معركة النفس الطويل .. ياسين عز الدين
معركة النفس الطويل
ياسين عز الدين
يواصل جيش الاحتلال عدوانه المتصاعد على قطاع غزة، وفق خطة مبيتة رسمت منذ أكثر من ستة أشهر حسب ما ذكرت المصادر الصهيونية، ويأتي العدوان بعد تيقن العدو من فشل الحصار بتحقيق أهدافه، فبات من الضروري البحث عن بديل، ويشير استدعاء جيش الاحتلال للآلاف من جنود الاحتياط وتهيئة الرأي العام الصهيوني لعملية طويلة المدى إلى الإصرار الصهيوني على المضي في العدوان وإلى وجود أهداف تتعدى مجرد وقف صواريخ المقاومة.
فما هو هدف الاحتلال من العدوان؟ وما هي مراحل العدوان التالية؟ وهل سينجح رهان بعض الأنظمة العربية على نجاح الاحتلال في غزة بعد فشله الذريع في لبنان؟ وما هي الخيارات المطروحة أمام المقاومة الفلسطينية ؟ وكيف يمكن لنا كمواطنين ووطنيين وأحرار أن ندعم المقاومة في حربها؟
النوايا والأهداف الصهيونية:
تتجاوز أهداف العدوان الصهيوني مجرد وقف صواريخ المقاومة، الأمر الذي كان ممكناً لو مددت التهدئة وفك الحصار، إلا أن الصهاينة نظروا دوماً بخطورة إلى استمرار تسلح المقاومة، ولم يستوعبوا وجود قاعدة متقدمة للمقاومة في خاصرة الكيان، وحاولوا منذ البداية فرض شرط وقف "تهريب السلاح" ضمن صفقة التهدئة، وبعدما فشلوا بذلك بدؤوا بالتخطيط للعدوان الحالي.
إلا أننا نلاحظ أن الغارات الجوية التي استهدفت مقار الشرطة لم تؤثر بجسم المقاومة أو قدراتها، ولا يعود هذا لصعوبة استهداف أهداف تابعة للمقاومة فحسب، بل لرغبة الصهاينة باستنساخ تجربة (الرعب والصدمة) التي استخدمتها أمريكا عند غزو العراق ، على أمل أن تنهار حماس والمقاومة وتتفكك دون قتال حقيقي كما حصل مع نظام صدام حسين، وهو ما نلمسه بقوة في الحملة الإعلامية الصهيونية والتي تحرض المواطنين ضد حركة حماس ، وحتى لو لم ينجز هذا الهدف يأملون أن يشيع تدمير المقرات جوا من الفوضى والنزاع الداخلي في مرحلة ما بعد انتهاء العدوان مما يستنزف قدرات حماس ، وربما يمهد لاستقدام قوات تابعة لعباس لتستكمل مهمة الاحتلال تحت ستار استعادة الأمن والنظام.
ويجب إدراك أهمية ومصيرية المعركة الحالية بالنسبة للمشروع الصهيو-أمريكي، خاصة بعد الضربات التي تلقاها خلال السنوات الخمس الأخيرة؛ في العراق ولبنان وأفغانستان والصومال، فالقضاء على مشروع "دولة المقاومة" في غزة ضروري نظراً لأن حركة حماس هي الطرف الأكثر نفوذاً جماهيرياً وشعبياً داخل محور الممانعة، ويمكن لصمود نموذج المقاومة في غزة أن يشكل ضربة قاصمة للمشروع الصهيو-أمريكي، ومن الناحية الأخرى تعتبر الفرصة الآن مواتية للصهاينة لضرب هذا النموذج نظراُ لأن حماس هي الطرف الأضعف عسكرياً ضمن محور الممانعة (نظراً لضعف تسليحها ولانعدام العمق العربي والجغرافي في قطاع غزة).
بناءً على ما سبق يجب أن ننتظر الأسوأ من الصهاينة، فلجوؤهم لمهاجمة مقرات الشرطة غدراً وغيلةً، واعتبار ذلك عملية ناجحة وذكية، يدلّ على مأزقهم وهم يقفون عاجزين عن القضاء على مشروع المقاومة، ونشير هنا إلى أن العدو الصهيوني لم يستخدم للآن كامل قوته؛ فعلى سبيل المثال شاركت 60 طائرة حربية في غارات اليوم الأول للعدوان وهي تشكل أقل من 10% من القوة الجوية الصهيونية.
- أما الشكل الذي يمكن أن يسير فيه العدوان فسيخضع للمحددات الآتية:
- 1. الصهاينة مستعدون لمعركة طويلة الأمد تمتد لعدة أسابيع في ظل خسائر بشرية صهيونية محدود نسبياً (لحد بضع عشرات من القتلى) لكن تتضاءل إمكانية صمودهم مع تزايد خسائرهم.
- 2. واضح لنا ارتكاز العدوان الأساسي على سلاح الجو، وهو ما سيستمر حتى اليوم الأخير من المعركة.
- 3. لن يبدأ الهجوم البري إلا بعد "معالجة" كل الأهداف التي يمكن معالجتها من الجو، ويمكن أن يأخذ هذا الهجوم أحد شكلين:
- أ- هجوم مباغت وواسع النطاق يستهدف معظم مساحة القطاع، وهذا سيكون له تكلفة بشرية باهظة بين الصهاينة، لكنه قد يحسم المعركة بسرعة، خاصة في حال كانت معنويات المقاومين منهارة أو متضعضعة.
- 4. يسعى الصهاينة لتركيز غالبية اعتداءاتهم الجوية على المراكز الحكومية أو المنشآت التي لها علاقة بحماس بشكل أو آخر، حتى يأخذوا الغطاء الدولي لأطول فترة ممكنة، فضلاً عن إقناع محور الاعتدال العربي بأن هنالك مصلحة مشتركة مع الكيان في العدوان.
خيارات المقاومة:
لا يوجد خيارات عديدة أمام المقاومة، إلا أنه بإمكانها اجتياز المعركة بأقل قدر ممكن من الخسائر، وإفشال أهداف العدوان، وتحقيق الانتصار في حال تمكنت من تحقيق عدة أمور:
- 1. الصمود وإطالة عمر المعركة: فكلما طال أمد المعركة يزداد العبء الميداني على جيش الاحتلال، كما يزداد الضغط الخارجي الممارس على الكيان، وبما أن صواريخ المقاومة هي عنوان المعركة يجب ضمان سقوط الصواريخ على الكيان حتى آخر لحظة في المعركة، والمهم هو استمرارية سقوط الصواريخ ولو كان ذلك على حساب الكمية.
- 2. الاختبار الفعلي للمقاومة هو بعد بدء الهجوم البري، حيث يترتب على المقاومة تحقيق ثلاث مهمات عامة: الأولى: إعاقة تقدم قوات الاحتلال لأطول فترة ممكنة، والثانية: نصب الكمائن لجنود الاحتلال وإيقاع خسائر بشرية بهم، والأخيرة: ضرب خطوط الإمداد سواء عبر القصف بالهاون أو الهجمات المباغتة. وفي حال طال أمد القصف الجوي يصبح ضرورياً أن تبادر المقاومة بمهاجمة القوات المحيطة بالقطاع وإيقاع خسائر بشرية في صفوفها.
- 3. الجبهة الداخلية الصهيونية والخسائر البشرية هي الخاصرة الرخوة للكيان الذي يجب أن تستغله المقاومة، والمهم هنا هو نزيف بشري على مدار الوقت (ولو كان عد القتلى محدوداً)؛ بمعنى أن سقوط قتيل صهيوني واحد يومياً وعلى مدى عشرة أيام، أفضل من مقتل عشرة صهاينة دفعة واحدة، لأن استمرارية النزيف تضمن استحضار هذه الخسائر في ذاكرة كل صهيوني على مدار الساعة، مما يسهم بتحطيم معنويات الجبهة الداخلية.
- 4. يمكن للمقاومة أن تسعى لتحقيق إنجازات نوعية مثل إسقاط طائرة أو تفجير دبابات أو أسر جنود، مما سيساهم بتأزيم الوضع الداخلي الصهيوني ويعطي التحرك الشعبي العربي الدافعية للاستمرار لأن الجماهير العربية تبحث عمن يقودها إلى الانتصار أكثر من بحثها عن شعب مظلوم.
- 5. ويمكن لفصائل المقاومة أن تفتح جبهات أخرى تشاغل به العدو وتحديداً في الضفة الغربية ومناطق الـ48، عبر تنفيذ عمليات استشهادية أو غيرها، مما سيستنزف معنويات المجتمع الصهيوني، ويدفعه للتشكيك بجدوى العدوان.
كيف يمكننا أن نساعد:
لا شك أننا كجماهير فلسطينية وعربية يمكن أن نقدم الكثير لدعم المقاومة، خاصة وأن هنالك فرصة قوية لانتصار المقاومة، وبالتالي كل جهد يبذل مهما كان متواضعاً يقوي هذه الفرصة ويقرب المقاومة من لحظة الانتصار.
شاهدنا التحرك الجماهيري في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر وهو لن يكون له الأثر الكبير ما لم يستمر ويتواصل، وبالتالي واجب على كل فلسطيني ضمان استمرار خروج المظاهرات ورشق الحجارة في منطقته، وأثبتت الوقائع على الأرض أنه بالرغم من سعي شرطة فياض لمنع هذه المسيرات، إلا أنها لا تمتلك النفس المطلوب لمواصلة التصدي لها، كما أنها لا تستطيع منع التحرك الشعبي في الريف الفلسطيني، خاصة في القرى الواقعة بالقرب من الجدار الواقي أو الطرق الالتفافية.
كما يمكن أن نشهد مبادرات فردية في العمل المسلح ضد الاحتلال، مثل العمليات الأخيرة التي حصلت في القدس الشرقية، حيث نشير إلى أن عدداً من خلايا القسام التي عملت سابقاً في الضفة الغربية بدأت بمبادرات فردية، وبعد أن نفذت عملياتها الأولى وجدت طريقها للانضمام إلى كتائب القسام.
أما الضغط الجماهيري العربي فله دور هام بالضغط على الأنظمة المتواطئة مع الكيان الصهيوني، ونشير هنا إلى أزمة وارتباك معسكر الاعتدال نتيجة اتهامه بالتواطؤ مع العدو، وهو ليس بالتماسك الذي شهدناه عليه أثناء حرب لبنان، فهذه فرصة جيدة لأن تلعب الجماهير العربية بإعادة تشكيل موقف هذا المعسكر مما يحصل في القطاع ودفعه لتغيير مواقفه.
ونلاحظ التوتر الواضح في تصريحات ممثلي هذا المعسكر، والعصبية التي يتكلمون بها أمام شاشات التلفاز، ولنتذكر أنهم في النهاية بشر ولا يمكن أن يتحملوا هذا السيل من الاتهامات والضغوط الشعبية بدون أن ينهاروا نفسياً أو أن يراجعوا حساباتهم.
يجب على الجماهير أن تركز في كل تحرك شعبي على مطلب محدد كأن تبدأ بمطلب فتح معبر رفح، وبعد تحقيق هذا المطلب تنتقل إلى المطلب التالي سواء كان وقف تصدير الغاز إلى الكيان، أو طرد السفير، أو إقالة الوزير أبو الغيط.
خلاصة:
تشير كافة الدلائل إلى شراسة وطول وشمول العدوان على القطاع، حيث يجب أن تكون المقاومة مهيأة لمواجهة كافة الاحتمالات، وقادرة على إطالة أمد المعركة واستنزاف العدو بشرياً ونفسياً ومادياً، كما يمكن للجماهير أن تلعب دوراً في دعم موقف المقاومة وتعزيز فرص صمودها ونجاحها، ففي نهاية المطاف هذه معركة استنزاف، والرابح فيها هو صاحب النفس الأطول، والأكثر قدرة على الاستمرار بالمواجهة حتى النهاية.
المصدر:كتائب الشهيد عز الدين القسام-المكتب الإعلامي