلى تقارير مفصلة ومطولة عن حجم الاحتجاجات والإعتصامات فى القاهرة والمحافظات وقد حضر إلينا ليلا ممثلو شباب الإخوان الأعضاء فيما سمى بعد ذلك بائتلاف الثورة لنسمع منهم تقديرا للموقف من الميدان وقرارات الجماعات الشبابية المؤتلفة فى صنع يوم 25/1 ورؤيتهم للمستقبل .
أصدرنا فى ذلك اليوم 26/1/2011م البيان الثالث لنا من بداية الأحداث بعد بيان المطالب وبين السبت 23/1/2011م "عن حالة الاحتقان الشعبى والاستبداد الأمنى فى مصر" .
قلنا بوضوح شديد فى ذلك البيان الذى قررنا فيه المشاركة فى "جمعة الغضب" بقوة :
إن الإخوان يعيشون مع كل أبناء مصر هذه الأجواء، ويشاركون فى هذه الأحداث ويؤكدون على مطالب الأمة، وتوجهنا بالتحية والتقدير للشعب المصرى وتقدمنا بخالص العزاء لأسر الشهداء من المواطنين ورجال الشرطة وسألنا الله أن يتقبلهم شهداء، ودعونا الله للمصابين بالشفاء العاجل ثم حددنا موقفنا :
- 1. أن حركة الشعب المصرى التى بدأت يوم 25 يناير وكانت سلمية وناضجة ومتحضرة يجب أن تستمر هكذا ضد الفساد والقهر والظلم حتى تتحقق مطالبه الإصلاحية المشروعة وعلى رأسها حل مجلس الشعب المزور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف قضائى كامل.
- 2. على النظام فى مصر أن ينزل على إرادة الناس ويسارع بإجراء الإصلاحات المطلوبة وألا يتعرض للمتظاهرين بسوء وأن يفرج فورا عن كل المعتقلين فى هذه الأحداث وما قبلها .
- 3. أن الإخوان المسلمين كجزء من نسيج المجتمع المصرى يدعون كل الشعب إلى التعاون على البر والتقوى، وإلى العمل على تحقيق العدل، وإلى إرساء قواعد الحق وتقديم مصلحة الأمة على كل المصالح الفردية والفئوية، ويهيبون فى هذه الظروف بالجميع أن يكونوا على قلب رجل واحد ضد الظلم والجور والفساد والتزوير، وبسلمية وجدية وواقعية، دون إضرار بالمؤسسات أو الممتلكات العامة والخاصة ويصبرون على ذلك حتى تتحقق مطالب الشعب المشروعة .
استمرت الاحتجاجات الشعبية فى شبرا والقاهرة يومى الأربعاء والخميس رغم أن الشباب اكتفوا بالدعوة إلى مظاهرات يوم الجمعة 28/1 الذى أصبح يوما للغضب "جمعة الغضب" التى سقط فيها مئات الشهداء .
اتصل بنا الدكتور محمد البرادعي من أوربا (فيينا) يسأل المشورة هل يحضر إلى مصر أم لا ؟ فماذا كان الجواب ؟ هذا حديثنا القادم إن شاء الله تعالى.
الحلقة الثالثة
عدت إلى بيتى لأنام فيه ونسيت شنطة السجن التى أعددتها فى الليلة السابقة لحكمة أرادها الله، فقد اعتقلت دون أن تكون معى وأعددت زوجتى شنطة أخرى على عجل.
ذهبت إلى المكتب لعمل مقابلات تليفزيونية وصحفية كان أهمها مع "رويترز" حول الأحداث ودور الإخوان المسلمين فيها، وكان من قدر الله أن يتم إذاعة هذه المقابلات وأنا خلف الأسوار.
كان الدكتور البرادعى حسم موقفه وأعلن من "فيينا" أنه فى طريقه إلى القاهرة وطلب لقاء الإخوان، فقرر مكتب الإرشاد أن أذهب بصبحة أخى العزيز الأستاذ الدكتور "محمد سعد الكتاتني" للقائه ليلة الجمعة فى التاسعة مساءً واتفقنا على أن نلقتى فى بيت الدكتور البرادعى.
كنتفى مدينة أكتوبر ولم يكن معى ابنى د. إبراهيم وزوج ابنتى الوسطى د. محمد عبد الناصر بسبب مشاركتهما فى مظاهرة فى حىّ الهرم تمهيداً وتشجيعاً للمواطنين على حثهم على المشاركة فى "جمعة الغضب".
وكان هذا قراراً من معظم المكاتب الإدارية وقطاعات ومناطق الإخوان على مستوى الجمهورية التى تعمل وفق سياسة ثابتة يتفاوت الإخوان فى العمل بها "مركزية غير مقيدة ، ولا مركزية غير منفلته أو منضبطة".
وكان أحد أهم أسباب نجاح الثورة انتشارها على مستوى الوطن كله، والفضل بعد الله وحده للإخوان الذين قرروا المشاركة وتحمسوا لها.
كان التسجيلان لرويترز ولوحدة "رصد الالكترونية" ذات معنى هام، لأننى رأيت عدّة فضائيات تنقل مقابلتى لرويترز ومنه الجزيرة التى أغلت مكاتبها ومنع مراسيها فى مصر.
وكان واضحاً فى حديثى صدور قرار الإخوان بالمشاركة ودعوتهم للشعب أن يشارك، وأن الأحداث ستستمر حتى تتحقق مطالب الشعب المشروعة والتى اتفقت عليها القوى الوطنية جميعاً.
التقينا مساء الجمعة مع الدكتور البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية والذى كان له دور بارز فى التمهيد خلال عام 2010 للثورة ورعاية مطالب التغيير، ولا يمكن إغفال هذا الدور العظيم عندما يتم كتابة تاريخ كامل للثورة المصرية.
حرص البرادعى على دعوة الشباب من حملة دعم البرادعى لرئاسة الجمهورية أذكر منهم مصطفى النجار وعبد المنعم إمام وكان شقيقه على موجوداً كالعادة، وحضر أيضاً الأخ الذى ينسق له الجانب الجانب الإعلامى، والتحق بنا سريعاً أ.د. عبد الجليل مصطفى وأ.د. محمد أبو الغار أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير.
دار الحوار حول مسألتين:
الأولى: أين وكيف يشارك الدكتور البرادعى فى "جمعة الغضب" ؟
وكان الشباب أعدوا بالفعل تصوراً لم نعترض عليه، فقط كان مطلوباً حضور الدكتور الكتاتنى الصلاة والمسيرة بعدها مع البرادعى فى مسجد الاستقامة بميدان الجيزة وهو ما لم يحدث بسبب اعتقال الكتاتنى قبل فجر الجمعة.
الثانية وهى الأهم: إذا نجحت الانتفاضة وتصاعدت كيف يتم ملء الفراغ الذى سينجم عندما ينهار النظام ويبدأ التغيير.
كانت المخاوف التى تنتاب الدكتور البرادعى تتركز فى عدم وجود بديل فيضطر الجيش إلى ملء الفارغ، وحينها سيصعب أقناع الجيش أو الضغط عليه لتسليم السلطة إلى المدنيين.
كان تركيزه على استعداده لتولى رئاسة مؤقتة ، منفرداً أو مع مجلس رئاسى من عدد من المدنيين وعسكرى واحد لم نحسم الأمر لأننا لسنا مفوضين باسم الحركة الاحتجاجية التى بدأت بالوقفات فى ميدان التحرير وأمام دار القضاء ثم تحولت إلى مسيرات ومظاهرات يومية، الأربعاء والخميس ثم حشود هائلة فى "جمعة الغضب" التى سقط فيها الشهداء بالمئات ولم يكن أحد يتصور أن تتطور المظاهرات إلى اعتصام مفتوح ثم ثورة تاريخية.
أتوقف هنا قليلاً لأذكر القارئ بعلاقة محل التباس بين الإخوان المسلمين والدكتور البرادعى.
نشأت تلك العلاقة عندما قرر البرادعى العودة إلى مصر فى فبراير 2010 بعد أن أعلن عن عزمه على رعاية جهود شعبية من أجل الإصلاح والتغيير مع إعلان واضح بعدم ممانعته على الترشح لرئاسة الجمهورية من خارج المنظومة السياسية التى فرضها النظام السابق الذى حصر أسماء المرشحين فى شخصيات محددة يختارها مبارك بنفسه وفصّل مواد دستورية لإغلاق الطريق أمام أى مرشحين محتملين، وذلك تمهيداً لتوريث الحكم لابنه جمال.
لذلك ارتبط فى نشاط البرادعى الأمرين معاً:
- رغبة فى تولى موقع رئيس الجمهورية، مع غياب طويل عن البلاد.
- عمله على تغيير النظام المصرى ليفسح له المجال لتحقيق رغبته فى الرئاسة
كتبت فى يناير2010 مقالاً تحليلاً عن الدكتور البرادعى نُشر فى موقع "إسلام أون لاين".
خلصت فى نهاية التحليل والمقال إلى أن ظهور البرادعى فى المشهد السياسى المصرى سيؤدى بالضرورة إلى إنهاء مشروع توريث الحكم لجمال مبارك وكان هذا أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للإخوان المسلمين وللمعارضة المصرية الحقيقية التى لم تتلوث بالسير مع النظام السابق أو وراءه.
وقد لبى الإخوان دعوة المشاركة فى لقاء مع الدكتور البرادعى بمنزله فى حضور عدد كبير من رموز القوى الوطنية، وكان منسق الدعوة هو الصديق والأكاديمى الشهير أ.د. حسن نافعة، كنت بالسجن وقتها مع 4 من أعضاء مكتب الإرشاد وعدد من القيادات العليا استمر50 يوماً بسجن القاهرة للمحبوسيين احتياطياً الشهير باسم سجن المحكوم بجوار ليمان طره.
كانت لجان الخطة والقسم السياسى ولجنة من مكتب الإرشاد وقدمت دراسات للمكتب حول التطورات الجارية وأقرّ المكتب سياسة محددة وهى السير مع الأحداث لا نتخلف عنها ولا نسبقها أو نتصدى لقيادتها، ونتفاعل معها لتطويرها وحمايتها مع ضرورة السعى إلى وحدة المواقف بين القوى الوطنية كلها، ودعم الصلات مع الأحزاب السياسية القائمة، وشاركت قبل سجنى فى أول زيارة يقوم بها المرشد العام خارج مقر المكتب إلى حزب الوفد، ولم يقم بشخصه بزيارة أى حزب آخر غيره، بينما قامت وفود إخوانية بزيارات إلى التجمع والناصرى واستقبلنا الكرامة والغد ، وعقدنا خلال تلك السنة حوارات من أجل مصر حضرها رموز مصرية عديدة يصل عددهم إلى أكثر من 50 شخصية مرموقة ولم نستثن أحد من أى تيار سياسى.
أسفر اللقاء الذى حضره ممثلاً عن الإخوان الدكتور الكتاتنى عن تأسيس "الجمعية المصرية للتغيير" والتى اعتبرت امتدادا للحمة المصرية ضد التوريث والحملة المصرية من أجل انتخابات حرة.
خرجت من السجن لأجد تلك التطورات فكلفنى فضيلة المرشد بالاشتراك مع الدكتور الكتاتنى للإشراف على دعم الإخوان للجمعية المصرية للتغيير والتى شارك فى أمانتها العامة بحماس شديد وجهد جهيد وصبر طويل الأخ العزيز أ.د. [[محمد البلتاجي] الذى لم يتخلف يوماً عن لقاء موسع أو مصغر، وكنت أشفق عليه من زحام اللقاءات، على جهده البرلمانى فى الشهور الأولى من عام 2010، ثم على حملته الانتخابية والإعداد للانتخابات فى الشهور 9، 10، 11، ثم على عمله بالحكومة كأستاذ للأنف والأذن بطب الأزهر، ثم على عيادته الخاصة التى كادت أن تتوقف عن استقبال مرضاه لولا استعانته بزميل كعادة الأطباء عند سفرهم.
شاركت معه بعد ذلك فى حضور الأمانة العامة والمكتب التنفيذى، ولاحظت أمراض النخبة السياسية المصرية فى اللقاءات، وانا مشارك مع هذه النخبة منذ نشاطى الطلابى أى من منتصف السبعينات 1974، وحتى يومنا هذا، وصبرنا طويلاً، ونصحنا أصدقاؤنا د. حسن نافعة ود. عبد الجليل مصطفى المنسقين المتتاليين للجمعية بالصبر على طبيعة د. البرادعى، وعلى بعض المشاكل التى كانت تتسلل إلى صفحات الجرائد، ومعظمها ضد الإخوان والاتهامات بدون بينة على أننا نريد السيطرة على الجمعية وتوجهها، ويعلم الله مدى حرص المرشد شخصياً ومعه المكتب على أمرين:
- 1- وحدة الصف الوطنى خلال تلك المرحلة ونسيان أية خلافات.
- 2- عدم السيطرة على الجمعية مع الإصرار على أن نكون شركاء فى التفكير والتخطيط قبل أن ندعى إلى التنفيذ لأية اقتراحات .
أعود إلى الدكتور البرادعى الذى لم يحضر أى لقاء للجمعية ، وباعد بين مشروعه الخاص وبين الجمعية، واكتفى بالاتصالات التليفونية أو اللقاءات الخاصة، وحرص البرادعى على اللقاء المنفرد مع الإخوان، فزاره د. الكتاتنى فى منزله، وردّ هو الزيارة لمكتب الكتلة البرلمانية، وكان حديثه للإعلام الخارجى إيجابياً دوماً عن الإخوان مع إبراز اختلافه الشخصى والفكرى مع الإخوان .
عندما طلب البرادعى زيارة أخرى تم الاتفاق بالمكتب على أن أكون بصحبة الدكتور الكتاتنى للحديث معه، وكان ذلك قبل اندلاع الثورة بشهر تقريباً.
وكان انطباعى عنه إيجابياً ، فالرجل بسيط ومتواضع ، ولديه رؤية محددة للتغيير، إلا أنه ليس لديه فهم كبير للواقع المصرى المعقد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
كان قرار الإخوان خلال تلك الشهور بدءاً من أبريل وحتى نهاية العام يتلخص فى محورين:
- الأول: تنشيط الجمعية الوطنية للتغيير والمساهمة الفعّالة فى جميع التوقيعات الالكترونية على بيان المطالب السبعة، والتى ركزّت على نزاهة الانتخابات.
- الثانى: إبقاء الصلة الكافية مع الدكتور البرادعى شخصياً لأنه ابتعد عن الجمعية وواصل زياراته الخارجية لمدد طويلة.
حصد الإخوان مع القوى الوطنية حوالى 930 ألف توقيع، كان نصيب موقع توقيعات الذى أطلقه الإخوان أكثر من 800 ألف .
ونظمت الجمعية بجهود الإخوان مؤتمرات وندوات فى المحافظات الكبرى وبعض المدن واختلف الإخوان مع الجمعية حول قرار مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وتجاوزنا ذلك الاختلاف لأن قرارات الجمعية تتم بالتوافق وليست إلزامية.
وانطلقت مظاهرات الثلاثاء 25/1 بإعلان الجمعية والبرلمان الشعبى عنها مجتمعين بجانب حركات الشباب التى كان معظمها إن لم يكن جميعها منصوباً تحت مظلة الجمعية الوطنية للتغيير.
وكان ذلك كله بعيداً عن د. البرادعى والذى فترت العلاقة بينه وبين الجمعية، بل بينه وبين بعض الشباب المشاركين فى حملته الخاصة لدعم ترشيحه للرئاسة.
وقد ساهم الإخوان فى حفز همة د. البرادعى خلال تلك الشهور عندما استضاف نائب الإخوان بالفيوم المرحوم "مصطفى عوض الله" وعندما شجعه الإخوان على الذهاب إلى الاسكندرية لحضور المظاهرات الخاصة بالمرحوم "خالد سعيد" وكان توجيه المرشد ونصيحته لنا بضرورة أن يقف الجميع دون استثناء صفاً واحداً فى صورة واحدة.
كان اللقاء الأول لى مع د. البرادعى انتهى بشعورى بأن الرجل محبط وكان قبل سفره الأخير.
أما اللقاء الثانى فكان الرجل متغيراً بسبب أحداث يوم الثلاثاء العظيم فى 25/1 وضحك وهو يقول أنه يريد من الإخوان أن يدفعوا له مقابل جهده فى تصحيح الصورة الذهنية عن الإخوان.
رددت عليه ضاحكاً إنه عندما تنتهى جائزة نوبل فسوف نقوم باللازم.
رد ضاحكاً : لقد تبرعت بالجائزة كلها إلى العمل الخيرى.
خرجنا من اللقاء أنا والدكتور الكتاتنى نتضاحك، وهاتفنى د. السيد البدوي رئيس حزب الوفد أثناء عودتنا إلى مدينة 6 أكتوبر وكان القدر يخبئ لنا شيئاً آخر.
اصطحبت زوجتى وبناتى للمبيت فى شقتنا بأكتوبر وقد اتفقنا على أن تجتمع غرفة العمليات بالمكتب ظهر الجمعة لمتابعة الموقف وتلقى التقارير بصورة مستمرة من مواقع الأحداث فى كل المحافظات، حيث كان قرارنا هو أن يزداد نشاط الإخوان فى كل المحافظات لتتسع دائرة المظاهرات والاحتجاجات حتى لا يكون الضغط على القاهرة والاسكندرية شديداً، ولكى يظهر تضامن الشعب كله مع مطلب التغيير.
نمت حوالى الواحدة متعباً مرهقاً يعد يوم عمل طويل، وإذا بزوجتى توقطنى برفق بعد ساعة واحدة وأنا مستغرق تماماً فى النوم على خبر وصول ضباط أمن الدولة.
الحلقة الرابعة: (ليلة القبض علىّ)
أيقظتنى زوجتى بعد ساعتين نوم تقريبا قبيل الثانية بعد منتصف ليل الجمعة 28/1 (جمعة الغضب) على خبر وصول 3 من ضباط أمن الدولة للقبض علىّ .
كانت هذه هى المرة الخامسة التى توقظنى فيها فاطمة على خبر مثل ذلك، الأولى كانت عام 1981م فى التحفظ الشهير وكانت قبل الأخيرة عندما ألقى القبض علىّ بعد انتخابات مكتب الإرشاد عام 2010م.
فقد تم القبض علىّ نهارا من بيتى مرة عام 2005م ، وظهرا من أمام نقابة المحامين أثناء أزمة القاضيين المستشارين (بسطاوى ومكى) ، وقبيل المغرب عام 2009م من منزل الأخ العزيز الأستاذ نبيل مقبل .
اعتدت فى مثل تلك الظروف على طقوس باتت ثابتة نظرا لتكرارها وأمارسها بعفوية تامة منذ عام 1981م، وهى دخول الحمام للاستحمام، استعدادا لغياب طويل عن الحمام وشرب فنجان قهوة، وإعداد الحقيبة والاطمئنان على محتوياتها، وأخذ مبلغ كاف من المال، واستصحاب كتب أهمها كتاب "الحكم العطائية" أما المصحف فلم أعد – بفضل الله تعالى – بحاجة إليه لأنى بعد عام 1981 أصبح حفظى جيدا ومراجعتى له خلال صلواتى المفروضة والنوافل، ثم وداع زوجتى ومن وجد من أولادى وتقبيل أحفادى وهم نيام الذين تعودوا على المشهد وكبروا وهم يرونه متكررا، ودعت سارة وحدها عام 1981م ثم ودعتهم صغارا جميعا عاما 1995م، أقبلهم نائمين وودعتنى بناتى سمية وأسماء فى هذه المرة بدعوات صبوها لأول مرة على النظام ورأسه ورجال الأمن الذين كانوا يطلبون بإلحاح عدم الاستمرار فى الدعاء عليهم لأنهم جميعا مأمورون وليس لهم ذنب فيما يحدث .
قالت لى زوجتى وأسماء ابنتى أنهم كانوا على يقين بأن هذه المرة سيستجيب الله لدعائهم وأن غيابى لن يطول
اصطحبنى الرائد "أيمن المنشاوى" إذا كان الاسم صحيحا فى سيارة ميكروباص إلى جهة لم أتبينها إلا بعد مغادرتى لها بعد أيام مع إخوانى وكانت فى الحقيقة "مديرية أمن 6 أكتوبر" .
علمت فيما بعد أن ابنى إبراهيم حضر بعد مغادرتى وفى اليوم التالى طلبوا منه الذهاب إلى منزلى فى العمرانية الغربية بالهرم لتفتيشه بعد أن فتشوا شقة زوجتى بأكتوبر وأخذوا قصاصات صحفية وكتابين أصررت على أن يتركوهما فاستسلموا لطلبى .
طلبت رؤية إذن النيابة فابتسموا كالعادة، وقالوا موجود ولكن ستراه فيما بعد، قلت لبناتى : تليفونى عليه أرقام الإعلام فعليكم بإبلاغ من تستطيعون خاصة قناة الجزيرة والعربية ورويترز .
قال لى إخوانى د. الكتاتنى ود. حمدى حسن أنهم كانوا مستيقظين فورا إذاعة خبر القبض علىّ الثانية ليلا، وبدأوا فى الاستعداد لزوار الفجر .
تأملت فى سير الأحداث أثناء الدقائق التى استغرقتها الرحلة من البيت فى الحى الرابع إلى الطريق الصحراوى وأنا ممسك بالمسبحة استغفر الله وتوقعت أن تكون مدة السجن مرتبطة بتطور أحداث يوم الجمعة الذى سينبلج فجره بعد ساعات .
تذكرت لقائى الثانى الأخير مع د. البرادعى، وكان انطباعى عن الرجل بسيطا وتوقعت أن يناله أذى شديد فى صلاة الجمعة، وقد كان مترددا قبل شهر من الثورة فى الخروج إلى الشارع لندوات ولقاءات جماهيرية خشية الأذى والإهانة، وابتسمت لتوقع رد فعله عندما يعلم بالقبض علىّ .
كنت أول من وصل إلى المديرية ووجدت أن هناك ارتباكا فى المكان الذى سيتم إيداعى فيه، طفنا على 3 مبانى حتى وصلنا إلى مقر حجز مفروش ومجهز بطراحات عليها ملايات نظيفة وعلى كل مرتبة بطانيتين.
اعتدت مع كل مرة أحبس فيها أن أتلو الآية الكريمة من سورة "الحديد" (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد: من الآية13) تأسيا بشيخ الإسلام ابن تيمية عندما سجن فى قلعة دمشق، وسألت عن اتجاه القبلة وفرشت سجادة الصلاة وقمت أصلى وأدعو ربى لبلدى ونفسى وأسرتى .
أثناء الصلاة فتح الباب ليدخل ضيوف جدد، لم أقطع صلاتى وظللت فيها حتى أنهيتها، ورحبت بالضيوف الجدد الذين توالى قدومهم حتى قبيل شروق الشمس، من أبرزهم الدكتور محمد سعد الكتاتنى الذى كان مفترضا أن يصلى الجمعة مع د. البرادعى، وقد أخبرنى أن أمن الدولة حاول كسر باب شقته، ود. محيي حامد، ود. مصطفى الغنيمي، ود. محمود أبو زيد، م. سعد الحسينى، د. محمد مرسي أعضاء مكتب الإرشاد، والأستاذ سيد نزيلي، ود. أحمد دياب، صبحى صالح، د. حمدى حسن، اكتمل عقد الجميع ووصل العدد بعد شروق الشمس إلى 34 قياديا بارزا من الإخوان المسلمين من حوالى 12 محافظة .
علمنا فيما بعد أنه كانت هناك ترتيبات أمنية عقب انتخابات 2010م بتلفيق قضية كبرى للإخوان تحال إلى المحاكم العسكرية تشمل أكثر من 80 من القيادات التنظيمية والسياسية، وأن الذى أعاق الإجراءات ما حدث فى كنيسة القديسين بالإسكندرية وتداعياتها، وعندما بدأت وقائع الثورة فى 25 يناير تم التعجيل بهذه المجموعة كبداية للقضية المؤجلة إلا أن الله أراد شيئا آخر .
وقد ثبتت تلك الرواية عندما أصدرت وزارة الداخلية بيانا عقب صلاة الجمعة 28 يناير تتهم فيه الإخوان بالدفع بالآلاف إلى ميدان التحرير وميادين مصر كلها بعد انتهاء صلاة الجمعة ومع صلوات العصر .
المهم أننا جميعا تساءلنا عن طبيعة القبض علينا، وهل هى بإذن من النيابة أم اعتقال، ولم نجد جوابا .
صلينا صلاة الجمعة ومعنا الحرس وضابط أمن الدولة.
لم يكن لنا أية اتصالات بالعالم الخارجى سوى راديو صغير مع د. محيي حامد، لم يشف غليلنا لأنه يصعب الاستماع إلى إذاعة لندن من خلاله، وطلبنا بإلحاح أن يتم الاتصال بأهلنا أو محامينا لإحضار أدوية وملابس لمن فاته إحضارها عند القبض عليه، بل حاولنا نقل د. مصطفى الغنيمى إلى المستشفى لإصابته بأزمة صحية .
أخبرنا الضباط أن التليفونات المحمولة لا تعمل، لم نصدق ذلك، كان منظر الحراس متوترا جدا، والأطعمة والتسهيلات التى نطلبها من الخارج، والجرائد والصحف لا تصل، وأحسسنا أن الوطن يمر بمأزق شديد وهمس إلينا البعض سرا أن نهبا حدث فى سوبر ماركت "هايبروان" الشهيد القريب منا .
كنا نعقد اجتماعات مستمرة للتشاور كيف نتصرف ؟
مرت 24 ساعة حتى صباح السبت ولم يتم عرضنا على النيابة، فأدركنا أننا إما معتقلون وإما أن البلاد تمر بخطر جسيم .
لم يخبرنا أحد مطلقا بما يجرى فى الخارج إلا عندما استمعنا إلى لندن ليلا عبر الموجة القصيرة وعلمنا بسقوط عشرات الشهداء، وانسحاب البوليس ونزول الجيش .
فى صباح يوم السبت تداولنا وأصر الجميع على ضرورة حسم الموقف مع الداخلية طلبنا حضور قيادات أعلى للتفاهم معها .
جلسنا أنا ود. مرسى وآخرين مع ضابط أمن الدولة وأحد المسئولين من المديرية، وعميد ولواء (لا أذكر أسماءهم الآن)
احتد النقاش، وهمس اللواء والعميد فى أذنى بحقيقة الأحداث فى الخارج وأخبرنى ضابط بأن البلد تمر بخطر عظيم، وأنه يحاول الاتصال بزوجته للاطمئنان عليها دون جدوى ... إلخ .
فكرت سريعا وأشرت إلى د. مرسى إشارة خفية، ثم سارعت بخطف المفاتيح وتأمين أبواب الزنازين وفتحت باب العنبر الخارجى وخرجنا جميعا إلى الفناء ورفضنا العودة إلى الداخل إلا بعد حضور مساعد وزير الداخلية اللواء عمر الفرماوى ومدير أمن أكتوبر .
توتر الموقف جدا، وكاد ضابط أمن الدولة أن ينهار وحاول ضباط المديرية تهدئة الأمور، ووصلنا إلى حل وسط، أن ندخل من الفناء قبل وصول عمر الفرماوى، وهذا ما حدث بالفعل دون إغلاق الأبواب بكلمة شرف منا .
صلينا صلاة الظهر بالداخل، وقمت بشرح وتحليل الموقف حسب المعلومات المتوفرة للإخوان واستمعنا إلى عدة تعليقات، وأخذنا قرارنا بضرورة الإصرار على انتقالنا إلى النيابة للتحقيق معنا أو إلى أحد السجون العمومية إذا كنا معتقلين وفقا للقانون .
بعد الصلاة وصل اللواء الفرماوى ومعه مدير المباحث الجنائية وحاولوا تهدئتنا دون جدوى، وفى نهاية الحوار الودى قال بوضوح وحسم إن موقفنا سيحسم خلال ساعتين .
قمنا بإعداد حقائبنا وتأهبنا للرحيل، ووصلت فعلا سيارتين دون حراسة مما أخر الرحيل لنصف ساعة، ثم تحركت السيارات ومعها حراسة غير مشددة كالمعتاد، عربية واحدة فقط .
اتجهت السيارات إلى الطريق الصحراوى، وكان اتجاه السير سيحدد الجهة التى سنصل إليها إما فى اتجاه الإسكندرية فنصل إلى سجن وادى النطرون أو سجن دمنهور أو سجن الغريبنيات ببرج العرب ، وإما اتجاه القاهرة إلى نيابة أمن الدولة .
حاولنا أن نتحدث إلى السيارات المارة بجوارنا وكتبنا عدة أوراق بها تليفونات للاتصال بها، وكانت مفاجأة أن أحد قائدى سيارات النقل تعرف على النائب د. أحمد دياب وكان من بلده، وطالبناه بإلحاح أن يتصل بالبلد ليعلمهم بأننا سنكون فى سجن بعد ساعات .
وصلنا إلى سجن وادى النطرون لنجد فى استقبالنا تشريفة كبيرة رحبت بنا باهتمام واضح ومعاملة حسنة .
طالبنا فور نزولنا من السيارات بالإطلاع على قرار الحبس من النيابة أو قرار الاعتقال، لم نجد إلا المراوغة والتسويف حتى الصباح .
كان الصباح يحمل لنا أخبارا جديدة .
قمنا بتوزيع أنفسنا على الزنازين، تسكين حسب الرغبات، حجرات غير مهيأة، أمتعة غير كافية، أكلنا أول وجبة ساخنة بعد وجبات جافة طوال 36 ساعة، قمت مع اثنين من الأخوة بتوزيع كبشة أرز مع ربع فرخة على كل أخ، كان الارتباك سيد الموقف .
استمعنا إلى لندن بصعوبة، علمنا خطورة الموقف ونزول الجيش وسقوط الشهداء .
توجهت إلى زنزانتى للنوم، الذى داعب جفونى قليلا، واستيقظت فى موعدى قبل الفجر .
خلال هذا اليوم السبت 29/1/2011م كان الإخوان أصدروا بيانا بشأن الانتفاضة المباركة للشعب المصرى فى 28/1/2011م
لم يتضمن البيان أى إشارة إلى اعتقالنا ولا إلى اتهامات الداخلية للإخوان بينما كان أهم ما فيه :
- تحية الشباب والشعب فى طول البلاد وعرضها، وتحية الشهداء .
- الدعوة إلى استمرار الانتفاضة .
- تحية الجيش ودعوته إلى حماية مكتسبات الشعب حتى تحقيق مطالبه .
- التأكيد على تلقائية الثورة وسلميتها ووطنيتها ومطالبها بالحرية والعدالة والإصلاح الشامل .
- اتهام البلطجية كأدوات الجهاز الأمنى بالتخريب المتعمد للممتلكات والمؤسسات .
- أشار الإخوان إلى الغياب الكامل لأجهزة الأمن بعد أن قامت بقتل المئات وقد حدد البيان فى 29 يناير المطالب الشعبية فى :
- 1- إلغاء حالة الطوارئ فورا ودون إبطاء .
- 2- حل مجلس الشعب والشورى والدعوة إلى انتخابات جديدة تحت إشراف قضائى كامل.
- 3- الإفراج الفورى عن جميع المعتقلين والمسجونين السياسيين .
- 4- تشكيل حكومة وطنية من غير الحزب الوطنى تتولى إجراء الانتخابات ونقل السلطة .
- 5- تشكيل لجنة وطنية للتحقيق وتقصى الحقائق فى وقائع استخدام العنف والقتل غير المبرر ضد المتظاهرين .
وأنهى الإخوان بيانهم بالتأكيد على استمرار الثورة "ونحن مصرون على الاستمرار فى هذه الانتفاضة السلمية حتى تتحقق مطالب الشعب العادلة الكاملة غير منقوصة، قبل أن يحصل ما لا نتمناه لوطننا الحبيب، وقد آن لليل أن ينجلى وللقيد أن ينكسر"
الحلقة الخامسة: (الخروج من سجن وادى النطرون)
هذا هو اليوم السادس للثورة، لم يكن يخطر ببالنا أننا سنؤرخ للثورة ببداية يوم 25 يناير 2011م.
قضيت الأيام الثلاثة الأولى مع قيادة الإخوان نرتب للثورة ونتابع الأحداث ونراقب التطورات ، ونستعد لما بعدها، ونفكر فى المستقبل، باختصار كانت سياستنا هى التطور مع الحدث ومحاولة استباقه.
كان آخر نشاط لى يوم 27/1 (الخميس ليلاً) هو لقاء مع د. محمد البرادعي حضره د. محمد سعد الكتاتني ود. عبد الجليل مصطفى ود. محمد أبو الغار، مع الشباب ود. مصطفى النجار، عبد الرحمن سمير وعبد المنعم إمام.
وقضيت الثلاثة أيام التالية (28، 29، 30) فى محبسى الذى بدأ بمديرية أمن محافظة 6 أكتوبر ثم انتقلنا (34 من قيادات الإخوان المسلمين) إلى سجن وادى النطرون، كانت هذه أقصر فترة سجن أقضيها وراء الأسوار، حيث لم تتجاوز 58 ساعة فقط.
وكان من قدرى أن أعيش فيها لحظات تاريخية بحق، وهى هروب المساجين من السجون والتى هى محل تحقيق الآن، وقد هاتفنى أحد العاملين بالمجلس القومى لحقوق الإنسان من اللجنة المختصة لتقصى الحقائق عن هروب المساجين من العديد من السجون، وهل هناك شبهة جنائية أو تواطئ أم هو إهمال فقط ؟ وهل خرج المساجين بقرار سيادى من الوزير أو مساعده ؟
أم أن التمرد حصل نتيجة الانهيار المفاجئ لجهاز الشرطة بعد حديث مبارك مع العادلى وسقوط مئات الشهداء ونزول الجيش؟
رغم الاتفاق على اللقاء إلا أنه لم يتم حتى كتابة هذه السطور.
بدأت الأحداث بعد منتصف الليل بقليل حيث تسرب إلى عيوننا الغاز المسيل للدموع والذى كانت قوات الحرس تطلقه على عنبر بجوارنا، واستيقظت فى موعدى المعتاد، توضأت واستعددت لصلاة التهجد.
قبل الدخول فى الصلاة مررت على الزنازين أطمئن على الإخوان وأبحث عن الراديو الوحيد الذى استمعت إلى آخر نشرة منه قبل نومى مبكراً، وجدت البعض يصلى والبعض نائماً مطمئناً والبعض يستعد للصلاة ولم أجد الراديو .
وفرشت سجادة الصلاة فى الممر وليس فى الزنزانة كى لا أزعج زميلاى فى الزنزانة (د. عماد شمس وآخر لا أذكر اسمه) فإذا بباب نصف مفتوح والصول حسام يقف أمام باب العنبر يستجدى زملاءه بالخارج عبر جهاز اللاسلكى أن يفتحوا له الباب قائلاً لهم بصوت واهن ضعيف " اللى ها يجرى عليكم يجرى علىّ" .
وقفت بجواره مندهشاً من المشهد الذى حاولت التعرف عليه من كوّة الباب وكانت من زجاج مزدوج أو مثلث غير قابل للكسر لا تستطيع الرؤية منه إلا بصعوبة شديدة.
رأيت الجنود بدروعهم البلاستيكية وبنادق إطلاق الغاز، وبنادق عادية لا أدرى إن كان بها ذخيرة أم لا ، وسحب دخان الغاز تتصاعد، والبعض فوق سطح المبنى الإدارى المواجه للعنبر.
كانت أشبه بمعركة فيها "كر وفر"، يتقدم الجنود بقيادة ضباط السجن إلى الأمام ثم يتراجعون سريعاً، الظاهر أن المساجين والمعتقلين كانوا يقذفون بالحجارة.
على التوالى كنت أستمع إلى أصوات من داخل العنبر المجاور تدق على الحوائط وكأنها تريد إحداث ثغرة للخروج.
عندما دخلنا العنبر ليلة السبت كان به اثنان من طلاب الإخوان من المنوفية معتقلان بسبب نشاطهم الجامعى .. سألناهم عن سكان العنابر التى بها تمرد فقالوا أنهم من جماعة التكفير وأعضاء من الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد.
كان باب التريض الشمالى مفتوحاً فخرجنا لنستطلع الأمر فكان الصوت أعلى صخباً والغاز المسيل للدموع أكثر تأثيراً رغم الهواء الطلق.
كنا نتناوب بين الصلاة ومتابعة الموقف، وخرج الصول (المساعد) دون ملاحظة أحدنا فأصبحناوحدنا وليس معنا حراسة ، واتضح أن القوات فى سبيلها إلى ترك السجن لقدره المحتوم.
استمعت إلى إذاعة البرنامج العام فى نشرات الصباح عقب صلاة الفجر فإذا بخبر مثير للدهشة عن اغتيال اللواء محمد البطران مدير عام سجن الفيوم وكأنها إشارة مرسلة إلى السجناء والنزلاء فى كافة السجون للتحرك ضد إدارات السجون.
شكلنا لجنة من أعضاء المكتب السبعة لإدارة الأزمة ومحاولة فهم ما يحدث والبحث عن السبل الكفيلة لإنقاذ الإخوان من أى مخاطر محتملة
لم يكن يخطر ببالنا إطلاقاً أن هناك انفجاراً داخلياً فى كل السجون على مستوى القطر وأن التمرد له أبعاد لا نعلمها بسبب انقطاعنا التام عن الأخبار.
فوجئنا فى الثامنة والنصف صباحاً بخروج المساجين من العنابر المجاورة لنا إلى فناء السجن وبدأنا بالنداء عليهم وصعد الشابان إلى السور للاستنجاد بهم لأننا لا نعلم هل علموا بوجودنا أم لا؟
فعلاً استجاب بعضهم لنا وبدأوا فى العمل على فتح باب العنبر وقام أحدهم بإلقاء تليفون محمول للاستعانة به فى الاتصالات الخارجية للاستعانة بأهلنا لأن الخطر شديد والبلد فى حال ثورة وهناك شهداء سقطوا من يوم الجمعة وبدأنا نستقى الأخبار الخطيرة عبر التليفون، وكان لابد من حضور أحد من أهلنا أو الإخوان لنقلنا إلى مكان آمن.
قبيل صلاة الظهر كان الباب قد تم كسره من الخارج وكنا أعددنا أنفسنا للخروج بحزم حقائبنا وإعداد أنفسنا للخروج وماذا سنقول للإعلام الذى سيبادر بالاتصال فوراً .
فى هذا الوقت كان أقرب الأهالى لنا هم إخوان وادى النطرون وإخوان مدينة السادات، فاتصلنا بهم للاستعداد للحضور ببعض السيارات لحملنا إلى بيوتنا.
فرشنا البطاطين لصلاة الظهر وقمنا بالتنفل والدعاء والابتهال إلى الله أن يلطف بالبلاد والعباد وأن يحفظ بلادنا ودعوتنا وأولادنا وزوجاتنا فى هذه الظروف الدقيقة.
قبل الأذان بعشر دقائق أو خمس دقائق انكسر الباب وقررنا تأجيل الصلاة وأن نجمع الظهر مع العصر عند وصولنا إلى مكان آمن.
خرجنا قلقين جداً، وجدنا الإدارة محطمة الأبواب، بحثنا عن أوراقنا وبطاقات الرقم القومى، لم نجد شيئاً ، هربت الإدارة جميعها ، لاحظنا سيارة شرطة محروقة ولاحظنا أن بقية العنابر [عددها الكلى 4 عنابر] كان قد خرج قبلنا عنبران ونحن وبقى الرابع الأخير وبه مساجين جنائيين، استنجدوا بنا لمساعدتهم تركنا لهم كل الأدوات الممكنة ولكن لم يكن لدينا خبرة بهذا الأمر.
انطلقنا مسرعين إلى الخارج، وجدنا على الطريق مئات المساجين من بقية سجون منطقة وادى النطرون على الطريق يحاولون ركون أى عربة تسير فى الطريق ولا يستجيب لهم أحد.
مررنا أثناء عودتنا بعد تناول غذاء سريع فى مدينة السادات على نقاط تفتيش عسكرية عند بوابات الخروج من الطريق الصحراوى، أطلقت على سيارتنا النيران فى الهواء، لكننا كنا نلبس ملابس مدنية حيث لم نستلم ملابس السجن وكانت ملابسنا معنا، وقلنا لهم نحن أطباء، كنت مع سيارة يقودها زوج ابنتى الطبيب ويحمل هويته، وتركت ابنى وزوج ابنتى الآخر ليحملوا بساراتهم آخرين إلى أقرب مكان آمن.
الحلقة السادسة: (جمعة الغضب)
كتبت مقالة " مصر إذا غضبت " وأرسلتها يوم الخميس 27/1 ونشرتها الشروق السبت 29/1 أثناء سجنى.
وعندما خرجنا من سجن وادى النطرون (2) كانت آثار "جمعة الغضب" واضحة نزل الجيش مساء الجمعة عقب سقوط مئات الشهداء وفشل قوات البوليس فى منع تظاهرات آلاف المصريين الذين تدفقوا إلى الميادين والشوارع الرئيسية فى كافة مدن مصر .
قاد عمر جمال زوج ابنتى الكبرى سارة السيارة بسرعة وأنا بجواره ورأينا على الطريق الصحراوى من مدينة السادات إلى مدينة 6 أكتوبر آلاف المساجين بملابس السجناء الزرقاء يحملون أمتعتهم ويستوقفون أية سيارة نقل لتحملهم، يرفض الأغلبية ويرق قلب القليل النادر، فيستمرون فى السير وعليهم ملامح الإعياء الواضح ويتساقطون على جانبى الطريق .
عندما وصلنا إلى بوابة الرسوم رأينا دبابات ومصفحات الجيش تسد الطريق، اتجهنا إلى الطريق الجانبى المتجه إلى مدينة أكتوبر، كنت بملابسى العادية لأننا لم نمكث فى السجن إلا ليلة واحدة، ولم يكن معى بطاقة هويتى، وكان برفقتنا زوج ابنتى الوسطى "سمية" د. "محمد عبد الناصر" وهو طبيب جراح له حق التنقل بحرية أثناء حظر التجول .
لم يتوقف "عمر" واستمر فى السير ولم يستجب لمحاولات توقيفنا، لعله خشى أن يتعرفوا على شخصيتى من جراء ظهورى المتكرر فى الإعلام فيتم إعادتى إلى السجن من جديد أو تتأخر إجراءات عودتى إلى البيت أو وصولى إلى المكتب الذى كنت قررت الذهاب إليه مباشرة .
أطلق الجنود الرصاص على اتجاه السيارة، لم نفزع أو تهتز أعصابنا، كانت الطلقات فى الهواء، أسرع عمر وبدأنا نتنفس الصعداء .
كنا أعضاء مكتب الإرشاد السبعة عقدنا اجتماعا مغلقا قصيرا عقب تناول الغذاء في مدينة السادات لنرتب إجراءات تأمين وصولنا ثم توزيع المهام علينا، كان نصيبى أن أذهب مباشرة إلى مكتب الإرشاد .
اكتفيت بالاتصال بزوجتى وأولادى للسلام عليهم والاطمئنان عليهم وأمهلتهم بضعة أيام أخرى من الغياب حسب الظروف حتى نلتقى من جديد ويلتأم شمل الأسرة .
كنا على ثقة من اجتماع الشمل من جديد لحظة القبض على قال لى محمد عبد الناصر زوج سمية لا تقلق يا عمى، كلها يومين، إما أن تعود إلينا من جديد أو نأتى نحن إليك فى السجن، وقال م. محمد رسلان زوج صغرى بناتى أسماء، لا يا عمى كلها فقط يومان وستعود إلينا بمشيئة الله .
اتجهت مباشرة إلى المكتب دون المرور على أسرتى، وطلبت منهم إعداد حقيبة بملابس أخرى لتغيير ما ألبسه منذ 3 أيام.
رأيت مشاهد الغضب فى كل الطريق، "هايبر وان" محطم ومنهوب، الشوارع تكاد تكون خالية، الكمائن العسكرية على مفارق الطرق، وفى الأماكن الحساسة .
كانت آثار يوم الجمعة المشهود واضحة للعيان .
حكى لى أولادى وأزواج بناتى عن وقائع يوم الجمعة العظيم الذى نستطيع القول أن الثورة بدأت به تشق طريقها نحو الانتصار .
السبب الرئيسى للتحول العظيم يوم 28/1/2011م يعود إلى عدة اعتبارات :
- أولا: إنضمام الشعب بمئات الآلاف إلى التظاهرات .
- ثانيا: توحد الشعب تحت شعار ملهم هو "الشعب يريد إسقاط النظام" ويقال أن شابا من "ناهيا" بلدتى التى نشأت بها هو الذى أطلق الشعار مستلهما التجربة التونسية أثناء توجه المظاهرات القادمة من شارع ناهيا إلى شارع جامعة الدول العربية فى اتجاهها إلى ميدان التحرير.
- ثالثا: اتساع التظاهرات إلى كافة أنحاء القطر المصرى من الإسكندرية إلى أسوان وقد كان للإخوان دور كبير فى تحفيز الشعب للخروج العظيم وترك المطالب الفئوية الاجتماعية، والاتحاد خلف مطلب سياسى واحد .
- رابعا: غباء النظام عندما تصدى بقوات البوليس والأمن المركزى للمظاهرات التى لم يكن فى مقدور أى قوة منعها، وإطلاق الرصاص الحى على الشعب المصرى، ثم سحب البوليس ونزول الجيش، وإصدار مبارك الأوامر للجيش بمنع المظاهرات بالقوة وهذا ما رفضه الجيش تماما مما أدى إلى اتساق نطاق المظاهرات التى تحولت إلى اعتصامات بالميادين الرئيسية فى القاهرة (التحرير) والإسكندرية والمنشية .
- خامسا: التزام القوى السياسية ووحدتها، حيث لم يرفع أحد أى شعارات أو أعلام خاصة باستثناء ما رأيته من مظاهرة لحزب الوفد ترفع أعلاما وفدية .
- سادسا : نجاح ائتلاف شباب الثورة فى التماسك وبروزه كقيادة ميدانية، وقد نجح الإخوان والتنسيق معه عبر لجان متعددة للإعاشة والتنسيق والإعلام .... إلخ دون أى بروز إخوانى .
إذا كانت هناك أيام سيؤرخ فيها لثورة مصر فهى كالتالى :
- 1- 25 يناير، بداية التظاهرات الغاضبة .
- 2- 28 يناير، جمعة الغضب وسقوط الشهداء .
- 3- 2 فبراير، موقعة الجمل وحماية الثورة .
- 4- 11 فبراير، يوم تنحى مبارك وبداية الانتصار (ليلة ذكرى استشهاد الإمام الشهيد حسن البنا)
- 5- 19 مارس، يوم الديمقراطية والاستفتاء عندما خرج 18 مليون مصرى لأول مرة فى حياتهم للتصويت الحر النزيه .
- 6- 13 أبريل، يوم سجن مبارك وأولاده وانتصار سيادة القانون .
بدأ الاحتشاد يوم الجمعة عقب الصلاة، حيث توجهت المظاهرات من كافة أنحاء محافظة الجيزة حيث يسكن أولادى وأزواجهم إلى ميادين الجيزة التى شهدت ملاحم الإصرار والتحدى .
توجه ابنى إبراهيم من مسجد عكاشة بالهرم إلى نفق الجيزة مع بضعة مئات استطاعوا بسهولة إزاحة أول كردون من قوات البوليس عند النفق، لكنهم عند ميدان الجيزة فوجئوا بحشود أمنية هائلة، الظاهر أنها كانت محتشدة لمنع د. محمد البرادعي من صلاة الجمعة فى مسجد الاستقامة بالميدان وهو ما كنا اتفقنا عليه ليلة الجمعة مع د. البرادعى على أن يحضر معه د. الكتاتنى .
استطاعت الآلاف التى تدفقت إلى الميدان من الجيزة القديمة وجنوب الجيزة والهرم اجتياح البوليس وسقط بعض المصابين واتجهت المظاهرة إلى شارع مراد (الجيزة) ووحدت الحشود أكبر وأكبر عند سفارة العدو الصهيونى وكان الانطباع أن حماية السفارة أهم بكثير من حماية النظام الذى اتضح للجميع الأن أنه إنما بقى واستبد وطغى وتكبر لحماية العدو وليس لمصالح الشعب .
اتجهت المظاهرة إلى ميدان "الجلاء" لم تجد صعوبة فى الوصول إلى الميدان هناك بدأت ملحمة جديدة .
تجمع آلاف مؤلفة قادمة من كل الجيزة تريد أن تتجه إلى ميدان التحرير، قبلة المتظاهرين والملايين .
الطريق من الجيزة إلى القاهرة إلى قلب ميدان التحرير يمر عبر كوبرى الجلاء ثم مرورا بجزيرة الزمالك إلى كوبرى قصر النيل انتهاء بميدان التحرير، هناك كانت ملحمة كبرى دارت بين إصرار الآلاف على المرور وتصدى البوليس لمحاولة منعهم، بين كر وفر، تقدم وتأخر، إطلاق رصاص فى الهواء للتخويف والإرهاب، وسقوط مصابين نتيجة التدافع تحت الأقدام .
يحكى لى ابنى إبراهيم، أن عامة الشعب وخاصة الشباب كانت بهم طاقة هائلة وإصرار عجيب وعناد ثابت للمرور لا يهمهم شئ، يواجهون الموت بصدور عارية .
شباب ليس لهم انتماء سياسى، السياسيون ذابوا وسط الآلاف ولهم خبرة فى مواجهة البوليس، بينما هؤلاء الشباب ليست لهم مثل هذه الخبرة، لذلك انتفعوا ببرائتهم الأصلية، وهزموا جحافل البوليس التى تعودت على مواجهة مظاهرات السياسيين المحدودة العدد المحدودة الهوية، المتفق سلفا ضمنا أو صراحة مع البوليس على كل التفاصيل .
سألت ابنى إبراهيم، هل سقط وسطكم شهداء ؟
قال لى : لا، لم أتعرف على شهداء، لأن غالبية الشهداء سقطوا عندما توجهت مظاهرات أخرى فى اتجاه وزارة الداخلية، وهى من الجهة الأخرى لميدان التحرير، تريد القبض على العادلى وكبار رجال الوزارة للقصاص منهم .
وأكثر الشهداء كما أرى حالياً من الإعانات العاجلة التى تقدمها لهم نقابة أطباء مصر سقطوا فى المحافظات بالدلتا : الشرقية، الدقهلية، المنوفية، الغربية، والإسكندرية، والسويس
الحلقة السابعة: (أيام الغياب والاعتقال)
وصلت إلى مقر مكتب الإرشاد قبيل صلاة المغرب يوم الأحد 30/1/2011م، وبعد ذلك بقليل ([ وصلتنى شنطة ملابس جديدة وغيارات نظيفة) وصل د. الكتاتنى الذى يتمكن من السفر إلى المنيا فالتقينا على صلاة المغرب وقررنا معا الذهاب إلى ميدان التحرير لتحية المعتصمين هناك والاطمئنان على الأوضاع .
وصلنا إلى قرب الميدان فى شارع قصر العينى، ووجدنا الطرق مسدودة بالمصفحات والدبابات، وعشرات المواطنين يتجهون من كل حدب وصوب إلى الميدان .
سرنا على الأقدام فى اتجاه المدخل من كوبرى قصر النيل حسب توجيهات الأخوة المرافقين واجتزنا الحاجز العسكرى وعندما وصلنا إلى الميدان فوجئنا بمئات الشباب يلتفون حولنا ويهتفون هتافات إسلامية وإخوانية، طلبنا منهم الالتزام بالمتفق عليه وتوحيد الهتافات فاستجابوا سريعا، كانت الروح المعنوية فى السماء، وازدادت عندما وصلنا إلى الحشود الملتفة حول المنصة الرئيسية فوجئنا بالشباب يحملوننا على الأعناق، كان الأمر بالنسبة إلى معقولا بينما نظرت مبتسماً إلى د. الكتاتنى مشفقاً على الشاب الذى يحمله.
كان الهتاف السائد وقتها بين الحشود "مش هنمشى .. هو يمشى" كنا نتبادل الهتافات أنا ود. الكتاتنى حتى ذهب صوتى واضطررت إلى تناول الأدوية الخاصة بالتهاب الأحبال الصوتية لمدة أسبوعين تقريبا حتى أستعيد صوتى .
أراد بعض الشباب أن أصعد إلى المنصة للحديث فاكتفيت بشكر هؤلاء المعتصمين وقلت لهم : إن صمودكم وثباتكم كان بتوفيق الله تعالى هو السبب المباشر لخروجنا من السجن وإنهاء الاعتقال الظالم فى فترة قياسية لم تحدث فى تاريخ السجون من قبل (58 ساعة فقط) .
طالبتهم بالصمود حتى رحيل الرئيس، والوحدة خلف شعار واحد، وقطع الطريق على كل من يحاول تمزيق الصف الوطنى .
اصطحبنا شباب الإخوان المشاركين فى ائتلاف شباب الثورة لجولة فى الميدان، مع محمد القصاص وأحمد عبدالجواد وهانى محمود وإسلام لطفى وغيرهم .
كان الحضور الإخوانى بارزا من كثير من المحافظات وظهر من التفاف الشباب حولنا وتعبيرهم عن التقدير الكبير لمشاركة الإخوان فى الانتفاضة التى لم تكن تحولت بعد إلى ثورة .
حوالى العاشرة مساء قررنا العودة إلى المكتب وفى الطريق جاءنى اتصال من الأستاذة منى الشاذلي على الهواء لبرنامج العاشرة مساءً وكانت الأسئلة حول : كيف خرجنا من السجن؟ وملابسات الأمر ؟ وظروف السجون الأخرى ... إلخ؟
استمر الحوار على الهواء لمدة تزيد على 20 دقيقة، وقلت بوضوح أن هناك شبهات قوية فى إثارة التمرد داخل السجون وكان أقوى دليل قدمته هو إذاعة خبر استشهاد اللواء محمد البطران مدير سجن الفيوم فى إذاعة البرنامج العام باستمرار فى نشرات الأخبار، واليوم وقد صدر تقرير لجنة تقصى الحقائق الخطير الذى أشرف عليه المستشار السابق عادل قورة وتلاه المستشار عمر مروان وأشاروا فيه إلى أن الرصاص الذى قتل به اللواء البطران كان رصاصا حكوميا .
سيكشف التحقيق القضائى النزيه ملابسات ما حدث فى السجون لأنها جريمة بشعة قتل فيها العشرات خاصة فى سجون أبى زعبل والمرج، بينما لم يسقط فى سجن وادى النطرون أى ضحايا.
كان د. محمد مرسي تحدث مباشرة عقب خروجنا من السجن إلى قناة الجزيرة ومن الطرائف أن الدكتورة هبة رؤوف عزت المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية كلمتنى صباح الإثنين مشفقة علينا من تداعيات خروجنا بهذه الطريقة وطلبت منى أن نستشير بعض المحامين أو القانونيين، وكأنى لمست فى حديثها أننا يجب أن نسلم أنفسنا إلى الجهات الرسمية أو القوات المسلحة، طبعا رفضت هذا المنطق بقوة، وأعلنت لها أنه لا يوجد قرار رسمى بحبسنا وأننا كنا مخطوفين دون قرار قضائى، بعد ذلك بأيام قرأت خبرا فى جريدة يومية أن النائب العام المساعد أصدر قراراً بالإفراج عن 34 معتقلا سياسيا، أظن أنه يتعلق بنا.
يوم الجمعة كانت الاتصالات مقطوعة فى شبكات المحمول وعلى الانترنت فنفذ الإخوان جميعا قرار مكتب الإرشاد بالنزول بكثافة وحث الشعب على المشاركة، فكانت الملايين لأول مرة فى ميادين وشوارع مصر كلها ولم تكن هناك أى فرص للمتابعة والتقييم .
قرر الشباب الاعتصام فى ميدان التحرير وعدم الانصراف حتى تتحقق المطالب الشعبية، لذلك كان الهتاف يومها "مش هتمشى ... هو يمشى"
والهتاف الآخر "الشعب يريد إسقاط النظام" والمقصود هو تنحية الرئيس مبارك كبداية ورمز لإسقاط النظام .
يوم السبت اتجه الإخوان جميعا إلى مقر مكتب الإرشاد، كان هذا يوم انعقاد هيئة المكتب، نصف المكتب معتقل، والمتحدثون الإعلاميون جميعا وراء القضبان .
قرر المكتب تكليف د. محمود غزلان متحدثا إعلاميا، لم يمكث إلا قليلاً، وقرر الاستعانة بإخوان من خارج المكتب من رؤساء المكاتب الإدارية بالقاهرة وأعضاء مجلس الشورى لسد العجز فى القيادة .
وأصدر الإخوان بيانا يوم السبت 29/1/2011م كان أبز ما فيه :
- إلغاء حالة الطوارئ فورا ودون إبطاء .
- حل مجلس الشعب والشورى المزورين والدعوة إلى انتخابات جديدة تحت إشراف قضائى كامل .
- الإفراج الفورى عن جميع المعتقلين والمسجونين السياسيين .
- الإعلان عن تشكيل حكومة وطنية انتقالية من غير الحزب الوطنى تتولى إجراء الانتخابات النزيهة ونقل السلطة بشكل سلمى .
- تشكيل لجنة وطنية للتحقيق وتقصى الحقائق فى وقائع استخدام العنف والقتل غير المبرر ضد المتظاهرين والذى تسبب فى عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين .
كان أهم قرارات المكتب هو تشكيل لجنة للإشراف والمتابعة والاتصال بميدان التحرير وبقية المحافظات لاستمرار الانتفاضة ودعمها المستمر .
وطالب الإخوان بإلحاح ضرورة نزول رموز الإخوان إلى ميدان التحرير حيث توافد عليه من صباح السبت رموز سياسية عديدة بينما استمر الإخوان على قرارهم الحكيم وهو عدم صبغ الانتفاضة بأى صبغة إخوانية ومن ذلك عدم نزول الرموز المعروفة إعلاميا إلى ميدان التحرير.
كلف المرشد أ.د. محمد على بشر و د. حلمي الجزار بالنزول إلى ميدان التحرير يوم السبت عصرا، وقاما بجولة تفقدية للميدان .
تشكلت لجنة الإشراف من رؤساء المكاتب الإدارية بالقاهرة والجيزة وأكتوبر وحلوان ونوابهم والأمناء المساعدين لديهم وأشرف عليها د. محمد علي بشر الذى ترك الإشراف إلى مشرف القاهرة بعد خروج أ.د. محمد مرسي .
كانت مهمة اللجنة التالى :
- متابعة ما يحدث فى ميدان التحرير باستمرار وبصورة مباشرة .
- الاتصال بشباب الائتلاف من الإخوان والتنسيق معهم .
- الاتصال بالمحافظات لمعرفة ما يحدث والتنسيق معهم، ثم قرروا دعوة كل المحافظات للنزول إلى ميدان التحرير لدعم المعتصمين مع الاحتفاظ بالتظاهرات يوم الجمعة فقط فى عواصم المحافظات .
- تقديم تقارير ساعة بساعة إلى قيادة الإخوان مع الاقتراحات المطلوبة لإصدار قرارات بشأنها .
تنقلت اللجنة بين 5 أماكن خلال أيام الاعتصام فى شقق قريبة من ميدان التحرير واحتفظت بوسائل اتصال مؤمنة .
فى ذلك الوقت ومنذ يوم الجمعة اعتصم فى ميدان التحرير اثنان من الرموز، سياسى هو أ.د. محمد البلتاجي النائب عن شبرا الخيمة والداعية الإسلامية د. صفوت حجازي .
كان دورهما ولا زال بث الحمية بين المعتصمين، والحوار مع الشباب والرجال والنساء، والتنسيق مع الرموز السياسية الموجودة بالميدان .
بدأت الانتفاضة تتحول إلى ثورة خلال أسبوع الغضب حتى جاء يوم موقعة الجمل 2/2/2011م
وتحوّل آداء مكتب الإرشاد مع تحول الانتفاضة إلى ثورة على الصورة التالية:
- أولاً: الانعقاد الدائم للمكتب لمتابعة الأحداث واتخاذ القرارات اللازمة.
- ثانيا: انعقاد دائم ومستمر للجان المعاونة والداعمة للمكتب وهى:
- 1- لجنة الخطة
- 2- القسم السياسى
- 3- اللجنة الإعلامية
- 4- الأمانة العامة
- ثالثاً: تشكيل لجان مؤقتة إشرافية وتوزيعها على أعضاء المكتب وهى:
- أ- لجنة إدارة ميدان التحرير
- ب- لجنة التواصل مع الشباب
- جـ- لجنة البيانات والتصريحات