ليلى الحسيني
مقدمة
لم تكن دعوة الإخوان دعوة دعوية فحسب، بل هي دعوة شاملة ومتنوعة ومتجددة، فترى فيها السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمشايخ والدعاة والرياضيين والشعراء وغيرهم فهي دعوة حوت بين جنباتها العدد من الأمزجة المختلفة.
فكثير من الناس يظن أن دعوة الإخوان اهتمت بالجانب السياسي أو الدعوي فقط، غير أننا لو نظرنا لو وجدنا بها الكثيرين من علماء وسياسيين ومثقفين، فكما ضمت حسن البنا كنموذج شامل للداعية ضمت المستشار حسن الهضيبي كرجل قضاء، فاستحقت بحق أن تكون ملتقى الأشخاص.
منبت الزهرة
زهرتنا في هذه الحلقة ليست من أبناء القاهرة كما تعودنا أن نقرأ في هذه السلسلة فهي زهرة نبتت وترعرعت وسط المزارع الطبيعية, وارتوت من معين الريف الصافي, جمعت بين جمال الطبيعة وروح الاستشهاد, زهرتنا اختتمت حياتها في بيت مجاهد, حمل على عاتقه منذ أن كان عمره سبعة عشر عاما الزود عن فلسطين عام 1948م, كما زاد عن أرض الكنانة عام 1951م, وترك بصمات ثرية على أرض الجهاد.
ليلة الحسيني إبراهيم حسبو, ولدت في 1942/5/12م في قويسنا محافظة المنوفية, لم تكن الوحيدة لأبويها, بل كان لها من الأخوات أربعة غيرها بالإضافة لولد وحيد لأبويها هو أحمد الحسيني.
عاشت في كنف أسرتها حيث كانت أسرة متنقلة لطبيعة عمل والدها الذي كان يعمل ناظرا في السكة الحديد, فكان تعليمها حسب طبيعة المرحلة التي تعيشها الأسرة, غير أنها في ظل هذه الظروف استطاعت أن تحصل على دبلوم فني بمدرسة بنها الفنية عام 1962م (1).
زواجها
لم تكن تدرك أنها يوما سينتهي حالها في منزل أحد المجاهدين الأبرار لقضية فلسطين والقنال, كما أنها لم تدرك بدايتها بهذا المنزل ستبدأ من داخل مزرعة طره فقد كان أخوها أحمد الحسيني أحد الأفراد الذين التحقوا بركب الإخوان المسلمين داخل المعتقل حيث زج به مثل كثير من الشباب دون ذنب وتعرض مثلما تعرض كثيرا من الإخوان للاعتقال وحجب الحرية خلف جدران السجون وحكم عليه ظلما وزورا بالحبس سنين عددا قضاها مع كوكبة من المجاهدين الذين حملوا قلوبهم وقدموها في سبيل الله في حرب فلسطين والقتال, والتي لم يحترم عبد الناصر جهادهم وزج بهم في السجون ليقضى على آخر أسمى معاني النبل والزمالة في ساحة الوغى حيث إنهم لهم الفضل الأعظم بعد الله في توصيل المؤن والزاد للجيش المصري المحاصر الفالوجا, غير أن عبد الناصر تناسى كل ذلك وقبض حريتهم وأثقل قلوبهم بالهم والكرب حينما حكم عليهم بالسجن مدى الحياة خلف أقبعة السجون.
تعرفت على المجاهد أبوالفتوح عفيفي ولنقف برهة لنعرف سجل شرف هذا المجاهد (ففي قرية كفر وهب مركز قويسنا محافظة المنوفية ولد أبو الفتوح عفيفي إبراهيم شوشة، في الأول من مايو 1929م.
ونشأ في أسرة تحافظ على العبادات وشعائر الإسلام، حيث كان والده حافظًا للقرآن الكريم وكان عابدًا وكان شيخ البلد وفي نفس الوقت إماما لمسجد البلد، وكانت والدته ربة بيت، وتوفيت عام 1948م، وكان له من الإخوة ثلاث بنات وولدين هما عبد العزيز وكان مزارعا ورشدي الذي التحق بصفوف الإخوان ولقب بملك السجن ولنا معه وقفه في مقال آخر.
التحق بمدرسة إلزامي في كفر الشيخ إبراهيم – مركز قويسنا، غير أنه لم يكمل تعليمه ورحل للقاهرة رغم صغر سنه والذي لم يتجاوز الخامسة عشر.
تعرف أبو الفتوح عفيفي على دعوة الإخوان منذ الصغر حيث كان والده من محبي الإمام البنا، والتحق بجماعة الإخوان المسلمين حيث سبقه فيها أخوه رشدي عفيفي (والذي سمى بملك السجن لمواقفه فيه)، وشارك في حرب فلسطين وعمره كان 19عاما، وبعد عودته اعتقل مع إخوانه عام 1949م، وبعد خروجه شارك في أعمال النظام الخاص بالمنوفية، حتى اعتقل عام 1954م، اعتقل أبو الفتوح بعد 15 يوم من الهروب ورحل لقسم مصر الجديدة حيث تعرض لتعذيب وحشي، وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه، فقضى في السجن سبعة عشر عاما من عام 1954م حتى عام 1971م، لاقى فيها من العذاب ألوان(2).
وفي يوم 29 أبريل 2007 م اعتقل في قضية اعتقال عضوي مجلس الشعب المنتمين للإخوان المسلمين وهما الأستاذان صبري عامر ورجب أبو زيد و المهندس فتحي شهاب الدين، والدكتور عاشور الحلواني، والمهندس محمود عبدالله، والحاج عاشور غانم.
وقد أفرج عنه فجر الثلاثاء الموافق 2007/3/10م بعد صدور قرارٍ بالإفراج الصحي عنه، أثناء قضائه فترة العلاج بمستشفى قصر العيني الفرنساوي إثر إصابته بجلطةٍ دماغيةٍ نُقل على إثرها من سجن مزرعة طرة إلى المستشفى بعد مماطلاتٍ أمنيةٍ.
وفي يوم 2008/27/2م تمَّ مداهمة منزله في التاسعة من صباح اليوم، وقامت قوات الأمن بتفتيشه، واصطحبوا الشيخ المريض الذي جاوز الخامسة والثمانين من عمره إلى مقر أمن الدولة بالمنوفية، إلا أنه قد تمَّ الإفراج عنه بعد ساعاتٍ قليلة، وهو مازال مسئول المكتب الإداري لإخوان المنوفية)(3).
فى هذا الجو المشحون بالمعاني الحية والكلمات السامية تعرف أبو الفتوح عفيفي على السيدة ليلى والتي كانت كثيرا ما تتردد على زيارة أخيها أحمد فشاهدها وبالرغم من أن معرفتها بالإخوان كانت بسيطة إلا أنها احتكت ببعض النماذج التي أصقلتها بمعانى الربانية والمسئولية فى توصيل الفهم الصحيح لدين الله لباقي المجتمع, لقد كان للحاجة نعيمة خطاب زوج المستشار حسن الهضيبي دور بارز فى تعريفها بدعوة الإخوان لقد عرف أبو الفتوح عفيفي هذه المعاني فى هذه الفتاة فطلب يدها من أخيها, وتحقق الأمر أواخر الستينيات حتى إذا جاء الفرج الرباني بالإفراج عن المعتقلين سارع أبو الفتوح بطرق بابها وإكمال مراسم الزفاف بها.
أدركت أنها أمام رجل عظيم غير أنه كان لا يمتلك من حطام الدنيا إلا النذر البسيط, فما أشغلها ذلك, وما وضعته في خلدها بل كان همها أن تعيش في كنف مجاهد, اجتمع الزوجان, وعاد الزوج إلى عمله في شركة البترول غير أن المدة التي قضاها في غياهب السجون لم تحسب في سجل خدمته وتوقف مرتبه عند مبلغ عشرين جنيها, ولم يكفيا المعيشة غير أنها استطاعت أن تحول حياة زوجها بهذا المبلغ البسيط إلى حياة رغدة, حتى رزقهم الله بمولودهما الأولى أسماء (رفض تعينها بسبب ملف والدها الأمني) ثم رزقهما الله بأميمة عام 1976م, ثم أحمد عام 1979م، ثم أيمن(4).
غير أن الله كان له حكمة أخرى, وفضل آخر أراد أن يغمر به هذه الأسرة, فما كاد رب الأسرة يستقر في عمله حتى التقى بالأخ حسن عبد المنعم, والذي عرض عليه العمل في مصانع الشريف بمبلغ مائتي جنيه, ثم انتقل للعمل في مصنع للغزل والنسيج في قويسنا، وقد فتح الله عليهما من خيره وجوده، غير أن حياتهما لم تمش بخطى مطمئنة بسبب المراقبة الأمنية على زوجها وأبنائها حتى وصل الأمر في لحظة من اللحظات لاعتقال ابنها أحمد ومنعت ابنتيها أسماء وأميمة من التعيين كمعيدين(5).
الزوجة والبرلمان
ما أن شعرت الزوجة ببعض الاستقرار الأسرى, ونعمت بقرب زوجها وحنين أبنائها حتى كانت تنتظرها مهام جسام أخرى ومرحلة جديدة من حياة الدعاة, فقد صدر قرار من قيادات الإخوان لزوجها بخوض غمار الانتخابات, فكانت مفاجأة عظيمة عليها, حيث ظروف المهمة التي ألقيت على كاهليهما, غير أنها صبرت واحتسبت كل ذلك ابتغاء رضوان الله.
وما كادت تنطلق الحملة الانتخابية إلا وقد حملت مشعل العمل في التنسيق, وفرز الأسماء وتوزيع بطاقات وأرقام اللجان, بل بالدوران على المنازل تدعو للقائمة الإسلامية, والتي كان زوجها أحد أفرادها, وليس ذلك فحسب بل فتحت أبواب بيتها للفقراء لينعموا بما في البيت من خير, وعندما فتحت اللجان أبوابها أمام الناخبين كانت أول من دخلت لجنتها لتقوم بدورها, وعندما قدم الضابط لتقفيل الصناديق وقفت فى وجهه بالمرصاد بل ارتمت على الصندوق, وأبت أن يتم التزوير فأخرج الضابط مسدسه مهددا أنه سيطلق النار عليها, فقالت اضرب بالنار فلن يرهبني ذلك إلا أن ضابط آخر سارع بالتدخل لفض الموقف حتى ظهرت النتيجة, وفاز زوجها بمقعد المنوفية عام 1987م(6).
لم يعنها النجاح كثيرا فقد كان شغلها الشاغل هو فقراء بلدتها حيث اعتنت بهم, حتى أن الحاج أبو الفتوح عفيفي كان كل يوم يقول لها اطبخي من أجل 30 أو 40 فردا فما جزعت أو حزنت بل كانت سعيدة بما تقدم. ومن المواقف المؤلمة التي واجهتها أنها في لحظة لم تجد اللبن لتوأمها بسبب ضعف راتب زوجها بالإضافة لكون المتاعب التي واجهها ابنها أحمد أثناء حادث الأقصر بسبب أن ملفه في الكلية كان مكتوبا عليه "خطر" وبعد تخرجه عين في الضبعة.
ومن المواقف أيضا أنها صبرت حتى سماها زوجها الصابرة, فقد تزوجت في منزل والده بكزوهل ثم سكنوا شقة مفروشة ووقت بناء بيتها كانت هي المشرفة عليه لانشغال زوجها(7).
الزوجة والمحن
منذ أن التحق أخوها بدعوة الإخوان والمحن لم تغادر منزلهم, واستكملت الحلقة بزواجها من مجاهد وأحد أفراد الإخوان المسلمين, فغير المحن الشخصية التي كانت تعانى فيها حيث أصيبت بالكبد والروماتيزم وقرحة في المعدة, امتحنت في زوجها حيث المطاردات الأمنية المستمرة لمعاينة داخل جماعة الإخوان المسلمين.
ففي أحداث 1995 تعرض المنزل للتفتيش المستمر حتى حكمت المحكمة وانقشعت الغمة وما كاد زوجها يبلغ من العمر عتيا حتى لا حقته الضربات الأمنية ففي 29 أبريل 2007 م داهمت مباحث أمن الدولة, منزل المهندس فتحي شهاب وظل بيتها محاصرا بالهم والغم والتفتيش المستمر, حتى لاحت من الأفق بشائر الإفراج فى غير أنها ما كادت تهنأ بخروجه وهو ابن الثمانين عاما إلا داهمت مباحث أمن الدولة منزلها واعتقل زوجها لمدة ثلاث ساعات يوم 2008/27/2م بسبب كونه مسئول المكتب الإداري لإخوان المنوفية, ومع هذه الضربات إلا أنها كانت تواجهها بقلب زكى ونفس راضية, وحتى هذه الأيام ما زالت تتكئ على زوجها ليكملا مشوارهما في الحياة(8).
الهوامش
1- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاجة ليلى الحسيني يوم 2008/12/4م.
2- أبو الفتوح عفيفي: رحلتي مع الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1424هـ، 2002م، ص (11: 15).
3- موقع إخوان أون لاين.
4- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الأستاذ أبو الفتوح عفيفي يوم 2008/12/4م.
5- أبو الفتوح عفيفي، مرجع سابق، ص(75).
6- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاجة أحمد وأميمة أبوالفتوح عفيفي يوم 200812/4م.
7- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الأستاذ أبو الفتوح عفيفي يوم 2008/12/4م.
8-ليلى الحسيني موقع:إخوان أون لاين 2008/27/2م.