"إذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد".
وبهاء الدين الأميري اسم غائب حاضر بيننا، ناضل كثيرا من اجل الوطن، وكافح طويلا من اجل الحريات ونشر المبادئ الإسلامية.
شخصية حفرت لها مكانه بمداد من نور في ذاكرة التاريخ، ولم يكن واحد ولد ثم مات فحسب، بل امتلك شخصية أثرت وتأثرت بمحيط المجتمع والبيئة التي وجد بها، فمنذ أن ولد في بيئة تجاهد وتكافح الاستعمار الجاثم على صدر الأمة، وقد اشتعلت لديه غريزة العزة التي تأبى وجود مستعمر فوق تراب وطنه، وتفتحت لديه مشاعر وأحاسيس الأديب الذي ينشد الحرية لوطنه السليب.
نشأته
وُلد عمر بهاء الدين الأميري في حلب الشهباء بسورية سنة 1336هـ (1915م) ووالده هو محمد بهاء الدين الأميري، نائب حلب في "مجلس المبعوثان العثماني"، وأمه هي "سامية الجندلية" ابنة "حسن رضا" رئيس محكمة الاستئناف في حلب.
درس المراحل التعليمية الأساسية في مدينة حلب، وفيها أتم دراسته في الآداب والفلسفة، درس الأدب وفقه اللغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السوربون في باريس، والحقوق في الجامعة السورية في دمشق.
عمل في التعليم فتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي في دمشق، وقالت عنه مجلة الشهاب والتي أصدرها الإمام البنا عام 1947م في عددها الثالث: "سوري من صفوة أبناء حلب وُلِد سنة 1329هـ، وقضى بعض عمره المبارك في الدراسة بفرنسا، وتخرّج في "الحقوق السورية" سنة 1940م، وكان نجاحه منقطع النظير، واشتغل بالمحاماة مشترطًا على موكليه أن يتخلى عن دعاواهم إذا ظهر وجه الحق في غير جانبها! واشتغل بالحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأسس مركزًا للدعوة الإسلامية في باريس، وهو شاعر مطبوع ومجاهد مؤمن".
يعد الأميري من مؤسسي جمعية "دار الأرقم الإسلامية" في حلب، كما أسهم في تأسيس حركة (سورية الحرة)، وكان رئيس الجانب السياسي فيها، عام (1384هـ) (1952م).
ولقد اختير الأميري ليكون عضوًا في المجمع العلمي العراقي، وعضوًا في المجمع الملكي للبحوث الإسلامية في الأردن، ولقد نظم الشعر في التاسعة من عمره، حتى أن له العديد من الدواوين الشعرية منها ديوان " أب ".
تأثر بهاء الأميري بفكر الإمام الشهيدحسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة، وانتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان يرى أنها الحركة الإسلاميّة التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة للنهوض بالأمّة الإسلاميّة من كبوتها، وتحرّرها من ربقة الاستعمار، فكان يقول: إن المستقبل لهذه الحركة الإسلاميّة إذا توفّر لها الفهم الصحيح للإسلام، والقيادة الحكيمة الرشيدة، والعاملون المخلصون.
ويعد القطر السوري من أوائل الأقطار التي نبتت فيها دعوة الإخوان خارج مصر، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها:
اهتمام الإخوان بالطلبة السوريين المتواجدين بمصر للدراسة، وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هؤلاء الطلبة مصطفى السباعي وعمر بهاء الدين الأميري.
رعاية الإخوان للعلماء السوريين أمثال عالم دير الزور محمد سعيد العارفي الذي استوطن مصر بعد خروجه من سوريا إثر ثورته على الظلم والاحتلال الفرنسي، والذي صادر أملاكه وكتبه وحكموا عليه بالنفي.
"في عام 1356ه /1937م أسس في حلب أول مركز مرخص لجماعة الإخوان رغم تضيق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان في مصر ولاسيما فضيلة المرشد العام".
وعندما زار الإمام البناسوريا في 13 من جماد الأول 1367هـ الموافق 23 من مارس1948م، كان في استقباله في فندق أوريان بهاء الدين الأميري وكوكبة من إخوانسوريا.
شارك في حرب فلسطين عام 1948م، بكل طاقته وجهده حتى انتهت الحرب بالمهزلة المعروفة.ومن المواقف التي يذكرها مع الإمام البنا أنه كان في زيارة لمصر في صحبة والده والذي حرص أن يعرفه بالإمام البنا فاصطحبه للمركز العام للإخوان المسلمين وتقابلا مع الإمام الشهيد الذي رحب بهم بشده، وفي اليوم الثاني وأثناء استقلال الأميري ووالده القطار وقبل التحرك بقليل من محطة مصر وجدا الإمام البنا يأتي مسرعا حاملا باقة من الزهور، ليقدمها لوالد بهاء الأميري ويودعه، مما ترك هذا الموقف أثرا بليغا في نفس الوالد والابن.
تطوع في جيش الإنقاذ، سنة 1367هـ 1948 مقاتلاً في كتيبة الإخوان المسلمين السوريّين، وحمل مطالب الإخوان إلى حكومة جميل المدفعي في بغداد، التي تضمنت زيادة عدد القوات العراقيّة المشاركة في حرب فلسطين، وضرورة التحرك خارج حدود التقسيم، وإقصاء اليهود من الجبهة الوطنيّة لتحرير فلسطين التي تشكّلت في بغداد.
تفاعل مع الثورة الجزائريّة، وبناء باكستان، والمسيرة المغربيّة الخضراء، وعبّر عن المشاعر الإنسانيّة، وهموم المسلمين والمعذّبين . وكان يدعو إلى إسقاط الحكومات المهزومة، وإلى رفع راية الثورة على الأنظمة المتخاذلة، ويتناول فساد الإدارة الحكوميّة في سوريّة، وسيطرة الطبقيّة والتخلّف، في افتتاحيّات (جريدة المنار) التي كان يحرّر بها سنة 1367هـ 1948م.
دعي إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلاميّة بكليّة الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس، ثم أستاذاً لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنيّة، وقسم الدراسات الإسلاميّة والعليا في جامعة الرباط، والقرويّين سنة 1386/1966 .
ليعمل أستاذًا لكرسي "الإسلام والتيارات المعاصرة" في دار الحديث الحسنية بالرباط، وقسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة القرويين، كما درس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في فاس.
نظم في الشعر العاطفي ديوان (أب) 1974 - 1394 وهو الديوان الذي قرّظه العقاد في إحدى ندواته فقال:لو كان للأدب العالمي ديوان في جزء واحد لكانت هذه القصيدة في طليعته
وجدت في شعرك لذّة ومتعة وسعادة، ما لا أجده في غيره من الشعر الجديد، وهو والحق يقال نفحات من الإيمان، وقبسات من نور القرآن، وصدق العاطفة، ورقّة الشعور، وتصوّر دقيق لهواجس النفس ، وخلجات الفكر، وكم تمنيت أن كنت معك في دعائك، وفي لحظات ابتهالاتك.
وقال يوم نعيه: إنه يستحق صفة شاعر الإنسانيّة المؤمنّة، وأمير شعراء الإسلاميّين في النصف الثاني من القرن العشرين قاطبة، بعد محمد إقبال أمير الشعراء في النصف الأول .
وكتب في سيرته محمد علي الهاشمي
(عمر بهاء الدين الأميري شاعر الأبوّة الحانية، والنبوة البارّة، والفن الأصيل).
وأذكر أني في ذلك العدد نفسه من "مجلة الشهاب" وفي باب "روضة الأدب" قرأت له أول ما قرأت شعرًا ربانيًّا عذبًا رقراقًا لم يكن لنا به عهد في ذلك الوقت، تحت عنوان "خماسيات الأميري" وفيها مناجاة لله تعالى كأنما تسمع فيها رفيف أجنحة الملائكة وكأنما هي ترتيلة أو صلاة مجسدة في شعر مؤمن أو إيمان شاعر.
ويضيف:
والذين يعرفون الأميري يعلمون أنه لم يكن مجرد سفير لسوريا، بل كان سفير الأمة الإسلامية، أو قل: كان سفير الإسلام، الذي يحمل هموم دعوته، وآلام أمته، وآمال صحوته.
وفاته
توفي عمر بهاء الدين الأميري بعد مرض عضال أصابه عندما كان يقيم في المغرب، ثم نُقل بمكرمة ملكية من الملك فهد بن عبد العزيز للعلاج في السعودية، حيث مكث شهرين، حتى توفاه الله مساء الأحد 22 من شوال سنة 1412هـ الموافق 26 أبريل1992م عن عمر ناهز الثالثة والسبعين، ودفن في المدينة المنورة.