محمد محمود الزبيري
مقدمة
"إذا أردت أن تتحدث عن اليمن فلا بد لك أن تذكر الزبيري.. وإذا أردت أن تتحدث عن الشعر في اليمن فلا بد لك أن تذكر الزبيري أيضا.. وإذا تحدثت عن الثورة اليمنية ولم تتحدث عن الزبيري وشعره فإنك لم تتحدث عن أهم دعائم هذه الثورة؛ فالزبيري شاعر أشعل ثورة اليمن بشعره، وقاد مسيرتها بشعره أيضا، وهو لذلك استحق من مواطنيه أن يلقب بأبي الأحرار وشاعر الثوار". فمن هو الزبيري الذي قال عنه معجم الأدباء الإسلاميين كل هذا؟
في حي بستان السلطان -في مدينة صنعاء- وفي سنة 1910 ميلاديا ولد محمد محمود الزبيري؛ حيث تعيش أسرة الزبيري العريقة التي نبغ فيها عدد من قضاة وعلماء وشعراء المدينة الكبار، مثل جده القاضي والشاعر لطف الباري الزبيري، والقاضي والشاعر المشهور لطف الله بن محمد الزبيري أحد كبار علماء صنعاء، كما كان والده قاضيا مشهورا، وهو نفسه كان كثيرا ما يعرف بالقاضي.
وفي مدينة صنعاء أيضا نشأ الزبيري يتيما فتعلم القرآن وحفظه صغيرا، وكان الناس يحبون سماعه منه لحلاوة صوته، وتنقل في طلب العلم بين الكتاب والمدرسة العلمية والجامع الكبير بصنعاء.. وقد مال في طفولته إلى العزلة والانطواء، وكان يقضي أوقاته بالمطالعة والتأمل في الحياة وفيما حوله؛ فنشأ مرهف الإحساس والشعور، فنظم الشعر وهو دون العشرين.
بداية النضال
كان أول ظهور للزبيري كشاعر عندما ذهب إلى الحج عام 1938 م بصحبة الشهيد عبد الله الوزير، ووقف أمام الملك عبد العزيز آل سعود، وألقى قصيدة لم تحفظ المصادر إلا مطلعها:
- وسنا العروبة من جبينك يشرق
وبقي الزبيري بعدها بمكة المكرمة طالبا للعلم إلى أن رحل عنها إلى مصر سنة 1939 م حيث التحق بدار العلوم بالقاهرة، وهناك تعرف على الإمام حسن البنا والمجاهد الجزائري الفضيل الورتلاني فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وفي ذلك يقول الأستاذ علي ناصر العنسي: "أول تجمع لنا كان ونحن في القاهرة عندما كنا ندرس في الأزهر، وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين ومنهم الشيخ حسن البنا الذي كان يرى أن اليمن أنسب البلاد لإقامة الحكم الإسلامي الصحيح، وأن المناخ مناسب للإخوان المسلمين ليعملوا فيها.
فكان يهتم بنا اهتماما خاصا، ويولي عنايته بشكل أخص لكل من الزبيري والمسمري اللذين كان يعتبرهما شخصيتين متميزتين، ومن هنا بدأت الحركة الوطنية بين الطلاب اليمنيين".
وقد أسس الزبيري وبعض رفاقه في القاهرة أول حركة منظمة لمعارضة الحكم الإمامي في اليمن في سبتمبر عام 1940 م تحت اسم "كتيبة الشباب اليمني"..
وفي سنة 1942 قطع الزبيري دراسته عائدا إلى اليمن التي رأى أنها تستحق منه مجهودا كبيرا لإنقاذ البلاد من الأوضاع المتردية والمأساوية التي كانت تكتنف اليمن آنذاك تحت حكم الأئمة من أسرة حميد الدين، وقد صور هذه الحالة قائلا:
- بؤس وفي كلماتــهم آلام؟
جهل وأمراض وظلم فـــــا
- دح ومخافة ومجاعة و"إمام
وعند قدومه إلى اليمن قدم مذكرة للإمام المتوكل يحيى حميد الدين تتضمن مشروعا لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ألقى خطبة في الجامع الكبير بصنعاء؛ وهو ما أغضب الإمام يحيى؛ فكان جزاؤه السجن مع عدد من شباب اليمن الأحرار في سجن "الأهنوم"؛ حيث انصرف للصلاة وتلاوة القرآن والذكر والتأمل وكتابة الشعر...
تنقل وترحال
وعند خروجه من السجن الذي لبث فيه قرابة تسعة أشهر صور الزبيري ذلك الخروج قائلا:
خرجنا من السجن شم الأنوف
- كما تخرج الأُسد من غابها
نمر على شفرات الســيوف
- ونأتي المنيـــة من بابها
ونأبى الحياة إذا دنســـت
- بعسف الطغاة وإرهابهـــا
ولم يجد الزبيري بُدًّا من الالتفاف حول ولي العهد أحمد نجل الإمام يحيى مع كثير من المثقفين الذين رأوا فيه أملا منقذا لهم، لكنهم سرعان ما أدركوا وَهْم ما هم فيه، فخرجوا بدعوتهم الإصلاحية فارين إلى عدن التي كانت متنفسا للأحرار..
وفي عدن بدأت مرحلة جديدة في الكفاح والنضال؛ حيث أسس الزبيري مع رفيق كفاحه أحمد محمد نعمان حزب الأحرار سنة 1944 الذي تحول اسمه إلى "الجمعية اليمانية الكبرى" عام 1946، وأصدر صحيفة "صوت اليمن"، وفوضت الجمعية الإمام حسن البنا في أن يتحدث عنها في كل شأن من الشئون، واستمر الكفاح حتى قيام ثورة 1948م؛ حيث قتل الإمام يحيى حميد الدين، ونصب عبد الله الوزير إماما جديدا لحكم دستوري شرعي، وكان للإخوان المسلمين والفضيل الورتلاني ممثل الإمام البنا في اليمن الدور الرئيسي في هذه الثورة.
ولكن الثورة سرعان ما فشلت، فعاد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين نجل الإمام المقتول ليبطش بكل رجالات الثورة، وليفتح صنعاء أمام القبائل التي ناصرته للنهب والسلب؛ فغادر الزبيري اليمن، ولم يكن هناك باب من أبواب الدول العربية مفتوح له هذه المرة؛ فذهب إلى باكستان، وهناك التقى وتعرف على شاعر النفس المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري الذي كان سفيرا لسوريا في باكستان، وله مع الزبيري مساجلات شعرية لم تطبع إلى الآن.
وما كاد الزبيري يسمع بقيام ثورة يوليو 1952 بمصر إلا وقرر الرحيل إليها؛ حيث بدأ نشاطه مع رفيقه النعمان بتجميع صفوف الطلاب اليمنيين، وامتد نشاطه إلى اليمنيين في السودان على الرغم من المضايقات التي تعرض لها من قبل النظام المصري، وكان الزبيري يلقي القصائد من خلال إذاعة صوت العرب التي كان له دور في تأسيسها، وكان لأحاديثه وقصائده دور كبير في إنقاذ الأحرار داخل المملكة المتوكلية (اسم عرفت به اليمن قبل قيام الثورة) من الإحباط واليأس وعدم إمكانية التغيير، خصوصا بعد سقوط ثورة 1948 م التي كانت أملا للأحرار في الخلاص من ظلم وطغيان الإمامة والإنقاذ من الفقر والجهل والمرض، وكان الزبيري رحمه الله يقول: "كنت أحس إحساسا أسطوريا بأنني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان".
العودة إلى الوطن
وحين قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م التي أطاحت بالحكم الإمامي استدعى الضباط الثوار الأستاذ الزبيري؛ لعلمهم أن مجيئه ومشاركته في الحكم يضفيان على الحكم شرعية كانوا بحاجة إليها، خصوصا أن الثورة لم تنته من خصومها من الملكيين الذين كان لهم الكثير من الأنصار بسبب الصبغة الدينية التي كانوا يضفونها على أنفسهم، وكانوا يلقون الدعم من الخارج أيضا.
فعاد الزبيري إلى صنعاء، وأُعد له استقبال مهيب لم تحظَ شخصية جماهيرية بمثله، وعين وزيرا للمعارف في حكومة الثورة، ثم نائبا لرئيس الوزراء وعضوا في مجلس الثورة حتى استقال عام 1964 م؛ حيث إن التدخلات الخارجية أدخلت اليمن في حرب أهلية، فسارع الزبيري لإصلاح ذات البين بين القبائل، واشترك في مؤتمرات الصلح بين اليمنيين في "كرش" و "عمران"، كما تولى رئاسة مؤتمر "أركويت" بالسودان عام 1964 م.
وقد تبين لأبي الأحرار أنه ينفخ في رماد، وأنه لا بد من حماية الثورة من خصومها وأصحابها على السواء، فخرج من صنعاء صبيحة إعلان حالة الطوارئ في البلاد وإعلان الأحكام العسكرية، وكان يقول بأنهم بهذه القوانين يجيزون قتله..
خرج الزبيري وبصحبته بعض رفاقه ومنهم الأستاذ عبد الملك الطيب صاحب كتاب "التاريخ يتكلم" الذي أرخ لتلك الفترة بأمانة علمية، والشيخ عبد المجيد الزنداني (الذي استدعاه الزبيري من القاهرة وقتل الأخير وهو على مقربة منه)، والأستاذ محمد الفسيل، داعيا إلى إنشاء حزب الله، هادفا إلى إيجاد صحوة تصحح المفاهيم الخاطئة التي أوجدتها الملكية والثورة على السواء؛ فقد كان -رحمه الله- يقول: "إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل يرضون بالجوع حتى الموت، وبالسجن حتى نهاية العمر، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت".
اغتيال الضمير الحي
وصل الزبيري إلى برط (شمال صنعاء) ومن هناك وجه رسالته إلى شعب اليمن التي شرح فيها مبادئ حزب الله، ثم بدأ بدعوة القبائل إلى حزب الله ولمّ الشمل، وكانت دعوته عامة للملكيين والجمهوريين.
وعاود الزبيري ورفاقه إصدار صحيفة "صوت اليمن" كلسان حال حزب الله، وبدأ الشعب يعلن ولاءه للحزب الجديد بعد الإحباط الذي عم المواطنين وخيبة أملهم في الثورة ورجالاتها؛ مما أقضّ مضاجع الملكيين الذين كانوا على مقربة من الزبيري الذي غزاهم في عقر دارهم، وأقض مضاجع القيادة في صنعاء فراحت تلمزه وحزبه في وسائل إعلامها.. إلى أن عاجلته رصاصات الغدر في إحدى تنقلاته؛ فخر شهيدا وهو يدعو إلى ما آمن به، وكان ذلك في أول نيسان/إبريل سنة 1965 م.
وقد ارتجت اليمن، وبكى الناس جميعهم، وحزنوا حزنا عظيما على فراق هذا العلم الشامخ الذي تتجاذبه التيارات الوطنية، وكل يدعي انتماءه إليه، وفق ما روى الشيخ الزنداني.
وقد رحل الزبيري، وكان يعد لعقد مؤتمر وطني للقبائل والعلماء وقادة اليمن في "خمر"؛ فقد كان معروفا بحكمته وقدرته على تجميع الناس على مختلف انتماءاتهم الحزبية أو القبلية؛ يبش في وجوههم، ويستمع إلى آرائهم؛ حتى إن بعض من عرفوه يقولون بأنه من رجالات عصره قلما تجد له نظيرا أحبه خصومه وأصدقاؤه.. غير أن المؤتمر أقيم بعد استشهاده بجهود تلامذته، ومنهم الشيخ عبد الله الأحمر الذي كان يحبه الزبيري حبا شديدا، وكان يقول: "لولا أن الله ساق لنا هذا الشاب ما استطعنا أن نأمر بمعروف أو أن ننهى عن منكر".
بصمات وآثار
وقد ترك الزبيري آثارا وبصمات وأعمالا تدل على عظمته وعلمه وحبه لشعبه، ولم يترك الزبيري قضية عربية أو إسلامية إلا وتحدث عنها شعرا أو نثرا، ولعل من أشهرها قصيدة "عالم الإسلام" التي ألقاها في مؤتمر حاشد في باكستان.
كما اهتم الزبيري في أشعاره بقضية الإسلام الأولى "فلسطين"، وله فيها قصيدته الشهيرة "في سبيل فلسطين"، وله قصيدة مشهورة بعنوان "ثورة"، وهي من أشهر القصائد الحماسية لشاعر الثوار.
وللزبيري مؤلفات كثيرة؛ منها ما طبع، ومنها ما لم يطبع إلى الآن.. نذكر منها 3 دواوين شعر، هي: "صلاة في الجحيم"، و "ثورة الشعر"، و "نقطة في الظلام". ورواية واحدة هي "مأساة واق الواق"، وله عدد من المؤلفات السياسية والرسائل الثقافية؛ منها "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن"، و "الخدعة الكبرى في السياسة العربية"، و "مطالب الشعب".
الشاعر المجاهد محمد محمود الزبيري ( أبو الأحرار ) رحمه الله 1328هـ إلى 1384هـ -1910 م إلى 1965 م
في مدينة صنعاء وفي حارة بستان السلطان ولد الشاعر المجاهد محمد محمود الزبيري سنة 1910م حيث تعيش أسرة الزبيري، وهي من الأسر الصنعانية العريقة، التي نبغ فيها قضاة وعلماء وشعراء، ومنهم والده محمد الزبيري، حيث اشتغل بالقضاء، فأسرته أسرة قضاة.
حفظ الأخ الزبيري القرآن الكريم صغيراً، وكان ندي الصوت بالقرآن يستمع إليه بخشوع، وقد أم الناس في صلاتهم وهو في العشرين من عمره.
بدأ دراسته في الكتّاب، ثم في المدرسة العلية، ثم بجامع صنعاء الكبير وكان من هواة المطالعة، نظم الشعر وهو دون العشرين.
وفي سنة 1937 م ذهب لتأدية فريضة الحج، والتقى بالملك عبد العزيز، وألقى قصيدة في الحفل السنوي الذي كان يقيمه الملك لكبار الحجاج.. وبقي مجاوراً في مكة لمدة سنتين حيث سافر إلى مصر سنة 1939 م والتحق بكلية دار العلوم، وهناك تعرف على الإمامحسن البنا رحمه الله وعلى الأستاذ فضيل الورتلاني، واطلع على مبادئ الإخوان المسلمين بمصر وعلى الفكر الثوري الجزائري، وشرع في تجميع اليمنيين الدارسين في المعاهد المصرية.
وفي سنة 1941 م قطع دراسته وعاد إلى اليمن، حيث قدم للإمام يحيى مذكر تتضمن مشروعاً لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صنعاء، مما أغضب الإمام يحيى الذي لم يرضه ذلك، كما ألقى خطبة في الجامع الكبير بصنعاء، فكان جزاؤه السجن مع عدد من شباب اليمن القريبين منه.
وبعد خروجه من السجن بمساعدة إخوانه ومحبيه لم يطق البقاء في اليمن فذهب إلى عدن، حيث بدأ مرحلة الكفاح المنظم، واستمر في كفاحه حتى قامت ثورة اليمن سنة1948 م حيث قتل الإمام يحيى، وعين عبد الله الوزير إماماً جديداً، وكان للعالم الجزائري الفضيل الورتلاني (واسمه الحقيقي ابراهيم بن مصطفى الجزائري من بني ورتلان في الشرق الجزائري) كان له الدور الرئيس في الحركة.
فعاد الزبيري من عدن إلى اليمن حيث تولى وزارة التعليم، وحين فشلت الثورة غادر اليمن إلى باكستان، تعرف هناك على سفير مصر عبد الوهام عزام، وعلى سفير سوريا عمر بهاء الدين الأميري وأقام حتى سنة1952 م، حيث غادرها إلى مصر بعد الانقلاب العسكري على الملك فاروق، وفي مصر بدأ نشاطه في صفوف اليمنيين، وامتد نشاطه إلى اليمنيين في السودان وحين قامت الثورة اليمنية سنة 1962 م التي أطاحت بالحكم الحميدي، عاد الزبيري إلى اليمن، وعين وزيراً للمعارف في حكومة الثورة.
ثم حصلت التدخلات من الدول العربية وغيرها، فدخلت اليمن في حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس فسارع الزبيري لإصلاح ذات البين بين القبائل واشترك في عدة مؤتمرات للإصلاح في اليمن وفي السودان سنة 1964 م وقد تبين له بعد تلك الجهود أن الملكيين والجمهوريين سواء في المطامع، فأعلن تأسيس (حزب الله) وأخذ يزور القبائل والمدن اليمنية، فاستجاب له الكثيرون، وقد أدرك بعض الإخوة الذين التقوا به وتعرفوا عليه أن الرجل ليس شاعراً فحسب، بل قائداً متمرساً، ومجاهداً صلباً، وسياسياً بارعاً، ومثقفاً واعياً، له اطلاع واسع على مجريات الأحداث، وأوضاع العالم العربي والإسلامي ومشكلات المسلمين وقضاياهم.
لقد كان الأستاذ الزبيري من العاملين بجد وإخلاص لرفع الظلم عن الشعوب وإقامة العدالة بين الناس، وتحقيق الشورى بين الحاكم والمحكوم.
وكان رحمه الله طلق المحيا، يهش في وجوه الجميع، يتناول القضايا والمشكلات بأسلوب متوازن من حيث بسطها، وجوانبها، وتشخيص عللها وبيان طرق علاجها.
كما كان منزله مأوى للوافدين إلى مصر من أحرار اليمن الذين فروا من الظلم والاضطهاد، وكانوا يمثلون شرائح المجتع اليمني من أدباء وعلماء وسياسيين وغيرهم من شباب وشيوخ أحرار، وكانوا ينظرون إلى الزبيري نظر تجلة واحترام وتقدير وإكبار، ويكثرون من مشورته، وينصتون إلى آرائه وتوجهاته.
وقد كان للأستاذ الزبيري اتصالاته الواسعة، وله معارف كثيرون معظمهم من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، كالأستاذ الإمام حسن البنا الذي التقاه عام 1939م بمصر، والأستاذ الفضيل الورتلاني، والأستاذ عبدالحكيم عابدين والأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، والأستاذ علي أحمد باكثير وغيرهم.
لقد كانت اليمن في عهد الزبيري تعيش حالة تأخر وعزلة، بعيدة عما وصل إليه العالم المتحضر من تقدم علمي تكنولوجي في مجالات شتى يحسن الاستفادة منها لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، غير أن المشكلة كانت تكمن فيمن بيدهم الأمر في ذلك الوقت، الذين كانوا يريدون تجهيل الشعب وعزله عن العالم الآخر، حيث استشرى فيهم الجهل والفقر والظلم، التعصب القبلي والتزمُّت المقيت الذي لا أصل له في الإسلام، وتحول الشعب إلى طبقة من العبيد المسخرين لخدمة فرد على حساب الأمة بكالمها، حتى لقد قال أحد الغربيين في ذلك الوقت ( إن مصر متخلفة عن أوروبا مائة عام، أما اليمن فإنها لا زالت تعيش عصر ما قبل التوراة).
كل هذه الآفاق من الظلم والفقر والمرض، فضلا ًعن الكبت والتضييق والحرمان من إبداء الرأي أو تقديم النصيحة، وإبداء المشورة، جعلت الأستاذ الزبيري وإخوانه المخلصين والمسلمين العاملين من أهل الحل والعقد، يبحثون لهم عن مكان يلتقون فيه وإخوان يشدون أزرهم، ويقفون إلى جانبهم لإنقاذ أمتهم وتحرير شعوبهم من القيود التي تكبلهم وتثقل كاهلهم، فكانت مصر هي المقر، وكان رجال الحركة الإسلامية فيها هم الأنصار الذين شدو أزر إخوانهم اليمنيين ووقفوا إلى جانبهم، وقدموا كل ما يلزم من المال والرجال، وأخذوا بكل الأسباب المستطاعة والإمكانات المتوافرة.
إن الإرادة الصلبة التي تميز بها الأستاذ الزبيري والإصرار العنيد على تحقيق الهدف الذي كان يصبو إليه، قد جعلت منه وإخوانه نماذج متميزة في النشاط والحركة، بحيث استقطبوا كثيراً من رجال اليمن وشبابها للسير معهم في طريق الدعوة الإسلامية، باعتبار أن الإسلام هو المنهج الأمثل لحياة الأمم والشعوب، والأفراد والجماعة، والدول والحكومات، ومن ثم فلا بد من توحيد كل الجهود لاستئناف الحياة الإسلامية، وفق منهج الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة ما لم يرد فيه نص.
وقد وفق الله تعالى الأستاذ الزبيري إلى قطع مراحل طيبة في هذا السبيل حيث كان التجمع اليمني يتخذ الإسلام أساساً كتحركه، ويلتزم أفراده منهج الإسلام خلقاً وسلوكاً وعقيدة وشريعة ونظام حياة للأفراد والمجتمعات والدول، فكان هذا الشباب المسلم اليمني يمثل في صفاته ونقائه أهل اليمن الأصلاء الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاءكم أهل اليمن ألين قلوباً وأرق أفئدة ) وكما قال صلى الله عليه وسلم ( الإيماني يماني، والحكمة يمانية ).
وثق الناس بهذا الرجل الكبير لصدقه وإخلاصه وطهارته، فكان يتحرك ب الإسلام وللإسلام، وفي سبيل الله وابتغاء مرضاته، ولا غرو فهو أبو الأحرار وزينة رجال اليمن، ثم هو الشاعر الملهم الذي جعل من شعره مشعلاً ينير للرجال سبيل الحق والحرية ويحث الشباب على التضحية والفداء في سبيل هذا الدين، ومما قال في إحدى قصائده والتي عنوانها ( الثورة ) :
- فها هنا تبعث الأجيال والأمـــم
هنا القلوب الأبيّات التي اتحدت
- هنا الحنان، هنا القربى، هنا الرحم
هنا الشريعة من مشكاتها لمعت
- هنا العدالة والأخلاق والشيـــم
إلى أن قال فيها :
إن القيود التي كانت على قدمي
- صارت سهاماً من السجان تنقـم
إن الأنين الذي كنـا نـردده سراً
- غدا صيحة تُصغي لها الأمم
والحق يبدأ في آهات مكتئب
- وينتهي بزئير ملؤه نقـــــم
جودوا بأنفسكم للحق واتحدوا
- في حزبه وثقوا بالله واعتصمـوا
وقال في قصيدة عنوانها ( في سبيل فلسطين ) :
ما للدماء التي تجري بساحتنا
- هانت فما قام في إنصافها حكـم
ما للظَّلوم الذي اشتدت ضراوته
- في ظلمنا نتلقاه فنبتســـــم
نرى مخالبه في جرح أمتنـا
- تدمى ونسعى إليه اليوم نختصم
يا قادة العرب والإسلام قاطبة
- قوموا فقد طال بعد الصبح نومكم
يقول الأستاذ أحمد الجدع : [ إذا أردت أن تتحدث عن اليمن الجمهورية، فلا بد لك أن تذكر الزبيري، وإذا أردت أن تتحدث عن الشعر في اليمن فلا بد أن تذكر الزبيري، وإذا تحدثت عن الثورة اليمنية، ولم تتحدث عن الزبيري وشعره، فإنك لم تتحدث عن أهم دعائم هذه الثورة، فالزبيري شاعر أشعل ثورة اليمن بشعره، وقاد مسيرتها بشعره أيضاً، وهو لذلك استحق من مواطنيه أن يلقب بأبي الأحرار وشاعر الثوار]. فالشعب اليمني كان يجد متنفساً في شعر الزبيري، ذلك الشعر الذي كان يجلجل في سماء اليمن كأنه هدير المدافع وأزيز الرصاص.
أما مؤلفات الأستاذ الزبيري في الشعر والسياسة فقد بلغت اثنا عشر كتاباً، وأما المخطوطات فهي كثيرة لدى اصدقائه وأفراد أسرته. فمن مؤلفاته :
1. الإسلام دين وثورة .
2. بحوث ومقالات سياسية وأدبية .
3. الخدعة الكبرى في السياسة العربية .
4. ديوان ( ثورة الشعر ).
كما أنه كان محور الكثير من الدراسات والكتب التي تناولت جوانب من حياته ونضاله وشعره، منها:
1. الزبيري شاعر اليمن / هلال الحلوجي.
2. الزبيري الشهيد المجاهد / للأستاذ عبد الرحمن الطيب.
3. الزبيري ضمير اليمن الثقافي / عبد العزيز المقالح.
4. التاريخ يتكلم / للأستاذ عبد الملك الطيب.
5. الزبيري أديب اليمن الثائر / عبد الرحمن العمراني
ومن أقوال الشهيد الزبيري : (إن حكاية وحدة الصف بدون وحدة الهدف حكاية تافهة وخرافة ولا تعدو أن تكون في الواقع غير اتفاق على نفاق متبادل وغش مشترك، ولقد أنكرنا الظلم في العهد الإمامي، ثم أنكرنا الخطأ في العهد الجمهوري، لأن المبدأ لا يتغير بتغير الأشخاص والأسماء والأشكال، الحكم الجمهوري الذي نريده هو الحكم الجمهوي الإسلامي الصحيح الذي يقوم على أساس الشورى والذي يتمكن فيه أبسط أبناء الشعب أن يقوِّم رئيس الجمهورية، وأن ينتقد أي وزير دون خوف من حبس أو لغم ينفجر في بيته، أو عزله من الوظيفة فذلك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمرنا الله به ورسوله.
يقول عنه الشيخ عبد المجيد الزنداني ( ذلك هو العالم المسلم الواعي المجاهد الصادق محمد محمود الزبيري الذي ما تخلى عن دينه ولا تخلى عن عقيدته، ولا تلوث في سلوكه، ولا في خلقه، بل كان نبراساً منيراً للأجيال يتحرك بوعي وعلم وبصيرة ).
لكن كثيراً ممن كانوا يخشون من الزبيري وحزبه تآمروا عليه لأنه يشكل خطراً على مطامعهم، فحاربوه، ثم دبروا اغتياله، وهوخارج من المسجد في الحادي والثلاثين من شهر مارس 1965م فخر شهيداً ودفن في تراب اليمن الحزين على فراقه قبل أن تنضج الثمرة ويقر عيناً بتوحيد اليمنين.
رحم الله الأستاذ الزبيري رحمة واسعة وأفاض عليه من شآبيب رحمته وتقبله في الشهداء والصالحين وحسن أولئك .